مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثانى (من منتصف فبراير سنة 1967 الى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 957

(103)
جلسة 29 من أبريل سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقى آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف ابراهيم الشناوى المستشارين.

القضية رقم 818 لسنة 11 القضائية

( أ ) - جنسية. "فقد الجنسية واستردادها". فقد الأولاد القصر للجنسية العربية اذا كانوا بحكم تغيير جنسية أبيهم يدخلون فى جنسيته الجديدة - اجازة اختيارهم جنسيتهم الأصلية عند بلوغهم سن الرشد بموجب المادة 18 من القانون رقم 82 لسنة 1958 - لا يصدق على الأولاد الذين ولدوا لأب أصبح أجنبيا نتيجة تجنسه بجنسية أجنبية - أساس ذلك - تقرير نص المادة المذكورة حقيقتين. أولاهما أن هؤلاء الأولاد متمتعين بالجنسية العربية - وثانيهما أن النص واجه حالة أولاد قصر كانوا مولودين فعلا عند تحقق واقعة اتجاه ارادة أبيهم الى الدخول فى جنسية أجنبية.
(ب) - جنسية. "جنسية أصلية". أحكام قوانين الجنسية تربط الجنسية بالدم والاقليم بأوضاع معينة وشروط محددة فيها - لا وجه للقول بوجود جنسية أصلية تلحق بالشخص بحكم صلته بأصوله وعلاقة الولاء للوطن الاصلى.
1 - ان القانون رقم 82 لسنة 1958 حين تحدث عن فقد الأولاد القصر للجنسية العربية اذا كانوا بحكم تغيير جنسية أبيهم يدخلون فى جنسيته الجديدة انما قرر حقيقتين: أولاهما أن هؤلاء ولدوا متمتعين بجنسية الجمهورية العربية المتحدة باعتبار أنهم ولدوا لأب يتمتع بهذه الجنسية ومن ثم فقد نشأت لهم الجنسية العربية المذكورة بحكم القانون. والحقيقة الثانية أن هذا الحكم واجه حالة أولاد قصر كانوا مولودين فعلا عند طروء واقعة جديدة هى اتجاه ارادة أبيهم الى الدخول فى الجنسية وتعبير القانون بعبارة الولد القاصر "لا يعنى الحمل المستكن كما لا ينصرف الى من يولد بعد تلك الواقعة المتعلقة بارادة الأب تغيير جنسيته ذلك لأن خطاب الشارع موجه الى أفراد موصوفين بوصف محدد باعتبار كونهم قصرا عند حدوث الواقعة المشار اليها وكان المشرع متساويا مع منطق الاسناد بالنسبة الى وضع هؤلاء القصر الذين دخلوا قانونا فى جنسية أبيهم الجديدة لأنه اعتبارا بأن ارادتهم القاصرة لم تكن لتسمح لهم بالتعبير عن رغبتهم واختيارهم الكامل فى الدخول أو عدم الدخول فى جنسية أبيهم خروجا عن جنسيتهم المفروضة بحكم القانون فقد أذن لهم عند بلوغهم سن الرشد فى أن يختاروا جنسيتهم الأصلية... وهذا الوضع المنطقى لا يصدق على الأولاد الذين ولدوا لأب أصبح أجنبيا بحكم قانون جنسية الجمهورية العربية المتحدة لأنهم انما ولدوا لأب أجنبى فلم تثبت لهم الجنسية العربية ولم يكتسبوها فى يوم من الأيام وما كان لهم أن يكسبوا مثل هذه الجنسية تبعا لأبيهم لأنه لم يكن مصريا وفاقد الشئ لا يعطيه.. وفضلا عما تقدم فانه لا جدال فى أن الاستثناء الوارد فى الفقرة الثالثة من المادة الثامنة عشرة آنفة الذكر ينبغى أن يفسر فى أضيق حدوده فلا يتناول البتة القصر الذين ولدوا لأب بعد تجنسه بجنسية أجنبية لأنه بهذا التجنس يفقد جنسيته المصرية وبالتالى لا تكون هذه الجنسية جنسية أصلية لأولاده لأنهم لا يلتحقوا بهذه الجنسية المصرية فى يوم من الأيام بل كانت جنسيتهم الأصلية منذ الميلاد هى الجنسية الجديدة التى تجنس بها أبوهم ومن ثم فلا يكون ثمة وجه للتحدى باختيارهم جنسية لم يسبق لهم أن فقدوها.
2 - أنه لا وجه للمحاجة بأن هناك جنسية أصلية تلحق الشخص بحكم صلته بأصوله وعلاقة الولاء للوطن الأصلى لأن هذا القول لا يستقيم فى ضوء أحكام قوانين الجنسية وهى انما تربط الجنسية بالدم والاقليم بأوضاع معينة وبشروط محددة فى القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - فى أن المدعية الآنسة نادية سلمى رياض أخنوخ فانوس أقامت الدعوى رقم 4 لسنة 18 القضائية ضد السيد وزير الداخلية بصفته بصحيفة أودعتها سكرتارية محكمة القضاء الادارى، "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" فى 2 من أكتوبر سنة 1963 طالبة الحكم بالغاء القرار الصادر من وزارة الداخلية برفض طلبها فى اختيار الجنسية المصرية الأصلية لأبيها اعمالا للفقرة الثالثة من المادة 18 من القانون رقم 82 لسنة 1958 - وقالت - شرحا لدعواها - ان المرحوم والدها الدكتور رياض أخنوخ فانوس المصرى الأصل كان يمارس مهنة الطب فى انجلترا بنجاح ورأى أن يستصدر اذنا بالتجنس بالجنسية البريطانية تأمينا لرزقه فاذنت له وزارة الداخلية بذلك بموجب مرسوم صدر فى 23 من يناير سنة 1936 وكان وقت تجنسه متزوجا من سيدة انجليزية ولم يكن له منها، ولا من غيرها أولاد قصر.. وفى 30 من مارس سنة 1942 ولدت له فى انجلترا ابنة هى المدعية، وكان قد توفى قبل ولادتها فى 2 من فبراير سنة 1942.. وبعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية جاءت المدعية مع أمها للاقامة بمصر، وكان ذلك فى نوفمبر سنة 1947، أى بعد بلوغها سن الخامسة بقليل... ومضت المدعية تقول انها منذ ذلك التاريخ وهى تعيش فى مصر مع أسرة أبيها القبطية الأرثوذكسية فنشأت نشأة مصرية صميمة ودرست فى المدارس المصرية حتى حصلت على شهادة الثانوية العامة.. ولما بلغت سن الرشد تقدمت الى وزارة الداخلية فى 7 من أبريل سنة 1963 بطلب أظهرت فيه رغبتها فى اختيار الجنسية المصرية الأصلية لأبيها اعمالا للفقرة الثالثة من المادة 18 من القانون رقم 82 لسنة 1958.. وبكتاب مؤرخ فى 25 من أبريل سنة 1963 أخطرتها الوزارة بأنه ليس لها الحق فى اختيار جنسية أبيها الأصلية لأن هذا الحق مقصور فقط على الأولاد القصر الذين ولدوا فعلا قبل الاذن لوالدهم بالتجنس بجنسية أجنبية ودخوله فيها.. ثم ذكرت المدعية أنها تظلمت من هذا القرار فى 5 من يونيه سنة 1963 ثم رفعت هذه الدعوى.. وتنعى على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون للأسباب الآتية:
أولا - أن نص الفقرة الثالثة من المادة 18 من القانون رقم 82 لسنة 1958 جاء عاما دون تخصيص فلم يفرق بين القصر الموجودين فعلا وقت التجنس أو بعده.
ثانيا - أن الجنسية البريطانية طارئة على الأب، فاعطاء حق الاختيار للاولاد عند بلوغهم سن الرشد هو رجوع الى الأصل تغياه الشارع ليسترد القصر جنسيتهم الأصلية بحكم صلة الدم وعلاقة الولاء للوطن الأصلى وهو اعتبار يفسر فى ضوئه النص الصريح للقانون.
ثالثا - انه من المقرر بنص القانون البريطانى أن الطفل يكتسب الجنسية بسبب آخر غير تلقيها عن والده بمعنى أن هذا القانون لا يتعارض مع اختيار الطفل عند بلوغه سن الرشد لجنسيته الأصلية فيكون اعمال حق الاختيار للمدعية عند بلوغها هذه السن هو اختيار لجنسية مقررة بالقانون المصرى وغير متعارضة مع القانون البريطانى مما يؤكد حقها فى الاختيار.
رابعا - ان هذا الاختيار هو استعمال لحق قانونى وليس للادارة أن تترخص فى منحه أو منعه. واذ هى رفضت طلب المدعية فانها تكون قد أخطأت فى تفسير القانون وتطبيقه.
قدمت الوزارة المدعى عليها حافظة ارفقت بها ملف الموضوع بادارة الهجرة والجوازات والجنسية كما قدمت مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد استنادا الى أن المدعية أخطرت فى 30 من يوليه سنة 1963 برفض تظلمها فكان يتعين عليها رفع الدعوى فى خلال ميعاد أقصاه 28 من سبتمبر سنة 1963 ولما كانت قد أقامتها فى 2 من أكتوبر سنة 1963 فانها تكون قد رفعت بعد الميعاد القانونى.. وطلبت الوزارة فى الموضوع الحكم برفض الدعوى مع الزام المدعية بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة. استنادا الى أن كل دولة تنفرد بتنظيم علاقة الجنسية الخاصة بها وهو ما يعرف بمبدأ حرية الدولة فى مادة الجنسية وهذا المبدأ من القواعد الأساسية فى ادارة الجنسية وهو نتيجة لازمة لمبدأ سيادة الدولة ويترتب على ذلك تمتع كل دولة بقسط وافر من الحرية فى تنظيم جنسيتها اكتسابا وتجريدا عن طريق تشريعاتها الداخلية.. وقد نظمت التشريعات فى مصر الأحوال التى يجوز فيها استرداد الجنسية المصرية بالقانون رقم 160 لسنة 1950 ومن بعده القانون رقم 82 لسنة 1958 بشأن جنسية الجمهورية العربية المتحدة لمن تزول عنه هذه الجنسية لسبب أو لآخر ففى مثل هذه الحالات يستطيع الشخص الرجوع الى جنسيته الأصلية ومن بين هذه الحالات حالة الأولاد القصر الذين اكتسبوا جنسية أجنبية نتيجة لتجنس أبيهم فقد سمح لهم المشرع استرداد الجنسية العربية بمجرد طلبهم لها اذا ما تحققت الشروط التى نصت عليها الفقرة الثالثة من المادة 18 من القانون رقم 82 لسنة 1958، أما الأولاد الذين يولدون بعد تجنس أبيهم بالجنسية الأجنبية - فهؤلاء قد ولدوا متمتعين بهذه الجنسية ولم يكتسبوا يوما جنسية الجمهورية العربية المتحدة ومن ثم لا ينطبق عليهم نص الفقرة سالفة الذكر.. وانه بانزال هذه الأصول على واقعة الدعوى يبين أنه فى 23 من يناير سنة 1936 صدر مرسوم بالترخيص للدكتور رياض أخنوخ فانوس - والد المدعية المصرى الجنسية - بالتجنس بالجنسية البريطانية.. وفى مارس سنة 1942، بعد التصريح له بالتجنس وتجنسه فعلا بهذه الجنسية، ولدت المدعية التى تقدمت بطلب فى 7 من أبريل سنة 1963 تقرر فيه احتفاظها بجنسيتها الأصلية - جنسية الجمهورية العربية المتحدة - ويبحث حالتها تبين أنها لم تكن قد ولدت وقت السماح لوالدها بالتجنس بالجنسية البريطانية وانما ولدت بعد ذلك وبعد تجنسه فعلا بهذه الجنسية ولذلك فقد رفض طلبها وأخطرت بذلك بكتاب مؤرخ فى 25 من أبريل سنة 1963 فتظلمت فى 5 يونيه سنة 1963 وأخطرت برفض تظلمها فى 30 من يولية سنة 1963.
ثم قدمت المدعية مذكرة ردت فيها على الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد بأن الكتاب الذى تدعيه الحكومة والذى قدمت مشروعه ضمن ملف الموضوع.. هذا المشروع لم ينفذ مطلقا باخطار المدعية به، بل هو باق فى أضابير الوزارة.. ومن ثم فان واقعة الاخطار غير صحيحة فيكون الدفع فى غير غير محله متعين الرفض أما عن الموضوع فقد احالت المدعية الى عريضة دعواها.
قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا فى الدعوى انتهت فيه الى أنها ترى الحكم برفض الدعوى بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفى الموضوع برفضها مع الزام المدعية بالمصروفات.
وبجلسة 25 من مارس سنة 1965 حكمت محكمة القضاء الادارى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبولها، وبرفضها موضوعا وألزمت المدعية بالمصروفات. وأقامت قضاءها، برفض الدعوى. على أن والد المدعية قد أذن له بالتجنس بالجنسية الانجليزية بمقتضى المرسوم الصادر فى 23 من يناير سنة 1936 ومنذ ذلك التاريخ وهو فاقد الجنسية المصرية... ولما كانت المدعية قد ولدت فى 30 من مارس سنة 1942، بعد أن توفى والدها فى 2 من يناير سنة 1942 فهى لذلك قد ولدت بعد أن فقد والدها الجنسية المصرية ودخل فى الجنسية الانجليزية ومن ثم فانها تعتبر مولوده لأب أجنبى، وان كان متمتعا بالجنسية المصرية وفقدها وعلى ذلك فانها لا تفيد من حكم الفقرة الثالثة من المادة 18 المشار اليها اذ أنه يشترط فيمن يفيد من حكمها (أولا) أن يكون قد سبق أن ولد لأب مصرى عند الميلاد، وبذلك يكون قد تمتع أولا بالجنسية العربية بحكم القانون و(ثانيا) أن يكون قاصرا وقت تجنس الأب بجنسية أجنبية. وأن ذكر المشرع للولد القاصر لا يعنى الحمل المستكن كما لا يعنى من يولدون بعد تجنس أبيهم بالجنسية الأجنبية وأن المشرع كان منطقيا لذلك بالنسبة الى هؤلاء القصر الذين تحولوا مع جنسية أبيهم الجديدة صيانة لوحدة الأسرة ومحافظة على الصغير نفسه، دون أن يكون لارادتهم دخل فى ذلك.. ونظرا لأن ارادة القاصر لم تكن لتسمح له بالتعبير عن الرغبة فى الدخول فى جنسية أبيه خروجا عن جنسيته المفروضة بحكم القانون فقد سمح له القانون استثناء طلب اختيار جنسيته الأصلية واستردادها عندما تكتمل أهليته بلوغ سن الرشد.. وانتهت المحكمة مما تقدم الى أن رفض الوزارة طلب المدعية الخاص باسترداد الجنسية العربية يكون فى محله وتكون دعواها بطلب الغاء هذا القرار غير قائمة على أساس سليم من القانون متعينة الرفض.
وقد طعنت المدعية فى هذا الحكم بصحيفة أودعتها سكرتارية هذه المحكمة فى 7 من يوليو سنة 1965 طالبة الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بالغاء قرار وزارة الداخلية برفض اختيار المدعية للجنسية المصرية طبقا للفقرة الثالثة من المادة 18 سالفة الذكر وقبول هذا الاختيار منها واعتبارها مصرية الجنسية منذ تقديم طلبها مع الزام المدعى عليها بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة.. وبنت طعنها على نفس الأسباب التى أستندت اليها فى عريضة الدعوى وأضافت اليها أن الحكم المطعون فيه قد تناقض فيما ذكره - من أنه صيانة لوحدة الأسرة والمحافظة على الصغير نفسه سمع للقاصر الذى ولد قبل التجنس وحده أن يسترد جنسيته الأصلية عند بلوغه سن الرشد دون القاصر الذى ولد بعد التجنس - ذلك أنه من المسلم أن المشرع تغيا فى القانون صيانة وحدة الأسرة ومصلحة الصغير فكيف تستقيم هذه الوحدة فى الأسرة مع هذه التفرقة التى جاء بها الحكم.
قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا فى الطعن انتهت فيه الى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا مع الزام الطاعنة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.. واستندت فى ذلك الى نفس الأساييد التى استند اليها الحكم المطعون فيه.
ثم قدمت المدعية مذكرة أحالت فيها الى ما جاء بصحيفة الطعن ثم ردت على ما قررته الوزارة - من أنه لا حق للمدعية فى استرداد الجنسية المصرية طبقا للفقرة الثالثة من المادة 18 سالفة الذكر - بأن هذه الفقرة لم تتكلم عن "استرداد الجنسية المصرية" وانما تكلمت عن "اختيار الجنسية الأصلية" وأن هناك فرق كبير بين الحالتين فالاسترداد يقتضى أن يكون القاصر قد اكتسب الجنسية المصرية ثم فقدها ثم هو يطالب باستردادها وأنها لا تدعى أنها اكتسبت الجنسية المصرية فى يوم ما وأنها فقدتها ثم تطالب باستردادها وانما هى تختار جنسيتها الأصلية وأن الاختيار يصح أن يقع على شئ لم يكن الانسان قد حازه فعلا وأن الجنسية الأصلية لها والتى خولها القانون حق اختيارها هى، بلا شك، جنسية أبيها الأصلية وجنسية أجدادها وهى الجنسية المصرية اذ أن اكتساب المصرى أية جنسية أجنبية لا يمنع أبدا منحدر من أصل مصرى.. وختمت المدعية مذكرتها بأنها تلتمس الحكم لها بطلباتها.
ومن حيث أن المادة 18 من قانون جنسية الجمهورية العربية المتحدة رقم 82 لسنة 1958 المشار اليه قد نصت على أنه:
"يترتب على تجنس الشخص المتمتع بجنسية الجمهورية العربية المتحدة بجنسية أجنبية متى اذن له فى ذلك أن تفقد زوجته جنسية الجمهورية العربية المتحدة اذا كانت تدخل فى جنسية زوجها بمقتضى القانون الخاص بهذه الجنسية الا اذا قررت خلال سنة من تاريخ دخول زوجها فى هذه الجنسية أنها ترغب فى الاحتفاظ بجنسية الجمهورية العربية أما أولاده القصر فيفقدون جنسية الجمهورية العربية المتحدة اذا كانوا بحكم تغيير جنسية أبيهم يدخلون فى جنسيته بمقتضى القانون الخاص بهذه الجنسية الجديدة.
"ويسوغ للأولاد الذين تغيرت جنسيتهم بحسب الأحكام السابقة أن يقرروا اختيار جنسيتهم الأصلية خلال السنة التالية لبلوغهم سن الرشد". ويبين من هذا النص أن القانون رقم 82 لسنة 1958 حين تحدث عن فقد الأولاد القصر للجنسية العربية اذا كانوا بحكم تغيير جنسية أبيهم يدخلون فى جنسيته الجديدة انما قرر حقيقتين: أولاهما أن هؤلاء الأولاد ولدوا متمتعين بجنسية الجمهورية العربية المتحدة باعتبار أنهم ولدوا لأب يتمتع بهذه الجنسية ومن ثم فقد نشأت لهم الجنسية العربية المذكورة بحكم القانون. والحقيقة الثانية أن هذا الحكم واجه حالة أولاد قصر كانوا مولودين فعلا عند طروء واقعة جديدة هى اتجاه ارادة أبيهم الى الدخول فى الجنسية الأجنبية وتعبير القانون بعبارة الولد القاصر لا يعنى الحمل المستكن كما لا ينصرف الى من يولد بعد تلك الواقعة المتعلقة بارادة الأب تغيير جنسيته ذلك لأن خطاب الشارع موجه الى أفراد موصوفين بوصف محدد باعتبار كونهم قصر عند حدوث الواقعة المشار اليها وكان المشرع متساويا مع منطق الاسناد بالنسبة الى وضع هؤلاء القصر الذين دخلوا قانونا فى جنسية أبيهم الجديدة لأن اعتبارا بأن ارادتهم القاصرة لم تكن لتسمح لهم بالتعبير عن رغبتهم واختيارهم الكامل فى الدخول أو عدم الدخول فى جنسية أبيهم خروجا عن جنسيتهم المفروضة بحكم القانون فقد أذن لهم عند بلوغهم سن الرشد فى أن يختاروا جنسيتهم الأصلية.. وهذا الوضع المنطقى لا يصدق على الأولاد الذين ولدوا لأب أصبح أجنبيا بحكم قانون جنسية الجمهورية العربية المتحدة لأنهم انما ولدوا لأب أجنبى فلم تثبت لهم الجنسية العربية ولم يكتسبوها فى يوم من الأيام وما كان لهم أن يكسبوا مثل هذه الجنسية تبعا لأبيهم لأنه لم يكن مصريا وفاقد الشئ لا يعطيه.. وفضلا عما تقدم فانه لا جدال فى أن الاستثناء الوارد فى الفقرة الثالثة من المادة الثامنة عشرة آنفة الذكر ينبغى أن يفسر فى أضيق حدوده فلا يتناول البتة القصر الذين ولدوا لأب بعد تجنسه بجنسية أجنبية لأنه بهذا التجنس يفقد جنسيته المصرية وبالتالى لا تكون هذه الجنسية جنسية أصلية لأولاده لأنهم لم يلتحقوا بهذه الجنسية المصرية فى يوم من الأيام بل كانت جنسيتهم الأصلية منذ الميلاد هى الجنسية الجديدة التى تجنس بها أبوهم ومن ثم فلا يكون ثمة وجه للتحدى باختيارهم جنسية لم يسبق لهم أن فقدوها.
ولما كان الثابت أن المدعية ولدت بعد تجنس أبيها بالجنسية البريطانية فانها لا تفيد من حكم الفقرة الثالثة المنوه عنها ويكون طلبها اختيار الجنسية العربية بالتطبيق لحكم هذه الفقرة فى غير محله وتبعا لذلك تكون وزارة الداخلية فى حل من رفض هذا الطلب لاتفاق هذا الرفض مع أحكام القانون ويكون الحكم المطعون فيه، اذ قضى برفض الدعوى التى رفعتها المدعية بطلب الغاء هذا القرار قد صادف الحق فى قضائه لأنه لم يرد فى صلب القانون ولا فى مذكرته الايضاحية ما يفيد أن المشرع قد اذن للقاصر الذى ولد قبل التجنس فى اختيار جنسيته الأصلية صيانة للوحدة العائلية كما تقول المدعية بل فهم أن هذه الحكمة هى التى أملت على المشرع ما نص عليه فى الفقرة الثانية من المادة 18 آنفة الذكر من أن الأولاد القصر يفقدون الجنسية العربية ويدخلون فى الجنسية الجديدة التى تجنس بها والدهم.
ومن حيث انه لا وجه للمحاجة بأن هناك جنسية أصلية تلحق الشخص بحكم صلته بأصوله وعلاقة الولاء للوطن الأصلى لأن هذا القول لا يستقيم فى ضوء أحكام قوانين الجنسية وهى انما تربط الجنسية بالدم والاقليم بأوضاع معينة وبشروط محددة فى القانون.
ومن حيث انه لا حجة فيما ذهبت اليه المدعية فى مذكرتها الأخيرة - من أن الفقرة الثالثة السابق الاشارة اليها لم تتحدث عن استرداد الجنسية المصرية وانما عرضت لاختيار الجنسية الأصلية وأن ثمة فارقا كبيرا بين الحالتين - لا حجة فى ذلك لأنه يبين من تأمل هذه الفقرة أنها قد افترضت أن يكون هناك أولاد قصر كانوا متمتعين بالجنسية العربية فهى جنسيتهم الأصلية ثم زالت عنهم هذه الجنسية بسبب تجنس أبيهم بجنسية أجنبية فسمح القانون، عند بلوغهم سن الرشد، أن يختاروا جنسيتهم الأصلية - وهى الجنسية العربية - ومؤدى هذا أنه سمح لهم بأن يستردوا جنسيتهم العربية التى فقدوها بسبب تجنس والدهم بتلك الجنسية الأجنبية فاختيار الجنسية الأصلية يعنى، بلا أدنى ريب استرداد الجنسية العربية التى كانوا متمتعين بها قبل تجنس والدهم.
ومن حيث انه لما تقدم يكون الطعن المقدم من المدعية على غير أساس سليم من القانون ويتعين لذلك القضاء برفضه مع الزام المدعية بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت الطاعنة بالمصروفات.