مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثانى (من منتصف فبراير سنة 1967 الى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 1039

(113)
جلسة 13 من مايو سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخارى وعبد الستار عبد الباقى آدم ويوسف ابراهيم الشناوى وعباس فهمى محمد بدر المستشارين.

القضية رقمى 880 لسنة 9 القضائية و1048 لسنة 10 القضائية

( أ ) موظف. "تكليف".
التكليف بعمل وظيفة عامة - أداة استثنائية للتعيين فى الوظائف العامة - طبيعته وآثاره.
(ب) دعوى. "دعوى الالغاء. الاجراءات السابقة على رفعها" دعوى بطلب الغاء قرار بالتكليف - لا يشترط وجوب التظلم من القرار قبل رفعها.
(ج) دعوى الالغاء. طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه موظف "تكليف". طلب وقف تنفيذ قرار بالتكليف - جائز قانونا - أساس ذلك.
1 - انه ولئن كان التكليف - حسبما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أداة استثنائية للتعيين فى الوظائف العامة فاذا ما تم شغل المكلف للوظيفة العامة بمقتضى تلك الأداة طبقا للأوضاع والشروط المنصوص عليها فى القوانين واللوائح الصادرة فى هذا الشأن يصبح ملتزما بالقيام بأعباء الوظيفة وواجباتها مستفيدا من مزاياها طوال مدة التكليف - لئن كان ذلك الا أن للتكليف نظامه القانونى الخاص به اذ هو مؤقت بطبيعته وينطوى على مساس بحرية المكلف فى العمل بالزامه بتأدية ما يكلف به من مهام وظيفية دون اعتداد برضائه وقبوله أو عدم قبوله للتكليف فان امتنع عن تأديتها استهدف للعقوبات المنصوص عليها فى القانون رقم 296 لسنة 1956.
2 - اذ كان التكليف مستقلا بنظامه القانونى الذى يتميز به عن التعيين فى كيانه وآثاره فانه لا يخضع للتظلم الوجوبى الذى جعله المشرع شرطا لقبول طلب الغاء القرارات الخاصة بالموظفين العموميين المنصوص عليها على سبيل الحصر فى البنود الثالث والرابع والخامس من المادة 8 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة.
3 - ما دامت قرارات التكليف لا تعتبر قانونا من القرارات التى لا يقبل طلب الغائها قبل التظلم منها اداريا فانه لا يسرى عليها حكم الفقرة الثانية من المادة 21 من القانون المشار اليه بل يكون من الجائز طلب وقف تنفيذها متى توافر فيها ركنا هذا الطلب وهما الاستعجال وقيام أسباب جدية تحمل على ترجيح الغاء القرار موضوع هذا الطلب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل فى أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الادارى فى 11 من ديسمبر سنة 1962 أقام المهندس عادل أمين مرعى الدعوى رقم 350 لسنة 12 القضائية ضد السيد وزير المواصلات قال فيها أنه فى منتصف عام 1956 تخرج من كلية الهندسة بجامعة الاسكندرية (قسم الميكانيكا - تخصص هندسة السيارات) بدرجة جيد جدا - وجند عقب تخرجه مباشرة فى سلاح الصيانة بالقوات المسلحة حتى أول فبراير سنة 1958 ثم التحق بعمل فنى فى شركة شل بمرتب بلغ ستين جنيها شهريا حتى يونيو سنة 1960 اذ أبلغت مصلحة الطرق والكبارى الشركة بترشيحه للتكليف بالعمل لديها على مقتضى القانون رقم 296 لسنة 1956 طالبة منها اخلاء طرفه والتنبيه عليه بتسلم العمل المشرح له وبناء على ذلك فصلته الشركة وتسلم العمل فى المصلحة منذ 11 من أكتوبر سنة 1960 بمكافأة شهرية قدرها ثلاثة وعشرون جنيها - وفى 29 من يوليو سنة 1960 أصدر وزير المواصلات القرار رقم 17 بتكليفه بالعمل بالمصلحة المذكورة لمدة سنتين ابتداء من 11 من أكتوبر سنة 1960 تاريخ استلامه العمل فيها وظل قائما بعمله هذا الى أن أنتهت مدة التكليف فى 10 من أكتوبر سنة 1962 دون تجديد ومن ثم كتب فى اليوم التالى الى وزارة المواصلات ومصلحة الطرق والكبارى راجيا اعطاءه شهادة بخلو طرفه من التكليف حتى يتمكن من الألتحاق بالعمل الذى أختاره لنفسه بعد أن أدى لبلده واجب الخدمة العسكرية وواجب الخدمة المدنية فتلقى فى أول نوفمبر سنة 1962 كتابا من المصلحة تبلغه به صورة قرار صدر من وكيل وزارة المواصلات نيابة عن الوزير فى 21 من أكتوبر سنة 1962 رقم 77 بتجديد تكليفه بالعمل بمصلحة الطرق والكبارى لمدة سنتين آخريين ابتداء من 11 من أكتوبر سنة 1962 وهو قرار باطل لتخلف ركن المحل فيه ذلك أن المادة 3 من القانون رقم 296 لسنة 1956 تنص على أن (يصدر الوزير المختص أو من ينيبه أمر تكليف الى الخريجين الذين رشحتهم اللجنة المنصوص عليها فى المادة 2 للعمل فى الوظائف التى عينتها ويكون هذا الأمر نافذا لمدة سنتين قابلة للامتداد) - والامتداد الذى يرد على مدة التكليف المحددة أصلا فى القانون لا يتصور عقلا - فى عبارة النص ومعناه - الا اذا أفصح الوزير عن ارادته فى الامتداد قبل نهاية المدة فاذا أنتهت أمتنع امتدادها وانقضى بأنتهائها أثر أمر التكليف وعاد للمكلف كامل حريته فى العمل بعد أن أدى ما ألزمه به القانون من عمل أجبارى ثم أن مدة التكليف هى محل قرار الوزير بالامتداد وبانقضائها لا يكون ثمة محل للقرار ومن ثم كان قرار تجديدها - والمقصود امتدادها - غير قائم على محله ما لم يكن المقصود تكليفا مكررا ولا خلاف فى أنه ليس كذلك، هذا الى أن تكرر التكليف غير جائز فى حكم القانون رقم 296 لسنة 1956، وتنفيذ قرار الامتداد بعد انتهاء مدة التكليف وبحكم مساسه بحرية العمل وهى من الحريات الشخصية المكفولة للفرد تترتب عليه نتائج يتعذر تداركها مما يبرر وقف تنفيذه مؤقتا - وانتهى المدعى الى طلب الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه والغائه وما يترتب عليه من آثار مع الزام المدعى عليه فى الحالين بالمصروفات كافة.
وأجابت الوزارة على الدعوى بمذكرة قالت فيها أن المدعى كلف بالعمل بمصلحة الطرق والكبارى بوزارة المواصلات بموجب كتاب الوزارة المؤرخ فى 13 من سبتمبر سنة 1956 ولما كان مجندا منذ 30 من يوليو سنة 1956 على قوة سلاح الصيانة فانه لم ينفذ أمر التكليف حتى بعد انتهاء خدمته العسكرية فى أول فبراير سنة 1958 والتحق بالشركة المصرية لمصانع النحاس بالاسكندرية التى طلبت الموافقة على التحاق المدعى بها ولكن الوزارة رفضت وطلبت من الشركة تكلفيه بتقديم نفسه لمصلحة الطرق والكبارى فردت الشركة بكتابها المؤرخ 25 من فبرار سنة 1960 بأن المدعى استقال اعتبارا من أول أبريل سنة 1959 - ثم ألتحق المدعى بشركة شل التى طلبت أبقاءه فى خدمتها ولكن الوزارة رفضت فقدم المدعى نفسه للمصلحة فى 11 من أكتوبر سنة 1960 - وفى 29 من يوليو سنة 1961 صدر القرار الوزارى رقم 17 بتكليفه بالعمل بمصلحة الطرق والكبارى لمدة سنتين اعتبارا من 11 من أكتوبر سنة 1960 تاريخ استلامه العمل وطلبت منه تقديم مسوغات تعيينه لاصدار قرار تعيينه فى الدرجة السادسة الفنية الكادر العالى ولكنه تقدم بطلب فى 25 من أبريل سنة 1961 بعدم رغبته فى التعيين فأشر على الطلب فى 15 من مايو سنة 1961 بمراعاة تجديد التكليف كل سنتين من تاريخ استلام المدعى العمل وبناء على ذلك صدر القرار الوزارى رقم 77 فى 21 من أكتوبر سنة 1962 بتجديد تكليف المدعى سنتين آخريين أعتبارا من 11 من أكتوبر سنة 1962 وما كان له أن يترك عمله فى ذلك التاريخ قبل أن تخلى جهة الادارة طرفه اذ التكليف صالح للعمل لمدة سنتين قابلة للامتداد وليس لادارة المكلف دخل فى الأمتداد بل أمره متروك لجهة الادارة وحدها فى نطاق سلطتها التقديرية وواضح من رفض الوزارة السماح له بالعمل فى شركة مصانع النحاس ثم شركة شل ومن التنبيه الى مراعاة تجديد تكلفيه على الطلب الذى أبدى فيه عدم رغبته فى التعيين أنها تقطع فى أنها أفصحت عن نيتها فى تجديد التكليف وأنها تتمسك بخدمات المدعى وحاجتها اليه واذ كان كل ذلك قد تم خلال مدة التكليف الأولى فان تجديد التكليف يكون قد تم فى الميعاد القانونى ولا يهم بعد ذلك أن يكون قرار الادارة الكاشف عن نيتها فى تجديد التكليف قد صدر بعد الميعاد ببضعة أيام ولذلك يكون قرار تجديد التكليف قد صدر خلال مدة التكليف الأولى ويعتبر صحيحا ومتفقا مع أحكام القانون وانتهت الوزارة الى طلب الحكم برفض الدعوى والزام المدعى بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وعقب المدعى على مذكرة الوزارة بمذكرة قال فيها أن الأوراق التى تستشهد بها على ظهور نيتها فى امتداد مدة التكليف سابقة فى تاريخها على القرار الذى صدر فى 21 من يوليو سنة 1961 بتكليفه لمدة سنتين ابتداء من 11 من أكتوبر سنة 1960 تاريخ التحاقه فعلا بالعمل المكلف به فدلالة تلك الأوراق بطبيعة سبقها لصدور أمر التكليف مقصورة على اتجاه نية الوزارة لاصدار ذلك الأمر لا امتداده - أما الذى يصلح دليلا على ظهور النية فى الامتداد فهو أوراق تكون لاحقه على صدور أمر التكليف وملفه خال من أية ورقة لاحق تاريخها على صدور أمر التكليف تنبئ عن نية مده.
ومن حيث ان الحكمين المطعون فيهما قد أقاما قضاءهما بوقف تنفيذ القرار الصادر بمد تكليف المدعى على أن عدم اخلاء طرفه بعد انتهاء فترة التكليف الأول لا يمكن اعتباره بمثابة قرار بالتجديد لأنه يجب حتى يحدث القرار الادارى أثره أن تفصح الادارة عن ارادتها فان هى سكتت فالأصل أن يفسر هذا السكوت على أنه بمثابة قرار بالرفض أما التأشير الذى تستند اليه فى التدليل على أنها قد كشفت عن نيتها فى مراعاة تجديد التكليف فى الميعاد فلا يعتد به ذلك أن الرغبة التى يعتد بها فى الكشف عن هذه الارادة على الوجه الذى يحدث أثره القانونى هى التى تظهر فى الوقت المناسب لاصدار القرار أى فى الوقت الذى تتوافر فيه الأسباب والدواعى التى تثير اصداره وعندئذ فقط يصدر رجل الادارة المختص أو على الأقل يفكر وتتجه ارادته حسب الظروف القائمة فى هذا الوقت الى اصدار القرار أو عدم اصداره وذلك أولى بالاتباع اذا تعلق الأمر بقرار هو استثناء وقيد على مبدأ حرية العمل والثابت فى الأوراق ان مشروع قرار مد فترة التكليف قد صدر فى 15 من أكتوبر سنة 1962 وأن قرار المد صدر فى 21 من أكتوبر سنة 1962 فكلاهما وقعا بعد انتهاء فترة التكليف الأول ليكون القرار قد صدر باطلا لوقوعه على غير محل.
ومن حيث ان الطعن فى الحكمين يقوم على:
(1) أن الوزارة بمطالبتها للمدعى بتقديم مسوغات تعيينه وبرفضها الموافقة على بقائه فى خدمة الشركة المصرية لمصانع لنحاس وبالتأشير على الأوراق عندما أفصح عن عدم رغبته فى التعيين بضرورة تجديد تكلفيه - هذه القرائن جميعها تقطع فى الدلالة على أن جهة الادارة قد أفصحت عن نيتها فى مد تكلفيه.
(2) أن ما ذهبت اليه المحكمة من أن التأشير على الأوراق بمراعاة مد تكليف المدعى سابق على التكليف الصادر فى 29 من يوليو سنة 1961 مخالف للواقع اذ أن أمر التكليف الأول ولو أنه صدر فى ذلك التاريخ الا أنه عمل به من 11 من أكتوبر سنة 1960 تاريخ استلام المدعى العمل بالمصلحة وكان التأشير فى 15 من مايو سنة 1961 بمراعاة تجديد التكليف لاحقا على هذه الواقعة - هذا فضلا عن أن أمر التكليف الأول قد صدر فى 13 من سبتمبر سنة 1956 عقب تخرج المدعى مباشرة فتكون الوزارة قد أظهرت نيتها فى امتداد تكليف المدعى قبل انتهاء مدة السنتين ولا تثريب عليها ان هى أصدرت قرارها بمد التكليف بعد انتهاء مدة التكليف الأولى بمدة وجيزة وبذلك يكون القرار المطعون فيه الصار فى 21 من أكتوبر سنة 1962 بمد تكليف المطعون ضده للعمل بمصلحة الطرق والكبارى لمدة سنتين اعتبارا من 11 من أكتوبر سنة 1962 قد صدر سليما ومتفقا مع أحكام القانون.
ومن حيث ان الوزارة قد أودعت مذكرتين بدفاعها انتهت فيهما الى طلب الحكم بالغاء الحكمين المطعون فيهما والحكم:
أولا - فى الطعن رقم 880 لسنة 9 القضائية أصليا: بعدم جواز طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه واحتياطيا: بعدم قبول هذا الطلب لعدم سابقة التظلم من القرار المذكور - وعلى سبيل الاحتياط الكلى برفض هذا الطلب لانتفاء ركن الاستعجال ولمشروعية القرار.
وثانيا - فى الطعن رقم 1048 لسنة 10 القضائية. أصليا: بعدم قبول طلب الغاء القرار المطعون لعدم سابقة التظلم منه. واحتياطيا: برفض طلب الغائه لمشروعيته ومطابقته للقانون مع الزام المطعون ضده فى أية حال بالمصروفات ومقابل أتعال المحاماة - وبنت دفعها بعدم جواز وقف تنفيذ قرار تجديد التكليف على أن قرارات التكليف تدخل فى عموم قرارات التعيين التى جعل قانون مجلس الدولة التظلم منها وجوبيا وحظرت الفقرة الثانية من المادة 21 من القانون رقم 55 لسنة 1959 طلب وقف تنفيذها - كما بنت دفعها بعدم قبول الدعوى على أن المادة 12 من القانون المذكور أوجبت التظلم اداريا من قرارات التعيين قبل رفع الدعوى بالغائها ورتبت على اغفال هذا التظلم عدم قبول طلب الالغاء - وأضافت الى ما تضمنه تقرير الطعن فى شأن موضوع الدعوى أن المطعون ضده ولئن كان قد تقدم الى المصلحة فى 11 من أكتوبر سنة 1960 الا أنه لم يتسلم العمل ويباشره فعلا الا منذ 18 من أكتوبر سنة 1960 وقد أعد القرار الخاص بتجديد التكليف منذ 15 من أكتوبر سنة 1962 وسبقته اعلانات عديدة ومؤكدة لتمسك جهة الادارة بالمطعون ضده ورغبتها فى استمراره فى العمل وما القرار الادارى الا تعبير الادارة عن ارادتها الملزمة بمقتضى القوانين واللوائح ولا يلزم فى التعبير أن يكون مفرغا ومصاغا فى قالب معين وقد عبرت جهة الادارة عن رغبتها الأكيدة فى تجديد التكليف منذ 15 من مايو سنة 1961 بل قبل هذا التاريخ وبعده وكان رفضها اعطاء المطعون ضده خلو الطرف الذى طلبه فى 11 من أكتوبر سنة 1962 تعبيرا عن هذه الارادة التى سبق اعلانها وصدور القرار الشكلى الصائغ لهذه الارادة فى 21 من أكتوبر سنة 1962 لا يؤدى الى القول بعدم سلامة قرار التجديد - وذلك بالاضافة الى أنه بفرض أن قرار التجديد قد صدر بعد انتهاء السنتين فان صدوره بعد فترة وجيزة من انتهائها أمر لا تثريب على جهة الادارة فيه مع كثرة الشواهد التى دلت على ظهور نيتها فى التجديد من قبل.
ومن حيث ان المدعى قد عقب على الطعنين بمذكرتين قال فى أولاهما: انه اذا كان من الجائز مد التكليف بعد انتهاء مدته الأصلية بفترة وجيزة اذا كانت الجهة الادارية قد أفصحت عن نيتها فى الامتداد قبل نهايتها فان هذا الشرط لم يتوافر فى الخصوصية المعروضة لأن ما اعتبرته وزارة المواصلات من قبيل افصاحها عن هذه النية انما كان سابقا على صدور قرار التكليف بالمدة الأصلية أما قول الوزارة بأن هذا الافصاح كان لاحقا لكتابها المؤرخ فى 13 من سبتمبر سنة 1957 الى مصلحة الطرق والكبارى بتكليف المدعى العمل فيها لأول مرة فمردود بأن ذلك التكليف الأول ما عاد له وجود بعد أن استبدل به لعدم تنفيذه تكليف 29 من يوليو سنة 1961 والافصاح عن النية فى الامتداد لا يمكن أن يكون الا بعمل يصدر خلال مدة هذا التكليف لأنها وهى وحدها محل القرار بالامتداد - أما تشبيه قرارات التعيين من حيث انسحاب المركز الشرطى الخاص بالموظف المعين على الموظف المكلف فانه ليس من شأنه اهمال الفارق الجوهرى بين التعيين والتكليف من جهة أن رضاء الموظف المعين شرط لهذا الانسحاب على خلاف الحال فى خصوص الموظف المكلف ولهذا الفارق شأنه فى التمييز بين التعيين والتكليف من حيث انعدام تعذر تدارك نتائج التنفيذ فى الحالة الأولى وتحقق تعذر تداركها فى الحالة الثانية ذلك أن التكليف يمس حرية العمل والمساس باحدى الحريات الشخصية أمر بطبيعته يتعذر تداركه وبذلك يكون شرط الاستعجال الذى ببرر وقف تنفيذ القرارات متوافرا - وأضاف المدعى فى مذكرته الثانية أن قرار امتداد التكليف يختلف عن قرار التكليف فى طبيعته وأن طعنه على القرار المذكور يقوم على أسباب جدية اذ لا عبرة بما ذكرته الوزارة من أنها أظهرت نيتها فى امتداد التكليف قبل انتهاء مدته اذ من التصرفات التى استشهدت بها ما كان قبل 11 من أكتوبر سنة 1960 تاريخ بدء مدة التكليف - أما اعداد مشروع قرار الامتداد فى 15 من أكتوبر سنة 1961 وامتناع مصلحة الطرق عن تسليمه شهادة خلو طرف فانهما لم يحدثا قبل انتهاء مدة التكليف أما تأشير الوزارة فى 15 من مايو سنة 1961 على طلب المدعى الاعفاء من التكليف فهو وان كان قد حصل قبل انتهاء مدة التكليف الأصلية الا أنه لا يصلح مظهرا لنية الامتداد لأنه كان قبل انتهاء تلك المدة بنحو سنة وخمسة أشهر ونية الامتداد وليدة الحاجة الى خدمة المكلف وهذه الحاجة لا تظهر قبل انتهاء مدة التكليف بهذه الفترة الطويلة من الزمن - كما أن عبارة التأشير لم تقتصر على رفض الطلب بل تعدته الى مد مدة التكليف وتكراره تعبيرا عن تبرم الوزارة بالحاح المدعى فى طلب اعفائه من التكليف.
ومن حيث انه يبين من الرجوع الى الأوراق أنه عقب تخرج المدعى من كلية الهندسة بجامعة الاسكندرية فى سنة 1956 كلف بالعمل بمصلحة الطرق والكبارى وفقا لأحكام القانون رقم 296 لسنة 1956 فى شأن أوامر التكليف للمهندسين المصريين خريجى الجامعات المصرية ولكن هذا التكليف لم ينفذ بسبب تجنيده - وبعد انتهاء خدمته العسكرية فى فبراير سنة 1958 التحق بالعمل فى الشركة المصرية لمصانع النحاس بالاسكندرية ثم فى شركة شل وطلبت كل من الشركتين اعفاءه من التكليف ولكن المصلحة لم تستجب لأى منهما وطلبت تكليفه بالتقدم لاستلام العمل بها - وقد استلم المدعى العمل بالمصلحة فى 11 من أكتوبر سنة 1960 وطولب بتقديم مسوغات تعيينه فرفض تقديمها مبديا عدم رغبته فى التعيين بالدرجة السادسة فأشر على الأوراق فى 12 من مارس سنة 1961 بأن (يراعى تجديد تكليفه قبيل مضى السنتين) - ثم تقدم باقرار مؤرخ 5 من أبريل سنة 1961 مؤكدا عدم رغبته فى التعيين بالدرجة السادسة أشر عليه فى 15 من مايو سنة 1961 بأن (يراعى تجديد تكليفه كل سنتين من تاريخ استلامه العمل) - وفى 29 من يوليو سنة 1961 صدر القرار الوزارى رقم 17 بتكليفه للعمل بالمصلحة لمدة سنتين اعتبارا من 11 من أكتوبر سنة 1960 تاريخ استلامه العمل - وفى اليوم التالى لانتهاء هذه المدة أى فى 11 من أكتوبر سنة 1962 تقدم بطلب الى وزير المواصلات لاعطائه شهادة اخلاء طرف من التكليف وفى 15 من أكتوبر سنة 1962 أعد مشروع قرار وزارى بتجديد تكليفه لمدة سنتين اعتبارا من 11 من أكتوبر سنة 1962 وبينت المصلحة فى كتابها المرسل الى الوزارة لاستصدار هذا القرار أنها فى أشد الاحتياج للمهندسين حتى يتسنى لها تنفيذ الأعمال الموكولة اليها - وصدر القرار فعلا برقم 77 فى 21 من أكتوبر سنة 1962 وأعلن الى المدعى فى أول نوفمبر سنة 1962 فأقام دعواه طالبا وقف تنفيذه والغائه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الادارى فى 11 من ديسمبر سنة 1962.
ومن حيث ان الدفعيين بعدم قبول الدعوى وبعدم جواز طلب وقف التنفيذ يقومان على أن قرارات التكليف تدخل فى عموم قرارات التعيين التى لا يقبل طلب الغائها قبل التظلم منها اداريا.
ومن حيث انه ولئن كان التكليف - حسبما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أداة استثنائية للتعيين فى الوظائف العامة فاذا ما تم شغل المكلف للوظيفة العامة بمقتضى تلك الأداة طبقا للأوضاع والشروط المنصوص عليها فى القوانين واللوائح الصادرة فى هذا الشأن - يصبح ملتزما بأعباء الوظيفة وواجباتها مستفيدا من مزاياها طوال مدة التكليف لئن كان ذلك الا أن للتكليف نظامه القانونى الخاص به اذ هو مؤقت بطبيعته وينطوى على مساس بحرية المكلف فى العمل بالزامه بتأدية ما يكلف به من مهام وظيفية دون اعتداد برضائه وقبوله أو عدم قبوله للتكليف فان امتنع عن تأديتها استهدف للعقوبات المنصوص عليها فى القانون رقم 296 لسنة 1956 والتى قد تصل الى الحبس مدة ستة أشهر - ولقد نظم هذا القانون اجراءات التظلم من التكليف اذ كانت المادة الرابعة منه تنص على أن (لكل من صدر الأمر بتكليفه أن يعارض فيه خلال أسبوع من تاريخ اعلانه به وذلك بطلب يقدم الى الوزير الآمر الذى يفصل فيه بصفة انتهائية...) ثم بعد تعديل هذه المادة بمقتضى القانون رقم 74 لسنة 1964 أصبحت الجهة التى تقدم اليها المعارضة هى اللجنة المنصوص عليها فى المادة الثانية من القانون وتفصل فيها (بقرار نهائى) - واذ كان التكليف مستقلا بنظامه القانونى الذى يتميز عن التعيين فى كيانه وآثاره فانه لا يخضع للتظلم الوجوبى الذى جعله المشرع شرطا لقبول طلب الغاء القررات الخاصة بالموظفين العموميين المنصوص عليها على سبيل الحصر فى البنود الثالث والرابع والخامس من المادة 8 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة وما دامت قرارات التكليف لا تعتبر قانونا من القرارات التى يقبل طلب الغائها قبل التظلم منها اداريا فانه لا يسرى عليها حكم الفقرة الثانية من المادة 21 من القانون المشار اليه بل يكون من الجائز طلب وقف تنفيذها متى توافر فيها ركنا هذا الطلب وهما الاستعجال وقيام أسباب جدية تحمل على ترجيح الغاء القرار موضوع هذا الطلب.
ومن حيث انه ولئن كان من السائغ طلب وقف تنفيذ قرار التكليف من الناحية الشكلية ولترتب نتائج ضارة بناء على التنفيذ قد يتعذر تداركها بسبب المساس بحرية المدعى فى العمل الا أنه فى خصوص قرار التكليف مثار هذا الطلب اذا تبين أنه لا تتوافر فى شأنه أسباب تحمل على ترجيح الغائه لاستناد التكليف فى موضوعه الى أساس مكين من القانون والواقع كما سيأتى بعد، فان الحكم المطعون فيه (بالطعن رقم 880 لسنة 9 القضائية) الصادر بوقف التنفيذ بناء على توافر أحد شرطيه فحسب يكون غير سليم ويتعين من ثم القضاء بالغائه ووجه الخطأ انه ما كان ينبغى قانونا الاقتصار على الاعتداد بركن الاستعجال فى طلب الوقف، دون اعتبار بمدى ما يتسم به هذا الطلب من جدية.
ومن حيث انه لذلك يكون الدفع بعدم قبول دعوى المدعى لعدم تظلمه من القرار الصادر بعد مدة تكليفه غير قائم على أساس صحيح متعين الرفض.
ومن حيث أن المستفاد من الأوراق أن حاجة مصلحة الطرق والنقل البرى الى المهندسين - ومن بينهم المدعى - كانت تقتضى الابقاء على الموجودين منهم فى الخدمة حتى لا يتعطل تنفيذ المشروعات المعهود بها اليها لذلك انصرفت نيتها بعد تكليف المدعى للعمل بها ابتداء من 11 من أكتوبر سنة 1960 الى استبقائه فى الخدمة بعد انتهاء سنتى التكليف فعرضت عليه فى مارس سنة 1961 أن يتم ذلك برضائه عن طريق تعيينه فى الدرجة السادسة فلما رفض أظهرت نيتها فى اطالة خدمته وذلك بالتأشير على الأوراق فى 22 من مارس ثم فى 15 من مايو سنة 1961 بأن يراعى مد تكليفه كل سنتين من تاريخ استلامه العمل كما أنها لم تجبه الى طلب اخلاء طرفه الذى تقدم به فى 21 من أكتوبر سنة 1962 أى فى اليوم التالى لانتهاء مدة تكليفه واتخذت الاجراءات اللازمة لاستصدار قرار وزارى بمد مدة هذا التكليف عقب انتهاء تكليفه بفترة وجيزة.
ومن حيث انه وقد أظهرت الجهة الادارية المختصة نيتها فى مد مدة تكليف المدعى قبل انتهائها على الوجه السابق بيانه بسبب حاجتها الشديدة الى خدمات المهندسين التى ظلت قائمة لم يطرأ عليها تغيير طوال تلك المدة فانه لا تثريب على الوزارة إن هى أصدرت قرارها المطعون فيه فى 21 من أكتوبر سنة 1962 أى بعد انتهاء مدة تكليف المدعى بفترة وجيزة وليس من شأن ذلك أن يؤثر فى سلامة هذا القرار.
ومن حيث انه لذلك تكون الدعوى بشقيها على غير أساس سليم من القانون متعينا رفضها واذ ذهب الحكمان المطعون فيهما غير هذا المذهب فانهما يكونان قد جانبا الصواب الأمر الذى يتعين معه الغاؤهما والقضاء برفض الدعوى بشقيها مع الزام المدعى بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا وفى موضوعهما بالغاء الحكمين المطعون فيهما وبرفض الدعوى بشقيها وألزمت المدعى بالمصروفات.