مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 93

جلسة 24 مارس سنة 1932

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك وأمين أنيس باشا المستشارين.

(44)
القضية رقم 5 سنة 2 القضائية

تقادم. أملاك الحكومة المرهونة إلى آل روتشيلد. وضع اليد عليها غير منتج طيلة وجودها فى حيازة قومسيون الأراضى. (دكريتو 15 نوفمبر سنة 1879).
بمقتضى دكريتو 26 أكتوبر سنة 1878 وهب خديوى مصر بالنيابة عن أعضاء الأسرة المالكة جميع أملاكهم إلى الحكومة لرهنها تأمينا على قرض معين، وشكل قومسيون لإدارة هذه العقارات وتسليم إيراداتها للدائنين. ثم صدر فى 30 يناير سنة 1879 دكريتو يبيح للقومسيون بيع الأملاك المرهونة وتسليم الصافى الناتج من البيع للدائنين وفاء للقرض.
ولكى تكون هذه الأملاك فى مأمن من ادّعاء الغير بأى حق عليها صدر دكريتو 15 نوفمبر سنة 1879؛ وقد نصت المادة الأولى منه على عدم جواز الحجز عليها ولا بيعها إلا بمعرفة القومسيون. ونصت المادة الثانية منه على أنه بعد شطب التسجيلات الرهنية المتقدّمة على تسجيلات الخواجات روتشيلد تكون هذه الأملاك خالصة من كل دعوى توجب الفسخ أو الاسترداد وتكون خالصة أيضا من كل حق عينى مهما كان نوعه، ما عدا الحقوق المعطاة لمكتبى السلفة، وتبقى خاصة معينة لتأمين فوائد واستهلاك القرضة المذكورة دون غيرها.
فالتطهير الذى قضى به هذا الدكريتو يجب أن يحدث أثره فى الحال والاستقبال ويكون ملازما للأملاك المرهونة فيعطيها صفة خاصة تجعلها غير خاضعة لكثير من القواعد المتعلقة بالتنفيذ واكتساب الحقوق وغيرها لكى تبقى ضامنة لحقوق الدائنين سليمة من العبث.
ومن ثم كان وضع اليد المدّعى به على أرض من هذه الأملاك غير منتج وعديم الأثر طيلة وجودها فى حيازة القومسيون فان باعها حل المشترى محل القومسيون وتملك الأرض خالصة من كل حق أو ادّعاء للغير.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن وقائع الدعوى تتلخص فى أن عظمة المدّعى عليها فى النقض رفعت هذه الدعوى تطالب الطاعنين بملكيتها إلى 4 أفدنة و17 قيراطا و10 أسهم استنادا إلى أنها من ضمن ما ابتاعته من قومسيون الأراضى الأميرية بموجب عقد رسمى صادر بتاريخ 6 مايو سنة 1902 وكانت هذه الأراضى المبيعة من ضمن الأطيان المرهونة من الحكومة المصرية تأمينا للسلفة المأخوذة من الماليين الأجانب، فقضت محكمة طنطا الابتدائية بتاريخ 15 مايو سنة 1930 باحالة الدعوى على التحقيق ليثبت الطاعنون بكافة الطرق وضع يدهم على الأرض موضوع النزاع المدّة الطويلة المكسبة للملكية ولتنفى عظمة المدّعى عليها ذلك. فاستأنفت عظمتها هذا الحكم وقضت محكمة الاستئناف بحكمها المطعون فيه بالغاء الحكم المستأنف وبملكية عظمة المدّعى عليها للقدر المطالب به.
عن الوجه الأوّل
وحيث إن مبنى الوجه الأوّل هو ما يزعمه الطاعنون من حصول خطأ فى تطبيق الدكريتو الصادر فى 15 نوفمبر سنة 1879 باعتبار الأراضى المرهونة من الحكومة المصرية إلى آل روتشيلد خالية من أى حق عينى غير الحق المقرّر للدائنين إذ اعتبر الحكم المطعون فيه هذا القانون ساريا على الحوادث التالية لصدور الدكريتو فى حين أن الطاعنين يتمسكون بأنه لا يلحق إلا ما كان سابقا على صدوره.
وحيث إنه بمقتضى دكريتو 26 أكتوبر سنة 1878 المشار إليه فى دكريتو 15 نوفمبر سنة 1879 وهب خديوى مصر بالنيابة عن أعضاء الأسرة المالكة جميع أملاكهم إلى الحكومة لرهنها تأمينا على قرض يبلغ ثمانية ملايين وخمسمائة ألف جنيه، وشكل قومسيون لإدارة هذه العقارات وتحصيل إيراداتها وتسليم صافيها للدائنين. ثم صدر فى 30 يناير سنة 1879 دكريتو يبيح للقومسيون بيع الأملاك المرهونة كلها أو بعضها وتسليم الصافى الناتج من البيع للدائنين وفاء للقرض حتى يتم سداده، ورؤى بعد ذلك أن تكون هذه الأملاك فى مأمن من ادّعاء الغير بأى حق عليها، ولذا صدر دكريتو 15 نوفمبر سنة 1879. وقد نصت المادة الأولى منه على عدم جواز الحجز على هذه الأملاك ولا بيعها إلا بمعرفة القومسيون طبقا للقواعد المقرّرة لهذا الشأن، ونصت المادة الثانية على ما يأتى:
"بعد شطب التسجيلات الرهنية المتقدّمة على تسجيلات الخواجات روتشيلد بتاريخ 2 و3 فبراير الماضى تكون هذه الأملاك خالصة من كل دعوى توجب الفسخ أو الاسترداد وتكون خالصة أيضا من كل حق عينى مهما كان نوعه ما عدا الحقوق المعطاة لمكتبى السلفة وتبقى خاصة معينة لتأمين فوائد واستهلاك القرضة المذكورة دون غيرها".
وحيث إنه يستفاد من عبارة الدكريتو والعرض من صدوره بحسب ما تدّون به أن التطهير الذى قضى به يجب أن يحدث أثره فى الحال والاستقبال معا ويكون ملازما للأملاك المرهونة ويعطيها صفة خاصة تخرجها عن سائر العقارات ويجعلها غير خاضعة إلى كثير من القواعد العامة الخاصة بالتنفيذ واكتساب الحقوق وغير ذلك لكى تبقى ضامنة لحقوق الدائنين سليمة من العبث حتى بيعها أو وفاء الدين تحقيقا لرغبة الدائنين على حقوقهم ما بقوا دائنين. والذى يؤيد ذلك تأييدا قاطعا ويدل دلالة لا ريب فيها أن لفظة "تكون" الواردة دفعتين فى المادة الثانية بحسب نصها السابق ذكره هى فعل مسند إلى الحال والاستقبال معا النص الفرنسى لهذه المادة فقد ورد به ما ترجمته الحرفية أن هذه الأملاك "تصير وتظل" خالصة من كل دعوى الخ: (Ces biens seront et demeureront libres de toute action etc) ومع أنه لا شك فى أن لفظة "تكون" بحسب سياق الكلام وافية بالغرض لتأدية هذا المعنى فانه لا جناح على المحكمة فى الرجوع إلى النص الفرنسى للأمر العالى الذى نحن بصدده بزيادة فى التأكد من مدلول ألفاظه فيما هو محل الخلاف، إذ هذا النص لا يقبل الجدل بأى حال لما هو عليه من دقة المبنى ووضوح التعبير، بل هو بلا نزاع الأصل الذى أقرّته الدول وصدر تطمينا للماليين الأجانب ووفقا لرغباتهم.
وحيث إنه متى وضح ذلك كان وضع اليد المدّعى به على أرض النزاع بحكم القانون وإرادة الشارع غير منتج وعديم الأثر طيلة وجودها فى حيازة قومسيون الأراضى ضمن الأراضى المرهونة يديرها للأغراض المتفق عليها إلى أن باعها لعظمة المدّعى عليها فى 6 مايو سنة 1902 فحلت بذلك محل القومسيون فيما له من حقوق، وتملكت الأرض خالصة من كل حق أو ادّعاء للغير، وصار لها باعتبارها مشترية ما للبائع من الحقوق، فلها أن تدفع بما كان فى استطاعته هو أن يدفع به دعوى الطاعنين.
وحيث إن القضاء المختلط طبق بطريقة مضطردة دكريتو 15 نوفمبر سنة 1879 على الوجه المتقدّم سواء فيما يتعلق بما له من الأثر فى الحوادث التالية لصدوره، أو بما للذين اشتروا من قومسيون الأراضى من حق التمسك بنصوصه عن الزمن السابق لشرائهم.
وحيث إنه لذلك يكون هذا الوجه متعين الرفض.
عن الوجه الثانى
وحيث إن مبنى هذا الوجه هو ما يدّعيه الطاعنون من أن المحكمة أخطأت فى تأويل المادة 76 من القانون المدنى الخاصة بالتملك بوضع اليد المدّة الطويلة بأن اعتبرت أن وضع يبد الطاعنين كان من قبيل التسامح مع أن الواقع يخالف ذلك ويثبت أن وضع يدهم كان بطريق التملك وأن وقوعها فى هذا الخطأ كان بسبب اعتبارها العين المتنازع عليها من ضمن المنوّه عنه بعقود الإيجار مع أنها غيرها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه ذكر فى معرض الكلام على وضع اليد وملابساته وصفته أن الأرض موضوع النزاع داخلة ضمن ما اشتملت عليه عقود الإيجار الصادرة للطاعنين، وأشار إلى ما تضمنه تقرير الخبير الذى عين فى الدعوى من أنها داخلة ضمن عقد البيع الرسمى الصادر لعظمة المدّعى عليها فى 6 مايو سنة 1902، وكل ما قرّرته محكمة الموضوع بهذا الصدد خارج عن متناول محكمة النقض ورقابتها لتعلقه بموضوع الخصومة وما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى وظروفها.