مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1981 الى آخر سبتمبر سنة 1982) - صـ 138

(19)
جلسة 19 من ديسمبر سنة 1981

برئاسة السيد الاستاذ المستشار يوسف ابراهيم الشناوى رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد نور الدين العقاد وعزيز بشاى سيدهم وحسن عبد الوهاب عبد الرازق وعبد المعطى على زيتون - المستشارين.

الطعن رقم 672 لسنة 24 القضائية

عقد ادارى - منحة تدريبية - تعهد بخدمة الجهة الموفدة - اخلال بالالتزام - تعويض. تخلف عضو المنحة التدريبية بارادته واختياره فى تنفيذ التزامه بخدمة الهيئة التى أوفدته فى هذه المنحة طوال المدة المحددة فى التعهد الموقع منه وانقطاعه عن العمل بدون عذر يترتب فى ذمته التزام بالتعويض يتمثل فى رد جميع ما أنفق عليه من مبالغ ومرتبات ومصاريف بصفته عضوا فى المنحة - لا مجال لاعمال نص المادة 31 من القانون رقم 112 لسنة 1959 بتنظيم شئون البعثات والاجازات الدراسية والمنح وما يترتب على ذلك من تحديد مدة التزامه بخدمة الهيئة التابع لها على أساس سنة عن كل سنتين قضاهما فى المنحة بدعوى أن التعهد الذى وقعه يتعارض مع حكم هذه المادة - مما لا شك فيه أنه طالما كانت المنحة التدريبية التى أوفد فيها تحكمها نصوص عقد ادارى يتمثل فى التعهد فان هذا العقد يكون وحده الواجب التطبيق فى هذا الشأن - خصم ما يقابل المدة التى قضاها فى خدمة الهيئة من المبالغ الملزم بردها نتيجة تقاعسه فى تنفيذ التزامه لا يستقيم بحال ما مع شروط العقد الادارى ولا مع الطابع الخاص الذى تتسم به هذه الشروط من حيث اتصالها بنشاط مرفق عام وتسييره بغية خدمة أغراضه وسد احتياجاته من ذوى التخصصات العلمية وأصحاب المران العملى كما لا يستقيم كذلك مع القواعد العامة فى المسئولية العقدية التى توجب لدرء مسئولية المدين عن التعويض الذى يقتضيه عدم وفائه بتنفيذ التزامه عينا أن يثبت أنه استحال عليه تنفيذ هذا الالتزام بسبب أجنبى لا يد له فيه. - أساس ذلك.


اجراءات الطعن

فى يوم الثلاثاء الموافق 25 من يوليو سنة 1978، أودعت ادارة قضايا الحكومة نيابة عن رئيس مجلس ادارة الهيئة العامة للتعمير والمشروعات الزراعية (بصفته) قلم كتاب المحكمة الادارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 672 لسنة 24 القضائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بجلسة 28 من مايو سنة 1978 فى الدعوى رقم 1361 لسنة 29 القضائية المقامة من الطاعن ضد السيد/ صلاح مصطفى السيد، والذى قضى بالزام المدعى عليه بأن يدفع الى المدعى مبلغ ستة وتسعين جنيها والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة فى أول يونيه سنة 1975 مع الزامه كذلك بالمصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة فى تقرير طعنه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه الى الزام المطعون ضده بأن يدفع الى الطاعن مبلغ خمسمائة وثلاثة وسبعين جنيها وستمائة وثمانية مليمات والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام الوفاء وكذلك المصروفات.
وعقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بتقرير برأيها القانونى، طلبت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا مع الزام الجهة الادارية بالمصاريف.
وبعد اتخاذ الاجراءات القانونية، تم نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة، حيث قررت بجلسة 20 من ابريل سنة 1981 احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا "الدائرة الأولى" لنظره بجلسة 23 من مايو سنة 1981، وبعد تداول نظر الطعن بالجلسات تقرر بجلسة 14 من نوفمبر سنة 1981 اصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل، على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن، فى أنه بمقتضى عريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الادارى فى أول يونيه سنة 1975، أقام رئيس مجلس ادارة الهيئة العامة للتعمير والمشروعات الزراعية (بصفته) الدعوى رقم 1361 لسنة 29 القضائية ضد السيد/ صلاح مصطفى السيد، طالبا الحكم بالزام المدعى عليه بأن يدفع له مبلغ 573.608 جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام الوفاء وكذلك المصروفات. وقال شرحا لدعواه، ان المدعى عليه رشح لمنحه تدريبه فى الميكنة الزراعية بيوغوسلافيا، وأنه وقع بتاريخ 19/ 12/ 1968 تعهدا بخدمة الهيئة الموفدة أو أية جهة أخرى توافق عليها الهيئة لمدة سبع سنوات على الأقل وذلك بعد عودته من المنحة، والالتزام برد كافة نفقات المنحة من مصاريف ومرتبات وفى 13 من يناير سنة 1969 صدر قرار وزير استصلاح الأراضى رقم 12 لسنة 1969 بالموافقة على سفر المدعى عليه فى المنحة التدريبية لمدة اثنى عشر شهرا تمتد الى أربعة عشر شهرا. وقد عاد الى أرض الوطن وتسلم عمله فى 19 من مارس سنة 1970، الا أنه قدم استقالته فى 24/ 1/ 1972، ثم انقطع عن العمل اعتبارا من 1/ 3/ 1972، مما ترتب عليه اخلاله بالتزامه بالعمل بالهيئة الموفدة طوال المدة المحددة فى تعهده، مخالفا بذلك أحكام قانون تنظيم البعثات والاجازات الدراسية والمنح.
ومن حيث أن محكمة القضاء الادارى، قضت بجلسة 28 من مايو سنة 1978، بالزام المدعى عليه بأن يؤدى الى المدعى بصفته مبلغ 96 جنيه (ستة وتسعين جنيها) والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة فى أول يونيه سنة 1975 مع الزامه بالمصروفات المناسبة لما قضى به. وأقامت قضاءها هذا على أنه ولئن كان المدعى عليه قد وقع تعهدا التزم بمقتضاه بخدمة الهيئة الموفدة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، الا أن هذا الالتزام يتعارض مع نص المادة 31 من القانون رقم 112 لسنة 1959 بتنظيم شئون البعثات والاجازات الدراسية والمنح، حيث يلزم هذا النص عضو البعثة أو الاجازة الدراسية أو المنحة بخدمة الجهة التى أوفدته مدة تحسب على أساس سنتين عن كل سنة قضاها فى البعثة أو الاجازة أو المنحة وبحد أقصى سبع سنوات لعضو البعثة وخمس سنوات لعضو الاجازة الدراسية. ومن ثم تتحدد مدة التزام المدعى عليه على الوجه الذى أوردته تلك المادة، أى على أساس سنة عن كل سنتين. واذ بلغت مدة المنحة أربعة عشر شهرا، لهذا كان على المدعى عليه خدمة الهيئة الموفدة ثمانية وعشرين شهرا، الا أنه لما كانت خدمته هذه قد اقتصرت على ثلاثة وعشرين شهرا وعشرة أيام، فانه يكون قد أخل بالتزامه، وبالتالى تستحق فى ذمته نفقات المنحة كاملة، الا انه لما كان قضاء المحكمة قد جرى على خصم ما يقابل المدة التى قضاها الموفد فى الخدمة من المبالغ الملزم بردها نتيجة اخلاله بالتزامه، فلهذا ينحصر التزام المدعى عليه فى مقابل المدة الباقية البالغة أربعة أشهر وعشرين يوما أى مبلغ ستة وتسعين جنيها.
ومن حيث أن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله - ذلك أن المطعون ضده وقع تعهدا بخدمة الهيئة الطاعنة لمدة سبع سنوات على الأقل بعد العودة من المنحة، فاذا أخل بهذا الالتزام يكون ملزما برد كافة نفقات البعثة طبقا للتعهد، ولا محل لتطبيق أحكام المادة 31 من قانون البعثات. ثم أن الالتزام المذكور غير قابل للانقسام بطبيعته، حيث أنه يرد على محل لا يقبل الأنقسام وهو على المطعون ضده فى خدمة الهيئة لمدة سبع سنوات كاملة.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق، ان المطعون ضده وقع فى 19 من ديسمبر سنة 1968 تعهدا بأن يتم منحته التدريبية فى تخصص الميكنة الزراعية بدولة يوغوسلافيا، وأن يخدم الهيئة التابع لها أو أية جهة عامة أخرى توافق عليها الهيئة مدة لا تقل عن سبع سنوات من تاريخ عودته للبلاد عقب انتهاء المنحة، وأن يرد جميع المصاريف والنفقات والمرتبات التى تتحملها الهيئة أو الجهة الموفد اليها بسبب هذه المنحة اذا وقع منه أى اخلال بالتعهد المذكور أو بأى واجب تفرضه عليه التشريعات المنظمة لشئون البعثات والاجازات الدراسية والمنح. وليس من شك فى أن هذا التعهد هو عقد ادارى توافرت فيه خصائص ومميزات العقود الادارية، وأن المطعون ضده قد التزم بمقتضاه بخدمة الهيئة التى أوفدته فى المنحة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، الا أنه نكل من تلقاء نفسه عن تنفيذ التزامه عينا بانقطاعه عن العمل دون تصريح سابق أو عذر، مما أدى الى ابلاغ النيابة العامة لمخالفته أحكام القانون رقم 296 لسنة 1956 بشأن أوامر التكليف للمهندسين المصريين خريجى الجامعات المصرية باعتباره من المهندسين الخاضعين لأحكام هذا القانون. ولما كان الانقطاع عن العمل قبل انقضاء مدة السبع السنوات التى تعهد بأداء الخدمة طوالها، وشكل اخلالا بالتزامه، وبمراعاة أن التنفيذ العينى استحال على المطعون ضده لسبب راجع اليه، فلا مناص من الزامه بالتعويض النقدى الذى يتحدد على الوجه المبين فى التعهد المأخوذ عليه برد جميع المصاريف والمرتبات التى أنفقت عليه بصفته عضوا فى المنحة.
ومن حيث أنه لا محل لما ذهب اليه الحكم المطعون فيه، من اعمال نص المادة 31 من القانون رقم 112 لسنة 1959 بتنظيم شئون البعثات والاجازات الدراسية والمنح، وما ترتب على ذلك من تحديد مدة التزام المطعون ضده بخدمة الهيئة التابع لها على أساس سنة عن كل سنتين قضاهما فى المنحة، بدعوى أن التعهد الذى وقعه يتعارض مع حكم هذه المادة فمما لا شك فيه انه طالما كانت المنحة التدريبية التى أوفد فيها المطعون ضده تحكمها نصوص عقد ادارى يتمثل فى التعهد المذكور، فان هذا العقد يكون هو وحده الواجب التطبيق فى هذا الشأن، ويضاف الى ذلك أن نص المادة 31 سالفة الذكر جرى كالآتي: "يلتزم عضو البعثة أو الاجازة الدراسية أو المنحة بخدمة الجهة التى أوفدته أو أية جهة حكومية أخرى ترى الحاقه بها بالاتفاق مع اللجنة التنفيذية للبعثات لمدة تحسب على أساس سنتين عن كل سنة قضاها فى البعثة أو الاجازة الدراسية وبحد أقصى قدره 7 سنوات لعضو البعثة، 5 سنوات لعضو الاجازة الدراسية الا اذا تضمنت شروط البعثة أو الاجازة الدراسية أحكاما أخرى .." ومؤدى ذلك ان النص المشار اليه لا يعتد به فى عداد النصوص الآمرة بل يعتبر فى حقيقته مكملا لشروط الاتفاق الذى يحكم البعثة أو الاجازة الدراسية، بحيث لا يجد مجاله فى التطبيق الا فى حالة عدم وجود مثل هذه الشروط، أما اذا وجدت سواء فى صورة تعهد أو غيره - كما فى الحالة الماثلة - أضحى من المتعين النزول على مقتضاها والحكم بموجبها.
ومن حيث أنه من ناحية أخرى فقد تنكب الحكم المطعون فيه جادة الصواب، أن أقام قضاءه على خصم ما يقابل المدة التى قضاها المطعون ضده فى خدمة الهيئة الطاعنة من المبالغ الملزم بردها نتيجة تقاعسه فى تنفيذ التزامه - ذلك أن الأخذ بهذا المبدأ على اطلاقه لا يستقيم بحال ما مع شروط العقد الادارى الذى قامت عليه علاقة الطرفين، ولا مع الطابع الخاص الذى تتسم به هذه الشروط من حيث اتصالا بنشاط مرفق عام وتسييره بغية خدمة أغراضه وسد احتياجاته من ذوى التخصصات العلمية وأصحاب المران العلمى. كما لا يستقيم كذلك مع القواعد العامة فى المسئولية العقدية، التى توجب لدرء مسئولية المدين عن التعويض الذى يقتضيه عدم وفائه بتنفيذ التزامه عينا، أن يثبت أنه استحال عليه تنفيذ هذا الالتزام بسبب أجنبى لا يد له فيه، ولا دليل على ذلك اطلاقا فى المنازعة المطروحة.
ومن حيث انه على ضوء ما تقدم، فلما كان المطعون ضده قد تخلف بارادته واختياره عن تنفيذ التزامه بخدمة الهيئة الطاعنة التى أوفدته فى المنحة التدريبية طوال المدة المحددة فى التعهد الموقع منه وقدرها سبع سنوات، وذلك بانقطاعه عن العمل دون عذر. فانه يترتب فى ذمته التزام بالتعويض يتمثل فى رد جميع ما أنفق عليه من مبالغ ومرتبات ومصاريف بصفته عضوا فى المنحة.
ومن حيث انه متى كان الأمر كذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد ذهب غير هذا المذهب بأن قضى بالزام المدعى عليه ببعض النفقات المشار اليها، فانه يكون قد خالف صحيح حكم القانون. ومن ثم يتعين القضاء بتعديله بالزام المدعى عليه بأن يؤدى الى الهيئة المدعية كامل هذه النفقات وقدرها 573.608 مليمجـ (خمسمائة وثلاثة وسبعون جنيها وستمائة وثمانية مليمات) والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة فى أول يونيه سنة 1975 حتى تمام الوفاء، مع الزامه بالمصاريف.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبالزام المطعون ضده بأن يدفع للحكومة مبلغ 573.608 مليمجـ (خمسمائة وثلاثة وسبعون جنيها وستمائة وثمانية مليمات) وفوائده القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية وبالمصروفات.