مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 62

جلسة 28 يناير سنة 1932

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك وأمين أنيس باشا المستشارين.

(36)
القضية رقم 6 سنة 1 القضائية

( أ ) أموال. لجنة تصفية أموال سموّ الخديوى السابق. وظيفتها. نيابتها عن سموّه فيما عساه ينشأ من الدعاوى عما هو من وظيفتها.
(ب) تقاضى. حرمان سموّ الخديوى السابق من التقاضى فى مصر إلا بواسطة تلك اللجنة. أثره بالنسبة للغير.
(جـ) تقاضى. فقدان أهلية الخديوى السابقة للتقاضى فى مصر. معاملته فى هذا الصدد تكون وفقا للتشريع الخاص الصادر بشأنه.
(المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية والقانون رقم 28 سنة 1922)
1 - إن وظيفة اللجنة التى عينها مجلس الوزراء لتصفية أموال سموّ الخديوى السابق تنحصر فى ضبط ما يؤول لسموّه من الأموال عن طريق الإرث أو الحق المكتسب وتصفيتها، والنيابة عن سموّه نيابة صحيحة فيما عساه ينشأ عن هذين الطريقين من الدعاوى. أما إذا كانت الدعوى المرفوعة ضدّ سموّه متعلقة بأمر من الأمور الخارجة عن هذا النطاق فلهذه اللجنة أن تدفع بعدم قبول الدعوى لعدم إمكانها تمثيله فيها.
2 - إن الشارع حين قرّر حرمان سموّ الخديوى السابق من التقاضى فى مصر إلا بواسطة اللجنة التى نيط بها ذلك وإن لم ينص فى القانون رقم 28 لسنة 1922 على أن هذا الحرمان له أثره بالنسبة للغير، فانه بحرمانه إياه من التقاضى إلا بواسطة هذه اللجنة وبتحريمه عليه هبوط الأراضى المصرية قد نفى عنه لزوما إمكان وجود محل إقامة له بها وجعل بذلك أثر هذا الحرمان منسحبا على الغير.
3 - إن الخديوى السابق وإن كان مصريا حقا يتمتع بكامل حقوقه فى الخارج إلا أنه بمقتضى القانون رقم 28 لسنة 1922 قد فقد أهلية التقاضى فى مصر، فمعاملته فى هذا الصدد لا تكون وفقا للقواعد العامة، وإنما تكون على وفق التشريع الخاص الصادر بشأنه.


الوقائع

أقام رافع النقض هذه الدعوى أمام محكمة مصر الابتدائية الأهلية بتاريخ 3 نوفمبر سنة 1928 ضدّ المدّعى عليهما فى الطعن طالبا الحكم على المدّعى عليه الأوّل بصفته فى مواجهة المدّعى عليه الثانى بمبلغ 12500 جنيه "قيمة أتعاب ومصاريف يستحقها عن أعمال كلفه بها سموّ الخديوى السابق فى أوروبا". هذا مع الفوائد والمصاريف وأتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ وبدون كفالة مع حفظ كافة الحقوق الأخرى. وقد دفع المدّعى عليه الأول فى الطعن فرعيا بعدم قبول هذه الدعوى بناء على نصوص القانون رقم 28 لسنة 1922 والمرسوم الصادر بتاريخ 29 ديسمبر سنة 1924 تفسيرا للقانون المذكور الخاص باقرار تصفية أملاك سموّ الخديوى السابق وتضييق ما له من الحقوق. ومحكمة مصر الابتدائية الأهلية قضت بتاريخ 28 أبريل سنة 1929 بعدم قبول الدعوى. فاستأنف رافع النقض هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر الأهلية بتاريخ 14 أغسطس سنة 1929 طالبا: أوّلا الحكم بقبول استئنافه شكلا، وثانيا الحكم فى الموضوع بالغاء حكم محكمة مصر الصادر فى 28 أبريل سنة 1929، وثالثا قبول الدعوى وإعادة القضية إلى محكمة أوّل درجة للمرافعة فى الموضوع مع إلزام المدّعى عليهما فى النقض بالمصاريف عن الدرجتين ومقابل أتعاب المحاماة مع حفظ كافة الحقوق. وبتاريخ 23 أبريل سنة 1931 قضت المحكمة المذكورة بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف "رافع النقض" بالمصاريف و200 قرش أتعاب محاماة. فقرّر الأستاذ مصطفى الشوربجى بتوكيله عن رافع النقض بالطعن فى هذا الحكم المعلن لموكله فى 17 يونيه سنة 1931 للأسباب المدوّنة بتقرير الطعن المؤرّخ فى 14 يوليه سنة 1931 طالبا الحكم بقبول هذا النقض شكلا وموضوعا بنقض الحكم المطعون فيه وإلغائه بكامل أجزائه وقبول دعوى الطاعن وإحالة القضية إلى محكمة مصر الابتدائية الأهلية لتسير فيها مع إلزام المدّعى عليهما فى الطعن بصفتيهما متضامنين بالمصاريف.
وبعد استيفاء الإجراءات القانونية حدّد لنظر هذه القضية جلسة يوم الخميس 19 نوفمبر سنة 1931. وبالجلسة المذكورة نظرت القضية على الوجه المبين تفصيلا بمحضر الجلسة. ثم تأجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن أوجه الطعن المقدّمة مؤسسة فى جملتها على أن الحكم المطعون فيه جاء مخالفا للقانون نمرة 28 لسنة 1922 إذ قضى بعدم قبول دعوى الطاعن وذلك بتفسيره أحكام هذا القانون تفسيرا خطأ.
وحيث إنه واضح بالحكم المطعون فيه أن اللجنة المدّعى عليها فى الطعن دفعت بعدم قبول الدعوى ارتكانا على أنها رفعت عن حق خارج عن حدود تمثيلها للخديوى السابق بينما أن الطاعن يقول بدخوله، فتكون نقطة البحث مقصورة على الوقوف على مدى اختصاص هذه اللجنة والأمور التى تمثل سموّ الخديوى السابق فيها وما لا يشمله هذا التمثيل.
وحيث إن الغرض من وضع القانون نمرة 28 لسنة 1922 كما يتبين ذلك صراحة من عبارة ديباجته هو لتحقيق أمرين: الأوّل إقرار تصفية أملاك الخديوى السابق عباس باشا حلمى، والثانى تضييق ما له من الحقوق، فقد نصت المادة الأولى منه على إقرار ما قامت به السلطة العسكرية فى ظل الأحكام العرفية من تصفية أملاكه ومنعت من نظر أية دعوى رفعت ولم يحكم فيها أو ترفع فيما بعد ويكون الغرض منها إبطال أى تصرف أو إجراء من التصرفات أو الإجراءات المذكورة.
وتضمنت المادة الثانية منه بيانا عن الحقوق التى حرم على الخديوى السابق مباشرتها، فحرّم عليه أن يهبط الأراضى المصرية وأن يباشر حقا من الحقوق السياسية، كما حرّم عليه حق تملك العقار والمنقول وحق قبض المال وكل عمل من شأنه إيصال مال ليده كتولى إدارة وقف أو وصاية أو غيرها. ولم يستثن من هذا الحرمان من الحقوق سوى حالتين: هما حالة الإرث والحق المكتسب. وكذلك حرّم عليه الظهور أمام الهيئات القضائية إلا بواسطة لجنة حكومية بعينها مجلس الوزراء.
وقضت المادة الثالثة منه بمصادرة كل مال منقول أو ثابت وكل مبلغ أو اعتماد اكتسب فى غير الحالتين المتقدّم ذكرهما، على أنه فى هاتين الحالتين تضبط هذه الأموال بالطرق الإدارية بمعرفة الجهة الحكومية المذكورة وتباع بالمزاد ويضاف صافى المتحصل لحساب عباس باشا حلمى أو من تؤول إليه حقوقه، ويعلن عن ذلك فى الجريدة الرسمية حتى إذا لم يطالب بهذا الصافى فى بحر سنة من تاريخ الإعلان عنه يسقط الحق فيه ويؤول إلى خزانة الحكومة.
ثم جاءت المادة الرابعة فأعطت لمجلس الوزراء الحق فى تعيين اللجنة الإدارية المعهود إليها القيام بالإجراءات المنصوص عليها فى المواد السابقة لتتولى وتدير ما لعباس باشا حلمى وما عليه من الحقوق والمصالح وأن تنوب عنه نيابة صحيحة فيها، وذلك فى حدود هذا القانون ووفق أحكامه.
وحيث إنه يستنتج من هذه الأحكام أن وقت صدور القانون نمرة 28 لسنة 1922 لم يكن لسموّ الخديوى السابق قاطبة يد على مال فى الديار المصرية سواء أكان هذا المال منقولا أو ثابتا، وأنه من وقت صدوره ما كان له أن يكتسب مالا منقولا أو ثابتا على أى وجه كان وبأية كيفية كانت ما عدا فى حالتى الإرث والحق المكتسب وإلا أجرت الحكومة مصادرته لجانبها، وأنه فى الحالتين المذكورتين جميع الأموال، مهما كان نوعها، التى تؤول إليه يصير ضبطها بمعرفة اللجنة الإدارية وتصفيتها وتعلية الصافى منها لحسابه والإعلان عنه فى الجريدة الرسمية، فان لم يطالب به فى مدّة سنة من تاريخ هذا الإعلان أصبح حقا للحكومة.
وحيث إنه متى تقرّر ذلك تكون وظيفة اللجنة الحكومية محدّدة تحديدا فلا يمكنها التوسع فى مأموريتها أو التدخل فى أمر من الأمور التى لم يعهد إليها القيام بها. وهذه الوظيفة تنحصر فى ضبط ما يؤول للخديوى السابق من الأموال عن طريق الإرث أو الحق المكتسب وتصفيته. ولما كان ضبط هذه الأموال وتصفيتها ربما جرّ إلى رفع قضايا أو الدفاع فيها وكان الخديوى السابق ممنوعا من الظهور أمام الهيئات القضائية، أجاز القانون لهذه اللجنة أن تنوب عن سموّه نيابة صحيحة ولكن فى حدود هذا القانون، أى فى هذه الدائرة الضيقة وهى المنازعات التى تكون ناشئة عن هذين الطريقين: الإرث والحق المكتسب. وهذا أمر طبيعى ما دام أنه أصبح ولا مال له فى الديار المصرية من غير هذين الطريقين.
وحيث إن تحديد وظيفة اللجنة الحكومية فى هذه الدائرة الضيقة تتفق وروح هذا التشريع الاستثنائى إذا لوحظ الوقت الذى صدر فيه وما تقدّمه من الحوادث واكتنفه من الظروف، فان جميع ذلك يقطع بأن قصد المشرع من وضع هذا القانون هو قطع صلة الخديوى السابق بالمملكة المصرية قطعا تاما.
وحيث إن الطاعن يذهب فى تفسيره لأحكام هذا القانون إلى أن الشارع لم يقصد حرمان الخديوى السابق من حق التقاضى فى الديار المصرية قطعا بل حرمه من أداء هذا الحق بنفسه وعين لجنة حكومية تباشر هذا الحق نيابة عنه وأنه أوجد هذه الجهة التى تمثل الخديوى السابق فى التقاضى محافظة على حقوق الغير لأن الغرض الذى من أجله تقرّر هذا الحرمان هو غرض سياسى لا ينسحب إلا على شخص الخديوى السابق ولا يجوز أن يتعدّاه للغير.
وحيث إن القانون نمرة 28 لسنة 1922 هو قانون استثنائى فلا يمكن الخروج عن أحكامه أو التوسع فيها. وقد توضح فيما تقدّم ماهية وظيفة اللجنة الحكومية والحدود التى تعمل فيها فلا سبيل لها لتمثيل الخديوى السابق فيما لم يعهد إليها القيام به.
وحيث إن المشرع وإن نص حقيقة فى المادة الثانية من هذا القانون على أنه ليس لسموّ الخديوى السابق أن يتقاضى أمام أية هيئة قضائية بغير واسطة الجهة المنصوص عليها فى المادة الرابعة منه، كما نص فى المرسوم التفسيرى الصادر فى 14 ديسمبر سنة 1924 والذى لم يصدّق عليه البرلمان على أن ما جاء فى المادة الثانية المذكورة يجب أن يؤول على أن الجهة الحكومية المشار إليها لها وحدها صفة النيابة عن الخديوى السابق فى جميع حقوقه ومصالحه، مالية كانت أو شخصية، فى كل دعوى وفى كل إجراء مهما كان نوعها........ الخ، إلا أنه قد فات الطاعن أن المشرع نفسه قد حرم الخديوى السابق من كافة الحقوق السياسية والمدنية ولم يستثن منها سوى حالتى الإرث والحق المكتسب، وأنشأ اللجنة الحكومية لضبط ما يؤول إليه فى هاتين الحالتين، وأجاز لها الإنابة عنه فى جميع الدعاوى التى لها علاقة بهما للدفاع عنه فى موضوعها بدليل ما جاء فى نهاية المادة الرابعة من أنها "تنوب عنه فيها نيابة صحيحة وذلك فى حدود هذا القانون ووفق أحكامه". فان كانت الدعوى المرفوعة ضد الخديوى وجهت إلى اللجنة فى غير ما تصح نيابتها فيه فهذا لا يمنعها من الحضور إنما لها أن تدفع فيها دفوعا فرعية بحسب ما يتراءى لها. وليس أدل على ذلك مما جاء فى المذكرة الإيضاحية للقانون المفسر للقانون رقم 28 لسنة 1922 التى يرتكن عليها الطاعن من أن "لهذه الجهة وحدها الصفة فى أن تدافع عنه فى موضوع الدعوى أو أن تقدّم دفوعا فرعية بعدم الاختصاص أو غير ذلك من المسائل التى ترى تقديمها لمصلحة الدفاع عن الخديوى السابق". وبديهى أن معنى ذلك أن اللجنة تحضر فى كل دعوى مهما كان نوعها وتقدّم فيها الدفوع التى تراها لمصلحة سموّ الخديوى السابق موضوعية كانت أو فرعية.
وحيث إن المشرع وإن لم ينص على أن هذا الحرمان له أثره بالنسبة للغير إلا أن تقريره حرمان سموّ الخديوى السابق من هبوط الأراضى المصرية بحيث لا يمكن أن يكون له محل إقامة بها وتحديد وظيفة اللجنة الحكومية التى تمثله فى الأحوال التى رأى تمثيله فيها يجعل هذا الأثر منسحبا على الغير بطبيعة الحال لأن النتائج المترتبة على أحكام هذا القانون لا نزاع أنها تمس ما لهذا الغير من الحقوق، ولكن المقام مقام تشريع استثنائى ويجب على المحاكم النظامية التقيد بهذا التشريع والسير على مقتضاه. هذا فضلا عن أنه مفروض فى هذا الغير أنه لا يجهل هذا التشريع فيجب أن يتحمل تبعة إقدامه على معاملة الخديوى السابق فى الخارج. ولا يحتج بنص المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية من حيث اختصاص هذه المحاكم بالفصل فيما يقع بين المصريين من المنازعات وهو ما بنى عليه جواز مخاصمة المصرى المقيم فى الخارج أمام القضاء المصرى لأن هذا الاحتجاج لا يستقيم فى الدعوى الحالية، فان الخديوى السابق وإن كان مصريا حقا يتمتع بكامل حقوقه فى الخارج إلا أنه فقد أهلية التقاضى فى مصر، ومعاملته فى هذا الصدد لا تكون طبقا للقواعد العامة بل بحسب التشريع الخاص الذى صدر بشأنه. كذلك لا يمكن الاحتجاج بالعبارة الواردة فى سياق المادة الثالثة "أو أى شخص آخر تؤول إليه حقوقه" لأن هذا العبارة لا يمكن أن تنصرف إلا للحقوق المعترف بها للخديوى السابق أى الإرث والحق المكتسب فى حالة ما إذا آلت هذه الحقوق لغيره لسبب من الأسباب.
وحيث إنه من جميع ما تقدّم يتبين أن محكمة الاستئناف لم تخطئ فى الحكم بعدم قبول الدعوى ارتكانا على أنها رفعت عن حق خارج عن حدود تمثيل اللجنة الحكومية للخديوى السابق. ولا ترى هذه المحكمة تتبع جميع الوجوه الأخرى التى أثارها الطاعن نقدا على أسباب الحكم المطعون فيه لأن أسباب هذا الحكم فيما يختص بحدود وكالة اللجنة الحكومية مستقيمة وصحيحة قانونا. لذا يتعين رفض الطعن والحكم بمصادرة الكفالة.