مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1967 إلى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 878

(94)
جلسة 8 من إبريل سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي المستشارين.

القضية رقم 1020 لسنة 9 القضائية

( أ ) - عقد إداري. "تكييفه".
ليس عملاً شرطياً يتضمن إسناد مراكز قانونية عامة موضوعية إلى أشخاص بذواتهم - هو عقد يتم شأن سائر العقود بتوافق إرادتين.
(ب) - عقد إداري. "الجزاءات التي توقعها الإدارة على المتعاقد المقصر".
توقع العقد الإداري خطأ معيناً وترتيب جزاء له بعينه - وجوب تقيد جهة الإدارة بما ورد في العقد - ليس لها كقاعدة عامة أن تخالفه أو تطبق في شأنه نصوص لائحة المناقصات.
1 - أن العقد الإداري شأنه في ذلك شأن سائر العقود التي تخضع لأحكام القانون الخاص يتم بتوافق إرادتين تتجهان إلى إحداث أثر قانوني معين هو إنشاء التزام أو تعديله وليس عملاً شرطياً يتضمن إسناد مراكز قانونية عامة موضوعية إلى أشخاص بذواتهم.
2 - إذا ما توقع المتعاقدان في العقد الإداري خطأ معيناً ووضع له جزاء بعينه فيجب أن تتقيد جهة الإدارة بما جاء في العقد ولا يجوز لها كقاعدة عامة أن تخالفه أو تطبق في شأنه نصوص لائحة المناقصات المشار إليها لأن الأحكام التي تتضمنها اللائحة كانت ماثلة أمامها عند إبرام العقد.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن الوزارة الطاعنة أقامت الدعوى رقم 281 لسنة 14 القضائية ضد السيد/ حنا إسكندر المنياوي بعريضة أودعتها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري بتاريخ 22 من نوفمبر سنة 1959 مطالبة إلزام المدعى عليه بأن يدفع لها مبلغ 1800 جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد ومقابل أتعاب المحاماة، وقالت الوزارة شرحاً لدعواها أن مراقبة الشئون البلدية والقروية بالإسكندرية طرحت عملية توسيع شبكة مياه أبو قير في مناقصة عامة حددت لإجرائها يوم 29 من مارس سنة 1958 وأرسيت على المدعى عليه بمبلغ 3836 جنيهاً، وفقاً لشروط المناقصة تحدد يوم 10 من مايو سنة 1958 للبدء في العمل على أن ينتهي في أجل غايته ستة شهور، وقام المدعى عليه بدفع مبلغ التأمين، غير أن تلك الفترة انقضت دون أن يقوم المدعى عليه بتنفيذ العملية المذكورة على الرغم من التنبيه عليه بذلك عدة مرات، الأمر الذي اضطر الوزارة إلى سحب العمل منه وأخطرته بذلك في يوم 4 من ديسمبر سنة 1958 وطرحت العملية في مناقصة على حسابه تحدد لإجرائها يوم 31 من يناير سنة 1959 وفيها تقدم عطاء جديد بمبلغ 5168 جنيهاً و640 مليماً قررت المراقبة قبوله. وقد ترتب على إخلال المدعى عليه بالتزاماته التعاقدية أن لحق بالوزارة أضرار تتمثل في فرق السعر وغرامة التأخير والمصروفات الإدارية بلغ مجموعها بعد خصم التأمين مبلغ 1800 جنيه انتهت الوزارة إلى طلب الحكم به.
ثم قدم مفوض الدولة تقريراً في الدعوى انتهى فيها إلى أنه يرى إلزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة المدعية مبلغ 1282 جنيهاً و861 مليماً والفوائد والمصروفات ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. وأثناء تداول القضية في جلسات المرافعة صححت إدارة قضايا الحكومة شكل الدعوى في مواجهة محامي المدعى عليه وبجلسة 11 من نوفمبر سنة 1962 عدلت طلباتها في مواجهته إلى مبلغ 1666 جنيهاً و461 مليماً وبينت في مذكرتها المقدمة في نفس الجلسة مفردات هذا المبلغ وتنحصر في الآتي: 817 جنيهاً و510 مليمات قيمة الفرق بين عطاء المدعى عليه وقدره 3836 جنيهاً وعطاء المقاول مصطفى سعد الدين الذي نفذ العملية وقدره 4653 جنيهاً و510 مليمات، 465 جنيهاً و352 مليماً مصاريف إدارية بواقع 10% من تكاليف الأعمال، 383 جنيهاً و600 مليم غرامة تأخير بواقع 10% فتكون الجملة 1666 جنيهاً و461 مليماً.
ولم يقدم المدعى عليه دفاعاً في الدعوى بالرغم من إمهاله عدة مرات لهذا الغرض.
وبجلسة 28 من إبريل سنة 1963 قضت محكمة القضاء الإداري بإلزام المدعى عليه بأن يدفع إلى الوزارة المدعية مبلغ 1282 جنيهاً و861 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 22 من نوفمبر سنة 1959 حتى تمام الوفاء والمصروفات المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات وأقامت قضاءها على أنه وفقاً لنصوص المواد 28، 31، 33 من شروط التعاقد الذي قدم العطاء على أساسه يحق لجهة الإدارة إذا ما قصر المتعاقد معها في تنفيذ التزاماته وانسحب من العمل كلية أو تركه أو تأخر في البدء في التنفيذ أو أظهر بطءاً في سيره، أن تسحب العمل منه وتنفذه على حسابه مع إلزامه بما يترتب على ذلك من خسائر تتمثل في الفرق بين عطاء المتعاقد المقصر وعطاء المقاول الذي قام بتنفيذ العمل على حسابه مضافاً إليها المصروفات الإدارية بواقع 10%. وأنه لما كان الثابت من الأوراق أن المدعى عليه نكل عن تنفيذ التزاماته بالرغم من أن جهة الإدارة نبهت عليه مراراً وهددته بسحب العمل منه لهذا السبب فمن ثم يحق لجهة الإدارة أن تسحب العمل منه وتنفذه على حسابه وترجع عليه بالخسائر التي لحقتها من جراء ذلك وتتمثل في الفرق بين قيمة عطائه وقيمة عطاء المقاول مصطفى سعد الدين الذي نفذ العمل على حسابه ومقداره 817 جنيهاً و510 مليمات يضاف إليها المصروفات الإدارية بواقع 10% ومقدارها 465 جنيهاً و351 مليماً فتكون جملة المبلغ 1282 جنيهاً و861 مليماً هو ما يجب إلزام المدعى عليه بدفعة إلى الوزارة المدعية. وأما بالنسبة إلى غرامة التأخير التي تطالب بها الوزارة المدعية ومقدراها 383 جنيهاً و600 مليم فإن المادة 28 من العقد تنص على أنه لا يجوز توقيع تلك الغرامة إلا إذا لم تر جهة الإدارة سحب العمل لهذا السبب الأمر الذي يترتب عليه أنه في حالة سحب العمل من المتعاقد المقصر فلا يحق لجهة الإدارة أن توقع عليه غرامة تأخير أو تطالبه بدفعها.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه عندما قضى برفض طلب الوزارة المدعية إلزام المدعى عليه بأن يدفع لها مبلغ 383 جنيهاً و650 مليماً قيمة غرامات التأخير الموقعة عليه قبل سحب العمل منه، ذلك أن المادة 28 من عقد العملية قصدت إلى بيان الجزاءات التي تملك جهة الإدارة توقيعها على المتعاقد معها إذا ما قصر في تنفيذ التزاماته فأجازت لها توقيع غرامة التأخير كما أجازت لها سحب العمل منه، ثم نصت المادة 29 من العقد على حق جهة الإدارة في استعمال الحقوق المخولة لها بمقتضى المادتين 28، 32 من العقد، ولذلك فلا يقبل القول بعدم أحقية جهة الإدارة في أن تجمع بين توقيع غرامة التأخير وجزاء سحب العمل، وإنما لها أن تستعمل هذين الجزاءين كل في مجاله فتوقع غرامة التأخير على المتعاقد المقصر طبقاً للمادة 28 من العقد حتى تستحثه على إنجاز العمل فإذا ما قصر بعد ذلك كان لها سحب العمل منه طبقاً للمادة 32، وإذا كان العقد لم ينص على حق جهة الإدارة في توقيع غرامة التأخير في حالة سحب العمل - على حد قول الحكم المطعون فيه - فإن المادتين 93، 94 من لائحة المناقصات والمزايدات تكملان هذا النقص وهما تنصان على حق جهة الإدارة في توقيع غرامة التأخير في حالة سحب العمل.
ومن حيث إنه من الأمور المسلمة في فقه القانون الإداري أنه إذا ما أخل المتعاقد مع جهة الإدارة بالتزاماته التعاقدية، فلها أن توقع عليه جزاءات متنوعة منها الجزاءات المالية كغرامات التأخير وهي تعويض اتفاقي لا يشترط لتوقيعه قيام ضرر يصيب جهة الإدارة، ومنها بعض أساليب الضغط التي تستهدف إجبار المتعاقد مع الإدارة على الوفاء بالتزاماته، وتتمثل في قيام جهة الإدارة بسحب العمل من المتعاقد المقصر وتنفيذه على حسابه سواء بنفسها أو بواسطة من تختاره للقيام بهذا العمل، ولقد نصت المادتان 93، 94 من القرار 542 لسنة 1957 بإصدار لائحة المناقصات والمزايدات على حق جهة الإدارة في توقيع هذين الجزاءين، فأجازت أولاهما لجهة الإدارة أن توقع غرامات التأخير على المتعاقد المقصر إذا ما تأخر في إتمام العمل وتسليمه كاملاً في المواعيد المحددة، وأجازت الثانية سحب العمل منه إذا ما توافرت إحدى الحالات المنصوص عليها فيها علاوة على اقتضاء غرامة التأخير منه. ووفقاً لهذا التنظيم كان يحق لجهة الإدارة أن توقع أحد الجزاءين أو كليهما وفقاً لظروف الحالة كما كان يجوز لها أن تجمع بينهما. غير أنه لما كان العقد الإداري شأنه في ذلك شأن سائر العقود تخضع لأحكام القانون الخاص يتم بتوافق إرادتين تتجهان إلى إحداث أثر قانوني معين هو إنشاء التزام أو تعديله وليس عملاً شرطياً يتضمن إسناد مراكز قانونية عامة موضوعية إلى أشخاص بذواتهم إذا ما توقع المتعاقدان في العقد الإداري خطأ معيناً ووضعا له جزاء بعينه فيجب أن تتقيد جهة الإدارة بما جاء في العقد ولا يجوز لها كقاعدة عامة أن تخالفه أو تطبق في شأنه نصوص لائحة المناقصات المشار إليها لأن الأحكام التي تتضمنها اللائحة كانت ماثلة أمامها عند إبرام العقد.
ومن حيث إن المادة 28 من عقد الإدارة العامة للمياه الذي قدم المدعى عليه العطاء على أساسه تنص على ما يأتي: - "ثانياً: إذا تأخر المقاول عن إتمام العمل وتسليمه كاملاً في المواعيد المحددة ولم تر الإدارة سحب العمل منه لهذا السبب توقع عليه غرامة عن المدة التي تأخر فيها إتمام العمل بعد الميعاد المحدد للتسليم إلى أن يتم الاستلام المؤقت ويكون توقيع الغرامة بالنسب والأوضاع التالية..." ونصت المادة 29 من العقد على ما يأتي: "يجب على المقاول أن يبدأ بتنفيذ العمل المطلوب أداؤه بمقتضى العقد ويستمر فيه بنشاط وسرعة فإذا تأخير في البدء أو في القيام بالعمل أو عجز أو أهمل في مراعاة تنفيذ أوامر وتعليمات الإدارة الصادرة إليه بمقتضى العقد أو في مراعاة شروط العقد بكيفية ترضي المدير فللمدير العام (بدون الإخلال بأي حق أو حقوق مخولة للإدارة بمقتضى العقد) أن يطلب من المقاول بموجب خطاب موصى عليه القيام بتعهداته طبقاً لشروط العقد فإذا عجز المقاول بعد هذا الإخطار عن القيام بالتزاماته بكل دقة... فللإدارة مطلق الحق في استعمال كل الحقوق المخولة لها بمقتضى المادتين (28 و32) من العقد مع ما يترتب عليهما من النتائج المبينة فيهما..." وتضمنت المادة 32 الآثار التي تترتب على سحب العمل أو أي جزء منه من المقاول.
ومن حيث إن مفاد ذلك أنه وإن كان يجوز لجهة الإدارة وفقاً لشروط العقد أن توقع على المدعى عليه غرامات تأخير بالفئات المنصوص عليها في المادة 28 من العقد إلا أنه لا يجوز لها اقتضاء هذه الغرامات إذا ما قررت سحب العمل من المدعى عليه بسبب ذلك التأخير، ولا وجه لما أثارته الطاعنة من أن المادة 28 من العقد قد اقتصرت على بيان الجزاءات التي يجوز توقيعها على المدعى عليه في حالة تأخيره في إتمام العمل ثم نصت المادة 29 من العقد على حق جهة الإدارة في توقيع كل الجزاءات المنصوص عليها في المادتين 28، 29 بما يترتب عليه أن يكون لجهة الإدارة أن تستعمل هذين الجزاءين كل في مجاله فتوقع غرامة التأخير على المدعى عليه حتى تستحثه على انجاز العمل فإذا ما قصر بعد ذلك كان لها سحب العمل منه - لا وجه لذلك - لأن نص المادة 29 من العقد وإن كان يجيز لجهة الإدارة استعمال الحقوق المنصوص عليها في المادة 28 من العقد إلا أن ذلك يكون بطبيعة الحال حسب الشروط والأوضاع التي تضمنتها هذه المادة وهي لا تجيز توقيع غرامة التأخير على المدعى عليه إذا ما قررت جهة الإدارة سحب العمل منه بسبب ذلك التأخير على النحو السالف بيانه.
ومن حيث إنه لما كان الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة سحبت العمل من المدعى عليه لأنه لم ينفذ التزامه في الموعد المحدد، فمن ثم فلا يحق لجهة الإدارة أن تقتضي من المدعى عليه غرامات التأخير المنصوص عليها في المادة 28 من العقد وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب وقضى برفض الدعوى بالنسبة إلى هذا الشق من الطلبات فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه ويكون الطعن على غير أساس متعيناً الحكم برفضه وبإلزام الطاعنة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.