مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1967 إلى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 903

(96)
جلسة 8 من إبريل سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري ويوسف إبراهيم الشناوي والدكتور أحمد ثابت عويضة المستشارين.

القضية رقم 3 لسنة 11 القضائية

( أ ) البعثات.
اللجنة العليا للبعثات واللجنة التنفيذية - هما الجهتان المختصان قانوناً بوضع الشروط الأساسية للترشيح للبعثات - ليس للجهة الموفدة وحدها تعديل تلك الشروط أو العدول عن بعضها.
(ب) بعثات.
نشر إعلان البعثات على مكاتب البعثات في الخارج - عملية مادية ليس من شأنها أن تؤثر على مدى توافر الشروط القانونية في المرشحين للبعثات أو تمنحهم حقوقاً في التقدم لها إذا لم تتوافر فيهم الشروط المتطلبة قانوناً.
1 - إن اللجنة العليا للبعثات واللجنة التنفيذية هما الجهتان المختصتان قانوناً بوضع الشروط الأساسية للترشيح للبعثات، بما يستتبع القول بعدم جواز تعديل تلك الشروط إلا بموافقتهما، فلا تملك الجهة الإدارية الموفدة وحدها تعديل تلك الشروط أو العدول عن بعضها وغني عن البيان أن جميع تلك الجهات لا تملك أن تضمن الشروط العامة للبعثة أحكاماً تخالف أحكام القانون أو تعدل عن بعض الشروط التي تتضمن أحكاماً آمرة نص عليها القانون.
2 - إن نشر إعلان البعثات على مكاتب البعثات في الخارج إنما هو إجراء مادي معتاد يتم على أساس أن تلك المكاتب من فروع الوزارة المدعى عليها التي تختص بالإشراف على المبعوثين في الخارج، وليس من شأن هذه العملية المادية أن تؤثر على مدى توافر الشروط القانونية في المرشحين للبعثات أو تمنحهم حقوقاً في التقديم للبعثات المعلن عنها إذا لم تتوافر فيهم الشروط التي نص عليها القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ 26 من مايو سنة 1964 فتقدمت المدعية في 14 من يوليه سنة 1964 بطلب لإعفائها من رسوم إقامة الطعن، تقرر قبوله بتاريخ 24 من أغسطس سنة 1964 فأقامت الطعن بتقرير أودعته سكرتيرية هذه المحكمة يوم 6 من أكتوبر سنة 1964 ومن ثم يكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعية أقامت الدعوى رقم 88 لسنة 17 القضائية ضد وزارة التعليم العالي بعريضة أودعتها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 17 من أكتوبر سنة 1962 طالبة وقف تنفيذ القرار الصادر بحرمانها من البعثة رقم 129/ 4/ 31 وبإلغاء هذا القرار مع إلزام المدعى عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقالت المدعية شرحاً لدعواها إن وزارة التربية والتعليم أوفدتها إلى باريس في بعثة علمية لتحسين اللغة الفرنسية لمدة عامين ينتهيان في شهر أكتوبر سنة 1962، وكان من ضمن شروط هذه البعثة ألا تتقدم إلى أية بعثة أخرى مماثلة. وكانت إدارة البعثات قد أعلنت عن البعثة رقم 129/ 4/ 31 وهي بعثة علمية مدتها سبع سنوات وغرضها الحصول على درجة الدكتوراه في تاريخ اللغة الفرنسية وفقهها، فتقدمت إليها كما تقدمت أيضاً الآنسة/ أسماء محمود كامل، وبالرغم من أن التقديرات التي حصلت عليها في ليسانس الآداب قسم اللغة الفرنسية تفضل تقديرات منافستها، فقد قررت إدارة البعثات استبعادها بمقولة إن إيفادها في البعثة العلمية يمنعها من التقدم إلى البعثة الأخرى، على أن هذا السبب غير صحيح لأن البعثتين تختلفان من حيث الطبيعة والمدة والتخصص، فضلاً على أن البعثة الأولى خاصة بوزارة التربية والتعليم أما البعثة العلمية فهي خاصة بجامعة الإسكندرية. ونظراً لأنه سيترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها مستقبلاً فقد طلبت المدعية وقف تنفيذه إلى أن يقضى بإلغائه. ثم قررت المدعية بجلسة 26 من مارس سنة 1963 بتركها الخصومة في طلب وقف التنفيذ، وقضت المحكمة في ذات الجلسة بقبول تركها للخصومة في هذا الطلب.
وقد ردت إدارة قضايا الحكومة بأنه في شهر مايو سنة 1960 أعلنت إدارة البعثات عن البعثة رقم 129/ 4/ 31 المقررة لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية وهي خاصة بتاريخ اللغة الفرنسية وفقهها، وتقدمت المدعية ترشيحها، ثم عرض الموضوع على اللجنة التنفيذية فقررت بجلسة أول فبراير سنة 1961 استبعاد المدعية لسفرها بتاريخ 2 من ديسمبر سنة 1960 في بعثة لتحسين اللغة الفرنسية وللحصول على دبلوم بذلك ثم العودة للعمل بوزارة التربية والتعليم صاحبة البعثة كما قررت اللجنة التنفيذية إحالة الموضوع إلى جامعة الإسكندرية للمفاضلة بين المرشحين. وتنفيذاً لذلك عرض الموضوع على قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب فرأى أن المدعية ورجاء ياقوت صالح هما أفضل المرشحين، ونظراً لأنهما رشحتا في بعثتين أخريين فقد اقترح القسم ترشيح المدعية بصفة أصلية والأخرى بصفة احتياطية إذا كان القانون يسمح بتحويلهما إلى هذه البعثة، أما إذا كان القانون لا يسمح بذلك فإن القسم يرى إعادة الإعلان لإتاحة الفرصة أمام عناصر جديدة للتقدم للترشيح. وقد وافق مجلس الكلية على ذلك، ثم أعيد عرض الأمر على اللجنة التنفيذية التي قررت بجلستها المنعقدة في 29 من يناير سنة 1962 إعادة الإعلان عن البعثة، وقد تم ذلك في مايو سنة 1962، ثم تقدمت المدعية مرة أخرى لترشيحها للبعثة عن طريق مكتب البعثات بباريس، فأعيد عرض الأمر على اللجنة التنفيذية التي قررت بجلسة 25 من يوليه سنة 1962 استبعاد المدعية لسبق ترشيحها في بعثة أخرى ولأنها وقعت قبل سفرها إقراراً بعدم التقدم إلى بعثة أخرى، وأضافت إدارة قضايا الحكومة قائلة أن قرار استبعاد المدعية من الترشيح للبعثة صدر مطابقاً للقانون للأسباب الآتية: -
(1) تنص المادة السابعة من الشروط العامة للبعثة على أن من رشح أصلياً في بعثة سبق إعلان عنها يستبعد ترشيحه من هذه البعثة.
(2) وقعت المدعية قبل سفرها في البعثة الأخرى على الاستمارة رقم 291 وقد تضمنت هذه الاستمارة تعهداً بقبولها عدم التقدم إلى بعثة أخرى، وهذا التعهد يمنعها من الترشيح للبعثة محل النزاع وأساس ذلك أنه سيترتب على الموافقة على ترشيح المدعية إلى البعثة محل النزاع إفلاتها من تنفيذ التزامها بالعمل لدى وزارة التربية والتعليم بعد انتهاء بعثتها الأولى، وهو الالتزام الذي نصت عليه المادة 31 من القانون رقم 112 لسنة 1959 بتنظيم شئون البعثات والإجازات الدراسية والمنح.
(3) أن المدعية تبلغ من العمر 33 عاماً والقانون يشترط ألا يزيد عمر المرشح للبعثة العلمية عن ثلاثين سنة.
ومن حيث إنه بجلسة 26 من مايو سنة 1964 حكمت محكمة القضاء الإداري برفض الدعوى وألزمت المدعية بالمصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أنه يبين من الاطلاع على الشروط العامة الواردة في الإعلان عن البعثة محل النزاع أنها تضمنت شرطاً يقضي بأن من رشح أصلياً في بعثة سبق الإعلان عنها يستبعد من الترشيح لهذه البعثة وقد ورد هذا الخطر عاماً فلا وجه لتخصيصه وقصر تطبيقه على البعثات المماثلة على الوجه الذي ذهبت إليه المدعية، خاصة وأن الحكمة من إدراجه ضمن شروط البعثة أنه سيترتب على ترشيح من أوفد فعلاً في بعثة أخرى إنهاء للبعثة الأولى، وتفويت للغرض منها، وإهدار للالتزامات التي فرضتها المادة 31 من القانون 112 لسنة 1959 المشار إليه على عقد البعثة، ومضمونها أن يلتزم عضو البعثة بعد انتهاء بعثته بخدمة الجهة الإدارية الموفدة أو في خدمة أي جهة حكومية أخرى ترى إلحاقه بها بالاتفاق مع اللجنة التنفيذية للبعثات لمدة تحسب على أساس سنتين عن كل سنة استمرتها البعثة. وعلى ذلك يكون قرار لجنة البعثات باستبعاد المدعية عن الترشيح للبعثة مطابقاً للقانون.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه إذ قضى برفض الدعوى، ذلك لأن تعهد الطاعنة بعدم ترشيح نفسها في أية بعثة أخرى نزولاً على الشرط الوارد في الإعلان عن البعثة إنما يقتصر على البعثات المماثلة التي توفدها وزارة التربية والتعليم، دون البعثات التي توفدها جهات أخرى كالجامعات، والتي تختلف موضوعها ومدتها عن البعثة الأولى. ويؤخذ من قيام الوزارة المدعى عليها بنشر إعلانات البعثات الجديدة على المبعوثين في الخارج الدليل على أن إيفادهم فعلاً في بعثات لا يحول بينهم وبين الإفادة من البعثات الأخرى التي يعلن عنها، ويضاف إلى ذلك أن الثابت من الأوراق أنه بالرغم من أن الإعلان عن البعثة العلمية محل النزاع قد نشر في شهر مايو سنة 1960 وكانت الطاعنة هي المرشحة بصفة أصلية فيها، وكان مقرراً سفرها في أوائل شهر أكتوبر سنة 1960، فقد أرجأت اللجنة التنفيذية للبعثات البت في أمر هذه البعثة حتى شهر فبراير سنة 1961 أي بعد سفر الطاعنة في البعثة العلمية بقصد استبعادها من الترشيح وإتاحة الفرصة للآنسة/ أسماء محمود كامل، وإذ تغيت اللجنة التنفيذية من وراء تأجيل البت في البعثة. إيثار الآنسة/ أسماء كامل وحرمان الطاعن من حقها القانوني فإنها تكون قد أساءت استعمال سلطتها. وعندما اكتشفت جامعة الإسكندرية هذا العيب بعد أن أعيدت إليها الأوراق في شهر فبراير سنة 1961 طلبت كلية الآداب تعديل بعثة الطاعنة باعتبارها صاحبة أعلى تقدير ورشحتها للسفر في البعثة محل النزاع، ويستدل من ذلك على أن الجامعة. وهي الجهة الإدارية المختصة قد عدلت عن الشرط الوارد في الإعلان والذي يمنع الطاعنة من الترشيح للبعثة، وإذا كان القانون رقم 112 لسنة 1959 قد جعل للجنة التنفيذية سلطة البت في البعثات إلا أن سلطتها في ذلك مقيدة بترشيح الجهة الإدارية الأصلية وبالشروط والأوضاع التي تنتهي إليها هذه الجهة.
ومن حيث إن قرار استبعاد الطاعنة من الترشيح للبعثة العلمية محل النزاع هو قرار صحيح مطابق للقانون للأسباب التي أوردها الحكم المطعون فيه والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتعتبرها أسباباً لحكمها.
ومن حيث إنه لا وجه لما أثارته الطاعنة في طعنها من أن جامعة الإسكندرية باعتبارها الجهة الإدارية صاحبة الشأن في البعثة قد عدلت عن الشرط المنصوص عليه في المادة السابعة من شروط الإعلان عن البعثة بما يستتبع عدم جواز تطبيقه في حق الطاعنة واستبعادها من الترشيح للبعثة، وأن في قيام الوزارة المدعى عليها بنشر إعلانات البعثات الجديدة على المبعوثين في الخارج دليل على أحقيتهم في التشريح للبعثات الأخرى التي يعلن عنها، وأن اللجنة التنفيذية قد أساءت استعمال سلطتها إذ قصدت بتأجيل البت في أمر البعثة محل النزاع حرمان الطاعنة من الترشيح للبعثة وإيثار مرشحة أخرى بذلك، لا وجه لذلك كله، لأنه بالنسبة إلى السبب الأول: (1) فإن اللجنة العليا للبعثات واللجنة التنفيذية هما الجهتان المختصتان قانوناً بوضع الشروط الأساسية للترشيح للبعثات، بما يستتبع القول بعدم جواز تعديل تلك الشروط إلا بموافقتهما، فلا تملك الجهة الإدارية الوافدة وحدها تعديل تلك الشروط أو العدول عن بعضها، وغنى عن البيان أن جميع تلك الجهات لا تملك أن تضمن الشروط العامة للبعثة أحكاماً تخالف أحكام القانون أو تعدل عن بعض الشروط التي تتضمن أحكاماً آمرة نص عليها القانون، وإذ كان الشرط الوارد في المادة السابعة من الإعلان إن هو إلا تطبيق لحكم آخر تضمنته المادة 21 من القانون رقم 112 لسنة 1959 والمشار إليه، مفاده أن يلتزم عضو البعثة بأن يعمل لدى الجهة التي أوفدته بعد انتهاء البعثة طوال المدة التي حددها القانون، فمن ثم فلا يمكن القول بأن جامعة الإسكندرية قصدت إلى عدم تطبيق نص المادة السابعة من الإعلان في حق الطاعنة، ويضاف إلى ذلك أنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن جامعة الإسكندرية اقترحت فقط ترشيح الطاعنة للبعثة إذا ما كان القانون يسمح بذلك، فهي في الواقع من الأمر لم تصدر قراراً أو تتخذ موقفاً يمكن أن يستخلص منه أن الجامعة قصدت إلى العدول عن ذلك الشرط على النحو الذي تذهب إليه الطاعنة. أما بالنسبة إلى السبب الثاني الذي أثارته الطاعنة فإن نشر إعلان البعثات على مكاتب البعثات في الخارج إنما هو إجراء مادي معتاد يتم على أساس أن تلك المكاتب من فروع الوزارة المدعى عليها التي تختص بالإشراف على المبعوثين في الخارج، وليس من شأن هذه العملية المادية أن تؤثر على مدى توافر الشروط القانونية في المرشحين للبعثات أو تمنحهم حقوقاً في التقدم للبعثات المعلن عنها إذا لم تتوافر فيهم الشروط التي نص عليها القانون، وأما بالنسبة إلى العيب الثالث من أسباب الطعن والمتعلق بسبب إساءة استعمال السلطة فإن الطاعنة لم تقدم دليلاً على توافره.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن القرار الصادر باستبعاد الطاعنة من الترشيح للبعثة هو قرار مطابق للقانون وبمنأى عن الطعن ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى بطلب إلغائه يكون قد أصاب الحق في قضائه ويكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه مع إلزام الطاعنة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت المدعية بالمصروفات.