مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1967 إلى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 909

(97)
جلسة 15 من إبريل سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 226 لسنة 9 القضائية

( أ ) - موظف. تأديب. تحقيق.
الفقرة الأخيرة من المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المضافة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 - جواز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاها على أن يثبت مضمونه بالمحضر الذي يحوي الجزاء - التدوين وإثبات مضمون التحقيق من الإجراءات الجوهرية - المقصود بذلك أن يتضمن المحضر خلاصة للاستجواب تكون معبرة بوضوح عما استجوب فيه الموظف وما أجاب به على وجه معبر عن منحى دفاعه - مثال عن التدوين غير المحدد لمضمون التحقيق.
(ب) - موظف. "تأديب تحقيق". قرار إداري "ركن الشكل فيه".
حالات بطلان القرار الإداري لعيب في الشكل - إثبات مضمون التحقيق الشفوي في المحضر الذي يحوي الجزاء - إجراء جوهري ينبني على إغفاله بطلان القرار.
1 - أن المادة 85 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 المطبق على واقعة الدعوى والتي ردد حكمها قانون العاملين رقم 46 لسنة 1964 تجيز لوكيل الوزارة ولوكيلها المساعد ولرئيس المصلحة - كل في دائرة اختصاصه - توقيع عقوبتي الإنذار والخصم من المرتب عن مدة لا تتجاوز خمسة وأربعين يوماً في السنة الواحدة بحيث لا تزيد مدة العقوبة الواحدة على خمسة عشر يوماً. وتطلب النص لسلامة توقيع الجزاء أن تسمع أقوال الموظف وأن يحقق دفاعه وأن يكون القرار بالجزاء مسبباً. وقد أضيفت إلى هذا النص فقرة أخيرة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 تجيز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاها على أن يثبت مضمونه بالمحضر الذي يحوي الجزء وجاء بالمذكرة الإيضاحية في بيان الحكمة من هذه الفقرة أن المراد هو "تسهيل العمل مع المحافظة على كافة الضمانات" ومن هذه الضمانات سماع أقوال الموظف وتحقيق دفاعه وتسبيب قرار الجزاء وتدوين مضمون التحقيق أو الاستجواب.
وأن المستفاد من نص المادة 85 المشار إليه أن الأصل هو التحقيق الكتابي الذي يدون كاملاً وعلى علاته، واستثناء من هذا الأصل أجيز إجراء التحقيق شفاها على أن يثبت مضمونه في المحضر الذي يحوي الجزاء، إذ يعتبر إثبات هذا الموضوع في حالة التحقيق الشفهي بديلاً عن تدوين التحقيق كاملاً في حالة التحقيق الكتابي، ويعتبر التدوين وإثبات مضمون التحقيق من الإجراءات الجوهرية لتعلقهما بالضمانات الأساسية في التحقيق.
إن إثبات مضمون التحقيق أو الاستجواب في المحضر الذي يحوي الجزاء لا يعني أن يثبت المحقق الأسئلة والإجابات عنها كاملة وعلى علاتها كما هو الشأن في التحقيق الكتابي، وإلا كان ذلك إهدار لما استهدفه المشرع من التيسير على الإدارة وتسهيل العمل. كما لا يعنى تجهيل دفاع الموظف أو الاقتصار على جزء منه لأن في ذلك إخلال بالضمانات المقررة في التحقيق لكن المقصود من إثبات مضمون الاستجواب في المحضر الذي يحوي الجزاء هو أن يتضمن المحضر خلاصة للاستجواب تكون معبرة بوضوح عما استجوب فيه الموظف وما أجاب به على وجه معبر عن منحى دفاعه، فإذا لم يستوف محضر الجزاء هذه العناصر فإن الاستجواب يكون قد جاء على خلاف حكم القانون غير مستكمل للضمانة الأساسية التي يقوم عليها التحقيق.
إن العبارة التي ساقها القرار، من أن المدعي لم يبد لدى مواجهته بما نسب إليه عذراً مقبولاً، لا يمكن أن تعد مضموناً محدداً يصلح لتحقيق شفهي بحسب المعنى المفهوم من نص المادة 85 المشار إليه، إذ لا تعدو هذه العبارة أن تكون تعبيراً عن رأي سائل في إجابة مجهلة لمسئول، وهي لا تنم عن كون المسئول مقراً أو منكراً كما أنها تحتمل التأويل، فقد تفيد أن المدعي لم يقدم على الإطلاق عذراً مقبولاً، كما تفيد أنه قدم بالفعل عذراً رآه المحقق بحسب تقديره غير مقبول وأن كان في الواقع غير ذلك ومتى كان ما أثبت في المحضر كمضمون للاستجواب مجهلاً على هذا الوجه من جهة، ومثاراً للتأويل من جهة أخرى، فإن ما أثبت في المحضر لا يعد مضموناً كافياً للاستجواب الشفاهي وتكون الجهة الإدارية قد أغلفت بحق إثبات مضمون الاستجواب.
2 - أنه من المسلم أن القرار الإداري يبطل لعيب في الشكل إذا نص القانون على بطلان القرار عند إغفال الإجراء الشكلي أو كان الإجراء جوهرياً في ذاته بحيث يترتب على إغفاله بطلان القرار بحسب مقصود الشارع من جعل هذا الإجراء واجباً ولما كان إثبات مضمون التحقيق الشفوي في المحضر الذي يحوي الجزاء يعد إجراء جوهرياً لأن مقصود الشارع من تقريره هو توفير الضمانات اللازمة للاطمئنان إلى صحة الوقائع المستوجبة للجزاء وتمكين القضاء من تسليط رقابته على قيامها وعلى مدى سلامة تقدير الإدارة لها ومن ثم فإنه ينبني على إغفال هذا الإجراء بطلان القرار.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - على ما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي السيد/ إبراهيم علي فهمي أقام الدعوى رقم 104 لسنة 15 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري: هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي "طالباً الحكم" بإلغاء القرار الصادر من مدير مؤسسة الطاقة الذرية رقم 61 لسنة 1960 بمجازاته بخصم يومين من راتبه وما ترتب عليه من آثار من إلزام المؤسسة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. "وقال - في شرح دعواه - أنه فوجئ - وهو يعمل مراقباً لقسم الكيميا النووية ورئيساً لقسم السيارات بمؤسسة الطاقة الذرية - في 18 من يونيه سنة 1960 بصدور القرار رقم 61 لسنة 1960 من مدير المؤسسة بخصم يومين من راتبه بدعوى تراخيه في العمل، وقد استند هذا القرار إلى أنه سبق التنبيه عليه باستحضار جميع أنواع السيارات إلى انشاص وإنشاء جراچ مؤقت للمحافظة على أموال الدولة ولكن اتضح أن شيئاً من ذلك لم يتم، وأنه بالإضافة إلى هذا فقد سبق إخطاره بضرورة إحضار السيارة الموريس بالذات فلم ينفذ الأمر، مما ينبئ عن أنه لا يزال يدافع عن تواجد السيارات بالقاهرة، رغم تعارض هذا التصرف مع سياسة التقدم التي تسعى المؤسسة إلى تحقيقها، وأن هذا الفعل يؤدي إلى التراخي في العمل وإلى نتائج غير محمودة تضر بمصالح العمل، وإلى أنه سأل المدعي عن سبب عدم تنفيذ الأمر فلم يبد عذراً مقبولاً وأقر بوجود السيارة الموريس بالقاهرة حتى تاريخه مما استوجب عقابه بالجزاء السالف الذكر - واستطرد المدعي إلى القول بأن القرار المطعون فيه قد صدر باطلاً لمخالفته للقانون على الوجه الآتي:
أولاً - صدوره مفتقداً السبب المبرر له، فليس صحيحاً ما أورده القرار بشأن إحضار جميع السيارات والسيارة الموريس بالذات إلى انشاص وبشأن إنشاء جراچ مؤقت، وذلك أن فكرة إنشاء جراچ مؤقت بانشاص إنما كانت من وحي تفكير المدعي نفسه فهو الذي نادى بها وطالب بتنفيذها حتى صدر بذلك قرار وكل أمر تنفيذه إلى قسم الورش، وكان المدعي يستحث هذا القسم من وقت لآخر وليس صحيحاً أنه طلب منه إحضار السيارة الموريس بالذات.
ثانياً - صدور القرار المطعون فيه بالمخالفة لنص المادة 85 من القانون 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة التي توجب إجراء تحقيق كتابي أو شفوي مع الموظف قبل توقيع الجزاء عليه، وذلك باستدعائه ومواجهته بما هو مأخوذ عليه، وتمكينه من إبداء دفاعه وإثبات هذا الدفاع بنصه في التحقيق المكتوب وبمضمونه في التحقيق الشفوي، وإلا كان الجزاء فاقداً لأهم مقوماته. وآية ذلك أن تحقيقاً لم يجر مع المدعي كتابياً كان أم شفوياً، ولو أن تحقيقاً أجرى معه لأثبت القرار مضمون دفاعه. أما وقد جاء القرار على هذا النحو، فإنه يحمل في طياته الدليل على صدوره غير مستند إلى التحقيق الذي شرطته المادة 85 من القانون سالف الذكر لتوقيع الجزاء مخالفاً لنصوصه.
وقد عقبت إدارة القضايا على الدعوى بمذكرة أوضحت فيها أن المؤسسة المدعى عليها أنشئت في سنة 1955، وكان مقرها المؤقت بمبنى المركز القومي للبحوث بالدقي، وبدأت في إنشاء مبانيها قرب انشاص. وفي مايو سنة 1960 تقرر تجميع نشاطها بمركزها الرئيسي بانشاص، وصدر بذلك الأمر الإداري رقم 19 لسنة 1960 في 16 من مايو 1960، وأعلن إلى جميع الأقسام ونفذ النقل فعلاً، وباشرت جميع الأقسام عملها بانشاص ابتداء من 21 من مايو سنة 1960 ولكن المدعي وهو رئيس قسم السيارات بالمؤسسة قصر في تنفيذ هذا الأمر ووزع إشرافه على هذا القسم بين الدقي وانشاص، ورغم التنبيه عليه مراراً بضرورة تجميع السيارات كلها بانشاص والعمل على إنشاء جراچ مؤقت لها ولكن دون جدوى إلى أن كان يوم 14 من يونيه سنة 1960 حيث دعاه مدير المؤسسة واستجوبه في أسباب عدم تنفيذ التعليمات الصادرة إليه، وبعد إحاطته علماً بما هو منسوب إليه من تقصير وسماع دفاعه بهذا الشأن أصدر في مواجهته القرار المطعون فيه. والثابت أن المدعي لم يقم بتنفيذ الأمر الإداري رقم 19 المشار إليه والخاص بتنظيم انتقال أقسام المؤسسة من الدقي إلى انشاص، بدليل دفاتر تشغيل السيارات ذاتها، إذ يبين من الاطلاع عليها أنه لم توجه إلى انشاص إلا السيارات التي تعمل هناك بحكم الضرورة إذ أنها مكلفة بنقل العمال والموظفين وفيما يتعلق بالسيارة الموريس فإنه ثابت من الاطلاع على دفتر التشغيل الخاص بها أنها لم تتحرك إلى انشاص إلا عقب صدور القرار. وأضافت المذكرة أن السبب في تكرار التنبيه على المدعي بتجميع السيارات وإحضار السيارة الموريس بالذات هو كثرة ورود الشكاوى من سوء استعمال السيارات، ولا وجه للقول بمخالفة القرار المطعون فيه لنص المادة 85 من قانون موظفي الدولة، ذلك أن القرار صدر بناء على تحقيق شفوي استناداً إلى الفقرة الأخيرة من هذه المادة والتي تنص على جواز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاها على أن يثبت مضمونه بالمحضر الذي يحوي الجزاء، فضلاً عن أن المشرع لم يشترط في جميع الأحوال أن يفرغ التحقيق في شكل معين بالذات، وإذ كان الثابت أن القرار المطعون فيه قد تضمن موجزاً للمخالفات المنسوبة إلى المدعي ومواجهته بها وعدم إبدائه عذراً مقبولاً بشأنها، فإن القرار يكون مستوفياً لعناصره متكامل الأركان القانونية وتكون الدعوى بطلب إلغائه غير قائمة على أساس سليم من القانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه القاضي بإلغاء قرار الجزاء قد بني على أن المشرع وأن رخص للإدارة بإجراء التحقيق شفاها والاكتفاء بإثبات مضمونه بالمحضر الذي يحوي الجزاء، واستثناء من الأصل العام من حيث ضرورة تدوين إجابة الموظف عن المخالفات المنسوبة إليه تفصيلاً، إلا أن ذلك مشروط بالتزام الإجراءات والحدود التي نص عليها القانون واللائحة التنفيذية، والتي ترمى إلى التوفيق بين اعتبارات المصلحة العامة وبين توفير الضمانات للموظف، ومن هذه الضمانات أن يتمكن الموظف من الدفاع عن نفسه وتحقيق دفاعه وإثبات مضمونه على وجه ناف للجهالة بما يكفل الاطمئنان إلى صحة ثبوت الوقائع المستوجبة للجزاء والتي كونت منها السلطة التأديبية عقيدتها واقتناعها واستظهار الحقائق القانونية وأدلة الإدانة بما يفيد توافر أركان الجريمة التأديبية وقيام القرار على سببه المبرر له، وأن القول بغير ذلك يؤدي إلى أن يصبح القضاء الإداري قاصراً عن رقابته لهذه القرارات رغم ما قد يعتريها من شوائب ورغم ما قد يكون فيها من مخالفات قانونية قد تؤثر في حياة الموظف الوظيفية. وأنه يبين من مطالعة قرار الجزاء أنه اكتفى بذكر أن المدعي لم يبد عذراً مقبولاً وأنه أقر بوجود السيارة الموريس بالذات بالقاهرة حتى اليوم، وذكر عبارة أنه لم يبد عذراً مقبولاً في مقام بيان دفاع المدعي عن المخالفات المنسوبة إليه لا تمكن القضاء من أعمال رقابته القانونية في صحة قيام الوقائع، ولا تفيد في ذاتها عجز المدعي عن نفي المخالفات المنسوبة إليه، كما أن إغفال جهة الإدارة عن إثبات مضمون دفاعه في محضر موقعاً عليه من المدعي يجعل التحقيق باطلاً عديم الأثر.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، إذ الثابت أن القرار المطعون فيه صدر بناء على تحقيق تم شفاها إعمالاً للفقرة الأخيرة من المادة 85 من القانون 210 لسنة 1951 التي أجازت أن يكون الاستجواب أو التحقيق شفاها على أن يثبت مضمونه بالمحضر الذي يحوي الجزاء، وقد تضمن القرار بيان المخالفة المسندة إلى المطعون ضده، وورد به أنه لم يبد عذراً مقبولاً يدفع به ما نسب إليه ومن ثم يكون القرار قد حوي مضمون التحقيق الذي تم شفاها على نحو ما توجيه الفقرة الأخيرة من المادة 85 المشار إليها، ولا يشترط لصحة قرار الجزاء أن يكون القرار متضمناً دفاع المطعون ضده ذلك أن المشرع قصد بإيراد الفقرة السالفة الذكر التيسير على الجهات الإدارية بسرعة البت في المخالفات المنسوبة إلى الموظفين ضماناً لحسن سير المرافق العامة فلم يلزمها إلا بإثبات مضمون التحقيق في المحضر الذي يحوي الجزاء ولا يوجد في القانون ما يلزم الجهة الإدارية تضمين القرار المطعون فيه أوجه الدفاع التي ساقها المطعون فيه.
ومن حيث إن المطعون ضده عقب على هذا الطعن بمذكرة قدمها في 25 من مارس سنة 1967 أشار فيها إلى أن قرار الجزاء قد صدر بغير تحقيق سابق، يؤيد ذلك أن القرار تضمن زعماً بأن المطعون ضده ما زال يدافع عن تواجد سيارات المؤسسة بالقاهرة، وهو زعم يكذبه الثابت من الأوراق من أنه صاحب فكرة إنشاء جراچ مؤقت بانشاص وأنه هو الذي نادى وطالب بتنفيذها، فلما عهدت إليه ظل يستحث قسم الورش بالمؤسسة من حين لآخر لإتمامها. كما تضمن القرار زعماً آخر بأن تنبيها صدر للمطعون ضده بإحضاره السيارة الموريس وأنه لم يصدع لهذا الأمر وهو زعم ظاهر البطلان وإلا لتقدمت المؤسسة بما يؤيد صدور هذا الأمر، ولو أن تحقيقاً أجرى مع المطعون ضده لما عدم وسيلة لإثبات عدم صحة ما أسند إليه. وأضافت المذكرة أنه لا صحة في القول بأن الإدارة غير مقيدة بإثبات دفاع المطعون ضده في المحضر، ذلك أن القانون حين أورد الاستثناء من الأصل العام بإجراء التحقيق شفاها شرطه بإثبات مضمونه في المحضر، وأنه إذا كان للتحقيق ركنان أحدهما الاتهام وثانيها الدفاع فواجب أن يشتمل المحضر على مضمون الركنين معاً، والقول بغير ذلك إهدار للرقابة على توافر أركان الجريمة التأديبية وقيام القرار على أساس سليم يبرر صدوره، وتأسيساً على ما تقدم فإنه إذا جاء قرار الجزاء زاعماً أن المطعون ضده لم يبد عذراً مقبولاً فلا يمكن اعتبار هذا القول ممثلاً لمضمون دفاع المطعون ضده ذلك أنه بطبيعته يعني النتيجة التي تستخلص من مقارنة مضمون الاتهام بمضمون الدفاع.
ومن حيث إن المادة 85 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 21 لسنة 1951 المطبق على واقعة الدعوى والتي ردد حكمها قانون العاملين رقم 46 لسنة 1964 تجيز لوكيل الوزارة ولوكيلها المساعد ولرئيس المصلحة - كل في دائرة اختصاصه - توقيع عقوبتي الإنذار والخصم من المرتب عن مدة لا تجاوز خمسة وأربعين يوماً في السنة الواحدة بحيث لا تزيد مدة العقوبة الواحدة على خمسة عشر يوماً. وتطلب النص لسلامة توقيع الجزاء أن تسمع أقوال الموظف وأن يحقق دفاعه وأن يكون القرار بالجزاء مسبباً. وقد أضيفت إلى هذا النص فقرة أخيرة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 تجيز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاها على أن يثبت مضمونه بالمحضر الذي يحوي الجزاء. وجاء المذكرة الإيضاحية في بيان المحكمة من هذه الفقرة أن المراد هو "تسهيل العمل مع المحافظة على كافة الضمانات" ومن هذه الضمانات سماع أقوال الموظف وتحقيق دفاعه وتسبيب قرار الجزاء وتدوين مضمون التحقيق أو الاستجواب.
ومن حيث إن المستفاد من نص المادة 85 المشار إليه أن الأصل هو التحقيق الكتابي الذي يدون كاملاً وعلى علاته، واستثناء من هذا الأصل أجيز إجراء التحقيق شفاها على أن يثبت مضمونه في المحضر الذي يحوي الجزاء، إذ يعتبر إثبات هذا الموضوع في حالة التحقيق الشفهي بديلاً عن تدوين التحقيق كاملاً في حالة التحقيق الكتابي، ويعتبر التدوين وإثبات مضمون التحقيق من الإجراءات الجوهرية لتعلقهما بالضمانات الأساسية في التحقيق.
ومن حيث إن إثبات مضمون التحقيق أو الاستجواب في المحضر الذي يحوي الجزاء لا يعني أن يثبت المحقق الأسئلة والإجابات عنها كاملة وعلى علاتها كما هو الشأن في التحقيق الكتابي، وإلا كان ذلك إهداراً لما استهدفه المشرع من التيسير على الإدارة وتسهيل العمل، كما لا يعني تجهيل دفاع الموظف أو الاقتصار على جزء منه لأن في ذلك إخلالاً بالضمانات المقررة في التحقيق المقصود من إثبات مضمون الاستجواب في المحضر الذي يحوي الجزاء هو أن يتضمن المحضر خلاصة للاستجواب تكون معبرة بوضوح عما استجوب فيه الموظف وما أجاب به على وجه معبر عن منحى دفاعه، فإذا لم يستوف محضر الجزاء هذه العناصر فإن الاستجواب يكون قد جاء على خلاف حكم القانون غير مستكمل للضمانة الأساسية التي يقوم عليها التحقيق.
ومن حيث إن العبارة التي ساقها القرار، من أن المدعي لم يبد لدى مواجهته بما نسب إليه عذراً مقبولاً، لا يمكن أن تعد مضموناً محدداً يصلح لتحقيق شفهي بحسب المعنى المفهوم من نص المادة 85 المشار إليه، إذ لا تعدو هذه العبارة أن تكون تعبيراً عن رأي سائل في إجابة مجهلة لمسئول، وهي لا تنم عن كون المسئول مقراً أو منكراً كما أنها تحتمل التأويل، فقد تفيد أن المدعي لم يقدم على الإطلاق عذراً مقبولاً، كما قد تفيد أنه قدم بالفعل عذراً رآه المحقق بحسب تقديره غير مقبول وإن كان في الواقع غير ذلك ومتى كان ما أثبت في المحضر. كمضمون للاستجواب مجهلاً على هذا الوجه من جهة، ومثاراً للتأويل من جهة أخرى، فإن ما أثبت في المحضر لا يعد مضموناً كافياً للاستجواب الشفاهي وتكون الجهة الإدارية قد أغفلت بحق إثبات مضمون الاستجواب.
ومن حيث إنه من المسلم أن القرار الإداري يبطل لعيب في الشكل إذا نص القانون على بطلان القرار عند إغفال الإجراء الشكلي أو كان الإجراء جوهرياً في ذاته بحيث يترتب على إغفاله بطلان القرار بحسب مقصود الشارع من جعل هذا الإجراء واجباً. ولما كان إثبات مضمون التحقيق الشفوي في المحضر الذي يحوي الجزاء يعد إجراء جوهرياً لأن مقصود الشارع من تقريره هو توفير الضمانات اللازمة للاطمئنان إلى صحة الوقائع المستوجبة للجزاء وتمكين القضاء من تسليط رقابته على قيامها وعلى مدى سلامة تقدير الإدارة لها ومن ثم فإنه ينبني على إغفال هذا الإجراء بطلان القرار.
ومن حيث إنه متى كان ذلك فإنه يكون سديداً ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، ويكون الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت مؤسسة الطاقة الذرية بالمصروفات.