مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) - صـ 517

جلسة 15 من يناير سنة 1948

برياسة حضرة محمد المفتى الجزايرلى بك وكيل المحكمة وحضور حضرات: سليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك وصادق فهمى بك وعبد الرحيم غنيم بك المستشارين.

(256)
القضيتان رقم 111 سنة 16 ورقم 10 سنة 17 القضائية

أ - نقض. سبب جديد. التحدى لأول مرة أمام محكمة النقض بأن الحكم أخطأ إذ قبل استئناف حكم غيابى. لا يجوز وإن كان هذا الدفع متعلقاً بالنظام العام إذ الفصل فيه يقتضى تحقيق عنصر واقعى.
ب - شيوع. الشيوع لا يمحو ما لكل حصة فى الملك الشائع من كيان ذاتى. صورة دعوى.
جـ - ضمان. شراء مجرد حق متنازع فيه. لا ضمان. المادة 353 مدنى.
1 - لا يقبل التحدى لأول مرة أمام محكمة النقض بأن الحكم قد خالف المادة 351 من قانون المرافعات إذ قضى بقبول الاستئناف شكلاً فى حين أن الحكم المستأنف صدر حضورياً بالنسبة إلى بعض المستأنفين وغيابياً بالنسبة إلى بعض. فإن هذا الدفع وإن كان متعلقاً بالنظام العام إلا أن الفصل فيه يستلزم تحقيق عنصر واقعى هو هل ظل الطعن بطريق المعارضة جائزاً أم أنه أصبح غير جائز إما لقبول الحكم وإما لانقضاء ميعاد المعارضة فيه وإما لغير ذلك [(1)] و[(2)].
2 - إنه وإن كانت الملكية الشائعة تسرى بقدرها إلى كل أجزاء المال المشاع فإن ذلك لا يمحو ما لكل حصة فيه من كيان ذاتى فتكون فى كل جزء منه متميزة بالقوة عن غيرها إلى حصول القسمة، وحينئذ تصير متميزة بالفعل. ذلك أن الحصة الشائعة وإن لم تكن فى العيان متميزة حالاً فإنها متميزة بالقسمة مآلاً، وبموجب ما للقسمة من أثر رجعى كاشف تكون فى نظر القانون متميزة عن غيرها من أول الأمر. فإذا قضى حكم برفض دعوى تثبيت ملكية أرض اشتراها المدعى، مؤسساً ذلك على بطلان عقد البيع الصادر إليه نتيجة سبق الحكم ببطلان عقد تمليك البائع الأصلى، فى حين أن هذا البائع كان قد تملك بعد البيع الصادر منه حصة شائعة فى جملة الأطيان يمكن أن تخرج منها الحصة المبيعة فلا مخالفة فى ذلك القانون. إذ أن ما باعه البائع الأصلى وآل أخيراً إلى المدعى وإن كان قدراً شائعاً فى جملة الأطيان فإنه قدر معين بذاته متميز عن غيره بكونه هو ما اشتراه هذا البائع من أحد الورثة وقضى بإبطال البيع الصادر له فى خصوصه، فهو لذلك يختلف عن القدر الشائع الذى تملكه البائع المذكور فيما بعد بالشراء من مالك آخر مشتاع.
3 - متى كان الحكم قد أثبت أن المدعى لم يشتر إلا مجرد حق متنازع فيه، فإن قضاءه برفض دعواه بالضمان يكون موافقاً لحكم المادة 353 من القانون المدنى التى تقضى بأن لا ضمان أصلاً على من باع مجرد حق متنازع فيه [(3)].


[(1)] تذرع الطاعن بالنظام العام لكى يجعل من مطعنه فى الحكم سبباً مقبولا إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض. ولكن بناء الطعن على سبب متعلق بالنظام العام لا يكفى لقبوله إذا احتاج تحقيقه إلى فهم لواقع الدعوى لم تتوافر عناصره أمام محكمة الموضوع (كتاب النقض فى المواد المدنية والتجارية رقم 136 وما يليه وجارسونيه جـ 6 رقم 383).
[(2)] لم تفصل محكمة النقض فى هل يكون الخصم المحكوم عليه حضورياً ممنوعاً من استئناف الحكم إلى أن تصبح المعارضة من زميله فى الخصومة المحكوم عليه غيابياً غير مقبولة، وإن كان حكمها ينم عن الميل إلى تقرير هذه القاعدة لو أن عناصر الأخذ بها كانت ثابتة من واقع الدعوى. لكن هذا التفسير لحكم المادة 351 من قانون المرافعات محل نظر للأسباب الآتية:
أولاً - تنص المادة 351 مرافعات على أن استئناف الأحكام الصادرة فى الغيبة لا يقبل ما دام الطعن فيها بطريق المعارضة جائزاً. وهى تقابل المادة 455 من القانون الفرنسى التى تنص على أن استئناف الأحكام القابلة للمعارضة لا يجوز فى خلال ميعاد المعارضة. وقد قيل فى تعليل هذا النص إن القانون الفرنسى القديم كان يحرم استئناف الأحكام الغيابية إطلاقاً فلما عدل فى القانون الحديث عن هذه القاعدة بقى من أثرها وقف حق استئناف الحكم الغيابى حتى ينقضى حق المعارضة فيه لكى يبدأ المحكوم عليه بسلوك طريق المعارضة أمام محكمة الدرجة الأولى قبل رفع النزاع إلى محكمة الاستئناف، لما فى مراعاة هذا الترتيب من السهولة والاقتصاد فى النفقات مع احترام محكمة الدرجة الأولى بعدم الخروج على ولايتها (جارسونيه جـ 6 رقم 32).
ومن هذا يتضح أن القاعدة الواردة فى المادة 351 لم يقصد بها إلا المحكوم عليه فى غيبته دون سواه.
ولم تقتنع المحاكم، كما لم يقتنع المشترعون، بحكمة هذه القاعدة. فالمحاكم المختلطة فى مصر قد جرى قضاؤها على أن استئناف الحكم الغيابى قبل انقضاء ميعاد المعارضة فيه لا يكون غير مقبول ولكنه يوقف حتى ينتهى ميعاد المعارضة أو يسقط الحق فيها بمثل التنازل عنها (المرافعات للدكتور محمد حامد فهمى رقم 691).
ولما عدل الشارع الفرنسى النصوص الخاصة بالاستئناف (بقانون 23 مايو سنة 1940) عدل عن القاعدة المقررة فى المادة 455 إلى ما يخالفها، واستبدل بحكم هذه المادة حكم المادة 456 التى تجرى بأن استئناف الغائب للحكم القابل للمعارضة جائز ولو قبل انقضاء ميعاد المعارضة.
كذلك عدل مشروع قانون المرافعات المصرى عن القاعدة المقررة فى المادة 351 فنص على أن الطعن فى الحكم الغيابى (من الغائب) بطريق آخر غير المعارضة يعتبر تنازلاً عن حق المعارضة.
ثانياً - أجمع الشراح على أن منع استئناف الحكم الغيابى كما يسرى فى حق الغائب يسرى كذلك فى حق خصمه الذى لم يقض له بكل طلباته على الغائب. وقد استندوا فى هذا الرأى إلى حكمين من محكمتى استئناف بواتييه فى 16 نوفمبر سنة 1880 (دالوز 82 - 2 - 6) والجزائر فى 7 نوفمبر سنة 1893 (دالوز 94 - 2 - 144). وجاء فى التعليق على الحكم الأول أن المعارضة فى الحكم الغيابى تمحوه فلا محل لإجازة الاستئناف من خصم الغائب ما دام أن هذا الغائب فى استطاعته أن يمحو الحكم برمته من طريق الطعن فيه بالمعارضة.
"On ne peut pas déférer à la juridiction supérieure une décision que la partie adverse a encore la faculté de faire complétement tomber en formant opposition."
إلا أنه منذ صدور هذا الحكم قد عدل القضاء عن الرأى القائل بأن المعارضة تمحو الحكم الغيابى، ونزل على رأى الفقه القائل بأن المعارضة إنما تعيد النزاع المحكوم فيه فى حدود ما رفعت عنه المعارضة وأنه لذلك لا يجوز للمعارض ضده أن يعيد أمام محكمة المعارضة الطلبات التى لم يقض له بها الحكم الغيابى، وبهذا انعدم الأساس الذى بنى عليه القول بمنع خصم الغائب من استئناف الحكم الصادر غيابياً على خصمه.
وقد حكمت محكمة النقض المصرية فى حكمها الصادر فى 29/ 5/ 1947 (المنشورة قاعدته فى هذا الجزء من المجموعة تحت رقم 209) بأن خصم الغائب ممنوع هو الآخر من الطعن بطريق النقض فى الحكم الغيابى وعللت ذلك بعلة جديدة هى "تفادى تعارض الأحكام أو تفويت المعارضة على صاحب الحق فيها". غير أنه لما كانت المعارضة لا تفيد إلا المعارض ولا تعيد النزاع إلا فى خصوص ما رفعت عنه، وكان استئناف الطرف الآخر محدوداً أثره كذلك فان التعارض بين الحكم فى المعارضة وبين الحكم فى الاستئناف لا يتصور وجوده فى غير الأحوال التى يكون فيها الحكم للمستأنف بطلباته متضمناً القضاء بتأييد الحكم فيما صدر به غيابياً على الغائب، كاستكمال مبلغ التعويض المطلوب مثلا. لهذا قال الدكتور محمد حامد فهمى فى كتاب المرافعات (رقم 690): "وربما صح القول بأن المحكوم له لا يكون ممنوعاً من رفع الاستئناف إلا إذا كان الحكم له فى استئنافه يتناقض مع الحكم لخصمه فى معارضته".
ومهما يكن من الأمر فان منع خصم الغائب من الاستئناف فوراً لا يضر كثيراً بمصلحته، لأن بيده إلجاء خصمه إلى رفع المعارضة أو تفويت ميعادها حتى ينفتح بعد ذلك طريق الاستئناف أمام الطرفين، وذلك باتخاذ الإجراء الذى يجرى ميعاد المعارضة.
ثالثاً - أما إذا تعدد الخصوم الماثلون فى طرف واحد من الخصومة، كالمدعين أو المدعى عليهم، وصدر الحكم غيابياً على بعض وحضورياً على بعض، فلم يقل قائل - فيما نعلم - بمنع الحاضرين من استئناف الحكم حتى يستنفذ الغائبون طريق المعارضة. بل العكس هو المقرر فى الفقه والقضاء. فقد قيل إنه إذا كان الحكم حضورياً فى حق بعض الخصوم وغيابياً فى حق بعض آخر كان استئناف الحاضرين مقبولا ولو كانت معارضة الغائبين لا تزال قائمة. وقيل إنه إذا عارض بعض الغائبين وأسقط بعضهم حقه فى المعارضة جاز لهذا البعض رفع الاستئناف قبل الفصل فى معارضة الآخرين. وقيل إنه إذا كان الحكم الواحد الصادر على شخص واحد متعدد الأجزاء وكان حضورياً فى خصوص بعض الأجزاء وغيابياً فى خصوص البعض الآخر جاز للمحكوم عليه الاستئناف مع المعارضة. وقد بنيت هذه الأقوال على استقلال الخصوم المتعددين بعضهم عن بعض أو استقلال أجزاء الحكم بعضها عن بعض (تعليقات دالوز على المادة 455 مرافعات رقم 38 وما يليه وجارسونيه جـ 6 الحاشية 2 و80 على رقم 34 والعشماوى باشا جـ 2 رقم 839 والدكتور محمد حامد فهمى رقم 690). والواقع أن الحكم الذى يكون حضورياً فى حق بعض المحكوم عليهم لا يمكن أن يكون بالنسبة إليهم حكماً غيابياً فى معنى المادة 351 لمجرد كونه كذلك فى حق بعض آخر.
ومما ينفى تطبيق المادة 351 فى حق الحاضرين من زملاء الغائب فى الخصومة أنهم لا اختيار لهم فى رفع المعارضة ولا فى تفويت ميعادها على صاحب الحق فيها، فلا يمكن أن يكون حقهم فى الاستئناف معلقاً على محض إرادة الغير. ولو كانت المادة 351 واجبة التطبيق فى هذه الحالة ولم يعلن المحكوم له الحكم أو اختار - لغاية فى نفسه - أن يعلنه إلى الحاضر دون الغائب وأن يجرى تنفيذه جبراً عليه (فى حالات التنفيذ المؤقت) لما كان للحاضر أية وسيلة لدرء الضرر عن مصلحته ولبقى عاجزاً عن ذلك إلى ما شاء الله.
وبعد فينبغى ألا يغيب عن الذهن أن تفسير المادة 351 بتضييق حق الاستئناف على الخصم الحاضر قد أصبح يتعارض - حتى فى عهد العمل بالقانون القائم - مع اتجاه التشريع إلى إبطال القاعدة المقررة فى هذه المادة.
[(3)] لم ينقل القانون المدنى الجديد حكم المادة 353 لا فى المطلب الخاص ببيع الحقوق المتنازع عليها (المادة 469 وما يليها) ولا فى الفصل الخاص بحوالة الحق (المادة 303 وما يليها) وبهذا يخضع الضمان فى بيع تلك الحقوق للقواعد العامة فى البيع أو فى حوالة الحق.