مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1981 الى آخر سبتمبر سنة 1982) - صـ 419

(62)
جلسة 3 من ابريل سنة 1982

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف ابراهيم الشناوى رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد نور الدين العقاد وعزيز بشاى سيدهم وعبد المعطى على زيتون ومحمد أحمد البدرى - المستشارين.

الطعن رقم 339 لسنة 26 القضائية

أحكام الشريعة الاسلامية - تطبيقها - دستور - مبدأ الفصل بين السلطات - نص المادة الثانية من الدستور على أن مبادئ الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع - هذا الخطاب موجه الى السلطة التشريعية لدراسة الشريعة الاسلامية دراسة شاملة - وتتولى بالتنظيم الأحكام التفصيلية مدنية كانت أو جنائية أو اقتصادية أو دولية أو غيرها - والى أن ينبثق النظام التشريعى الكامل ويستكمل قوته الملزمة فان التشريعات السارية فى الوقت الحاضر تظل نافذة بحيث يتعين على الحاكم تطبيقها توصلا للفصل فى المنازعات التى ترفع اليها ولو قيل بغير ذلك أى بعدم الحاجة الى تقنين الشريعة الإسلامية على أساس أنها ملزمة بقوتها الذاتية لأدى الأمر الى تضارب الأحكام واضطراب ميزان العدالة مع المساس فى ذات الوقت بأحد المبادئ الأصيلة وهو مبدأ الفصل بين السلطات - تطبيق.


اجراءات الطعن

فى يوم الثلاثاء الموافق 22 من يناير سنة 1980، أودعت ادارة قضايا الحكومة نيابة عن كل من محافظ قنا ورئيس مجلس مدينة الاقصر، قلم كتاب المحكمة الادارية العليا، تقريرا بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 339 لسنة 26 القضائية، فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بجلسة 4 من ديسمبر سنة 1979 فى الدعوى رقم 2957 لسنة 26 القضائية المقامة من اليفتريوس آتون بوكورتسيس وفؤاد اندراوس اقلايدوس وصبحى حنا خليل وأسعد عيسى موسى ولطفى اسكندر وفايز يونان مانولى وجرجس فرنسيس سوريال ضد الطاعنين، والذى قضى بقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام مجلس مدينة الاقصر بالمصاريف.
وطلب الطاعنان، للاسباب المبينة فى تقرير طعنهما، الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ثم القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضدهم بالمصروفات.
وعقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بتقرير برايها القانونى مسببا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
وبعد اتخاذ الاجراءات القانونية، عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 4 من يناير سنة 1982 وفيها قررت الدائرة إحالته إلى المحكمة الادارية العليا "الدائرة الأولى" لنظره أمامها بجلسة 20 من فبراير سنة 1982 حيث تقرر إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث ان الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل، على ما يبين من الأوراق، فى انه بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى فى 14/ 8/ 1982 أقام المطعون ضدهم الدعوى رقم 2957 لسنة 26 القضائية ضد الطاعنين طالبين الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من مجلس مدينة الأقصر بجلسته المعقودة فى العاشر من يوليو سنة 1972 بالغاء اضافات الخمور بمحلات البقالة الخاصة بهم وفى الموضوع بالغاء هذا القرار بكافة مشتملاته مع الزام المدعى عليهما بالمصروفات. وبيانا لدعواهم قالوا انهم يباشرون الاتجار فى البقالة والخمور بمدينة الاقصر بموجب تراخيص بذلك، وبتاريخ 21/ 7/ 1972 اخطر كل منهم بكتاب مسجل بأن مجلس المدينة قرر بجلسة 10/ 7/ 1972 الغاء اضافات الخمور بمحلات البقالة ومنح التجار الذين لديهم هذه الإضافات مهلة تنتهى فى 31/ 8/ 1972 لتصريف ما قد يكون لديهم من الخمور وعدم الترخيص باضافات جديدة اكتفاء بمستودعات الخمور الموجودة. وينعى المدعون على هذا القرار انه جاء مجحفا بحقوقهم التى ترتبت لهم بمقتضى التراخيص الصادرة اليهم والتى تشكل عنصرا هاما من عناصر نشاطهم التجارى، وأنه صدر مخالفا للقانون ذلك أن الغاء التراخيص القائمة ليس حقا مطلقا للسلطة الادارية وانما هو أمر مقيد بحالات وردت فى القانون على سبيل الحصر بحيث لا يجوز إلغاء هذه التراخيص الا طبقا لحالة من هذه الحالات، وأضاف المدعون انه مما يسترعى النظر فى شأن القرار المطعون فيه أن تنفرد مدينة الأقصر دون سائر المدن الأخرى باصداره على الرغم من انها مدينة سياحية مما يتضح معه ان هذا القرار قد صدر دون مسوغ أو منطق وانه ما قصد به سوى خدمة أصحاب مستودعات الخمور بالمدينة بما يرتب لهم وضعا احتكاريا فى تجارة الخمور مما يتعارض مع السياسة العامة للدولة.
وعقبت ادارة قضايا الحكومة على الدعوى، بأنه بتاريخ 22/ 6/ 1972 ورد الى مجلس مدينة الأقصر تقرير المباحث الجنائية متضمنا انه فى 11/ 5/ 1972 وقعت مشاجرة بين كل من طائفة الجعة وطائفتى سائقى عربات الحنطور والقصابين وأسفرت هذه المشاجرة عن اصابات متعددة وحرر بالحادث المحضر رقم 905 لسنة 1972 جنح، وقد تمكنت الأجهزة الشعبية بالتعاون مع رجال الأمن من عقد صلح بين أطراف النزاع. كما ان الأهالى اعتادوا لدى اقامة حفلات بمناسبة الزواج أو الختان أو ما شابههما على تناول المشروبات الروحية الرخيصة من محال البقالة حتى فقدان الوعى ثم يأتون أفعالا وينطقون بأقوال غير مناسبة غالبا بما يترتب عليها حدوث المشاكل بين المواطنين، ورأت المباحث الجنائية ان لوجود محلات البقالة المرخص لها ببيع الخمور علاقة بتكرار المشاجرات فى المدينة الأمر الذى يهدد أمنها الداخلى وقد بحث مجلس المدينة هذا التقرير وانتهى الى اصدار قراره المطعون فيه.
وبجلسة 20/ 3/ 1973 قضت المحكمة فى الطلب العاجل بوقف تنفيذ القرار المذكور فيما تضمنه من الغاء اضافات الخمور بمحلات بقالة المدعين وألزمت مجلس مدينة الأقصر بمصروفات هذا الطلب.
ثم أصدرت المحكمة بجلسة 4/ 12/ 1979 حكمها فى الموضوع بالغاء القرار المطعون فيه مع إلزام مجلس مدينة الاقصر بالمصاريف. وأقامت قضاءها هذا على انه ولئن كان ذلك القرار قد صدر ممن يملكه قانونا وهو مجلس مدينة الأقصر باعتباره الجهة المختصة بتطبيق وتنفيذ قانون المحال الصناعية والتجارية وفقا لنص المادة 43 من اللائحة التنفيذية لقانون الادارة المحلية الذى كان ساريا وقتذاك الا ان السبب الذى استند اليه لا يبرر النتيجة التى انتهى اليها، فالمستفاد من تقرير المباحث الجنائية الذى قام عليه القرار المطعون فيه ان تهديد الأمن العام غير ناشئ مباشرة عن بيع الخمور فى محال البقالة بالذات وانما مبعثه المشاجرات التى تقع فى المدينة من شاربى الخمر، مما يتعذر معه تحديد مصدر الخمر التى أسهم شاربوها فى المشاجرات وقصره على محال البقالة وحدها لاسيما وأن بيع الخمر ليس مباحا فى هذه المحال فحسب بل هو مباح كذلك فى مستودعات الخمور المرخص لها بالاتجار فى الخمر كنشاط أصلى، كما ان شرب الخمر مسموح به فى المساكن الخاصة والمحال العامة السياحية. وبفرض ان المشاجرات المشار اليها تنشأ عن بيع الخمور فى محلات البقالة، فليس فى الأمر من خطر داهم على الأمن العام يتعذر على سلطات الأمن تداركه بالوسائل القانونية المعتادة.
ومن حيث ان الطعن يقوم على ان الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله من الأوجه الآتية:
أولا: الأصل فى الترخيص انه من الملاءمات التى تترخص فيها الادارة بما لا معقب عليها فى ذلك ما دام قرارها قد خلا من عيب الانحراف وسوء استعمال السلطة.
ثانيا: للادارة وفقا للقانون رقم 453 لسنة 1954 فى حالة وجود خطر داهم على الصحة العامة أو الأمن العام نتيجة لإدارة محل من المحال الخاضعة لأحكام هذا القانون اصدار قرار بايقاف ادارة المحل كليا أو جزئيا.
ثالثا: اغفال الحكم المطعون فى قضائه وزن مشروعية القرار المطعون فيه على ضوء ما ورد فى الشريعة الإسلامية - بحسبانها المصدر الرئيسى للتشريع طبقا للدستور - من حظر التعامل فى الخمور.
ومن حيث ان المادة الأولى من القانون رقم 453 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 359 لسنة 1956 فى شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة تنص على ان "تسرى أحكام هذا القانون على المحال المنصوص عليها فى الجدول الملحق بهذا القانون...." وقد ورد بالجدول الملحق بالقانون محلات البقالة ومستودعات الخمور وبذلك فهى تخضع لاحكام هذا القانون.
ومن حيث ان المادة (9) من ذات القانون تنص على أن "الرخص التى تصرف طبقا لأحكام هذا القانون دائمة ما لم ينص على توقيتها ويجوز تجديد الرخص المؤقته بعد أداء رسوم المعاينة" وتنص المادة (16) على أن تلغى رخصة الحل فى الأحوال الآتية:
1 - ..........
2 - ..........
3 - ..........
4 - ..........
5 - ..........
6 - إذا أصبح المحل غير قابل للتشغيل.
7 - ..........
8 - .........."
ويستفاد من هذين النصين ان الأصل هو دائمية الرخص التى تصرف وفقا لأحكام القانون رقم 453 لسنة 1954 المشار اليه ما لم ينص على توقيتها بأجل معين، بمعنى ان قيام تلك الرخص واستمرارها هو من المراكز القانونية الذاتية التى لا يجوز المساس بهاعلى أى وجه سحبا أو إلغاء إلا طبقا للقانون أى متى قامت بها حالة من الحالات التى أوردتها المادة 16 سالفة البيان على سبيل الحصر، ومن بينها حالة ما اذا كان يترتب على الاستمرار فى مباشرة النشاط فى المحل المرخص به خطر داهم على الصحة العامة أو الأمن العام يتعذر تداركه.
ومن حيث انه بالتطبيق لهذه الأحكام، فلما كان مجلس مدينة الأقصر قد أصدر بجلسته المعقودة فى 10/ 7/ 1972 قراره بإلغاء رخص اضافات الخمور الى محال البقالة مستندا فى ذلك الى ما جاء فى تقرير المباحث الجنائية المختصة من ان وجود المشروبات الروحية الرخيصة فى محال البقالة يجعلها فى متناول المواطنين الذين غالبا ما يفقدون الوعى نتيجة احتسائها، مما يترتب عليه وقوع المشاجرات التى تهدد الأمن العام. ولما كان من غير المتصور أن يؤدى هذا السبب بذاته الى النتيجة التى انتهى اليها القرار المذكور، ذلك ان المترددين على محال البقالة المرخص لها فى بيع الخمور انما يحصلون على حاجتهم منها داخل زجاجات مغلقة، واذا كانت ثمة مشاجرات أو احتكاكات تقع نتيجة احتساء الخمر، فليس من المقطوع به أن تكون هذه أو تلك بسبب الخمر المبيع من محال البقالة خاصة وان هناك مستودعات مرخص لها بالتعامل فى الخمور، وان شرب الخمر مسموح به فى المحال العامة السياحية والمساكن الخاصة. وعلى مقتضى ذلك يكون القرار المشار اليه قد جاء مفتقدا سببه الصحيح المبرر له قانونا. ومن ناحية أخرى فانه اذا كان هذا القرار قد صدر تحت تأثير قيام حالة من الخطر الداهم على الأمن العام يتعذر تداركها، فان هذا الاعتقاد مغالى فيه ومن غير المقبول التسليم به ذلك انه لو كان حقيقيا لما عمدت السلطه التى أصدرت القرار المذكور الى قصر مجال تطبيقه على محلات البقالة التى تباشر نشاط بيع الخمور، بل لما ترددت فى بسط هذا المجال ليشمل المستودعات التى تزاول ذات النشاط مراعاة لاتحاد علة الخطر فى كلاهما.
ومن حيث انه فيما يتعلق بوجه الطعن الأخير، وحاصله ما فات الحكم المطعون فى قضائه من وزن مشروعية القرار المطعون فيه فى ضوء أحكام الشريعة الاسلامية باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع وفقا للدستور فيهم هذه المحكمة أن تسجل بهذه المناسبة ان الشريعة الاسلامية هى تراثنا العظيم الذى نعتز به وأن من العبث محاولة التنكر له والاستغناء عنه، وأنها تعد بحق من أرقى النظم القانونية فى العالم لما تنطوى عليه من مرونة وقابلية للتطور تتلاءم مع كل الظروف وتماشى المدنية الحاضرة وتساير حاجات الناس ومصالحهم العامة، ومن ثم صدر الدستور معبرا عن ضمير الجماعة بشأن هذه الشريعة السمحة فنصت المادة الثانية من الدستور على أن مبادئ الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع. ولا جدال فى أن الخطاب فى هذا النص موجه الى السلطة التشريعية، فعليها دراسة الشريعة الاسلامية دراسة شاملة، ومراعاة الابقاء على ما ورد بها من مبادئ عامة شاملة وأحكام تشريعية كلية مع بيان اجراءات الاثبات المتعلقة بها ووسائل تنفيذها وما الى ذلك، وفى اطار هذه الأسس العامة تتولى بالتنظيم الأحكام التفصيلية مدنية كانت أو جنائية أو اقتصادية أو دولية أو غيرها وذلك بما يلائم أحوال الناس ومصالحهم وتقتضيه الحاجات والظروف الحالية للمجتمع. والى ان ينبثق هذا النظام التشريعى الكامل ويستكمل قوته الملزمة فان التشريعات السارية فى الوقت الحاضر تظل نافذة بحيث يتعين على المحاكم تطبيقها توصلا للفصل فى المنازعات التى ترفع اليها، ولو قيل بغير ذلك أى بعدم الحاجة الى تقنين الشريعة الاسلامية على أساس انها ملزمة بقوتها الذاتية لأدى الأمر الى تضارب الأحكام واضطراب ميزان العدالة، مع المساس فى ذات الوقت بأحد المبادئ الدستورية الأصلية وهو مبدأ الفصل بين السلطات.
ومن حيث انه يتضح مما سلف بيانه، أن القرار المطعون فيه قد جاء مفتقرا إلى سبب صحيح من الواقع أو القانون خليقا بالإلغاء.
ومن حيث أنه متى كان الأمر كذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى الى هذه النتيجة، فانه يكون قد صادف وجه الحق والصواب، ويكون الطعن فيه - والحالة هذه - على غير أساس سليم من القانون، متعينا رفضه، وإلزام الجهة الإدارية بالمصاريف.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت الحكومة بالمصاريف.