مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1967 إلى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 853

(91)
جلسة 2 من إبريل سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي والدكتور أحمد ثابت عويضة وسليمان محمود جاد المستشارين.

القضية رقم 660 لسنة 8 القضائية

دعوى. "الحكم فيها. تفسير الأحكام". دعوى التفسير.
دعوى التفسير - هي تلك التي يطلب الخصم الذي أقامها تفسير ما وقع في منطوق حكم سابق من غموض أو إبهام - مقتضى ذلك - ألا تعتبر الدعوى دعوى تفسير إذا لم يطلب الخصم ذلك.
أن دعوى التفسير وفقاً لنص المادة 366 من قانون المرافعات هي تلك التي يطلب الخصم الذي أقامها تفسير ما وقع في منطوق حكم سابق من غموض أو إبهام ومقتضى ذلك ألا تعتبر الدعوى دعوى تفسير إذا لم يطلب الخصم ذلك وفي هذه الحالة يكون على المحكمة أن تقضي في الدعوى باعتبارها دعوى مستقلة بذاتها لا متممة لدعوى سابقة خرج النزاع فيها عن ولايتها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 18 من ديسمبر سنة 1961، ومن ثم فإن ميعاد الطعن فيه ينتهي يوم 16 من فبراير سنة 1962 ولما كان هذا اليوم، قد صادف عطلة رسمية - يوم جمعة - فإن ميعاد الطعن يمتد إلى أول يوم عمل يليه وفقاً لنص المادة 23 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
ومن حيث إن تقرير الطعن أودع قلم كتاب هذه المحكمة يوم السبت الموافق 17 من فبراير سنة 1962، فإن إيداعه يكون قد تم في الميعاد، ويكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المطعون عليه، أقام الدعوى رقم 467 لسنة 8 القضائية ضد بلدية القاهرة، بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة الشئون البلدية والقروية، في 14 من فبراير سنة 1961، بناء على قرار صادر بجلسة أول نوفمبر سنة 1960 من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية المذكورة في طلب الإعفاء رقم 1239 لسنة 7 القضائية المقدم من المدعي ضد بلدية القاهرة وطلب المدعي في عريضة الدعوى الحكم بأحقية الطالب في الفروق المالية على أساس الأجر الذي سويت حالته على أساسه وهو 300 مليم، وذلك اعتباراً من 16 من مايو سنة 1953 حتى 29 من أكتوبر سنة 1954 وما يترتب على ذلك من آثار بالتطبيق لكادر عمال القناة، مع إلزام الحكومة بالمصاريف، ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه، أنه من عمال القناة، وإنه ألحق بخدمة بلدية القاهرة في أكتوبر سنة 1951 في وظيفة سروجي، في درجة صانع دقيق 300/ 500 مليم بأول مربوطها ثم انقطع عن العمل من 12 من مايو سنة 1952 بسبب تجنيده، وكان يتعين إعادته إلى الخدمة من 16 من مايو سنة 1953 تاريخ تسريحه، إلا أنه لم يعد إليها إلا اعتباراً من 30 من أكتوبر سنة 1954، وأنه لذلك يطلب الحكم له بالفروق المالية المستحقة من 16 مايو سنة 1953 حتى 29 من أكتوبر سنة 1954، وقد أجابت البلدية عن الدعوى، بأن المدعي من عمال القناة، وأنه ألحق بخدمتها في شهر أكتوبر سنة 1951، في وظيفة سروجي ثم جند في 12 من مايو سنة 1952 ونقل إلى الاحتياط اعتباراً من 16 من مايو سنة 1953 فطلب في 17 من مايو سنة 1953 إعادته إلى عمله، فلم تجبه البلدية إلى طلبه لأنه من عمال القناة المؤقتين وعلى أثر ذلك أقام التظلم رقم 2390 لسنة 1 القضائية أمام اللجنة القضائية لوزارة الشئون البلدية والقروية ضد بلدية القاهرة فقررت اللجنة القضائية المذكورة بجلسة 12 من أكتوبر سنة 1953 "قبول التظلم شكلاً وفي الموضوع إلغاء القرار الصادر بالامتناع عن إعادة المتظلم إلى خدمة مجلس بلدي مدينة القاهرة واعتباره في الخدمة من 16 من يونيه سنة 1953 مع ما يترتب على ذلك من آثار" وقد طعنت بلدية القاهرة في هذا القرار بالطعن رقم 2540 لسنة 7 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ولما ورد إلى البلدية كتاب ديوان الموظفين الدوري رقم 69 لسنة 1953 الذي قضى بالاحتفاظ للمجندين من عمال القناة بوظائفهم طالما بقى الاعتماد الخاص بهم قائماً، تنازلت البلدية عن طعنها في قرار اللجنة القضائية وأعادت المدعي إلى عمله، اعتباراً من 29 من أكتوبر سنة 1954 وحسبت المدة التي انقضت بين تسريحه من الخدمة العسكرية وبين إعادته إلى عمله إجازة استثنائية بموافقة ديوان الموظفين، وأضافت البلدية، أن الأجر المطالب به قد تقادم لانقضاء مدة تزيد على خمس سنوات على تسوية المدة التي يطلب عنها هذا الأجر على أساس اعتبارها إجازة استثنائية. وبجلسة 18 من ديسمبر سنة 1961 قضت المحكمة الإدارية "بأحقية المدعي في أجر مهنته لدى المدعى عليها عن المدة من تاريخ 16 من يونيه سنة 1953 حتى 29 من أكتوبر سنة 1954 تفسيراً وتنفيذاً للآثار المترتبة على إعادته إلى الخدمة، بمقتضى قرار اللجنة القضائية المشار إليه بأسباب هذا الحكم، وألزمت المدعى عليها بالمصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن القرار الصادر من اللجنة القضائية قد تضمن اعتبار المدعي في الخدمة من 26 من يونيه سنة 1953 ومن ثم فإنه يعتبر قد أعيد إلى الخدمة، واستحق أجره من ذلك التاريخ إذ فصلت اللجنة - ضمناً - في استحقاقه أجره وعليه فلا يتقادم هذا الأجر إلا بانقضاء خمس عشرة سنة من تاريخ صدور قرار اللجنة كما أن "طلبات المدعي في هذه الدعوى لا تخرج في حقيقة الأمر عن كونها طلباً بتفسير قرار اللجنة القضائية" تختص المحكمة الإدارية بنظره وفقاً لأحكام المادة 366 وما بعدها من قانون المرافعات المدينة والتجارية ذلك أنه وإن كان يفهم من منطوق قرار اللجنة المذكورة ومن قرارها ضمناً استحقاق المدعي أجره عن المدة التي يطالب بأجره عنها في هذه الدعوى إلا أن هذا القرار لم يثبت ذلك صراحة في أسبابه فشابه الغموض، المبرر لتفسيره.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الأجر لا يعتبر أثراً من آثار الرابطة الوظيفية يدور معها وجوداً وعدماً فقد يستحق الأجر مع عدم قيامها وقد لا يستحق مع قيامها، وفي ضوء هذا المبدأ يفسر قرار اللجنة القضائية بأن آثاره إنما تنصرف إلى حساب المدة من 16 من يونيه سنة 1953 حتى 29 من أكتوبر سنة 1954 في الأقدمية والعلاوة إن كان لحسابها محل، ولكنها لا تنصرف إلى الأجر لأنه مقابل العمل وأثر من آثاره وعلى أساس هذا التفسير يكون أجر المدعي عن المدة المذكورة قد تقادم لانقضاء أكثر من خمس سنوات على التاريخ الذي كان يستحق فيه كما يقوم الطعن على أن المحكمة الإدارية العليا سبق أن قضت، بأن الآثار التي رتبها القانون رقم 226 لسنة 1951 على المدة التي يقضيها الموظف مجنداً لا تترتب على المدة التي تنقضي بين تسريحه وبين إعادته إلى عمله، لأنها ليست مدة تجنيد حتى يمكن حسابها في المعاش أو المكافأة كما أنها ليست مدة خدمة فعلية، حتى يمكن حسابها فيما ذكر طبقاً للقوانين واللوائح، والأصل ألا يعتد إلا بمدة الخدمة الفعلية في حساب المعاش أو المكافأة وكذلك في استحقاق المرتب باعتبار أن هذا الأخير هو مقابل العمل ولا يغنى عن ذلك نص المادة الثالثة من القانون المذكور لأنها إنما تستحث الجهات المختصة على إرجاع المجند إلى عمله خلال المواعيد التي حددتها، ولكنها لم تقرر صراحة تلك الآثار نتيجة لعدم رجوعه خلالها.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة ارتأت في تقريرها عن الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً وإلزام الإدارة بالمصروفات". وأسست رأيها على أن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه، لأن الدعوى التي فصل فيها هي في حقيقتها وجوهرها دعوى - تفسير لمنطوق القرار الصادر من اللجنة القضائية الذي قضى بإلغاء القرار الصادر بالامتناع عن إعادة المدعي إلى الخدمة مع ما يترتب على ذلك من آثار وقد ورد في أسبابه صراحة أنه يترتب على إعادة المذكور إلى الخدمة من 16 من يونيه سنة 1953 استحقاقه الأجر المقرر له من ذلك التاريخ ولما كان هذا السبب من الأسباب الجوهرية المكملة للمنطوق، فإنه يتعين تفسير منطوق القرار مكملاً بهذا السبب.
ومن حيث إنه يترتب على صدور الحكم، أن تستنفد المحكمة ولايتها بالنسبة إلى النزاع الذي فصلت فيه، فلا يجوز لها بعد ذلك، تفسير ما وقع في منطوق الحكم، من غموض أو إبهام، إلا وفق أحكام المادة 366 من قانون المرافعات المدينة والتجارية التي تنص على أنه "يجوز للخصوم أن يطلبوا إلى المحكمة التي أصدرت الحكم، تفسير ما وقع في منطوقه من غموض، أو إبهام، ويقدم الطلب بالأوضاع المعتادة لرفع الدعاوى".
أن دعوى التفسير، وفقاً لنص هذه المادة هي تلك التي يطلب الخصم الذي أقامها تفسير ما وقع في منطوق حكم سابق من غموض أو إبهام ومقتضى ذلك ألا تعتبر الدعوى دعوى تفسير إذا لم يطلب الخصم ذلك وفي هذه الحالة يكون على المحكمة أن تقضي في الدعوى باعتبارها دعوى مستقلة بذاتها لا متممة لدعوى سابقة، خرج النزاع فيها عن ولايتها.
ومن حيث إنه يبين من ملف الدعوى رقم 467 لسنة 8 القضائية أن المدعي لم يطلب تفسير وما وقع في منطوق قرار اللجنة القضائية من غموض أو إبهام لا في طلب الإعفاء من الرسوم القضائية ولا في عريضة الدعوى ولا في أية جلسة من الجلسات التي نظرت فيها بل إنه لم يشر في أية ورقة من أوراقها إلى قرار اللجنة القضائية أو إلى أنه يهدف بدعواه، أن تكون دعوى تفسير، وإنما على العكس من ذلك يبين من استناد المدعي في دعواه، إلى كادر عمال القناة - لا إلى القانون الذي يقضي بالاحتفاظ للمجندين من الموظفين والعمال بوظائفهم الذي استند إليه في تظلمه أمام اللجنة القضائية - ومن مطالبته بأجره اعتباراً من 16 من مايو سنة 1953 - وهو تاريخ سابق على التاريخ الذي عينته اللجنة القضائية بداية - لعودته إلى الخدمة - بين من كل ذلك أنه إنما هدف إلى أن تكون دعواه مستقلة عن تظلمه لا متممة له، ومن ثم تكون المحكمة الإدارية قد جانبت الصواب فيما ذهبت إليه من اعتبار الدعوى، دعوى تفسير على خلاف أحكام القانون، ويكون حكمها المطعون فيه، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه فيما قام عليه وفيما انتهى إليه.
ومن حيث إن القانون رقم 226 لسنة 1951 بحظر استخدام أحد بين سن الثامنة عشرة والثلاثيين سنة إلا بعد تقديم شهادة معاملة وبالاحتفاظ للمجندين بوظائفهم - وهو القانون الذي كان قائماً وقت تجنيد المدعي - كان يوجب في المادة الثانية منه، على الوزارات، ومصالح الحكومة والهيئات العامة الإقليمية وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، والشركات والجمعيات والمؤسسات والأفراد الذين لا يقل عدد موظفيهم ومستخدميهم وعمالهم عن خمسين، الاحتفاظ، لمن يجند منهم بوظيفته أو بعمله، أو بعمل مساو له مدة تجنيده، وكانت المادة الثالثة من هذا القانون تنص على أن "يعاد الموظف، أو المستخدم، أو العامل، إلى الوظيفة أو العمل المتحفظ له به، إذا طلب ذلك، خلال تسعين يوماً من تاريخ تسريحه من الخدمة العسكرية، ويجب على الأفراد والهيئات سالفة الذكر، أن يعيدوه للخدمة خلال ثلاثين يوماً، من تاريخ تقديم الطلب، إذا كان لائقاً طبياً... إلخ". كما كانت المادة الرابعة من القانون المذكور تنص على أنه "يحتفظ للموظف أثناء وجوده في الخدمة العسكرية بما يستحقه من ترقيات وعلاوات كما لو كان يؤدي عمله، وتضم مدة خدمته فيها لمدة عمله، وتحسب في المعاش أو المكافأة".
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت في شأن المدة التي تنقضي بين تسريح الموظف المجند وبين رجوعه إلى الخدمة، بأنها لا تعتبر مدة تجنيد، حتى يمكن حسابها في المعاش أو المكافأة، أو صرف مرتبه عنها، طبقاً لصريح نص المادة الرابعة من القانون رقم 226 لسنة 1951 المشار إليه، كما أنها ليست مدة خدمة فعلية، حتى يمكن حسابها فيما ذكر، طبقاً للقوانين واللوائح، وأن الأصل ألا يعتد إلا بمدة الخدمة الفعلية في حساب المعاش أو المكافأة، وكذلك في المرتب، باعتبار أن الأجر هو مقابل العمل، ولا يغنى عن ذلك نص المادة الثالثة، من القانون المذكور، لأنها إنما تستحث الجهات المختصة على إرجاع المجند إلى عمله خلال المواعيد المحددة فيها ولكنها لم تقرر صراحة تلك الآثار نتيجة لعدم رجوعه خلالها.
ومن حيث إن المدة التي يطلب المدعي أجره عنها، قد انقضت بين تسريحه من الخدمة العسكرية، وبين إرجاعه إلى عمله، ولما كان لم يؤد فيها عملاً فإنه - وفقاً لما تقدم - لا يستحق أجراً عنها كما أنه لا يستحق هذا الأجر طبقاً لكادر عمال القناة. أما ما ذهب إليه القرار الصادر من اللجنة القضائية من اعتباره في الخدمة من 16 من يونيه سنة 1953 مع ما يترتب على ذلك من آثار فإنما يقتصر بداهة على ما يترتب على هذا الوضع الاعتباري من آثار تتلاءم معه كحساب المدة الواقعة بين هذا التاريخ وبين تاريخ إعادة المدعي إلى العمل فعلاً في أقدميته وعلاواته إن كان لذلك محل، دون الأجر الذي هو مقابل العمل وليس أثراً لازماً لقيام رابطة التوظف والذي لم يتناوله قرار اللجنة القضائية المشار إليه في أسباب منطوقه صراحة أو ضمناً بقضاء يمكن أن تكون له حجية في خصوصه.
ومن حيث إنه لما تقدم يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.