مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1981 الى آخر سبتمبر سنة 1982) - صـ 561

(79)
جلسة 15 من مايو سنة 1982

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف ابراهيم الشناوى رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد نور الدين العقاد والدكتور حسين توفيق وحسن عبد الوهاب عبد الرازق وعبد المعطى على زيتون - المستشارين.

الطعنان رقما 977 و984 لسنة 25 القضائية

عاملين بالقطاع العام - قرار ادارى - تعويض - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى.
قرار وزير الصحة بندب أحد العاملين بالقطاع العام بمقتضى ما خوله قانون العاملين بالقطاع العام من سلطة ندب العامل من شركات القطاع العام الى المؤسسات العامة - قرار ادارى من عمل السلطة العامة فيما تملكه من أوجه التنظيم الاقتصادى القومى وأن ورد ابتداء على وضع عامل فى شركة لا تعتبر من الأشخاص العامة ولا يعتبر من ثم فيها موظفا عاما - انطواء قرار الندب على أخذ العامل بجزاء تأديبى مقنع أو اقتران إصداره بعمل يضار منه العامل فى سمعته أو ينال من اعتباره - اختصاص محكمة القضاء الإدارى بنظر طلبى التعويض عن الضرر المترتب على الندب فى هذه الحال - أساس ذلك - تطبيق.


اجراءات الطعن

فى يوم الأحد الموافق 24/ 6/ 1979 أودع وكيل السيد/ سيد بيومى محمد على قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد فى الجدول برقم 977 لسنة 25 ق عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى - (دائرة العقود الادارية والتعويضات) بجلسة 29/ 4/ 1979 فى الدعوى رقم 262 لسنة 29 ق المرفوعة من الطاعن ضد وزير الصحة ورئيس مجلس ادارة شركة تنمية الصناعات الكيماوية (سيد) والمشرف على تصفية مؤسسة الأدوية ووزير المالية الذى قضى بالزام وزير الصحة أن يدفع للمدعى ثلاثمائة جنيه والمصروفات. وطلب الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه وبالزام المطعون ضدهم متضامنين دفع مبلغ 10000 جنيه والمصروفات.
وفى يوم الاثنين 25/ 6/ 1979 أودعت ادارة قضايا الحكومة نيابة عن السيد وزير الصحة قلم الكتاب تقرير طعن فى الحكم ذاته قيد برقم 984 لسنة 25 ق عليا وطلب الطاعن الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه حتى يفصل فى موضوعه والحكم بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصليا بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيا بنظر الدعوى واحتياطيا بعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى نوعيا بنظرها ومن باب الاحتياط الكلى بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة الى الطاعن أو برفضها، وفى أى الأحوال بالزام المطعون ضده المصروفات.
وأعلن الطعنان فى 4 و18/ 7/ 1979 وأعدت هيئة مفوضى الدولة تقريرا مسببا ارتأت فيه الحكم برفض طلب وقف التنفيذ والزام الجهة الادارية مصروفاته والحكم بقبول الطعنين المضمومين شكلا وبالغاء الحكم المطعون فيه وباحالة الدعوى الى المحكمة التأديبية المختصة مع ابقاء الفصل فى المصروفات.
وعرض الطعنان على دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة وقررت احالتهما الى هذه المحكمة فنظرتهما وبجلسة 5/ 10/ 1981 قدم ورثة المدعى اعلاما شرعيا بوفاته بتاريخ 1/ 8/ 1980 وانحصار ارثه فى زوجته نعمات زكى عبد الرازق وبناته نيفين وجيهان ووسام، وفى اخوته الأشقاء عبد العزيز وتوحيدة وخيرية وعنايات وفاطمة وزينب، وطلب الورثة استمرار السير فى الدعوى وقررت المحكمة بعد سماع الإيضاحات إصدار الحكم فى الطعنين بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على الأسباب حين تلاوته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعنين استوفيا الأوضاع القانونية.
ومن حيث ان واقع النزاع يتحصل من الأوراق فى أن السيد/ سيد بيومى محمد على رفع الدعوى رقم 262 لسنة 25 ق بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الادارى يوم 30/ 11/ 1974 ضد كل من وزير الصحة والمفوض عن شركة تنمية الصناعات الكيماوية ورئيس مجلس إدارة تلك الشركة ورئيس مجلس ادارة مؤسسة الأدوية والمشرف على تصفية هذه المؤسسة ووزير المالية طالبا الحكم بالزامهم متضامنين أن يدفعوا له مبلغ عشرة آلاف جنيه تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقت به من قرار ندبه بتاريخ 2/ 9/ 1973 مع إلزامهم المصروفات متضامنين وأبدى المدعى انه التحق بخدمة شركة تنمية الصناعات الكيماوية (سيد) وترقى فى وظائفها حتى وصل الفئة الرابعة، ولو ظل فيها لرقى الى الفئة الثالثة مع زملائه من 1/ 7/ 1974 ولكنه فوجئ بقرار من وزير الصحة فى 2/ 9/ 1973 بندبه للعمل مدة سنة بالمؤسسة المصرية للأدوية. وتحرى المدعى سبب القرار فقيل له أن خطابا أرسله وكيل وزارة الصحة المشرف على الأمن الى رئيس مجلس ادارة المؤسسة المشار اليها جاء به أنه يتردد فى محيط العاملين بتلك الشركة ضرورة نقل العاملين الذين أصبحت سمعتهم ونزاهتهم محل شك حاليا والذين سبق التحقيق معهم فى قضايا اختلاسات وتلاعب فى أموال الشركة وسمى الخطاب عشرة من العاملين من بينهم المدعى الذى يستدل على زيف هذا السبب أن ثلاثة ممن ذكرهم الخطاب رشحوا بعد نحو عشرين شهرا لشغل وظائف من الفئة الممتازة ويقول المدعى أن قرار ندبه تضمن عقوبة مقنعة فى صورة نقل مكانى كما شابه الانحراف بالسلطة وحدد الأضرار المادية فيما حرمه من الحوافز والأجور الاضافية والأرباح والمكافآت وبدل الانتقال الثابت التى كان يحصل عليها من الشركة ومجموعها نحو 90 جنيها شهريا كما لم يرق الى الدرجة الثالثة التى رقى اليها زملاؤه بالشركة، وحدد الأضرار الأدبية بما أصاب سمعته من سوء فى الشركة وفى عمله الجديد فأصبح لا يعهد اليه بعمل، وقدر نوعى الضرر بمبلغ 10000 جنيه. وردت ادارة قضايا الحكومة بأنه بناء على الخطاب السالف ذكره وبعد اجراء التحريات اللازمة أصدر وزير الصحة القرار رقم 352 لسنة 1973 بندب السيد/ صبحى فتح الباب رئيس مراجعة بالادارة المالية والمدعى رئيس الحسابات من تلك الشركة لمدة سنة، وذلك باعتبار الوزير رئيسا لمجلس ادارة المؤسسة العامة للأدوية طبقا لأحكام المادتين 26 و27 من القانون رقم 61 لسنة 1971، وقرارات النقل المكانى والندب تخرج حتما من ولاية القضاء الادارى متى راعت الادارة فى إصدارها وجه المصلحة العامة وحسن سير العمل بغير مساس بالمركز القانونى للمنتدب، وقرار ندب المدعى لم يمس مركزه القانونى واذا كان ينفى أنه سبق التحقيق معه الا أنه لم يستطيع أن ينفى ما انتهت اليه تحريات أجهزة الأمن من أن سمعته محل شك، وتقدير خطورة سبب القرار هو من اطلاقات الادارة، ولم يقدم المدعى دليلا على اساءة استعمال السلطة وهى من العيوب القصدية واذ برئ قرار الندب مما ينال من مشروعيته فان الادارة لا تسأل عن نتائجه مهما بلغت الاضرار المترتبة عليه، وطلبت الوزارة رفض الدعوى.
وبجلسة 29/ 4/ 1979 قضت المحكمة بتعويض المدعى عن أضراره الأدبية بمبلغ 300 جنيه واستندت الى أن القضاء الادارى يختص بنظر الطعون فى قرارات الندب اذا انطوت على عقوبة مقنعة وقد أفصحت الحكومة عن أن سبب ندب المدعى هو ما تردد بين العاملين عن سمعته، ويكون قرار الندب قرارا تأديبيا واذ ثبت من الأوراق أن الوقائع التى استند اليها القرار لم يجر تحقيق فيها مع خطورتها فبقيت أقوالا مرسلة بنفيها ما ثبت فى أوراق ملف المدعى ومستنداته، وفقد القرار ركن السبب فصدر مخالفا القانون مثبتا خطأ الادارة، ولكن المدعى لم يقدم ما يثبت وجه الضرر المباشر متمثلا فى عناصر الخسارة المالية التى أصابته من الندب فكان طلبه تعويض الضرر المادى متعينا رفضه. أما الضرر الأدبى فقد تبين للمحكمة أن الأسباب التى استند اليها قرار الندب قد طبعت ونشرت على جميع العاملين بالشركة، واذا كان الحكم بفساد ذلك القرار يجبر جانبا من الأضرار الأدبية، ويغنى عن تعويضه نقدا، فان سائر هذه الأضرار لا يجوز أن يفلت من الجزاء اذ يمس السمعة وهى أعظم ما يعتز به الانسان وقررت المحكمة تعويضه بمبلغ 300 جنيه.
ومن حيث أن المدعى طعن فى هذا الحكم لاسباب ثلاثة أولها أن المحكمة أخذت عليه أنه قصر اذ لم يبادر الى طلب الغاء قرار الندب ليضع حدا للأسباب التى بنى عليها، وفات الحكم أن الطاعن كان يستحيل عليه العودة الى الشركة والتعامل مع العاملين والمتعاملين بعد أن أكد قرار الندب ما نسب اليه فى سمعته ونزاهته. وثانى الأسباب أن الحكم أخطأ فى رفض التعويض المادى بمقولة أن المدعى لم يقدم ما يثبت وجه الضرر المادى المباشر، ذلك أن الطاعن أورد جميع عناصر الخسارة المالية التى لحقت به وكان على المحكمة أن تطلب من الجهة الادارية بيان المبالغ التى كان المدعى يتقاضاها فوق المرتب طبقا للمستندات التى تحتفظ بها الادارة وتلتزم تقديمها. والسبب الأخير أن مرتب المدعى عند الطعن وهو بالدرجة الأولى أصبح يقل عن الذى كان يتقاضاه من الشركة وهو بالفئة الرابعة والقاعدة أن مرتب الموظف يزداد نتيجة العلاوات والترقيات، وتقاريره السرية منذ عام 1966 بتقدير ممتاز.
ومن حيث أن طعن وزارة الصحة يقوم على أن المدعى من العاملين بشركة من القطاع العام فلا يعتبر من الموظفين العموميين وليس فى نبده من هذه الشركة للعمل بالمؤسسة العامة للأدوية ما يغير من طبيعة مركزه القانونى ولا تختص محاكم مجلس الدولة ولائيا بنظر دعواه. وفى استناد المدعى الى أن قرار ندبه يستر جزاء ما يقتضى ترك الأمر الى المحكمة التأديبية المختصة بنظر الطعون فى الجزاءات الموقعة على العاملين فى القطاع العام. واذ كانت المسئولية عن موضوع القرار انما تقع على عاتق الجهة التى يعمل بها العامل، فهى التى يقصد القرار تحقيق مصلحتها فلا تصح مساءلة وزارة الصحة عن القرار المطلوب التعويض عنه، وما صدوره عن وزير الصحة الا باعتباره السلطة المختصة بندب العاملين خارج المؤسسه أو الشركة. ومن ناحية موضوع القرار فان أحوال الشركة التى كان المدعى يعمل بها قد اضطربت حتى صدر قرار بحل مجلس ادارتها وانتشرت شائعات بين العاملين حول نزاهة المدعى وآخرين وجرت تحقيقات مع بعضهم فى وقائع اختلاس وتلاعب بأموال الشركة، واقتضت مصلحة العمل ابعاد من لم يتناولهم التحقيق لعدم وجود أدلة كافية عليهم حتى تستقر أحوال العمل، فندب المدعى مؤقتا وكان مراجعا بقسم الحسابات، فصدر القرار حسما لهذه الشائعات ولم يكن سببا فى حدوثها مما ينفى الخطأ عن الشركة والوزارة.
ومن حيث أن ورثة المدعى عقبوا بمذكرتهم على الدفع بعدم الاختصاص بأن الدعوى تتعلق بالطعن فى قرار صدر من وزير الصحة كجهة ادارية يختص قضاء مجلس الدولة بالفصل فيه، وان مورثهم شهر به بناء على معلومات غير صحيحة قام بنشرها فى صورة ملصقات ومنشورات السيد الصيدلى/ عبد السلام محمد عبد الوهاب الذى عاقبته المحكمة التأديبية جزاء هذا الفعل بخصم شهرين من مرتبه فى القضية رقم 10 لسنة 15 ق لوزارة الصحة، وهذا الجزاء قد أهدر كل المعلومات والتحريات التى نسبت الى مورثهم وتسببت فى نقله، وطلب الورثة الحكم لهم بالطلبات المبينة بالدعوى.
ومن حيث أن قرار الندب الذى طلب التعويض عنه أصدره وزير الصحة بمقتضى ما خوله قانون العاملين بالقطاع العام من سلطة ندب العامل من شركات القطاع العام الى المؤسسات العامة فهو قرار ادارى من عمل السلطة العامة فيما تملكه من أوجه التنظيم الاقتصادى القومى، وان ورد ابتداء على وضع عامل فى شركة لا تعتبر من الأشخاص العامة ولا يعتبر من ثم من فيها موظفا عاما، فاذا انطوى قرار الندب على أخذ العامل بجزاء تأديبى مقنع أو التى يقترن اصدارها بعمل يضار منه العامل فى سمعته أو ينال من اعتباره، واستندت الدعوى الى مثل ذلك العمل الذى لا يكشف عن وقائع محددة تقتضى المساءلة التأديبية، فان محكمة القضاء الادارى تكون مختصة بنظر طلب التعويض عن الضرر المترتب على الندب فى هذه الحال. واذ كان ما أشيع عن المدعى فى الشركة وأن تعلق بنزاهته وسمعته الا أنه لم ينسب اليه اية واقعة محددة، فتكون الدعوى من اختصاص المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه ولا يكون وجه لدفع وزارة الصحة بعدم الاختصاص سواء الولائى والنوعى ويتعين الالتفات عنهما قانونا كما لا يجدى تلك الوزارة التمسك بأن القرار الذى أصدرته انما يتعلق بتحقيق مصلحة الشركة التى كان يعمل بها المدعى ويجب أن تتحمل هذه الشركة من دون الوزارة التعويض الذى يثبت استحقاقه عن هذا القرار وقد تبين صدوره عن مقتضيات تسيير مرفق الدواء الذى تهمين الوزارة على شئونه ولا تنأى عن أن تسأل عما تتخذه فيه مع الشركات والمؤسسات ذوات الشأن فى كل أمر.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن ما استند اليه قرار ندب المدعى من شائعات تمس سمعته ونزاهته فى عمله بحسابات الشركة، قد نشره بعض العاملين فى صعيد الشركة بغير مقتض ولا عذر فى جانب المسئولين، فقصر هؤلاء فى اتخاذ الحيطة اللازمة لتحفظ على المدعى ظاهر اعتباره عند اصدار قرار ندبه، وقد أوذى المدعى من هذا التقصير فى مشاعره، فحق تعويضه عن الضرر الأدبى - الذى حاق به، واذ قدر الحكم المطعون فيه هذا التعويض، وفقا لما رأى مناسبته لجبر الضرر وبغير أن يخالف شيئا من أحكام المسئولية، فلا يكون وجه للتعقيب على الحكم فى هذا الشأن.
ومن حيث أن ندب العاملين هو فى ذاته حق للإدارة تعمله وفقا لمقتضيات القيام على مختلف الوظائف، ولا يتعلق للعامل من حق فى شئ من مزايا الوظيفة التى يغادرها منتدبا باعتبار هذه المزايا من مثوبات الأعباء الخاصة بتلك الوظيفة ولا يستحقها الا من يقوم فعلا على هذه الاعباء ولا يكون المدعى محقا فى طلب التعويض عما كان يتقاضاه فى وظيفته بالشركة بعد اذ ندب الى وظيفة أخرى بالمؤسسة العامة للأدوية وأصبح ولا حق له الا فى مقررات الوظيفة التى يقوم على عملها حقيقة، ويكون صحيحا رفض الحكم له بهذا التعويض.
ومن حيث أنه لكل ما سلف يكون كل من الطعنين حقيقا بالرفض وتلزم كل طاعن مصروفات طعنه.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا ورفضهما موضوعا وألزمت كل من الطاعنين بمصروفات طعنه.