مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثانى (من منتصف فبراير سنة 1967 إلى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 1192

(131)
جلسة 17 من يونية سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف ابراهيم الشناوى وعباس فهمى محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 929 لسنة 9 القضائية

( أ ) - عقد ادارى. "الجزاءات التى تملك الادارة توقيعها. شطب اسم المتعهد". المادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات - وقوع غش أو تلاعب من المتعهد - أثره: حق الادارة فى فسخ العقد وشطب اسم المتعهد - أحكام المادة المذكورة لا تخل بحق الادارة فى شطب اسم المتعهد فى حالة عدم فسخ العقد. [(1)]
(ب) - عقد ادارى. "شطب اسم المتعهد". "الغش والتلاعب فى التوريد". مجرد مخالفة المواصفات المتفق عليها - لا يشكل غشا أو تلاعبا يدعو الى شطب اسم المتعهد - الغش يقتضى ثبوت علم المتعهد بهذه المخالفة بما ينطوى عليه هذا العلم من الخداع من جانبه - التلاعب الذى يجاوز الاهمال ولا يرقى الى مرتبة الغش يفترض اتيان المتعهد اعمالا تنم عن عدم التزامه الجادة فى تنفيذ التزاماته ومحاولته ايجاد الثغرات للتحلل منها ابتغاء الحصول على منفعة غير مشروعة. [(2)]
1 - ان نص المادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات لا يحرم الادارة من حقها فى شطب اسم المتعهد الذى يستعمل الغش أو التلاعب فى حالة ما اذا لم تر فسخ العقد وقبلت الأصناف المخالفة، ذلك أنه ورد - كما تنطق عباراته - لالزام الادارة بشطب اسم ذلك المتعهد فى حالة فسخ العقد. أما اذا لم تر الادارة فسخ العقد فانه يبقى لها دائما حقها فى استبعاد من لا يتمتع بحسن السمعة من قائمة عملائها وذلك الحق الأصيل الذى لم يخل به نص المادة 85 سالف الذكر فيجوز لها بمقتضى هذا الحق أن تشطب اسم المتعهد اذا ثبت استعماله الغش أو التلاعب حتى ولو لم يفسخ العقد لهذا السبب بمعنى أن شطب اسم المتعهد بسبب استعمال الغش والتلاعب اذا كان واجبا فى حالة فسخ العقد فانه جائز أيضا اذا لم يفسخ العقد باعتبار أن استعمال الغش أو التلاعب دال بذاته على عدم تمتع المتعهد بحسن السمعة.
2 - ان مجرد مخالفة المواصفات المتفق عليها لا يشكل غشا أو تلاعبا يدعو الى شطب اسم المتعهد من قائمة المتعاملين مع الادارة اذ يلزم حتى ترقى مخالفة المواصفات الى مرتبة الغش أن يثبت علم المتعهد بهذه المخالفة بما ينطوى عليه هذا العلم من الخداع من جانب المدعى فى حقيقة الشئ المسلم من حيث نوعه أو طبيعته أو صفاته الجوهرية التى جرى التعاقد عليها. ففى هذه الحالة يتوافر سوء القصد الدال على استعمال الغش المبرر للشطب كذلك فان مجرد مخالفة المواصفات فى الكمية القليلة التى قام المدعى بتسليمها الى العمال فى محله وفى الظروف التى تم فيها هذا التسليم لا يعد تلاعبا. ذلك أن التلاعب الذى يجاوز الاهمال ولا يرقى مرتبة الغش، والذى يتعذر حصر مختلف أساليبه وشتى صوره، يفترض اتيان المتعهد أعمالا تنم عن عدم التزام المتعهد الجادة فى تنفيذ التزاماته ومحاولته ايجاد الثغرات للتحلل منها ابتغاء الحصول على منفعة غير مشروعة على حساب المصلحة العامة التى يستهدفها العقد الادارى.


المحكمة

من حيث أن عناصر هذه المنازعة تخلص - على ما يبين من أوراق الطعن - فى أن السيد/ عزت أحمد سالم أقام الدعوى رقم 1363 لسنة 14 القضائية أمام محكمة القضاء الادارى "هيئة العقود الادارية وطلبات التعويض بصحيفة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة فى 10 من أغسطس سنة 1960 وطلب فى ختامها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من مجلس ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية فى 30 من يونية 1960 بشطب اسمه من قائمة المتعاملين مع الادارة وما يترتب على ذلك من آثار كما طلب فى الموضوع بالغاء القرار المذكور وما يترتب على ذلك من آثار وقال أن القرار المطعون فيه قد صدر بالمخالفة لأحكام القانون بالاضافة الى ما تضمنه من تعسف فى استعمال السلطة وأنه كانت قد رست عليه مناقصة توريد ملابس شتوية لعمال ادارة النقل العام المدعى عليه فقام بتنفيذ العملية بدقة وأمانة ورغم ذلك فقد شطب اسمه من قائمة المتعاملين مع الادارة فى حين أن المادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات قد حددت الحالات التى يجوز فيها للادارة اتخاذ مثل هذا القرار ولا تنطبق احداها عليه. وفى أول يناير سنة 1960 قضت المحكمة برفض الطلب المستعجل وبصحيفة معلنة الى وزارة الاسكان والمرافق فى 27 من يناير سنة 1962 والى ادارة النقل العام فى أول فبراير 1962 عدل المدعى طلباته مضيفا اليها طلبان آخر على الوجه الآتى: أولا: الحكم بعدم الاعتداد بالقرار الصادر من مجلس ادارة النقل العام فى 30 من يونيه 1960 بشطب اسم المدعى من قائمة المتعاملين مع الادارة وبطلان ذلك القرار وما يترتب على ذلك من آثار - ثانيا: الحكم بمبلغ خمسة آلاف جنيه بصفة تعويض عن الأضرار المادية والأدبية التى أصابته من قرار الشطب المذكور لمخالفته العقد مع الزام الادارة المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وقال فى تبيان طلب التعويض أن الأضرار التى لحقت به من جراء صدور القرار تتمثل فى أنه لم يستطع بسببه مباشرة نشاطه التجارى فضلا عن الاساءة الى سمعته التجارية لدى الجهات الأخرى مما أدى الى ارتباك أحواله المالية.
ومن حيث أن الوقائع تجمل فى أن ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية كانت قد أعلنت فى 30 من يونية سنة 1959 عن مناقصة لتوريد الملابس الشتوية اللازمة لعمالها فتقدم المدعى بعطاء للتوريد وقد أوصت لجنة البت بقبول عطائه وفى 17 من أغسطس سنة 1959 أخطر بقبول عطائه بمبلغ اجمالى قدره 7788 جنيها و62 مليما وصدر اليه اذن التوريد. وقد قام المدعى بالتوريد على ثلاث دفعات اذ ورد 1120 حلة صرف فى 19 من ديسمبر سنة 1959 كما ورد 805 معطف صوف وكان التوريد فى الميعاد المحدد وبمخازن الادارة وفقا لما يقضى به العقد كما تبين من التحليل أن هذه الكميات مطابقة للمواصفات. والثابت من أوراق الدعوى والتحقيقات الادارية التى أجريت أن أمين مخزن الملابس بادارة النقل للسيد/ الشوباشى أصدر أمرا الى المدعى بتسليم الدفعة الأخيرة من الملابس الى الكمساوية والسائقين بمحله مباشرة دون تسليمها الى المخازن وتنفيذا لهذه التعليمات سلم المدعى 183 حلة الى هؤلاء مباشرة وقد تبين من التحليل مطابقتها للمواصفات. كما قام بتسليم دفعة أخيرة لعمال الادارة بناء على هذه التعليمات وبارسال عينات من هذه الملابس الى التحليل، وكانت تتألف من جاكتة وبنطلون ومعطف - تبين أن الجاكتة والبنطلون مطابقين للمواصفات أما المعطف فقد تبين أن نسبة الصوف فيه تبلغ 62.8% فى حين تقضى المواصفات بألا تقل عن 95% كما تبين عجز فى قوة الشد وقد تبين أن عدد المعاطف المخالفة للمواصفات 101 معطفا وقدرت مصلحة الرقابة الصناعية نسبة الخصم نظير مخالفة المواصفات بواقع 32.7% من الثمن. وفى 20 من أبريل سنة 1960 عرض الأمر على لجنة وكل اليها أمر فحص الملابس الموردة من المطعون ضده وانتهت الى اتخاذ القرارات الآتية:
1 - توصى اللجنة بعدم رد المعاطف موضوع النزاع الى المورد حيث تم صرفها للعمال مباشرة وهم غير معروفين بالاسم لدى الادارة الأمر الذى يتعذر معه استردادها من أصحابها وعلاوة على أنها صرفت لهم فى وقت كانت الحاجة ماسة إليها لعدم وجود مخزون من نفس النوع بالمخازن ولحلول فصل الشتاء عند استلامها.
2 - انه بناء على رأى الشئون القانونية فانه يتعين اجراء الخصم على 101 معطفا أى بخصم غرامة تساوى نفس نسبة الخصم ولما كانت نسبة العجز فى الصوف 32.2% وكانت هذه النسبة تزيد على 10% فتكون النسبة الواجب خصمها 64.4% وأما فيما يتعلق بالعجز فى قوة الشد فتخصم عنها ثلث نسبة العجز أى 9.81%.
وقد عرض الأمر على مجلس الادارة بجلسته المنعقدة فى 30 من يونيه سنة 1960 بناء على مذكرة مدير عام الادارة والتى أشار فيها الى أن الملابس موضوع المخالفة صرفت بالفعل الى عمال الادارة قبل ظهور نتيجة للتحليل فضلا عن أن المتعهد قبل نسبة الخصم والغرامة عن المعاطف التى أمكن حصرها بعدد 101 معطفا وأن النسبة الواجب خصمها من المورد اجمالا على أساس تقرير مصلحة الرقابة الصناعية هى 69.4% من ثمن الملابس المخالفة للمواصفات. وقد أصدر مجلس الادارة قرار باستبعاد المدعى من قائمة المتعاملين مع الادارة واخطار الجهات المختصة بذلك على ألا تؤثر هذه الموافقة على ما يكون هناك من مسئولية جنائية مع تحديد المسئولية الادارية عن قبول الصنف المخالف. هذا وقد عرض الأمر على ادارة الفتوى ولتشريع للمصالح لعامة بالاسكندرية فأفادت فى 2 من أكتوبر سنة 1960 بأن هذا العمل من جانب المتعهد ينطبق عليه وصف الغش والتلاعب وأنه قصد اليه بدليل أنه لم يقم بتسليم الملابس لمخازن الادارة بل سلمها الى العمال مباشرة مخالفا بذلك شروط العقد.
ومن حيث أن المدعى يرتكن فى دعواه على أن الشروط الواجب توافرها فى الحالات التى تبيح الشطب والتى تنص عليها المادة 85 من لائحة المناقصات والمادة 56 من قائمة الشروط وهى استعمال الغش والتلاعب فى التعامل مع الادارة غير متوافرة فى حقه لأن مجرد مخالفة المواصفات لا يعنى حتما ارتكابه الغش أو التلاعب خصوصا وأن الأصناف قد قبلت ولم يفسخ العقد ولم ترفض الاصناف كما لم يصادر التأمين. وقد أجابت ادارة النقل بأن ما وقع منه يعد غشا وتلاعبا مما يندرج تحت حكم المادتين المشار اليهما ودفعت بعدم قبول الدعوى بالنسبة لوزارة الاسكان لرفعها على غير ذى صفة.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بالغاء القرار الصادر بشطب اسم المدعى على أن الثابت من وقائع الدعوى أن المدعى لم يقم من تلقاء نفسه بتسليم الملابس مثار النزاع الى عمال المدعى عليها وانما كان ذلك بتكليف من أمين المخازن وهو موظف مختص مسئول عن الاستلام والتسليم ومن ثم فان المدعى يكون على حق فى عدم التشكك فى صحة هذا الاجراء خاصا وأن لائحة المناقصات قد أجازت أن يطلب من المتعهد التوريد الى جهة غير الجهة المتعاقد على التوريد اليها وأنه ذا روعى ما ثبت من التحقيق الادارى من أن أمين المخازن المذكور موظف كفء مشهود له بالأمانة والاستقامة وأن الذى دعاه لاصدار الأمر انما كان كثرة العمل وضيق المخازن الأمر الذى ينتفى معه تهمة التواطئ مع المدعى وأنه ما كان يجوز للادارة قبول هذه الأصناف ما دام قد خالجها الشك فى حدوث غش أو تلاعب من المورد وكان من المتعين عليها رفضها حتى يكون لها الحق بعد ذلك فى شطب اسمه من قائمة الموردين وأن الجمع بين قبول الصنف مع التخفيض وتوقيع الغرامة وبين توقيع عقوبة الشطب أمر غير مستساغ لأنه فضلا عن تعارضه مع صريح النص بضرورة رفض الصنف فانه لا يعقل أن تظل الادارة فى معاملتها من المورد الذى ثبت لها غشه وتلاعبه. واستطرد الحكم الى القول بأنه لا يجوز أن تحمل الادارة مسلك المدعى فى عرضه سحب الملابس غير المطابقة أو قبول الخصم محل الاقرار بالغش أو التلاعب ازاء ما أوضحه من خشيته وقف صرف مستحقاته مما يعرض أعماله لخطر التوقف وانتهى الحكم الى أنه لما كانت واقعة الغش والتلاعب الذى قام عليها الاجراء غير صحيحة وغير قائمة فان هذا الاجراء يكون قد قام على غير سبب يبرره.
ومن حيث أن الطعن يقوم على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون من وجهين:
الأول: أن الطاعن الأول كان قد دفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة على أساس أن ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية تعتبر شخصا اعتباريا مستقلا عن وزارة الاسكان والمرافق ولها نائب غير الطاعن الأول هو الواجب اختصامه وحده فى الدعوى وكان متعينا أن تفصل المحكمة فى هذا الدفع ولا يمكن القول بأن منطوق الحكم ينصرف الى أن الادارة التى ألزمها الحكم المذكور هى ادارة النقل العام مما قد يستفاد منه ضمنا قضاؤها بقبول الدفع لأن لفظ الادارة كما يطلق على ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية فانه يطلق أيضا على أية جهة ادارية أخرى وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد رفض الدفع بعدم قبول الدعوى بقضاء غير مسبب مما يجعل حكمه مشوبا بقصور يبطله.
الثانى - أن المادة 85 من لائحة المناقصات لا توجب على الجهة الادارية أن تلغى العقد فى حالة استعمال المتعهد الغش أو التلاعب فى معاملته مع الادارة بل أن الفسخ هنا جوازى للجهة الادارية أن شاءت وقعته وان شاءت لم توقعه وليس ثمة ما يمنع من قبول الأصناف غير المطابقة عملا بنص الفقرة الثانية من المادة 137 من لائحة المناقصات وشطب اسمه وفقا للمادة 85 كذلك فانه ليس ما يمنع من الجمع بين جزاءات متعددة فى العقد الادارى ما دام قد تحقق السبب فى كل منها.
ومن حيث أن هيئة مفوضى الدولة قدمت تقريرا بالرأى القانونى فى الطعن ذهبت فيه الى أن المخالفة المنسوبة الى المطعون ضده تنطوى على غش يستأهل اقصاءه من زمرة المتعاملين مع الادارة وأنه يدل على ذلك مخالفة المعاطف التى قام بتسليمها للعمال فى محله لشروط العقد ومواصفاته ولأن علمه بمخالفة المواصفات مستفاد من الظروف وقرائن الأحوال التى صاحبت تنفيذ العقد يؤكد ذلك أن الملابس التى قام بتوريدها فى مخازن الادارة لتجرى عليها اجراءات الفحص والتحليل هى التى ثبتت مطابقتها للشروط والمواصفات بينما ثبت العكس بالنسبة للمعاطف التى قام بتسليمها الى بعض العاملين فى محله مباشرة بناء على أوامر التسليم التى صدرت اليه من أمين أول المخازن الأمر الذى يرشح للاعتقاد بأن المطعون ضده قد استغل الظروف التى صدرت اليه فيها أوامر التسليم مؤخرا فقام بتسليم بعض العاملين ملابس مصنوعة من أقمشة أقل جودة من الأقمشة المتفق على تصنيع الملابس منها ظنا منه أن جريمته لن يكشف أمرها بالخلاص من اجراءات الفحص والتحليل.
ومن حيث أن الوجه الأول من الطعن يقوم على أن وزارة الاسكان والمرافق كانت قد دفعت الدعوى بعدم قبولها لرفعها على غير ذى صفة وأن الحكم المطعون فيه أغفل الرد على هذا الدفع ولم يفصل فيه بقضاء صريح أو ضمنى بالرغم مما لهذا الدفع من أثر فى الفصل فى الدعوى مما يجعل الحكم المطعون فيه مشوبا بالقصور من هذه الناحية.
ومن حيث أن الواضح من الحكم المطعون فيه أنه اذ قضى بالزام "الادارة" بالمصروفات انما أفاد قصر الالزام على ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية دون وزارة الاسكان والمرافق. وهذا منه ينطوى على قضاء ضمنى باستبعاد وزارة الاسكان من الخصومة لانتفاء صفتها فى الدعوى ومن ثم فان الطعن من هذا الوجه يكون مردودا لانتفاء المصلحة فيه بعد أن جاء الحكم موافقا لطلبات وزارة الاسكان. وفى الواقع فان استبعاد وزارة الاسكان والمرافق من الخصومة مرده الى أحكام القانون رقم 22 لسنة 1954 بانشاء ادارة النقل العام بمنطقة الاسكندرية التى تنص مادته الأولى على أن يكون لمدينة الاسكندرية وضواحيها ادارة لشئون النقل العام تسمى ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية وتعتبر شخصا معنويا مقره مدينة الاسكندرية وتنص المادة الخامسة على أن مجلس الادارة هو السلطة العليا النهائية التى تفصل فى كل شئون الادارة كما تنص المادة الثامنة على أن يشرف على ادارة النقل العام بمنطقة الاسكندرية عضو مجلس الادارة المنتدب ويمثل الادارة أمام القضاء وفى صلاتها بالغير - ومؤدى هذه النصوص أن مرفق النقل بمدينة الاسكندرية تقوم عليه مؤسسة عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة عن شخصية الدولة ويهيمن على شئونها مجلس ادارة يرأسه وزير المواصلات كما يمثله فى التقاضى وفى صلاته بالغير عضو مجلس الادارة المنتدب. ومتى كان عضو مجلس الادارة المنتدب هو النائب عن المرفق فى شئون التقاضى وكان القرار المطعون فيه قد صدر من مجلس ادارة النقل العام بوصفه السلطة العليا النهائية التى تفصل فى كل شئون الادارة ولا شأن لوزارة الاسكان والمرافق به، فان اختصام هذه الوزارة فى الدعوى لم يكن قائما على أساس سليم من القانون ويكون ما انتهى اليه الحكم من الزام ادارة النقل العام وحدها بالمصروفات صائبا.
ومن حيث انه فيما يتعلق بالوجه الثانى من الطعن فان الثابت أن القرار بشطب اسم المدعى من قائمة المتعاملين مع الادارة انما بنى على استعماله الغش والتلاعب فى معاملته معها تطبيقا للمادتين 56 من قائمة الشروط و85 من لائحة المناقصات.
ومن حيث أن المادة 85 من لائحة المناقصات - والتى ردد حكمها نص المادة 56 من قائمة الشروط - تنص على أن "ينفسخ العقد ويصادر التأمين النهائى وذلك بعد أخذ رأى مجلس الدولة وبدون اخلال بحق المصلحة فى المطالبة بالتعويضات المترتبة على ذلك فى الحالات الآتية:
(1) اذا استعمل المتعهد الغش أو التلاعب فى معاملته مع المصلحة أو السلاح... وحينئذ يشطب اسمه من بين المتعهدين وتخطر وزارة المالية والاقتصاد بذلك ولا يسمح له بدخول المناقصات الحكومية.
هذا علاوة على ابلاغ أمره للنيابة العامة.
ومن حيث أنه لا وجه لما ذهب اليه الحكم المطعون فيه من امتناع شطب اسم المدعى من قائمة المتعاملين من الادارة اذا قبلت الأصناف المخالفة ولم تقم برفضها أو فسخ العقد ذلك أن هذا النص لا يحرم الادارة من حقها فى شطب اسم المتعهد الذى يستعمل الغش أو التلاعب فى حالة ما اذا لم تر فسخ العقد وقبلت الأصناف المخالفة، ذلك أنه ورد - كما تنطق عباراته - لالزام الادارة بشطب اسم ذلك المتعهد فى حالة فسخ العقد. أما اذا لم تر الادارة فسخ العقد فانه يبقى لها دائما حقها فى استبعاد من لا يتمتع بحسن السمعة من قائمة عملائها وذلك الحق الأصيل الذى لم يخل به نص المادة 85 سالفة الذكر فيجوز لها بمقتضى هذا الحق أن تشطب اسم المتعهد اذا ثبت استعماله الغش أو التلاعب حتى ولو لم يفسخ العقد لهذا السبب بمعنى أن شطب اسم المتعهد بسبب استعمال الغش والتلاعب اذا كان واجبا فى حالة فسخ العقد فانه جائز أيضا اذا لم يفسخ العقد باعتبار أن استعمال الغش أو التلاعب دال بذاته على عدم تمتع المتعهد بحسن السمعة. وينبنى على ذلك أن الشطب لا يغنى فى حالة تنفيذ العقد عن توقيع الجزاءات الأخرى على المتعهد.
ومن حيث أن الثابت أن المدعى قام بتسليم الأصناف المتعاقد عليها طبقا للاشتراطات باستثناء بعض الملابس التى قام بتسليمها الى العاملين مباشرة فى محل تجارته بناء على تعليمات صريحة صادرة اليه من أمين أول المخازن الذى اختار هذا الأسلوب تسهيلا للعمل، ولم يقم دليل على أن هذا التسليم كان نتيجة تواطئ بينه وبين المدعى عليه خصوصا وأن التحقيقات الادارية قد دلت على أن أمين المخازن المشار اليه من الموظفين المشهود لهم بالنزاهة وحسن السمعة كذلك فانه لا وجه للقول بأن المدعى قد استغل الظروف التى صدرت اليه فيها أوامر التسليم بمحله لتوريد ملابس مخالفة للمواصفات اذ تبين أنه سبق أن ورد الى العمال مباشرة تنفيذا للتعليمات الصادرة اليه ملابس مطابقة للمواصفات.
ومن حيث أن مجرد مخالفة المواصفات المتفق عليها لا يشكل غشا أو تلاعبا يدعو الى شطب اسم المتعهد من قائمة المتعاملين مع الادارة. اذ يلزم حتى ترقى مخالفة المواصفات الى مرتبة الغش أن يثبت علم المتعهد بهذه المخالفة بما ينطوى عليه هذا العلم من الخداع من جانب المدعى فى حقيقة الشئ المسلم من حيث نوعه أو طبيعته أو صفاته الجوهرية التى جرى التعاقد عليها. ففى هذه الحالة يتوافر سوء القصد الدال على استعمال الغش المبرر للشطب كذلك فان مجرد مخالفة المواصفات فى الكمية القليلة التى قام المدعى بتسليمها الى العمال فى محله وفى الظروف التى تم فيها هذا التسليم لا يعد تلاعبا. ذلك أن التلاعب الذى يجاوز الاهمال ولا يرقى الى مرتبة الغش، والذى يتعذر حصر مختلف أساليبه وشتى صوره، يفترض أتيان المتعهد أعمالا تنم عن عدم التزام المتعهد الجادة فى تنفيذ التزاماته ومحاولته ايجاد الثغرات للتحلل منها ابتغاء الحصول على منفعة غير مشروعة على حساب المصلحة العامة التى يستهدفها العقد الادارى.
ومن حيث أنه ليس ثمة دليل على المطعون ضده بمخالفة المعاطف مثار النزاع للمواصفات خصوصا وأنها لم تكن من صنعه وانما جاءته عن طريق غيره، ولا عليه ان هو امتثل لتعليمات أمين أول المخازن - وهو الموظف المسئول - بشأن تسليم بعض الملابس الى العمال بمحله تسهيلا للعمل. ولا وجه للقول بأن علم المطعون ضده مستفاد من كونه المتعهد المتعاقد على التوريد ولا تخفى عليه خافية فيما يورده اذ لا يصح فى الأذهان اعتبار ذلك دليلا كافيا على العلم بمخالفة الملابس المتعاقد عليها للمواصفات التى يتعذر تبين وجه المخالفة فيها الا بعد اجراء التحليل كذلك فانه لا يمكن استخلاص ذلك من مجرد أن مصلحة ستعود عليه من وراء هذه المخالفة فقد تكون المصلحة المبتغاة ليست له وانما على حسابه لغيره، واذا روعى أن المطعون ضده قد نفذ الجانب الأكبر من التزاماته تنفيذا سليما حتى بالنسبة الى الملابس التى سلمت الى العمال فى محله واقتصر الأمر على مائة معطف وواحد ظهرت مخالفتها للمواصفات، وأن المنفعة التى كان يمكن أن تعود عليه من هذه المخالفة بالقياس الى حجم العملية هى أدنى من أن تحفزه على المغامرة باسمه وسمعته التجارية، دل ذلك فى مجموعة على انتفاء علم المدعى بمخالفة المعاطف الموردة للمواصفات.
ومن حيث أنه متى كان ذلك، وكان علم المدعى بمخالفة المعاطف مثار النزاع للمواصفات منتفيا، ولم يتوفر فى حقه استعمال التلاعب بالمعنى المتقدم، فان القرار بشطب اسمه من قائمة المتعاملين مع الادارة يكون غير قائم على سببه المبرر له ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى اليه من الغاء القرار المطعون فيه.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت ادارة النقل العام لمدينة الاسكندرية بالمصروفات.


[(1)] راجع فى هذا المعنى حكم المحكمة الادارية العليا الصادر بجلسة 17/ 12/ 1962 فى القضية رقم 1067 لسنة 5 ق. والمنشور بمجموعة السنة السابعة، مبدأ 37 ص 334.
[(2)] راجع فى هذا المعنى حكم المحكمة الادارية العليا الصادر بجلسة 22/ 4/ 1961 فى القضية رقم 1127 لسنة 5 ق. والمنشور بمجموعة السنة السادسة مبدأ 115 ص 891.