مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1981 الى آخر سبتمبر سنة 1982) - صـ 359

(51)
جلسة 27 من فبراير سنة 1982

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف ابراهيم الشناوى رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد نور الدين العقاد وحسن عبد الوهاب عبد الرازق وعبد المعطى على زيتون ومحمد أحمد البدرى - المستشارين.

الطعن رقم 257 لسنة 26 القضائية

حريات - حرية التنقل - قرار ادارى - سببه - رقابة قضائية.
حرية التنقل من مكان الى آخر ومن جهة لأخرى والسفر خارج البلاد مبدأ أصيل للمواطن وحق دستورى مقرر له، لا يجوز المساس به دون مسوغ ولا الانتقاص منه بغير مقتض ولا تقييده الا لصالح المجتمع وحمايته وفى حدود التشريعات المنظمة لهذا الحق - مؤدى نص المادة 11 من القانون رقم 97 لسنة 1959 فى شأن جوازات السفر أن يكون قرار منح جواز السفر أو تجديده أو سحبه من صاحبه قائما على أسباب هامة يتولى وزير الداخلية سلطة تقديرها - هذه السلطة ليست مطلقة بل تخضع لرقابة القضاء - استناد الادارة فى اصدار قرارها بسحب جواز سفر المطعون ضده وعدم تجديده والحيلولة بينه وبين السفر خارج البلاد لأسباب تتمثل فى وجوده ببيروت دون أن تتوافر لديه نفقات العودة الى أرض الوطن مع الاكثار من التنقل بين دولتى سوريا ولبنان ابان اشتعال الحرب الأهلية بلبنان - القرار غير قائم على سبب يبرره خليقا بالالغاء، - أساس ذلك أن تواجد المطعون ضده بالخارج دون أن يكون معه مصاريف العودة لا تحمل بذاتها معنى الاساءة الى الوطن والاضرار بسمعة البلاد اللهم الا اذا كان مردها الى انحراف فى المسلك أو تنكب للنهج القويم - وعن واقعة تردده ما بين سوريا ولبنان أثناء اندلاع الحرب الأهلية بلبنان فلا تعتبر بذاتها شيئا منكرا ومادام لم يثبت أن له صلة بأى من الفريقين المتقاتلين أو أنه أتى أفعالا من شأنها أن تسئ الى سمعة وظنه فما كان هناك موجب لتقييد حريته الشخصية باصدار قرار سحب جواز سفره وعدم تسليمه له.


اجراءات الطعن

فى يوم الأحد الموافق 6 من يناير سنة 1980 أودعت ادارة قضايا الحكومة نائبة عن وزير الداخلية (بصفته) قلم كتاب المحكمة الادارية العليا، تقريرا بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 257 لسنة 26 القضائية، فى الحكم الصادر من دائرة محكمة القضاء الادارى بالاسكندرية بجلسة 14/ 11/ 1979 فى الدعوى رقم 73 لسنة 31 القضائية المقامة من السيد/ محمد عباس محمد داود ضد وزير الداخلية والذى قضى "بقبول الدعوى شكلا وبالغاء قرار مدير عام مصلحة وثائق السفر والهجرة رقم 682 لسنة 1976 فى 24 من أغسطس سنة 1976 بسحب وعدم منح أو تجديد جواز سفر المدعى وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الادارة المصروفات".
وطلب الطاعن للأسباب المبينة فى تقرير طعنه، القضاء بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بالغاء هذا الحكم وبرفض الدعوى مع الزام المطعون ضده بالمصاريف.
وأعلن تقرير الطعن الى المطعون ضده فى 2 من فبراير سنة 1980.
وعقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بتقرير برأيها القانونى مسببا، انتهت فيه الى طلب الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزام الجهة الادارية بالمصاريف.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 7 من ديسمبر سنة 1981 وفيها قررت الدائرة احالته الى المحكمة الادارية العليا "الدائرة الأولى" لنظره أمامها بجلسة 9 من يناير سنة 1982، وبهذه الجلسة سمعت المحكمة ما رأت لزوم سماعه من ايضاحات ذوى الشأن، ثم قررت اصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، فى أنه بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الادارى "دائرة الاسكندرية" بتاريخ 28/ 11/ 1976 أقام السيد/ محمد عباس محمد داود الدعوى رقم 73 لسنة 31 القضائية ضد وزارة الداخلية، طالبا الحكم بالغاء القرار رقم 682 لسنة 1976 الصادر من الوزارة فى 24/ 8/ 1976 بسحب جواز سفره وعدم تجديده وما يترتب على ذلك من آثار والزام جهة الادارة بالمصاريف. وبيانا لدعواه قال انه كان فى زيارة لجمهورية لبنان، وقد حدث أن نفذت نقوده وتعذر عليه العودة الى الوطن، فلجأ الى السفارة المصرية ببيروت طالبا ترحيله جوا مبديا استعداده لرد النفقات المترتبة على ذلك بعد عودته، ولدى وصوله الى مطار القاهرة فوجئ بسحب جواز سفره، ورغم وفائه بمصاريف العودة وتظلمه مرات عديدة الى وزارة الداخلية الا انها رفضت تسليمه جواز السفر، مما دعاه الى طلب الغاء قرار سحب هذا الجواز.
وقد عقبت الوزارة على الدعوى بمذكرة تضمنت أن المدعى وصل الى البلاد فى 28/ 11/ 1975 مرحلا على نفقة الدولة بعد أن عجز عن تدبير نفقات العودة من بيروت الى مصر، وانه ثبت ان القنصلية المصرية ببيروت أشرت على جواز سفره بأنه تنقل أكثر من مرة بين لبنان وسوريا رغم الأحداث الأخيرة الجارية فى لبنان مما يثير الشك نحو الهدف من تكرار سفره وعودته. ومن ثم رؤى حفاظا على الأمن العام والعلاقات الخارجية بالدول الأخرى وعلى الأخص العربية منها عدم تسليم المدعى جواز سفره، وعلى هذا الأساس صدر القرار رقم 682 لسنة 1976 بسحب هذا الجواز وعدم تجديده تطبيقا لنص المادة 11 من القانون رقم 97 لسنة 1959.
ومن حيث انه بجلسة 14/ 11/ 1979 أصدرت المحكمة حكمها بالغاء القرار رقم 682 لسنة 1976 المشار اليه وما يترتب على ذلك من آثار، وأسست قضاءها هذا على أن عدم توافر نفقات السفر مع المدعى أثناء وجوده فى بيروت وكثرة سفره بين دولتى سوريا ولبنان ابان اشتعال الحرب الأهلية بالدولة الأخيرة دون أن تثبت صلته بأى شكل من الأشكال بأطراف النزاع فى هذه الحرب أو مساهمته فيها بأية صورة أو صدور ما يسئ الى سمعة بلده ومواطنيه أو اتيانه من الأفعال ما يخالف النظام العام أو الآداب، كل ذلك لا يعتبر أسبابا هامة - فى مفهوم المادة 11 من القانون رقم 97 لسنة 1959 - تبرر صدور قرار بسحب جواز سفره.
ومن حيث ان الطعن يقوم على ان الحكم المطعون فيه قد خالف القانون واخطأ فى تطبيقه وتأويله ذلك أن المطعون ضده سلك سلوكا معيبا خارج البلاد وانه ولئن كان من الصعب الاستدلال على هذا السلوك بأدلة مادية تصل الى مرتبة الأدلة فى الدعوى الجنائية الا أن استمرار تنقله بين سوريا ولبنان فى خضم أحداث الحرب فى لبنان أمر يكشف عن أعمال مريبة يقوم بها، وان الحال قد انتهى به الى الترحيل لمصر لعجزه عن تدبير نفقات عودته مما يفيد عدم وجود عمل لديه يتكسب منه وهو ما يسئ الى سمعة البلاد فى الخارج، الأمر الذى يقتضى عدم تمكينه من السفر مرة أخرى.
ومن حيث انه يتعين بادئ ذى بدء الاشارة الى ان حرية التنقل من مكان الى آخر ومن جهة لأخرى والسفر خارج البلاد، مبدأ أصيل للمواطن، وحق دستورى مقرر له، لا يجوز المساس به دون مسوغ ولا الانتقاص منه بغير مقتض ولا تقييده الا لصالح المجتمع وحمايته وفى حدود التشريعات المنظمة لهذا الحق ومن الأمور المسلمة انه بحكم ما للدولة من سيادة على رعاياها فان لها مراقبة سلوكهم سواء داخل البلاد أو خارجها للتثبت من التزامهم الطريق السوى فى مسلكهم وللتعرف على مدى ادراكهم لمسئولياتهم الوطنية وما تفرضه عليهم من الأخذ بأسباب النهج القويم فى تحركاتهم وتصرفاتهم وتجنب كل ما من شأنه أن يسئ الى سمعة الوطن أو كرامته أو يؤثر بأى وجه فى علاقته بالدول الأخرى، وذلك كله حتى تتمكن سلطات - الاختصاص - فى الوقت الملائم - من اتخاذ الاجراءات والاحتياطات الوقائية الكفيلة بمنع أى انحراف قد يهدد كيان البلاد وأمنها الداخلى أو الخارجى أو يضر بمصالحها السياسية والاقتصادية أو يمس سمعتها بين مختلف الدول والشعوب أو غير ذلك من الأسباب المتصلة برعاية الصالح العام. ومن ثم نصت المادة 11 من القانون 97 لسنة 1959 فى شأن جوازات السفر على انه "يجوز بقرار من وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها رفض منح جواز السفر أو تجديده، كما يجوز له سحب الجواز بعد اعطائه". ومؤدى هذا النص ان يكون قرار رفض منح جواز السفر أو تجديده أو سحبه من صاحبه قائما على أسباب هامة يتولى وزير الداخلية سلطة تقديرها، وليس من شك فى أن هذه السلطة ليست مطلقة بل تخضع لرقابة القضاء للتثبت من أن استخدامها انما قصد به تحقيق وجه المصلحة العامة، وان الأسباب المبررة للقرار لا تنأى عن هذه الرقابة للتحقق من مدى مطابقتها للقانون وأثر ذلك فى النتيجة التى انتهى اليها القرار وما اذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصا سائغا من أصول تنتجها ماديا وقانونا.
ومن حيث انه فى ضوء ذلك، فلما كان الثابت فى الأوراق ان الأسباب التى استندت اليها الادارة فى اصدار قرارها بسحب جواز سفر المطعون ضده وعدم تجديده وبالتالى الحيلولة بينه وبين السفر خارج البلاد، تتمثل فى وجوده ببيروت دون أن تتوافر لديه نفقات العودة الى أرض الوطن مع الاكثار من التنقل بين دولتى سوريا ولبنان أبان اشتعال الحرب الأهلية بلبنان. ولما كانت واقعة تواجد المطعون ضده بالخارج دون أن يكون معه مصاريف العودة لا تحمل بذاتها معنى الاساءة الى الوطن أو الاضرار بسمعة البلاد اللهم الا اذا كان مردها الى انحراف فى المسلك أو تنكب للنهج القويم أو ما الى ذلك وهو ما خلت الأوراق من بيانه، هذا بالاضافة الى ان المطعون ضده قام بأداء نفقات عودته الى الدولة. ثم ان واقعة تردده ما بين سوريا ولبنان أثناء اندلاع الحرب الأهلية بلبنان لا تعتبر بذاتها شيئا منكرا، وانه أيا ما كان الأمر فى تكييف هذه الواقعة وأيا كان ما تثيره من ريب وظنون فى اعتبار الادارة فانه ما دام لم يثبت ان للمطعون ضده أدنى صلة بأى من الفريقين المتقاتلين أو انه أتى فى هذا المجال فعلا أو أفعالا من شأنها أن تسئ الى سمعة وطنه أو أنه ناصر فريقا على حساب الآخر أو غير ذلك مما قد يصمه بسوء القصد أو يؤثر من قريب أو بعيد فى موقف الحيدة الذى التزمته جمهورية مصر العربية حيال ما يجرى من مشاحنات بين الأشقاء. وبذلك فما كان هناك موجب لتقييد الحرية الشخصية للمطعون ضده باصدار قرار بسحب جواز سفره وعدم تسليمه له. الأمر الذى يستتبع أن يكون هذا القرار غير قائم على سبب يبرره، وبالتالى يقع مخالفا للقانون خليقا بالالغاء.
ومن حيث انه متى كان الأمر كذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى الى هذه النتيجة فانه يكون قد صادف وجه الحق والصواب، ويكون الطعن فيه، والحالة هذه، على غير سند صحيح من القانون متعينا القضاء برفضه والزام الجهة الادارية الطاعنة بالمصاريف.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا والزمت الحكومة بالمصروفات.