مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) - صـ 556

جلسة 11 من مارس سنة 1948

برياسة حضرة محمد المفتى الجزايرلى بك وكيل المحكمة وحضور حضرات: مصطفى مرعى بك ومحمد صادق فهمى بك وأحمد حلمى بك وعبد الرحيم غنيم بك المستشارين.

(282)
القضية رقم 117 سنة 16 القضائية

صحافة. القانون رقم 10 سنة 1941. عقد استخدام الصحفيين. هذا العقد هو عقد استخدام مشترك. اللائحة الموضوعة له من مجلس النقابة ليست تشريعاً، لا يلزم نشرها للعمل بأحكامها. يعمل بها من يوم التصديق عليها من لجنة الجدول.
إن القانون رقم 10 لسنة 1941 الصادر بإنشاء نقابة الصحفيين - إذ قرر فى المادة 8 منه أن الذى يدير شؤون النقابة مجلس مؤلف من اثنى عشر عضواً تنتخبهم الجمعية العمومية لأعضاء النقابة، ستة من مالكى الصحف وستة من المحررين، وإذ خول فى المادة 24 منه هذا المجلس وضع لائحة بالقواعد الخاصة بعقد استخدام الصحفيين لا تسرى أحكامها إلا على أعضاء النقابة - لم يرد أن يفوض مجلس النقابة فى تقنين قواعد عقد الاستخدام الصحفى وإصدار تشريع بها وإنما أراد أن يكون لاستخدام الصحفى عقد مشترك مصدره إرادتا طرفين اثنين: مالكى الصحف الذين يكونون أعضاء فى النقابة، ومحرريها أعضاء النقابة، وأن يكون مجلس النقابة المنتخب من الملاك والمحررين وكيلاً عن الفريقين فى وضع لائحة بشروط هذا العقد، ويكون هذا العقد سارياً على من ينضم فى المستقبل إلى النقابة. وليس يغير من هذا الاعتبار أن القانون قد أوجب لنفاذ اللائحة أن تصدق عليها لجنة الجدول، فإن هذه اللجنة ليس لها إنشاء اللائحة ولا تعديلها، وعملية التصديق المنوطة بها ليست إلا مراجعة فنية لعمل مجلس النقابة. ولذلك فإن نشر هذه اللائحة لا يكون واجباً للعمل بها، وجوبه للعمل بالتشريع، بل حكمها يسرى من يوم التصديق عليها ويجرى على حالات الاستخدام التى تكون قائمة فى ذلك اليوم.


الوقائع

أقام المطعون عليه الدعوى رقم 532 سنة 1945 على الطاعنة أمام محكمة مصر الابتدائية بأنه اشتغل محرراً بصحيفة الأهرام من أول نوفمبر سنة 1916 واستمر فى خدمتها حتى فوجئ فى 17 من يوليو سنة 1944 أثناء مرضه بخطاب من إدارته الصحفية المذكورة يتضمن فصله لانقطاعه عن عمله منذ 5 من مارس سنة 1944 فطلب صرف مكافأته على الأساس الذى نصت عليه المادة 15 من لائحة عقد استخدام الصحفيين مع نفقات علاجه من مرض ذات الرئة الذى اعتراه بسبب إجهاد نفسه فى العمل بالصحيفة المذكورة. ولما لم تجبه إدارتها إلى طلبه لجأ إلى نقابة الصحفيين فردت عليه بأنها لم تستطع التوفيق بينه وبين إدارة الصحيفة، وأذنته فى رفع أمره إلى القضاء على أساس اللائحة المشار إليها. ولذلك طلب الحكم بإلزام الطاعنة بصفتها بأن تدفع إليه مبلغ 692 جنيهاً و705 مليمات مكافأة له عن مدة خدمته التى بلغت 27 سنة و8 أشهر و15 يوماً من أول نوفمبر سنة 1916 حتى 17 من يوليو سنة 1944 ومبلغ 200 ج نفقات علاجه مع المصروفات الخ.
دفعت الطاعنة الأساس المقامة عليه الدعوى بأن القانون الواجب تطبيقه فيها هو القانون العام بنصوصه الخاصة بإجارة الأشخاص، لا أحكام لائحة الصحفيين، ولا قانون العمل الفردى لأنهما لم يصبحا قانونين إلا فى تاريخ تال لاستخدام المطعون عليه، وبأن الطاعنة ليست عضواً فى النقابة فلا تسرى عليها لائحة الصحفيين، وبأنه ليس لدى المطعون عليه عقد محرر بينه وبين مالكى الصحيفة حتى يحق له الاستفادة من هذه اللائحة، وبأن مجلس النقابة تجاوز فى وضعها نطاق تفويضه إذ ضمنها أحكاماً خاصة بمنح مكافأة للصحفى عند انتهاء عقده فى حين أن القانون رقم 10 لسنة 1941 إنما فوضه فى وضع قواعد خاصة بالتعويضات التى تستحق للصحفى عند فسخ عقده وفقاً لأحكام القانون العام.
وفى 10 من ديسمبر سنة 1945 قضت محكمة أول درجة بإلزام الطاعنة بصفتيها بأن تدفع إلى المطعون عليه من تركة مورثها المرحوم جبرائيل تقلا باشا مبلغ 692 جنيهاً و705 مليماً والمصروفات المناسبة ومبلغ 600 قرش أتعاب محاماة وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات بانية حكمها على أن اللائحة تسرى على عقد المطعون عليه لأنه فسخ فى تاريخ لاحق لنفاذها، وأن الدعوى رفعت على الطاعنة بصفتها أرملة المرحوم جبرائيل تقلا باشا ووصية على قصره، وكان مورثها المذكور عضواً بالنقابة وهى بصفتها خلفاً عاماً له متسلطة على أموال الصحيفة، وأن الكتابة ليست ركناً من أركان عقد استخدام المطعون عليه، ومتى كانت الطاعنة مقرة بأنه كان محرراً بالجريدة فلا يهم عدم وجود عقد مكتوب لديه، وأن مجلس النقابة لم يتجاوز نطاق تفويضه لأنه لا فرق بين المكافأة والتعويض إذ هما لفظان مترادفان. ثم انتهت إلى القول بأن المطعون عليه يستحق بحسب اللائحة مكافأة شهر عن كل سنة من سنى خدمته ورفضت طلب نفقات علاجه لأنه لم يقدم الدليل على أن مرضه كان سببه المباشر عمله بالصحيفة.
استأنفت الطاعنة هذا الحكم. واستأنفه المطعون عليه طالباً الحكم له بما لم تقض له به محكمة أول درجة. وفى 13 من يونيه سنة 1946 قضت محكمة الاستئناف برفض الاستئنافين وبتأييد الحكم المستأنف أخذاً بأسبابه وأضافت إليها، رداً على أوجه استئناف الطاعنة، أن المادة السادسة والعشرين من الدستور لا تستلزم النشر بالجريدة الرسمية إلا للقوانين فلا يترتب على عدم نشر لائحة الصحفيين عدم سريانها على الطاعنة، وأن هذه اللائحة أصبحت نافذة من تاريخ تصديق لجنة الجدول والتأديب عليها فى 23 من نوفمبر سنة 1943 ومتى كان المطعون عليه قد فصل بعد هذا التاريخ فيكون محقاً فى التمسك بنصوصها.
وفى 7 من أغسطس سنة 1946 طعنت بطريق النقض فى هذا الحكم الخ الخ.


المحكمة

ومن حيث إن أسباب الطعن تتحصل فى أن الحكم المطعون فيه إذ أعمل فى الدعوى أحكام لائحة عقد استخدام الصحفيين التى وضعها مجلس نقابتهم بموجب المادة 24 من القانون رقم 10 لسنة 1924 جاء خاطئاً من أربعة أوجه: (الأول) أن هذه اللائحة لم تنشر بالجريدة الرسمية إلا بعد صدور الحكم، والنشر واجب وفقاً للمادة 26 من الدستور لنفاذ أى تشريع رئيسياً كان أو فرعياً، لا فرق فى ذلك بين القوانين واللوائح. و(الثانى) أن الحكم الوارد فى المادة 9 من اللائحة باستحقاق الصحفى عند انتهاء عقده مكافأة تحسب على أساس شهر عن كل سنة من جميع سنى خدمته هو حكم خارج عن نطاق السلطة المخولة لمجلس النقابة بموجب التفويض التشريعى المقرر فى المادة 24 من القانون السالف الذكر بوضع لائحة بالقواعد الخاصة بعقد استخدام الصحفيين وللتعويضات التى تستحق لهم عند فسخ العقد وفقاً لأحكام القانون العام. ذلك أن التعويض لا يستحق بمقتضى أحكام القانون العام إلا على أساس وقوع خطأ فى فسخ العقد من جانب رب العمل، فما كان يملك مجلس النقابة أن يتجاوز تقرير التعويض عند فسخ العقد إلى منح مكافأة عند انقضائه أياً كان سبب هذا الانقضاء. و(الثالث) أن اللائحة المذكورة لا تسرى أحكامها على عقد استخدام المطعون عليه لأنه سابق على تاريخ إصدارها لكن الحكم أعملها فى الدعوى قولاً بأن فصله وقع فى 17 من يوليه سنة 1944 بعد تاريخ نفاذها اعتباراً من 23 من نوفمبر سنة 1943. وهذا خطأ لأن العقد يخضع للقانون الذى كان سارياً وقت انعقاده لا وقت انتهائه. و(الرابع) أن الحكم خالف اللائحة نفسها إذ قال إن الكتابة ليست ركناً من أركان عقد استخدام المطعون عليه مع أن الكتابة تصبح لازمة لانعقاد العقد إذا أوجبها القانون. وقد أوجبت المادة الأولى من اللائحة عمل عقد استخدام بين الصحفيين ومالك الصحيفة، ولما كان هذا العقد الذى اشترطته اللائحة لتطبيق أحكامها عليه غير موجود كانت الصلة بين الطرفين خاضعة لأحكام القانون العام لا اللائحة.
ومن حيث عن الوجه الأول فان القانون رقم 10 لسنة 1941 الصادر بإنشاء نقابة الصحفيين قرر فى المادة 8 منه أن الذى يدير شؤونها مجلس مؤلف من اثنى عشر عضواً تنتخبهم الجمعية العمومية لأعضاء النقابة: ستة من مالكى الصحف وستة من المحررين، ثم خول فى المادة 24 مجلس النقابة هذا وضع لائحة بالقواعد الخاصة بعقد استخدام الصحفيين لا تسرى أحكامها إلا على أعضاء النقابة، فهو بذلك يكون قد دل على أنه إنما أراد أن يكون لاستخدام الصحفى عقد مشترك مصدره إرادتا طرفين اثنين أحدهما مالكو الصحف الذين يكونون أعضاء فى النقابة والآخر محرروها أعضاء النقابة كذلك، وعلى أنه جعل مجلس النقابة المنتخب من الطرفين وكيلا عنهما فى وضع لائحة بشروط هذا العقد التى يتفق عليها فيما بين فريقين هما أعضاء هذا المجلس، وجعل هذا العقد سارياً على من ينضم فى المستقبل إلى النقابة إذ عد انضمامه قبولاً له. وليس فى ذلك ما يفيد من قرب ولا من بعد أن الشارع أراد أن يتولى تقنين قواعد عقد الاستخدام الصحفى بتشريع يصدره ثم بدا له بعد ذلك أن يفوض مجلس النقابة فى وضعه وإنما هو جعل الأمر تعاقداً مشتركاً نتيجة اتفاق ممثلى الفريقين ملاك الصحف ومحرريها، ولا يغير من هذا الاعتبار أن يكون القانون أوجب لنفاذ اللائحة أن تصدق عليها لجنة الجدول، فان هذه اللجنة ليس لها إنشاء اللائحة ولا تعديلها، وعملية التصديق عليها لا تعدو أن تكون مراجعة فنية لعمل مجلس النقابة ولا تخرج اللائحة عن حقيقة كونها عقداً مشتركاً، وكل ما فى الأمر أنها لا تنفذ إلا بهذا التصديق.
ومن حيث إنه إذا كان ذلك كذلك، وكانت لائحة عقد استخدام الصحفيين عقداً مشتركاً وليست تشريعاً وضعه مجلس نقابتهم بطريق التفويض من الشارع فان النشر لا يكون واجباً للعمل بها، والنص فيها على سريانها اعتباراً من يوم التصديق عليها من لجنة الجدول والتأديب لا يكون مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه عن الوجه الثانى فان القانون رقم 10 لسنة 1941 إذ جعل فى المادة الثانية منه ضمن أغراض النقابة سن القواعد المنظمة لمزاولة المهنة الصحفية وبيان العلاقات المرعية فيها، وإذ قال فى المادة 24 منه: "يضع مجلس النقابة لائحة بالقواعد الخاصة بعقد استخدام الصحفيين والتعويضات التى تستحق لهم عند فسخ العقد وفقاً لأحكام القانون العام وكذلك القواعد التى يجب عليهم مزاولة مهنتهم طبقاً لها وغير ذلك" فقد دل بعموم نصه وإطلاق عبارته على أن لمجلس النقابة سلطة عامة فى تنظيم عقد الاستخدام بوضع قواعد شاملة لأحكامه فى حالتى قيامه وانقضائه. ويؤكد هذا المعنى عبارة "وغير ذلك" الواردة فى آخر النص إذ هى تشمل كل ما يتعلق بقواعد تنظيم العقد مما لم يجر ذكره صراحة قبلها.
ومن حيث إنه عن الوجه الثالث فالثابت بالحكم أن المطعون عليه اشتغل محرراً بالأهرام من نوفمبر سنة 1916 حتى فصل فى يوليو سنة 1944، وإذ كانت اللائحة نافذة اعتباراً من 23 نوفمبر سنة 1943 فان المحكمة لم تخطئ فى معاملته بموجبها لأن حكمها يسرى على حالات الاستخدام التى تكون موجودة فى يوم اعتبار اللائحة نافذة.