مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1967 إلى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 830

(89)
جلسة أول إبريل سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 887 لسنة 9 القضائية

( أ ) عقد العمل. "التزام رب العمل بعلاج عماله". عقد المقاولة.
رب العمل هو الملزم بتوفير وسائل العلاج للعاملين لديه ومصروفات هذا العلاج طبقاً لنصوص القانون رقم 89 لسنة 1950 ورقم 317 لسنة 1952 - رب العمل هو الذي يعهد للطبيب بمباشرة العلاج وتنشأ بينه وبين الطبيب علاقة عقدية قوامها عقد المقاولة - خصائص هذا العقد.
(ب) - عند العمل. "التزام رب العمل بعلاج عماله". عقد الوكالة انفصاله قيام رب العمل بالتأمين على عماله تنفيذاً لالتزامه بعلاجهم - قيام اللجان النقابية لهؤلاء العاملين باختيار الطبيب المعالج على أن يحصل على أتعابه من شركة التأمين - قيام العلاقة العقدية بين رب العمل وبين الطبيب - تدخل اللجان النقابية أساسه الفضالة - إقرار رب العمل ولو ضمنياً لهذا التصرف يترتب عليه تطبيق قواعد الوكالة في علاقة رب العمل الفضولي.
(جـ) - موظف. "واجباته. الأعمال المحظورة عليه. "شركات مساهمة" اشتراط لمصلحة الغير.
الترخيص للموظف في مباشرة مهنته خارج نطاق وظيفته وفي غير أوقات العمل الرسمية - للموظف أن يقوم بمزاولة هذه المهنة دون قيد إلا ما ينص عليه صراحة في القانون - الحظر الوارد بالفقرة الأولى من المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 معدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955 - يسري على الطبيب المرخص له في مزاولة مهنته في عيادته الخاصة - تقاضي الطبيب لأجره من الشركة المؤمن لديها على العمال لا يؤثر على قيام رابطة العمل بينه وبين الشركة التي يعمل بها هؤلاء العمال - حق الطبيب قبل شركة التأمين - أساسه الاشتراط لمصلحة الغير.
(د) - موظف. "تأديب. الجزاءات التأديبية".
الأصل أن للمحاكم التأديبية سلطة تحديد الجزاء المناسب بحسب تقديرها للذنب الإداري - مناط ذلك ألا يكون التشريع قد خص ذنباً إدارياً معيناً بعقوبة محددة - مثال - المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 معدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955.
(هـ) - قانون. "سريانه من حيث الزمان". شركات القطاع العام. موظف "تأديب".
صدور القانون رقم 32 لسنة 1966 ونصه في الفقرة الثانية من المادة التاسعة على أن لا تسري على شركات القطاع العام أحكام القانون رقم 26 لسنة 1954 والقوانين المعدلة له - ليس لهذا القانون من أثر رجعي على المخالفة التي ارتكبها المطعون ضده وحوكم من أجلها قبل صدوره.
1 - يستفاد من نصوص القانون رقم 89 لسنة 1950 بشأن إصابات العمل والقانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي أن رب العمل هو الملزم بتوفير وسائل العلاج للعاملين لديه وبمصروفات هذا العلاج وهو الذي يعهد للطبيب بمباشرة العلاج في المكان الذي يختاره لهذا الغرض، فالعلاقة تكون دائماً بين الطبيب المعالج ورب العمل.. وهذه العلاقة إنما هي علاقة عقدية - قوامها عقد مقاولة يتعهد فيه الطبيب بعلاج العاملين لدى رب العامل في مقابل أجر معلوم وإن كان لهذا العقد بعض الخصائص يتميز بها عن عقود المقاولة الأخرى، منها أن الالتزام الذي يعقده الطبيب هو التزام ببذل عناية - لا التزام بتحقيق غاية لأنه إنما يتعهد ببذل العناية الواجبة في علاج المريض، ولا يتعهد بتحقيق الغاية من العلاج وهي الشفاء، ومنها أن التعاقد مع الطبيب يلاحظ فيه دائماً شخصيته على أن ليس في هذه الخصائص شيء يتعارض مع حقيقة عقد المقاولة إذ أن هذا العقد كما يكون محله التزاماً بتحقيق غاية كذلك يجوز أن يكون محله التزاماً ببذل عناية.
2 - إنه إذا كانت الشركات المساهمة الثلاث سالفة الذكر قد قامت - تنفيذاً لهذه الأحكام القانونية، بالتأمين على العاملين بها لدى شركة إسكندرية للتأمين وقامت اللجان النقابية لهؤلاء العاملين باختيار الطبيب المطعون ضده لمباشرة العلاج - على أن يحصل على أجره عن ذلك من شركة التأمين - فإن العلاقة العقدية تكون قائمة بين الشركات الثلاث وهذا الطبيب.. ولا يغير من ذلك أن تلك اللجان هي التي اختارت الطبيب المذكور.. ذلك أن العقد في هذه الحالة - وهو عقد مقاولة - قد تدخلت في إبرامه هذه اللجان ولا ضير في أن تتدخل مثل هذه اللجان بطريق الفضالة لمباشرة عمل قانوني. إذ أنها تقوم بتلبية حاجة عاجلة ونافعة لهذه الشركات ولحسابها، اقتضاها وجود التزام لا يحتمل الإبطاء فرضه القانون على هذه الشركات - وهو علاج المرضى من العاملين بها - وقد أقرت هذه الشركات ولو ضمنياً هذا التصرف القانوني الذي بوشر لمصلحتها المحضة وترتب على هذه الإجازة تطبيق قواعد الوكالة في علاقتها بالفضولي الأمر الذي يترتب عليه تولد الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد المقاولة مباشرة بين الشركات والطبيب المطعون ضده من تاريخ عقد المقاولة وذلك طبقاً للمادة 190 من القانون المدني التي تنص على أن: "تسري قواعد الوكالة إذا أقر رب العمل ما قام به الفضولي" ومن المقرر أن هذه الإجازة تكون صريحة كما تكون ضمنية تستفاد من موقف رب العمل.. والقاعدة الأصولية في الوكالة أن ينصرف أثر العمل الذي يجريه الوكيل إلى الموكل. وعلى ذلك فإن التصرف الذي باشرته اللجان النقابية مع الطبيب المطعون ضده، يكون قد تم بين هذه الشركات - التي تمثل رب العمل - وبين الطبيب المذكور ويترتب عليه مباشرة الالتزامات المتبادلة الناشئة عن التصرف القانوني المذكور - وهو عقد المقاولة.
3 - أن الأصل أن للموظف المرخص له من جهة الإدارة المختصة في مباشرة مهنته خارج نطاق وظيفته وفي غير أوقات العمل الرسمية أن يقوم بمزاولة هذه المهنة دون قيد إلا ما قد ينص عليه صراحة في أحد القوانين مراعاة لحكمة يستهدفها المشرع.
إذا كانت المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 بشأن بعض الأحكام الخاصة بشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة معدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955 تنص على أنه:
(1) لا يجوز الجمع بين وظيفة من الوظائف العامة التي يتناول صاحبها مرتباً وبين إدارة أو عضوية مجلس إدارة إحدى شركات المساهمة أو الاشتراك في تأسيسها أو الأشغال. ولو بصفة عرضية بأي عمل فيها ولو على سبيل الاستشارة سواء أكان ذلك بأجر أم بغير أجر حتى ولو كان حاصلاً من الجهة الإدارية التابع لها على ترخيص يخوله العمل خارج الوظيفة العامة. ومع ذلك يجوز لمجلس الوزراء أن يرخص في الإشغال بمثل هذه الأعمال بمقتضى إذن خاص يصدر في كل حالة بذاتها.
2 - ويفصل الموظف الذي يخالف هذا الحظر من وظيفته بقرار من الجهة التابع لها بمجرد تحققها من ذلك كما يكون باطلاً كل عمل يؤدي بالمخالفة لحكم الفقرة السابقة ويلزم المخالف بأن يؤدي ما يكون قد قبضه من الشركة لخزانة الدولة.
وقد أوضحت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون الأخير حكمة هذا الحظر، وهي تنزيه الوظيفة العامة.. وليس من شك في أن الحظر الوارد بالفقرة الأولى من هذه المادة يسري على الطبيب نصف الوقت المرخص في مزاولة مهنته في عيادته الخاصة فيحظر عليه القيام بأي عمل من الأعمال التي عددتها تلك الفقرة.
ومتى ثبت أن الطبيب المطعون ضده قد تعاقد من الشركات المساهمة الثلاث سالفة الذكر لعلاج العاملين بها فإنه بلا شك يكون قد خالف الحظر المنصوص عليه بهذه الفقرة ما دام أن مجلس الوزراء لم يرخص له في ذلك بمقتضى إذن خاص فضلاً عن أن هدف المشرع من نص هذه الفقرة هو حظر قيام علاقة عمل بين الموظف العام وبين الشركات المساهمة وهذا الهدف يتحقق ولو كانت هذه العلاقة بصفة عرضية - أو مؤقتة وأن المحظور ليس فقط رابطة التعاقد بل قيام رابطة العمل بمعنى أن هذا القانون قد حظر على الموظفين العموميين تأدية أي عمل للشركات ولو بصفة عرضية أو على سبيل الاستشارة. ولما كان الثابت أن الطبيب المطعون ضده قد تعاقد على تأدية خدمة لحساب الشركات المساهمة سالفة الذكر وبأجر - وإن كان يتقاضاه من شركة التأمين لأن التزام هذه الشركة الأخيرة حسبما تقدم مقصور على تأدية الأجر للطبيب المذكور فالطبيب بهذه المثابة له حق مباشرة قبل شركة التأمين لا يمكن تخريجه إلا عن طريق الاشتراط لمصلحة الغير والعلاقة بينهما ليست علاقة عقدية بل تنشأ هذه العلاقة العقدية مباشرة بين الطبيب والشركات الثلاث التي تمثل رب العمل - المؤمن لها من جانب شركة التأمين وهذه الصلة المباشرة الثابتة التي انعقدت بين الشركات الثلاث والمطعون ضده تندرج من باب أولى تحت حكم الفقرة سالفة الذكر.
4 - أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه - ولئن كان للمحاكم التأديبية سلطة تحديد الجزاء المناسب بحسب تقديرها للذنب الإداري وجسامته وما يستأهله من عقاب في حدود النصاب المقرر - إلا أن ذلك مناطه ألا يكون التشريع قد خص ذنباً إدارياً معيناً بعقوبة محددة إذ في مثل هذه الحالة يتعين على المحكمة التأديبية إنزال ذات العقوبة التي أوجبها القانون.. ولما كان المطعون ضده إذ خالف حكم الفقرة الأولى من المادة 95 من القانون المذكور فإنه يقع تحت طائلة الجزاء الحتمي الذي لا محيص عنه وهو الذي نصت عليه الفقرة الثانية من هذه المادة على سبيل التحديد دون أن يكون للقضاء سلطة تقدير ملاءمة العقوبة وهذا الجزاء هو الفصل من وظيفته العامة حسبما سلف البيان.
5 - لا يغير من ذلك ما قد يقال - من أن الشركات المساهمة الثلاث المشار إليها أصبحت من شركات القطاع العام وقد صدر القانون رقم 32 لسنة 1966 الذي نص في الفقرة الثانية من المادة التاسعة على أن "لا تسري على شركات القطاع العام أحكام القانون رقم 26 لسنة 1954 والقوانين المعدلة له" ذلك أن القانون رقم 32 لسنة 1966 وقد صدر وعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 15 من أغسطس سنة 1966، فإنه ليس له من أثر رجعي على المخالفة التي ارتكبها المطعون ضده وحوكم من أجلها بالحكم الصادر من المحكمة التأديبية بجلسة 30 من مارس سنة 1963 في ظل القانون رقم 26 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 155 لسنة 1955 فهو الذي كان معمولاً به آنذاك ويتعين لذلك تطبيقه دون غيره.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية رقم 10 لسنة 2 القضائية ضد السيد الدكتور جمال الدين ممدوح الطبيب بالإدارة الصحية ببلدية الإسكندرية وأودعت أوراقها سكرتارية المحكمة التأديبية لموظفي وزارة الشئون البلدية والقروية في 21 من أكتوبر سنة 1959 وذلك لمحاكمته تأديبياً ونسبت إليه أنه جمع بين العمل بالبلدية وبإحدى الشركات المساهمة (شركة إسكندرية للتأمين) مخالفاً بذلك نص المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 المعدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955، والأمر الإداري رقم 14 لسنة 1957 بحظر قيام الأطباء بالعمل بالشركات المساهمة.. وبجلسة 6 من سبتمبر سنة 1960 قررت تلك المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة التأديبية بالإسكندرية للاختصاص وقيدت بها برقم 53 لسنة 2 القضائية.. وبجلسة 25 من مارس سنة 1961 حكمت المحكمة المذكورة بفصل الموظف المحال من الخدمة مع إلزامه بأن يؤدي إلى الحكومة ما قبضه من شركة إسكندرية للتأمين مقابل علاج عمالها منذ 24 من فبراير سنة 1957.. وقد طعنت هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بالطعن رقم 1173 لسنة 7 القضائية.. وبجلسة 5 من يناير سنة 1963 قضت المحكمة الإدارية العليا في ذلك الطعن بقبوله شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة القضية إلى المحكمة التأديبية للفصل فيها. وقد تحدد لنظره أمامها 16 من فبراير سنة 1963 وفيها حضر الطبيب المحال وأنكر التهمة المسندة إليه وطلب السيد - محاميه الحكم ببراءته تأسيساً على أنه لم يعمل بأي شركة مساهمة بالمعنى المفهوم بالقانون رقم 26 لسنة 1954 وقدم حافظتين بمستنداته.. وبجلسة 30 من مارس سنة 1963 حكمت المحكمة التأديبية ببراءة الطبيب المذكور مما أسند إليه.. وأقامت قضاءها - بعد أن أوردت نص المادة 95 من القانون المذكور ومراحله التشريعية على أن حظر الجمع بين الوظيفة العامة والأعمال المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة هو قيد على أصل مباح بالنسبة للموظف المرخص له بمزاولة مهنته خارج نطاق وظيفته وقد وردت الأعمال المحظورة على سبيل الحصر في تلك المادة فلا يجوز التوسع فيها ولا القياس عليها وأنه لما كان الثابت أن الموظف المحال يعمل طبيباً نصف الوقت بالبلدية ومرخص له في مزاولة مهنته في عيادته الخاصة وكان يتردد عليه فيها بعض العاملين بثلاث شركات وكان يتقاضى أتعابه عن علاجهم من شركة إسكندرية للتأمين بوصفها مؤمناً لديها على هؤلاء العاملين وينحصر دور هذه الشركة الأخيرة في أداء أتعاب الطبيب دون أن يكون لها دخل في اختيار الطبيب وإنما مرد هذا الاختيار إلى اللجان النقابية لهؤلاء العاملين وهو بهذه المثابة لا يقوم بأي عمل ولو عارض في شركة إسكندرية للتأمين ولا في أي من الشركات الثلاث المؤمنة لديها ومن ثم فإنه لا يقع تحت الحظر الذي أوردته تلك المادة.. وأضافت المحكمة إلى ذلك أن الحكمة التي استند إليها المشرع من هذا الحظر في مراحله التشريعية هي تنزيه الوظائف العامة والبعد بها عما يسئ إليها وهو غير متوافر في الحالة المعروضة ذلك أنه من غير المقبول أن يكون المشرع قد قصد من هذا الخطر حرمان العاملين بشركات المساهمة من الإفادة بخبرة وكفاية وعلم الأطباء من الموظفين العموميين المصرح لهم بالعمل خارج نطاق الوظيفة لمجرد أن الطبيب المعالج والذي أختاره العامل لعلاجه سوف يتقاضى أتعابه عن هذا العلاج من الشركة المساهمة الملتزمة قانوناً بأداء مصاريف العلاج والذي لا يعتبر القيام به بمثابة اشتغال من الطبيب بالشركة المساهمة بل هو في طبيعته خدمة بمقابل تؤدي من طبيب للعامل بالشركة وآثار هذه الخدمة تنصرف إلى المريض لا إلى الشركة التي وإن كانت بحكم القانون أو الاتفاق تؤدي الالتزام المالي الناشئ عنها إلى الطبيب فإن ذلك لا ينشئ أي صورة من صور الاشتغال بالشركة وأنه وإن كان الأصل في القانون رقم 89 لسنة 1950 بشأن إصابات العمل أن رب العمل هو صاحب الحق في اختيار الطبيب إلا أن هذا الحق ليس من الحقوق المتعلقة بالنظام العام فيجوز التنازل عنه للعامل أو النقابة التي تمثله وبذلك فإن العلاقة تكون بين الطبيب والعامل أو النقابة وإذا كان العامل يحيل الطبيب بأجر العلاج على الشركة فإنه ذلك من قبيل حوالة الحق.
وقد طعنت الحكومة في هذا الحكم بصحيفة أودعتها سكرتارية هذه المحكمة في 29 من مايو سنة 1963 طالبة الحكم بقبول طعنها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ومحاكمة المطعون ضده طبقاً لمواد الاتهام للمخالفة المسندة إليه مع إلزامه بالمصروفات.. وبنت طعنها على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أن المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954، معدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955 قد أوردت الحظر عاماً مطلقاً غير مقيد بشرط أن يكون للشركة دخل في اختيار الطبيب المعالج فيكتفي لتحقق هذا الحظر أن تكون الشركة المساهمة هي الملتزمة بأداء أجر العلاج للطبيب.. ولما كان القانون رقم 317 لسنة 1952 بشأن عقد العمل الفردي والقانون رقم 89 لسنة 1950 بشأن إصابات العمال قد ألزما رب العمل بتوفير جميع وسائل العلاج للعاملين لديه بتحميله بأجره فإنه إذا قام رب العمل بالتأمين على عماله لدى شركة تأمين فإن من شأن ذلك نقل الالتزام بإجراء العلاج إلى الشركة المذكورة وفي هذه الحالة يكون الأصل أن تختار شركة التأمين الطبيب المعالج فإذا تنازلت عن هذا الحق إلى رب العمل وتنازل هذا بدوره عنه إلى العمال أو نقابتهم فإن هذا لا ينفي تحقق اشتغال الطبيب في شركة التأمين بالمعنى المفهوم من نص المادة 95 سالفة الذكر لأن هذا التنازل لا يعدو أن يكون مجرد توكيل للمتنازل إليه لا يخل بعلاقة الاشتغال المباشر بين الطبيب وشركة التأمين. وأن الجهة الإدارية قد حرصت على إيضاح ذلك صراحة بالأمر الإداري رقم 14 لسنة 1957 الصادر في 17 من فبراير سنة 1957 بناء على رأي الجمعية العمومية للقسم الاستشاري للفتوى والتشريع بمجلس الدولة الصادر بجلستها المنعقدة في 19 من ديسمبر سنة 1956.. وأضافت الحكومة أن روح التشريع من الحظر هو تحريم موظفي الحكومة من الاشتغال بكافة صوره لدى الشركات المساهمة بحيث لا يترك أي ثغرة ينفذ منها الموظف العمومي إلى الاشتغال بتلك الشركات تحت أي ستار.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن بالمصروفات واستندت في ذلك إلى نفس الأسانيد التي استند إليها الحكم المطعون فيه وأضافت إليه أن العقد الذي يبرمه رب العمل مع إحدى شركات التأمين لتأمين عماله ضد المرض يكون في شكل تأمين جماعي وأن القاعدة في هذا التأمين أن تنشأ عنه علاقة مباشرة قبل شركة التأمين المؤمن لديها في استئداء مصاريف العلاج وأن للعمال المستفيدين أن يختاروا الطبيب الذي يعالجهم. وأن شركة التأمين وإن كانت هي الملزمة في النهاية بسداد مصاريف العلاج إلا أن هذا الالتزام ينشأ في ذمتها عن عقد التأمين فهو لا ينشأ نتيجة اتفاق بين الشركة وبين الطبيب ولا حتى بين الشركة والعمال ومن ثم فلا يتحقق القول بأن قيام الطبيب بعلاج العمال يتم لصالح شركة التأمين أو لحسابها وإنما يتم لصالح العمال أنفسهم ولحسابهم وأن الأمر لا يعدو أن يكون من قبيل حوالة الحق التي بمقتضاها يحيل العمال حقهم في الرجوع على شركة التأمين بمصاريف العلاج للطبيب المعالج وليس في رجوع الطبيب على هذه الشركة ما يعتبر من قبيل اشتغاله لديها أو لحسابها مما ورد عنه الحظر في المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 المعدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955 كما أنه لا يخالف أحكام الأمر الإداري رقم 14 لسنة 1957 لأنه جاء مردداً لأحكام المادة 95 المنوه عنها.
ثم عقبت الحكومة على تقرير هيئة المفوضين بمذكرة قالت فيها أنه متى كان رب العمل هو الملتزم بعلاج العاملين في منشأته وله حق اختيار الطبيب المعالج فإنه يجوز له التنازل عن حق الاختيار هذا للغير أو للعاملين بالمنشأة وهذا لا يعني انعدام الرابطة بين رب العمل والطبيب فالأمر لا يعدو في هذه الحالة أن رب العمل وكل غيره في اختيار الطبيب ومن مقتضى أحكام الوكالة أن ينصرف أثر العمل الذي أجراه الوكيل إلى الموكل فيعتبر رب العمل هو الذي اختار الطبيب ويلتزم بأداء أجره وإذا امتنع عن أداء هذا الأجر كان له أن يقاضيه دون أن يكون له حق الرجوع على الوكيل وكما يكون لرجل العمل أن يوكل غيره في اختيار الطبيب يكون له كذلك أن يحيل هذا الطبيب بأجره على شركة التأمين. وأنه إذا كان الثابت بالأوراق أن الشركات الثلاث قامت بالتأمين على عمالها لدى شركة الإسكندرية للتأمين وتنازلت لها عن حقها في اختيار الطبيب وهي تنازلت بدورها عن هذا الحق لنقابات العمال فإن اختيار هذه الأخيرة للطبيب المخالف لا يعني انقطاع صلته بالشركات المذكورة وأنه فضلاً عما تقدم وإذا فرض أن هذه الشركات قد انقطعت صلتها بالموضوع وأحالت التزامها إلى شركة التأمين فإن شركة التأمين يكون لها كل ما للمدين (أي لرب العمل) من حقوق قبل الدائن (العمال) ويكون للعمال متى قبلوا هذه الحوالة كل ما لديهم من حقوق قبل رب العمل وانتهت الحكومة من ذلك إلى أن شركة التأمين لها حق اختيار الطبيب تبعاً لالتزامها بعلاج العمال فإذا تركت حقها للعمال وأن هذا لا يعني عدم وجود علاقة بين شركة التأمين والطبيب المعالج لأن الأمر لا يعدو أن يكون وكالة عن هذه الشركة للعمال لكي يختاروا الطبيب وبتمام هذا الاختيار تقوم الرابطة بين الشركة والطبيب المختار.. ثم أحالت الحكومة إلى دفاعها الوارد بصحيفة الطعن وصممت على الطلبات الواردة بها.
كما قدم المطعون ضده مذكرة طلب فيها الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الحكومة بالمصروفات وأتعاب المحاماة واستند في ذلك إلى نفس الأسانيد التي استند إليها الحكم المطعون فيه وتقرير هيئة مفوضي الدولة وأضاف إليها أن الأمر رقم 14 الصادر في 26 من فبراير سنة 1957 الذي يحظر قيام الأطباء بالعمل في الشركات فهو صادر تنفيذاً للمادة 95 من قانون الشركات ولا يمكن أن ينصرف إلى الحالة المعروضة وأن الطبيب المطعون ضده، على كل حال، قد امتنع منذ أول فبراير سنة 1957 عن معالجة عمال شركة أقطان كفر الزيات أي قبل صدور الأمر المشار إليه وبالنسبة للشركتين الأخيرتين فإنه لم يقبل حالات جديدة وإنما صفى الحالات القديمة وانتهت جميعها في أول يونيه سنة 1957 وذلك على الرغم من كون حالته لا تدخل بحال في نطاق المادة 95 من القانون سالف الذكر كما أنها لا تخضع للأمر الإداري المشار إليه.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن كلاً من شركة أقطان كفر الزيات والشركة الأهلية للبطاطين والأقمشة الصوفية وشركة الورق الأهلية، وهي شركات مساهمة قد قامت بالتأمين على عمالها ضد إصابات العمل والمرض لدى شركة إسكندرية للتأمين وهي شركة مساهمة أيضاً. وأن اللجنة النقابية للعاملين بالشركات الثلاث الأولى كانت تعهد منذ سنة 1948 وما بعدها إلى الطبيب المطعون ضده لعلاج هؤلاء العاملين وعائلاتهم وكان يحصل على أجر العلاج الخاص بالعائلات من العاملين أنفسهم أما بالنسبة للعاملين فكان يستأدى أجر علاجهم من شركة إسكندرية للتأمين باعتبارها المسئولة عن هذا الأجر.. واستمر الطبيب في القيام بذلك حتى أول فبراير سنة 1957 بالنسبة لشركة أقطعان كفر الزيات وحتى أول يوليه سنة 1957 بالنسبة للشركتين الأخيرتين.. وكان قد صدر في 18 من فبراير سنة 1957 أمر إداري برقم 14 بحظر علاج عمال الشركات المساهمة على أطباء كل الوقت ونصف الوقت سواء أكان ذلك بتكليف من الشركة أو عن طريق أداء قيمة العلاج على أن يسري هذا الأمر بالنسبة لكل مخالفة لاحقه له.. وهذا الأمر صدر تنفيذاً للفتوى الصادرة من الجمعية العمومية للقسم الاستشاري للفتوى والتشريع بمجلس الدولة بجلستها المنعقدة في 19 من ديسمبر سنة 1956 بهذا المعنى.
ومن حيث إن المادة 3 من القانون رقم 89 لسنة 1950 بشأن إصابات العمل قد نصت على أن "لكل عامل أصيب بسبب العمل وفي أثناء تأديته الحق في الحصول من صاحب العمل على تعويض عن إصابته طبقاً للقواعد المقررة في البابين الثالث والرابع" ونصت المادة 9 من القانون المذكور على أنه إذا كان صاحب العمل مؤمناً على حوادث العمل جاز للعامل أن يطالب بحقوقه رب العمل والمؤمن لديه معاً متضامنين".. ثم نصت المادة 21 منه، وهي في الباب الثالث، على إلزام رب العمل بدفع جميع مصروفات علاج العامل المصاب. وثمن الأدوية ومصروفات الإقامة بالمستشفى على أن يترك له اختيار الطبيب والمستشفى.. كما نصت المادة 28 من القانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي على أنه إذا زاد عدد العمال بالمنشأة على مائة يجب على رب العمل أن يعهد إلى طبيب بعيادتهم وعلاجهم في المكان الذي يختاره رب العمل لهذا الغرض وأن يصرف لهم الأدوية اللازمة للعلاج وذلك كله بغير مقابل. أما إذا زاد عددهم على خمسمائة وجب عليه علاوة على ما تقدم أن يوفر لهم جميع وسائل العلاج ويشمل ذلك الأطباء الأخصائيين والعمليات الجراحية وغيرها بالمجان.. ويستفاد من هذه النصوص أن رب العمل هو الملزم بتوفير وسائل العلاج للعاملين لديه وبمصروفات هذا العلاج. وهو الذي يعهد للطبيب بمباشرة العلاج في المكان الذي يختاره لهذا الغرض. فالعلاقة تكون دائماً بين الطبيب المعالج ورب العمل.. وهذه العلاقة إنما هي علاقة عقدية قوامها عقد مقاولة يتعهد فيه الطبيب بعلاج العاملين لدى رب العمل في مقابل أجر معلوم وإن كان لهذا العقد بعض الخصائص يتميز بها عن عقود المقاولة الأخرى، منها أن الالتزام الذي يعقده الطبيب هو التزام ببذل عناية لا التزام بتحقيق غاية لأنه إنما يتعهد ببذل العناية الواجبة في علاج المريض. ولا يتعهد بتحقيق الغاية من العلاج وهي الشفاء، ومنها أن التعاقد مع الطبيب يلاحظ فيه دائماً شخصيته.. على أن ليس في هذه الخصائص شيء يتعارض مع حقيقة عقد المقاولة إذ أن هذا العقد كما يكون محله التزاماً بتحقيق غاية كذلك يجوز أن يكون محله التزاماً ببذل عناية (يراجع الوسيط في شرح القانون المدني للأستاذ السنهوري الجزء رقم 7 المجلد الأول من 18).
ومن حيث إنه إذا كانت الشركات المساهمة سالفة الذكر قد قامت تنفيذاً لهذه الأحكام القانونية، بالتأمين على العاملين بها لدى شركة إسكندرية للتأمين وقامت اللجان النقابية لهؤلاء العاملين باختيار الطبيب المطعون ضده لمباشرة العلاج على أن يحصل على أجره عن ذلك من شركة التأمين فإن العلاقة العقدية تكون قائمة بين الشركات الثلاث وهذا الطبيب.. ولا يغير من ذلك أن تلك اللجان هي التي اختارت الطبيب المذكور.. ذلك أن العقد في هذه الحالة - وهو عقد مقاولة - قد تدخلت في إبرامه هذه اللجان ولا ضير في أن تتدخل مثل هذه اللجان بطريق الفضالة لمباشرة عمل قانوني، إذ أنها تقوم بتلبية حاجة عاجلة ونافعة لهذه الشركات، ولحسابها، اقتضاها وجود التزام لا يحتمل الأبطاء فرضه القانون على هذه الشركات - وهو علاج المرضى من العاملين بها - وقد أقرت هذه الشركات، ولو ضمنياً، هذا التصرف القانوني الذي بوشر لمصلحتها المحضة وترتب على هذه الإجازة تطبيق قواعد الوكالة في علاقتها بالفضولي الأمر الذي يترتب عليه تولد الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد المقاولة مباشرة بين الشركات والطبيب المطعون ضده من تاريخ عقد المقاولة وذلك طبقاً للمادة 190 من القانون المدني التي تنص على أن:
"تسري قواعد الوكالة إذا أقر رب العمل ما قام به الفضولي" ومن المقرر أن هذه الإجازة تكون صريحة كما تكون ضمنية تستفاد من موقف رب العمل.. والقاعدة الأصولية في الوكالة أن ينصرف أثر العمل الذي يجريه الوكيل إلى الموكل. وعلى ذلك فإن التصرف، الذي باشرته اللجان النقابية مع الطبيب المطعون ضده، يكون قد تم بين هذه الشركات - التي تمثل رب العمل - وبين الطبيب المذكور ويترتب عليه مباشرة الالتزامات المتبادلة الناشئة عن التصرف القانوني المذكور - وهو عقد المقاولة.
ومن حيث إن الطبيب المطعون ضده يعمل طبيباً نصف الوقت بالإدارة الصحية ببلدية الإسكندرية ومرخص له في مزاولة مهنته في عيادته الخاصة في غير أوقات العمل الرسمية ويتردد عليه بها العاملون بالشركات المساهمة الثلاث للعلاج ويتقاضى أجره عن علاجهم من شركات الإسكندرية للتأمين بوصفها مؤمنة لصالح هؤلاء العاملين.
3 - ومن حيث إن الأصل أن للموظف المرخص له من جهة الإدارة المختصة في مباشرة مهنته خارج نطاق وظيفته وفي غير أوقات العمل الرسمية بمزاولة هذه المهنة دون قيد إلا ما قد ينص عليه صراحة في أحد القوانين مراعاة لحكمة يستهدفها المشرع.
ومن حيث إن المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 بشأن بعض الأحكام الخاصة بشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة معدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955 تنص على أنه:
1 - لا يجوز الجمع بين وظيفة من الوظائف العامة التي يتناول صاحبها مرتباً وبين إدارة أو عضوية مجلس إدارة إحدى شركات المساهمة أو الاشتراك في تأسيسها أو الاشتغال ولو بصفة عرضية بأي عمل فيها ولو على سبيل الاستشارة سواء أكان ذلك بأجر أم بغير أجر حتى ولو كان حاصلا من الجهة الإدارية التابع لها على ترخيص يخوله العمل خارج الوظيفة العامة. ومع ذلك يجوز لمجلس الوزراء أن يرخص في الاشتغال بمثل هذه الأعمال بمقتضى إذن خاص يصدر في كل حالة بذاتها.
2 - ويفصل الموظف الذي يخالف هذا الحظر من وظيفته بقرار من الجهة التابع لها بمجرد تحققها من ذلك كما يكون باطلاً كل عمل يؤدي بالمخالفة لحكم الفقرة السابقة ويلزم المخالف بأن يؤدي ما يكون قد قبضه من الشركة لخزانة الدولة - وقد أوضحت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون الأخير حكمة هذا الحظر، وهي تنزيه الوظيفة العامة.. وليس من شك في أن الحظر الوارد بالفقرة الأولى من هذه المادة يسري على الطبيب نصف الوقت المرخص له في مزاولة مهنته في عيادته الخاصة فيحظر عليه القيام بأي عمل من الأعمال التي عددتها تلك الفقرة.
ومن حيث إنه وقد ثبت أن الطبيب المطعون ضده قد تعاقد مع الشركات المساهمة الثلاث سالفة الذكر لعلاج العاملين بها فإنه بلا شك يكون قد خالف الحظر المنصوص عليه بهذه الفقرة ما دام أن مجلس الوزراء لم يرخص له في ذلك بمقتضى إذن خاص فضلاً عن أن هدف المشرع من نص هذه الفقرة هو حظر قيام علاقة عمل بين الموظف العام وبين الشركات المساهمة وهذا الهدف يتحقق ولو كانت هذه العلاقة بصفة عرضية أو مؤقتة وأن المحظور ليس فقط رابطة التعاقد بل قيام رابطة العمل بمعنى أن هذا القانون قد حظر على الموظفين العموميين تأدية أي عمل للشركات ولو بصفة عرضية أو على سبيل الاستشارة. ولما كان الثابت أن الطبيب المطعون ضده قد تعاقد على تأدية خدمة لحساب الشركات المساهمة سالفة الذكر وبأجر - وإن كان يتقاضاه من شركة التأمين لأن التزام هذه الشركة الأخيرة حسبما تقدم مقصور على تأدية الأجر للطبيب المذكور فالطبيب بهذه المثابة له حق مباشر قبل شركة التأمين لا يمكن تخريجه إلا عن طريق الاشتراط لمصلحة الغير والعلاقة بينهما ليست علاقة عقدية بل تنشأ هذه العلاقة العقدية مباشرة بين الطبيب والشركات الثلاث التي تمثل رب العمل - المؤمن لها من جانب شركة التأمين. وهذه الصلة المباشرة الثابتة التي انعقدت بين الشركات الثلاث والمطعون ضده تندرج من باب أولى تحت حكم الفقرة سالفة الذكر.
ومن حيث إنه وقد ثبت أن الطبيب المطعون ضده قد خالف الحظر المنصوص عليه بالفقرة الأولى من المادة 95 فيتعين إنزال حكم الفقرة الثانية فيها بفصله من وظيفته بمجرد تحقق هذه المخالفة.
ومن حيث إنه لا جدل في أن المطعون ضده كان يعالج العاملين بتلك الشركات الثلاث في عيادته الخاصة منذ سنة 1948 وكان يعلم علم اليقين أنها شركات مساهمة مؤمنة على العاملين بها لدى شركة إسكندرية للتأمين التي يستأدى أجره منها إذ يبين من الشهادات الصادرة من اللجان النقابية لهؤلاء العاملين والمقدمة بحافظة المطعون ضده أنه كان يستكتب العامل المريض إقراراً بحصول العلاج في عيادته الخاصة كي يرجع بمقتضاه على شركة التأمين باعتبارها الشركة المؤمن لديها من الشركات المساهمة الملزمة قانوناً بنفقات هذا العلاج.. كما قدم المطعون ضده، بحافظته أيضاً، أحد السجلات التي تمسكها نقابة العاملين بإحدى هذه الشركات وثابت به أسماء المرضى الذين يعالجون لدى المطعون ضده من هؤلاء العاملين. وكان يتعين عليه أن يمتنع عن معالجة العاملين بالشركات الثلاث سالفة الذكر بمجرد صدور القانون رقم 155 لسنة 1955 الذي نص على هذا الحظر حتى لا يقع تحت طائلة العقاب المنصوص عليه بالقانون المذكور ولكنه لم يفصل.. وقد قامت الجهة الإدارية بعرض أمره مع آخرين على الجمعية العمومية للقسم الاستشاري للفتوى والتشريع بمجلس الدولة فأفتت بجلستها المنعقدة في 19 من ديسمبر سنة 1956 بأنهم قد خالفوا الحظر ورأت رأفة بهم، ألا وجه لمساءلتهم إلا من تاريخ إذاعة هذه الفتوى عليهم والتوقيع منهم بما يفيد علمهم بفحواها. وتنفيذاً لهذه الفتوى أصدرت الجهة الإدارية الأمر الإداري رقم 14 لسنة 1957 نصت فيه صراحة على حظر علاج عمال الشركات على أطباء كل الوقت. ونصف الوقت سواء أكان ذلك بتكليف من الشركة أو عن طريق أداء قيمة العلاج على أن يسري ذلك على كل مخالفة لاحقة لهذا الأمر.. وقد وقع المطعون ضده بعلمه بهذا الأمر في 26 من فبراير سنة 1957 ولكنه استمر في معالجة العاملين بشركتين من الشركات الثلاث حتى أول يوليه سنة 1957 وعلى ذلك فإنه يكون قد خالف الحظر المنصوص عليه بالفقرة الأولى من المادة 95 من القانون المشار إليه. كما خالف الأمر الإداري المؤكد لهذا الحظر القانوني ويتعين من أجل ما تقدم إنزال حكم الفقرة الثانية من هذه المادة وذلك بفصله من وظيفته بالإدارة الصحية ببلدية الإسكندرية - ولا يمنع من ذلك أنه قد امتنع عن معالجة العاملين بإحدى الشركات المنوه عنها في أول فبراير سنة 1957 وعن معالجة بالشركتين الأخريين في أول يوليه سنة 1957 ذلك لأن الذنب الإداري قد وقع منه بالفعل واستمر المطعون ضده سادراً فيه رغم النذير الذي انطوى عليه الأمر الإداري المشار إليه الصادر في 26 من فبراير سنة 1957 على أن المحكمة لا تملك أن تنزل بالمطعون ضده عقوبة أخرى أخف وقراً ذلك لأن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه - ولئن كان للمحاكم التأديبية سلطة تحديد الجزاء المناسب بحسب تقديرها للذنب الإداري وجسامته وما يستأهله من عقاب في حدود النصاب المقرر - إلا أن ذلك مناطه ألا يكون التشريع قد حض ذنباً إدارياً معيناً بعقوبة محددة إذ في مثل هذه الحالة يتعين على المحكمة التأديبية إنزال ذات العقوبة التي أوجبها القانون.. ولما كان المطعون ضده قد خالف حكم الفقرة الأولى من المادة 95 من القانون المذكور فإنه يقع تحت طائلة الجزاء الحتمي الذي لا محيض عنه وهو الذي نصت عليه الفقرة الثانية من هذه المادة على سبيل التحديد دون أن يكون للقضاء سلطة تقدير ملاءمة العقوبة وهذا الجزاء هو الفصل من وظيفته العامة حسبما سلف البيان.
ولا يغير من ذلك ما قد يقال - من أن الشركات المساهمة الثلاث المشار إليها أصبحت من شركات القطاع العام وقد صدر القانون رقم 32 لسنة 1966 الذي نص في الفقرة الثانية من المادة التاسعة على أن "لا تسري على شركات القطاع العام أحكام القانون رقم 26 لسنة 1954 والقوانين المعدلة له" ذلك أن القانون رقم 32 لسنة 1966 - وقد صدر وعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 15 من أغسطس سنة 1966، فإنه ليس له من أثر رجعي على المخالفة التي ارتكبها المطعون ضده وحوكم من أجلها بالحكم الصادر من المحكمة التأديبية بجلسة 30 من مارس سنة 1963 في ظل القانون رقم 26 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 155 لسنة 1955 فهو الذي كان معمولاً به آنذاك ويتعين لذلك تطبيقه دون غيره.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى ببراءة الطبيب المطعون ضده مما أسند إليه - وقد خالف القانون، الأمر الذي يتعين معه إلغاؤه والقضاء بفصل المطعون ضده من وظيفته بالإدارة الصحية ببلدية الإسكندرية وذلك مع حفظ حقه فيما قد يستحقه من معاش أو مكافأة.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبفصل الدكتور جمال الدين ممدوح من الخدمة مع حفظ حقه في المعاش أو المكافأة وألزمته بمصروفات الطعن.