مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 601

(61)
جلسة 6 من فبراير 1965

برئاسة السيد الأستاذ حسن السيد أيوب وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور ضياء الدين صالح وعادل عزيز وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 345 لسنة 10 القضائية

( أ ) موظف - تأديب - حجية الشئ المقضى - قضاء المحكمة التأديبية ببراءة المتهمة الثانية لأسباب واعتبارات خاصة بها وصيرورة حكمها حائزا لقوة الشئ المقضى به - لا يقيد المحكمة العليا وهى بصدد الفصل فى طعن المتهم الأول على ادانته تأديبيا بسبب نزوله معها فى غرفة واحدة باحدى الفنادق.
(ب) موظف - تأديب - انفراد الموظف بزميلة له فى غرفة واحدة بأحد الفنادق رغم انتفاء أية صلة بينهما تبرر هذه الخلوة - يعد ذنبا اداريا حتى ولو كانت مخطوبة له - ينطوى على خروج على مقتضيات الوظيفة واخلال بكرامتها وان وقع بعيدا عن نطاق الوظيفة.
(ج) موظف - تأديب - فصل - وجوب الملاءمة بين خطورة الذنب الادارى وبين الجزاء ومقداره - مناط مشروعية سلطة تقدير جسامة الذنب الادارى ألا يشوب استعمالها غلو - مثال لهذا الغلو فى حالة عقوبة الفصل.
(1) انه وان كانت المحكمة التأديبية قد قضت ببراءة المتهمة الثانية لأسباب واعتبارات خاصة بتلك المتهمة وأصبح الحكم فى شأنها حائزا لقوة الشئ المقضى به لعدم الطعن فيه وانقضت به الدعوى التأديبية بالنسبة اليها الا أن حجية هذا الحكم مقصورة على ما قضى به من براءة تلك المتهمة فلا يقيد هذه المحكمة وهى بصدد الفصل فى طعن المتهم الأول على ادانته تأديبيا بسبب نزوله معها فى غرفة واحدة بأحد الفنادق رغم انتفاء أية صلة بينهما تبرر هذه الخلوة.
(2) ان انفراد المتهم فى غرفة بأحد الفنادق - بزميلة له على النحو الثابت فى التحقيق - فيه خروج على تعاليم الدين وتقاليد المجتمع التى لا يمكن أن تسمح بمثل هذه الخلوة بين رجل غير محرم وأنثى ولو كانت مخطوبة له - ولقد كان عليه وهو من رجال التعليم أن يبتعد عن مواطن الريب درءا للشبهات وأن يلتزم فى سلوكه ما لا يفقده الثقة والاعتبار - ولا شك فى أن ما وقع منه - وان كان بعيدا عن نطاق وظيفته - يعد ذنبا اداريا مستوجبا للعقاب لما فيه من خروج على مقتضيات وظيفته واخلال بكرامتها وبما تفرضه عليه من تعفف واستقامة اذ أنه كمدرس مهمته تربية النشء على الأخلاق القويمة وواجبه أن يكون قدوة حسنة ومثلا يحتذى.
(3) ان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الأصل أن يقوم تقدير الجزاء على أساس التدرج تبعا لدرجة جسامة الذنب الادارى وعلى أنه اذا كان للسلطات التأديبية ومن بينها المحاكم التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الادارى وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها فى ذلك فان مناط مشروعية هذه المسلطة ألا يشوب استعمالها غلو ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة جسامة الذنب وبين نوع الجزاء ومقداره ففى هذه الحالة يخرج التقدير من نطاق المشروعية الى نطاق عدم المشروعية ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة التى يخضع لها أيضا تعيين الحد الفاصل بين النطاقين.
ومن حيث انه ليس من الأوراق ما يفيد أن المتهم قد غرر بزميلته أو اعتدى عليها بل الثابت من التحقيق أنه بادر الى الزواج منها فى اليوم التالى ولئن كان قد طلقها بعد ذلك فان المستفاد من أقوالها أن ذلك كان بناء على طلبها وطلب والدها وأنها أبرأته من حقوقها قبله بمحض رضاها كما أن الثابت من ملف خدمة المتهم أن عمره فى تاريخ الحادث كان حوالى اثنين وعشرين عاما وانه كان حديث العهد بالوظيفة - فما وقع منه فى مثل هذه الظروف وان دل على طيش واستهتار وعدم حرص على البعد عن مواطن الريب إلا أنه لا يبلغ حدا من الجسامة بحيث يستأهل عقوبة العزل.
لذلك فانه بالنظر الى الظروف السابق الاشارة اليها يكون جزاء العزل الذى قضى به الحكم المطعون فيه بعيدا عن التلاؤم مع الذنب الادارى الذى ارتكبه المتهم ومنطويا على غلو لا يتناسب مع درجة خطورة هذا الذنب الأمر الذى يتعين معه الغاء هذا الحكم فى شقه الخاص بعزل المتهم الطاعن وتوقيع الجزاء المناسب عليه الذى ترى المحكمة فى شأنه الاكتفاء بمجازاته بوقفه عن العمل بدون مرتب لمدة ثلاثة أشهر.


اجراءات الطعن

بتاريخ 28 من يناير سنة 1964 أودعت هيئة مفوضى الدولة بناء على الطب المقدم اليها فى 13 من يناير سنة 1964 من السيد/ .... قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 578 لسنة 10 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والثقافة والعمل بجلسة 16 من ديسمبر سنة 1963 فى الدعوى التأديبية رقم 2 لسنة 5 القضائية المقامة من النيابة الادارية ضد كل من السيد/ .... والسيدة..... القاضى بعزل الأول من وظيفته مع حفظ حقه فى المعاش أو المكافأة وببراءة الثانية مما نسب اليها - وطلبت هيئة المفوضين للأسباب التى أشارت اليها فى تقرير الطعن وتطبيقا لحكم المادة 32 من القانون رقم 117 لسنة 1958 قبول الطعن شكلا وفى الموضوع الحكم بالغاء الحكم المطعون فيه - وبعد أن قدمت هيئة المفوضين تقريرا برأيها انتهت فى الى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه بالنسبة للطاعن والقضاء فى الدعوى بالجزاء المناسب - عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 13 من يونيه سنة 1964 التى أبلغ بها الطرفان فى 20 من مايو سنة 1964 وقررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 12 من ديسمبر سنة 1964 التى أبلغ بها الطرفان فى 26 من أكتوبر سنة 1964 وبعد أن سمعت المحكمة ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت ارجاء النطق بالحكم الى جلسة اليوم.


المحكمة.

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل فى أنه فى أول أكتوبر سنة 1962 أودعت النيابة الادارية قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والثقافة والعمل أوراق الدعوى التأديبية التى قيدت بسجل المحكمة تحت رقم 578 لسنة 10 القضائية وتقرير اتهام ضد كل من السيد/ ..... والسيدة/ ... المدرسين من الدرجة الثامنة بمدرسة تلراك الابتدائية متضمنا اتهامهما بأنهما فى يومى 4 من مارس و12 من مايو سنة 1962 ببندر الزقازيق وبوصفهما من مدرسى مدرسة تلراك الابتدائية خالفا ما يجب أن يكون عليه الموظف العام من حسن السير والسلوك بأن نزلا سويا بحجرة واحدة بفندق الأوبرج بالزقازيق دون أن يكون بينهما وشيجة من قربى أو صلة من نسب تبرر مبيتهما معا بحجرة واحدة فضربا بذلك أسوأ مثل لما يمكن أن يكون عليه من هو فى مثل وظيفتهما وبذلك ارتكبا المخالفات الادارية المنصوص عليها فى الفقرة الثانية من المادة 6 والمادة 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وطلبت النيابة الادارية محاكمتهما طبقا للمادتين سالفتى الذكر والمادتين 12، 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958 وبسطت النيابة الادارية فى مذكرتها المرافقة لتقرير الاتهام الوقائع فذكرت أن المدرس.... والمدرسة.... قد ضبطا بمعرفة الشرطة بتاريخ 12 من مايو سنة 1962 بحجرة واحدة بفندق الأوبرج بالزقازيق وحرر لهما المحضر رقم 1871 ادارى بندر الزقازيق - واقترحت الجهة الادارية خصم خمسة عشر يوما من راتب كل منهما لسوء السلوك الا أن مدير عام المنطقة التعليمية أحال الأوراق الى النيابة الادارية لاحالتهما الى المحاكمة التأديبية وتضمنت المذكرة أنه بسؤال السيد/ الحسينى غريب خطاب مفتش مساعد قسم كفر صقر التعليمى قرر أنه كان جالسا بتاريخ 12 من مايو سنة 1962 فى مقهى بميدان المحطة فشاهد المتهمين وهما يدخلان فندق الأهرام وبعد مدة غادراه وتوجها الى فندق الأوبرج بعد أن رفض الفندق الأول السماح لهما بالنزول فيه. فذهب الى فندق الأوبرج وسأل المشرف فأفهمه أنهما نزلا فى احدى الغرف فتفاهم معه على غلقها عليهما لحين ابلاغ الأمر الى الشرطة واستبان له أثناء التحقيق أنهما سبق أن نزلا فى تاريخ سابق فى هذا الفندق وذكر أنه يعرفهما لأن مدرستهما تقع فى دائرة اختصاصه وأن مشرف الفندق أفهمه أن المدرس وقع اقرارا يفيد أن المدرسة ابنة خالته مع أنها لا تمت اليه بصلة وبسؤال المدرسة... وأجابت أنها تعرف المدرس... لأنه زميلها فى المدرسة وأنها توجهت بصحبته الى فندق الأوبرج بتاريخ 4 من مارس سنة 1962 على أساس أنه زميلها وخطيبها وذلك بعد قضاء بعد الحاجيات بالزقازيق وتأخر الوقت وأن المدرس المذكور أقر على نفسه بأنها ابنة خالته حتى يمكن السماح لهما بالاقامة وأنها بعد مدة غادرت الفندق الى بلدتها ونفت أنها قضت الليلة فى الفندق وأضافت أنه فى يوم 12 من مايو سنة 1962 نزلت بصحبة ذلك المدرس فى ذات الفندق بصفتها خطيبة له وكان فى عزمهما عقد القران الا أن الشرطة ضبطتهما ثم تم الزواج بينهما بقسم الشرطة وأنهما لم يرتكبا ما يمس الشرف والأخلاق وتم الطلاق بينهما بعد ذلك بناء على رغبتهما - وبسؤال المدرس.... قرر أن المدرسة.... خطيبته وأنهما نزلا بفندق الأوبرج فى 4 من مارس و12 من مايو سنة 1962 على اعتبار أنها خطيبته وكان يتحدث اليها بحسن نية فيما يختص الزواج وكان فى عزمهما فى المرة الثانية كتابة العقد ولم يرتكب معها ما يمس شرفها وعقب الزواج بها قام بطلاقها بناء على رغبتها وذكر أنه لجأ الى تقديم اقرار بقرابة المدرسة له تيسيرا لتمكينهما من النزول فى الفندق. وبسؤال محمد أنور محمد الكاتب الذى كان مشرفا على فندق الأوبرج قرر أن المتهمين نزلا فى الفندق فى 12 من مايو سنة 1962 بعد أن تحقق هو من شخصية المدرس الذى كتب اقرارا بأن المدرسة بنت خالته وأنه بمراجعة دفتر الفندق تبين أن المتهمين سبق أن نزلا فيه 4 من مارس سنة 1962 وقضيا الليلة به وانه كان فى عزمهما أن يقضيا ليلة 12 من مايو سنة 1962 بالفندق لولا ضبطهما بمعرفة الشرطة - وذكرت النيابة الادارية أن المتهمين قد لجأ تفاديا للمسئولية الجنائية الى الزواج ثم تم الطلاق بينهما بعد ذلك وهذا التحايل لا يعفيهما من المسئولية الادارية ولا عبرة فى هذا المقام بأن الطلاق قد تم بناء على رغبة المدرسة وبرضائها - وأن تعليلهما وجودهما فى الفندق فى المرتين برغبتهما فى التفاهم على الزواج غير مقبول اذ الزواج لا يتم بهذه الصورة لأن للزواج اجراءات ومراسيم وانتهت النيابة الادارية الى القول بأن ما آتاه المتهمان يدل على بالغ استهتارهما بكرامة الموظف والوظيفة فضلا عن أن الدولة أوكلت اليهما أمر تربية النشء وغرس الأخلاق الفاضلة فى نفوسهم مما يقتضى أخذهما بالشدة ليكون لذلك رادعا لهما وزاجرا لغيرهما.
وقدم المتهمان مذكرة بدفاعهما قالا فيها انه يكفيهما أن يشيرا الى أنهما قد تزوجا عقب ضبطهما فى غرفة الفندق لتأكيد أن العلاقة بينهما هى علاقة خطبة شريفة وأنه ليس من حق جهة الادارة أن تتعقب موظفيها فى خلواتهم الخاصة وأن تتجسس عليهم خارج نطاق العمل الرسمى بل وخارج البلد الذى يعملون فيه وأنه وان كان من المبادئ المقررة أن السلوك المنحرف خارج نطاق الوظيفة قد ينعكس فى بعض الأحيان على الموظف وهو يعمل داخل نطاق الوظيفة الا أنه من المبادئ المقررة كذلك ان ما يحاسب عليه الموظف فى هذه الحالة هو الفضيحة التى يثيرها أكثر مما يحاسب على التصرف المنحرف ذاته فاذا كان الثابت أن السيد/ حسنين غريب خطاب هو الذى يتعقبهما وهو الذى أمر باغلاق الحجرة عليهما حتى يستعدى الشرطة عليهما فانه هو مثير الفضيحة وهو الأولى بالمحاسبة التأديبية لأنه اقتحم عليهما مكانهما بعيدا عن البلدة التى يعملان فيها واعتدى على حريتهما الشخصية بحجة تكليفه من رئاسته بمراقبة أعضاء هيئة التدريس ولو خارج العمل وأنه لذلك فمن حقهما أن يطلبا الحكم بالبراءة استنادا الى بطلان كافة الاجراءات سواء منها ما سبق ضبطهما أو تلاه ثم جرح المتهمان أقوال السيد/ الحسينى غريب خطاب بقولهما أن بينه وبينهما عداء قديما دفعه الى التجسس عليهما وتعقبهما فى كل مكان فانتحل سلطة خطيرة غير مشروعة وسخرها لتحقيق أغراض شخصية.
وبجلسة 16 من ديسمبر سنة 1962 حكمت المحكمة التأديبية أولا بعزل السيد/ .... من وظيفته مع حفظ حقه فى المعاش أو المكافأة وببراءة الآنسة.... مما نسب اليها. ويبين من أسباب هذا الحكم أن المحكمة بعد أن أشارت الى أقوال الشاهد الحسينى خطاب والى أنه لما حضر ضابط المباحث وفتحت غرفة الفندق التى كان المتهمان فيها وجد المدرس يلبس (بيجامة) وكما وجدت المدرسة تلبس (جونلا) وقميصا أما فستانها وبنطلونه فوجدا على شماعة بالغرفة ولم يكونا فى وضع مخل بالآداب بل كان كل منهما يرتدى ملابسه العادية التى تستعمل عادة عند التواجد بالسكن ولم يضبط ما يؤخذ منه أن جماعا جنسيا قد وقع وتقرر حجزهما لحين عرضهما على النيابة العامة صباح اليوم التالى وقبل ذهابهما للنيابة طلبا ابداء أقوال جديدة تضمنت أنهما مخطوبان منذ وقت وبمناسبة أجازة العيد حضرا الى بندر الزقازيق لعقد قرانهما وتم الزواج فعلا على يد المأذون بقسم الشرطة وانتهى الأمر بحفظ الحادث اداريا وذكرت المحكمة انه وان كان المسك الشخصى للموظف فى غير نطاق الوظيفة ينعكس على السلوك العام لها اذا ما بدر منه ما يعد اخلالا بكرامتها وخروجا عن مقتضياتها على انه فى ضوء الملابسات التى وقع فيها الحادث فأن علاقة المتهمين لا تفيد بذاتها قيام انحراف فى السلوك الوظيفى من قريب أو بعيد لما تفصح عنه الأوراق من انهما كانا فى بلد بعيد عن مقر عملهما الحكومى ولم يكن أحدهما بحالة تدعو الى الشك والريبة هذا الى تعاهدهما على الزواج فكانا على حقيقة الواقع فى فترة خطوبة يدل على ذلك أنه رغم غلق الباب عليهما من الخارج ظلا بما كان يلبسانه من ملابس منزلية ولم يلاحظ انهما كانا فى وضع مخل بالآداب أو فى حالة ارتباك وقد انتهى الأمر بعلاقة مشروعة وهى الزواج وان جنح المتهم الأول عن الطريق السوى بعد ذلك وفصم العلاقة الزوجية بالطلاق بطريقة تصمه بالانحراف والسلوك المعيب - وأن الزواج أمنية كل فتاة وليس فى اتصال المتهمة الثانية بالمتهم الأول ما يعد من الافعال المحرمة قانونا أو التى لا تتفق مع الأخلاق والآداب العامة سيما بعد التطور الاجتماعى فى البلاد ولما هو ثابت من الأوراق أن سيرهما فى الطريق العام ببندر الزقازيق لم يكن بحالة تدعو الى الشك فى أمرهما وكانا فى بلد بعيد عن محل عملهما ولهما ما لكل مواطن من حق التمتع بحرياته العامة فى حدود القانون فما كان يجوز والحالة هذه أن يتبع خطواتهما المفتش المساعد (الحسينى غريب) لمخالفة ذلك للآداب العامة الخلق القويم اذ وضع نفسه موضع رجل الشرطة فى أمر لا يتصل بأعمال الوظيفة من قريب أو بعيد وهذا ما يجب الا تغفل عنه رئاسته وقد اسرفت النيابة فى الاتهام بالنسبة الى المتهمة الثانية لخروجها على مفهوم حكم القانون على الوجه الصحيح وتتعين براءتها - وذكرت المحكمة أن المتهم الأول قد تنكب الطريق القويم بأقدامه على طلاق المتهمة الثانية بعد يومين من زواجهما ولم يكن قد عاشرها حتى يتكشف أنه استعصى عليهما المعيشة معا كزوجين مما يقطع بأنه لم يكن جادا فى زواجه وانما قصد من الاتصال بالمتهمة الثانية تحت ستار الزواج تحقيق رغبات حقيرة وسلك سلوكا معيبا للغاية يدل على الاستهتار بأقدار الناس وبعده عن كل خلق قويم وتسبب فى الاساءة الى سمعة المتهمة الثانية دون جريرة ارتكبتها سوى أنها تعرفت به على أمل أن تكون زوجته مما يدعو الى مؤاخذته بشدة لأنه بفعله هذا أفقد الثقة به كرجل تعليم يتولى تربية النشء ويجب أن يكون قدوة حسنة ومثله لا يؤتمن على الاعراض وفى اجباره المتهمة الثانية على ابرائه من حق مشروع لها ما يكشف عنه وضاعة نفسه وحقارته وأنه عضو فاسد يجب تطهير الادارة الحكومية منه.
وقد تقدم المتهم المحكوم عليه.... بطلب الى السيد رئيس هيئة المفوضين فى 13 من يناير سنة 1964 يلتمس فيه الطعن فى هذا الحكم فيما قضى به من عزله من وظيفته وذلك تأسيسا على أن المحكمة التأديبية قد أخذت بدفاعه ودفاع زميلته من أن العلاقة بينهما السابقة على عقد الزواج - هى علاقة خطبه شريفة وأن مبيتهما بالفندق فى حجرة واحدة اضطرتهما اليه ظروف سفرهما معا لزيارة الأهل وتخلفهما فى الزقازيق لشراء بعض الحاجيات الخاصة وانه ليس من حق جهة الادارة أن تتعقب موظفيها خارج نطاق العمل الرسمى بل وخارج نطاق البلد الذى يعملون به وخلصت المحكمة الى الحكم ببراءة المدرسة فهى اذ أدانته مع تماثل المراكز القانونية ووحدة المخالفة انما تكون قد أخطأت فى تطبيق القانون وتأويله ويكون الحكم فيما قضى به من عزله من وظيفته جديرا بالطعن عليه أمام المحكمة الادارية العليا للقضاء بالغائه فى الشق الخاص به والحكم ببراءته مما أسند اليه فى قرار الاتهام.
وأودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها انتهت فيه الى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه بالنسبة الى الطاعن والقضاء فى الدعوى بالجزاء المناسب.
ومن حيث انه وان كانت المحكمة التأديبية قد قضت ببراءة المتهمة الثانية لأسباب واعتبارات خاصة بتلك المتهمة وأصبح الحكم فى شأنها حائزا لقوة الشئ المقضى به لعدم الطعن فيه وانقضت الدعوى التأديبية بالنسبة اليها الا أن حجية هذا الحكم مقصورة على ما قضى به من براءة تلك المتهمة فلا يقيد هذه المحكمة وهى بصدد الفصل فى طعن المتهم الأول.... على ادانته تأديبيا بسبب نزوله معها فى غرفة واحدة بأحد الفنادق رغم انتفاء أية صلة بينهما تبرر هذه الخلوة.
ومن حيث أن تقرير الاتهام المقدم من النيابة الادارية والذى قامت عليه محاكمة هذا المتهم تأديبيا قد أسند اليه أنه فى يومى 4 من مارس و12 من مايو سنة 1962 ببندر الزقازيق بوصفه من مدرسى مدرسة تلراك الابتدائية خالف ما يجب أن يكون عليه الموظف العام من حسن السير والسلوك بأن نزل هو واحدى زميلاته (وهى المتهمة الثانية المحكوم ببراءتها) سويا بحجرة واحدة فى أحد الفنادق بالزقازيق دون أن يكون بينهما وشيجة من قربة أو صلة من نسب تبرر مبيتهما معا بحجرة واحدة فضرب بذلك أسوأ مثل لما يمكن تن يكون عليه من هو فى مثل وظيفته.
ومن حيث أن ما نسب الى المتهم ثابت قبله باعترافه فى أقواله فى التحقيق وقد علل وجوده مع زميلته فى حجرة بأحد فنادق الزقازيق بأنها زميلته ثم ذكر أنها خطيبته.
ومن حيث ان انفراد المتهم فى غرفة بأحد الفنادق - بزميلة له على النحو الثابت فى التحقيق - فيه خروج على تعاليم الدين وتقاليد المجتمع التى لا يمكن أن تسمح بمثل هذه الخلوة بين رجل غير محرم وأنثى ولو كانت مخطوبة له - ولقد كان عليه وهو من رجال التعليم أن يبتعد عن مواطن الريب درءا للشبهات وأن يلتزم فى سلوكه ما لا يفقده الثقة والاعتبار - ولا شك فى أن ما وقع منه - وان كان بعيدا عن نطاق وظيفته - يعد ذنبا اداريا مستوجبا للعقاب لما فيه من خروج على مقتضيات وظيفته واخلال بكرامتها وبما تفرضه عليه من تعفف واستقامة اذ أنه كمدرس مهمته تربية النشء على الأخلاق القويمة وواجبه أن يكون قدوة حسنة ومثلا يحتذى.
ومن حيث أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الأصل أن يقوم تقدير الجزاء على أساس التدرج تبعا لدرجة جسامة الذنب الادارى وعلى أنه اذا كان للسلطات التأديبية ومن بينها المحاكمة التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الادارى وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها فى ذلك فان مناط مشروعية هذه المسلطة ألا يشوب استعمالها غلو ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب وبين نوع الجزاء ومقداره ففى هذه الحالة يخرج التقدير من نطاق المشروعية الى نطاق عدم المشروعية ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة التى يخضع لها أيضا تعيين الحد الفاصل بين النطاقين.
ومن حيث انه ليس من الأوراق ما يفيد أن المتهم قد غرر بزميلته أو اعتدى عليها بل الثابت من التحقيق أنه بادر الى الزواج منها فى اليوم التالى ولئن كان قد طلقها بعد ذلك فان المستفاد من أقوالها أن ذلك بناء على طلبها وطلب والدها وانها أبرأته من حقوقها قبله بمحض رضاها كما أن الثابت من ملف خدمة المتهم أن عمره فى تاريخ الحادث كان حوالى اثنين وعشرين عاما وانه كان حديث العهد بالوظيفة, فما وقع منه فى مثل هذه الظروف وان دل على طيش واستهتار وعدم حرص على البعد عن مواطن الريب الا أنه لا يبلغ حدا من الجسامة بحيث يستأهل عقوبة العزل.
لذلك فانه وبالنظر الى الظروف السابق الاشارة اليها يكون جزاء العزل الذى قضى به الحكم المطعون فيه بعيدا عن التلاؤم مع الذنب الادارى الذى ارتكبه المتهم ومنطويا على غلو لا يتناسب مع درجة خطورة هذا الذنب الأمر الذى يتعين معه الغاء هذا الحكم فى شقه الخاص بعزل المتهم الطاعن وتوقيع الجزاء المناسب عليه الذى ترى المحكمة فى شأنه الاكتفاء بمجازاته بوقفه عن العمل بدون مرتب لمدة ثلاثة أشهر.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عزل الطاعن وبمجازاته بوقفه عن العمل بدون مرتب مدة ثلاثة أشهر.