مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثانى (من منتصف فبراير سنة 1967 إلى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 1123

(122)
جلسة 3 من يونية سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخارى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف ابراهيم الشناوى وعباس فهمى محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 862 لسنة 9 القضائية

عقد ادارى. "اخلال جهة الادارة بالتزامها. أثره". عدم قيام جهة الادارة بتنفيذ التزامها بتسليم المتعاقد معها موقع العمل مما ترتب عليه وقف العملية مدة طويلة تجاوز المعقول - يعد اخلالا جسيما من جانب الادارة بواجباتها - فسخ العقد واستحقاق المتعاقد مع الادارة تعويضا عما أصابه من أضرار.
متى كان الثابت أنه قد حيل بين المتعاقد والبدء فى تنفيذ العملية بسبب تعرض رجال الاصلاح له، الأمر الذى ترتب عليه وقف تنفيذ هذه العملية لمدة جاوزت السنة بعد صدور أمر التشغيل دون أن تقوم الهيئة المتعاقدة بتنفيذ التزامها بتسليم الطاعن مواقع العمل وتمكنه من البدء فى التنفيذ، فمن ثم فانه اذا لوحظ أن المدة التى حددت لتنفيذ العملية هى شهران فقط، فان عدم قيام الهيئة المذكورة بتسليم مواقع العمل الى الطاعن طيلة عام بأكمله هو مما يحق معه القول بأنها قد أخلت اخلالا جسيما بواجبها نحو الطاعن بعدم تمكينه من العمل، وانها تاخرت فى تنفيذ التزامها هذا مدة كبيرة تجاوز القدر المعقول مما يقوم سببا مبررا لفسخ العقد المبرم بينهما وتعويض الطاعن عما أصابه من أضرار بسبب ذلك.


"المحكمة"

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن فى أن المدعى أقام الدعوى رقم 1037 لسنة 15 ق أمام محكمة القضاء الادارى بعريضة أودعت سكرتيرية تلك المحكمة فى 16/ 8/ 1961 وأوضح فيها أنه بتاريخ 4/ 5/ 1960 أسندت اليه الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضى الأعمال الترابية اللازمة لانشاء المصارف الرئيسية ومصارف الدرجة الاولى بمنطقة المنصورة التابعة لمركز امبابة محافظة الجيزة وذلك بمبلغ 1960 جنيها واتفق على أنه بمجرد صدور الأمر اليه يبدأ التشغيل بعد عمل المزايدات الابتدائية بمعرفة السيد مهندس الهيئة، وعلى أنه يجب نهو جميع المجارى فى ظرف شهرين من تاريخ صدور الأمر الكتابى اليه وما أن أصدرت اليه الهيئة التعليمات الخاصة بالقيام بتنفيذ هذه العملية قام لتوه بالتعاقد مع متعهدى الأنفار والعمال على احضار مائة عامل صباح يوم 7/ 7/ 1960 وذهبوا جميعا صحبة المدعى الى الموقع حسبما هو محدد بالخرائط المعتمدة من الهيئة لتسلم العمل والبدء فى التنفيذ طبقا لما هو متفق عليه فى العقد الذى تحرر بينه وبين الهيئة فى هذا الشأن وما أن قد توجهوا الى موقع العمل حتى تعرض لهم رجال الاصلاح الزراعى ومنعوه هو وعماله من العمل بحجة أنه لم تصدر اليهم أوامر بذلك ورغم أنه أخطر الهيئة المتعاقد معها بذلك فانها لم تهتم للامر ولم تحاول تمكين المدعى من استلام الموقع ليباشر العملية، مما اضطره الى ابلاغ شرطة أوسيم عن واقعة تعرض رجال الاصلاح الزراعى ومنعه وعماله من العمل وتحرر عن ذلك المحضر رقم 148 ادارى المنصورية فى 7/ 7/ 1960، وثابت به أن السيد المحقق اتصل بالسيد ناظر زراعة الاصلاح الزراعى بناحية المنصورية وهو السيد/ يوسف ثابت ديمترى فقرر له أنه منع المقاول من العمل لأنه لم تصل اليه تعليمات من وزارته بالسماح له بالعمل فى المنطقة وأنه لن يسمح له بالعمل الا اذا أخطرته رئاسته بذلك، وقد ظل المدعى ينتظر تدخل الهيئة المتعاقدة لتمكينه من مباشرة العمل، وبعث اليها بخطابين مسجلين بعلم الوصول الأول برقم 229 فى 9/ 7/ 1960 والثانى برقم 250 فى 11/ 7/ 1960 يستحثها أن تتدخل لمنع تعرض رجال الاصلاح الزراعى وتمكينه من تنفيذ العملية والا تتحمل المسئوليات الناتجة عن تنفيذها، وبالرغم من ذلك كله فان الهيئة لم تحرك ساكنا وكأنها لم تتعاقد معه وأخيرا وصل اليه خطاب منها فى 4/ 8/ 1960 تطلب اليه فيه الحضور لسماع أقواله وتوجه اليها فعلا ولكن ذلك لم يغير من الأمر شيئا ولم تمكنه من استلام موقع العمل وازاء ذلك قام المدعى بانذار الهيئة فى 22/ 8/ 1960 بأنها ان لم تنه هذا الوضع وتعمل على ازالة العقبات التى اعترضته وتقوم بتسليم الموقع اليه فى ظرف أسبوع من تاريخه فانه سيكون فى حل من اتخاذ ما يراه ضامنا لحقوقه، وظلت الهيئة على موقفها حتى 8/ 7/ 1961 حيث أرسلت اليه خطابا تنذره فيه بضرورة البدء فى تنفيذ العملية فورا والا اضطرت الى توقيع الجزاءات المنصوص عليها فى العقد، وقد عجب المدعى من هذا التصرف من جانب الهيئة وارسالها لهذا الخطاب بعد سنة تقريبا من التعاقد متجاهلة كلية الظروف السابقة وما كان منه الا أن رد على خطاب الهيئة هذا بانذار يخطرها فيه بأنها لم تقم من جانبها بتنفيذ العقد، وأن طلبها تنفيذ العملية بعد سنة من التعاقد أمر لا يمكن قبوله لأن العقد أصبح بعدم تنفيذ الهيئة لالتزاماتها وعدم تمكينها له من استلام الموقع مفسوخا واحتفظ فى الانذار بحقه فى التعويضات الناتجة عن ذلك واستطرد المدعى يقول فى عريضة دعواه أن مسلك الهيئة المتعاقدة قد أضر به ضررا بليغا اذ أنه قام باتخاذ الاجراءات اللازمة من جانبه بتنفيذ العقد ودفع التأمين النهائى - بعد أن أخطر بالبدء فى التنفيذ تعاقد مع متعهدى الأنفار والعمال واستحضر مائة عامل من بلاد بعيدة متفرقة لمباشرة العملية دفع لكل منهم سبعة جنيهات كعربون ومصاريف سفر وقد ظل هو وعماله بموقع العمل طوال أيام 7، 8، 9 من يولية سنة 1960 ينتظرون تدخل الهيئة لتمكينه من البدء فى التنفيذ دون جدوى، ولما كان تقاعس الهيئة عن تنفيذ التزامها بتمكين المقاول من استلام الموقع خطأ يستوجب مساءلتها عن الأضرار التى أصابته نتيجة ذلك وتعويضه عن المصاريف والنفقات التى تكبدها وما فاته من كسب كان سيعود عليه لو تم تنفيذ العقد ويقدره بمبلغ 394 جنيها ولما كان ما صدر من الهيئة المتعاقدة موجبا قانونا لفسخ العقد المبرم بينهما فانه يطلب من أجل ذلك الحكم بفسخ هذا العقد والزام الهيئة بأن تدفع اليه مبلغ 1064 جنيها كتعويض عن الأضرار التى حاقت به نتيجة عدم تنفيذها للعقد وقد ردت الحكومة على الدعوى بأنه اذا قيل أن بعض موظفى الاصلاح الزراعى قد تعرض للمدعى عند بدء قيامه بالتنفيذ فان هذا التعرض المزعوم لا تكون مسئولة عنه اذ أن موظفى الاصلاح الزراعى يعتبرون من الغير بالنسبة للهيئة المدعى عليها، وقد دأبت الهيئة على الاتصال بالاصلاح الزراعى وعملت ما فى وسعها لتمكين المدعى من التنفيذ حتى تحقق لها ذلك فعلا وطلبت منه القيام بالتنفيذ لكنه حضر الى مقر الهيئة فى 13/ 6/ 1961 وأعرض عن تنفيذ العملية بالفئات الواردة بعطائه مطالبا بتعويض عما أصابه من أضرار مزعومة ورفض استئناف العمل الا بعد اجابة مطالبه الأمر الذى اضطر الهيئة الى انذاره فى 4/ 7/ 1961 بأن عدم التنفيذ يعد اخلالا بتنفيذ التزاماته وأنها ستضطر الى توقيع الجزاءات المنصوص عليها فى العقد مع تحميله المسئولية، ومع ذلك امتنع عن تنفيذ العقد وهو بذلك يكون قد اُرتكب خطأ تعاقديا يستوجب مساءلته عنه وطلبت من أجل ذلك رفض الدعوى والزام المدعى بالمصروفات وبجلسة 24/ 3/ 1963 أصدرت محكمة القضاء الادارى حكمها فى الدعوى قاضيا برفضها وأسست المحكمة قضاءها على انه ولئن تأخرت الهيئة بعض الوقت فى تسليم موقع العمل للمدعى بسبب تعرض موظفى الاصلاح الزراعى الا أنها وبعد تبادل المكاتبات بينها وبين الاصلاح الزراعى تمكنت من استلام الموقع وطلبت الى المدعى استئناف العمل ولكنه رفض، وتأجيل البدء فى التنفيذ حق أصيل لجهة الادارة تقرره حسبما يتراءى لها فى ضوء احتياجات المرفق العام وهو نوع من حقها فى تعديل العقد الادارى وليس للمتعاقد معها أن يعترض عليه الا اذا كان من شأنه قلب العقد رأسا على عقب بحيث يصبح المتعاقد أمام عقد جديد وفى هذه الحالة الاستثنائية يتعين عليه أن ينفذ ارادة جهة الادارة وليس من حقه أن يمتنع عن التنفيذ بمقولة أن الادارة لم تجبه الى طلب تعويضه عن اضرار يدعى أنها لحقته من التعديل والتأجيل ذلك أنه من المسلم فى القانون الادارى أنه طالما أن فى الامكان تنفيذ العقد فعلى المتعاقد أن يواصل تنفيذ التزامه حتى ولو زعم أن هناك ظروفا حدثت أدت الى الاخلال بالتوازن المالى للعقد لأن هذا لن يتبين الا بعد تنفيذ العملية وعمل الحساب النهائى عنها، وتأسيسا على ذلك كان يتعين على المدعى أن يقوم بتنفيذ العملية فاذا ظهر بعد ذلك أنه قد لحقته أضرار من جراء التأجيل، فعندئذ يكون له الحق فى المطالبة بالتعويض بعد اتمام العمل، أما أن يمتنع عن التنفيذ ويطالب الادارة بالتعويض فأمر يتنافى مع المبادئ العامة المستقرة فى مجال القانون الادارى وبذلك تكون دعواه غير قائمة والحالة هذه على أساس سليم من القانون ويتعين لذلك رفضها والزامه بالمصروفات. وقد طعن المدعى فى هذا الحكم وقال فى بيان أوجه الطعن أن الحكم المطعون فيه قد فاته أن جهة الادارة بسبب حيلولتها بين الطاعن وبين البدء فى التنفيذ قد قلبت العقد رأسا على عقب فتغيرت بالنسبة اليه ظروف التعاقد جميعها وأصبح يرى نفسه أمام عقد جديد والتزامات جديدة لا قبل لها بها وأن العدالة الادارية تقتضى منح المتعاقد التعويض الكافى بما يعيد التوازن المالى للعقد، وهذا الذى حدث من جانب جهة الادارة قد اهدر كل حق للمدعى وعرضه للخسائر المحققة التى أوضحها فى عريضة دعواه وقد ردت المدعى عليها على الطعن بمذكرة دفعت فيها بعدم قبوله لرفعه على غير ذى صفة وبالنسبة للموضوع ذكرت أن التعرض للطاعن فى استلام الموقع قد حدث من رجال الاصلاح الزراعى وليس من الهيئة المطعون ضدها حتى أن موضوع هذا التعويض أحيل الى النيابة الادارية التى انتهت فى تحقيقها الى مسئولية مندوب الاصلاح الزراعى عما حدث من تعرض، فليست الهيئة المتعاقدة هى المسئولة اذن عنه، على أنه وقد تبين أن الهيئة قد استطاعت أن تزيل العقبات التى تعرض لها الطاعن وعرضت عليه استلام العمل فرفض فان امتناعه هذا يحجب عنه كل حق فى التعويض اذ أنه من المقرر حتى يكون له هذا الحق أن يكون هو قد قام بتنفيذ التزامه.
عن الدفع بعدم قبول الطعن:
من حيث ان الهيئة المطعون ضدها قد مثلت فى الطعن وأبدت فيه دفاعها فمن ثم لا يقبل منها بعد ذلك الدفع بعدم قبول الطعن لرفعه على غير ذى صفة، ويتعين لذلك رفض هذا الدفع.
عن الموضوع:
من حيث انه يبين من الوقائع متقدمة الذكر والتى لا خلاف عليها بين الطرفين متى كان الثابت أنه قد حيل بين المتعاقد والبدء فى تنفيذ العملية بسبب تعرض رجال الاصلاح الزراعى له، الأمر الذى ترتب عليه وقف تنفيذ هذه العملية لمدة جاوزت السنة بعد صدور أمر التشغيل دون أن تقوم الهيئة المتعاقدة بتنفيذ التزامها بتسلم الطاعن مواقع العمل وتمكنه من البدء فى التنفيذ، فمن ثم فانه اذا لوحظ أن المدة التى حددت لتنفيذ العملية هى شهران فقط، فان عدم قيام الهيئة المذكورة بتسليم مواقع العمل الى الطاعن طيلة عام بأكمله هو ما يحق معه القول بأنها قد أخلت اخلالا جسميا بواجبها نحو الطاعن بعدم تمكينه من العمل، وأنها تأخرت فى تنفيذ التزامها هذا مدة كبيرة تجاوز القدر المعقول مما يقوم سببا مبررا لفسخ العقد المبرم بينهما وتعويض الطاعن عما أصابه من أضرار بسبب ذلك.
ومن حيث انه بمراعاة أن قيمة العملية بعد أن قبل المدعى انقاصها الى النصف باقراره المؤرخ 4/ 7/ 1960 تبلغ حوالى 1000 جنيه ونظرا الى أنه غير ثابت فى المحضر الذى حرره عند تعرض رجال الاصلاح الزراعى له وجود عمال معه، فان المحكمة ترى الحكم للطاعن بمبلغ 100 (مائة جنيه) كتعويض كامل مع الزام الهيئة المدعى عليها بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبالزام الجهة الادارية بأن تدفع للمدعى تعويضا شاملا قدره مائة جنيه مصرى وألزمتها بالمصروفات المناسبة.