مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) - صـ 524

جلسة 15 من يناير سنة 1948

برياسة حضرة محمد المفتى الجزايرلى بك وكيل المحكمة وحضور حضرات: سليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك وصادق فهمى بك وعبد الرحيم غنيم بك المستشارين.

(261)
القضية رقم 11 سنة 17 القضائية

أ - نقض. حكم من القضاء المستعجل فى مسألة اختصاصه. جواز الطعن فيه بطريق النقض.
ب - اختصاص القضاء المستعجل. مناطه. قيام منازعة فى أصل الحق المقصودة حمايته. للقاضى أن يقدر مبلغ الجد فى هذه المنازعة. خطؤه فى هذا التقدير ليس خطأ فى تطبيق قواعد اختصاصه. الطعن فيه بطريق النقض لا يجوز.
1 - الحكم الصادر من القضاء المستعجل فى مسألة اختصاصه هو حكم صادر فى مسألة اختصاص بحسب نوع القضية فيجوز الطعن فيه بطريق النقض.
2 - إن اختصاص القاضى المستعجل بالحكم فى الأمور التى يخشى عليها من فوات الوقت، وفقاً للشطر الأخير من المادة 28 من قانون المرافعات، يتحقق بتوافر شرطين: الأول أن يكون المطلوب إجراءً mesure لا فصلاً فى أصل الحق، والثانى قيام حالة استعجال يخشى معها من طول الوقت الذى تستلزمه إجراءات التقاضى لدى محكمة الموضوع. فإذا أسفر الخلاف بين الخصوم عن قيام منازعة فى أصل الحق المقصودة حمايته بالإجراء المطلوب كان للقاضى أن يتناول مؤقتاً، فى نطاق حاجة الدعوى المستعجلة، تقدير مبلغ الجد فى المنازعة، فإن استبان له أن المنازعة جدية بحيث لم يعد أصل الحق واضحاً وضوحاً يستأهل حماية القضاء المستعجل حكم بعدم الاختصاص، وإلا اعتبر المنازعة مجرد عقبة مادية تعترض السبيل إلى حق صريح وحكم بالاختصاص وبالإجراء المطلوب. وأياً كان وجه الصواب أو الخطأ فى تقديره هذا فإن ذلك ليس من شأنه أن يحسم النزاع بين الخصمين فى أصل الحق، إذ هو تقدير وقتى عاجل يتحسس به القاضى المستعجل ما يبدو للنظرة الأولى أن يكون هو وجه الصواب فى خصوص الإجراء المطلوب مع بقاء أصل الحق سليماً يتناضل فيه ذوو الشأن لدى محكمة الموضوع، وتقع على كاهل من استصدر الحكم بهذا الإجراء مسئولية التنفيذ به إن ثبت فيما بعد من حكم محكمة الموضوع أن الحق لم يكن فى جانبه.
فالدعوى المرفوعة إلى قاضى الأمور المستعجلة بطلب الحكم بطرد مستأجر من المطحن المؤجر له لانتهاء مدة الإيجار المعينة فى العقد تدخل فى اختصاص القضاء المستعجل. فإذا كان المستأجر قد أثار فى هذه الدعوى منازعة قوامها الادعاء بامتداد الإيجار عملاً بالمرسوم بقانون رقم 97 لسنة 1945 بشأن الأمكنة المؤجرة فرأى القاضى أن هذه المنازعة غير جدية لما ظهر له من أن عقد الإيجار ينصب فى جوهره على آلات وأدوات مما لا يسرى عليه هذا القانون وهو خاص بالأمكنة، فإن القاضى لا يكون قد تجاوز حد اختصاصه. وخطؤه - على فرض وقوعه - فى تكييف عقد الإيجار وفى تطبيق قانون الأمكنة المؤجرة لا يكون خطأً فى تطبيق ذات قاعدة اختصاص القاضى المستعجل، ولذلك لا يجوز الطعن فيه بطريق النقض.


الوقائع

فى 29 من ديسمبر سنة 1946 طعن الطاعن بطريق النقض فى الحكم الصادر يوم 18 من نوفمبر سنة 1946 من محكمة مصر الابتدائية بهيئة استئنافية فى الاستئناف رقم 70 سنة 1947 بإلغاء الحكم المستأنف واختصاص القضاء المستعجل بنظر الدعوى وإلزام المستأنف عليهم بإخلاء المطحن المبين بصحيفة الدعوى الابتدائية وتسليمه للمستأنفة مع إلزام الطاعن بمصاريف الدعوى الخ. الخ. وطلب إلى هذه المحكمة قبول الطعن شكلاً ونقض الحكم المطعون فيه والحكم بعدم اختصاص القضاء المستعجل بالنظر فى الدعوى وتأييد الحكم الابتدائى مع إلزام المطعون عليها الأولى بالمصاريف الخ. الخ.
وفى 31 من ديسمبر سنة 1946 و2 و6 من يناير سنة 1947 أعلن المطعون عليهم بتقرير الطعن الخ. الخ.


المحكمة

من حيث إن النيابة العامة قالت بعدم قبول الطعن لأنه موجه إلى حكم صادر من محكمة ابتدائية فى استئناف عن حكم محكمة جزئية "قاضى الأمور المستعجلة" فى غير الحالات المنصوص عليها فى المادة العاشرة من قانون إنشاء محكمة النقض إذ أن الحكم صادر فى مسألة اختصاص القضاء المستعجل، وهو ليس من قبيل الاختصاص بحسب نوع القضية.
ومن حيث إنه لما كانت الأمور التى يختص القضاء المستعجل بالحكم فيها بحسب الشطر الأخير من المادة 28 من قانون المرافعات ذات طابع خاص هو الاستعجال الذى يبرر الحكم بإجراء لا يكون من شأنه المساس بأصل الحق كانت هذه الأمور فى عرف القانون نوعاً قائماً بذاته متميزاً بطبيعته عن سائر أنواع الدعاوى، ومهما تعددت صورها فإنها تندرج تحت هذا النوع الواحد. وعلى هذا الاعتبار جاء ذكر اختصاص القاضى الجزئى بالحكم فى الأمور المستعجلة فى المادة 28 من قانون المرافعات الواردة فى الباب الأول من الكتاب الأول من هذا القانون تحت عنوان "الأصول المتعلقة باختصاص المحاكم بالنسبة لأنواع القضايا وأهميتها". ومن ثم يكون حكم القضاء المستعجل فى مسألة اختصاصه حكماً صادراً فى مسألة اختصاص بحسب نوع القضية مما يجوز فيه الطعن بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إنه يتحصل فى أن الحكم جاء مخالفاً للقانون. ذلك أن الدعوى رفعت من المطعون عليها الأولى بطرد الطاعن من المطحن المؤجر له لانتهاء المدة المعينة فى عقد الإيجار فدفع بأن له حقاً فى البقاء بعد انتهاء المدة مستمداً من المرسوم بقانون رقم 97 لسنة 1945. لكن الحكم قال بأن هذا المرسوم إنما يسرى على الأمكنة والمطحن لا يعد منها. ورتب على ذلك أن منازعة الطاعن ليست جدية وقضى بالاختصاص وبالطرد. ومن ثم يكون قد مس أصل الحق فخالف القانون.
ومن حيث إن اختصاص القاضى المستعجل بالحكم فى الأمور التى يخشى عليها من فوات الوقت، وفقاً للشطر الأخير من المادة 28 من قانون المرافعات، يتحقق بتوافر شرطين: الأول أن يكون المطلوب إجراءً mesure لا فصلاً فى أصل الحق، والآخر قيام حالة استعجال يخشى معها من طول الوقت الذى تستلزمه إجراءات التقاضى لدى محكمة الموضوع. فإن أسفر الخلاف بين الخصوم عن قيام منازعة فى أصل الحق المقصود حمايته بالإجراء المطلوب كان للقاضى أن يتناول مؤقتاً - فى نطاق حاجة الدعوى المستعجلة - تقدير مبلغ الجد فى المنازعة. فإذا استبان له أن المنازعة جدية بحيث لم يعد أصل الحق واضحاً وضوحاً يستأهل حماية القضاء المستعجل حكم بعدم الاختصاص لتتولى محكمة الموضوع الفصل فيه، وإلا اعتبر المنازعة مجرد عقبة مادية تعترض السبيل إلى حق صريح وحكم بالاختصاص وبالإجراء المطلوب. وأياً كان وجه الصواب أو الخطأ فى تقديره هذا فإن ذلك ليس من شأنه أن يحسم النزاع بين الخصمين فى أصل الحق إذ هو تقدير وقتى عاجل يتحسس به القاضى المستعجل ما يبدو للنظرة الأولى أن يكون هو وجه الصواب فى خصوص الإجراء المطلوب مع بقاء أصل الحق سليماً يتناضل فيه ذوو الشأن لدى محكمة الموضوع، وتقع على كاهل من استصدر الحكم بهذا الإجراء مسؤولية التنفيذ به إن ثبت فيما بعد - من حكم محكمة الموضوع - أن الحق لم يكن فى جانبه.
ومن حيث إن المطعون عليها الأولى رفعت دعواها إلى قاضى الأمور المستعجلة تطلب الحكم بطرد الطاعن من المطحن المؤجر له لانتهاء مدة الإيجار المعينة فى العقد فأصبحت يده بغير سند من القانون. وهذه الدعوى بما اشتملته من طلبات وما أقيمت عليه هذه الطلبات من أسباب تدخل فى اختصاص القضاء المستعجل لتوافر حالة الاستعجال المستفادة من أن يد المستأجر أصبحت بغير سند لانقضاء سند الإيجار بانتهاء مدته، ومن أن سند الإيجار ذاته يوجب رفع يد المستأجر فى نهاية المدة والسند واجب له النفاذ Provision est due au titre، ومما قد يستهدف له المؤجر من مسؤولية أمام مستأجر جديد يكون المؤجر تعاقد معه مقدراً أن الإيجار منقض فى نهاية أجله، بله ما قد يصيب شؤون هذا المستأجر الجديد من اضطراب، ولأن الحكم بالطرد فى هذه الحالة لا يعتبر قضاءً فى مصير الإيجار وإنما هو مجرد إجراء يضع حداً لحالة تهدد بالخطر صاحب الحق الظاهر، فهو إجراء وقتى تستوجبه حالة الاستعجال. ولما كانت العبرة فى تحديد الاختصاص هى بنوع الدعوى حسبما يبين من طلبات المدعى والأساس المقامة عليه كانت دعوى المطعون عليها داخلة بحسب الأصل فى نطاق اختصاص القضاء المستعجل. وإذ كان المستأجر قد أثار منازعة قوامها الادعاء بامتداد الإيجار عملاً بالمرسوم بقانون رقم 97 لسنة 1945 فرأى القاضى أن هذه المنازعة غير جدية لما ظهر له من أن عقد الإيجار ينصب فى جوهره على آلات وأدوات مما لا يسرى عليه هذا القانون وهو خاص بالأمكنة - إذ كان ذلك فإن القاضى لا يكون قد تجاوز حد اختصاصه بتناوله - مؤقتاً ولحاجة مهمته - تلك المنازعة بالتقدير. وخطؤه، على فرض وقوعه، فى تكييف عقد الإيجار وفى تطبيق قانون الأمكنة المؤجرة ليس خطأ فى تطبيق ذات قاعدة اختصاص القاضى المستعجل، فالطعن فيه لا يكون طعناً بالخطأ فى مسألة اختصاص بل طعناً بالخطأ فى تكييف عقد الإيجار وتطبيق قانون الأمكنة منصباً على حكم صادر من محكمة ابتدائية فى استئناف حكم محكمة جزئية، مما لا تنظر فيه محكمة النقض والإبرام عملاً بالمادة العاشرة من قانون إنشائها.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن فى قضاء الحكم بالاختصاص على غير أساس.