مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1981 الى آخر سبتمبر سنة 1982) - صـ 690

(98)
جلسة 13 من يونيه سنة 1982

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف شلبى يوسف وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ يحيى عبد الفتاح سليم البشرى وعبد الفتاح محمد إبراهيم صقر ومحمد فؤاد الشعراوى وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 1610 لسنة 26 القضائية

فوائد قانونية - احكام الشريعة الاسلامية - نص المادة 226 من القانون المدنى - مدى الالتزام بهذا النص فى روابط القانون العام.
اقامة احدى الهيئات العامة دعوى أمام المحكمة الادارية بالزام أحد العاملين بها برد مرتبه الذى حصل عليه منها دون وجه حق - حكم المحكمة الادارية بالزامه بدفع المبلغ المطالب به ورفض طلب الحكم بالفوائد القانونية عن هذا المبلغ على أساس أن هذه الفوائد تمثل ربا تحرمه مبادئ الشريعrة الاسلامية التى تعتبر المصدر الرئيسى للتشريع وفقا لحكم المادة الثانية من الدستور الصادر سنة 1971 - الطعن على هذا الحكم - الحكم الطعين اقتصر فى قضاءه على الامتناع عن تطبيق المادة 226 من القانون المدنى - الامتناع عن تطبيق نص قانونى قائم بحجة أنه يتعارض مع أحكام الشريعة الاسلامية الغراء التى هى المصدر الرئيسى للتشريع وفقا للدستور - هذا الامتناع يشكل فى واقعه تعرضا لمدى دستورية النص أيا كانت الصورة التى يتم بها التعرض بطريق مباشر أو غير مباشر - ما دام النص التشريعى قائم ولم يعدل أو بلغ بالطريق الذى رسمه المشرع وحدد خطاه وجب على المحكمة إعمال حكمه ومقتضاه دون اهمال أو اغفال وأيا كان السبب الذى تحتمى به أو تتخذه تكئه لقضائها والا غدا حكمها مجانبا القانون فى صحيحه مشوبا بالقصور - من الأصول العامة فى الالتزامات انه لا وجه لتطبيق نص المادة 226 من القانون المدنى فى علاقة الحكومة بموظفيها - من المسلم به ان علاقة الموظف بالحكومة هى علاقة قانونية نظامية تحكمها القوانين واللوائح والقضاء الادارى ليس ملزما بتطبيق النصوص المدنية على روابط القانون العام الا اذا وجد نص خاص يقضى بذلك أو رأى أن تطبيقها يتلاءم مع طبيعة تلك الروابط ليس مما يتلاءم مع طبيعة هذه الروابط الزام الموظف بفوائد مبالغ صرفت له بداءة على أنها مرتب مستحق له قانونا ثم تبين عدم أحقيته فيها فالتزم بردها وتأخر فى هذا الرد ذلك أخذا فى الاعتبار ما جرى عليه القضاء الادارى بالمقابلة لذلك من عدم التزام الحكومة بفوائد مبالغ المرتبات والبدلات التى يقضى بها قضائيا بالتطبيق لأحكام القوانين واللوائح متى تأخرت الجهة الادارية فى صرفها لمن يستحقها من العاملين - لا يكون ثمة سند لا لزام المدعى عليه بأداء الفوائد القانونية عن المبلغ المحكوم به الحكم المطعون فيه وقد قضى برفض طلب الهيئة الحكم بالفوائد القانونية عن المبلغ المحكوم به قد أصاب صحيح حكم القانون فيما انتهت إليه وإن كان لأسباب اخرى لا تتمشى مع التأويل السليم للقانون غير تلك التى استند اليها هذا الحكم.


اجراءات الطعن

فى يوم الخميس الموافق 7 من أغسطس سنة 1980 أودعت هيئة مفوضى الدولة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1610 لسنة 26 القضائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بالاسكندرية بهيئة استثنافية بجلسة 25 من يونيه سنة 1980 فى الطعن رقم 129 لسنة 11 ق. س المقام من هيئة مفوضى الدولة والذى قضى بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا - وطلبت الهيئة الطاعنة - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه وذلك بالحكم للمدعى بصفته بالفوائد القانونية بواقع 4% من قيمة المبلغ محل المنازعة من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا مسببا بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بذات الطلبات الواردة بتقرير الطعن المقدم منها.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 7 من مارس سنة 1982 وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) حيث تحدد لنظره أمامها جلسة 18 من ابريل سنة 1982 وبعد تداول الطعن على النحو الموضح بمحاضر الجلسات قررت اصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تحصل - حسبما يبين من الأوراق - فى أنه بموجب عريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الادارية بالاسكندرية فى 17 من ديسمبر سنة 1977 - أقامت الهيئة العامة لنقل الركاب بالاسكندرية الدعوى رقم 67 لسنة 25 القضائية ضد محمد راشد إبراهيم طالبة الحكم بإلزامه بان يدفع لها مبلغ 360ر582 جنيها والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماه - وقالت الهيئة شرحا للدعوى ان المدعى عليه التحق بخدمة الهيئة فى وظيفة محصل بتاريخ 15 من مايو سنة 1969 وتم تجنيده بالقوات المسلحة فى 2 من فبراير سنة 1970 ثم نقل الى الاحتياط فى أول مايو سنة 1973 - وقد قامت الهيئة بصرف مرتبه اليه من تاريخ نقله الى الاحتياط الى أن تقدم بطلب مؤرخ 8 من ابريل سنة 1976 لوقف صرف مرتبه نظرا لتجديد مدته بالقوات المسلحة على الراتب العالى اعتبارا من أول يونيه سنة 1975 وعلى أثر ذلك قامت الهيئة بوقف صرف مرتبه واستفسرت من الوحدة التابع لها عن تاريخ تجديد مدته بالقوات المسلحة فافادت الوحدة بأنه تم تجديد خدمته بالراتب العالى من أول مايو سنة 1973 التاريخ المقرر لنقله الى الاحتياط مع دفعته وانه لا يستحق صرف مرتبه من الهيئة اعتبارا من هذا التاريخ - وأشارت الهيئة الى انه بذلك يكون المدعى عليه قد حصل على مرتب منها دون وجه حق عن المدة من أول مايو سنة 1973 حتى أول ابريل سنة 1976 وتبلغ قيمة ذلك 360ر582 جنيها ويحق للهيئة مطالبته برد هذا المبلغ.
وبجلسة 27 من فبراير سنة 1979 حكمت المحكمة الادارية بالزام المدعى عليه بأن يدفع للهيئة المدعية مبلغ 582.360 جنيها وبرفض ما عدا ذلك من طلبات - وأقامت قضاءها برفض طلب الحكم بالفوائد القانونية عن المبلغ المطالب به على أساس ان هذه الفوائد تمثل ربا تحرمه مبادئ الشريعة الاسلامية التى تعتبر المصدر الرئيسى للتشريع وفقا لحكم المادة الثانية من الدستور الصادر سنة 1971.
وبتاريخ 24 من مارس سنة 1979 أودعت هيئة مفوضى الدولة قلم كتاب محكمة القضاء الادارى بالاسكندرية بهيئة استئنافية تقرير طعن قيد بجدولها برقم 129 لسنة 11 ق. س فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية بجلسة 27 من فبراير سنة 1979 سالف الذكر طالبة الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه وذلك بالحكم للهيئة المدعية بالفوائد القانونية بواقع 4% عن المبلغ محل المنازعة من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد.
وبجلسة 25 من يونيه سنة 1980 أصدرت محكمة القضاء الادارى بالاسكندرية بهيئة استئنافية حكمها المطعون فيه ويقضى بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا - وشيدت قضاءها على ان الدستور الصادر سنة 1971 نص على ان مبادئ الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع ومفاد هذا ان المشرع الدستورى قد سما بمكانة الشريعة الاسلامية ومبادئها الى درجة النص عليها باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع بما يتعين معه الالتزام بما ورد بهذه المبادئ من أحكام - ونظرا لأن أحكام الشريعة الاسلامية بمصدريها الرئيسيين القرآن الكريم والسنة النبوية الشريعة تحرم الربا فى جميع صوره من بينها الفوائد التى تستحق على المدين نظير تأخير الدين والذى تنص عليه المادة 226 من القانون المدنى فان مقتضى ذلك قيام تعارض بين نص تلك المادة وأحكام الشريعة الاسلامية مما يخوله المحكمة المطروحة أمامها النزاع الامتناع عن تطبيق حكم هذه المادة ذلك ان وظيفة القاضى هى تطبيق القانون فيما يعرض له من أقضية، فاذا ما تعارض قانون عادى مع أحكام الشريعة الاسلامية فى أية منازعة تعرض على المحاكم وجب عليها ان تطرح القانون العادى وتغلب عليه حكم الشريعة الاسلامية وعلى ذلك يكون الحكم الصادر من المحكمة الادارية المشار اليه اذ قضى برفض الحكم بالفوائد القانونية المطالب بها صحيحا فيما انتهى اليه ويكون النعى عليه غير قائم على سند صائب من القانون حقيقا بالرفض.
ومن حيث ان قوام الطعن الماثل ان الحكم المطعون فيه خالف صحيح حكم القانون ذلك ان المشرع وكل الى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها من المحاكم الرقابة على دستورية القوانين واللوائح وحدد الطريقة التى يتم بمقتضاها اتصال الدعوى الدستورية بالمحكمة سواء عن طريق الأفراد اذا دفعوا أمامها بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة أو عن طريق المحكمة اذا ما تراءى لها عدم دستورية مثل هذا النص وعلى ذلك يمتنع على أية محكمة أخرى خلاف المحكمة الدستورية العليا أن تتصدى بنفسها لبحث مدى دستورية نصوص القانون فان هى فعلت وقضت بعدم دستورية نص قانونى فان ذلك يكون افتئاتا غير جائز منها على اختصاص المحكمة الدستورية العليا - ولما كان الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم الصادر من المحكمة الادارية بجلسة 27 من فبراير سنة 1979 فى قضائه برفض طلب الحكم بالفوائد القانونية المنصوص عليها فى المادة 226 من القانون المدنى بزعم تعارض هذه المادة مع أحكام الشريعة الاسلامية فمن ثم فانه يكون قد تصدى للبحث فى مدى دستورية تلك المادة وانتهى الى عدم دستوريتها وهو غير جائز على ما سلف.
ومن حيث انه يبين مما تقدم ان الحكم المطعون فيه أسس قضاءه على أن لا تثريب على المحكمة الادارية ان هى امتنعت عن تطبيق نص المادة 226 من القانون المدنى التى تقضى بالزام المدين المتأخر فى الوفاء بدينه بأن يدفع لدائنه فوائد عن هذا الدين بواقع 4% سنويا فى المسائل المدنية وذلك لتعارض نص هذه المادة مع أحكام الشريعة الاسلامية - ولما كان القانون رقم 81 لسنة 1969 باصدار قانون المحكمة العليا والذى أقيمت الدعوى فى ظله ومن بعده القانون رقم 48 لسنة 1979 باصدار قانون المحكمة الدستورية العليا قد ناط كل منهما بهذه المحكمة دون غيرها من المحكام على اختلاف أنواعها ودرجاتها الرقابة على دستورية القوانين واللوائح وبين كيفية اتصال الادعاء بهذا التعارض بتلك المحكمة فمن ثم بات ممتنعا على أية محكمة أخرى غير المحكمة المذكورة ان تتعرض من قريب أو بعيد لبحث مدى مشروعية نص قائم فى قانون أو لائحة وهى وان قامت بذلك كان حكمها مخالفا القانون - ولا يقدح فى ذلك ما أشار اليه الحكم الطعين من ان قضاءه فى المنازعة المطروحة اقتصر على الامتناع عن تطبيق المادة 226 من القانون المدنى دون ان يتطرق الى القضاء بعدم دستوريتها ذلك لأن الامتناع عن تطبيق نص قانونى قائم بحجة انه يتعارض مع أحكام الشريعة الاسلامية الغراء التى هى المصدر الرئيسى للتشريع بحسب الدستور هذا الامتناع يشكل فى واقعه تعرضا لمدى دستورية النص أيا كانت الصورة التى يتم بها التعرض بطريق مباشر أو غير مباشر فما دام النص التشريعى قائما ولم يعدل أو يلغ بالطريق السوى الذى رسمه المشرع وحدد خطاه وجب على المحكمة اعمال حكمه ومقتضاه دون اهمال أو اغفال وأيا كان السبب الذى تحتمى به أو تتخذه تكئة لقضائها ولا غدا حكمها مجانبا القانون فى صحيحه مشوبا بالقصور.
ومن حيث انه تبعا لذلك فانه فيما يتعلق بالفوائد القانونية التى تطلب الهيئة المدعية الحكم لها بها استنادا الى المادة 226 من القانون المدنى التى تقضى بانه "اذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين فى الوفاء به كان ملزما بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد قدرها أربعة فى المائة فى المسائل المدنية وخمسة فى المائة فى المسائل التجارية - وتسرى هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها ان لم يحدد الاتفاق أو العرف التجارى تاريخا آخر لسريانها وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره فان هذه المادة تحكم فى الأصل الروابط العقدية المدنية وانه وان جرى تطبيقها فى نطاق الروابط العقدية الادارية باعتبارها من الاصول العامة فى الالتزامات فانه لاوجه لتطبيقها فى علاقة الحكومة بموظفيها اذ انه من المسلم ان علاقة الموظف بالحكومة هى علاقة قانونية نظامية تحكمها القوانين واللوائح وان القضاء الادارى ليس ملزما بتطبيق النصوص المدنية على روابط القانون العام الا اذا وجد نص خاص يقضى بذلك أو رأى ان تطبيقها يتلاءم مع طبيعة تلك الروابط وليس مما يتلاءم مع طبيعة هذه الروابط الزام الموظف بفوائد مبالغ صرفت له بداءة على انها مرتب مستحق له قانونا ثم تبين عدم أحقيته فيها فالتزم بردها وتأخر فى هذا الرد وذلك أخذا فى الاعتبار ما جرى عليه القضاء الادارى بالمقابلة لذلك من عدم التزام الحكومة بفوائد مبالغ المرتبات والبدلات التى يقضى بها قضائيا بالتطبيق لأحكام القوانين واللوائح متى تأخرت الجهة الادارية فى صرفها لمن يستحقها من العاملين.. وازاء ذلك لا يكون ثمة سند لالزام المدعى عليه فى النزاع المطروح باداء الفوائد القانونية عن المبلغ المحكوم به ويكون هذا الطلب غير قائم على أساس سليم من القانون واجب الرفض.
ومن حيث انه ترتيبا على ما سلف واذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى برفض طلب الهيئة المدعية الحكم بالفوائد القانونية عن المبلغ المحكوم به فانه يكون قد أصاب صحيح حكم القانون فيما انتهى اليه وان كان لأسباب أخرى لا تتمشى مع التأويل السليم للقانون غير تلك التى استند اليها هذا الحكم على النحو السالف ايضاحه الأمر الذى يتعين معه ازاء ذلك الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.