مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1967 إلى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 884

(95)
جلسة 8 من إبريل سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي المستشارين.

القضية رقم 1230 لسنة 9 القضائية

( أ ) نيابة إدارية. "تنظيمها".
مراحل إنشاء النيابة الإدارية وتنظيمها - تنظيم القانون رقم 117 لسنة 1958 - للتصرف في التحقيق الذي تتولاه النيابة الإدارية.
(ب) - نيابة إدارية. "تحقيق". موظف "تأديب".
على النيابة الإدارية أن تستمر في التحقيق الذي تباشره حتى تتخذ قراراً في شأنه - ليس للجهة الإدارية أن تتصرف في التحقيق إلا إذا أحالت النيابة الإدارية الأوراق إليها - ليس للجهة الإدارية أن تطالب النيابة الإدارية بالكف عن التحقيق - أحالة النيابة الإدارية الأوراق إلى النيابة العامة لانطواء الوقائع على جريمة جنائية - لا ينال من اختصاص النيابة الإدارية بالتصرف في التحقيق في ضوء ما يسفر عنه تحقيق النيابة العامة - قرار الحفظ الذي يصدر من الجهة الإدارية قبل أن تنتهي النيابة الإدارية إلى قرار في التحقيق - باطل.
(جـ) - قرار إداري. "بطلانه". موظف. "تأديب".
السلطة التي تملك سحب القرار الإداري النهائي المشوب - هي الجهة التي أصدرته أو الجهة الرئاسية لها - سحب القرار الإداري الباطل بموجب قرار آخر من مصدره خلال الميعاد المقرر للطعن القضائي - صحيح - لا يحول دون ذلك انقضاء ميعاد الشهر المنصوص عليه في المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 دون أن يستعمل الوزير حقه في التعقيب - لا وجه للنعي على القرار الساحب بأنه مشوب بعدم الاختصاص بمقولة أن الفصل في التظلمات من اختصاص وكيل الوزارة.
(د) - موظف. "تأديب" دعوى تأديبية. محكمة إدارية عليا.
استخلاص المحكمة التأديبية النتيجة التي انتهت إليها من أصول تنتجها مادياً وقانونياً وتكييفها تكييفاً سليماً وكانت هذه النتيجة تبرر اقتناعها الذي بنت عليه قضاءها - لا محل للتعقيب عليها - لا يجوز للطاعن أن يحاول إعادة الجدل في تقدير أدلة الدعوى ووزنها أمام المحكمة الإدارية العليا.
(و) - موظف. "تأديب. دعوى تأديبية".
حكم تأديبي - استعارته وصفاً جنائياً للفعل المنسوب إلى الطاعن - لا يعيب الحكم ما دام قد أقام إدانته على أساس رد الفعل إلى الإخلال بواجبات الوظيفة وقدر الجزاء بما يتناسب مع جسامة هذا الفعل.
1 - أن النيابة الإدارية هيئة مستقلة أنشئت بالقانون رقم 480 لسنة 1954 وقد أفصح هذا القانون ومذكرته الإيضاحية عما استهدفه المشرع من إنشائها وهو أن تسهم باعتبارها أداة رقابة وإشراف في تدعيم الأداة الحكومية وتنظيم الإشراف على أعضائها تنظيماً يكفل السرعة في أداء الخدمات للجمهور مع نزاهة القصد والكفاية. وأن تقوم بالنسبة إلى الموظفين بمثل ما تقوم به النيابة العامة لكافة المواطنين فتنوب بذلك عن أداة الحكم مجتمعة في تتبع الجرائم والأخطاء وأنواع التقصير التي تستوجب العقاب والمؤاخذة - وتحقيقاً لهذه الأهداف كفل لها القانون الاستقلال عن الوزارات والمصالح حتى تحقق حيدة أعضائها وبعدهم عن تأثير كبار الموظفين - وعندما أعيد تنظيم النيابة الإدارية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 كان الهدف من هذا التعديل إصلاح أداة الحكم والقضاء على ما يعيبها من أخطاء الموظفين فوسع القانون من اختصاص النيابة الإدارية بالتحقيق إذ بعد أن كان مقصوراً على التحقيق فيما يحال إليها وما تتلقاه من شكاوى ذوي الشأن يشمل أيضاً المخالفات التي يكشف عنها إجراء الرقابة ولم تحلها إليها الجهة الإدارية وشكاوى الأفراد والهيئات العامة ولو لم يكن الشاكي صاحب شأن متى أثبت الفحص جديتها - كما نظم القانون إجراءات التصرف في التحقيق ووزع الاختصاص في شأنه بين النيابة الإدارية والجهة التي يتبعها الموظف على وجه يمنع افتئات الجهات الإدارية على اختصاص النيابة الإدارية - فإذا رأت النيابة الإدارية أن المخالفة تستوجب جزاء يجاوز الخصم من المرتب لمدة تزيد على خمسة عشر يوماً أحالت الأوراق إلى المحكمة التأديبية المختصة مع إخطار الجهة التي يتبعها الموظف بالإحالة (مادة 14 من القانون) - وإذا رأت حفظ الأوراق أو المخالفة لا تستوجب جزاء أشد من الخصم من المرتب لمدة لا تجاوز خمسة عشر يوماً أحالت الأوراق إلى الرئيس المختص لإصدار قراره بالحفظ أو بتوقيع الجزاء مع إخطارها بهذا القرار - فإذا رأت الجهة الإدارية تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية أعادت الأوراق إلى النيابة الإدارية لمباشرة الدعوى أمام المحكمة التأديبية المختصة (مادة 12) وإذا كانت المخالفة مالية وجب إخطار ديوان المحاسبة بقرار الجهة الإدارية في شأنها وله أن يطلب من النيابة الإدارية إقامة الدعوى التأديبية (مادة 13).
2 - أنه إذا تولت النيابة الإدارية التحقيق سواء بناء على طلب الجهة الإدارية المختصة أو بناء على ما كشف عنه إجراء الرقابة أو بناء على شكاوى الأفراد والهيئات التي يثبت الفحص جديتها فإن لها بل عليها أن تستمر في التحقيق حتى تتخذ قراراً في شأنه دون أن يتوقف ذلك على إرادة الجهة الإدارية - كما أن لها من تلقاء ذاتها أن تحيل الأوراق إلى المحكمة التأديبية متى قدرت أن المخالفة تستوجب جزاء يجاوز الخصم من المرتب لمدة خمسة عشر يوماً - ولا يجوز للجهة الإدارية أن تتصرف في التحقيق إلا إذا أحالت النيابة الإدارية الأوراق إليها في الأحوال السابق الإشارة إليها - وليس للجهة المذكورة أصلاً أن تحول دون مباشرة النيابة الإدارية لاختصاصها عن طريق مطالبتها بالكف عن السير في التحقيق أو عن طريق المبادرة إلى التصرف قبل أن تنتهي النيابة الإدارية إلى قرار في شأنه - كما أنه إذا رأت النيابة الإدارية قبل أن تحدد المسئولية الإدارية أن تحيل الأوراق إلى النيابة العامة لانطواء الوقائع على جريمة جنائية - فإن ذلك لا يؤثر على اختصاصها بالتصرف في التحقيق في شأن هذه المسئولية على ضوء ما يسفر عنه تحقيق النيابة العامة وهذا ما أفصحت عنه المادة 18 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1488 لسنة 1958 باللائحة الداخلية للنيابة الإدارية وأن هذه الخطوات المحددة التي رسمتها النصوص لا تدع للجهة الإدارية سبيلاً لقرار الحفظ قبل أن تتخذ النيابة الإدارية قراراً بشأن التصرف في التحقيق وقد استهدف القانون بذلك أن يضع المركز الواقعي للتحقيق بجميع تفصيلاته وما انتهى إليه تصرف النيابة الإدارية في شأنه أمام الجهة الإدارية قبل أن تصدر قرارها حرصاً منه على سلامة هذا القرار وعلى أن يتخذ بعد إحاطتها بعناصر التحقيق الذي باشرته جهة محايدة بعيدة عن التأثير - ولا جدال في أن تعطيل هذه الضمانة من شأنه مصادرة النيابة الإدارية على رأيها فيما لو اختارت أحالة أوراق الموضوع إلى المحكمة التأديبية - وتأسيساً على ما تقدم فإن قرار الحفظ الذي يصدر من الجهة الإدارية قبل أن تنتهي النيابة الإدارية إلى قرار في التحقيق يكون مشوباً بعيب إجرائي جوهري من شأنه أن يبطله.
3 - أن قرار الحفظ قد صدر من مدير عام التربية والتعليم بالمنطقة في 24 من مارس سنة 1962 وأنه أصدر قراره بسحبه في 22 من مايو سنة 1962 - وبذلك يكون السحب قد تم خلال الميعاد المقرر للطعن القضائي ولا وجه للنعي عليه بمخالفته لأحكام المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بمقولة أنه بمضي ثلاثين يوماً على صدور قرار الحفظ دون أن يعقب عليه الوزير يكون قد اكتسب حصانة تعصمه من الإلغاء ذلك أن انقضاء ميعاد الشهر المنصوص عليه في تلك المادة دون أن يستعمل الوزير حقه في التعقب لا أثر له على حق مصدر القرار في سحبه خلال الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء.
وأنه من المقرر أن السلطة التي تملك سحب القرار الإداري النهائي المشوب هي الجهة التي أصدرته أو الجهة الرئاسية بالنسبة إليها فلا وجه للنعي على القرار الساحب الصادر من ذات الجهة التي أصدرت قرار الحفظ بأنه مشوب بعدم الاختصاص بمقولة أن الفصل في التظلمات بالنسبة إلى موظفي وزارة التربية والتعليم من اختصاص وكيل الوزارة.. ذلك أن لمصدر القرار المشوب أن يسحبه من تلقاء نفسه دون انتظار لتظلم ذي الشأن منه.
4 - أنه متى ثبت أن المحكمة التأديبية قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانونياً وكيفتها تكييفاً سليماً وكانت هذه النتيجة تبرر اقتناعها الذي بنت عليه قضاءها فإنه لا يكون هناك محل للتعقيب عليها - ذلك أن لها الحرية في تكوين عقيدتها من أي عنصر من عناصر الدعوى ولها في سبيل ذلك أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وأن تطرح ما عداها مما لا تطمئن إليه فلا تثريب عليها إن هي أقامت حكمها بإدانة الطاعن على الأخذ بأقوال هؤلاء الشهود متى كان من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها - وفي اطمئنانها إلى هذه الأقوال ما يفيد أنها قد أطرحت ما أبداه الطاعن أمامها من دفاع قصد به التشكيك في صحة هذه الأقوال فما يثيره الطاعن في هذا الشأن في الوجه الثاني من أوجه طعنه لا يعدو أن يكون محاولة لإعادة الجدل في تقدير أدلة الدعوى ووزنها بما لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة إذ أن وزن الشهادة واستخلاص ما استخلصته منها هو من الأمور الموضوعية التي تستقل بها المحكمة التأديبية ما دام تقديرها سليماً وتدليلها سائغاً.
5 - أنه لا يعيب الحكم المطعون فيه مجرد استعارته وصفاً جنائياً للفعل المنسوب إلى الطاعن ما دامت قد أقامت إدانته على أساس رد هذا الفعل إلى الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها وقدرت الجزاء بما يتناسب مع جسامة هذا الفعل ذلك أنها وصفت ما وقع منه بالانحراف عن الخلق القويم وحسن السمعة وهو وصف سليم لا غبار عليه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه قد صدر في 20 من مارس سنة 1963 وأن الطاعن قد تقدم في 8 من مايو سنة 1963 بطلب إلى لجنة المساعدة القضائية لإعفائه من رسوم الطعن تقرر رفضه بجلسة أول يوليو سنة 1963 فأقام هذا الطعن بإيداع تقريريه قلم كتاب هذه المحكمة في 21 من أغسطس سنة 1963.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 29 من ديسمبر سنة 1962 أودعت النيابة الإدارية سكرتيرية المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة موظفي وزارة التربية والتعليم أوراق الدعوى التأديبية التي قيدت بسجل المحكمة برقم 20 لسنة 5 القضائية وتقرير اتهام ضد السيد/ حسين صالح سكرتير مدرسة أحمد عرابي الثانوية بالزقازيق من الدرجة السادسة متضمناً اتهامه بأنه "في غضون عام 1956 بمدرسة أحمد عرابي الثانوية بالزقازيق وبصفته سكرتيراً لتلك المدرسة لم يؤد عمله بأمانة ودقة وخرج على مقتضى واجب الوظيفة العامة مما ترتب عليه المساس بمصلحة مالية للدولة وذلك بأن استلم مبلغ 20 جنيهاً و650 مليماً ثمن نسخ المجلة المدرسية المباعة من مصطفى مصطفى هيكل ولم يقم بتوريده للخزينة العامة - فيكون قد ارتكب المخالفة الإدارية والمالية المنصوص عليها في المواد 73 و82 مكرر فقرة (خامساً) و83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وطلبت النيابة الإدارية محاكمته طبقاً للمواد سالفة الذكر والمادتين 12، 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958 - وبسطت النيابة الإدارية الوقائع في مذكرتها المرافقة لتقرير الاتهام مبينة أنها تتحصل فيما أبلغ به وقرره السيد/ سعد الدين علي المفتش الإداري المختص بمنطقة الزقازيق التعليمية من أنه في يوم 15 من يوليه سنة 1957 كان يقوم بالتفتيش على مدرسة أحمد عرابي الثانوية فاكتشف أن مبلغ 63 جنيهاً و250 مليماً قد صرف من نقود النشاط المدرسي لطبع ألف نسخة من مجلة المدرسة وطبعت النسخ المطلوبة وقامت لجنة من هيئة التدريس بالمدرسة باستلام تلك النسخ وتبين أن ما بيع منها بلغت قيمته 20 جنيهاً و650 مليماً وأن بعض النسخ وزع كهدايا والبعض الآخر لا يزال لدى وكيل المدرسة وأن مبلغ العشرين جنيهاً وستمائة وخمسين مليماً لم يورد حتى تاريخ تفتيشه لحساب النشاط المدرسي - وكان الموضوع قد سبقت أحالته إلى النيابة الإدارية لوزارة التربية والتعليم وأجرت فيه تحقيقاً انتهت فيه إلى إبلاغ النيابة العامة وإرجاء البت في تحديد المسئولية الإدارية لحين تصرف النيابة العامة - وانتهت النيابة العامة في مذكرتها المؤرخة في 21 من ديسمبر سنة 1961 إلى إرسال الأوراق إلى الجهة الإدارية التابع لها حسين صالح حسين لمحاكمته تأديبياً وتحصيل المبلغ الذي استلمه منه - وأرسلت الأوراق إلى منطقة الزقازيق التعليمية في 9 من يناير سنة 1962 وقام أحد أعضائها الفنيين بتحرير مذكرة في الموضوع مؤرخة في 16 من مارس سنة 1962 انتهى فيها إلى اقتراح حفظ الموضوع ومطالبة مصطفى هيكل المدرس بالمدرسة المشار إليها وقتئذ بتوريد المبلغ الذي استلمه من أحمد البقري ولم يقدم الدليل على توريده ووافق رئيس الشئون القانونية على هذا الرأي في 18 من مارس سنة 1962 كما وافقت عليه المنطقة التعليمية في 24 من مارس سنة 1962 ثم ديوان المحاسبات وفي 2 من مايو سنة 1962 تقدم السيد/ مصطفى هيكل بتظلم من تكليفه بدفع المبلغ فأعادت المنطقة النظر في الموضوع وانتهى الأمر بأن قررت في 22 من مايو سنة 1962 سحب قرار الحفظ الصادر في 24 من مارس سنة 1962 وطلبت من النيابة الإدارية النظر في إقامة الدعوى التأديبية ضد حسين صالح حسين وتحديد مسئولية مكتب الشئون القانونية بالمنطقة عن اقتراح إصدار قرار في الموضوع بالحفظ على خلاف ما رأته النيابة العامة من إحالة حسين صالح حسين إلى المحاكمة التأديبية وتأخير التصرف في الأوراق وعدم عرضها أولاً على مدير الشئون المالية والإدارية بالمنطقة رغم أنه الرئيس المباشر لمكتب الشئون القانونية - وبعد أن أوردت مذكرة النيابة الإدارية بياناً لأقوال الشهود في التحقيق الذي أجرى في شأن ما هو منسوب إلى حسين صالح حسين بخصوص عدم توريد مبلغ الـ 20 جنيهاً و650 مليماً انتهت إلى القول بأنه استلم هذا المبلغ من مصطفى مصطفى هيكل ولم يقم بتوريده وأن هذه الواقعة تأيدت بأقوال كل من السادة أحمد أحمد البقري ومحمد علي العناني ومحمد محمد بدوي لاشين وأن ذلك هو ما انتهى إليه رأي النيابة العامة وأنه تبين أن أحمد البقرى وقع إقراراً يفيد أن مصطفى مصطفى هيكل سلم المبلغ إلى حسين صالح إلا أنه قرر في التحقيق بأنه لم يشاهد واقعة دفع المبلغ بنفسه وبالتالي فإن ما أثبته لا يطابق تماماً ما قرره في التحقيق.
وأودع السيد/ حسين صالح حسين مذكرة بدفاعه قال فيها أن قرار مدير التربية والتعليم بحفظ الموضوع بعد أن استبان له عدم مساءلته إدارياً قرار سليم لم تعترض عليه النيابة العامة بعد إبلاغها به ونظراً إلى أن المخالفة مالية فقد أخطر ديوان المحاسبات بالقرار ووافق عليه بمذكرة مؤرخة في 28 من إبريل سنة 1962 تضمنت تكليف السيد/ مصطفى مصطفى هيكل بدفع مبلغ 20 جنيهاً و650 مليماً ومساءلة السيد أحمد محمد البقري المشرف الاجتماعي - وصاحب الحق في رفع الدعوى التأديبية في هذه الحالة هو ديوان المحاسبات وفقاً لنص المادة 13 من القانون رقم 117 لسنة 1958 ولكن النيابة الإدارية أحالته إلى المحاكمة التأديبية بناء على طلب مديرية التربية والتعليم بإجراء غير قانوني إذ ليس لها اتخاذ هذا الأجراء إلا بناء على طلب ديوان المحاسبات ثم تحدث عن الموضوع وناقض أقوال الشهود وانتهى إلى القول بأنه يبين منها ومن الأوراق أن المسئول عن المبلغ سالف الذكر هو السيد مصطفى مصطفى هيكل - وطلب الحكم:
أولاً: بعدم قبول الدعوى لرفعها بدون إذن من له الحق في ذلك وهو ديوان المحاسبات.
وثانياً: ببراءته مما هو منسوب إليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى على أن الجهة الإدارية هي صاحبة الحق في اتخاذ إجراءات المحاكمة التأديبية في ظل أحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 وبسلطة ديوان المحاسبات مقصورة بالنسبة إلى المخالفات المالية على الاعتراض على القرارات التي تصدر في غير حالة الإحالة على المحاكمة التأديبية وذلك بالإضافة إلى أن رسوم النشاط ومجالس الآباء هي أموال خاصة وليست عامة ولا تخضع لرقابة ديوان المحاسبات وأن كانت تخضع لرقابة التفتيش الإداري باعتبار أن تحصيلها يتصل بمهام الوظيفة ويفصح عن ذلك القرار رقم 333 الصادر في 22 من نوفمبر سنة 1957 بشأن لائحة مجلس الآباء فما يرتكب من مخالفات ذات صلة برسوم النشاط ومجلس الآباء تندرج في نطاق المخالفات الإدارية - أما قرار الحفظ الصادر من مدير التربية والتعليم في 24 من مارس سنة 1962 - لو سلم بأنه قرار إداري - فإنه قد سحب في 22 من مايو سنة 1962 وبذلك أطلقت يد جهة الإدارة في محاكمة المتهم - كما أقامت قضاءها بمجازاته على أنه بسؤال السيد/ سعد الدين علي المفتش الإداري بمنطقة الزقازيق الذي اكتشف عدم توريد المبلغ قرر أن سكرتير المدرسة هو المكلف بتصفية حساب النشاط في نهاية العام الدراسي وكانت لديه الفاتورة الخاصة بالمجلة دون تسوية حسابها رغم انقضاء العام الدراسي الذي طبعت فيه المجلة وكان عليه بحكم وظيفته أن يطالب أصحاب العهد بما لديهم من مبالغ وفي حالة عدم تسليمها له كان عليه أن يقدم مذكرة لإدارة المدرسة بذلك وكان في عهدته الإذن رقم 112 ع. ح ضمن مستندات النشاط لأن المجلة طبعت على أن تباع نسخها - وبسؤال ناظر المدرسة محمد عبد العزيز أيوب قرر أن المدرسة قامت بطبع المجلة وكان يشرف على حساباتها المتهم حسين صالح بحكم وظيفته وتم بيع النسخ بإيصالات بمعرفة الرواد الذين كانوا يسلمون ما يحصل أولاً بأول من البيع مع كعوب الإيصالات إلى السيد أحمد البقري المشرف الاجتماعي على أن يتم التسليم لسكرتير المدرسة لإيداعه حساب النشاط المدرسي - وبأنه ذات يوم حضر لمكتبه السيد مصطفى هيكل وكان مشرفاً على طبع المجلة ومعه السيدان أحمد البقري ومحمد القباني ومعهم المبلغ المحصل مع بيع المجلة وكلفهم بتسليم المبلغ لسكرتير المدرسة لتوريده لحساب النشاط وقبل قيامه بالإجازة السنوية سأل سكرتير المدرسة (المتهم) عما إذا كان تسلم جميع حساب المجلة فأجابه بأن جميع الحسابات سددت له وأضاف أنه علم من السيد مصطفى مصطفى هيكل أن السكرتير تسلم منه المبلغ دون إيصال بذلك - وبسؤال أحمد محمد البقري في تحقيق النيابة العامة قرر أنه في العام الدراسي 1955/ 1956 كلفه ناظر المدرسة بجمع المبالغ المتحصلة من بيع نسخ مجلة المدرسة من رواد الفصول على أن يسلمها إلى السيد مصطفى هيكل المشرف العام على المجلة ليقوم الأخير بتوريدها وذكر أنه توجه إلى حجرة سكرتير المدرسة لعمل خاص به فوجد السيد/ مصطفى هيكل ومعه الكشوف والمبالغ التي تسلمها منه وكان يقوم بتوريدها للسكرتير وكان موجوداً في ذلك الوقت كل من السيدين محمد علي العناني ومحمد محمد بدوي لاشين ولاحظ أن السيد/ مصطفى هيكل كان يستعجل السكرتير في استخراج قسيمة السداد وقرر أنه شاهد السكرتير يستلم كشوف توزيع نسخ المجلة ويضعها في درج مكتبه وكانت أقواله بالتحقيقات الإدارية وأن شابها بعض الغموض إنما تقطع بأن إيصالات البيع تسلمها السكرتير المتهم وأن المدرس هيكل كان بحجرة السكرتير لتسليمه المبالغ المتحصلة من البيع وكان بالحجرة بعض المدرسين ولم ينكر توقيعه على الإقرار الذي قدمه مصطفى هيكل من أن التسليم كان بحضوره (الشاهد) وما علل به توقيعه قول غير مستساغ مع اعترافه بأن السكرتير سبق أن تسلم منه مبلغ أربعة جنيهات من حساب النادي وحاول إنكار استلامه وراوغ في دفعه ولم يرده إلا بعد حادث نسخ المجلة ونقله من المدرسة وهو ما يستشف منه أن الشاهد راوغ في بادئ الأمر في تقرير الحقيقة حتى يطمئن على سداد المبلغ الذي تسلمه منه من حساب النادي - وبسؤال السيد محمد علي العناني قرر أنه أثناء تواجده هو وزميله المدرس محمد محمد بدوي لاشين حضر إلى الحجرة السيد مصطفى هيكل ومعه أحمد البقري وطلب الأول من السكرتير (المتهم) مراجعة كشوف مجلة المدرسة فقام السكرتير بمراجعتها وتبين أن المبلغ المطلوب قدره عشرون جنيهاً وكسور فقام السيد مصطفى هيكل بتسليمه إلى السكرتير ثم ذهبوا إلى ناظر المدرسة وأثناء وجودهم مع الناظر حضر السكرتير فسأله الناظر بما معناه ما إذا كان تسلم المبلغ المتحصل من بيع المجلة فأجاب بالإيجاب - وبسؤال السيد محمد محمد بدوي لم تخرج أقواله جملة وتفصيلاً عما قرره السيد محمد علي العناني - وخلصت المحكمة التأديبية من هذه الأقوال إلى أنه إذا ما ثبت ذلك فإنه لا يسعف المتهم إنكاره استلام المبالغ والكشوف الخاصة بتوزيع المجلة إذ لا مطعن على أحد الشهود الذين سمعت أقوالهم بما يشكك في استلامه مبلغ 20 جنيهاً و650 مليماً من السيد/ مصطفى هيكل قيمة ثمن النسخ التي بيعت وأنه بين من عيون الأوراق أنه سبق أن حاول إنكار استلامه حوالي أربعة جنيهات من السيد/ محمد البقري ولم يوردها إلا بعد نقله واكتشاف تلاعبه في المبالغ المحصلة من المجلة فيكون قد ثبت في حقه ثبوتاً كافياً أنه اختلس المبلغ المذكور ثمن مجلة المدرسة وهو ما يدمغه بالانحراف عن الخلق القويم وحسن السمعة وهي من أولى الصفات الواجب توافرها في الموظف.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المذكور قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله للأسباب الآتية: -
أولاً: بالنسبة لقضائه في الدفع: ذكر الطاعن أن مبنى دفعه الذي أبداه أمام المحكمة التأديبية هو سابقة صدور قرار من مدير منطقة التربية والتعليم بالزقازيق بحفظ الموضوع فهو في حقيقته دفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق التصرف فيها بقرار إداري من السلطة الرئاسية وليس دفعاً بعدم القبول - وصدور قرار ممن يملكه بحفظ الموضوع هو بمثابة قرار إداري له حجيته ومنتج لكافة الآثار القانونية - وأضاف أن الذنب الإداري الذي نسب إليه ذو طبيعة مالية يخضع التصرف في التحقيق فيه لتعقيب ديوان المحاسبات وفقاً لحكم المادة 13 من القانون رقم 117 لسنة 1958 ولا يغير من ذلك صدور القرار الوزاري رقم 333 لسنة 1957 بلائحة نقود مجلس الآباء والنشاط المدرسي وما تضمنه من إخراج هذه النقود رقابة ديوان المحاسبات إذ أن أثره لا ينسحب إلى الحالات التي وقعت قبل صدوره وقد تصرفت الجهة الرئاسية له في التحقيقات ولم تشاطر النيابة العامة الرأي وأصدرت قرارها في 24 من مارس سنة 1962 بحفظ الموضوع بالنسبة له وبتكليف السيد/ مصطفى مصطفى هيكل بتوريد مبلغ الـ 20 جنيهاً و650 مليماً لعجزه عن إقامة الدليل على تسليمه إليه وأبلغ ديوان المحاسبات بالقرار في 11 من إبريل سنة 1962 ووافق عليه في 25 من إبريل سنة 1962 ومن ثم فإن قرار المنطقة الصادر في 24 من مارس سنة 1962 قد أضحى نافذ الأثر القانوني حصيناً من أي تعقيب فلا يجوز لمصدر القرار الأول بعدئذ أن يصدر قراراً بسحبه - وحتى لو فرض أن المخالفة المنسوبة إليه إدارية بحتة فإنه بصدور قرار مدير عام المنطقة التعليمية في 24 من مارس سنة 1962 بحفظ الموضوع بالنسبة إليه وانقضاء أكثر من ثلاثين يوماً على تاريخ صدوره دون أن يعقب عليه الوزير وفقاً لحكم المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 أضحى بمثابة قرار إداري نهائي لا يجوز التعقيب عليه أو إلغاؤه - هذا بالإضافة إلى أن القرار الصادر في 22 من مايو سنة 1962 بسحب القرار الصادر في 24 من مارس سنة 1962 يخرج عن ولاية مصدر القرار لتجاوزه حدود التفويض إذ حتى صدور القرار الوزاري رقم 82 لسنة 1962 في 16 من يونيه سنة 1962 في شأن تفويض المحافظين كل في نطاق محافظته سلطة البت في التظلمات من القرارات الإدارية النهائية الصادرة في شأن موظفي وعمال المديريات التعليمية والذي نشر في العدد 52 من الوقائع المصرية في 5 من يوليو سنة 1962 كان البت في التظلمات الإدارية بالنسبة لموظفي وزارة التربية والتعليم من سلطة وكيل الوزارة بمقتضى قرار التفويض رقم 1448 لسنة 1958 ولذلك فإن القرار الصادر من مدير عام منطقة الزقازيق التعليمية في 22 من مايو سنة 1962 يكون معدوم الأثر القانوني لعدم الولاية ويكون القرار الصادر في 24 من مارس سنة 1962 قائماً منتجاً لكافة آثاره القانونية وبانقضاء الستين يوماً عليه أضحى حصيناً من أي إلغاء أو سحب.
ثانياً: بالنسبة لقضائه في الموضوع: نعي الطاعن على الحكم:
(1) أنه لم يستخلص الوقائع التي تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها استخلاصاً سائغاً إذ الثابت من الأوراق له عهد إلى لجنة برئاسة مصطفى مصطفى هيكل مدرس أول اللغة العربية وعضوية محمد علي القباني مدرسة اللغة العربية ومحمد عبد الحميد موسى مدرس المواد الاجتماعية ومحمد كامل الرشيدي أمين التوريدات بالمدرسة بتوزيع المجلة بموجب كشوف توزيع وأن مبلغ الـ 63 جنيهاً و250 مليماً قد صرف بمقتضى إذن صرف مرفق به أوراق المناقصة وفاتورة الطبع وإذن إضافة بإدخال الأعداد إلى مخازن المدرسة فالقول بأن الطاعن هو المكلف بتصفية حساب النشاط وعليه بحكم وظيفته مطالبة أصحاب العهد بما لديهم من مبالغ في حالة عدم تسليمها إليه أمر يتجافى مع طبائع الأشياء إذ أن ذلك من طبيعة وظيفة أمين التوريدات أحد أعضاء لجنة التوزيع بعد إدخال المطبوعات المخازن وإضافتها بموجب إذن الإضافة. أما واقعة تسليمه مبلغ 20 جنيهاً و650 مليماً من مصطفى مصطفى هيكل مدرس أول اللغة العربية فليس ثمة دليل عليه سوى أقوال تضاربت وإذ كانت الأوراق تخلو من الدليل المؤيد لواقعة استلامه المبلغ المذكور وطبائع الأمور تقتضي من مصطفى هيكل عدم تسليمه له دون إيصال فتكون المحكمة إذ ذهبت إلى صحة إثبات هذه الواقعة استناداً إلى الأقوال المشار إليها قد استخلصت الوقائع المؤدية إلى النتيجة التي انتهت إليها استخلاصاً غير سائغ من الأوراق.
(2) وأنه حتى لو فرض أن ما نسب إليه قد قام في حقه وهو ما لا يسلم به فإن المحكمة التأديبية بوصفها سلطة تأديبية أو إدارية ينبغي عليها أن تلتزم نظامها القضائي وتسند قضائها إليه في تكييفها للفعل المكون للذنب الإداري وأن تقيم الإدانة على أساس رد هذا الفعل إلى الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها فإن تجاوزت ذلك وخلعت على الذنب الإداري وصفاً جنائياً وارداً في قانون العقوبات وعنيت بتحديد أركان الفعل على نحو ما حدده القانون المذكور للوصف الذي خلعته على الذنب الإداري فإنها تكون قد جاوزت حدود ولايتها القضائية - وقد جنحت المحكمة التأديبية وخلعت على الذنب الإداري المنسوب إليه وصفاً جنائياً محضاً إذ قالت أنه ثبت في حقه ثبوتاً كافياً أنه اختلس مبلغ 20 جنيهاً و650 مليماً.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى الأوراق يبين أنه عند قيام أحد المفتشين الإداريين بالتفتيش على مدرسة أحمد عرابي الثانوية بالزقازيق في 15 من يناير سنة 1957 اكتشف أنه قد صرف مبلغ 63 جنيهاً و250 مليماً من نقود النشاط المدرسي في 20 من مايو سنة 1956 لطبع ألف نسخة من مجلة المدرسة وأن ثمن ما بيع من هذه النسخ بلغ 20 جنيهاً و650 مليماً - وذكر في تقريره أن هذا المبلغ لم يورد لحساب النشاط بالمدرسة طبقاً لما تقضي به التعليمات - وأن ضياع هذا المبلغ وعدم الاهتداء إليه ينطوي على تلاعب وضياع لأموال الدولة وأنه لذلك يرى إحالة الموضوع إلى النيابة الإدارية - وفي 25 من أغسطس سنة 1958 أحيلت الأوراق إلى ديوان المحاسبات الذي أعادها إلى منطقة الزقازيق التعليمية مع كتابه المؤرخ 28 من ديسمبر سنة 1959 مبيناً أنه لم يكن قد تصرف في الموضوع حتى تاريخ العمل بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية - وفي 24 من فبراير سنة 1960 أحالت المنطقة الموضوع إلى النيابة الإدارية التي انتهت بعد إجراء التحقيق إلى إبلاغ النيابة العامة وإرجاء البت في المسئولية الإدارية إلى أن تتصرف النيابة العامة في المسئولية الجنائية - وفي 31 من مايو سنة 1960 أرسلت النيابة الإدارية ملف القضية إلى النيابة العامة طالبة اتخاذ اللازم نحو تحقيق الوقائع الجنائية التي تضمنها موضوعها وإفادتها بما يتم - وانتهت النيابة العامة في مذكرتها المؤرخة في 21 من ديسمبر سنة 1961 إلى أنه تبين أن (حسين صالح حسين سكرتير مدرسة أحمد عرابي الثانوية بالزقازيق قد استلم مبلغ 20 جنيهاً و650 مليماً ثمن نسخ المجلة المدرسية المباعة - من مصطفى هيكل ولم يقم بتوريده - وقد تأيدت تلك الواقعة بأقوال كل من السادة أحمد محمد البقري ومحمد علي العناني ومحمد بدوي لاشين وأن الواقعة وإن كانت تتضمن جناية اختلاس بالمواد 111، 112، 118، 119 غير أنه نظراً لظروف الواقعة ورغبة في عدم القضاء على مستقبل حسين صالح حسين في محاكمة جنائية فإن الجزاء الإداري الرادع خير عقاب له لما اقترفه) وأنها لذلك ترى إرسال الأوراق إلى الجهة الإدارية التابع لها المذكور لمحاكمته تأديبياً وتحصيل المبلغ الذي استلمه منه - وقامت النيابة العامة بإرسال الأوراق إلى منطقة الزقازيق التعليمية في 6 من يناير سنة 1962 لمحاكمة المتهم عما نسب إليه ثم إعادة الأوراق إليها بعد ذلك مشفوعة بالنتيجة للتصرف - وأعدت إدارة الشئون القانونية بالمنطقة مذكرة مؤرخة 16 من مارس سنة 1962 انتهت فيها في اقتراح حفظ التحقيق ومطالبة السيد/ مصطفى مصطفى هيكل بتوريد المبلغ الذي استلمه من السيد أحمد البقري ولم يقدم الدليل على توريده للمدرسة - وخصمه من مرتبه - ووافق مدير عام التربية والتعليم بالمنطقة على ما تضمنته هذه المذكرة في 24 من مارس سنة 1962 وأخطر ديوان المحاسبات بذلك في 11 من إبريل سنة 1962 فأجاب في 23 من إبريل سنة 1962 بما يفيد موافقته على التصرف الذي تم وطلب إفادته عما يتم في أمر تحصيل المبلغ من السيد/ مصطفى مصطفى هيكل - وفي 24 من إبريل وأول مايو و5 من مايو سنة 1962 تقدم السيد/ مصطفى هيكل بتظلمات بين فيها أنه فوجئ بخصم سبعة جنيهات من مرتبه غير شهر إبريل سنة 1962 وفاء للمبلغ سالف الذكر رغم أن النيابة العامة انتهت إلى براءته وإدانة السيد حسين صالح ومحاكمته تأديبياً - فأعادت المنطقة التعليمية بحث الموضوع وأعدت إدارة التحقيقات بها مذكرة مؤرخة 10 من مايو سنة 1967 انتهت فيها إلى اقتراح إحالة الأوراق إلى النيابة الإدارية للنظر فيما إذا كانت ترى إحالة الموضوع إلى المحكمة التأديبية تنفيذاً لقرار نيابة أمن الدولة المؤرخ 6 من يناير سنة 1962 نظراً إلى أنها وهي الأمينة على إقامة الدعوى التأديبية لم تكن قد أدلت برأيها في الموضوع وللنظر في مسئولية مكتب الشئون القانونية بالمنطقة عن تأخير التصرف في الأوراق وعن اقتراح إصدار قرار بالحفظ مخالفاً بذلك رأي النيابة الإدارية بإرجاء البت في المسئولية الإدارية إلى حين تصرف النيابة العامة ومخالفاً أيضاً رأي النيابة العامة بإحالة الموضوع إلى المحاكمة التأديبية - وتحديد من يقع عليه عبء دفع المبلغ سالف الذكر ووافق مدير عام التربية والتعليم على ذلك في 10 من مايو سنة 1962 وأحيلت الأوراق إلى النيابة الإدارية في 20 من مايو سنة 1962 لإجراء اللازم فأعادتها إلى المنطقة في 21 من مايو سنة 1962 طالبة سحب قرار الحفظ الصادر في 24 من مارس سنة 1962 - ووافق مدير عام التربية والتعليم في 22 من مايو سنة 1962 على سحب القرار المذكور على أن يوكل النظر في إقامة الدعوى التأديبية إلى النيابة الإدارية وبعد أن أتمت النيابة الإدارية التحقيق انتهت في مذكرتها المؤرخة 2 من يوليه سنة 1962 إلى قيد الموضوع مخالفة إدارية ومالية ضد كل من:
(1) حسين صالح حسين.
(2) وطه طه محمد حسين.
(3) وأحمد محمد البقري. لأن:
(الأول) في سنة 1956 بصفته سكرتير مدرسة أحمد عرابي الثانوية لم يؤد عمله بأمانة وخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته وارتكب تقصيراً ترتب عليه المساس بمصلحة مالية للدولة بأن استلم مبلغ 20 جنيهاً و650 مليماً ثمن نسخ المجلة المدرسية المباعة من مصطفى مصطفى هيكل ولم يقم بتوريده.
(الثاني) في سنة 1962 بصفته موظفاً بمكتب الشئون القانونية بالمنطقة خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته بأن تراخى في إنجاز ما نسب للمخالف الأول منذ ورود الأوراق للشئون القانونية في 13 من يناير سنة 1962 حتى 16 من مارس سنة 1962 حين حرر مذكرة في الموضوع بالرأي.
(الثالث) وبصفته المشرف الاجتماعي بالمدرسة المذكورة خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته بأن وقع إقراراً تضمن أن مصطفى هيكل قام بتسليم نقود المجلة لحسين صالح ثم قرر في التحقيقات بأنه لم يشاهد ذلك بعينه - وقررت النيابة الإدارية إحالة حسين صالح حسين إلى المحكمة التأديبية - والحفظ قطعياً للتجاوز فيما يتعلق بأحمد محمد البقري أخذاً بالاعتبارات التي وردت في التحقيق اكتفاءً بلفت نظره إلى أن يتحرى الدقة الكاملة فيما يوقعه من إقرارات والحفظ مؤقتاً لعدم كفاية الأدلة فيما نسب إلى طه طه محمد حسين رئيس مكتب الشئون القانونية خاصاً بواقعه عدم أدائه عمله لوقته - وأقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية ضد السيد/ حسين صالح بإيداع أوراقها سكرتيرية المحكمة التأديبية في 29 من ديسمبر سنة 1962.
ومن حيث إن الدفع بعدم جواز نظر هذه الدعوى لسبق التصرف فيما بقرار إداري من السلطة الرئاسية بحفظ الموضوع - يقتضي بادئ ذي بدء البت فيما إذا كان هذا القرار صدر صحيحاً مستوفياً أوضاعه الشكلية أو أنه قد شابه ما يعيبه ويبطله.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المخالفة المسندة إلى الطاعن كانت قد أحليت من منطقة التربية والتعليم بالزقازيق إلى النيابة الإدارية في 24 من فبراير سنة 1960 (لإجراء اللازم) في شأنها وأن قرار مدير عام التربية والتعليم بالمنطقة بحفظها قد صدر قبل أن تتخذ النيابة الإدارية قراراً بشأن التصرف والتحقيق في تلك المخالفة.
ومن حيث إن النيابة الإدارية هيئة مستقلة أنشئت بالقانون رقم 480 لسنة 1954 - وقد أفصح هذا القانون ومذكرته الإيضاحية عما استهدفه المشرع من إنشائها وهو أن تسهم باعتبارها أداة رقابة وإشراف في تدعيم الأداة الحكومية وتنظيم الإشراف على أعضائها تنظيماً يكفل السرعة في أداء الخدمات للجمهور مع نزاهة القصد والكفاية. وأن تقوم بالنسبة إلى الموظفين بمثل ما تقوم به النيابة العامة لكافة المواطنين فتنوب بذلك عن أداة الحكم مجتمعة في تتبع الجرائم والأخطاء وأنواع التقصير التي تستوجب العقاب والمؤاخذة - وتحقيقاً لهذه الأهداف كفل لها القانون الاستقلال عن الوزارات والمصالح حتى تتحقق حيدة أعضائها وبعدهم عن تأثير كبار الموظفين - وعندما أعيد تنظيم النيابة الإدارية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 كان الهدف من هذا التعديل إصلاح أداة الحكم والقضاء على ما يعيبها من أخطاء الموظفين فوسع القانون من اختصاص النيابة الإدارية بالتحقيق إذ بعد أن كان مقصوراً على التحقيق فيما يحال إليها وما تتلقاه من شكاوى ذوي الشأن يشمل أيضاً المخالفات التي يكشف عنها إجراءً لرقابة ولم تحلها إليها الجهة الإدارية وشكاوى الأفراد والهيئات العامة ولو لم يكن الشاكي صاحب شأن متى أثبت الفحص جديتها - كما نظم القانون إجراءات التصرف في التحقيق ووزع الاختصاص في شأنه بين النيابة الإدارية والجهة التي يتبعها الموظف على وجه يمنع افتئات الجهات الإدارية على اختصاص النيابة الإدارية - فإذا رأت النيابة الإدارية أن المخالفة تستوجب جزاء يجاوز الخصم من المرتب لمدة تزيد على خمسة عشر يوماً أحالت الأوراق إلى المحكمة التأديبية المختصة مع إخطار الجهة التي يتبعها الموظف بالإحالة (مادة 14 من القانون) - إذا رأت حفظ الأوراق أو أن المخالفة لا تستوجب جزاء أشد من الخصم من المرتب لمدة لا تجاوز خمسة عشر يوماً أحالت الأوراق إلى الرئيس المختص لإصدار قراره بالحفظ أو بتوقيع الجزاء مع أخطارها بهذا القرار - فإذا رأت الجهة الإدارية تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية أعادت الأوراق إلى النيابة الإدارية لمباشرة الدعوى أمام المحكمة التأديبية المختصة (مادة 12) وإذا كانت المخالفة مالية وجب إخطار ديوان المحاسبة بقرار الجهة الإدارية في شأنها وله أن يطلب من النيابة الإدارية إقامة الدعوى التأديبية (مادة 13).
ومن حيث إنه وفقاً لهذه الأحكام إذا تولت النيابة الإدارية التحقيق سواء بناء على طلب الجهة الإدارية المختصة أو بناء على ما كشف عنه إجراء الرقابة أو بناء على شكاوى الأفراد والهيئات التي يثبت الفحص جديتها فإن لها بل عليها أن تستمر في التحقيق حتى تتخذ قراراً في شأنه دون أن يتوقف ذلك على إرادة الجهة الإدارية - كما أن لها من تلقاء ذاتها أن تحيل الأوراق إلى المحاكمة التأديبية متى قدرت أن المخالفة تستوجب جزاء يجاوز الخصم من المرتب لمدة خمسة عشر يوماً - ولا يجوز للجهة الإدارية أن تتصرف في التحقيق إلا إذا أحالت النيابة الإدارية الأوراق إليها في الأحوال السابق الإشارة إليها - وليس للجهة المذكورة أصلاً أن تحول دون مباشرة النيابة الإدارية لاختصاصها عن طريق مطالبتها بالكف عن السير في التحقيق أو عن طريق المبادرة إلى التصرف فيه قبل أن تنتهي النيابة الإدارية إلى قرار في شأنه - كما أنه إذا رأت النيابة الإدارية قبل أن تحدد المسئولية الإدارية أن تحيل الأوراق إلى النيابة العامة لانطواء الوقائع على جريمة جنائية - فإن ذلك لا يؤثر على اختصاصها بالتصرف في التحقيق في شأن هذه المسئولية على ضوء ما يسفر عنه تحقيق النيابة العامة وهذا ما أفصحت عنه المادة 18 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1489 لسنة 1958 باللائحة الداخلية للنيابة الإدارية.
ومن حيث إن هذه الخطوات المحددة التي رسمتها النصوص لا تدع للجهة الإدارية سبيلاً لقرار الحفظ قبل أن تتخذ النيابة الإدارية قراراً بشأن التصرف في التحقيق وقد استهدف القانون بذلك أن يضع المركز الواقعي للتحقيق بجميع تفصيلاته وبما انتهى إليه تصرف النيابة الإدارية في شأنه أمام الجهة الإدارية قبل أن تصدر قرارها حرصاً منه على سلامة هذا القرار وعلى أن يتخذ بعد إحاطتها بعناصر التحقيق الذي باشرته جهة محايدة بعيدة عن التأثير - ولا جدال في أن تعطيل هذه الضمانة من شأنه مصادرة النيابة الإدارية على رأيها فيما لو اختارت إحالة أوراق الموضوع إلى المحكمة التأديبية - وتأسيساً على ما تقدم فإن قرار الحفظ الذي يصدر من الجهة الإدارية قبل أن تنتهي النيابة الإدارية إلى قرار في التحقيق يكون مشوباً بعيب إجرائي جوهري من شأنه أن يبطله.
ومن حيث إنه لذلك فإنه كان يتعين على منطقة التربية والتعليم بالزقازيق بعد أن أعيدت إليها الأوراق من النيابة العامة ألا تتصرف في شأن مسئولية الطاعن الإدارية إلا بعد أن تتخذ النيابة الإدارية قراراً نهائياً في التحقيق الذي كانت قد بدأته قبل أن تحيل الأوراق إلى النيابة العامة - وكان عليها أن تعيد الأوراق إلى النيابة الإدارية وألا تسبقها برأي - ولكنها أصدرت قرارها بالحفظ قبل أن تتصرف النيابة الإدارية في التحقيق وبذلك تكون قد صادرت النيابة الإدارية في رأيها وعطلت اختصاصاً أصيلاً أضفاه عليها القانون - ويكون قرار الحفظ المذكور قد وقع مخالفاً للأحكام التي قام عليها القانون ومشوباً بعيب شكلي وجسيم.
ومن حيث إنه متى ثبت أن هذا القرار مشوب بعيب يبطله فإن موافقة ديوان المحاسبة عليه ليس من شأنها أن تصححه أو تزيل ما شابه من عيب أو تسبغ عليه حصانة تعصمه من السحب أو الإلغاء.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن قرار الحفظ قد صدر من مدير عام التربية والتعليم بالمنطقة في 24 من مارس سنة 1962 وأنه أصدر قراره بسحبه في 22 من مايو سنة 1962 - وبذلك يكون السحب قد تم خلال الميعاد المقرر للطعن القضائي ولا وجه للنعي عليه بمخالفته لأحكام المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بمقولة إنه بمضي ثلاثين يوماً على صدور قرار الحفظ دون أن يعقب عليه الوزير يكون قد اكتسب حصانة تعصمه من الإلغاء ذلك أن انقضاء ميعاد الشهر المنصوص عليه في تلك المادة دون أن يستعمل الوزير حقه في التعقيب لا أثر له على حق مصدر القرار في سحبه خلال الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء وأنه من المقرر أن السلطة التي تملك سحب القرار الإداري النهائي المشوب هي الجهة التي أصدرته أو الجهة الرئاسية بالنسبة إليها فلا وجه للنعي على القرار الساحب الصادر من ذات الجهة التي أصدرت قرار الحفظ بأنه مشوب بعدم الاختصاص بمقولة إن الفصل في التظلمات بالنسبة إلى موظفي وزارة التربية والتعليم من اختصاص وكيل الوزارة. ذلك أن لمصدر القرار المشوب أن يسحبه من تلقاء نفسه دون انتظار لتظلم ذي الشأن منه.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم يكون القرار الصادر بسحب قرار الحفظ سليماً ولا مخالفة فيه للقانون ويكون الوجه الأول من أوجه الطعن على الحكم في غير محله.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإدانة الطاعن على ما استخلصه من أقوال الشهود التي أورد مضمونها في أسبابه السابق الإشارة إليها على وجه يطابق ما هو ثابت فيما أجري من تحقيقات - وما تضمنته هذه الأقوال يكفي لأن يستخلص منه استخلاصاً سائغاً ثبوت ارتكاب الطاعن للمخالفة المسندة إليه.
ومن حيث إنه متى ثبت أن المحكمة التأديبية قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً وكيفتها تكييفاً سليماً وكانت هذه النتيجة تبرر اقتناعها الذي بنت عليه قضاءها فإنه لا يكون هناك محل للتعقيب عليها - ذلك أن لها الحرية في تكوين عقيدتها من أي عنصر من عناصر الدعوى ولها في سبيل ذلك أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وأن تطرح ما عداها مما لا تطمئن إليه فلا تثريب عليها أن أقامت حكمها بإدانة الطاعن على الأخذ بأقوال هؤلاء الشهود متى كان من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها - وفي اطمئنانها إلى هذه الأقوال ما يفيد أنها قد أطرحت ما أبداه الطاعن أمامها من دفاع قصد به التشكيك في صحة هذه الأقوال فما يثيره الطاعن في هذا الشأن في الوجه الثاني من أوجه طعنه لا يعدو أن يكون محاولة لإعادة الجدل في تقدير أدلة الدعوى ووزنها بما لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة إذ أن وزن الشهادة واستخلاص ما استخلصته منها هو من الأمور الموضوعية التي تستقل بها المحكمة التأديبية ما دام تقديرها سليماً وتدليلها سائغاً.
ومن حيث إنه لا يعيب الحكم المطعون فيه مجرد استعارته وصفاً جنائياً للفعل المنسوب إلى الطاعن ما دامت قد أقامت إدانته على أساس وقدرت الجزاء بما يتناسب مع جسامة هذا الفعل ذلك أنها وصفت ما وقع منه بالانحراف عن الخلق القويم وحسن السمعة وهو وصف سليم لا غبار عليه.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن غير قائم على أساس سليم الأمر الذي يتعين معه القضاء برفضه وإلزام الطاعن بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.