مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثانى (من منتصف فبراير سنة 1967 الى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 1085

(118)
جلسة 20 من مايو سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقى آدم ويوسف ابراهيم الشناوى وعباس فهمى محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 988 لسنة 9 القضائية

( أ ) - عقد ادارى. "اخلال المتعاقد من الادارة بالتزاماته المنصوص عليها فى العقد". الجزاء على اخلال المتعاقد مع الادارة بالتزاماته المنصوص عليها فى العقد - ترخيص الادارة فى اختيار الوقت المناسب لتوقعيه بحسب ما تراه أصلح لضمان سير المرافق العامة.
(ب) - دعوى. "تكييف الدعوى". عدم تقيد المحكمة بما يورده المدعى من تكييف قانونى فى دعواه - القاضى يعطى الدعوى وصفها الحق وتكييفها القانونى السليم.
(ج) - عقد. "تنفيذ. تنفيذ عينى. تعويض" عقد ادارى - لا قيام للمسئولية العقدية اذا كان محل الالتزام دفع مبلغ من النقود - التزام المدين فى هذه الحالة بالتنفيذ العينى - سريان هذه الأصول على العقود الادارية.
1 - باستثناء حالة النص على الزام الادارة بتوقيع الجزاء على المتعاقد معها وقت معين فان الادارة تترخص فى اختيار الوقت المناسب لتوقيع الجزاء بحسب ما تراه صالحا لضمان سير المرافق العامة، ومن ثم فانه لا تثريب عليها اذا رأت فى حدود سلطتها التقديرية أن تتريث فى ايقاع الجزاء بالمتعاقد المقصر حتى يفئ الى الحق من حيث النهوض بالتزاماته وقد يكون فى هذا التريث تحقيق لهذه المصلحة اذا كان فى أحكام العقد ما يكفل حمل المتعاقد على المبادرة الى التنفيذ كأن يتضمن العقد النص على الزامه بدفع جعل معين. ولا يملك المتعاقد المحاجة بأن الادارة تراخت فى توقيع الجزاء عليه وأن تراخيها قد اساء اليه اذ لا يسوغ للمخطئ أن يستفيد من تقصيره.
2 - للمدعى أن يكيف دعواه بحسب ما يراه وحقه فى ذلك يقابله حق المدعى عليه فى كشف خطأ هذا التكييف ويهيمن القاضى على هذا وذاك من حيث مطابقة هذا التكييف لحقيقة الواقع أو عدم انطباقه وينزل حكم القانون على ما يثبت لديه فيعطى الدعوى وصفها الحق وتكييفها القانون السليم غير مقيد فى ذلك بتكييف المدعى للحق الذى يطالب به، وعليه أن يبحث فى طبيعة هذا الحق ليرى ما اذا كان تكييف المدعى صحيحا قانونا أو غير صحيح والا يأخذ بهذا التكييف قضية مسلمة بها.
3 - من الأصول العامة للالتزامات - والتى تسرى على العقود الادارية والعقود المدنية على حد سواء - أنه اذا أمكن التنفيذ العينى وطلبه الدائن فان المدين - يجبر عليه (المادتان 199، 203 من القانون المدنى) وأنه لا قيام للمسئولية العقدية فى مجال التنفيذ العينى اذ أنه متى كان التنفيذ العينى ممكنا فلا محل للتعويض عن عدم التنفيذ. وينبنى على ذلك أنه لا قيام للمسئولية العقدية اذا كان محل الالتزام دفع مبلغ من النقود اذ يكون التنفيذ العينى ممكنا دائما.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن وقائع هذه المنازعة تخلص - على ما يبين من أوراق الطعن فى أن وزارة الأشغال أقامت الدعوى رقم 1159 لسنة 15 القضائية أمام محكمة القضاء الادارى "هيئة العقود الادارية وطلبات التعويض" بصحيفة مودعة بسكرتيرية هذه المحكمة فى 26 من سبتمبر سنة 1961 وطلبت فى ختامها الحكم بالزام المدعى عليه (السيد/ عبد الله عبد الله العبد) بأن يدفع للوزارة المدعية 51 جنيه و500 مليم والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقالت فى شرح دعواها أنه فى 21 من يوليه سنة 1957 تعاقد مدير عام مصلحة المساحة مع المدعى عليه على الترخيص له باستغلال مقصف تفتيش المساحة بالمنصورة عن المدة من أول أغسطس سنة 1957 حتى آخر يوليه سنة 1958 مقابل جعل سنوى قدره 132 جنيها يدفع على أقسام شهرية قيمة كل قسط منها 11 جنيها. وفى أول يناير سنة 1958 امتنع المدعى عليه عن مواصلة العمل بالمقصف وأصر على ذلك رغم مطالبة إياه مرارا بالعمل وتشغيل المقصف وسلم مفاتيح المقصف الى الباشكاتب. ونظرا الى أن المدعى عليه لم يقم بدفع الايجار منذ أول يناير حتى آخر مايو سنة 1958 فقد أضطرت المصلحة الى الترخيص للسيد/ أيوب يوسف باستغلال المقصف على حسابه للمدة الباقية من العقد عن شهرى يونيه ويولية سنة 1958 بمقابل شهرى مقدراه (7 جنيهات و250 مليما). وقد حاقت بالمصلحة من جراء عدم قيام المدعى عليه بتنفيذ العقد اضرار تقدير بمقابل الاستغلال فى الفترة من أول يناير الى آخر مايو سنة 1958 بواقع أحد عشر جنيها شهريا يضاف اليها مبلغ 7 جنيهات و500 مليم وهو ما يمثل الفرق مقابلى الاستغلال عن شهرى يونيه ويوليه سنة 1958 فاذا ما خصم من مجموع المبلغين قيمة التأمين المودع منه وقدره أحد عشر جنيها كأن الباقى 51 جنيه و500 مليم وهو ما طلبت الزام المدعى عليه بدفعه.
أجاب المدعى عليه على الدعوى بمذكرة قال فيها أن المادة 19 من عقد الايجار توجب على المصلحة انذار المستأجر اذا خالف الاشتراطات المتفق عليها فى العقد وهو شرط أساسى حتى تستطيع الوزارة الرجوع عليه بالتعويض، وذكر أنه امتنع عن مواصلة العمل بالمقصف فى أول يناير سنة 1958 وسلم المفتاح الى باشكاتب المصلحة فى هذا التاريخ الأمر الذى يعد من جانب المصلحة قبولا ضمنيا بفسخ العقد وقال أن تقصير الباشكاتب يبين بوضوح من سكوته خمسة أشهر دون أن ينذره بوجوب معاودة العمل ودون أن يقوم بالاعلان أو النشر عن تأجيره الا بعد انقضاء خمسة أشهر وقال أن البند الرابع عشر من العقد صريح فى أن المقصف يعطل فى رمضان ولا يدفع عنه أجر وأنه كان من المتعين أن تخصم المصلحة من مطالبتها.
ومن حيث أن الحكم المطعون [(1)] فيه قد أقام قضاءه على أن امتناع المدعى عليه عن استغلال المقصف وأداء مقابل الاستغلال ابتداء من أول يناير سنة 1958 ينطوى على اخلال من جانبه بالتزامه العقدى ولا يعفيه من نتائج هذا الاخلال قيامه باخطار تفتيش المساحة المختص بعدم تمكنه أحد عشر جنيها وهو ما يعادل المقابل عن هذا الشهر.
من مواصلة العمل بالمقصف لارتفاع الايجار وقلة المبيعات وأن مسئولية المدعى عليه عن تعويض الوزارة عما لحقها من اضرار بسبب الاخلال تقتصر على الاضرار المباشرة وهى الأضرار التى لم يكن فى استطاعة الوزارة توقيها ببذل جهد معقول.
وان الثابت من الأوراق أنه رغم أن المدعى عليه قد أخطر تفتيش المساحة المختص بعجزه عن الاستمرار فى المقصف فى أول يناير سنة 1958 الا أن التفتيش رغم استلامه الحجرة المخصصة للمقصف فى 4 من يناير سنة 1958 لم يطرح استغلال هذا المقصف فى مزايدة جديدة الا فى شهر مايو سنة 1958 وهى المزايدة التى أسفرت عن التعاقد مع السيد/ أيوب يوسف على استغلال المقصف ابتداء من أول يونيه سنة 1958 مقابل 7 جنيه و250 مليما شهريا فى حين أنه لو بادر التفتيش الى طرح استغلال المقصف فى المزاد خلال شهر يناير سنة 1958 لأسفرت هذه المزايدة عن التعاقد على استغلاله ابتداء من شهر فبراير سنة 1958 ولبلغ مقابل الاستغلال 10 جنيه و500 مليم وهو المقابل الذى ألح أيوب يوسف فى عرضه خلال شهر يناير فى طلبيه المؤرخين 7 و22 من يناير سنة 1958 وبذلك يكون الضرر المباشر الذى ترتب على اخلال المدعى عليه بالتزامه العقدى وهو حرمان الوزارة من الحصول على مقابل استغلال المقصف عن شهر يناير سنة 1958 الذى كانت ستستغرقه اجراءات المزايدة لو بادر تفتيش المساحة الى اجرائها يضاف اليه الفرق بين مقابل الاستغلال الذى كان من المرجح أن تسفر عنه هذه المزايدة ومقداره 10 جنيه و500 مليما وبين مقابل الاستغلال المحدد فى العقد المبرم مع المدعى عليه وقدره (11 جنيها) عن الأشهر من فبراير الى يوليه بعد استبعاد شهر منها مقابل شهر رمضان فتكون جملة الفرق بواقع 500 مليما شهريا 2 جنيه و500 مليما وباضافة مقابل الاستغلال عن شهر يناير تكون جملة التعويض 13 جنيها و500 مليما ولما كان المدعى عليه قد أودع تأمينا قدره 11 جنيها وهذا التأمين ظل باقيا ولم يصادر فانه يتعين خصمه من التعويض المستحق للوزارة وبذلك بكون المبلغ الواجب الحكم لها به بعد خصم التأمين هو 2 جنيه و500 مليما.
وأما ما عدا ذلك أضرار تطالب الوزارة بالتعويض عنها فانه كان من الممكن توقيعها ببذل جهد معقول هو المبادرة الى استغلال المقصف فى المزاد خلال شهر يناير سنة 1958 وبذلك تنقطع علاقة السببية بينها وبين خطأ المدعى عليه وتكون دعوى الوزارة بالنسبة اليها غير قائمة على أساس سليم. وفيما يتعلق بالفوائد القانونية ذهب الحكم الى أن المشرع اذ نص على استحقاق الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية اذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود معلوم المقدار وقت الطلب قد افاد منح سريان الفوائد على التعويض عن العمل غير المشروع، وان الحكمة من تقرير هذه القاعدة تتحقق كذلك بالنسبة للتعويض عن الخطأ العقدى متى كان التعويض المطالب به عن هذا الخطأ مما يرجع فيه الى تقدير القاضى لأن المبلغ المطالب به كتعويض فى الحالتين لا يكون معلوم المقدار وقت الطلب. ومن ثم فانه لا محل لاجابة الوزارة الى ما طلبته من سريان الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية وانتهى الحكم الى تقرير الفوائد من تاريخ الحكم.
ومن حيث ان الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون اذ اعتبر المبلغ المطالب به كله بمثابة تعويض عن اخلال المدعى عليه بالتزامه العقدى فى حين أن المطعون ضده ملتزم بدفع مقابل الاستغلال المتفق عليه استنادا لأحكام العقد المبرم معه والقاعدة أن المستأجر يلتزم بدفع الأجرة متى سلمت اليه العين المؤجرة بصرف النظر عن قيامه أو عدم قيامه بالانتفاع بها وأن المستفاد من صحيفة الدعوى أن مقابل الاستغلال عن الفترة من أول يناير حتى آخر مايو سنة 1958 هو ما تطالب الوزارة بدفعه وفقا للعقد، أما المطالبة بالفرق بين مقابلى الاستغلال عن شهرى يونيه ويوليه سنة 1958 فان المطالبة به أنما تستند الى ما تملكه جهة الادارة فى مجال العقود الادارية من ارغام المتعاقد معها على تنفيذ العقد بأن تحل نفسها محل المتعاقد معها أو أن تعهد الى الغير بالتنفيذ وأنه كان يمكن للوزارة أن تترك المقصف غير مستغل الى نهاية المدة وأن تطالبه بمقابل الاستغلال كاملا. كذلك فان الحكم قد خالف القانون اذ جعل استحقاق الفوائد من تاريخ الحكم اذ ما دام المبلغ فى شقه الأول لا تعدو أن تكون مطالبة بمقابل الاستغلال وفى شقه الثانى مطالبه بفروق التنفيذ على الحساب وهو فى الحالتين معلوم المقدار وقت الطلب فان الفوائد تستحق من تاريخ المطالبة القضائية.
ومن حيث أن هيئة المفوضين قدمت تقريرا بالرأى القانونى أشارت فيه الى أن القول باستحقاق مقابل الاستغلال حتى نهاية مدة العقد بعد أن توقف المدعى عليه عن استغلال المقصف فى شهر يناير سنة 1958 لا يستقيم مع طبيعة هذا العقد الادارى فالأصل أن الادارة تتولى القيام بتسيير المرافق العامة فان رأت اشراك الغير معها فى ادارتها فانما يكون ذلك تحت رقابتها واشرافها المستمر ومن ثم فانه لا يسوغ لها أن تسدد فى سكوتها عن ادارة المقصف ازاء عزوف المدعى عليه عن تنفيذ التزاماته فى الوقت الذى كان أمامها سلطات واسعة تستطيع بمقتضاها وضع حد لما صادف المقصف من خطر التوقف اما بفسخ العقد ومصادرة التأمين أو بالقيام بالتنفيذ على حسابه سيما وأن المدعى عليه قد وضع حدا واضحا لموقفه. وأنه ما دام أن الادارة قد اختارت الابقاء على العقد وتنفيذه على حساب المتعهد فقد كان واجبا عليها أن تراعى ما يقتضيه واجب حسن النية فى تنفيذ العقود. وانه ليس العدالة أن يتحمل هذا المتعهد بما يفرط من جهة الادارة من تراخ أو اهمال فى تنفيذ العقد على حسابه. أما فيما يتعلق باستحقاق فوائد التأخير فقد ذهبت الهيئة الى أن شرط معلومية المقدار وقت الطلب ليس هو المناط فى استحقاق الفوائد اذ أن الفوائد القانونية تستحق فى جميع أحوال المطالبة بمبلغ من النقود ذلك أن الدائن يقدر حتما عند المطالبة المبلغ الذى يطالب به وبذلك يكون شرط معلومية المقدار عند الطلب شرطا صوريا. على أنه فى حالة المطالبة بمبلغ على سبيل التعويض سواء أكان ذلك نتيجة اخلال بالتزام عقدى أو عمل غير مشروع فان تقدير القاضى للمبلغ المستحق كتعويض انما يدخل فى عناصره مقدار ما حاق به من ضرر أصلى وما نشأ من أضرار عن التأخير الى يوم صدور الحكم وبالتالى لا يكون فى حاجة الى اعادة الحكم بفوائد من تاريخ المطالبة القضائية فى الوقت الذى يكون قد أدخل فى اعتباره جانب الزمن من يوم رفع الدعوى الى تاريخ صدور الحكم وانه متى كان الثابت أن الحكم المطعون فيه لم يدخل ذلك فى تقديره للتعويض فانه كان من المتعين أن يقضى بالزام المدعى عليه بالفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية لا من تاريخ صدور الحكم.
ومن حيث انه ولئن وصف العقد المبرم فى 21 من يوليه سنة 1957 بين مصلحة المساحة والمطعون ضده بأنه عقد ايجار مقصف وترددت فى بنوده عبارات الأجرة والمكان المؤجر والمستأجر الا أنه مما لا شك فيه أنه عقد تقديم خدمات لمرفق من المرافق العامة عهد فيه الطرف الأول الى الثانى القيام باستغلال..... المقصف وفقا للشروط الواردة بالعقد وبموجبها يلتزم المتعهد بأن يجهز المقصف بجميع الأدوات اللازمة للاستعمال على أن تكون من أنواع جيدة وبكميات كافية وأن يقوم بتنظيف الأوانى وفقا للقواعد الصحية وحدد العقد الأصناف المصرح بتقديمها وحظر ما عداها كما حدد أسعارها ونص على انه لا يجوز الزيادة فيها الا بموافقة المصلحة وأوجب على المستغل أن يستخدم عددا كافيا من العمال بحسب حاجة العمل على أن يكونوا من ذوى الأخلاق الطيبة أن يرتدوا ملابس نظيفة وخول العقد الادارة حق طرد من لا تتوافر فيه الشروط فى أى وقت ونص على أن للادارة الحق فى فسخ العقد ومصادرة التأمين فى حالة تأخر المتعهد فى دفع مقابل الاستغلال فى اليوم الأول من كل شهر وعلى حقها فى انهاء العقد فى أى وقت اذا دعت لذلك أسباب مصلحيه وذلك بموجب كتاب موصى عليه دون حاجة الى اتخاذ أى اجراء آخر أو الالتجاء الى القضاء - وكل أولئك شروط غير مألوفة فى عقود القانون الخاص لمماثلة وبذلك يكون العقد قد اتسم بالطابع المميز للعقود الادارية من حيث اتصاله بمرفق عام وأخذه بأسلوب القانون العام فيما تضمنه من شروط غير مألوفة فى مجال القانون الخاص.
ومن حيث ان الادارة تتمتع - كطرف فى العقد الادارى - بسلطات لا مقابل لها فى القانون الخاص ضمانا لسير المرافق العامة واطراد سيرها ومن ذلك حقها فى توقيع جزاءات على المتعاقد معها اذا ما أخل بالتزاماته ومن هذه الجزاءات حقها فى التنفيذ العينى دون الالتجاء الى القضاء بأن تحل الادارة نفسها محل المتعاقد معها فى تنفيذ التزاماته أو أن تعهد بهذا التنفيذ الى شخص آخر يقوم به على حساب المتعاقد وتحت مسئوليته.
ومن حيث انه باستثناء حالة النص على الالزام الادارة بتوقيع الجزاء على المتعاقد معها فى وقت معين فان الادارة تترخص فى اختيار الوقت المناسب لتوقيع الجزاء بحسب ما تراه صالحا لضمان سير المرافق العامة، ومن ثم فانه لا تثريب عليها اذا رأت فى حدود الحق من حيث النهوض بالتزاماته وقد يكون التثريب تحقيق لهذه المصلحة اذا كان فى أحكام العقد ما يكفل حمل المتعاقد على المبادرة الى التنفيذ كأن يتضمن العقد النص على الزامه بدفع جعل معين. ولا يملك المتعاقد المحاجة بأن الادارة... تراخت فى توقيع الجزاء عليه وان تراخيها قد اساء اليه اذا لا يسوغ للمخطئ أن يستفيد من تقصيره. فالمتعاقد مع الادارة فى العقود الادارية يلتزم بالوفاء بالتزاماته التعاقدية فى المواعيد المحددة ووفقا لشروط العقد والقواعد المقررة فى هذا الصدد ولا يكاد يختلف موقف المتعاقد فى العقود الادارية من هذه الناحية عن موقف غيره من المتعاقدين بموجب عقود القانون الخاص، وعلى ذلك اذا قصر فى الوفاء بالتزاماته فى المواعيد المحددة بغير موجب وكان العقد الادارى يلقى على عاتقه التزاما بأداء مقابل معين حق للادارة أن تستأدى ما يرتبه العقد على عاتقه من التزام بأداء هذا الجعل.
ومن حيث انه يبين من الرجوع الى عقد استغلال المقصف المبرم مع المطعون ضده انه القى على عاتقه خلال مدة العقد التزاما بتقديم الخدمة والتزاما آخر بأداء جعل معين فى اليوم الاول من كل شهر ولم يجعل التزامه بأداء الجعل معلقا على ارادته القيام باستغلال المقصف وتأدية الخدمة ومن ثم فانه اذا نكل المطعون ضده بغير موجب عن القيام بتنفيذ التزامه بأداء الخدمة فان التزامه بأداء المقابل لا يتوقف ولا ينقضى ويكون ملزما بأداء الجعل فى مواعيده المحددة بقطع النظر عن قيامه أو عدم قيامه بالاستغلال. وتترخص الجهة الادارية فى اختيار الوقت المناسب للتنفيذ العينى على حسابه دون أن يحمل تريثها فى اتخاذ الاجراء محمل التقصير أو مخالفة ما يقتضيه تنفيذ العقد من حسن النية ما دامت قد أوفت بالتزاماتها العقدية من حيث تمكينه من الاستغلال.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه قد ذهب فى تكييف الدعوى المرفوعة من الوزارة الى انها تتضمن فى حقيقتها مطالبة بالتعويض عما حاق بها من ضرر من جراء تراخى المدعى عليه فى تنفيذ التزاماته، ورتب على ذلك خضوع التعويض لمطلق تقدير القاضى وقصر مقداره على الاضرار المباشرة التى لم يكن فى مكنة الوزارة توقيها ببذل جهد معقول واعتبار هذا التعويض غير معلوم المقدار وقت الطلب شأنه شأن التعويض عن العمل غير المشروع ومن ثم فلا تسرى الفوائد القانونية عنه الا من تاريخ صدور الحكم... فى حين تذهب الوزارة المدعية الى أن الدعوى تتضمن فى حقيقتها مطالبته بدين شغلت به المدعى عليه وان هذا الدين يخضع فى تحديد مقداره لما نص عليه فى العقد المبرم بينهما ومن ثم يكون معلوم المقدار وقت الطلب وتستحق الفوائد القانونية عنه من تاريخ المطالبة القضائية وفقا لما تنص عليه المادة 226 من القانون المدنى.
ومن حيث ان من المسلم ان للمدعى أن يكيف دعواه بحسب ما يراه وحقه فى ذلك يقابله حق للمدعى عليه فى كشف خطأ هذا التكييف ويهيمن القاضى على هذا وذاك من حيث مطابقة هذا التكييف لحقيقة الواقع أو عدم انطباقه وينزل حكم القانون على ما يثبت لديه فيعطى الدعوى وصفها الحق وتكييفها القانونى السليم غير مقيد فى ذلك بتكييف المدعى للحق الذى يطالب به، وعليه ان يبحث فى طبيعة هذا الحق ليرى ماذا كان تكييف المدعى صحيحا قانونا أو غير صحيح والا يأخذ بهذا التكييف قضية مسلم بها، ذلك لأن الاخذ بتكييف المدعى لدعواه قد يجر الى حرمان المدعى عليه من حق ربما كان لا يضيع عليه لو تقصى القاضى هذا التكييف قبل ما عداه من المسائل المتعلقة بالموضوع.
ومن حيث ان واقعة الدعوى - حسبما استظهرته الاوراق - تخلص فى أن.. المطعون ضده تعاقد مع مصلحة المساحة على ان يقوم باستغلال مقصف تفتيش المساحة بالمنصورة فى المدة من أول أغسطس سنة 1957 الى 31 من يولية سنة 1958 مقابل جعل شهرى قدره أحد عشر جنيها تدفع مقدما فى اليوم الأول من كل شهر. وفى أول يناير سنة 1958 تقدم بطلب الى تفتيش المساحة يفيد تعذر مواصلته العمل لارتفاع الايجار وقلة المبيعات وامتنع عن دفع الجعل فرأى السيد المدير العام بكتابه المؤرخ 27 من يناير سنة 1958 ابلاغه بانه ملزم بتنفيذ العقد حتى نهاية مدته وأشار الى اخطاره بذلك فأجاب تفتيش المساحة بأنه أخطر المدعى عليه بذلك الا انه لم يحضر لمباشرة العمل ولم يتلق منه ردا فأشار المدير فى 12 من مايو سنة 1958 باجراء مزايدة جديدة اسفرت عن التعاقد مع السيد/ أيوب يوسف لمدة سنة اعتبارا من أول يونية سنة 1958 وبجعل شهرى قدره سبعة جنيهات ومائتين وخمسون مليما فأقامت الوزارة دعواها مطالبة بالزام المدعى عليه بأن يدفع لها مقابل الاضرار التى اصابتها من جراء عدم التنفيذ قيمة مقابل الاستغلال عن شهرى يونيه ويولية سنة 1958.
ومن حيث انه ولئن وصف المبلغ المطالب به فى صحيفة الدعوى بأنه مقابل الاضرار التى اصابت المصلحة من جراء عدم التنفيذ الا أن الواقع أن الصحيفة ذاتها قد تضمنت وصفا لهذا المبلغ بما يفيد اعتباره مطالبة بمقابل الاستغلال عن الاشهر من يناير الى مايو سنة 1958 وبالفرق بين مقابلى الاستغلال عن شهرى يونيه ويوليه سنة 1958 تنفيذا لأحكام العقد، هذا الى أن الوزارة المدعية قد كشفت فى مذكراتها المقدمة أثناء نظر الدعوى عن حقيقة ما تهدف اليه من اعتبار الدعوى مطالبة بدين انشغلت به ذمة المدعى عليه تنفيذا للعقد، يساند ذلك أيضا ما ابلغ به المدعى عليه بكتاب مدير المصلحة المؤرخ 27 من يناير سنة 1958 من أنه ملتزم بتنفيذ أحكام العقد الى نهاية مدته.
ومن حيث ان مطالبة الوزارة بمقابل الاستغلال عن الأشهر الخمسة الأولى تنفيذا للعقد لا تعدو ان تكون مطالبة للمدعى عليه بالتنفيذ العينى لالتزامه المتعلق بأداء مبلغ من النقود وكذلك فان تنفيذ العقد على حساب المتعهد المقصر والزامه بفرق السعر ليس الا تطبيقا لقاعدة تنفيذ الالتزام عينا جبرا على المدين تقوم به الادارة بنفسها عند اخلال المتعاقد بتعهده. ومن ثم فانه لا يكون سديدا ما ذهب اليه الحكم المطعون فيه من اعتبار المطالبة بهذه المبالغ تعويضا عن اخلال المدعى عليه بالتزاماته التعاقدية.
ومن حيث انه من الأصول العامة للالتزامات - والتى تسرى على العقود الادارية والعقود المدنية على حد سواء - انه اذا امكن التنفيذ العينى وطلبه الدائن فان المدين - يجبر عليه (المادتان 199 و203 من القانون المدنى) وانه لا قيام للمسئولية العقدية فى مجال التنفيذ العينى اذ انه متى كان التنفيذ العينى ممكنا فلا محل للتعويض عن عدم التنفيذ. وينبنى على ذلك انه لا قيام للمسئولية العقدية اذا كان محل الالتزام دفع مبلغ من النقود - اذ يكون التنفيذ العينى ممكنا دائما.
ومن حيث أنه متى كان الثابت من ملابسات الدعوى ان الوزارة المدعية حين لزمت موقف الانتظار فى بادئ الأمر كانت مطمئنة الى تعلق حقها بالمقابل النقدى الذى التزم به المدعى عليه لأن عزوفه بغير حق عن تنفيذ التزامه باستغلال المقصف، تأدية مقابل هذا الاستغلال لا ينبغى ان يكون سببا يشفع فى تنصله من التزامه العقدى بعد اذ حملته الوزارة من بادئ الأمر بمسئولية هذا التنفيذ فاذا كانت قد لجأت بعد ذلك الى أسلوب التنفيذ على حسابه حين تكشف لها اضراره على الامتناع عن تنفيذ التزامه وعلى تعطيل المرفق تبعا لذلك، فان هذا الذى فعلته الوزارة لا ينطوى على أى تقصير من جانبها بل التقصير كله منسوب الى المدعى عليه وحده.
ومن حيث انه متى كانت الدعوى فى حقيقتها مطالبة بتنفيذ عينى للالتزام بدفع مبلغ من النقود يتمثل فى مقابل الاستغلال عن الخمسة الأشهر الأولى وفى الفرق بين مقابلى الاستغلال عن الشهرين الأخيرين لا تعويضا عن عدم التنفيذ وكانت المدعية على حق فيما طلبته من الزام المدعى عليه بدفعهما تنفيذا لأحكام العقد على ما سبق البيان فانه يكون متعينا الحكم للوزارة المدعية بما طلبته من الزام المدعى عليه بدفع المبلغ المطلوب وقدره 51 جنيها و500 مليم وذلك بعد خصم التأمين المقدم منه.
ومن حيث أن الدعوى تتعلق بالتزام بدفع مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطب فان الفوائد القانونية تستحق عنه من تاريخ المطالبة القضائية وفقا لما تقضى به المادة 226 من القانون المدنى.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبالزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة المدعية مبلغا قدره واحد وخمسين جنيها مصريا والفوائد القانونية لهذا المبلغ بواقع أربعة فى المائة سنويا من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة فى 26 من سبتمبر سنة 1961 حتى تمام الوفاء وألزمته بالمصروفات.


[(1)] قضت محكمة القضاء الادارى "بالزام المدعى عليه بأن بدفع الى وزارة الأشغال المدعية مبلغ 2 جنيه و500 مليما (جنيهين وخمسمائة مليم والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ هذا الحكم حتى تمام الوفاء والمصروفات المناسبة ورفض ما عدا ذلك من طلبات".