أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
الجزء الأول - السنة 28 - صـ 276

جلسة 19 من يناير سنة 1977

برياسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد محمد المهدى، والدكتور عبد الرحمن عباد، وصلاح نصار، وأحمد صلاح الدين وهدان.

(58)
الطعن رقم 7 لسنة 42 ق "أحوال شخصية"

(1) دعوى "التدخل". نقض. "الخصوم فى الطعن".
إطراح محكمة الاستئناف طلب التدخل. مؤداه. عدم اعتبار طالب التدخل خصما فى الدعوى. اختصامه فى الطعن بالنقض. غير مقبول. عدم جواز التدخل لأول مرة أمام محكمة النقض.
(2) قانون. نظام عام.
استبعاد تطبيق أحكام القانون الأجنبى. مناطه. مخالفتها للنظام العام أو الآداب.
(3) وصية. نظام عام أحوال شخصية.
المنع من التصرف. م 823 مدنى. شروط صحته. الباعث المشروع والمدة المؤقتة. مثال فى وصية.
(4) وصية. قانون. نظام عام.
الوصية بالمنافع. جائزة فى الشريعة الاسلامية والقانون الوضعى. اختلاف أحكام القانون الأجنبى عن أحكام القانون الوطنى فى شأن القدر الجائز الإيصاء به وطريقة الانتفاع وترتيب الموصى لهم. لا مخالفة فى ذلك للنظام العام.
(5) وقف. وصية. عقد.
الادعاء بأن نية الموصى قد انصرفت إلى إنشاء وقف لا وصية. لا محل له طالما ثبت انتفاء التأييد للشرط المانع من التصرف.
(6) وصية. دعوى "المصلحة".
طلب ابطال استنادا إلى تعذر تنفيذ الرغبة التالية للموصى بعد وفاة الموصى لها نعى سابق لأوانه. غير مقبول.
(7) قانون. إثبات. وصية.
الاستناد إلى قانون أجنبى. مجرد واقعة مادية. على الخصوم إقامة الدليل عليه. مثال بشأن إبطال وصية.
1 - إذ كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المطعون عليه الأخير طلب قبول تدخله أمام محكمة الاستئناف وإزاء عدم اعلانه طلبه للغائب من الخصوم فقد أطرحته المحكمة، مما مفاده أنها لم تقبل تدخله ولا يعتبر طرفا فى الخصومة التى صدر فيها الحكم المطعون فيه، ولما كان لا يجوز التدخل لأول مرة أمام محكمة النقض كما لا يجوز أمامها اختصام من لم يكن طرفا فى الخصومة أمام المحكمة الاستئنافية فإن اختصام المطعون عليه السادس يكون غير مقبول.
2 - المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أنه لا يجوز استبعاد أحكام القانون الأجنبى الواجبة التطبيق وفقا للمادة 28 من القانون المدنى إلا أن تكون هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو الآداب فى مصر بأن تمس كيان الدولة أو تتعلق بمصلحة عامة وأساسية للجماعة.
3 - المادة 823 من القانون المدنى لا تبيح اشتراط حظر التصرف إلا لمدة مؤقتة وبناء على باعث مشروع، وهى الحدود التى أباح المشرع فى نطاقها الخروج على مبدأ حرية تداول الأموال، وقد استخلص الحكم - المطعون فيه - من عبارات الوصية وفى استدلال سائغ أن الباعث على حظر التصرف الموقوت بحياة الموصى إليها هو حمايتها وتحقيق مصلحتها بما لا خروج فيه على قواعد النظام العام، ومن ثم فإن هذا الذى انتهى إليه الحكم لا ينطوى على خطأ فى تطبيق القانون.
4 - الوصية بالمنافع جائزة فى الشريعة الإسلامية باتفاق الأئمة الأربعة، وتعتبر صحيحة وفقا لأحكام القانون المدنى وقانون الوصية رقم 71 لسنة 1946، ولا يدخل فى نطاق مخالفة النظام العام مجرد اختلاف أحكام القانون الأجنبى عن أحكام القانون الوطنى فى تحديد القدر الذى تجوز فيه الوصية لغير المسلمين أو طريقة الانتفاع بالموصى به، أو ترتيب الموصى لهم بحق الانتفاع.
5 - إذ كانت محكمة الموضوع قد دللت وبأسباب تكفى لحمل قضائها وفى حدود سلطتها لتقدير الدليل على توافر عناصر الوصية، وكان ما تدعيه الطاعنة من انصراف نية الموصى إلى إنشاء وقف لا وصية يتنافى مع انتفاء التأييد، فإن النعى يكون على غير أساس.
6 - إذ كان القول بتعذر رغبة الموصى بعلاج فقراء الطائفة اليهودية - فى المستشفى الإسرائيلى بعد أن آلت ملكيتها إلى القوات المسلحة - لا يصادف محلا إلا بعد وفاة الطاعنة والبدء فى تنفيذ الشق الثانى من الوصية، فإن التذرع بسبب النعى يكون سابقا لأوانه.
7- إذ كانت الطاعنة لم تقدم السند الذى يبيح لها طلب إبطال الوصية من نصوص القانون الاسبانى عملا بالمادة 17 من القانون المدنى، وكان الاستناد إلى قانون أجنبى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يعدو أن يكون مجرد واقعة مادية وهو ما يوجب على الخصوم إقامة الدليل عليه، فإن النعى لا يكون مقبولا.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل فى أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 99 سنة 1965 "أحوال شخصية" أجانب أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليهم الخمسة الأول بطلب الحكم ببطلان الوصية المحررة من زوجها المرحوم...... بتاريخ 30/ 11/ 1940 بالقنصلية الأسبانية بالقاهرة وبإلغائها وبأحقيتها لكامل تركته ميراثا، وقالت شرحا لها إنها تزوجت من......... الإسبانى الجنسية المتوفى بتاريخ 1/ 8/ 1952، عن تركة موجودة فى مصر تتمثل فى أسهم وسندات وأموال مودعة بالبنوك، عدا فيلا كائنة بالمعادى وكان قد حرر وصية مؤرخة 30/ 11/ 1940 مودعة بالقنصلية الأسبانية بالقاهرة تضمنت إيصاءه لها بحق الانتفاع بجميع أمواله الكائنة بمصر أو بالخارج طيلة حياتها طالما لم تتزوج، وعين المطعون عليه الرابع وآخر منفذين لوصيته وخول لهما إدارة أمواله والحق فى بيع ممتلكاته واستبدالها وتصفية محلاته التجارية، على أن تؤول ثروته عند زواجها أو عقب وفاتها إلى المستشفى الإسرائيلى بمصر الذى حل محله مستشفى القوات المسلحة المطعون عليه الخامس على أن يكون لها حق الانتفاع فقط بقصد توفير العلاج مجانا لفقراء الطائفة الإسرائيلية وإذ تضمنت الوصية المنع من التصرف فى الأموال الموصى بها على وجه التأييد خلافا للقانون المصرى، وتعذر تنفيذ رغبة الموصى حال وفاة زوجته بسبب أيلولة المستشفى الإسرائيلى إلى القوات المسلحة، فقد أقامت دعواها بطلبها سالف البيان. وبتاريخ 27 يناير سنة 1970 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 6 سنة 87 ق أحوال شخصية أجانب القاهرة طالبة إلغاءه والقضاء لها بطلباتها. وبتاريخ 12/ 2/ 1973 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض، قدمت النيابة العامة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون علية السادس، وأبدت الرأى فى الموضوع برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفه مشورة فرأته جديرا بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الدفع المبدى من النيابة فى محله، ذلك أنه لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المطعون عليه الاخير - مدير جمعية المستشفى الإسرائيلى - طلب قبول تدخله أمام محكمة الاستئناف، وإزاء عدم إعلانه طلبه للغائب من الخصوم فقد أطرحته المحكمة، مما مفاده أنها لم تقبل تدخله ولا يعتبر طرفا فى الخصومة التى صدر فيها الحكم المطعون فيه، ولما كان لا يجوز التدخل لأول مرة أمام محكمة النقض كما لا يجوز أمامها اختصام من لم يكن طرفا فى الخصومة أمام المحكمة الاستئنافية فإن اختصام المطعون عليه السادس يكون غير مقبول.
وحيث إن الطعن - فيما عدا ذلك - قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن بنى على سببين؛ تنعى الطاعنة بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون، وفى بيان ذلك تقول إن الحكم أسس قضاءه برفض الدعوى على سند من القول بأنه ليس فى بنود الوصية التى جاءت متسقة شكلا وموضوعا مع أحكام القانون الأسبانى ما يتعارض تعارضا أساسيا مع قواعد النظام العام المقررة فى القانون المصرى فى معنى المادة 28 من القانون المدنى، فى حين أنه لما كانت التركة التى خلفها الموصى موجودة فى مصر ويسرى عليها القانون المصرى بالتطبيق للمادة 18 من القانون المدنى، وكان المقصود من ظاهر الوصية هو الوقف وكيانه حبس الأعيان عن التمليك والتصرف بالمنفعة، وكان الموصى لم يلتزم الشكل المقرر فى مصر لإنشاء الوقف. بالإضافة إلى أنه خلق عن طريق الايصاء حقوفا وتكاليف عينية لا يقرها قانون موقع المال، ومن بينها شرط المنع من التصرف بصورة أبدية، وكان لا يناهض بطلان الوصية أن تكون صحيحة وفقا لأحكام القانون الإسبانى، فإن الحكم يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث إن النعى مردود ذلك أن المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أنه لا يجوز استبعاد أحكام القانون الأجنبى الواجبة التطبيق وفقا للمادة 28 من القانون المدنى إلا أن تكون هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو الآداب فى مصر بأن تمس كيان الدولة أو تتعلق بمصلحة عامة وأساسية للجماعة، ولما كان الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه أورد فى هذا الخصوص قوله "...... يبين من مطالعة الوصية موضوع التداعى أنه قد توافر فى شأنها الباعث للمشروع والمدة المعقولة على نحو ما نصت عليه المادة 823 من القانون المدنى المصرى، ذلك أن الموصى قد هدف من وصيته على نحو ما يخلص منها - إلى أن يكفل لزوجته مستوى معينا من المعيشة طالما عاشت منفذة لرغباته وهو لا شك أمر مشروع كما أن علاج فقراء اليهود يعتبر أيضا من قبيل الباعث المشروع، ومن ناحية أخرى فإن شرط المدة قد توافر بدوره وهو الأمر المستفاد من سماح الموصى يبيع بعض أملاكه وتصفية محلاته لضمان الإيراد الذى يكفل لزوجته المدعية - الطاعنة - بما ينبئ أنه لم يقصد مطلقا حبس أموله عن التصرف. فإن هذا الذى انتهى إليه الحكم لا ينطوى على خطأ فى تطبيق القانون، ذلك أن المادة 823 من القانون المدنى لا تبيح اشتراط حظر التصرف إلا لمدة مؤقتة وبناء على باعث مشروع، وهى الحدود التى أباح المشرع فى نطاقها الخروج على مبدأ حرية تداول الأموال، وقد استخلص الحكم من عبارات الوصية وفى استدلال سائغ أن الباعث على حظر التصرف الموقوف بحيازة الموصى إليها هو حمايتها وتحقيق مصلحتها بما لا خروج فيه على قواعد النظام العام. لما كان ذلك وكانت الوصية بالمنافع جائزة فى الشريعة الإسلامية باتفاق الأئمة الأربعة، وتعتبر صحيحة وفقا لأحكام القانون المدنى وقانون الوصية رقم 71 سنة 1946، وكان لا يدخل فى نطاق مخالفة النظام العام مجرد اختلاف أحكام القانون الأجنبى عن أحكام القانون الوطنى فى تحديد القدر الذى تجوز فيه الوصية لغير المسلمين، أو طريقة الانتفاع بالموصى به، أو ترتيب الموصى لهم بحق الانتفاع، وكانت محكمة الموضع قد دللت وبأسباب تكفى لحمل قضائها، وفى حدود سلطتها لتقدير الدليل على توافر عناصر الوصية، وكان ما تدعيه الطاعنة من انصراف نية الوصى إلى انشاء وقف لا وصية يتنافى مع انتفاء التأبيد على ما سلف بيانه، فإن النعى يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعى بالسبب الثانى الفساد فى الاستدلال، وفى بيان ذلك تقول الطاعنة إن الحكم المطعون فيه قرر أن الأوراق خلت مما يفيد تعذر تنفيذ رغبة الموصى فى علاج فقراء اليهود بمستشفى القوات المسلحة بعد وفاتها متجاهلا أنه مستحيل حصوله، الأمر الذى يجعل لها حقا فى إبطال الوصية.
وحيث إن النعى غير مقبول، ذلك أنه لما كان القول يتعذر تنفيذ رغبة الموصى بعلاج فقراء الطائفة اليهودية لا يصادف محلا إلا بعد وفاة الطاعنة والبدء فى تنفيذ الشق الثانى من الوصية، ومن ثم فإن التذرع بسبب النعى يكون سابقا لأوانه. لما كان ذلك وكانت الطاعنة لم تقدم السند الذى يبيح لها طلب إبطال الوصية لهذا السبب من نصوص القانون الأسبانى عملا بالمادة 17 من القانون المدنى، وكان الاستناد إلى قانون أجنبى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يعدو أن يكون مجرد واقعة مادية وهو ما يوجب على الخصوم إقامة الدليل عليه، فإن النعى على أى وجه لا يكون مقبولا.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.