مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) - صـ 508

جلسة أول يناير سنة 1948

برياسة حضرة محمد المفتى الجزايرلى بك وكيل المحكمة وحضور حضرات: سليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك وصادق فهمى بك وعبد الرحيم غنيم بك المستشارين.

(250)
القضية رقم 60 سنة 16 القضائية

اختصاص. أمر إدارى. مرسوم باسقاط الجنسية عن مصرى عملا بالمادة 13 من قانون الجنسية. دعوى تعويض مؤسسة على فساد الأسباب التى بنى عليها المرسوم. اختصاص المحاكم بنظرها. هذا المرسوم أمر إدارى لا عمل من أعمال السيادة.
(المادة 13 من قانون الجنسية رقم 19 لسنة 1929 المعدل بالمرسوم بقانون الصادر فى 19 يونيه سنة 1931 والمادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم)
المرسوم الصادر من السلطة التنفيذية فى حق فرد من الأفراد تنفيذاً لقانون من قوانين الدولة يكون أمراً إدارياً خاضعاً لرقابة القضاء فى حدود ما نصت عليه المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم [(1)] لا عملاً من أعمال السيادة. ومن هذا القبيل المرسوم الصادر بإسقاط الجنسية المصرية عن مصرى.
وإذ كانت المادة 13 من قانون الجنسية رقم 19 لسنة 1929 المعدل بالمرسوم بقانون الصادر فى 19 من يونيه سنة 1931 لم تجعل إسقاط الجنسية من إطلاقات السلطة التنفيذية بل قيدتها بشرط شكلى وبشروط موضوعية هى أن يكون المصرى مقيماً فى الخارج ومنضماً إلى هيئة تهدف إلى نشر دعاية مناقضة للنظام الاجتماعى للدولة.... الخ، فإن اختلال أى شرط من هذه الشروط يجعل مرسوم إسقاط الجنسية مخالفاً للقانون من حيث تطبيق تلك المادة على ما لا تنطبق عليه.
وعلى ذلك فدعوى التعويض المؤسسة على فساد الأسباب التى بنى عليها المرسوم بإسقاط الجنسية تعتبر مبنية على الادعاء بمخالفة القانون، فتدخل فى ولاية المحاكم. فإذا قضت المحكمة بعدم اختصاص المحاكم بهذه الدعوى قولاً بأن المرسوم هو أمر إدارى يمتنع على المحاكم تحقيق صحة الأسباب التى بنى عليها كان حكمها مخالفاً للقانون.


الوقائع

فى 30 من مارس سنة 1931 رفعت وزارة الداخلية إلى مجلس الوزراء مذكرة قالت فيها: إن الطاعن الذى كان يرأس الحزب الشيوعى المصرى فى سنتى 1923 و1924 وحكمت عليه محكمة الجنايات بالسجن كان رحل بعد الإفراج عنه إلى موسكو فى سنة 1927 بغرض الاتصال بالهيئات التى تعمل لنشر الدعاية الشيوعية، وبعد عودته إلى القطر المصرى سافر مرة أخرى إلى الخارج حيث يوجد فى موسكو لنفس الغرض، وأنه أرسل من الخارج إلى أحد رفاقه منشوراً ثورياً خطيراً صادرته الوزارة مما لا يدع شكاً فى نزعته البلشفية والثورية. ومن ذلك ترى الوزارة أن الشروط الواردة بالمادة 13 من قانون الجنسية قد توافرت بالنسبة إليه، ولذا فهى تطلب استصدار مرسوم بإسقاط الجنسية المصرية عنه. وفى 13 من أبريل سنة 1932 صدر مرسوم بإسقاط الجنسية المصرية عن الطاعن. وفى 2 من فبراير سنة 1942 أقام الطاعن على وزارة الداخلية أمام محكمة مصر الابتدائية الدعوى رقم 560 سنة 1942 بطلب الحكم عليها بعشرين ألف جنيه على سبيل التعويض مؤسساً دعواه على فساد الأسباب التى بنى عليها مرسوم إسقاط الجنسية. وفى 3 من يونيه سنة 1944 حكمت المحكمة بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى.
استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر طالباً إلغاءه والقضاء على الوزارة بالتعويض الذى طلبه. وفى 27 من يناير سنة 1946 قضى بتأييد الحكم المستأنف.
لم يعلن الطاعن بحكم الاستئناف لكنه طعن فيه بطريق النقض فى 24 من أبريل سنة 1946 وطلب إلى هذه المحكمة قبول الطعن.. الخ الخ.


المحكمة

من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إنه يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون. ذلك أنه مؤسس على أن المحاكم ممنوعة من تحرى صحة الأسباب الواقعية التى يبنى عليها الأمر الإدارى فى حين أن عدم صحتها صورة من الصور التى يقع فيها الأمر الإدارى مخالفاً لنص القانون فيخضع لرقابة المحاكم فى حدود اختصاصها بدعاوى التضمين. ومتى كانت دعوى الطاعن مبنية على نسبة هذا العيب إلى المرسوم الصادر بإسقاط الجنسية المصرية عنه فإنه كان يتعين على محكمة الموضوع أن تحقق العيب أخذاً بحق القضاء فى مراجعة الأوامر الإدارية من جهة صدورها مخالفة أو غير مخالفة للقوانين. لكنها لم تفعل بمقولة إن الطاعن لم يبن دعواه على أن المرسوم وقع مخالفاً للقوانين واللوائح، ولا على أنه صدر من قبيل سوء استعمال الحكومة لحقها مع أن طعنه فى الأسباب التى بنى عليها المرسوم ليس إلا طعناً بمخالفته لنص القانون. ولئن كانت المحكمة قد قررت أن المحاكم مختصة بدعاوى التعويض المترتب على أمر إدارى أساءت الحكومة استعمال حقها فيه فوقع مخالفاً لروح القانون فإنه من غير المفهوم أن لا تقرر اختصاصها عند صدور المرسوم مخالفاً لنص القانون. ثم إن من يملك سلطة تحرى البواعث الخفية فى الحالة الأولى يملك من باب أولى تحرى الأسباب الظاهرة فى الحالة الأخرى.
وحيث إن المطعون عليها كانت دفعت أمام محكمة الدرجة الأولى بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى استناداً إلى المادة 15 من لائحة ترتيبها بحجة أن مرسوم 13 من أبريل سنة 1932 عمل من أعمال السيادة التى منعت المحاكم من التعرض لها ولو بطريقة غير مباشرة وأنه لو اعتبر من الأوامر الإدارية فانه لم يقع مخالفاً للقانون. وقد قضت المحكمة بعدم الاختصاص بناءً على أن المرسوم هو أمر إدارى يمتنع على المحاكم تحقيق صحة الأسباب التى بنى عليها. وأيد الحكم المطعون فيه هذا القضاء لأسبابه مضيفاً إليها أن الطاعن لم يقل إن المرسوم صدر على خلاف القوانين ولا هو ادعى أن الحكومة أساءت استعمال حقها فى استصداره مما كان يخضعه لرقابة المحاكم، بل أسس دعواه على مجرد قوله بعدم صحة الأسباب الواقعية التى استند إليها المرسوم مما يخرجه عن هذه الرقابة. وفى النقض صممت المطعون عليها على أن مرسوم 13 من أبريل سنة 1932 عمل من أعمال السيادة وانضمت النيابة إليها فى ذلك.
وحيث إن المرسوم الصادر فى 13 من أبريل سنة 1932 بإسقاط الجنسية المصرية عن الطاعن قد صدر بناءً على ما ورد فى المذكرة المرفوعة من وزارة الداخلية إلى مجلس الوزراء فى 30 من مارس سنة 1931 وعملاً بالمادة 13 من قانون الجنسية رقم 19 لسنة 1929 المعدلة بالمرسوم بقانون الصادر فى 19 من يونيه سنة 1931 فيما نصت عليه من جواز إسقاط الجنسية بمرسوم عن كل شخص يقيم خارجاً عن القطر المصرى ويكون منضماً إلى هيئة غرضها نشر دعاية ثورية على النظام الاجتماعى أو الاقتصادى للدولة أو على النظم الأساسية للمجتمع أو ترمى إلى الوصول إلى نفس الغرض بأية وسيلة أخرى أو يكون منضماً إلى مركز أو فرع أو معهد دراسى أو غير دراسى أو إلى مكتب أو جماعة تابعة لمثل تلك الهيئة أو متصلة بها أياً كان وجه التبعية أو أحد ملحقاتها موجودة فى القطر المصرى أو فى الخارج، وما نصت عليه من جواز إسقاط الجنسية عن كل شخص يتلقى فى مثل الشروط المتقدمة تعاليم مثل تلك الهيئات وأساليبها سواء أكان ذلك بحضور دروس أم بأية طريقة أخرى. ولما كان هذا المرسوم صادراً من السلطة التنفيذية فى حق فرد من الأفراد تنفيذاً لقانون من قوانين الدولة فانه - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة فى الطعن رقم 109 سنة 15 القضائية - يكون أمراً إدارياً خاضعاً لرقابة القضاء فى حدود ما نصت عليه المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم، لا عملاً من أعمال السيادة.
وحيث إن الفقرة العاشرة من المادة 15 إذ خولت المحاكم الاختصاص بدعاوى المسئولية المدنية المرفوعة على الحكومة بسبب إجراءات إدارية مخالفة للقوانين تكون ولا بد قد خولتها رقابة الأوامر الإدارية من حيث مطابقتها للقانون أو مخالفتها له.
وحيث إن المادة 13 من قانون الجنسية لم تجعل إسقاط الجنسية من إطلاقات السلطة التنفيذية بل قيدتها فيه بشرط شكلى هو أن يكون الإسقاط بمرسوم مستوف للأوضاع المقررة قانوناً، وبشروط موضوعية هى أن يكون المصرى مقيماً فى الخارج منضماً إلى هيئة تهدف إلى نشر دعاية مناقضة للنظام الاجتماعى للدولة أو النظم الأساسية للمجتمع الخ ما ورد فى المادة 13. ولما كان اختلال أى شرط من هذه الشروط يجعل مرسوم إسقاط الجنسية مخالفاً للقانون من حيث تطبيق هذه المادة على ما لم تكن منطبقة عليه كان التحقق من توافر تلك الشروط داخلاً فى ولاية المحاكم.
وحيث إن الطاعن - وقد بنى دعواه على عدم صحة الأسباب الواقعية التى استند إليها مرسوم إسقاط جنسيته - يكون قد بناها على مخالفة المرسوم للقانون. ولما كانت العبرة فى اختصاص المحاكم بدعاوى التعويض عن إجراءات إدارية وقعت مخالفة للقوانين هى بمجرد الادعاء بالمخالفة، أما وقوع المخالفة فعلاً فهو شرط للمسؤولية على ما قررته هذه المحكمة فى الطعن رقم 109 سنة 15 القضائية - ولما كان متعيناً على محكمة الموضوع أن تقضى باختصاصها بالنظر فى الدعوى ثم تمضى فى تحرى وقوع المخالفة المدعى بها توصلاً إلى الفصل فى موضوع الدعوى، أما إذ هى لم تفعل وحكمت بعدم الاختصاص فإنها تكون قد خالفت القانون، فوجب نقض حكمها والقضاء بإلغاء الحكم الابتدائى وباختصاص المحاكم بنظرها.


[(1)] يراجع الحكم الصادر فى الطعن رقم 109 سنة 15 المنشور تحت رقم 117 ص 267 - 271 من هذا الجزء.