مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) - صـ 744

جلسة 31 من مارس سنة 1949

برياسة حضرة محمد المفتى الجزايرلى بك وكيل المحكمة وحضور حضرات: أحمد حلمى بك ومحمد عزمى بك وعبد العزيز محمد بك ومحمد على رشدى بك المستشارين.

(402)
القضية رقم 197 سنة 17 القضائية

بيع. ضمان. ضمان التعرض القانونى الذى يواجه المشترى بناءً على حق عينى على المبيع وقت البيع. ضمان التعرض الذى يقع بناءً على حق عينى لا حق للبيع. شرط الضمان الأخير أن يكون مصدر الحق العينى فعل البائع. ذلك لا يشترط فى الضمان الأول. صورة دعوى.
(المادتان 79 و300 من القانون المدنى)
إن المادة 300 من القانون المدنى [(1)] فرقت بين ضمان التعرض القانونى الذى يواجه المشترى بناءً على حق عينى على المبيع وقت البيع، وضمان التعرض الذى يقع بناءً على حق عينى لاحق للبيع، فاشترطت فى الحالة الأخيرة فقط لقيام ضمان البائع أن يكون مصدر الحق العينى هو فعل البائع. أما فى الحالة الأولى فإطلاق نص المادة لا يدع مجالاً للشك فى أنه لا يشترط فى وجوب ضمان البائع للتعرض بناءً على حق عينى وقت البيع أن يكون من فعل البائع، بل يصح أن يكون مصدر هذا الحق العينى هو غير البائع متى كان من الجائز قانوناً أن يواجه المشترى وقت البيع بهذا الحق، كأن يكون مثلاً سند المتعرض فى تعرضه تملكاً بسبب صحيح، أو تملكاً بمضى المدة الطويلة، توافرت شروط أيهما وقت البيع، أو رهناً سابقاً على البيع مرتباً من غير البائع المالك فى الحالة التى وردت بشأنها المادة 79 مكررة من القانون المدنى [(2)]. فإذا كان الثابت أن العقود التى تلقى بها بعض المتعرضين حقوقهم لاحقة للبيع الصادر إلى المتعرض له ولكن سندهم فى الملك يرجع إلى ما قبل البيع له فإنه يكون من المتعين على المحكمة ألا تقف عند تاريخ عقود المتعرضين بل يكون عليها أن تستبين هل لأسلاف هؤلاء المتعرضين حق يجوز أن يواجه به المشترى وقت البيع. ولا يحول دون هذا أن يكون سلف المتعرضين قد تملكوا بعض العين بناءً على إجراءات نزع ملكية وفاءً للأموال الأميرية وجهت إلى غير البائع ومورثه وتملكوا بعضاً آخر بحكم مرسى مزاد كنت نتيجة ترتيب رهن من غير مالك، إذ القاطع فى الأمر أن يكون للغير وقت البيع حق عينى على المبيع يصح أن يواجه به المشترى. وإذن فالحكم الذى يقرر أن ضمان البائع لا يقوم إلا إذا كان المتعرض يستند إلى حق عينى صدر إليه من البائع قبل البيع وأنه لا يصح أن يقيد بالتصرفات التى يتمسك بها المتعرضون لأنها لاحقة تاريخاً لعقد البيع الصادر إلى المتعرض له، ولأن نزع ملكية بعض المبيع لم يكن موجهاً إلى البائع ولا ورثة والده - هذا الحكم يكون مخالفاً للقانون.


المحكمة

ومن حيث إنه (الطعن) أقيم على سببين يتحصلان أولاً فى أن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى الطاعن قد أخطأ فى تطبيق القانون فقد اعتبر المطعون عليه الأول غير مسؤول قبل الطاعن - بوصف كون الأول بائعاً والآخر مشترياً - عن التعرض القانونى الصادر من باقى المطعون عليهم فيما بيع للطاعن بمقتضى عقد البيع المحرر فى 19 من يناير سنة 1928، مؤسساً ذلك على أن المطعون عليه الأول بصفة كونه بائعاً لا يضمن هذا التعرض وفقاً لنص المادة 300 من القانون المدنى لأنه لم ينشأ عن فعله بل عن عدم قيام الطاعن بتسجيل عقد البيع فتمكن ورثة مملك البائع الأصلى من التصرف فى الأطيان المبيعة تصرفات سجلها أربابها فأصبحت حجة على الطاعن. ويقول الطاعن فى بيان خطأ الحكم إن هناك تصرفات سابقة على البيع وهى رهن لبنك الأراضى رتب فى سنة 1914 انتهى إلى نزع ملكية بعض المبيع واستقرارها لبعض المتعرضين ونزع ملكية بعض المبيع كذلك وفاءً للأموال الأميرية فى سنة 1916 وآل أخيراً إلى بعض من ينازعون الطاعن فى ملكه. وثانياً أن بالحكم المطعون فيه قصوراً شاب أسبابه إذ اكتفى بسرد تاريخ العقود التى تملك بها المتعرضون للطاعن وبيان أنها كلها لاحقة للبيع الصادر مستخلصاً من ذلك أنه لا ضمان على البائع ولكنه لم يعن ببيان تسلسل الملكية حتى انتهت إلى هذه العقود، ولو عنى بذلك لاتضح أن مرجع بعضها هو عقد الرهن المرتب لمصلحة بنك الأراضى فى سنة 1914 ومرجع البعض الآخر هو نزع الملكية وفاءً للأموال الأميرية فى سنة 1916 وكلاهما سابقان على البيع الصادر إلى الطاعن. ثالثاً أن بالحكم المطعون فيه خطأ فى الإسناد يقول فى بيانه إن الحكم ذكر فى معرض التدليل على عدم جدية التعرض أن الخبير الذى ندبته محكمة أول درجة لتحقيق حال الأحواض الحاصل فيها البيع للطاعن هل هى تتسع لما بيع له وللتصرفات الأخرى التى يتمسك بها المتعرضون له - إن الخبير المذكور قرر باتساع الأحواض لهذه التصرفات جميعاً مع أن الخبير قرر أنها إنما تتسع بأقل 1 ف و8 ط أى أنها لا تتسع للمقدار الذى بيع للطاعن والمقادير الأخرى التى حوتها التصرفات التى يتمسك بها المتعرضون للطاعن.
ومن حيث إن الطاعن أقام دعواه طالباً الحكم بصحة عقد البيع المبرم بينه وبين المطعون عليه الأول فى 19 من يناير سنة 1928 والذى يتضمن بيعه 12 ف و8 ط مبينة حدودها فى العقد المذكور واحتياطياً بإلزامه برد الثمن وقدره 555 جنيهاً مع فوائده. ويرجع سبب الدعوى إلى أن باقى المطعون عليهم وآخرين تعرضوا للطاعن فى ملكيته ووضع يده وادعوا ملكية ما بيع له من المطعون عليه الأول، وقد قرر الخبير الذى ندب من محكمة أول درجة لتطبيق المستندات التى يتمسك بها المتعرضون، أن هؤلاء المتعرضين يضعون اليد فعلاً على ما بيع للطاعن، وأن الأطيان المبيعة للطاعن تقع فى حوضين الأول حوض الردكة والآخر حوض الخرس، وأن مساحة أطيان حوض الخرس لا تتسع لما بيع للطاعن وللمقادير الواردة فى عقود المتعرضين إذ تزيد مجتمعة على سعته بـ 1 ف و8 ط - وفى هذا الحوض يضع محمد الإمام عبود ومن معه اليد على 2 ف و13 ط ويدعون ملكيتها بمقتضى عقد بيع صادر فى 18 من مارس سنة 1920 ومسجل فى 6 من ديسمبر سنة 1936 من عيشة أم عبد الله التى تلقت الملك عن الست إميلى التى تملكت بدورها بمقتضى حكم رسو مزاد فى سنة 1916 صدر بناءً على طلب الحكومة وفاءً للمتأخر من الأموال، وقرر الخبير أنه بتطبيق الحدود الواردة فى عقد محمد الإمام عبود ومن معه على الطبيعة تبين أنها تدخل ضمن الأطيان المبيعة للطاعن من المطعون عليه الأول، كما قرر الخبير أنه فى هذا الحوض أيضاً (حوض الخرس رقم 1) يضع الإمام إبراهيم على الأجرب اليد على 5 ف و13 ط و20 س ويستند فى ادعائه بملكيتها إلى عقد بيع مؤرخ 29 من أكتوبر سنة 1931 صادر إليه من بنك الأراضى المصرى الذى آل إليه الملك بمقتضى حكم رسو مزاد صادر من محكمة المنصورة المختلطة فى 27 من مارس سنة 1930 وأنه بتطبيق الحدود الواردة فى هذا العقد على الطبيعة تبين أنها تدخل ضمن الأطيان المبيعة للطاعن. وقد أثبت حكم محكمة أول درجة أن بنك الأراضى ذكر فى خطابه الذى قدمه الإمام إبراهيم "أن عقد الرهن الصادر له من أحمد على حسن غيث إلى البنك مؤرخ 11 من مارس سنة 1914 وأنه جدد فى أكتوبر سنة 1923 و2 يونيه سنة 1933 وقد اتخذ البنك الإجراءات بعد ذلك لنزع ملكية 11 ف و18 ط و20 س ورسا مزادها عليه بتاريخ 27/ 3/ 1930 ثم باعها للامام إبراهيم فى 29 من أكتوبر سنة 1931" وقد رأت محكمة أول درجة ثبوت قيام التعرض القانونى للطاعن فى ملكية ما بيع له، فقضت طبقاً للمادة 300 من القانون المدنى بإلزام المطعون عليه الأول بوصف كونه بائعاً برد الثمن وفوائده. ولكن محكمة استئناف مصر قضت - بالحكم المطعون فيه - بإلغاء الحكم ورفض الدعوى مؤسسة ذلك على أن مقتضى المادة 300 من القانون المدنى أن يثبت المشترى "أن المتعرض إنما يرتكن على حق عينى صدر له من البائع قبل تاريخ البيع أو بعد تاريخه وكان ناشئاً عن فعل البائع" وقالت إنه متى كان من الثابت أن العقود التى يتمسك بها المتعرضون للطاعن لاحقة فى تواريخها على عقد البيع الصادر إلى الطاعن وكانت هذه العقود ليست صادرة من البائع ولا مورثه فلا ضمان على البائع.
ومن حيث إن المادة 300 من القانون المدنى فرقت بين ضمان التعرض القانونى الذى يواجه المشترى بناءً على حق عينى على المبيع وقت البيع وضمان التعرض الذى يقع بناءً على حق عينى لاحق للبيع. فاشترطت فى الحالة الأخيرة فقط لقيام ضمان البائع أن يكون مصدر الحق العينى هو فعل البائع. أما فى الحالة الأولى فإطلاق نص المادة لا يدع مجالاً للشك فى أنه لا يشترط فى وجوب ضمان البائع للتعرض بناءً على حق عينى وقت البيع أن يكون من فعل البائع، بل يصح أن يكون مصدر هذا الحق العينى هو غير البائع متى كان من الجائز قانوناً أن يواجه المشترى وقت البيع بهذا الحق، كأن يكون مثلاً سند المتعرض فى تعرضه تملكاً بسبب صحيح أو تملكاً بمضى المدة الطويلة توافرت شروط أيهما وقت البيع أو رهناً سابقاً على البيع مرتباً من غير البائع المالك فى الحالة التى وردت بشأنها المادة 79 مكررة من القانون المدنى.
ومن حيث إنه متى كان من الثابت أن العقود التى تلقى بها بعض المتعرضين للطاعن حقوقهم لاحقة للبيع الصادر إليه إلا أن سندهم فى الملك يرجع إلى ما قبل البيع، فمحمد الإمام عبود ومن معه يرجعون إلى سنة 1916 تاريخ رسو المزاد على الست إميلى والإمام إبراهيم الأجرب إلى سنة 1914 تاريخ الرهن الذى رتب لمصلحة بنك الأراضى - متى كان ذلك من المتعين على الحكم المطعون فيه أن لا يقف عند تاريخ عقود المتعرضين بل كان عليه أن يستبين هل لأسلاف هؤلاء المتعرضين حق يجوز أن يواجه به الطاعن وقت البيع. ولا يحول دون هذا أن إجراءات نزع ملكية بعض المبيع فى سنة 1916 وفاءً للأموال الأميرية لم تكن قبل البائع ولا مورثه أو أن الرهن المدعى بترتيبه على الجزء الآخر من المبيع فى سنة 1914 لمصلحة بنك الأراضى قد رتب من غير ملك، إذ القاطع فى الأمر أن يكون للغير وقت البيع فى 19/ 1/ 1928 حق عينى على المبيع يصح أن يواجه به المشترى.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه إذ قرر أن ضمان البائع لا يقوم إلا إذا كان المتعرض يستند إلى حق عينى صدر إليه من البائع قبل البيع وأنه لا يصح أن يقيد التصرفات التى يتمسك بها المتعرضون للطاعن لأنها لاحقة تاريخاً لعقد البيع الصادر إليه ولأن نزع ملكية بعض المبيع لم يكن موجهاً إلى البائع وورثة والده - إذ بنى الحكم قضاءه برفض دعوى الطاعن على هذا يكون قد جاء مخالفاً للقانون. كما جاء خاطئاً فى الإسناد إذ قال إن الخبير الذى ندبته محكمة أول درجة قرر أن الأحواض تتسع للقدر الذى بيع للطاعن وللقدر الذى حوته التصرفات التى يتمسك بها المتعرضون مع أنه بالرجوع إلى تقرير الخبير يتضح أن قوله هذا قاصر على الأطيان التى تقع فى حوض الردكة أما الأطيان التى تقع فى حوض الخرس - ومنها الأطيان التى يدعى ملكيتها الإمام إبراهيم الأجرب ومحمد الإمام عبود ومن معه - فهى لا تتسع لذلك بل تقل بمقدار 1 ف و8 ط.


[(1)] تقابلها فى القانون المدنى الجديد المادة 439.
[(2)] لا مقابل لها فى القانون الجديد.