مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1981 الى آخر سبتمبر سنة 1982) - صـ 364

(52)
جلسة 27 من فبراير سنة 1982

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف ابراهيم الشناوى رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد نور الدين العقاد وعزيز بشاى سيدهم وحسن عبد الوهاب عبد الرازق وعبد المعطى على زيتون - المستشارين.

الطعن رقم 724 لسنة 26 القضائية

التعليمات العامة للنيابات - اعطاء صورة الحكم الجنائى لكل من يطلبها - قرار سلبى.
مقتضى نص المادة 1017 من التعليمات العامة للنيابات الصادرة فى أول يوليو سنة 1958 أن ثمة التزاما يقع على أفلام الكتاب كل فى دائرة اختصاصه مؤداه اعطاء صورة الحكم الجنائى دوما ومباشرة لكل من يطلبها متى قام بأداء الرسوم المقررة وذلك دون ما حاجة لاستئذان أية سلطة أو جهة أخرى وبصرف النظر عما اذا كان لطالب الصورة شأن فى الدعوى الجنائية التى صدر فيها الحكم أو لم يكن خصما فيها - هذه التعليمات هى فى حقيقتها توجيهات ملزمة أصدرها النائب العام الى وكلائه وموظفى أقلام الكتاب ويتعين على هؤلاء وأولئك باعتبارهم مخاطبين بها العمل على تنفيذ ما تتضمنه من أوامر بصفة دائمة وبصورة منتظمة بشرط ألا تخالف قانونا قائما - الحكم بالغاء القرار السلبى بالامتناع عن اعطاء صورة حكم جنائى لمن طلبها - أساس ذلك - تطبيق.


اجراءات الطعن

فى يوم الخميس الموافق 27 من مارس سنة 1980، أودعت ادارة قضايا الحكومة نائبة عن وزير العدل (بصفته) قلم كتاب المحكمة الادارية العليا، تقريرا بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 724 لسنة 26 القضائية، فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بجلسة 29 من يناير سنة 1980 فى الدعوى رقم 1243 لسنة 29 القضائية المقامة من السيد/ البير بنيول وآخرون ضد وزير العدل (بصفته)، والذى قضى بالغاء القرار المطعون فيه والزام الحكومة بالمصاريف.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة فى تقرير طعنه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع الزام المطعون ضدهم بالمصاريف.
وعقبت هيئة مفوضى الدولة، على الطعن، بتقرير برأيها القانونى مسببا انتهت فيه الى طلب الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا مع الزام الحكومة بالمصروفات.
وبعد اتخاذ الاجراءات القانونية، عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 7 من ديسمبر سنة 1981، وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا "الدائرة الأولى" لنظره أمامها بجلسة 9 من يناير سنة 1981 حيث تقرر اصدار الحكم بجلسة اليوم، وفى هذه الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل، على ما يستفاد من الأوراق، فى ان السيد/ لبير بنيول وآخرين طلبوا الى قلم كتاب محكمة جنح قصر النيل بالقاهرة اعطاءهم صورة طبق الأصل للحكم الصادر من المحكمة فى القضية رقم 396 لسنة 1975 لتقديمها الى محكمة الجنح المستأنفة فى قضية أخرى مماثلة على ان يقوموا بأداء الرسم المقرر، الا أن قلم الكتاب امتنع عن تسليمهم الصورة المطلوبة دون مبرر، مما دعاهم الى أقامة الدعوى رقم 1343 لسنة 1975 أمام محكمة القضاء الادارى طالبين القضاء بالغاء القرار السلبى بالامتناع عن اعطائهم صورة الحكم المشار اليه.
وبجلسة 29/ 1/ 1980 قضت المحكمة بالغاء هذا القرار وبالزام الحكومة بالمصاريف. وأسست قضاءها على انه ولئن كان قانون الاجراءات الجنائية لم يتضمن نصا يجيز اعطاء صور الأحكام الا أن نصوصه قد خلت فى نفس الوقت مما يفيد حظر اعطاء مثل هذه الصور. ومن ثم فليس ثمة ما يمنع من اعطائها اذا قام المبرر لذلك فى طالب الصورة. فاذا رفضت الجهة الادارية، صراحة أو ضمنا بالامتناع، الاستجابة لطلبه دون سبب معقول كان قرارها مفتقدا ركن السبب مشوبا بعيب مخالفة القانون. ولا يغير من هذا النظر ما أثير خاصا بان المادة 180 من قانون المرافعات وقد قضت بانه يسوغ اعطاء صورة بسيطة من نسخة الحكم الأصلية لمن يطلبها ولو لم يكن له شأن فى الدعوى وذلك بعد دفع الرسوم المقررة. فان استخدامها عبارة "يسوغ" أمر يفيد بان اعطاء الصورة ليس واجبا على جهة الادارة، وبالتالى فلا يشكل امتناعها فى هذا الشأن قرارا سلبيا يقبل الطعن عليه بالالغاء - ذلك أن كون اتخاذ اجراء ما أمرا جوازيا للجهة الادارية لا يعنى ان يكون رفضها بمنأى عن الطعن عليه، اذ يجب أن يكون الرفض قائما على سبب يبرره والا كان مشوبا بعيب مخالفة القانون فضلا عما قد يلحقه من اساءة استعمال السلطة وسيان ان يكون الرفض صريحا أو ضمنيا بالامتناع والقول بغير ذلك معناه ان يكون من صدر فى مواجهته قرار صريح بالرفض فى موقف أفضل ممن التزمت الادارة بالنسبة اليه جانب الصمت، فبينما يحق للأول الطعن على القرار الصريح بالرفض يمتنع هذا الحق على الثانى وتلك نتيجة غير مقبولة وتفرقة لا وجه لها سيما وان المشرع كثيرا ما يستخدم لفظ "يسوغ" أو "يجوز" فى نصوص القوانين واللوائح. وأضافت المحكمة انه مع قيام مصلحة المدعين الظاهرة فى طلب صورة الحكم المبين فى عريضة دعواهم، فان الحكومة لم تجحد أيا من الوقائع التى أوردوها، ولم تقدم أسبابا تبرر عدم اعطائهم الصورة المطلوبة، فلهذا يكون قرارها السلبى بالامتناع غير قائم على سبب متعينا الغاؤه.
ومن حيث ان الطعن يقوم على ان الحكم المطعون فيه قد خالف القانون، ذلك ان القرار السلبى الذى يقبل الطعن عليه بالالغاء فى تطبيق نص الفقرة الأخيرة من المادة (10) من قانون مجلس الدولة هو امتناع جهة الادارة عن اتخاذ اجراء واجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح، والحال فى المنازعة الماثلة أن اعطاء صورة الحكم المطلوبة ليس واجبا على الادارة قانونا، وانما هو متروك لمحض تقديرها طبقا لنص المادة 180 من قانون المرافعات، ومن ثم فسكوتها عن اعطاء صورة الحكم لا يشكل الامتناع الذى يعتبر فى حكم القرارات الادارية.
ومن حيث ان ادارة قضايا الحكومة قدمت فى 23/ 1/ 1982 مذكرة رددت فيها ما أوردته بتقرير الطعن وأضافت أن لكل من قانون الاجراءات الجنائية وقانون المرافعات المدنية والتجارية مجاله المستقل ولا يوجد بينهما من الصلات ما يجعل ثانيهما قانونا عاما بالنسبة للأول، وان اعطاء صورة الحكم الجنائى لطالبها قد يكون أداة للتشهير أو وسيلة للنيل من المتهم بطريق أو بآخر.
ومن حيث انه بالرجوع الى التعليمات العامة للنيابات الصادرة فى أول يوليو سنة 1958 والتى حدثت فى ظل تطبيق أحكامها واقعة الامتناع عن اعطاء المطعون ضدهم صورة الحكم الجنائى المطلوبة، يتضح ان المادة 1017 من هذه التعليمات نصت على انه "لا تعطى صور محاضر التحقيق والأوراق القضائية الأخرى لطالبيها الا بناء على قرار من المحكمة المدنية بتقديم هذه الصور اليها.. أما صور الأحكام ومحاضر الجلسات فانها تعطى دائما ومباشرة لطالبيها بعد دفع الرسوم المستحقة" ومقتضى هذا النص ان ثمة التزاما يقع على أقلام الكتاب كل فى دائرة اختصاصه مؤداه اعطاء صورة الحكم الجنائى دوما ومباشرة لكل من يطلبها متى قام بأداء الرسوم المقررة وذلك دون ما حاجة لاستئذان أية سلطة أو جهة أخرى، وبصرف النظر عما اذا كان لطالب الصورة شأن فى الدعوى الجنائية التى صدر فيها الحكم أو لم يكن خصما فيها.
ومن حيث ان التعليمات المشار اليها هى فى حقيقتها توجيهات ملزمة أصدرها النائب العام الى وكلائه وموظفى أقلام الكتاب، مستهدفا بها معالجة العديد من الأمور القضائية والكتابية والمالية والادارية المتصلة بالنيابات، ويتعين على هؤلاء وأولئك باعتبارهم مخاطبين بها احترامها والعمل على تنفيذ ما تتضمنه من أوامر بصفة دائمة وبصورة منتظمة بشرط الا تخالف قانونا قائما.
ومن حيث ان ما نصت عليه هذه التعليمات خاصا بالالتزام باعطاء صورة الحكم الجنائى لطالبها بعد دفع الرسم المستحق، لا يخالف أى قانون. ذلك أن الثابت أن قانون الاجراءات الجنائية قد خلا من نص فى هذا الشأن. وأن قانون المرافعات الذى يعتبر القانون العام فى المسائل الاجرائية قد نص فى المادة 180 منه على انه "يسوغ اعطاء صورة بسيطة من نسخة الحكم الأصلية لمن يطلبها ولو لم يكن له شأن فى الدعوى وذلك بعد دفع الرسوم المقررة". ثم ان اعطاء صورة الحكم الجنائى لمن يطلبها انما يتفق مع ما هو مقرر من ان الأحكام الصادرة فى المواد الجنائية تحوز حجية مطلقة فى مواجهة جميع الناس. هذا فضلا عن أن المادة 983 من التعليمات العامة للنيابات الصادرة فى سنة 1979 (الكتاب الثانى - التعليمات الكتابية) قد أكدت الالتزام باعطاء صور الأحكام لطلابها رأسا حيث نصت على ان "صور الأحكام ومحاضر الجلسات ومحاضر جلسات المحاكم تعطى لطالبيها مباشرة..." وبناء على ذلك يكون هذا الالتزام فرضا واجبا على اقلام الكتاب اتباعه فى جميع حالات التطبيق الفردى فاذا خولف فى شأن حالة بعينها يكون ذلك مخالفا للقانون. ولا يغير من هذا النظر ما أثارته الجهة الادارية من ان اعطاء صورة الحكم قد تكون وسيلة للتشهير أو النيل من المتهم، فمما لا شك فيه ان من يحصل على الصورة ويستخدمها على وجه يخالف أحكام القانون فانه يقع تحت طائلة العقاب.
ومن حيث انه متى كان الأمر كذلك، وكان المطعون ضدهم قد تقدموا الى قلم الكتاب المختص طالبين اعطاءهم صورة الحكم الصادر فى الدعوى الجنائية رقم 396 لسنة 1975 جنح قصر النيل بعد أداء الرسم المقرر وذلك لتقديمها فى احدى القضايا المماثلة بهم والمنظورة أمام القضاء، وان قلم الكتاب امتنع عن تسليمهم الصورة المطلوبة دون مبرر اللهم الا ما أفصحت عنه جهة الادارة فى الأوراق من أن قانون الاجراءات الجنائية قد خلا من نص يجيز ذلك، واذ سبقت الاشارة الى ان هذا المبرر مخالف للقانون فمن ثم يكون القرار السلبى بالامتناع عن اعطاء المطعون ضدهم صورة الحكم المطلوبة غير قائم على سببه المبرر له قانونا.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه، قد انتهى الى هذه النتيجة، فانه يكون قد صادف وجه الحق والصواب، ويكون الطعن عليه، والحالة هذه، غير قائم على أساس سليم من القانون، متعينا الحكم برفضه والزام الحكومة بالمصاريف.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزمت الحكومة بالمصروفات.