مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثانى (من منتصف فبراير سنة 1967 الى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 993

(108)
جلسة 6 من مايو سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخارى وعبد الستار عبد الباقى آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف ابراهيم الشناوى المستشارين.

القضية رقم 1281 لسنة 8 القضائية

( أ ) - اختصاص. "توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الادارى والمحاكم الادارية". دعوى. "الحكم فيها. حجيته".
حكم محكمة القضاء الادارى بعدم اختصاصها بنظر طلب وقف التنفيذ - ينطوى على تخلى المحكمة عن ولايتها على الدعوى بشقيها سواء الطلب الأصلى أو الطلب الفرعى واحالتها الى المحكمة الادارية المختصة - تصدى المحكمة الأخيرة للفصل فى الطلب الأصلى - حكمها فيه لا يكون منعدما - أساس ذلك.
(ب) - عمد ومشايخ. "تعيينهم". سلطة تقديرية.
شرط حسن السمعة - استناد جهة الادارة الى التحريات الصادرة من أجهزة الدولة المختصة - اختلاف هذه الأجهزة فى بعض الأمور وترجيح الجهة الادارية لبعضها على البعض الآخر - يدخل فى اطلاقات الادارة ما دام أن قرارها لا يشوبه تعسف أو انحراف.
1 - لما كان طلب وقف التنفيذ انما هو فرع من طلب الالغاء فان هذا الحكم الصادر بعدم اختصاص محكمة القضاء الادارى وان كان صادرا فى طلب وقف التنفيذ، الا أنه ينطوى فى واقع الأمر على تخلى محكمة القضاء الادارى عن ولايتها على الدعوى بشقيها سواء الطلب الفرعى أو الطلب الاصلى واحالتها الى المحكمة الادارية المختصة به فاذا كانت هذه المحكمة الأخيرة قد تصدت للطلب الأصلى، بعد أن فصلت فى الطلب الفرعى فان حكمها فى الطلب الاصلى لا يكون منعدما اذ أنها هى المختصة بنظر الدعوى بشقيها. يضاف الى ذلك أن المحكمة الادارية العليا سبق أن قضت بأنه - وان كان الحكم الذى يصدر فى طلب وقف التنفيذ لا يمس أصل طلب الالغاء فلا يفيد المحكمة عند نظر هذا الطلب الأخير - الا أن الحكم الصادر فى الطلب وقف التنفيذ يظل، مع ذلك، حكما قطعيا له مقومات الأحكام وخصائصها وينبنى على ذلك أنه يحوز حجية الأحكام فى خصوص موضوع الطلب ذاته، ولو أنه مؤقت بطبيعته طالما لم تتغير الظروف، كما يحوز هذه الحجية من باب أولى بالنسبة لما فصلت المحكمة فيه من مسائل فرعية قبل البت فى موضوع الطلب، كالدفع بعدم اختصاص القضاء الادارى أصلا بنظر الدعوى لسبب متعلق بالوظيفة، أو بعدم اختصاص المحكمة أصلا بنظرها بحسب موضوعها، أو بعدم قبولها أصلا لرفعها بعد الميعاد، أو لأن القرار المطعون فيه ليس نهائيا، اذ قضاء المحكمة فى هذا كله ليس قطعيا فحسب بل هو نهائى وليس مؤقتا فيقيدها عند نظر طلب الغائه. وعلى ذلك فان الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بجلسة 21 من مارس سنة 1961 بعدم اختصاصها بنظر طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه واحالته الى المحكمة الادارية لوزارة الداخلية لاختصاصها به. هذا الحكم يقيد محكمة القضاء الادارى عند نظر طلب الغاء القرار المذكور ويتعين عليها لذلك أن تحكم بعدم اختصاصها كذلك بنظر واحالته الى المحكمة الادارية لوزارة الداخلية المختصة به أصلا. وعلى ذلك فان مآل هذا الطلب أن تنظره قطعيا هذه المحكمة الأخيرة واذ هى قد فصلت فيه فان حكمها لا يكون منعدما.
2 - أن جهة الادارة قد استبعدت اسم المدعى من كشف الجائز ترشيحهم لمنصب العمدية لعدم توافر شرط حسن السمعة وهو من الشروط الواجب توافرها قانونا فيمن يعين عمدة واستندت فى ذلك الى التحريات الصادرة من أجهزة الدولة المختصة باجرائها وان كانت هذه الأجهزة قد اختلفت فى بعض الأمور فان الجهة الادارية قد رجحت بعضها على البعض الآخر وهذا من حقها اذ أن تقدير توافر شرط حسن السمعة، على ما جرى به قضاء هذه المحكمة، من اطلاقات جهة الادارة بحيث تترخص فى تقديره وفقا لما تراه محققا للمصلحة العامة ما دام أن تقديرها لا يشوبه تعسف أو انحراف. ولم يقم دليل من الأوراق على شئ من ذلك.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - فى أن المدعى السيد/ (.....) أقام الدعوى رقم 467 لسنة 15 القضائية بصحيفة أودعها سكرتارية محكمة القضاء الادارى "هيئة منازعات الأفراد والهيئات" فى 25 من فبراير سنة 1961 طالبا الحكم: أولا وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من لجنة الطعن لمحافظة الشرقية بتاريخ 25 من ديسمبر سنة 1960 برفض طلب قيد اسمه بكشوف المرشحين لوظيفة العمدية لناحية منشأة بنهان مركز فاقوس محافظة الشرقية حتى الفصل فى الطلب الموضوعى.. وثانيا وفى الموضوع بالغاء القرار المطعون فيه مع الزام المدعى عليهما بصفتهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.. وقال - شرحا لدعواه - انه خلت وظيفة العمدية بهذه الناحية بوفاة شاغلها فحرر المركز كشفا بأسماء من تتوافر فيهم شروط التعيين بالتطبيق لأحكام المادتين 3، 4 القانون رقم 106 لسنة 1957 فى شأن العمد والمشايخ.. ولما عرضت مستخرجات هذا الكشف تبين له أن اسمه قد رفع منه وأن رفعه كان نتيجة افتراءات كاذبة اطلقها بعض خصومه فى عرائض مجهولة تلقفها المركز وجعل منها اساسا لما اسماه بالتحريات. فطعن فى هذا القرار وطلب اعادة قيد اسمه اعمالا لنص المادة الخامسة من القانون المذكور الا أن لجنة الطعون قررت فى 25 من ديسمبر سنة 1960 قبول طعنه شكلا ورفضه موضوعا.. ثم قال المدعى أن قرار اللجنة هذه قد قام على خطأ فى تطبيق القانون فضلا عن التعسف فى استعمال السلطة ولذلك فانه يطعن فيه للأسباب الآتية:
1 - لم يطلب أحد ممن تتوافر فيهم شروط التعيين - وكان مقيدا بالكشف حذف اسمه، فضلا عن أن الشروط التى استلزمتها المادة الثالثة من قانون العمد والمشايخ سالف الذكر قد توافرت فيه.
2 - التحريات التى قام بها المركز - على أثر الشائعات الكاذبة التى أطلقها خصومه للنيل منه والتى كانت سببا فى حرمانه من قيد اسمه - قد ثبت فسادها فيما تضمنته التحريات التى قام بها السيد المقدم محمد شديد رئيس شعبة البحث الجنائى بمحافظة الشرقية وقت أن كان يعمل مفتشا لمباحث وزارة الداخلية والمرسلة لمديرية الشرقية فى 16 من أغسطس سنة 1960 وأضاف المدعى أنه لما كان الفصل فى الدعوى الموضوعية قد يستغرق وقتا طويلا وبهذا يضيع عليه حقه فى درج اسمه بالكشف ولا يدرأ عنه ذلك الا طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه ولذلك فقد أقام الدعوى بالطلبات السابقة.
وقد نظرت محكمة القضاء الادارى طلب وقف التنفيذ وقضت بجلسة 21 من مارس سنة 1961 بعدم اختصاصها بنظره واحالة الطلب الى المحكمة الادارية لوزارة الداخلية لاختصاصها به.
وبعد احالته الى المحكمة الادارية قدمت الحكومة مذكرة طلبت فيها رفض طلب وقف التنفيذ لعدم توافر ركنى الاستعجال والمشروعية وطلبت فى الموضوع رفض الدعوى والزام المدعى بالمصروفات استنادا الى أن ما حال بين المدعى وبين ادراج اسمه بكشف الجائز ترشيحهم هو المخدرات فقد نسب اليه أنه يتجر فيها ويتعاطاها الأمر الذى يدمغه بسوء السيرة كما تناثرت الشائعات عن علاقته غير الشريفة بشقيقة زوجته.
وفى 12 من يونيه سنة 1961 قدم المدعى اقرارا بتنازله عن الطلب المستعجل وبجلسة 20 من ذات الشهر قضت المحكمة الادارية باثبات تنازل المدعى عن طلب وقف التنفيذ وألزمته بمصروفاته واعادة الدعوى الى هيئة مفوضى الدولة لتحضيرها واعداد تقرير بالرأى القانونى فى موضوعها.
وبجلسة التحضير التى عقدها السيد مفوض الدولة فى 7 من أكتوبر سنة 1961 قدم المدعى حافظة ارفق بها أربع شهادات من بعض العمد والمشايخ تفيد أنه حسن السير والسلوك ومصدق على التوقيعات فيها من مركز فاقوس.
عقبت الوزارة على هذه الشهادات بمذكرة قالت فيها ان ما جاء بها لا ينال من التحريات التى تجمعت بمعرفة رجال الشرطة كما أنها لا تنفيها لأنها تتضمن وجهة نظر الموقعين عليها فضلا عن أن أغلبها صادر من عمد ومشايخ قرى غير التى ينتمى اليها المدعى وأن تصديق المركز من قبيل التصديق على الامضاءات دون أن يصاحب ذلك اجراء التحرى من جانبه.. وأن الوزارة قد اجرت تحقيقا مع العمد والمشايخ الموقعين على هذه الشهادات فتبين لها وجود صلة قرابة بين المدعى وبين بعضهم أو وجود املاك للمدعى بالنواحى التابعة لهم. كما أن الذى اعتمد هذه الشهادات هما ضابطان بالمركز وقد تهرب المدعى بذلك من عرضها على السيد مأمور المركز الذى يعلم أنه سئ السمعة لأنه يتعاطى المخدرات لسابقة تقديمه تقريرا بذلك.
ثم قدم المدعى مذكرة رد فيها على الاتهامات التى نسبها اليه السيد ضابط مباحث المركز - من أنه يتاجر فى المخدرات ويدمن على تعاطيها ومن الزنا بزوجة المدعو (...) - فقال عما نسب اليه بشأن المخدرات أن الثابت من كتاب رئيس مكتب مكافحة المخدرات بفاقوس أنه ليس له نشاط فى تجارة المخدرات أو تهريبها وأنه بالرجوع الى أرشيف المكتب لم يستدل على جود نشاط سابق.. وقال عن واقعة الزنا بأنها كاذبة من أساسها ولا يوجد فى بلدة منشأة بنهان شخص يدعى (...) وانتهى الى أن ما نسب اليه انما هو مجرد أقوال أملاها الحقد والضغينة وأن منشأ الخلاف بينه وبين مأمور المركز وضابط المباحث به أن هذا الضابط قد قبض بأمر من السيد المأمور على بعض أهالى بندر فاقوس - وكان من بينهم شقيقه - بتهمة مزاولة ألعاب القمار وبعد القبض عليهم أمر السيد المأمور بالتنكيل والتشهير بهم فتقدم هو مع بعض أهالى البندر بشكاوى ضده للسيد رئيس الجمهورية والسيدين وزير الداخلية والنائب العام يطالبون بوضع حد للتصرفات المشينة التى يقوم بها..
ثم رد المدعى على ما نسبه اليه السيد ضابط مباحث المديرية بشأن المخدرات بأنه يحيل الى كتاب مكتب مكافحة المخدرات السابق الاشارة اليه.. وأن ما نسبه الى زوجته من انها كانت تعاونه فى نقل المخدرات - فغير صحيح لأنها من فضليات النساء وعضو بالاتحاد القومى بمدينة المنصورة وعضو بلجنة النشاط النسائى به وأمين صندوق رابطة العمل بالمنصورة.. أما فى شأن ما ذكره هذا الضابط - من أن هتك عرض شقيقة زوجته الآنسة (...) - فقال المدعى أنه يهدمه الدليل الرسمى، وهو أنه لم يتزوج من السيدة.... الا فى 24 من فبراير سنة 1956 بينما تزوجت شقيقتها السيدة (...) فى 33 من يونيه سنة 1950 بالسيد (...) فكيف يقال أنه هتك عرض الآنسة (...) فى سنة لاحقة لسنة 1956 حال أنها سيدة متزوجة منذ ست سنوات سابقة على زواجه بشقيقتها.. وقدم المدعى حافظة بمستنداته.. ثم قدم مذكرة أخرى قال فيها أنه مما يؤكد حسن سمعته انه قد رخص فى حمل السلاح بالرخصة الصادرة من مديرية أمن الشرقية فى 30 من يوليه سنة 1956 وأن هذه الرخصة لا تمنح الا لأصحاب السمعة الحسنة والسلوك المستقيم ويسبقها تحريات من المباحث العامة والمباحث الجنائية وأن نفس مأمور المركز الذى حمل عليه حملة شعواء فى الترشيحات للعمدية فى سنة 1960 هو نفسه الذى وقع على تجديد الرخصة لمدة تنتهى فى آخر عام سنة 1961.
وبجلسة 17 من أبريل سنة 1962 قضت المحكمة الادارية بالغاء القرار الصادر من لجنة الطعون بمحافظة الشرقية فى 25 من ديسمبر سنة 1960 برفض طلب المدعى ادراج اسمه فى كشف الجائز ترشيحهم لعمدية ناحية منشأة بنهان مركز فاقوس، وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ مائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت قضاءها - بعد أن استعرضت وقائع النزاع - على انه يخلص من التقارير التى تناولت سيرة المدعى وحسن سمعته أن الأجهزة الرسمية فى الادارة قد انقسمت على نفسها فريق منها يؤيد سوء السمعة، وهو الفريق الماثل فى ضابط مباحث المركز وضابط مباحث المديرية، وفريق آخر ينفى ما جاء بتقريرى هذين الضابطين مؤكدا عدم صحة الوقائع والشائعات المنسوبة الى المدعى، وهذا الفريق يتمثل فى مفتش المباحث بالوزارة ومفتش التحقيقات بها ومفتش الشرطة ورئيس مكتب مكافحة المخدرات بفاقوس ومكتبى المخدرات والآداب بالمنصورة.. وانه اذا كان فى هذا التعارض والانقسام ما يكفى لعدم الاطمئنان الى الشبهة التى ألقيت على سمعة المدعى فان الترتيب الزمنى للتقارير سالفة الذكر تؤدى الى استبعاد هذه الشبهة... ذلك أن التدليل على سوء السمعة هو الذى بدأ أولا من جانب ضابطى مباحث المركز والمديرية. ولما عرض الأمر على الوزارة كان تقرير مفتش المباحث بالوزارة بمثابة دحض للوقائع والشائعات الواردة فى التقريرين الأولين ولذلك فان السيد المدير رأى - زيادة فى الحرص والتماسا للحقيقة أن يكلف مفتش منطقة فاقوس بالتحرى عن سيرة المدعى وسلوكه.. وقد انتهى من تحرياته الدقيقة الى تأييد ما جاء بتقرير مفتش المباحث الجنائية بالوزارة حيث انها جاءت مؤيدة بتقارير مكتبى المخدرات والآداب بالمنصورة ومن ثم فان تلك التحريات اللاحقة، والتى تناولت التحريات الأولى بالتحقيق والتمحيص، تعتبر أدنى الى الحقيقة.. واذا كانت لجنة الطعون قد اعتدت - قى قرارها المطعون فيه - بالتحريات الأولى ولم تعن بالتصدى للتحريات اللاحقة ومن ثم فانها لم تبين وجهة نظرها فى التمسك بفحوى تلك التحريات السابقة دون اللاحقة واستخلصت من ذلك سوء سمعة المدعى فان هذا الاستخلاص لم يكن استخلاصا سائغا لما جاء بأصول الأوراق مما يوصم قرارها بعيب مخالفة القانون الأمر الذى يتعين معه الحكم بالغائه.
وقد طعنت الحكومة فى هذا الحكم بصحيفة أودعتها سكرتارية هذه المحكمة فى 16 من يونية سنة 1962 طالبة القضاء بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المدعى بالمصروفات.. وبنت طعنها على أن الحكم المذكور قد أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله ذلك أن ما جاء بتقريرى ضابطى مباحث المركز والمديرية كاف بذاته لأن يلطخ سمعة المطعون ضده على نحو يجعل الادارة لا تطمئن معه الى اسناد منصب العمدية له.. وانه متى كان ذلك كذلك وكان الثابت أن اللجنة التى أصدرت القرار المطعون فيه استعرضت كافة التقارير والتحريات التى وضعت فى شأن المدعى، ومنها تقارير المباحث الجنائية بالوزارة ورأت ترجيح تقارير المركز والمديرية وعلى هذا الأساس قررت استبعاد اسمه من كشف الجائز ترشيحهم فانها تكون قد استخلصت النتيجة التى انتهت اليها استخلاصا سائغا من أصول تنتجها.. خصوصا وأن التحريات اللاحقة انصبت على مدى نشاط المدعى وزوجته فى تجارة المخدرات ولم تتناول ما اذا كان يدمن تعاطيها وهو ما أكده ضابط المركز كما أكده تقرير مباحث الوزارة حيث أشار الى انها قد أثرت فى أعصابه وأن هذه الوقائع التى ليست محل خلاف تكفى بذاتها سببا مبررا للقرار المطعون فيه.
ثم قدمت الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصليا ببطلان الحكم وانعدامه لقضائه فى غير خصومة مطروحة على المحكمة التى أصدرته واحتياطيا برفض الدعوى مع الزام المطعون ضده فى أية حال بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث انه يبين من الاطلاع على الأوراق أن المدعى قد أقام دعواه أمام محكمة القضاء الادارى طالبا الحكم: أولا وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. وثانيا وفى الموضوع بالغاء هذا القرار.. وبجلسة 21 من مارس سنة 1968 قضت المحكمة المذكورة بعدم اختصاصها بنظر طلب وقف التنفيذ واحالة الطلب الى المحكمة الادارية لوزارة الداخلية لاختصاصها به.. وأقامت قضاءها على أن القرار المطعون فيه يعتبر من القرارات المتعلقة بالتعيين فى وظيفة عمدة. ولما كانت هذه الوظيفة ليست من وظائف الفئة العالية ولا من وظائف الضباط فان محكمة القضاء الادارى تكون غير مختصة بنظر طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه عملا بالمادتين 13، 14 من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 ويكون الاختصاص فى ذلك للمحكمة الادارية لوزارة الداخلية وترى المحكمة لذلك احالة الطلب اليها لاختصاصها به.. ولما كان طلب وقف التنفيذ انما هو فرع من طلب الالغاء فان هذا الحكم الصادر بعدم اختصاص محكمة القضاء الادارى وان كان صادرا فى طلب وقف التنفيذ، الا أنه ينطوى فى واقع الأمر على تخلى محكمة القضاء الادارى عن ولايتها على الدعوى بشقيها سواء الطلب الفرعى أو الطلب الأصلى واحالتها الى المحكمة الادارية المختصة به فاذا كانت هذه المحكمة الأخيرة قد تصدت للطلب الأصلى، بعد أن فصلت فى الطلب الفرعى فان حكمها فى الطلب الأصلى لا يكون منعدما اذ انها هى المختصة بنظر الدعوى بشقيها.. يضاف الى ذلك أن المحكمة الادارية العليا سبق أن قضت بأنه - وان كان الحكم الذى يصدر فى طلب وقف التنفيذ لا يمس أصل طلب الالغاء فلا يقيد المحكمة عند نظر هذا الطلب الأخير - الا أن الحكم الصادر فى طلب وقف التنفيذ يظل، مع ذلك، حكما قطعيا له مقومات الأحكام وخصائصها وينبنى على ذلك أنه يحوز حجية الأحكام فى خصوص موضوع الطلب ذاته، ولو انه مؤقت بطبيعته طالما لم تتغير الظروف، كما يحوز هذه الحجية من باب أولى بالنسبة لما فصلت المحكمة فيه من مسائل فرعية قبل البت فى موضوع الطلب، كالدفع بعدم اختصاص القضاء الادارى أصلا بنظر الدعوى لسبب متعلق بالوظيفة، أو بعدم اختصاص المحكمة أصلا بنظرها بحسب موضوعها، أو بعدم قبولها أصلا لرفعها بعد الميعاد، أو لأن القرار المطعون فيه ليس نهائيا. اذ قضاء المحكمة فى هذا كله ليس قطعيا فحسب بل هو نهائى وليس مؤقتا فيقيدها عند نظر طلب الغائه.. وعلى ذلك فان الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بجلسة 21 من مارس سنة 1961 بعد اختصاصها بنظر طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه واحالته الى المحكمة الادارية لوزارة الداخلية لاختصاصها به.. هذا الحكم يقيد محكمة القضاء الادارى عند نظر طلب الغاء القرار المذكور ويتعين عليها لذلك أن تحكم بعدم اختصاصها كذلك بنظره وباحالته الى المحكمة الادارية لوزارة الداخلية المختصة به أصلا. وعلى ذلك فان مآل هذا الطلب أن تنظره قطعيا هذه المحكمة الأخيرة واذ هى قد فصلت فيه فان حكمها لا يكون منعدما.
ومن حيث انه عن الموضوع فانه يبين من الاطلاع على أوراق الطعن انه فى 6 من مارس سنة 1960 خلت عمدية منشأة بنهان مركز فاقوس محافظة الشرقية فحرر مركز الشرطة كشفا بالأشخاص الجائز ترشيحهم لهذه العمدية وكان المدعى السيد........ من بين المدرجين به. وورد مع هذا الكشف تقرير مؤرخ فى 12 من مايو سنة 1960 من ضابط مباحث المركز بالتحريات التى أجريت عن سير وسلوك المرشحين المدرجين به وجاء به بالنسبة للمدعى انه يشاع عنه انه يتجر فى المواد المخدرة وتهريبها حيث اشترك مع آخرين فى ذلك وحدث بينهما خلاف بسبب كمية من المخدرات كانت مخبأة فى منزل أحد الأفراد أدى الى التنازع بينهم وتقليع أشجار حديقة مملوكة للمدعى.. كما اشترك مع أشخاص آخرين وكانت تقوم بنقل المخدرات زوجة المدعو.... التى نشأت بينها وبين المدعى علاقة علم بها الزوج فطلقها وانفضت الشركة ثم اشترك مع شخص آخر يدعى..... وجاء بهذا التقرير كذلك أن المدعى يدمن تعاطى المخدرات ويخفى ذلك بتظاهره بأنه من الأثرياء. وقد أشر السيد المأمور على هذا التقرير بأنه يرى أن شرط الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون العمد والمشايخ - وهو حسن السمعة - غير متوافر بالنسبة للمدعى وأنه يرى لذلك حذف اسمه من كشف المرشحين ثم وردت شكاوى من أهالى منشاة بنهان ضد المدعى أحيلت مع تقرير السيد ضابط مباحث المركز للسيد ضابط مباحث المديرية للافادة بمعلوماته فحرر تقريرا مؤرخا فى 31 من مايو سنة 1960 أيد فيه ما جاء بتقرير السيد ضابط مباحث المركز من اتجار المدعى بالمخدرات وادمان تعاطيها واشتراكه مع بعض الأشخاص فى هذا الاتجار وأضاف اليه أن امرأة كانت تتولى نقل المخدرات من المنصورة وفاقوس معروف عنها سوء السير والسلوك تدعى (.....) قام بالزواج منها أخيرا ويقيم معها بالمنصورة كما قام بالاعتداء على عرض شقيقتها وقام بتزويجها لخادمه (.....) وانتهى التقرير الى عدم الموافقة على ترشيحه لهذه العمدية لما هو معروف عنه من سوء السير والسلوك والادمان على المخدرات والاتجار بها وبعرض الأمر على السيد مدير الأمن فى 9 من أغسطس سنة 1960 رأى أخذ رأى مكتب مكافحة المخدرات بالزقازيق. وقد أبدى هذا المكتب رأيه بكتابه المؤرخ فى 17 من ذات الشهر بأنه بالتحرى عن المذكور اتضح انه يتعاطى المخدرات. وفى هذه الأثناء كانت قد تقدمت شكوى ضد المدعى من ابن العمدة السابق ينسب اليه فيها سوء الخلق واختلاطه بالأشقياء لتهديد الأمن وقد أحليت هذه الشكوى الى السيد مفتش المباحث الجنائية بالوزارة الذى قام بفحصها وحرر السيد مدير المباحث الجنائية بالوزارة مذكرة مؤرخة 15 من أغسطس سنة 1960 بنتيجة هذا الفحص جاء فيها أنه ".. كان الى وقت قريب يدخن الحشيش حتى تأثرت أعصابه فأصبح غير ثابت الى حد ما ولم تسفر التحريات عن اتجاره فى المخدرات كما انه لا أعوان له فى ذلك. أما بخصوص ما ورد بتقرير السيد ضابط مباحث المديرية من اعتداء المشكو فيه على عرض شقيقة زوجته وقيامه بتزويجها من أحد خدمه، وأن زوجته من تجار المخدرات وسمعتها سيئة فقد نفت تحريات السيد المفتش ذلك بتاتا اذ أن زوجته من عائلة بالدقهلية حسنة السمعة والأخلاق ويؤيد ذلك ما جاء بتقريرى مكتبى المخدرات والآداب بالمنصورة. أما عن اختلاط المشكو فيه بالأشقياء لتهديد أمن البلدة فلم تسفر التحريات عن ذلك." وبعرض الأمر على السيد مدير الأمن رأى فى 18 من أغسطس سنة 1960 حذف اسم المدعى من كشف الجائز ترشيحهم فطعن المدعى فى ذلك وطلب عرض طعنه على لجنة الطعون كما أرسل برقية بهذا المعنى للسيد مدير الأمن فأحيلت هذه البرقية مع أوراق الطعن للسيد مفتش التحقيقات بالمديرية الذى استدعى المتظلم وسمع أقواله فى محضر مؤرخ 7 من نوفمبر سنة 1960 ثم حرر مذكرة فى اليوم التالى سرد فيها الوقائع وختمها بأنه يرى:
أولا: بحث موضوع التناقض بين تقريرى السيدين ضابطى مباحث المركز والمديرية وتقرير السيد مفتش مباحث الوزارة.
ثانيا: وفى حالة عدم الاتفاق على رأى بينهما تكلف جهة أخرى أو شخص آخر باعادة عمل التحريات لترجيح التحريات السابق اجرائها.
ثالثا: استطلاع رأى مكتب مكافحة مخدرات فرع المنصورة وفاقوس عن الشاكى.
وقد أشر السيد مدير الأمن على هذه المذكرة فى 14 من ذات الشهر باحالة الأوراق الى السيد مفتش منطقة فاقوس لتقديم تقرير دقيق بعد اطلاعه على الأوراق وقيامه بالتحرى بدقة مع أخذ رأى مكتب مخدرات فاقوس. فكتب السيد مفتش الشرطة مذكرة فى 27 من الشهر المذكور بأن الأمر الآن من اختصاص لجنة الطعون.. كما بعث السيد رئيس مكتب مكافحة المخدرات بفاقوس بكتاب مؤرخ فى 29 من ذات الشهر بأن المذكور ليس له نشاط فى تجارة المخدرات أو تهريبها. كما انه بالرجوع لارشيف المكتب لم يستدل على وجود نشاط سابق للمذكور.. وقد تأشر على مذكرة السيد مفتش الشرطة فى أول ديسمبر سنة 1960 بقبول التظلم وعرضه على لجنة الطعون.. فعرض عليها فى 25 من الشهر المذكور حيث استعرضت جميع التقارير التى قدمت عن المدعى وقررت بالاجماع قبول الطعن شكلا وفى الموضوع برفضه استنادا الى انتفاء شرط حسن السمعة.
ومن حيث انه يبين مما تقدم: ان جهة الادارة قد استبعدت اسم المدعى من كشف الجائز ترشيحهم لمنصب العمدية لعدم توافر شرط حسن السمعة وهو من الشروط الواجب توافرها قانونا فيمن يعين عمدة واستندت فى ذلك الى التحريات الصادرة من أجهزة الدولة المختصة باجرائها وان كانت هذه الأجهزة قد اختلفت فى بعض الأمور فان الجهة الادارية قد رجحت بعضها على الآخر وهذا من حقها اذ أن تقدير توافر شرط حسن السمعة، على ما جرى به قضاء هذه المحكمة، من اطلاقات جهة الادارة بحيث تترخص فى تقديره وفقا لما تراه محققا للمصلحة العامة ما دام أن تقديرها لا يشوبه تعسف أو انحراف... ولم يقم دليل من الأوراق على شئ من ذلك.
ومن حيث انه فضلا عن ذلك فانه ان كانت تلك الأجهزة قد اختلفت فى بعض الأمور التى نسبت الى المدعى الا انها قد أجمعت على أن المدعى كان يدمن تعاطى المخدرات ولا يغير من ذلك أن مكتب مكافحة المخدرات بفاقوس قد قرر بكتابه المؤرخ فى 29 من نوفمبر سنة 1960 أن المدعى ليس له نشاط فى تجارة المخدرات أو تهريبها ذلك لأن هذا الكتاب لم ينف عن المدعى ما تواترت عنه الشائعات من انه يدمن تعاطى المخدرات كما انه يبين من الاطلاع على مذكرة السيد مدير المباحث الجنائية بالوزارة المؤرخة فى 15 من أغسطس سنة 1960 انها وان كانت قد نفت عن المدعى ما ورد بتقريرى ضابطى مباحث المركز والمديرية من اتجاره فى المخدرات وتهريبها واعتدائه على عرض شقيقة زوجته كما نفت ما جاء بهما خاصا بزوجته الا أنه قد جاء بهذه المذكرة حرفيا انه "كان الى وقت قريب يدخن الحشيش حتى تأثرت أعصابه فأصبح غير ثابت الى حد ما.." وفى هذا الذى جاء بهذه المذكرة ما يكفى للقول بعدم توافر شرط حسن السمعة ذلك الشرط الواجب توافره فيمن يعين عمدة وهو عبارة عن مجموعة من الصفات يتحلى بها الشخص وتوحى بالثقة فيه وتدعو الى الاطمئنان الى تصرفاته. خاصة وأن الأمر فى هذا المجال يتعلق باطمئنان جهة الادارة الى شخص يرشح لتولى منصب العمدية وهو من المناصب الحساسة فى القرية.. فالعمدة فى قريته هو ممثل لجميع السلطات فيها وهو من القرية كرب الأسرة من أسرته. ومتى كان الأمر فى هذا المجال هو مجال الاطمئنان والثقة فانه أية شبهات قد تعلق بشخص المرشح تعد سببا كافيا لحرمانه من حق الترشيح لمنصب العمدية.
ومن حيث انه لا حجة فيما يقول به المدعى - من الاكتفاء بالشهادات الادارية المقدمة بحافظة مستنداته لاثبات حسن سمعته - اذ انه يبين من الاطلاع على هذه الشهادات انها صادرة من عمد ومشايخ بلاد أقر بعضهم فى التحقيق الذى أجرى معهم فى هذا الشأن والمقدم من الحكومة أنهم من أقربائه أو انسبائه كما أقر البعض بأن للمدعى أطيانا فى قراهم كما أن مركز الشرطة قد اعتمد صحة توقيعات أولئك العمد والمشايخ ولم يعتمد صحة ما ورد بها كما أن المدعى حرص على عدم اعتمادها من السيد مأمور المركز الذى هو على علم تام بسيره وسلوكه بل عمل على اعتمادها من ضابطين من ضباط المركز وكل هذا يدعو الى عدم الاطمئنان الى صحتها اذ يبدو انها قد حررت مجاملة للمدعى. وعلى ذلك فان تقديم هذه الشهادات لا يمنع الجهة الادارية من التزيد فى البحث والتدقيق والاستعانة بأجهزتها المختصة فى التأكد من تمتع المدعى بشرط حسن السمعة فاذا كانت هذه الأجهزة قد أبانت بما يدل على أن المدعى لا يتمتع بهذا الشرط فلا تثريب على الجهة الادارية ان أخذت بذلك وحذفت اسم المدعى من كشف الجائز ترشيحهم لمنصب العمدية لعدم استيفائه لشرط حسن السمعة. ومن ثم فان قرارها فى هذا الشأن يكون قائما على سبب صحيح يبرر اصداره ولا يغير من ذلك أيضا أن الجهة الادارية قد رخصت للمدعى فى حمل سلاح وأن هذا الترخيص لا يمنح الا لأصحاب السمعة الحسنة. وذلك لاختلاف المجالين.. فان مجال حمل السلاح يختلف عن مجال التعيين فى منصف العمدية ذلك المركز الحساس فى القرية على ما سبق بيانه.
ومن حيث انه لذلك جمعيه فان قرار حذف اسم المدعى من كشف الجائز ترشيحهم لمنصب العمدية والمبنى على عدم توافر شرط حسن السمعة يكون قائما على سببه المبرر له قانونا والذى له أصل ثابت فى الأوراق استخلصت منه الجهة الادارية النتيجة التى انتهت اليها استخلاصا سائغا ومن ثم فهو قرار سليم مطابق للقانون ولا عيب فيه وتكون ذلك دعوى المدعى بطلب الغائه غير قائمة على أساس سليم من القانون حقيقة بالرفض واذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهبا مخالفا فانه يكون قد جانب الصواب ويتعين لذلك القضاء بالغائه وبرفض دعوى المدعى مع الزامه بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعى بالمصروفات.