مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 748

(77)
جلسة 27 من فبراير سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ حسن السيد أيوب وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبى يوسف وعبد الستار عبد الباقى آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 1527 لسنة 8 القضائية

( أ ) أعمال السيادة - موظف بعقد - فصل بغير الطريق التأديبى - قرارات رئيس الجمهورية بالفصل بغير الطريق التأديبى - اعتبارها من أعمال السيادة فى ظل القانون رقم 31 لسنة 1963 بتعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة - شمول هذه الحصانة لقرارات رئيس الجمهورية الصادرة بانهاء عقود الموظفين المؤقتين - أساس ذلك.
(ب) تشريع - أثر مباشر - مرافعات - القانون رقم 31 لسنة 1963 - يعتبر قانونا ملغيا لجهة قضاء الغاء جزئيا - سريانه بأثر مباشر على ما لم يكن قد فصل فيه من القضايا قبل تاريخ العمل به.
1 - ليس ثمة شك فى أن قرار اعفاء الدكتور المطعون ضده من منصب مدير جامعة الاسكندرية هو قرار صادر من رئيس الجمهورية بفصله من وظيفته بغير الطريق التأديبى ومن ثم يخضع لحكم القرار بالقانون رقم (31) الصادر فى 4 من مارس سنة 1963 بتعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة وتشمله الحصانة التى أضفاها هذا القانون على قرارات رئيس الجمهورية بالاحالة الى المعاش أو الاستيداع أو الفصل بغير الطريق التأديبى ولذلك يعتبر هذا القرار من أعمال السيادة بحكم القانون المذكور. ولا ينال من هذه الحقيقة الواضحة، القول بأن علاقته بجامعة الاسكندرية هى علاقة عقدية. ذلك أن سبب تعيينه (بعقد) لمدة سنتين وبمكافأة علاوة على معاشه، أنه كان قد بلغ فعلا السن القانونية المقررة للاحالة الى المعاش وأحيل اليه بالفعل، ولهذا رؤى أن يكون تعيينه لمدة مؤقتة مقدارها سنتان فقط لأن الأصل أن يكون القرار الادارى هو أداة التعيين فى وظيفة عامة من الوظائف الدائمة الواردة فى الميزانية وفقا لأحكام القانون، والا يشتمل على مدة معينة. ومن ثم جاء ذكر العقد فى أداة التعيين وهى القرار الجمهورى، ليؤكد صفة التوقيت بعامين على خلاف هذا الأصل. وكذلك رؤى أن يمنح المطعون ضده مكافأة مقدارها ألف وخمسمائة جنيه سنويا، علاوة على معاشه، وهذا التفصيل مقصود حتى لا يتقاضى المدير المرتب المقرر فى الميزانية لمن يشغل وظيفة مدير جامعة الاسكندرية. وغنى عن البيان أن صدور القرار الجمهورى بالتعيين بهذه الكيفية، ولهذه الاعتبارات لا يمكن أن يحول دون اعتبار قرار رئيس الجمهورية باعفاء مدير الجامعة من وظيفته الكبرى عملا من أعمال السيادة نزولا على مقتضيات أحكام القرار بالقانون رقم (31) لسنة 1963 ولا يغير من الأمر شيئا قول المطعون ضده أن أحكام العقد هى التى تنظم العلاقة بينه وبين الحكومة والجامعة لأنه حتى على فرض أن هذا القول صحيح جدلا، فان هذا لا يمنع أن تنسحب عليه حصانة عمل السيادة المقررة بالقانون رقم (31) لسنة 1963 طالما أن انتهاء العقد المزعوم قد تم بناء على قرار من رئيس الجمهورية وأن أحكام العقد لا تخرج المطعون عليه من عداد الموظفين العموميين الذين يخضعون للنظام القانونى المعمول به بالنسبة لموظفى الدولة عموما. فالمادة (26) من قانون نظام موظفى الدولة رقم (210 لسنة 1951 تنص على أنه (تسرى على الموظفين المؤقتين الشاغلين وظائف دائمة جميع الأحكام الواردة فى هذا القانون..) ومن أهم أحكام هذا القانون ذلك الحق الأصيل المقرر لرئيس الجمهورية، (ولمجلس الوزراء قبل النظام الجمهورى)، فى فصل الموظف بغير الطريق التأديبى استنادا الى الأوامر والقواعد التى تناولت النص عليها باعتبار أن الحكومة وهى التى عينت الموظف تنفرد بتقدير صلاحيته للنهوض بأعباء الوظيفة العامة، الاستمرار فى تولى عملها. وهذا الحق يستند فيما يتعلق بمدير الجامعة الى نص قانون تنظيم الجامعات الذى يجعل تعيين مدير الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية ومن ثم يكون فصله بقرار من السلطة ذاتها. وقد قصد المشرع بالقانون رقم (31) لسنة 1963 تحصين سلطة رئيس الجمهورية فى الفصل من التعقيب القضائى باعتبارها عملا من أعمال السيادة استهدافا للغاية التى أفصح عنها فى المذكرة الايضاحية للقانون المذكور.
فلا يمكن أن يتفق مع تلك الغاية اخراج القرار المطعون فيه من طائفة قرارات رئيس الجمهورية المقصودة بالقانون رقم (31) لسنة 1963 بزعم أنه يتضمن تعيين المطعون عليه بعقد.
2 - ينبنى على اعتبار القانون رقم (31) لسنة 1963 قانونا ملغيا لجهة قضاء الغاء جزئيا أن يسرى بأثره المباشر على ما لم يكن قد فصل فيه من القضايا قبل تاريخ العمل به طبقا للقاعدة العامة المقررة فى صدر المادة الأولى من قانون المرافعات. وقد سبق لهذه المحكمة العليا أن قضت بذلك فى العديد من الأقضية المتماثلة فقررت أن الأصل فى قوانين المرافعات أنها تسرى على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الاجراءات قبل تاريخ العمل بها. ومرد ذلك الى أن القاعدة فى سريان قوانين المرافعات على الدعاوى القائمة هى من الأصول المسلمة اذ أن القوانين المنظمة لأصول التداعى والترافع والحكم وطرق الطعن والتنفيذ هى فى عمومها منظمة لمراكز قانونية خاضعة بطبيعتها للتعديل والتغيير من جانب المشرع دون أن يرمى عمله برجعية الأثر ولم يتضمن القانون رقم (31) لسنة 1963 أى حكم خاص لا صراحة ولا ضمنا يتخصص به أثره المعدل للاختصاص بقصره على الدعاوى الجديدة التى ترفع بعد نفاذه دون سواها.


اجراءات الطعن

فى 16 من أغسطس سنة 1962 أودع السيد محامى الحكومة سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (1527) لسنة 8 القضائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى - هيئة العقود الادارية وطلبات التعويض - بجلسة 24 من يونيو سنة 1962 فى الدعوى رقم (1080) لسنة 13 القضائية المقامة من الدكتور محمود سامى جنينه ضد وزير التعليم العالى ومدير جامعة الاسكندرية، والذى قضى: (بعدم قبول الدعوى بالنسبة الى وزارة التعليم العالى المدعى عليها الأولى، وبالزام جامعة الاسكندرية المدعى عليها الثانية بأن تدفع للمدعى على سبيل التعويض مبلغ (800 ج ثمانمائة جنيه والمصروفات المناسبة) وطلب السيد محامى الحكومة للاسباب التى استند اليها فى صحيفة طعنه (قبول هذا الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون عليه، مع الزامه بالمصروفات ومقابل الاتعاب.) وقد أعلن هذا الطعن الى المطعون عليه فى 21 من أغسطس سنة 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 12 من أكتوبر سنة 1963 ومنها الى جلسة 7 من ديسمبر سنة 1963 وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا للمرافعة بجلسة 25 من يناير سنة 1964 وقررت المحكمة ضم ملف خدمة الدكتور محمد سامى جنينه وكذلك عقد التعيين المنوه عنه بصحيفة الدعوى، وصورة من قرار السيد رئيس الجمهورية رقم (91) لسنة 1958 بتعيين المطعون عليه مديرا لجامعة الاسكندرية، وصورة من قرار السيد رئيس الجمهورية باعفاء الدكتور جنينه من منصبه. وفى 28 من أبريل سنة 1964 - أودعت الحكومة حافظة ببعض المستندات المطلوبة. وبجلسة 2 من مايو سنة 1964 سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقدم الحاضر عن المطعون عليه اعلاما شرعيا بالقسيمة رقم (635711) صادرا من محكمة عابدين الجزئية بدائرة الأحوال الشخصية يفيد التحقق من وفاة المرحوم محمود سامى جنينة فى 27 من مارس سنة 1963 وانحصار أرثه الشرعى فى ولديه البالغين مصطفى وعادل فقط من غير شريك ولا وارث له سواهما. ثم قررت المحكمة ارجاء النطق بالحكم الى جلسة 27 من يونيو سنة 1964، وقبيل الجلسة المذكورة قدمت هيئة مفوضى الدولة لدى المحكمة العليا تقريرا بالرأى القانونى انتهت فيه الى ما تراه من الحكم أصليا بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى مع الزام الحكومة المصروفات واحتياطيا بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع برفضه مع الزام الحكومة المصروفات. ولذلك قررت المحكمة اعادة الطعن الى المرافعة بجلسة 14 من نوفمبر سنة 1964 حيث ناقشت المحكمة طرفى الخصومة فى بعض نقاط الطعن ثم قررت ارجاء النطق بالحكم الى جلسة اليوم مع الترخيص فى تقديم مذكرات. وفى 5 من ديسمبر سنة 1964 أودعت جامعة الاسكندرية مذكرة أخيرة بدفاعها خلصت فيها الى طلب الحكم أصليا بعدم اختصاص القضاء الادارى بنظر الدعوى، واحتياطيا بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع الزام ورثة المطعون عليه بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وقدم الدفاع عن ورثة المرحوم المطعون عليه مذكرة انتهى فيها الى طلب الحكم برفض الدفع بعدم الاختصاص وفى الموضوع برفض الطعن.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم (1080) لسنة 13 القضائية أمام محكمة القضاء الادارى - هيئة العقود الادارية وطلبات التعويض - ضد السيد وزير التربية والتعليم بصحيفة أودعها قلم كتاب تلك المحكمة فى 29 من يونيو سنة 1959 طالبا الحكم بالزامه، بصفته، بأن يدفع له مبلغ خمسة آلاف جنيه والمصروفات ومقابل الأتعاب. وقال شرحا لدعواه أنه ظل يخدم التعليم الجامعى طوال حياته الوظيفية وقد طلب اليه أولو الأمر فى سنة 1954 أن يكون عضوا فى مجلس جامعة الاسكندرية وعضوا فى المجلس الأعلى للجامعات. فلم ير بدا من القبول استمرارا فى أداء رسالته نحو التعليم الجامعى، وظل يقوم بأعباء هذه العضوية وتبعاتها حتى سنة 1958 اذ رأى أولو الأمر الاستفادة من هذه الكفاية وتلك الخبرة فى صورة أبلغ، وعلى نطاق أوسع، فعرضوا عليه منصب مدير جامعة الاسكندرية، فقبل تولى هذا المنصب، وصدر القرار الجمهورى رقم (91) لسنة 1958 فى 8 فبراير سنة 1958 بتعيينه بعقد لمدة سنتين نظير مكافأة سنوية مقدارها 1500 جنيه. وكان يعتقد أن رائد الجميع هو الحرص على استقلال الجامعة والتمكين له. وقد مضت العلاقة بين الجامعة ووزارة التربية والتعليم وقتا يسودها التفاهم والرغبة فى الخدمة المشتركة، وان كان المدعى قد احتاج، غير مرة، الى أن يدفع فى رفق محاولات من جانب الوزارة للسيطرة وفرض الرأى على الجامعة. ولكن قد تتابعت تلك المحاولات واتخذت أخيرا صورة خطيرة لم يستطع المدعى حيالها الا ان يقف الموقف الذى تقتضيه الامانة التى حملها بالحرص على استقلال الجامعة، ودفع كل ما يمس هذا الاستقلال. وكان من أثر ذلك أن استصدر السيد/ وزير التربية والتعليم القرار الجمهورى رقم 1542 لسنة 1958 بتاريخ 8 من ديسمبر سنة 1958 باعفائه من منصبه. وهذا القرار أصاب المدعى بأضرار مادية وأدبية يستحق عنها تعويضا يقدره بالمبلغ المشار اليه فى صدر صحيفة الدعوى. وفى 15 من ديسمبر سنة 1960 قدم المدعى مذكرة أولى أورد بها أن الثابت من المذكرة المرافقة لقرار السيد رئيس الجمهورية بتعيين المدعى ان هذا التعيين كان مبعثة الرغبة فى الاستفادة من مجهودات المدعى السابقة فى خدمة التعليم الجامعى، وقد جاء فى المذكرة المرافقة لقرار أعفائه من منصبه أن مبعثه توخى المصلحة العامة، والحرص على أحكام التعاون فى الجامعة. واستطرد المدعى يقول ان العبارة الواردة فى المذكرة المرافقة لقرار أعفائه تحمل الأسباب التى رأى معها السيد الوزير أن يتقدم باقتراح أعفاء المدعى من منصبه، وتقرير رقابة المحكمة على هذه الأسباب يقتضى بيان الوقائع والأمور التى استخلص منها ما قيل من أن اعفاء المدعى من منصبه اقتضاه الحرص على أحكام التعاون فى الجامعة. وهذه العبارة فى ذاتها تقتضى بيانا فهل ما أخذ على المدعى، وجعل أساسا لقرار اعفائه من منصبه هو احكام التعاون بين الجامعة وبين وزارة التربية والتعليم. أم هو احكام التعاون فى محيط الجامعة ذاتها. وعلى هذا النظر يتعين بيان كيفية استخلاص عدم قيام التعاون فى الجامعة اذ التعاون يقتضى تعدد الأطراف فمن هم الآخرون الذين رؤى اعفاء المدعى من منصبه حرصا على احكام التعاون معهم، وهو ما يستتبع بيان الوقائع والأمور التى استخلص منها السبب الوارد فى المذكرة لكى تجرى المحكمة سلطتها فى الرقابة على هذا السبب. وخلص المدعى الى أن الحكومة قد عجزت عن تقديم ما يؤيد سبب القرار، وازاء ذلك يكون القرار غير قائم على سببه وتكون الدعوى قائمة على أساس سليم وأثناء تحضير الدعوى أمام محكمة القضاء الادارى، دفع الحاضر عن الحكومة، بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها على غير ذى صفة. فقدم المدعى مذكرة انتهى فيها الى أنه لا يرى وجها لتصحيح شكل الدعوى، ذلك أن المدعى كان مديرا لجامعة الاسكندرية، وصدر قرار باعفائه من منصبه بناء على مذكرة تقدم بها وزير التربية والتعليم، فالدعوى اذن توجه الى السيد وزير التربية والتعليم ولا محل لاختصام جامعة الاسكندرية أو ادخالها فى الدعوى - وقدمت الحكومة مذكرة فى بيان أسانيد الدفع بعدم قبول الدعوى قائلة أن دعوى التعويض عن القرار الادارى غير المشروع يتعين أن توجه الى من جعل له القانون الصفة فى التقاضى. ذلك أن تمثيل الدولة وغيرها من الأشخاص المعنوية العامة فرع من النيابة عنها، ويكون المرد فى هذه النيابة وتحديد مداها هو الى القانون، والقرار المطلوب التعويض عنه صادر من رئيس الجمهورية فى شأن يتعلق بجامعة الاسكندرية وهو صاحب الاختصاص فى هذا الصدد بمقتضى المادة 19 من القانون رقم 184 لسنة 1958 فى شأن تنظيم الجامعات ومن ثم تكون دعوى التعويض المرفوعة على وزير التربية والتعليم مرفوعة على غير ذى صفة اذ أن وزير التربية والتعليم ينحصر تمثيله للدولة فى نطاق اختصاصات وزارته وحدها، ومن ثم فمن غير المفهوم أن يسأل عن التعويض عن قرار صادر من رئيس الجمهورية فى أمر يتعلق بجامعة الأسكندرية، وهى شخص معنوى اعتبارى عام مستقل عن الدولة وفقا للمادتين (2، 29) من القانون سالف الذكر - وهى باعتبارها شخصا معنويا من أشخاص القانون العام يكون لها حق التقاضى استقلالا عن شخصية الدولة ويمثلها فى ذلك مديرها أعمالا للمادة (20) من القانون رقم 184 لسنة 1958، ولا يغير من هذا الوضع كون أشخاص القانون العام الاقليمية أو المصلحية تخضع لوصاية السلطة المركزية فهذه الرقابة لا تغير من الحقيقة القانونية التى تنحصر فى اسناد العمل الى شخص القانون العام الذى صدر منه وبالتالى يتحمل مسئولية عمله. ذلك انه ولئن كان وزير التربية والتعليم هو الرئيس الأعلى للجامعة الا أن سلطته لا تجاوز الاشراف على الادارة. وهذه الوصاية التى خولها اياه القانون لا تعطيه حق الحلول محل الجامعة فى مباشرة حقوقها، ومنها حق التقاضى. والزام وزارة التربية والتعليم بدفع تعويض عن قرار صادر من رئيس الجمهورية، ومتعلق بجامعة الاسكندرية، هذا الالزام فيه ما يمس مبدأ استقلال الأشخاص المعنوية العامة. وانتهت مذكرة الحكومة فى الدفع المقدم منها الى طلب الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة -وقامت هيئة مفوضى الدولة لدى محكمة القضاء الادارى بتقديم تقرير برأيها القانونى أوصت فيه بالحكم أصليا، بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة، واحتياطيا برفض الدعوى والزام رافعها المصروفات وذلك تأسيسا على أن جامعة الاسكندرية تتمتع بالشخصية المعنوية بصريح نص المادة العاشرة من القانون رقم (184) لسنة 1958 فلها حق التقاضى استقلالا عن الدولة، فمدير الجامعة وحده هو الذى يمثلها أمام جميع الجهات. وفى الموضوع رأت هيئة المفوضين أن عبارة (توخيا للسلطة العامة، وحرصا على أحكام التعاون فى الجامعة) التى وردت بمذكرة وزير التربية الى السيد رئيس الجمهورية باقتراح اعفاء المدعى من منصبه، هذه العبارة انما تعرضت للغاية من القرار دون أن تتصدى لأسبابه، ومن ثم يكون القرار الادارى بالاعفاء خاليا من التسبيب. وحيث لا يستلزم القانون تسبيب القرار الادارى وسكتت جهة الادارة عن بيان السبب أمام القضاء، فليس للخصوم الحق فى استنباط سبب القرار بطريقة أو بأخرى وانما يفترض أن القرار صدر صحيحا قائما على سبب يبرره، وعلى من يدعى العكس أثبات ما يدعيه. والمدعى لم يقدم الدليل على افتقار القرار المذكور الى سبب صحيح يبرره ولذلك يكون سليما لا مطعن عليه، ومن ثم ينتفى عن جهة الادارة الخطأ الموجب لمسئوليتها وتكون دعوى المدعى قد قامت على غير سند من القانون - وفى 9 من نوفمبر سنة 1961 قام المدعى بتصحيح شكل الدعوى باعلان وجهه الى السيد وزير التعليم العالى والسيد مدير جامعة الاسكندرية وكلفهما بالحضور لجلسة 19/ 11/ 1961 ليسمعا الحكم بطلباته كما قدم المدعى مذكرة جديدة عارض فيها تقرير هيئة مفوضى الدولة وقال أن الادارة اذا ذكرت أسبابا لقرارها فانها تكون عندئذ ملزمة ببيانها حتى يتسنى للقضاء الادارى أعمال رقابته على تلك الأسباب فالقضاء يراقب الأسباب التى تقدمها الادارة ولو لم تكن ملزمة بتسبيب قرارها واستطرد المدعى يقول ان الادارة فى هذه الدعوى لم تسكت عن بيان السبب لأن المذكرة المرافقة لقرار الاعفاء تقرر فى صراحة أن المدعى أعفى توخيا للمصلحة العامة وحرصا على أحكام التعاون فى الجامعة، ولا شك أن هذه هى أسباب القرار وانتهى المدعى الى الاصرار على طلب الحكم له بالتعويض للأسباب التى جاءت بالتقرير التكميلى لهيئة مفوضى الدولة لدى محكمة القضاء الادارى - وفى 28 من يناير سنة 1962 أودعت جامعة الاسكندرية مذكرة بدفاعها الموضوعى حاصلها أن القرار المطعون فيه قد جاء خاليا من الأسباب ومن ثم فانه يحمل على الصحة حتى يثبت عكس ذلك - ولم يقدم المدعى أى دليل من هذا القبيل، وليس محل القرار مما تلزم فيه جهة الادارة بالافصاح عن أسبابه. أما ما ورد بمذكرة السيد الوزير من عبارتى (المصلحة العامة) و(الحرص على أحكام التعاون فى الجامعة) فذلك لا يعدو أن يكون الغاية من استصدار القرار دون بيان سببه. وذهب بيان الجامعة الى بيان التفرقة بين غاية القرار، وسبب القرار فقال: اذا كان السبب يمثل الجانب المادى فى القرار الادارى اذ هو حالة واقعية أو قانونية تنشأ وتتم بعيدا عن ارادة رجل الادارة، فان الغرض أو الغاية يمثل الجانب الشخصى فى القرار. فارتكاب الموظف جريمة تأديبية وهو واقعة مادية بعيدة عمن أصدر القرار ولكن ارتكاب الجريمة هو سبب القرار. وتوافر الشروط القانونية فى تشريع الجنسية للاعتراف لأحد الأفراد بالجنسية العربية، يوجب على جهة الادارة اصدار قرار بها، فسبب القرار هنا هو تحقق الحالة القانونية المشترطة قانونا. ولما كان سبب القرار هو حالة معينة بعيدة عن الجهة الادارية مصدرة القرار ولكنها متصلة بمن صدر فى شأنه، كان السبب بعيدا عن مجال نية الادارة وهدفها فى شأن قرارها. ذلك أن النية أمر داخلى بمصدر القرار وشخصى متعلق به وحده ومترتب على واقعة السبب. ومن ثم يكون للقرار الادارى وجهان: أحدهما موضوعى وواقعى وذلك هو سببه، وثانيهما شخصى برجل الادارة، وذلك هو هدفه من القرار والباعث عليه أى نية رجل الادارة من قراره. وترتيبا على ذلك تكون كل عبارة بالقرار تدل على حالة واقعية أو قانونية معينة، كانت هذه الحالة هى سبب القرار. وكل عبارة بالقرار تدل على الباعث اليه وعلى نية مصدره وهدفه من القرار. كان ذلك هو ركن الغاية وليس السبب. واذا لم يفصح القرار عن سبب كان البحث عن هذا السبب مقصورا على الحالة القانونية أو الواقعية التى دعت الى اصداره دون الباعث الشخصى من صدوره، أى غايته منه. وأعمالا لهذه القواعد على واقعة الدعوى، ترى جامعة الأسكندرية أن مذكرة الوزير الى رئيس الجمهورية تضمنت الغاية من اقتراح اصدار قرار فى شأن المدعي، دون الافصاح عن أى سبب. ذلك أن عبارتى (المصلحة العامة والحرص على أحكام التعاون فى الجامعة) ليست أى منها حالة واقعية أو قانونية بل هى الباعث الشخصى على اصدار القرار. والحرص على أحكام التعاون هو أمر داخلى بمصدر القرار وشخصى ينم عن نيته وهدفه، وهو بذلك بعيد عن المنطقة الموضوعية فى القرار أى بعيد عن منطقة السبب. وبناء على ذلك تكون مذكرة الوزير قد انطوت على هدفين من القرار أى على غايتين منه: أحدهما عام مطلق، وهو المصلحة العامة والثانى خاص بالمرفق العام بالذات وهو الصادر فى شأنه القرار وهو غرض الوزير ونيته الحرص على احكام التعاون فى الجامعة. فهو غاية واحدة هى المصلحة العامة، وتأكدت النية فيه بذكر الغرض الخاص بعد الغرض العام.
أما نظرية تخصيص الأهداف فهى حيث يحدد الشارع لجهة الادارة غاية معينة بالذات تكون سلطتها مقيدة بها. فاذا لم يحدد الشارع لجهة الادارة هدفا معينا فلا محل لتطبيق ذلك المبدأ، ويكفى أن يستهدف القرار المصلحة العامة. وترى جامعة الاسكندرية أن القرار المطعون فيه غير مخصص له قانونا هدف معين. وهذا كله بعيد عن مجال السبب فاذا كانت جهة الادارة لم تفصح عن سبب القرار (وهى غير ملزمة بذلك فى خصوصية هذه الدعوى) كان قرارها سليما طالما انه لم يثبت عكس ذلك.
والمدعى فى صحيفة دعواه وما تلاه من مذكرات متعاقبة، ساق من عنده أسبابا للقرار المطعون فيه. ومن ثم تعين عليه أن يقدم الأدلة على وقائعها باثبات انها هى بذاتها سبب القرار الذى يطعن فيه، والمدعى اذ أخفق فى ذلك كان نعيه على القرار منهار الأساس قانونا. وبما أنه أعترف بصحة الباعث على القرار فى شأن (التعاون) كان تقديره المغاير لتقدير جهة الادارة غير مجد، اذ التقدير أمر موضوعى تختص به جهة الادارة وحدها. والثابت أن الاعفاء كان هدفه المصلحة العامة لانه متعلق بالتعاون فى الجامعة حسب تقدير جهة الادارة. وهو تقدير مستساغ عقلا. وانتهى دفاع جامعة الاسكندرية الى طلب الحكم برفض دعوى المدعى.
وبجلسة 24 من يونيو سنة 1962 حكمت محكمة القضاء الادارى هيئة العقود الادارية وطلبات التعويض - بعدم قبول الدعوى بالنسبة الى وزارة التعليم العالى المدعى عليها الاولى، وبالزام جامعة الاسكندرية المدعى عليها الثانية بأن تدفع للمدعى على سبيل التعويض مبلغ (800 ج) ثمانمائة جنيه والمصروفات المناسبة. وأقامت المحكمة قضاءها هذا على انه لما كان انهاء خدمة المدعى على هذا النحو قد جاء مستندا الى السلطة التقديرية المخولة للجهة الادارية، وان الادارة باستعمالها لهذه السلطة لا تلزم ببيان سبب لقرارها القاضى بالفصل بغير الطريق التأديبى، الا أنها لو ذكرت أسبابا لقرارها المستند الى هذه السلطة تناولتها رقابة محكمة القضاء الادارى. واستطرد الحكم المطعون فيه يقول انه فى خصوصية هذه الدعوى فان الادارة لم تكتف بانها أنهت خدمة المدعى توخيا للمصلحة العامة التى يكون الدافع الى التدخل بالقرار الادارى لتحقيقها أحد الأسباب التى منها أن يكون مدير الجامعة قد طلب أنهاء خدمته مثلا أو لان مدير الجامعة قد بلغ سن الاحالة الى المعاش أو لان كفاءة مدير الجامعة ليست على درجة تمكنه من ممارسة اختصاصات الوظيفة والنهوض باعبائها أو لأن مدير الجامعة لم تمكنه صحته من القيام بأعمال منصبه، أو لان مدير الجامعة تعوزه الوسائل التى بها يتحقق التعاون بين الجامعة وبين سلطات الحكومة المركزية، والصالح العام يقضى بأن يتولى هذا المنصب من لديه من الوسائل ما يحقق التعاون المطلوب، أو لأن مدير الجامعة قد أخل مثلا بالتعاون اللازم بينه وبين الهيئات الجامعية فى الجامعة، والصالح العام يقضى بانضباط هذا التعاون وبأحكامه... الى غير ذلك من الاسباب، وانما أضافت المذكرة المرفوعة من الوزير الى رئيس الجمهورية الى جانب العبارة السالفة (توخيا للمصلحة العامة) أضافت عبارة أخرى هى: (وحرصا على أحكام التعاون فى الجامعة) يقترح الوزير أعفاء سيادته من منصبه. وتذهب جهة الادارة الى تحديد المفهوم من هذه.. الاضافة بانها (هدف خاص بالمرفق العام) ولا يعتبر من وجهة نظر الادارة.. سببا تمتد اليه رقابة القضاء الادارى، أو على الأقل كشفا للسبب الذى دفع الوزير الى التدخل باستصدار القرار الجمهورى لتحقيق هذا الهدف المخصص. واذا كانت الادارة تثير الجدل حول هذه العبارة (الحرص على أحكام التعاون فى الجامعة)، فهل هناك سبب آخر يمكن أن يحمل الوزير على التدخل بالعرض على رئيس الجمهورية لاحكام هذا التعاون.
أن ما يؤكد قيام هذا السبب وحده، هو أن الوزير برر به استصدار موافقة رئيس الجمهورية على قرار الاعفاء، وان هذه الواقعة جاءت على أساس من الفهم الصحيح لقيام السبب وهو ما يتعين الاخذ به دون الاعتداد بما تسوقه الحكومة تفسيرا لهذه العبارة لتلوذ بحقها فى الامساك عن ذكر السبب ليبسط القضاء الادارى رقابته عليه. ولما كانت جامعة الاسكندرية لم تقدم من الوقائع والظروف ما تدلل به على قيام السبب لكى يباشر القضاء الادارى رقابته على مشروعية هذا السبب، ويتحقق من وجود هذه الوقائع وتكييفها القانونى الصحيح، فان قرار الاعفاء يعتبر والحالة هذه غير قائم على سبب واقعى يبرر اصداره وليس على المدعى من الزام ليثبت عدم قيام هذا السبب كما تذهب الادارة فى دفاعها، ويكون المدعى محقا فى طلب التعويض. وأضاف الحكم المطعون فيه الى ذلك أنه لا جدال فى أن المدعى قد أصابته أضرار مادية وأدبية من القرار المطعون فيه حيث انتهت خدمته من منصبه الكبير بعد عشرة شهور من تاريخ شغله له مما يترتب عليه ان حرم من مكافأته باقى مدة السنتين فضلا عن الاساءة الى سمعته الادبية، وتقدر له المحكمة تعويضا شاملا وجابرا لكل هذه الاضرار مبلغ ثمانمائة جنيه مراعية فى ذلك ان المدعى لم يؤد عملا للجامعة فى هذه المدة وكانت أمامه فرصة مزاولة نشاطه العلمى خارج الجامعة.
ومن حيث أن الطعن الذى أودعت تقريره ادارة قضايا الحكومة فى 16 من أغسطس سنة 1962 عن جامعة الاسكندرية وطلبت فى ختامه القضاء بقبوله شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، يقوم على وجهين: -
الأول: مخالفة الحكم للقانون فى تكييف عبارة (حرصا على أحكام التعاون فى الجامعة) وفى بيان هذا الوجه قالت جامعة الاسكندرية أن المفهوم من الحكم أن العبارة المذكورة تنطوى على (هدف خاص للقرار) ولكن الحكم المطعون فيه جنح الى اعتبار هذه العبارة (سببا) لا هدفا مع أنها لا تدل على وقائع بعيدة عن القرار، وخارجة عنه. بل على عنصره الداخلى والشخصى لمصدر القرار الدال على غايته منه. ويكون الحكم تبعا لذلك قد خالف قضاء المحكمة العليا فيما انتهى اليه من أن الحكومة غير ملزمة بالافصاح عن أسباب قراراتها حيث لا يوجب عليها القانون ذلك. وعندئذ يفترض أنها قائمة على سبب مشروع الا اذا أثبت المدعى العكس. ولا استثناء من ذلك فى حالة ما اذا أفصحت الادارة عن (هدف خاص) بجانب الهدف العام المطلق وهو (المصلحة العامة) لا سيما وأن المشرع لم يلزمها فى خصوصية القرار المطعون فيه بالتقيد بهدف معين بالذات، فالهدف الخاص ما هو الا صورة معينة من الهدف العام، ويفترض القانون فيه أنه يدور فى فلكه حتى يثبت عكس ذلك.
وسواء أكان الهدف عاما أو خاصا فهو يدل على نية مصدر القرار وقصده، وغاية ما هنالك فان الادارة عندما تذكر هدفا خاصا فانها تكون قد أفصحت عن تلك البينة الأمر الذى ييسر على المدعى اثبات عكس ذلك الهدف اذا كانت لمزاعمه ثمة قيمة.
واذا كان لزاما على المدعى فى حالة اقتصار القرار على ذكر هدف عام أن يثبت عكسه، وعدم قيامه على سبب صحيح فهذا الالتزام لا ينقلب الى موقف سلبى اذا ورد بالقرار هدف خاص، بل يبقى موقف كل من طرفى النزاع على حالة من حيث وجوب اثبات المدعى ما يدعيه ومن افتراض قيام القرار على سبب صحيح دون التزام الادارة بالادلاء بوقائعه فالهدف الخاص لا يزال هدفا ينم عن مصلحة عامة معينة لا سببا. وكذلك خالف الحكم المطعون فيه القانون عندما قرر أن عدم ذكر وقائع الهدف الخاص يجعل القرار معدوم السبب. فى حين أن القرار يتضمن فى جزئه الاول هدفا عاما هو المصلحة العامة ثم الحق به هدف خاص. فاذا افترض جدلا ما ورد بالحكم من أن عدم ذكر سبب الهدف الخاص يجعل القرار بدون سبب، فان الحكم لا ينصب فيما قرره الا على الهدف الخاص، ويبقى بعد ذلك ما تضمنه القرار من هدف عام مرده هو أيضا الى سبب. ولم يقل الحكم كلمته فى شأن عدم ذكر السبب المتعلق بهذا الهدف العام. فى حين أن القرار حسبما صدر به من ذكر هدفين يدل على أنه لم يصدر باستهداف هدف خاص فقط بل بهدف عام يسبقه. ومن ثم يظل القرار سليما بهدفه العام اذ مؤدى صدور القرار على هذا الوجه أنه لم يقصد من اعفاء المطعون عليه من الخدمة مجرد (الحرص على أحكام التعاون فى الجامعة) بل (للمصلحة العامة) أولا، ولها أسباب خاصة بها خلاف أسباب الهدف الخاص. وقد يستقيم منطق الحكم جدلا، لو اقتصر القرار على ذكر (الحرص على أحكام التعاون فى الجامعة) مما كان يفهم منه أن وقائعه هى وحدها سبب القرار. أما والقرار المطعون فيه قد استند أولا الى المصلحة العامة ثم أتبع هذا الهدف بآخر، كان سند القرار الأساسى هو ذلك الهدف العام وظل موقف المدعى منه، ومن الهدف الخاص سلبيا.
ويضيف تقرير طعن الحكومة الى ذلك أنه ليس بصحيح قانونا ما قرره الحكم المطعون فيه من أن عدم ذكر وقائع السبب الخاص المتعلقة (بالحرص على أحكام التعاون) يجعل القرار غير قائم على سبب واقعى يبرر اصداره. على أنه اذا أمكن تصور ذلك جدلا فى الأسباب المؤسسة على وقائع معينة، فانه لا يصدق على جميع الأسباب على اطلاقها فمن النوع الأول القرارات التأديبية.
اذ مردها الى واقعة معينة من شأنها الاخلال بواجبات الوظيفة العامة. أما الأسباب التى تتراوح بين وقائع ومفاهيم تقديرية، فانها لا تحتمل ما قرره الحكم بشأنها اذ لا تدل هذه الأسباب لزوما على وقائع بل قد يكون دلالتها مقصورة على أمور وظروف وشواهد مردها أخيرا الى تقدير رجل الادارة حسبما يستشعره منها. وفى خصوصية القرار المطعون عليه (قرار اعفاء المدعى من منصبه)، ليس من شأن (الحرص على التعاون) قيام سببه على وقائع معينة، بل هو قد يقوم أساسا على اعتبارات تقديرية قد تكون وحدها، ودون غيرها، سبب القرار، ويكون مردها الى ما يستشعره رجل الادارة بحسب تقديره من بعض الشواهد والمظاهر، انها فى مجموعها وجملتها، وبعد اجتماعها فى ذهنه وحسب شعوره وتقديره تكون عنصر عدم التعاون. فيكون قراره مرده الى هذا التقدير وذلك الشعور. وهو ما يتعذر اعتباره وقائع يمكن تقديمها الى المحكمة. وقرار ذلك شأنه لا تملك المحكمة بسط رقابتها على سببه الا اذا استدعت مصدر القرار لمناقشته فى تقديره وفى شعوره. أما عن الوجه الثانى من وجهى طعن جامعة الاسكندرية فينحصر فى أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى استظهار العيب الشكلى فى القرار. وفى بيان هذا الوجه ذكرت جامعة الاسكندرية أن العرض على رئيس الجمهورية لا يعنى الا اقتراحا من الوزير فى أحد شئون وزارته. وأما القرار نفسه فصاحب السلطة فيه هو رئيس الجمهورية، والمركز القانونى الناشئ بالقرار لا قيام له قانونا باقتراح الوزير سواء أكان المركزى أم التنفيذى، بل بصدور القرار فعلا، فاذا ما تضمن العرض أسبابا معينة كأسباب تعيين الموظف أو انهاء خدمته، فهى أسباب لدى الوزير وحده، وقد لا يوافق عليها رئيس الجمهورية فلا يصدر القرار. أما اذا أصدره فقد تبنى رئيس الدولة تلك الأسباب فتصبح أسباب القرار هى الصادرة من رئيس الجمهورية لا من الوزير الذى تقدم بالمشروع أو بالاقتراح. ومن ثم فلو صدر العرض جدلا على رئيس الجمهورية من غير المختص به فى شئون الوزارة - كالوزير المركزى مثلا وليس الوزير التنفيذى - فان صدور القرار صحيحا من السلطة المختصة يجب بالطبيعة كل عيب سابق على الاصدار. ويترتب على ذلك أن قرار انهاء خدمة مدير الجامعة لا يصدر صحيحا الا من رئيس الجمهورية، وما عدا ذلك من أمور شكلية سابقة عليه يعتبر زائدا على حاجة القرار - ولما كان أمر العرض من الوزير على رئيس الجمهورية مقصورا فى التشريع على حالة صدور قرار التعيين دون قرار انهاء الخدمة كان من الخطأ تحميل النص قيدا شكليا فى غير الخصوصية الصادر فيها. ومن ثم فصدور قرار انهاء الخدمة من رئيس الجمهورية دون عرض من الوزير لا شائبة فيه من حيث الشكل، ويستوى فى ذلك ما اذا تم عرض، أن يتم من أى من الوزيرين المركزى أو التنفيذى. ومؤدى ما انتهى اليه الحكم المطعون فيه من عدم اختصاص الوزير المركزى فى العرض على رئيس الجمهورية لا يتفق مع معنى الاشراف على السياسة العامة للوزارة، ذلك أن العرض تصرف انشائى فيدخل فى اختصاص المشرف، والا انتزعنا منه كل صفة وهيمنة ايجابية على شئون وزارته، فالاشراف على شئون الوزارة يقتضى العرض على رئيس الجمهورية وتنفيذ السياسة العامة والقوانين واللوائح يقتضى تنفيذ ما انتهى اليه الوزير المركزى ورئيس الجمهورية فى شئون الوزارة. وانتهى تقرير هذا الطعن الى طلب الحكم بقبوله شكلا وفى الموضوع القضاء بالغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض دعوى المطعون عليه مع الزامه بالمصروفات ومقابل الأتعاب.
ومن حيث ان كلا من هيئة مفوضى الدولة لدى المحكمة الادارية العليا، وادارة قضايا الحكومة قد دفعت بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى الراهنة نزولا على أحكام القانون رقم (31) لسنة 1963 فى شأن تعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة. فقدمت هيئة المفوضين تقريرها بذلك الدفع أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 12 من أكتوبر سنة 1963 واعقبتها فى ذلك ادارة القضايا فقدمت مذكرتها أمام تلك الدائرة بجلسة 7 من ديسمبر سنة 1963 وخلصت منها الى تعديل طلبات الحكومة الواردة فى ختام تقرير طعنها على الحكم المطعون فيه وعلى ذلك صممت على طلب الغائه والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى مع الزام ورثة المطعون عليه المصروفات ومقابل الأتعاب. وقد رد الأستاذ الحاضر عن ورثة المرحوم المطعون عليه على هذا الدفع بمذكرة فى 28 من مايو سنة 1964 قال فيها ان المرحوم الدكتور محمود سامى جنينة عند تعيينه مديرا لجامعة الاسكندرية كان موظفا متقاعدا جاوز سن الاحالة الى المعاش لذلك فقد عين بعقد وبمكافأة علاوة على معاشه حسبما جاء فى قرار تعيينه. ولما أن أريد اعفاؤه من منصبه لم يكن من سبيل الى ذلك الا بانهاء عقده لذلك نص قرار الاعفاء على انهاء العقد. فالمطعون عليه أذن قد ولى منصبه بعقد وأعفى منه بانهاء العقد. أى أن العلاقة التى قامت بينه وبين الحكومة علاقة تعاقدية. واذا كان قد جرى التساؤل عما اذا كان هناك عقد وقع فعلا أم لا، فان توقيع عقد أو عدم توقيعه لا يغير من الأمر شيئا لأن العقد رابطة بين طرفين تقوم بايجاب من أحدهما وقبول من الآخر أو حسبما تقرره المادة (89) من القانون المدنى يتم العقد بمجرد أن يتبادل طرفان التعبير عن ارادتين متطابقتين والتعبير عن الارادة حسبما تقرره المادة (90) من القانون المذكور تكون باللفظ وبالكتابة كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكا فى دلالته على حقيقة المقصود. وما تقرره هاتان المادتان أصل من الاصول العامة. فاذا لم يكن قد كتب عقد أو وقع عقد فان الرابطة العقدية قد قامت فعلا بين الحكومة وبين المرحوم المطعون عليه لذلك نص قرار اعفائه من منصبه على انهاء عقده. واذ كان ذلك، فلا تنطبق أحكام القانون رقم (31) لسنة 1963. فهذا القانون أنما يتناول قرارات رئيس الجمهورية بالاحالة الى المعاش أو الاستيداع أو الفصل من غير الطريق التأديبى، وواضح أن قرار رئيس الجمهورية بانهاء عقد المرحوم المطعون عليه لا يدخل ضمن هذه القرارات. ولا يقبل ان يكون أنهاء الحكومة من جانبها لعقد أبرمته عملا من أعمال السيادة. ولا يقدح فى هذا النظر أن يكون تعيين المطعون عليه فى وظيفته قد صدر به قرار جمهورى، ذلك أن وظيفة مدير جامعة الاسكندرية لابد للتعيين فيها من صدور قرار جمهورى. وبذلك يكون الدفع المقدم من كل من هيئة مفوضى الدولة ومن ادارة قضايا الحكومة، بعدم الاختصاص فى غير محله متعينا رفضه.
ومن حيث أنه قد بان لهذه المحكمة من استقراء أوراق الطعن أنه فى 8 من فبراير سنة 1958 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم (91) لسنة 1958 بتعيين المرحوم الدكتور محمود سامى جنينة مديرا لجامعة الاسكندرية وجاء فى ديباجته (بعد الاطلاع على المادة (16) من القانون رقم 345 لسنة 1956 فى شأن تنظيم الجامعات المصرية، وبناء على ما عرضه وزير التربية والتعليم قرر مادة (1) يعين السيد الدكتور محمود سامى جنينة مديرا لجامعة الاسكندرية بعقد لمدة سنتين بمكافأة قدرها ألف وخمسمائة جنيه سنويا علاوة على المعاش، مادة (2) على وزير التربية والتعليم تنفيذ هذا القرار، ويعمل به من تاريخ صدوره). وجاء فى المذكرة التى عرضها وزير التربية والتعليم لاستصدار هذا القرار ما يأتى: (نظرا لخلو وظيفة مدير جامعة الاسكندرية، فالوزارة ترشح السيد الدكتور محمود سامى جنينه لملء هذا المنصب، حيث أنه مستوف للشروط المنصوص عليها فى المادة (16) من القانون رقم (345) لسنة 1956 ورغبة فى الاستفادة من تجاربه ومجهوداته السابقة فى ميدان التعليم الجامعى. وربما أن سيادته يتناول معاشا من الحكومة فانى أقترح أن يتناول مكافأة مالية قدرها ألف وخمسمائة جنيه سنويا بالاضافة الى معاشه، وذلك لمدة سنتين ابتداء من تاريخ صدور القرار القاضى بتعيين سيادته. وانى اتشرف برفع الأمر الى السيد رئيس الجمهورية رجاء التفضل بالموافقة على اصدار القرار المرافق لهذا). وفى 16 من فبراير سنة 1958 أصدر السكرتير العام لجامعة الاسكندرية الأمر رقم (767) الى ادارة المستخدمين، (بعد الاطلاع على ميزانية الجامعة للسنة المالية (1957/ 1958) وعلى القرار الجمهورى رقم (91) الصادر بتاريخ 8/ 2/ 1958 اعتمدوا تعيين السيد الدكتور مديرا لجامعة الاسكندرية بعقد لمدة سنتين بمكافأة قدرها ألف وخمسمائة جنيه سنويا علاوة على المعاش، وذلك اعتبارا من 8/ 2/ 1958 ومنح سيادته بدل تمثيل قدره (500) خمسمائة جنيه اعتبارا من هذا التاريخ.). ونصت المادة (16) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (345) لسنة 1956 فى شأن تنظيم الجامعات المصرية - المنشور بالوقائع المصرية فى 20/ 9/ 1956 العدد (76) مكرر (يكون تعيين مدير الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض وزير التربية والتعليم. ويشترط فيه أن يكون قد شغل أحد كراسى الأستاذية باحدى الجامعات المصرية.). ونصت المادتان (17، 18) من هذا القانون على أن يتولى مدير الجامعة ادارة شئون الجامعة التعليمية والادارية، وهو الذى يمثلها أمام الهيئات الأخرى - ويكون لمدير الجامعة سلطة الوزير المنصوص عليها فى قانون نظام موظفى الدولة بالنسبة الى الموظفين والمستخدمين الفنيين والاداريين والكتابيين. وقد رددت المواد (19، 20، 21) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (184) لسنة 1958 فى شأن تنظيم الجامعات فى الجمهورية العربية المتحدة، والمنشور بالجريدة الرسمية فى 21/ 10/ 1958 عدد (32) مكرر ج - رددت ذات أحكام المواد (16، 17، 18) من القانون رقم (345) لسنة 1956. تلك هى الوثائق والأسانيد القانونية التى جرى بمقتضاها تعيين المرحوم الدكتور جنينة مديرا لجامعة الاسكندرية. ولكنه ما لبث فى هذا المنصب حتى صدر فى 8 من ديسمبر سنة 1958 قرار رئيس الجمهورية رقم (1542) لسنة 1958 بشأن اعفاء الدكتور جنينة من منصبه، وجرت أداة هذا الاعفاء بما يأتى: (بعد الاطلاع على الدستور المؤقت وعلى المادة (19) من القانون رقم (184) لسنة 1958 فى شأن تنظيم الجامعات فى الجمهورية العربية المتحدة، وبناء على ما عرضه وزير التربية والتعليم. قرر مادة (1) يعفى الدكتور جنينة مدير جامعة الاسكندرية من منصبه، وينهى عقده. مادة (2) على وزير التربية والتعليم تنفيذ هذا القرار ويعمل به من تاريخ صدوره. التوقيع رئيس الجمهورية.) وتجرى المذكرة المرفوعة من السيد وزير التربية والتعليم الى السيد/ رئيس الجمهورية بشأن الاعفاء بما يأتى: (صدر القرار الجمهورى رقم (91) لسنة 1958 بتعيين الدكتور جنينة مديرا لجامعة الاسكندرية بعقد لمدة سنتين تبدأ من 8/ 2/ 1958. وتوخيا للمصلحة العامة، وحرصا على أحكام التعاون فى الجامعة، يقترح اعفاء سيادته من منصبه. والأمر معروض على السيد رئيس الجمهورية رجاء التفضل بالموافقة على استصدار القرار المرافق). وفى 20 من ديسمبر سنة 1958 أصدر أمين الجامعة الأمر رقم (4421) الى ادارة المستخدمين بعد الاطلاع على ميزانية الجامعة للسنة المالية (58/ 1959) وبناء على قرار رئيس الجمهورية رقم (1542) لسنة 1958 المرفق، يعتمد اعفاء الدكتور جنينة من منصبه وانهاء عقده اعتبارا من 8/ 12/ 1958. وتنص المادة (19) من القانون رقم (184) لسنة 1958 المشار اليها فى ديباجة قرار رئيس الجمهورية باعفاء مدير الجامعة من منصبه على ما يأتى (يكون تعيين مدير الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية، بناء على عرض وزير التربية والتعليم ويشترط فيه أن يكون قد شغل أحد كراسى الأستاذية باحدى الجامعات - ويتولى مدير الجامعة ادارة شئون الجامعة العلمية والادارية والمالية، وهو الذى يمثلها أمام الهيئات الأخرى - وهو مسئول عن تنفيذ القوانين واللوائح الجامعية وقرارات مجلس الجامعة فى حدود هذه القوانين واللوائح).
ومن حيث أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (31) لسنة 1963 فى شأن تعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة قد نص صراحة على ان (لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بالنظر فى الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة. ويعتبر من قبيل أعمال السيادة قرارات رئيس الجمهورية الصادرة باحالة الموظفين العموميين الى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبى...). ونصت المادة الثانية من هذا القرار بالقانون على أن ينشر فى الجريدة الرسمية وأن يعمل به من تاريخ نشره.
وقد صدر فى 4 من مارس سنة 1963 ونشر بالجريدة الرسمية فى 11 من مارس سنة 1963 - العدد رقم 56 - وجاء فى المذكرة الايضاحية لهذا القرار بقانون أن المرافق العامة تقوم بخدمات جوهرية لازمة للجمهور وللنظام العام معا فاذا توقف سيرها أو تعطلت ولو مؤقتا عن العمل نتج عن ذلك حتما أضرار ومضايقات عديدة للجمهور من ناحية واخلال بالنظام العام من ناحية أخرى. ولهذا كان من أهم واجبات الحكومة أن تعمل على ضمان سير هذه المرافق بانتظام واطراد، ولهذا أيضا يلزم الموظفون الذين يعملون فى خدمة هذه المرافق بالعمل لتحقيق هذا الغرض. ولما كانت المصلحة العامة تتطلب اطلاق يد الحكومة بوصفها سلطة حكم فى تنظيم المرافق العامة، وفى ادارتها على أحسن وجه، وذلك باختيار أقدر الأشخاص على العمل فى خدمة هذه المرافق، وابعاد من ترى أنه غير صالح لأداء هذه الخدمة وعلى الأخص من يشغل منهم وظيفة ذات سلطة اذا تعذر العمل معه أو اذا ارتأت الحكومة انه غير محل لثقتها... أو لغير ذلك من الأسباب التى تتصل بالصالح العام. ومما لا شك فيه أن الاجراءات التى تتخذها الحكومة، والكفيلة بصيانة النظام العام،
وضمان سير المرافق العامة بطريقة مستمرة ومنتظمة ومنتجة تتصل بمصالح الدولة العليا، ومن ثم تعتبر من قبيل أعمال السيادة، وتخرج بالتالى من ولاية القضاء.. لذلك فقد أعد المشروع المرافق، وتحقيقا لذلك فقد استبدلت الفقرة الأولى من المادة (12) ونص فيها على اعتبار قرارات رئيس الجمهورية الصادرة باحالة الموظفين العموميين الى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبى، من قبيل أعمال السيادة، اذ أن مثل هذه القرارات من أخص أعمال السيادة، وتصدر من السلطة التنفيذية بصفتها المهيمنة على مصالح الدولة العليا والمسئولة عن تسيير أمورها والمحافظة على الأمن فيها.
ومن حيث أنه ليس ثمة شك فى ان قرار اعفاء الدكتور المطعون عليه من منصب مدير جامعة الاسكندرية هو قرار صادر من رئيس الجمهورية بفصله من وظيفته بغير الطريق التأديبى ومن ثم ينخرط فى حكم القرار بالقانون رقم (31) الصادر فى 4 من مارس سنة 1963 بتعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة وتشمله الحصانة التى أضفاها هذا القانون على قرارات رئيس الجمهورية بالاحالة الى المعاش أو الاستيداع أو الفصل بغير الطريق التأديبى ويعتبر قرار الاعفاء المذكور من أعمال السيادة بحكم القانون المذكور. ولا ينال من هذه الحقيقة الواضحة، القول بأن علاقته بجامعة الاسكندرية هى علاقة عقدية. ذلك ان سبب تعيينه (بعقد) لمدة سنتين وبمكافأة علاوة على معاشه، انه كان قد بلغ فعلا السن القانونية المقررة للاحالة الى المعاش وأحيل اليه بالفعل. لهذا رؤى أن يكون تعيينه لمدة مؤقتة مقدارها سنتان فقط لأن الأصل أن يكون القرار الادارى هو أداة التعيين فى وظيفة عامة من الوظائف الدائمة الواردة فى الميزانية وفقا لأحكام القانون، وألا يشتمل على مدة معينة. ومن ثم جاء ذكر العقد فى أداة التعيين وهى القرار الجمهورى، ليؤكد صفة التوقيت بعامين على خلاف هذا الأصل. وكذلك رؤى أن يمنح المطعون عليه مكافأة مقدارها ألف وخمسمائة جنيه سنويا، علاوة على معاشه، وهذا التفصيل مقصود كيلا يتقاضى المدير المرتب المقرر فى الميزانية لمن يشغل وظيفة مدير جامعة الاسكندرية. وغنى عن البيان أن صدور القرار الجمهورى بالتعيين بهذه الكيفية، ولهذه الاعتبارات لا يمكن أن يحول دون اعتبار قرار رئيس الجمهورية باعفاء مدير الجامعة من وظيفته الكبرى عملا من أعمال السيادة نزولا على مقتضيات أحكام القرار بالقانون رقم (31) لسنة 1963.. ولا يغير من الأمر شيئا قول المطعون عليه بأن أحكام العقد هى التى تنظم العلاقة بينه وبين الحكومة أو الجامعة لأنه حتى على فرض أن هذا القول صحيح جدلا، فان هذا لا يمنع أن تنسحب عليه حصانة عمل السيادة المقررة بالقانون رقم (31) لسنة 1963 ما دام ان انتهاء العقد المزعوم قد تم بناء على قرار من رئيس الجمهورية وأن أحكام العقد لا تخرج المطعون عليه من عداد الموظفين العموميين الذين يخضعون للنظام القانونى المعمول به بالنسبة لموظفى الدولة عموما. فالمادة (26) من قانون موظفى الدولة رقم (210) لسنة 1951 تنص على انه (تسرى على الموظفين المؤقتين الشاغلين وظائف دائمة جميع الأحكام الواردة فى هذا القانون..) ومن أهم أحكام هذا القانون ذلك الحق الأصيل المقرر لرئيس الجمهورية، ولمجلس الوزراء قبل النظام الجمهورى، فى فصل الموظف بغير الطريق التأديبى استنادا الى الأوامر والقواعد التى تناولت النص عليه باعتبار أن الحكومة وهى التى عينت الموظف تنفرد بتقدير صلاحيته للنهوض بأعباء الوظيفة العامة، والاستمرار فى تولى عملها. وهذا الحق يستند فيما يتعلق بمدير الجامعة الى نص قانون تنظيم الجامعات الذى يجعل تعيين مدير الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية ومن ثم يكون فصله بقرار من السلطة ذاتها. وقد قصد المشرع بالقانون رقم (31) تحصين سلطة رئيس الجمهورية فى الفصل ذاتها من التعقيب القضائى باعتبارها عملا من أعمال السيادة استهدافا للغاية التى أفصح عنها فى المذكرة الايضاحية للقانون المذكور. فلا يمكن أن يتفق مع تلك الغاية اخراج القرار المطعون فيه من طائفة قرارات رئيس الجمهورية المقصودة بالقانون رقم (31) بزعم انه يتضمن تعيين المطعون عليه بعقد ما دام أن التعيين والفصل فى ذاتهما قد صدرا من رئيس الجمهورية وفقا للسلطة المقررة له فى انهاء خدمة أى موظف فى الدولة ترى الحكومة أنه قد تعذر العمل معه أو أنه غير محل لثقتها - وينبنى على اعتبار القانون رقم (31) لسنة 1963 قانونا ملغيا لجهة قضاء الغاء جزئيا أن يسرى بأثره المباشر على ما لم يكن قد فصل فيه من القضايا قبل تاريخ العمل به طبقا للقاعدة العامة المقررة فى صدر المادة الأولى من قانون المرافعات. وقد سبق لهذه المحكمة العليا ان قضت بذلك فى العديد من الأقضية المتماثلة فقررت أن الأصل فى قوانين المرافعات انها تسرى على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الاجراءات قبل تاريخ العمل بها. ومرد ذلك الى أن القاعدة فى سريان قوانين المرافعات على الدعاوى القائمة هى من الأصول المسلمة اذ أن القوانين المنظمة لأصول التداعى والترافع والحكم وطرق الطعن والتنفيذ هى فى عمومها منظمة لمراكز قانونية خاضعة بطبيعتها للتعديل والتغيير من جانب المشرع دون أن يوصف عمله برجعية الأثر.. ولم يتضمن القانون رقم (31) لسنة 1963 أى حكم خاص لا صراحة ولا ضمنا يتخصص به أثره المعدل للاختصاص بقصره على الدعاوى الجديدة التى ترفع بعد نفاذه دون سواها.
ومن حيث انه يخلص من ذلك أن الدفع المقدم من هيئة مفوضى الدولة ومن ادارة قضايا الحكومة بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر هذه الدعوى تأسيسا على أحكام القانون رقم (31) لسنة 1963 قد قام على سند سليم من القانون، ويكون الدفاع المقدم من ورثة المطعون عليه بعدم انطباق القانون المذكور على هذا الطعن قد جاء مخالفا لأحكام القانون متعينا رفضه. على أن ذلك لا يحول دون ورثة المطعون عليه والتظلم من القرار المطعون عليه، أمام اللجنة المختصة التى نظمها قرار رئيس الجمهورية رقم (359) لسنة 1963 الصادر فى 4/ 3/ 1963.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى وألزمت جامعة الاسكندرية المصروفات.