مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 16

جلسة 26 نوفمبر سنة 1931

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وزكى برزى بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.

(8)
القضية رقم 3 سنة 1 القضائية

رجعية القوانين. قانون جديد. سريانه على الماضى. المدّة المكسبة للملكية أو المسقطة للحق. حسابها. قيم. مطالبته بتقديم حساب عن مدّة قوامته. متى يسقط الحق فى ذلك؟
(المادتان 3 من لائحة الترتيب و34 من قانون المجالس الحسبية الصادر فى 12 أكتوبر سنة 1925)
إن مضى المدّة المكسبة للملكية أو المسقطة للحق إذا ابتدأت تحت سلطان قانون قديم ولم تتم، ثم جاء قانون جديد فعدّل شروطها أو مداها فالقانون الجديد هو الذى يسرى، وتدخل المدّة التى انقضت تحت سلطان القانون القديم فى حساب المدّة التى قرّرها القانون الجديد. وبناء على ذلك فالقيم الذى انتهت مدّة قوامته ولم يكن قد مضى على انتهائها مدّة الخمس عشرة سنة (المسقطة للحق فى رفع الدعوى عليه بتقديم حساب عن مدّة القوامة) قبل صدور المرسوم بقانون الصادر فى 12 أكتوبر سنة 1925 الذى نفذ مفعوله من 3 مارس سنة 1926 والذى جعل سقوط هذا الحق بمضى خمس سنوات من تاريخ انتهاء القوامة - هذا القيم يسقط حق المحجور عليه فى مطالبته بتقديم حساب عن مدّة قوامته متى انقضت خمس سنوات من تاريخ انتهاء القوامة قبل رفع الدعوى.


الوقائع

أقام رافع النقض دعوى أمام محكمة مصر الأهلية بتاريخ 8 يناير سنة 1929 قيدت بجدولها العمومى بنمرة 739 سنة 1929 ضدّ المدعى عليه فى النقض طلب فيها إلزامه بتقديم حساب عن مدّة إدارته لأمواله فى المدّة من أكتوبر سنة 1913 تاريخ ابتداء قوامته عليه لغاية 19 فبراير سنة 1922 تاريخ انتهائها مشفوعا بالمستندات المؤيدة لصحته فى ظرف 25 يوما من تاريخ الحكم عليه بتقديمه، وإلا فيحكم بتغريمه جنيهين عن كل يوم من أيام التأخير حتى يقدّم الحساب مع المصاريف والأتعاب وحفظ كافة الحقوق. وبجلسة 22 فبراير سنة 1930 دفع محامى المدّعى عليه فرعيا بعدم قبول الدعوى ارتكانا على المادة 34 من قانون المجالس الحسبية الصادر فى 12 أكتوبر سنة 1925 لأنه استقال من القوامة بتاريخ 27 نوفمبر سنة 1922 ولم ترفع الدعوى إلا بتاريخ 8 يناير سنة 1929 أى بعد مضى أكثر من الخمس سنوات المقرّرة لسقوط الحق فى مطالبة القيم بتقديم حساب عن مدّة قوامته. وبالجلسة المذكورة قضت المحكمة حضوريا برفض الدفع الفرعى وبقبول الدعوى وفى الموضوع بالزام المدّعى عليه بأن يقدّم للمدّعى حسابا عن مدّة إدارته لأمواله فى المدّة من أكتوبر سنة 1913 لغاية 19 فبراير سنة 1922 مشفوعا بالمستندات المؤيدة لصحته فى ظرف شهرين من تاريخ النطق بالحكم وإلا يلزم بغرامة يومية قدرها خمسون قرشا صاغا عن كل يوم من أيام التأخير وألزمته بالمصاريف ومائة قرش أتعاب محاماة. فاستأنف المدّعى عليه فى النقض هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر الأهلية بتاريخ 9 يونيه سنة 1930 وقيد تحت نمرة 1470 سنة 47 ق طالبا الحكم بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المستأنف والحكم أصليا بعدم قبول دعوى المستأنف عليه (رافع النقض) واحتياطيا برفضها مع إلزامه على أى حال بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. وبتاريخ 20 يناير سنة 1931 حكمت المحكمة حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المستأنف وبسقوط دعوى المستأنف عليه (رافع النقض) قبل المستأنف (المدّعى عليه) بمضى المدّة القانونية وألزمت المستأنف عليه بمصاريف الدرجتين ومبلغ 500 قرش أتعاب محاماة عن الدرجتين ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
وبتاريخ 29 يونيه سنة 1931 قرّر الأستاذ محمد صبرى أبو علم أفندى بتوكيله عن رافع النقض بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام للأسباب المدوّنة بتقرير الطعن طالبا الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وتطبيق القانون وإحالة القضية على دائرة أخرى من دوائر محكمة استئناف مصر للفصل فيها مجدّدا. وبعد استيفاء الإجراءات القانونية حدّد لنظر هذه الدعوى جلسة 26 نوفمبر سنة 1931، وبالجلسة المذكورة صمم وكيل رافع النقض على ما جاء بمذكرته وتنازلت النيابة عن الدفع الفرعى بعدم جواز الطعن لسبق الفصل فيه وعدّلت رأيها فيما يختص بالموضوع طالبة نقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على دائرة أخرى من محكمة استئناف مصر للحكم فيها من جديد للأسباب التى أبدتها بالجلسة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
بما أن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وبما أن الطعن بنى على الخطأ فى تطبيق القانون وتأويله، وذلك لأن محكمة الموضوع طبقت المادة (34) من مرسوم المجالس الحسبية الصادر فى 12 أكتوبر سنة 1925 فقضت بأن حق المحجور عليه فى مطالبة القيم بالحساب عن مدّة قوامته قد سقط بمضى خمس سنوات من تاريخ انتهاء القوامة مع أن القيم قد انتهت قوامته فى 27 نوفمبر سنة 1922 أى قبل صدور المرسوم المذكور وقبل نفاذ حكمه، وفى وقت كانت الدعوى ضدّه لا تسقط إلا بمضى خمس عشرة سنة. وهذا المرسوم لا يعمل به إلا بعد نشره بأربعة أشهر كنص المادة 48 منه، وقد نشر فى 2 نوفمبر سنة 1922 وأصبح نافذ المفعول من 3 مارس سنة 1926. وعلى مقتضى المادة 3 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية لا تسرى أحكام القوانين والأوامر إلا على الحوادث التى تقع من تاريخ العمل بمقتضاها ولا يكون لها تأثير على الوقائع السابقة عليها ما لم يكن منبها على ذلك بنص صريح فيها، وهنا لا نص فى المرسوم المذكور على سريانه على الماضى. على أنه بفرض التسليم جدلا بسريان المرسوم على حالة الطاعن فانه يجب احتساب الخمس السنوات المسقطة لرفع الدعوى على القيم من 3 مارس سنة 1926، وعليه تكون دعوى الحساب المرفوعة منه فى 8 يناير سنة 1929 قد رفعت قبل انقضاء الخمس السنوات وتكون محكمة الموضوع قد أخطأت فى قضائها بسقوط الحق فى رفع الدعوى على القيم.
وبما أنه ينبغى قبل البحث فى أسباب الطعن ببيان ما جرى عليه فقهاء القانون الفرنسى فى تفهم المادة (2) مدنى فرنسى المأخوذة منها المادة (3) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية. اتفق هؤلاء الفقهاء على أن الحوادث التى تقع وتتم آثارها تحت سلطان القانون القديم ينطبق عليها ذلك القانون، وأن الحوادث التى تحدث وتتم بعد العمل بالقانون الجديد ينطبق عليها ذلك القانون الجديد. وهناك حوادث تقع مدّة العمل بالقانون القديم ولكنها تحدث آثارا أو لا تتم إلا فى مدّة العمل بالقانون الجديد فتساءلوا هل يطبق عليها القانون القديم باعتبار أنها نشأت تحت سلطانه أو يطبق عليها القانون الجديد باعتبار أنها تمت فى زمن وجوب العمل به. فرأى بعضهم - نظرا لأن القانون الجديد مفروض فيه أنه خير من القديم وإلا لما اختاره المشرع وفضله على القديم - التوسع فى تطبيق القانون الجديد باعتباره الأصلح بحيث يشمل الحوادث السابقة عليه واللاحقة له بشرط أن لا يمس فى انسحابه على الماضى حقا مكتسبا، وأما إذا أدّى انسحابه على الماضى إلى المساس بحق مكتسب فلا ينسحب. وعرفوا الحق المكتسب تارة بأنه الفائدة التى تدخل ضمن دائرة ثروة الشخص وتعتبر جزءا منها ولا يمكن الشخص الذى أخذت منه أن يستردّها، وتارة بأنه الفائدة التى يدافع عنها صاحبها بدعوى أو بدفع. ورأى بعض علماء القانون العام وضع قاعدة أخرى على ضوئها يمكن حل رجعية أو عدم رجعية القانون فى كل ما يعرض من المسائل، وهى تقسيم الأحوال القانونية إلى أحوال قانونية عامة وأحوال قانونية خاصة أو أحوال قانونية موضوعية وأحوال قانونية شخصية. فمثلا كل شخص فى قدرته أن يمتلك عقارا بإحدى طرق التملك التى وضعها القانون فهذه حالة قانونية عامة، أما تحقق هذه القاعدة بالنسبة لشخص معين اشترى عقارا خاصا ودفع ثمنه فهى حالة قانونية خاصة أو شخصية. وقرّر أن القانون الجديد يسرى على الحالات القانونية العامة التى وجدت فى زمن العمل بالقانون القديم ويؤثر عليها، وأنه لا يسرى على الماضى بالنسبة للحالات القانونية الخاصة أو الشخصية، بل يسرى عليها القانون الذى تمت وبرزت تحت سلطانه.
وبما أن معظم شراح القانون جروا، بناء على القواعد السابق بيانها، على أن مضى المدّة المكسبة للملكية أو المسقطة للحق إذا ابتدأت تحت سلطان قانون قديم ولم تتم وجاء قانون جديد وعدّل شروطها أو مدّتها فالقانون الجديد هو الذى يسرى ويطبق رغما عن أن المادة 2281 فرنسى جاءت ببعض حالات على خلاف ذلك بنص صريح، وقد خلا قانوننا المدنى من مثل تلك المادة فيكون اتباع هذا الرأى أولى بالنسبة لنا.
وبما أنه بناء على القانون الذى كان معمولا به قبل 3 مارس سنة 1926 يسقط الحق فى رفع الدعوى على القيم بتقديم حساب عن مدّة قوامته بمضى خمس عشرة سنة فالقيم لا يملك حق عدم مطالبته أو لا يتم له هذا الحق إلا بمضى 15 سنة من يوم رفع القوامة عن محجوره. وإلى وجوب العمل بقانون 12 أكتوبر سنة 1925 فى 3 مارس سنة 1926 كان قد مضى من تاريخ رفع الحجر عن محمود أفندى أمين أبو زيد الحاصل فى 27 نوفمبر سنة 1922 ثلاث سنوات وكسور فقط فلم يتم للقيم اكتساب حق عدم مطالبته تحت سلطان القانون القديم. وحينئذ يجب سريان القانون الجديد على هذه الحالة، لأن سريانه عليها لا يمس حقا مكتسبا لمن يستفيد بمضى المدّة، ولأن حالة القيم قبل مضى خمس عشرة سنة دون مطالبته هى حالة قانونية عامة تدخل تحت قاعدة كل وكيل لا يطالبه موكله بتقديم حساب مدّة خمس عشرة سنة تسقط الدعوى قبله وهى مما يسرى عليها القانون الجديد فى نظر علماء القانون العام. ولا تنقلب هذه الحالة القانونية العامة إلى حالة قانونية شخصية إلا بمضى 15 سنة بين رفع الحجر عن محمود وبين رفع الدعوى منه فان القيم يصبح فى حالة خاصة وهى أن القاعدة العامة انطبقت عليه وتحققت فيه.
وبما أنه إذا نظر إلى مركز محمود أفندى أمين أبو زيد فانه باعتباره موكلا بحكم القانون له الحق فى مخاصمة القيم لتقديم حساب عن مدّة قوامته. وهذا الحق جعل له القانون مدى يستعمل فيه، وهذا المدى رخصة من الشارع وقد كان خمس عشرة سنة حسب القانون القديم وأصبح خمس سنوات حسب الجديد. وما دام الموكل لم يستعمل الرخصة القانونية فعلا حتى جاء القانون الجديد سرى عليه وضيق ما كان متسعا من المدى دون أن يتمسك بالحق المكتسب، لأن المدى لاستعمال الحق ليس حقا ولكنه رخصة للمشرع تغييرها للمنفعة العامة.
وبما أنه متى تقرّر أن القانون الصادر فى 12 أكتوبر سنة 1925 هو الواجب تطبيقه على المدّة التى ابتدأت قبل العمل به ولم تتم إلا تحت سلطانه فلا يمكن الالتفات إلى ما زعمه الطاعن من أنه يجب احتساب الخمس السنوات من 3 مارس سنة 1926 وهو تاريخ وجوب العمل بقانون 12 أكتوبر سنة 1925 لأن هذا فيه إلغاء للمدّة التى انقضت من تاريخ رفع الحجر فى 27 نوفمبر سنة 1922 إلى 3 مارس سنة 1926 لا مبرر له من أقوال الشراح ولا من نصوص القانون.
وبما أنه من 27 نوفمبر سنة 1922 تاريخ رفع الحجر عن محمود أفندى أمين أبو زيد إلى 8 يناير سنة 1929 تاريخ رفع دعواه قد مضى أكثر من خمس سنوات، ولهذا يكون الحكم المطعون فيه على حق ولا مخالفة فيه لنص المادة 3 من ترتيب المحاكم الأهلية، ويتعين إذن رفض الطعن.