مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) - صـ 486

جلسة 20 من نوفمبر سنة 1947

برياسة حضرة جندى عبد الملك بك وكيل المحكمة وحضور حضرات: محمد المفتى الجزايرلى بك وأحمد على علوبة بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

(233)
القضية رقم 128 سنة 16 القضائية

دعوى حساب. حساب اعتمده المجلس الحسبى. لا تجوز المطالبة به من جديد إلا لتصحيح خطأ مادى واقع فيه أو للنظر فى قلم بعينه من أقلامه لكونه مشوباً بغلط أو تدليس.
إذا كانت الدعوى مرفوعة بطلب حساب عن مدة وصاية فرفضت المحكمة الدعوى قائلة إنها غير ذات موضوع، استناداً إلى عدم تقديم دليل من جانب المدعى على صحة ما ادعاه من غش وخطأ فى أقلام الحساب السابق اعتماده من المجلس الحسبى، فليس فى ذلك القول ما يناقض كون الدعوى مرفوعة بطلب حساب، لأن هذا الحساب إذ كان من قبل محل نظر المجلس الحسبى واعتمده فلا تعود المطالبة به من جديد جائزة إلا أن تكون المطالبة منصبة على تصحيح ما وقع فى العمليات الحسابية من خطأ مادى أو على أقلام بعينها من أقلامه لكونها مشوبة بغلط أو تدليس [(1)].


[(1)] اختلفت المحاكم فى حجية القرارات التى كانت تصدرها المجالس الحسبية بالتصديق على الحساب المقدم من وصى القاصر ونحوه عن إدارة الأموال المتولى إدارتها. فذهب رأى إلى أن تصديق المجلس الحسبى على الحساب لا يحول دون المنازعة فيه أمام المحاكم المدنية، وحجته أن قرار المجلس الحسبى ليس حكماً له قوة الأمر المقضى فيما بين المتولى ومحجوره إذ أن المجلس لا ينظر فى الحساب بقصد الفصل فى حقوق متنازع عليها وقائمة بها خصومة بين طرفين (وليس القاصر طرفاً فى خصومة ولا يمكن أن يكون كذلك) وإنما ينظر فى المجلس وهو فى سبيل الرقابة على عمل المتولى ليصدر قراره بما يراه فى حدود ما له من سلطة على المتولين فى الشؤون التى تتعلق بإدارة أموال محجوريهم (حكم محكمة استئناف مصر المنعقدة بهيئة محكمة نقض وإبرام فى 11 مايو سنة 1918 وحكمها فى 5 مارس سنة 1901 وحكمها فى 3 ابريل سنة 1907 المنشورة فى المجموعة الرسمية س 19 عدد 88 وس 2 ص 252 و س 9 عدد 16).
وفى أحكام أخرى قررت محكمة الاستئناف أن المحاكم الأهلية لا تختص بدعوى الحساب التى يقيمها وصى جديد على وصى سابق متى كان هذا الوصى قد قدم حسابه إلى المجلس الحسبى (17 يناير سنة 1912 المجموعة الرسمية س 13 عدد 35) وأنه لا تجوز مطالبة الوصى بتقديم الحساب أمام المحاكم الأهلية بعد أن قدمه أمام المجلس الحسبى.
وفى 5 ديسمبر سنة 1935 قضت محكمة النقض بأنه متى نظر المجلس الحسبى عمل الوصى (أو القيم أو الوكيل) وأجازه، ومتى فحص حسابه واعتمده، فإن إجازة العمل واعتماد الحساب يعتبران حجة نهائية للمتولى يحتج بها على عديم الأهلية كأنها صادرة منه وهو ذو أهلية تامة، وأنه متى قام متولى شأن عديم الأهلية بواجبه من تقديم الحساب السنوى أو النهائى للمجلس الحسبى فقد سقط عنه واجب تقديم الحساب ولا تمكن مطالبته مرة أخرى لدى القضاء بتقديم هذا الحساب. وقد أقيم هذا القضاء، لا على أن قرارات المجالس الحسبية فى مسائل الحساب تحوز قوة الشئ المحكوم فيه فإن هذه المجالس لا تصدر أحكاماً بالملزومية، ولكن على أن نظر الحساب واعتماده هو تتميم لاتفاق رسمى بين عديم الأهلية الذى يحل المجلس محله بقوة القانون من جهة وبين وليه من جهة أخرى، وهذا الاتفاق هو وحده الذى يحتج به كل طرف من طرفيه على الآخر ككل العقود والاتفاقات (هذا الحكم منشور فى الجزء الأول من هذه المجموعة رقم 306 ص 957 وما يليها).
وقد نبهت المحكمة فى حكمها ذاك إلى أمرين: (الأول) أن نتيجة الاتفاق بين متولى شأن عديم الأهلية وبين المجلس الحسبى إذا كانت موجبة لدين على عديم الأهلية أو على وليه فإن هذا الدين إن لم يوف ودياً فالمحاكم العادية هى التى تحكم به تنفيذاً لذلك الاتفاق. (ثانيا) أنه إذا كانت المطالبة من جديد بتقديم الحساب محظورة وكان الرجوع للمناقشة فى عموم أقلام الحساب بعد سبق اعتماده محظوراً كذلك، فليس من المحظور الرجوع للحساب المعتمد لتصحيح ما يكون قد وقع فى أرقامه من خطأ عملياته الحسابية أو للطعن فى أقلام خاصة بعينها من أقلامه تكون قائمة على غلط مادى أو تدليس أو تزوير.
وأمر ثالث لا شك فيه هو أنه إذا لم يكن المجلس الحسبى قد اعتمد الحساب المقدم من المتولى، بل خالفه فيه ولم يعتبره ملزما بنتيجته، فلا يكون القرار الصادر بذلك حجة على المتولى، لا باعتباره اتفاقاً ولا باعتباره قضاءً.
وظاهر أن الحكم موضوع هذا التعليق قد أخذ بما سبق أن رأته محكمة النقض فرفض الطعن على الحكم الصادر برفض طلب الحساب، بناءً على أن الوصى المدعى عليه قدم حسابه إلى المجلس الحسبى واعتمده المجلس، وأن المدعى لم يقدم دليلاً على ما ادعاه من غش وخطأ فى أقلام ذلك الحساب حتى أصبحت دعواه غير ذات موضوع.
وبعد فإن القانون رقم 99 لسنة 1947 قد ألغى المجالس الحسبية وجعل الاختصاص بالمواد الحسبية لدوائر تشكل بالمحاكم الوطنية تسمى المحاكم الحسبية، ووسع ولاية هذه المحاكم عما كان للمجالس الملغاة. فهل تظل القواعد المتقدمة الذكر سارية فى ظل القانون الجديد؟
نبدأ باستعراض نصوص القانون الجديد مع مقارنتها بقانون المجالس الحسبية:
1 - أوجبت المادة 24 على الوصى أن يقدم حسابا سنوياً مؤيداً بالمستندات وأوجبت المادة 32 عليه إذا انتهت وصايته أن يقدم حساباً (ختامياً) مؤيداً بالمستندات إلى من يخلفه أو إلى القاصر متى بلغ سن الرشد أو إلى ورثته، وأن يودع صورة من كشف الحساب قلم كتاب المحكمة الحسبية (ولا يختلف ذلك عن حكم المادة 24 من قانون المجالس الحسبية).
2 - نصت المادة 35 على بطلان كل تعهد أو مخالصة يحصل عليها الوصى من القاصر الذى بلغ سن الرشد إذا صدرت المخالصة أو التعهد قبل الفصل نهائياً فى الحساب. ويختلف هذا النص عن نص المادة 33 من قانون المجالس الحسبية التى تقرر بطلان المخالصة التى تصدر قبل مضى ستة أشهر من تاريخ تقديم الحساب ومستنداتها للمجلس ما لم تكن تلك الحسابات قد سبق للمجلس اعتمادها. وقد يفهم من اختلاف النصين أن كل حساب يقدم للمحكمة الحسبية مصيره أن تفصل فيه حتى بعد انتهاء الوصاية ببلوغ القاصر.
3 - نصت المادة 55 فى الفقرة 11 على أن المحكمة الحسبية تختص بمراقبة أعمال المتولين "والفصل فى حساباتهم". وكانت المادة 3 تنص على "النظر فى حساباتهم" وقد تدل هذه المغايرة فى التعبير على أن المراد هو جعل الاختصاص بالحكم فى المنازعات المتعلقة بالحساب للمحاكم الحسبية.
4 - ذكرت المادة 90 أنه يجوز الطعن بطرق الطعن العادية فى الأحكام الصادرة فى مسائل معينة، منها الفصل فى حسابات المتولين. وصرحت المادة 94 بجواز رفع الاستئناف من المحكوم ضده، كما صرحت المادة 100 بجواز الطعن بطريق النقض من النيابة العامة والخصوم فى الأحكام الانتهائية الصادرة من مواد الحساب دون غيرها. هذا فى حين أن القرارات الصادرة فى شأن الحساب لم تكن من بين القرارات التى أجازت المادة 13 من قانون المجالس الحسبية لذوى الشأن استئنافها مباشرة إلى المجلس الحسبى العالى أو المجلس الحسبى الاستئنافى، بل كانت كغيرها من القرارات التى لا يصح رفعها إلى مجلس الدرجة الثانية إلا من وزير العدل بموجب المادة 12.
5 - نصت المادة 93 والمادة 96 على أن المعارضة فى الحكم أو استئنافه لا يترتب عليهما وقف تنفيذه، إلا الأحكام الصادرة بالفصل فى الحساب، مما يدل على أن الفصل فى الحساب إنما يكون بحكم قضائى وأن هذا الحكم يصلح أداة للتنفيذ متى صار نهائياً.
6 - نصت المادة 114 على أن الأحكام الصادرة فى المسائل المبينة بالمادة 90 تنفذ بالطرق المقررة لذلك فى قانون المرافعات. ومن تلك المسائل الفصل فى حسابات المتولين، بل لعل الفصل فى الحساب هو أهم ما أوردته تلك المادة مما يحتاج إلى تنفيذ جبرى بالطرق المفصلة فى قانون المرافعات.
يتضح مما تقدم ذكره، ومن مراجعة سائر نصوص القانون، ومن إشارة مذكرته الإيضاحية، أنه قد أريد التفرقة بين مسائل تنظرها المحاكم الحسبية بسلطتها القضائية ومسائل تنظرها بسلطتها الولائية، وأن محاسبة المتولين قد جعلت من المسائل القضائية التى تنظرها تلك المحاكم وتفصل فيها بأحكام لها كل آثار الأحكام وحجيتها. ولئن أخطأ واضعو القانون فى اعتبار بعض المواد الحسبية من قبيل المنازعات القضائية - فليس منها ما يصح اعتباره كذلك لا فى فقه الشريعة الإسلامية ولا فى فقه القانون الحديث - فإنه ليس ثمة ما يمنع من إدخال محاسبة المتولين فى اختصاص المحاكم الحسبية، وهى محاكم مدنية لا تختلف فى تأليفها عن سائر المحاكم الوطنية، ليكون لها فيها كل ما كان للمحاكم العادية من سلطة فيما مضى.
ولكن قانون المحاكم الحسبية لم يبين كيف يكون تحقيق الحساب وكيف يكون الحكم فيه. فهل يجوز القول بأن هذه المحاكم - مع التسليم باختصاصها بمسائل الحساب - يمكن أن تصدر أحكاما فيها تكون لها طبيعة القضاء وحجيته وسائر آثاره، بغير دعوى تقام أمامها بين الوصى وبين القاصر ممثلا فى شخص وصى جديد أو وصى للخصومة ويقضى فيها على نحو ما يقضى فى دعاوى الحساب أمام المحاكم المدنية؟ وهل يصح اعتبار المحكمة نفسها نائبة عن القاصر فى الأحكام التى تصدرها له أو عليه، مع وجوب تنزه القاضى عن مركز الخصومة واستحالة أن يكون الخصم حكماً، أم تعتبر النيابة العامة هى النائبة عن القاصر فى خصومته مع الوصى، مع مخالفة ذلك لطبيعة وظيفتها؟ وهل يمكن تصور حكم فى غير خصومة أو تصور خصومة بغير خصم تصدر منه الطلبات وتوجه إليه الدفوع وتجرى معه المناقشة فى أدلة الدعوى؟
بهذا قد أردنا أن ننبه إلى ما أحدثه القانون الجديد من تعديل فى القواعد التى كان معمولا بها فى عهد المجالس الحسبية والتى هى موضوع هذا التعليق، وأن نشير إلى بعض ما يثيره تطبيق هذا القانون من المشكلات، ولا نحاول أن نقول فيها رأياً قاطعاً.