مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1981 الى آخر سبتمبر سنة 1982) - صـ 393

(58)
جلسة 27 من مارس سنة 1982

برئاسة السيد الاستاذ المستشار محمد نور الدين العقاد وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ عزيز بشاى سيدهم وحسين محمد توفيق وعبد المعطى على زيتون ومحمد أحمد البدرى - المستشارين.

الطعن رقم 144 لسنة 26 القضائية

جنسية - اسقاطها - قرارات مجلس قيادة الثورة - حصانة دستورية.
نص المادة 191 من دستور جمهورية مصر لسنة 1956 على أن جميع القرارات التى صدرت من مجلس قيادة الثورة لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بالغائها أو التعويض عنها بأى وجه من الوجوه أمام أية هيئة كانت - هذه الحصانة الدستورية هى حصانة نهائية ذلك أن المشرع الدستورى أمسك عن نقل حكم المادة سالفة الذكر من الدستور الصادر فى سنة 1956 الى دستور سنة 1958 ودستور سنة 1964 ودستور جمهورية مصر العربية الحالى الصادر فى سنة 1971 - لذلك بقيت الحصانة الدستورية التى تقررت لقرارات مجلس قيادة الثورة فى دستور سنة 1956 كما هى دون مساس فى ظل دساتير جمهورية مصر المتعاقبة بما فيها الدستور الحالى - ولئن كان المشرع الدستورى فى المادة 68 من دستور جمهورية مصر العربية قد حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار ادارى من رقابة القضاء فإن هذا الحكم لا يمتد الى القوانين التى تصدر فى ظل العمل بدستور سنة 1971 ولا يمس هذا الحكم الحصانة الدستورية المقررة بالمادة 191 من دستور جمهورية مصر الصادر فى سنة 1956 - اساس ذلك - تطبيق: قرار مجلس قيادة الثورة بإسقاط الجنسية المصرية عن المدعى - اعتباره مشمولا بالحصانة الدستورية الدائمة المنصوص عليها فى المادة 191 من دستور سنة 1956 والنافذ الأثر فى ظل العمل بدستور جمهورية مصر العربية الصادر فى سنة 1971 بما يمنع تماما من الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو وقف تنفيذها أو التعويض عنها - عدم جواز نظر الدعوى.


اجراءات الطعن

فى يوم السبت الموافق 24/ 11/ 1979 أودع الوكيل عن الدكتور........ قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد فى جدول المحكمة برقم 144 لسنة 26 ق. عليا ضد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية بعد أن تقرر فى 25/ 5/ 1979 قبول طلب الاعفاء من الرسوم القضائية المقدم منه فى 10/ 3/ 1979 والمقيد برقم 77 لسنة 25 ق فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى دائرة منازعات الافراد والهيئات بجلسة 9/ 1/ 1979 فى الدعوى رقم 1044 لسنة 32 ق والذى قضى بعدم جواز نظر الدعوى والزام المدعى بالمصروفات. وطلب الطاعن للأسباب الواردة فى تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه الى حين الفصل فى الطعن، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه بجميع أجزائه وما يترتب على ذلك من آثار. وألزام الحكومة بالمصروفات. وقد أعلن تقرير الطعن الى أدارة قضايا الحكومة فى يوم الخميس 26/ 12/ 1979 وعقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بتقرير بالرأى القانونى مسببا ارتأت فيه الحكم أصليا بالغاء الحكم المطعون فيه وبأعادة الدعوى الى محكمة القضاء الإدارى للفصل فيها من دائرة أخرى بعد أن تقوم هيئة مفوضى الدولة بتحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة وتقديم تقرير بالرأى القانونى مع أبقاء الفصل فى المصروفات. واحتياطيا بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا، والزام المدعى بالمصروفات. وتحدد لنظر الطعن جلسة 7/ 12/ 1981 أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة التى قررت إحالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا الدائرة الأولى وحددت لنظره أمامها جلسة 9/ 1/ 1982. وقد نظرت المحكمة الطعن فى تلك الجلسة ثم بجلسة 20/ 2/ 1982 استمعت المحكمة ما رأت سماعه من أيضاحات ذوى الشأن وقررت أرجاء أصدار الحكم فى الطعن الى جلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل فى أن المدعى أقام الدعوى رقم 1044 لسنة 32 ق بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الادارى فى 27/ 3/ 1978 وطلب فيها الحكم أولا وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر بإسقاط الجنسية المصرية عنه، ثانيا وفى الموضوع بإلغاء ذلك القرار والزام الحكومة بالمصروفات. وقال المدعى يشرح دعواه أن جماعة الاخوان المسلمين تعرضت لحملة اعتقال واضطهاد من الحكومة خلال سنة 1954 وقد أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بإسقاط الجنسية عنه وعاش المدعى أربعا وعشرين سنة محروما من جنسيته المصرية ومحروما من دخول مصر والمادة 15 من القانون رقم 160 لسنة 1950 بشأن الجنسية المصرية لم تكن تجيز اسقاط الجنسية عن أى مصرى الا بمرسوم مسبب وفى حالة من الحالات المحددة حصرا، كما أن المادة 15 من اعلان حقوق الانسان العالمى لا تجيز حرمان انسان من جنسيته دون مسوغ - وقرار اسقاط جنسية المدعى لم يصدر باداه القرار الجمهورى الذى حل محل ادارة المرسوم الملكى، كما لو يتوافر فى المدعى حالة من الحالات المنصوص عليها فى المادة 15 من القانون رقم 160 لسنة 1950 لذلك يكون القرار المطعون عليه مخالفا للقانون مخالفة تنحدر به الى درجة العدم. وللمدعى مصلحة ملحة وعاجلة فى أن يعود وأسرته الى وطنه الذى حرم من الدخول اليه بسبب اسقاط جنسيته طوال ربع قرن من الزمان.
وقدمت الادارة صورة من قرار مجلس قيادة الثورة الصادر فى 23/ 9/ 1954 المتضمن حرمان المدعى من شرف المواطن وإسقاط الجنسية عنه لارتكابه خارج مصر أعمالا تعتبر خيانة فى حق الوطن بالدأب على الاساءة الى سمعة مصر واقتصادياتها والحط من كرامتها ومحاولة إيجاد شقاق بين مصر وشقيقاتها العربية وجاء فى مذكرة مباحث أمن الدولة عن المدعى أنه من مواليد شنوان - المنوفية فى 13/ 4/ 1929 ومدير المركز الاسلامى العالمى بجنيف ومندوب متجول لرابطة العالم الاسلامى بمكة ومقيم بجنيف بسويسرا. وقد انضم الى جماعة الأخوان المسلمين خلال دراسته الجامعية فى مصر وكان رئيسا لشعبة الأخوان بالمنيل ووكيلا لقسم الدعوة بالمركز العام وعضوا بالهيئة التأسيسية للجماعة ورئيسا للجنة التنفيذية وممثلا لجماعة الأخوان بالخارج ومن كبار دعاتها ومن المقربين للمرشد العام السابق للجماعة الشيخ......... ومتزوج من ابنته وقد اعتقل لنشاطه فى جماعة الأخوان المسلمين من 12/ 2/ 1945 الى 14/ 2/ 1945 ومن 13/ 1/ 1954 الى 26/ 3/ 1954 وعقب الافراج عنه غادر البلاد الى القدس ولم يعد الى مصر من ذلك الوقت لتزعمه نشاط الاخوان المسلمين المعادى للبلاد خارج البلاد، وقد صدر قرار مجلس قيادة الثورة فى 23/ 9/ 1954 باسقاط الجنسية المصرية عنه. وقد سبق اتهامه والحكم عليه فى القضايا الآتية:
1 - حكم بالأشغال الشاقة المؤبدة غيابى فى القضية رقم 436 أمن دولة عليا سنة 1956.
2 - حكم غيابى بالأشغال الشاقة المؤبدة فى القضية رقم 12 أمن دولة عليا سنة 1966.
3 - حكم غيابى بالأشغال الشاقة المؤبدة فى القضية رقم 170 أمن دولة عليا سنة 1969. والاتهامات فى القضايا كلها - محاولة قلب نظام الحكم وفى 7/ 7/ 1975 صدر القرار الجمهورى رقم 664 لسنة 1975 بالعفو عن العقوبات والجزاءات والجرائم والأفعال السياسية المحكوم فيها قبل 15 مايو سنة 1971. وفى سنة 1977 تقدم عادل عيد المحامى بصفته وكيلا عن المدعى بطلب الى رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية لمنح المدعى جواز سفر مصرى واعادة الجنسية المصرية اليه. وفى 2/ 3/ 1977 وافق مجلس الوزراء ووزير الداخلية على رد الجنسية المصرية الى المدعى وأخطرت مصلحة وثائق السفر لتسليم المدعى جواز سفر مصرى. وفى 5/ 4/ 1977 أفادت مصلحة وثائق السفر أنه يلزم لرد الجنسية أن يتقدم المدعى بطلب موقع عليه منه هو شخصيا الى إحدى القنصليات المصرية فى الخارج أو أمام مصلحة وثائق السفر وفقا للمادة 20 من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية - وأرسلت المصلحة برقية لاسلكية الى القنصلية المصرية بجنيف فى 7/ 3/ 1977 لمنحه جواز سفر مؤقت لمدة سنة لا يجدد الا بعد أن يقدم المدعى طلبا لرد الجنسية المصرية اليه وصدور قرار وزارى بذلك. وقامت القنصلية المصرية بجنيف بتسليم المدعى وجميع أفراد أسرته جوازات سفر مصرية وبعثت المصلحة الهجرة والجوازات بطلب منه لا تعترف فيه بقرار مجلس الثورة باسقاط الجنسية عنه وطلب اصدار جوازات سفر عادية له ولأفراد أسرته ولم يقدم طلبا لرد الجنسية المصرية اليه طبقا لحكم المادة 18 من القانون رقم 26 لسنة 1975، وطبقا لحكم المادة 191 من دستور مصر سنة 56 لا يقبل الطعن بأى طريق من طرق الطعن فى القرارات التى أصدرها مجلس قيادة الثورة وأمام أية جهة قضائية فلا يجوز الطعن فيها بالالغاء ولا يجوز طلب التعويض عنها. ولم يقدم المدعى طلب رد الجنسية المصرية اليه طبقا للقانون. وطلب وقف التنفيذ يفتقد ركن الجدية. والقرار المطعون عليه سليم ومطابق للقانون وطلبت الحكومة الحكم برفض الدعوى بكامل أجزائها والزام المدعى بالمصروفات.
وبجلسة 9/ 1/ 1979 أصدرت محكمة القضاء الادارى حكمها المطعون فيه بعدم جواز نظر الدعوى وأقامت المحكمة هذا القضاء على أساس أن المادة 191 من دستور مصر 1956 نصت على أن قرارات مجلس قيادة الثورة التى صدرت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بالغائها أو التعويض عنها بأى وجه من الوجوه وأمام أية هيئة. وأضفت هذه المادة حصانة دستورية على قرارات مجلس قيادة الثورة. وقد بقيت هذه الحصانة دون مساس فى ظل دساتير سنوات 1958، 1964، 1971 ومن ثم لا يجوز نظر الدعوى بطلب وقف تنفيذ والغاء قرار مجلس قيادة الثورة الصادر باسقاط الجنسية المصرية عن المدعى.
ويقوم الطعن على أساس أن المعروض على المحكمة فقط هو طلب وقف التنفيذ دون طلب الإلغاء. وكان يتعين على المحكمة أن يقتصر قضاؤها على رفض طلب وقف التنفيذ دون أن يتجاوزه الى الحكم بعدم سماع الدعوى كلها. وما كان للمحكمة أن تتحدى الحصانة التى أضفاها دستور سنة 1956 على قرارات مجلس قيادة الثورة بعد سقوط هذا الدستور بالعمل بدستور سنة 1971، والشرعية تقاس بأحكام دستور سنة 1971 وحده، اذ أغفلت دساتير ما بعد سنة 1956 تحصين قرارات مجلس قيادة الثورة من طلب إلغائها والتعويض عنها. بل أن المادة 68/ 2 من الدستور الحالى (1971) تحظر النص فى أى قانون على تحصين أى قرار ادارى ضد رقابة القضاء. وان قرار مجلس قيادة الثورة المطعون فيه، وقد ثبت عدم مشروعيته وفساده أصبح من الواجب الحكم بالغائه.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أنه فى 23/ 9/ 1954 صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بحرمان المدعى (دكتور.......... من مواليد شنوان - شبين الكوم فى 13/ 4/ 1926) من شرف المواطن وأسقاط الجنسية المصرية عنه، لما ثبت لدى مجلس قيادة الثورة من أرتكابه خارج جمهورية مصر من أعمال تعتبر خيانة فى حق الوطن وذلك بالدأب على الأساءة الى سمعة البلاد واقتصادياتها والحط من كرامتها ومحاولة ايجاد شقاق بين جمهورية مصر وشقيقاتها العربية.
وتنص المادة 191 من دستور جمهورية مصر لسنة 1956 على أن جميع القرارات التى صدرت من مجلس قيادة الثورة لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بالغائها أو التعويض عنها بأى وجه من الوجوه أمام أية هيئة كانت. وبذلك النص يكون المشرع الدستورى فى دستور جمهورية مصر الصادر فى سنة 1956 قد أضفى حصانة دستورية على جميع قرارات مجلس قيادة الثورة تمنع بموجبها من الطعن فيها أو طلب الغائها أو التعويض عنها لأى سبب من الأسباب وأمام أية هيئة كانت. وهذه الحصانة الدستورية هى حصانة نهائية ذلك أن المشرع الدستورى أمسك عن نقل حكم المادة 191 من دستور جمهورية مصر الصادر فى سنة 1956 الى دستور سنة 1958 ودستور سنة 1964 ودستور جمهورية مصر العربية الحالى الصادر فى سنة 1971 ولذلك بقيت الحصانة الدستورية التى تقررت لقرارات مجلس قيادة الثورة فى دستور سنة 1956 كما هى دون مساس فى ظل دساتير جمهورية مصر المتعاقبة بما فيها الدستور الحالى. ولئن كان المشرع الدستورى فى المادة 68 من دستور جمهورية مصر العربية قد حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار ادارى من رقابة القضاء فان هذا الحكم لا يمتد الا الى القوانين التى تصدر فى ظل العمل بدستور سنة 1971 ولا يمس هذا الحكم الحصانة الدستورية المقررة بالمادة 191 من دستور جمهورية مصر الصادر فى سنة 1956 وبناء على ما تقدم يكون القرار الصادر من مجلس قيادة الثورة فى 23/ 9/ 1954 باسقاط الجنسية المصرية عن المدعى مشمولا بالحصانة الدستورية الدائمة المنصوص عليها فى المادة 191 من دستور سنة 1956 والنافذة الأثر فى ظل العمل بدستور جمهورية مصر العربية الصادر فى سنة 1971 بما يمنع تماما من الطعن فيها أو المطالبة بألغائها أو وقف تنفيذها أو التعويض عنها. واذ قضى الحكم المطعون فيه بعدم جواز نظر الدعوى فانه يكون قد صادف صحيح حكم القانون وجاء مطابقا لأحكامه، ويكون الطعن فيه فى غير محله وعلى غير أساس سليم من القانون، الأمر الذى يتعين معه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه برفضه وإلزام المدعى بالمصروفات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت المدعى بالمصروفات.