مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثانى (من منتصف فبراير سنة 1967 الى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 972

(105)
جلسة 30 من أبريل سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل اسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبى وأحمد على البحراوى والدكتور أحمد ثابت عويضة وسليمان محمود جاد المستشارين.

القضية رقم 399 لسنة 8 القضائية

( أ ) - موظف. "تعيين".
التعيين فى الوظائف العامة - متروك أصلا لتقدير الجهة الادارية - حدود سلطة الادارة التقديرية فى هذا الشأن.
(ب) - عامل. "عامل القناة - تعيينه على درجات بالميزانية".
الوظائف المخصصة لعمال القناة - حظر التعيين فيها من غير عمال القناة - أساس ذلك من القانون رقم 569 لسنة 1955 وقرار مجلس الوزراء الصادر فى 23/ 11/ 1955 - لكل وزير فى وزارته التخفيف من هذا القيد اذا كانت الشروط اللازمة لشغل هذه الوظيفة غير متوفرة فى عمال القناة الموجودين بوزارته - أساس ذلك من القانون رقم 129 لسنة 1960 - كيفية اعمال الوزير لسلطته فى هذا الشأن.
1 - ان الجهة الادارية تترخص فى التعيين فى الوظائف العامة بسلطتها التقديرية بلا تعقيب عليها الا فى أحوال اساءة استعمال السلطة، ما لم يقيدها القانون بنص خاص أو ما لم تقيد نفسها بقواعد تنظيمية معينة، فالتعيين أمر متروك أصلا لتقدير الجهة الادارية باعتبارها القوامة على حسن سير المرافق العامة.
2 - ان المشرع بعد أن أورد بالقانون رقم 569 لسنة 1955 وبقرار مجلس الوزراء الصادر فى 23 من نوفمبر سنة 1955 على سلطة الادارة التقديرية فى التعيين فى الوظائف المخصصة لعمال القناة - وهى الأصل - قيدا مؤداه حظر التعيين على وجه العموم فى هذه الوظائف من غير عمال القناة، عاد وقدر الصعوبات الناشئة عن هذا الخطر، فأباح بالقانون رقم 129 لسنة 1960 لكل وزير فى وزارته - تحقيقا للصالح العام - التخفيف من هذا القيد وذلك باعمال سلطته التقديرية فى التعيين فى الوظائف الخالية فى النسبة المخصصة لعمال القناة من غيرهم، اذا كانت الشروط اللازمة لشغل هذه الوظائف غير متوفرة من عمال القناة الموجودين بوزارته ومقتضى هذا أنه اذا خلت وظيفة من الوظائف المخصصة لعمال القناة واتجهت ارادة الجهة الادارية الى التعيين فيها، وجب بادئ ذى بدء على الجهة المذكورة الكشف عن مدى توفر الصلاحية لها فى عامل القناة بوصفها شرطا لازما لشغل هذه الوظيفة وشرط الصلاحية فى هذه الحالة لا ينظر فيه بداهة الى عامل القناة ذاته فحسب، وانما بالمقارنة مع غيره من العاملين عموما بحيث اذا وجدت الجهة الادارية بينهم من هو أصلح من عامل القناة لشغل هذه الوظيفة فى تقديرها، وكان تقديرها هذا مستمدا من أصول صحيحة تؤدى اليه، فانه لا تثريب عليها اذا هى استخدمت الرخصة الممنوحة لها بمقتضى القانون رقم 129 لسنة 1960 آنف الذكر وعينت الأصلح دون عامل القناة.
والقول بغير ذلك ينطوى على مجافاة للأغراض التى تغياها المشرع من اصدار هذا القانون والتى أفصحت عنها حسبما سلف البيان مذكرته الايضاحية بما لا يدع مجالا لشبهة فى هذا الخصوص.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان وقائع هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل فى أن - المدعى أقام الدعوى رقم 119 لسنة 8 القضائية ضد وزارة الزراعة بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الادارية لوزارة الزراعة فى 25 من يناير سنة 1961 بعد أن حصل فى 21 من ديسمبر سنة 1960 من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة على قرار بقبول طلب الاعفاء من الرسوم القضائية المقدم منه فى 25 أكتوبر سنة 1960، وطلب المدعى الحكم: "بالغاء القرار رقم 5 يومية بتاريخ 18 من يولية سنة 1960 وبأحقية الطالب فى شغل الدرجة بدلا من السيد/ حسن محمد البديوى اعتبارا من تاريخ صدور القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المستحقة للطالب نتيجة لهذا، وذلك بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة مع تحميل الوزارة المصروفات وأتعاب المحاماة". وقال شرحا لدعواه أن الوزارة المدعى عليها أصدرت القرار رقم 5 يومية فى 18 من يوليه سنة 1960 الذى تضمن تعيين السيد/ حسن محمد البديوى، النساخ باليومية من الدرجة - 160/ 300 مليم، فى وظيفة أخصائى رسام فى الفئة 300/ 500 مليم. وهذا القرار مناف للقوانين والقرارات الخاصة بتعيين عمال القناة، اذ لم تراع فيه أحكام القانون رقم 129 لسنة 1960 الذى ينص على تخويل الوزارات سلطة الاستثناء من القانون رقم 569 لسنة 1955 فى حالة استحالة تدبير المطلوب تعيينهم، من بين عمال القنال. ولما كان المدعى من عمال القناة وسبق له أداء الاختبار الفنى لوظيفة أخصائى رسام فى المسابقة التى أجريت فى أكتوبر سنة 1959 واجتازه بنجاح، فانه يكون أحق من المطعون عليه فى شغل هذه الوظيفة كما أن امتحان هذا الأخير مشوب بعيوب فنية اذ تم بطريقة لم يعلن عنها بل اختبر منفردا وكان هذا بعد ظهور نتيجة اختبار المدعى بمدة طويلة بل انه لم تتبع فى تعيين المذكور الاجراءات المقررة طبقا لقواعد كادر العمال والتى تقضى بعرض أمر تعيين الصناع والعمال الفنيين على لجنة خاصة بشئون العمال تشكل لهذا الغرض ويعتمد محضرها من وكيل الوزارة وبجلسة 2 من ديسمبر سنة 1961 قضت المحكمة الادارية: "بالغاء القرار رقم 5 يومية الصادر بتاريخ 18 من يوليه سنة 1960 الغاء مجردا، وألزمت الجهة الادارية بالمصروفات" وأقامت قضاءها على أنه طبقا للقانون رقم 129 لسنة 1960 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 569 لسنة 1955 يكون للوزير سلطة التعيين فى الوظائف الخالية فى النسبة المخصصة لعمال القنال بشرط عدم توفر الشروط اللازمة لشغل هذه الوظائف فى عمال القناة الموجودين فى وزارته ولما كان الثابت أن الجهة الادارية لم تقم باتخاذ الاجراءات الواجبة فى سبيل الكشف عن مدى توفر الشروط اللازمة لشغل وظيفة اخصائى رسام فى عمال القناة فان القرار المطعون فيه يكون قد صدر مخالفا لأحكام القانون رقم 129 لسنة 1960 المشار اليه الأمر الذى يتعين معه الحكم بالغائه الغاء مجردا.
ومن حيث ان الطعن يقوم على أن ترشيح المدعى فى سنة 1959 أى بعد الحاقه بالخدمة فى وظيفة كاتب بثمانى سنوات لوظيفة اخصائى رسام لا يكسبه الحق فى التعيين فى هذه الوظيفة وانما العبرة بالوظيفة المعين عليها أصلا، فضلا عن أن الترشيح للتعيين سلطة تقديرية من اطلاقات الادارة. هذا الى أن وظيفة اخصائى رسام غير واردة بين وظائف عمال القناة بالكشف الملحق بكادر عمال القناة. ومن ثم فان السيد/ وزير الزراعة يكون مطلق السلطة فى التعيين فى هذه الوظيفة من غير عمال القناة بمقتضى القانون رقم 129 لسنة 1960 وقد فضل السيد/ حسن البديوى على المدعى لأن الأول حصل على 70% فى الاختبار بينما لم يحصل الثانى الا على 60% واذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهبا مخالفا فانه يكون قد قامت به حالة من حالات الطعن فى الأحكام أمام المحكمة الادارية العليا.
ومن حيث انه من المسلمات ان الجهة الادارية تترخص فى التعيين فى الوظائف العامة بسلطتها التقديرية بلا تعقيب عليها الا فى أحوال اساءة استعمال السلطة، ما لم يقيدها القانون بنص خاص أو ما لم تقيد نفسها بقواعد تنظيمية معينة، فالتعيين أمر متروك أصلا لتقدير الجهة الادارية باعتبارها القوامة على حسن سير المرافق العامة.
ومن حيث انه فى 28 من مارس سنة 1960 صدر القانون رقم 129 لسنة 1960 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 569 لسنة 1955 بشأن تعيين عمال القنال بالاقليم المصرى على درجات بالميزانية، ناصا فى المادة الثانية منه على أنه: "يجوز لكل وزير فى وزارته أن يعين فى الوظائف الخالية فى النسب المخصصة لعمال القناة من غيرهم اذا كانت الشروط اللازمة لشغل هذه الوظائف لا تتوافر فى عمال القناة الموجودين بوزارته". وقد ورد بالمذكرة الايضاحية للقانون المذكور أنه: "لما كانت هناك بعض جهات بالقطاع الحكومى لا يوجد من بين موظفيها عمال قناة يصلحون لشغل الدرجات الخالية بها والمخصصة لهم طبقا للقانون رقم 569 لسنة 1955 والقرار الصادر من مجلس الوزراء فى 23 من نوفمبر سنة 1955 بشأن تعيين عمال القناة على درجات بالميزانية ولما كانت وزارة الشئون الاجتماعية والعمل حريصة على أن تؤدى كل وزارة الاعباء الملقاة على عاتقها دون أن يقف هذا القانون أو القرار الصادر من مجلس الوزراء عائقا فى سبيل أداء واجبها، لذلك سبق أن تقدمت بمشروع قرار جمهورى يخول لكل وزير الحق فى شغل الدرجات الخالية بوزارته من غير عمال القناة بالنسبة المخصصة لعمال القناة. وقد صدر لذلك القرار الجمهورى رقم 38 لسنة 1959 بشأن تعديل أحكام القانون رقم 569 لسنة 1955، الا أن هذا القرار الجمهورى لم يشمل الدرجات المخصصة للعمال والدرجات بالميزانية خارج الهيئة. ولما كان تطبيق أحكام هذا القرار الجمهورى على الدرجات المخصصة للعمال والمشار اليها فى القرار الصادر من مجلس الوزراء فى 23 من نوفمبر سنة 1955 وكذلك الدرجات خارج الهيئة يحقق الأهداف التى رمت اليها وزارة الشئون الاجتماعية والعمل من اصدار هذا القرار. لذلك أرى أن ينصرف حق الوزير فى استثناء وزارته من أحكام القانون رقم 569 لسنة 1955 والقرار الصادر من مجلس الوزراء فى 23 من نوفمبر سنة 1955 بشأن تعيين عمال القناة على درجات - بالميزانية بالنسبة للدرجات المخصصة للعمال والدرجات خارج الهيئة".
ومن حيث ان مفاد ما تقدم أن المشرع بعد أن أورد بالقانون رقم 569 لسنة 1955 وبقرار مجلس الوزراء الصادر فى 23 من نوفمبر سنة 1955 على سلطة الادارة التقديرية فى التعيين فى الوظائف المخصصة لعمال القناة - وهى الأصل - قيدا مؤداه حظر التعيين على وجه العموم فى هذه الوظائف من غير عمال القناة، عاد وقدر الصعوبات الناشئة عن هذا الحظر، فأباح بالقانون رقم 129 لسنة 1960 لكل وزير فى وزارته - تحقيقا للصالح العام - التخفيف من هذا القيد وذلك باعمال سلطته التقديرية فى التعيين فى الوظائف الخالية فى النسب المخصصة لعمال القناة من غيرهم، اذا كانت الشروط اللازمة لشغل هذه الوظائف غير متوفرة فى عمال القناة الموجودين بوزارته ومقتضى هذا انه اذا خلت وظيفة من الوظائف المخصصة لعمال القناة واتجهت ارادة الجهة الادارية الى التعيين فيها، وجب بادئ ذى بدء على الجهة المذكورة الكشف عن مدى توفر الصلاحية لها فى عامل القناة بوصفها شرطا لازما لشغل هذه الوظيفة. وشرط الصلاحية فى هذه الحالة لا ينظر فيه بداهة الى عامل القناة فى ذاته فحسب، وانما بالمقارنة مع غيره من العاملين عموما بحيث اذا وجدت الجهة الادارية بينهم من هو أصلح من عامل القناة لشغل هذه الوظيفة فى تقديرها، وكان تقديرها هذا مستمدا من أصول صحيحة تؤدى اليه، فأنه لا تثريب عليها اذا هى استخدمت الرخصة الممنوحة لها بمقتضى القانون رقم 129 لسنة 1960 آنف الذكر وعينت الأصلح دون عامل القناة. والقول بغير ذلك ينطوى على مجافاة للأغراض التى تغياها المشرع من اصدار هذا القانون والتى أفصحت عنها حسبما سلف البيان مذكرته الايضاحية بما لا يدع مجالا لشبهة فى هذا الخصوص.
ومن حيث انه يبين من مطالعة الأوراق أن المدعى حاصل على شهادة اتمام الدراسة الابتدائية فى سبتمبر سنة 1945 وأنه الحق بالعمل باعتباره من عمال القناة - فى وزارة الزراعة فى 17 من أكتوبر سنة 1951 فى مهنة كاتب. وفى 25 من نوفمبر سنة 1959 عقد أمتحان لشغل وظيفة اخصائى رسام فى الدرجة 300/ 500 مليم وتقدم لهذا الامتحان سبعة عمال من بينهم المدعى فجاء ترتبيه الثانى من بين المتقدمين وحصل على 60 درجة وفى 6 من يوليه سنة 1960 عقد امتحان آخر لشغل وظيفة اخصائى رسام فى الدرجة 300/ 500 مليم ذاتها فتقدم له السيد/ حسن محمد حسن البديوى الذى حصل على 70 درجة وقد عرض أمره على لجنة شئون العمال بوزارة الزراعة التى وافقت فى 18 من يوليه سنة 1960 على تعيينه فى هذه الوظيفة وصدر بذلك قرار التعيين رقم 5 يومية فى 18 من يوليه سنة 1960.
ومن حيث ان الثابت مما ذكر أن الجهة الادارية فى سبيل الكشف عن مدى توفر شرط الصلاحية للتعيين فى وظيفة اخصائى رسام فى الدرجة 300/ 500 مليم الخالية والمخصصة لعمال القناة قد اتخذت معيارا منضبطا هو الامتحان. وقد أسفر امتحان المدعى عن تخلفه فى هذا المضمار اذ حصل على 60 درجة، بينما حصل السيد/ حسن محمد حسن البديوى عند امتحانه على 70 درجة ومن ثم فانه الجهة الادارية اذ أستخدمت الرخصة الممنوحة لها بالقانون رقم 129 لسنة 1960 وعينت المذكور باعتباره الأصلح فى مجال المفاضلة لشغل هذه الوظيفة دون المدعى، فانها تكون قد سلكت الطريق القانونى الصحيح، ويكون قرارها المطعون فيه سليما متفقا مع حكم القانون وصادرا فى حدود السلطة المخولة لها دون مخالفة أو انحراف مما يجعله حصينا من الالغاء وبمناى عن أى طعن. ولا يقدح فى ذلك ما أثاره المدعى من زعم عن امتيازه وتأهيله وما نعاه على الامتحان من عدم مراعاة تكافؤ الفرص فيه، طالما أن الثابت من الأوراق أن رئيس اللجنة وأعضاءها الذين قاموا باختبار المطعون فى تعيينه فى 6 من يوليه سنة 1960 هم بذواتهم الذين سبق أن اختبروا المدعى فى 25 من نوفمبر سنة 1959 ولم تمض بين الاختبارين فترة تسمح بالقول بتغير حالة المدعى من حيث مهارته وكفايته وأستعداده مما كان يستلزم اعادة أختباره.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه اذ أخذ بغير هذا النظر، يكون قد أخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه ويتعين والحالة هذه القضاء بالغائه وبرفض الدعوى مع الزام المدعى بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعى بالمصروفات.