مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 913

(92)
جلسة 17 من مارس 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد شلبى يوسف وعادل عزيز زخارى وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 320 لسنة 10 القضائية

( أ ) كادر عمال - عامل - انتهاء خدمة - المادة 5 من تعليمات المالية رقم 8 المكملة لأحكام كادر العمال - الجرم الموجب للرفت وفقا لها - يتحدد مدلوله طبقا للقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة الذى كان ساريا حينذاك - أساس ذلك أنه القانون العام المنظم لقواعد التوظيف وكافة شئون موظفى الدولة.
(ب) موظف - عامل - انتهاء خدمة - الحكم على العامل فى جناية - يعد من قبيل الجرم الموجب للفصل - أساس ذلك من التعليمات المالية سالفة البيان ومن نص المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - ليس بشرط فى ذلك أن تكون الجناية مخلة بالشرف.
(جـ) موظف - انتهاء خدمة - عقوبة تبعية - انتهاء خدمة الموظف المحكوم عليه فى جناية أو فى جريمة مخلة بالشرف وفق الفقرة 8 من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - لا يخرج عن كونه عقوبة تبعية أوردها القانون المذكور - ليس بشرط فى العقوبة أن يكون منصوصا عليها بقانون العقوبات.
(د) عقوبة - وقف تنفيذ - الحكم فى جناية أو جنحة بالغرامة أو الحبس مدة لا تزيد على سنة - للمحكمة أن تأمر فى نفس الحكم بايقاف تنفيذ العقوبة - جواز أن يكون الايقاف شاملا لأية عقوبة تبعية ولجميع الآثار الجنائية - الايقاف اختيارى للقاضى له أن يأمر به بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسه.
(هـ) موظف - انتهاء خدمة - حكم فى جناية - وقف تنفيذ - ادانة الموظف فى جناية أو فى جريمة مخلة بالشرف - شمول الحكم بوقف التنفيذ والنص به على أن يكون الايقاف شاملا لجميع الآثار الجنائية - ينصرف الى جميع العقوبات التبعية وغيرها من الآثار الجنائية التى تترتب على الحكم سواء ورد النص عليها فى قانون العقوبات أو فى غيره من القوانين - الحكم الصادر من محكمة الجنايات بحبس المطعون ضده ثلاثة أشهر مع الشغل وتغريمه ثلاثة جنيهات - النص فيه على وقف تنفيذ العقوبة على أن يكون الايقاف شاملا لجميع الآثار الجنائية المترتبة على هذا الحكم - احترام حجية هذا الحكم مؤداه أبقاء المطعون ضده فى وظيفته وعدم أعمال حكم - الفقرة 8 المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - انهاء الخدمة وفقا لحكم هذه الفقرة يعتبر من الآثار الجنائية التى أوقف الحكم تنفيذها.
1 - تنص المادة 5 من تعليمات المالية رقم 8 وهى التى تكمل أحكام كادر العمال على أن "عامل اليومية المتهم بجرم موجب للرفت يصير ايقافه مؤقتا عن العمل فى كل حالة. واذا اتضح بعد التحقيق أن العامل برئ تصرف له أجرته عن كل مدة الايقاف. واذا تبينت أدانته يرفت من تاريخ الايقاف المؤقت". ولما كانت هذه التعليمات لم تحدد مدلول عبارة الجرم الموجب للفصل فانه يتعين الرجوع الى أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة الذى كان ساريا حينذاك - لتحديد هذا المدلول باعتبار أن هذا القانون هو القانون العام المنظم لقواعد التوظف وكافة شئون موظفى الدولة.
2 - تنص المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أن "تنتهى خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة لأحد الأسباب الآتية:
(1)
(2)
(3) الحكم عليه فى جناية أو جريمة مخلة بالشرف.
وعلى ذلك فانه يعد من قبيل الجرم الموجب للفصل فى منطق التعليمات المالية المشار اليها الحكم على العامل فى جناية ولا يشترط أن تكون الجناية مخلة بالشرف لأن لفظ الجناية ورد فى الفقرة 8 من المادة المنوه عنها مطلقا.
3 - أن كلا من قانون العقوبات وقانون نظام الموظفين رقم 210 لسنة 1951 قد عالج أثر الأحكام التى تصدر بالادانة فى جريمة من جرائم القانون العام على رابطة التوظف، فنص قانون العقوبات على العزل كعقوبة تبعية لكل حكم بعقوبة جناية فى الفقرة الأولى من المادة 25 وكعقوبة تكميلية وجوبية أو جوازية يتعين لتنفيذها أن ينص عليها فى الحكم وذلك فى حالة الحكم بالحبس فى بعض الجنايات والجنح المحددة فى القانون، والعزل وفقا لهذه الأحكام دائم اذا كان عقوبة تبعية ومؤقت اذا كان عقوبة تكميلية، أما العزل المنصوص عليه بالفقرة 8 من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 فهو عزل دائم أيا كانت العقوبة المحكوم بها فى جناية أو جريمة مخلة بالشرف، ولئن كان العزل وفقا لأحكام هذا النص الأخير أوسع مدى مما نص عليه قانون العقوبات الا أنه لا محل للفصل بين المجالين الجنائى والادارى ما دام العزل على أى حال - لا يخرج عن كونه أثرا لصدور حكم جنائى بالادانة، وتحقق هذا الأثر - وفقا لأحكام قانون الموظفين رقم 210 لسنة 1951 فى بعض الأحوال التى لا يتحقق فيها وفقا لأحكام قانون العقوبات - ليس من شأنه أن يغير من طبيعته، ذلك أن العقوبات التى تطبق على المحكوم عليه جنائيا - وأن كان الأصل أن يكون منصوصا عليها فى قانون العقوبات - الا أن هذا القانون لا يشملها كلها بل أن بعضها قد ورد النص عليه فى قوانين أخرى، فاذا كان القانون رقم 210 لسنة 1951 قد قضى بانتهاء خدمة الموظف المحكوم عليه فى جناية أو فى جريمة مخلة بالشرف، أيا كانت العقوبة المحكوم بها عليه، فانه يكون بهذا الاطلاق والتعميم قد أضاف الى الحالات التى يقع فيها العزل وفقا لقانون العقوبات حالات أخرى، على أن ذلك لا يؤثر على طبيعة العزل اذ أنه يقع فى جميع الأحوال كأثر للحكم الجنائى الصادر بالادانة، أى أن العزل الذى يقع بحكم الفقرة 8 من المادة 107 من قانون الموظفين لا يخرج فى الواقع عن كونه عقوبة تبعية أوردها القانون المذكور.
4 - ينص قانون العقوبات فى المادة 555 منه على أنه "يجوز للمحكمة عند الحكم فى جناية أو جنحة بالغرامة أو الحبس مدة لا تزيد على سنة أن تأمر فى نفس الحكم بايقاف تنفيذ العقوبة اذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التى ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود الى مخالفة القانون ويجب أن تبين فى الحكم أسباب الايقاف ويجوز أن يجعل الايقاف شاملا لأية عقوبة تبعية ولجميع الآثار الجنائية" وجعل وقف التنفيذ شاملا للعقوبات التبعية أو للآثار الجنائية التى تترتب على الحكم أنما هو مبدأ جديد استحدثه قانون العقوبات عند تعديله فى سنة 1937 وقد جاء فى المذكرة الايضاحية بيانا له ما يأتى: "يجوز جعل الايقاف شاملا لأية عقوبة تبعية كمراقبة البوليس والحرمان من حق الانتخاب. كما يجوز أن يشمل جميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم كاعتبار الحكم سابقة فى العود.
ولم يكن هذا جائزا فى قانون سنة 1904 وقد اقتبسه المشرع من القوانين الحديثة أما عن سلطة المحكمة فمتى توافرت الشروط السابق بيانها فيجوز للقاضى أن يأمر بايقاف التنفيذ أى أن الايقاف اختيارى متروك لتقدير القاضى فله أن يأمر به بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسه كما أن له أن يرفضه ومتى أمر بالايقاف يتعين عليه أن يذكر أسباب ذلك فى الحكم".
واذا أمر الحكم الجنائى بأن يكون ايقاف التنفيذ شاملا لجميع الآثار الجنائية انصرف هذا الأمر الى جميع العقوبات التبعية وغيرها من الآثار الجنائية التى تترتب على الحكم المذكور سواء ورد النص عليها فى قانون العقوبات أو فى غيره من القوانين اذ أن طبيعتها جميعا واحدة ولو تعددت التشريعات التى تنص عليها مادام انها كلها من آثار الحكم الجنائى.. يؤكد هذا النظر ما ورد فى المذكرة الايضاحية لقانون العقوبات من جواز أن يكون ايقاف التنفيذ شاملا (للحرمان من حق الانتخاب) باعتباره عقوبة تبعية.
مع أن هذا (الحرمان) لم يرد النص عليه فى هذا القانون بل كان عند صدوره فى سنة 1937 منصوصا عليه فى تشريع آخر - هو المرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1935 الخاص بالانتخابات والذى حل محله القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية.
ومن حيث أن محكمة جنايات الفيوم عندما قضت فى حكمها الصادر فى 19 من سبتمبر سنة 1962 - بحبس المطعون ضده ثلاثة أشهر مع الشغل وتغريمة ثلاثة جنيهات - أمرت بايقاف تنفيذ العقوبة على أن يكون الايقاف شاملا لجميع الاثار الجنائية المترتبة على هذا الحكم فانها قد استهدفت بحكمها المقترن بايقاف التنفيذ الشامل لجميع الاثار الجنائية المحافظة على مركز المطعون فيه الوظيفى وعدم الاضرار بمستقبله وكان مؤدى احترام حجية هذا الحكم ابقاء المطعون ضده فى وظيفته وعدم اعمال حكم الفقرة 8 من المادة 107 من قانون الموظفين رقم 210 لسنة 1951 فى حقه باعتبار أن أنهاء الخدمة وفقا لحكم هذه الفقرة من الآثار الجنائية التى أوقف الحكم تنفيذها. واذ ذهبت الجهة الادارية غير هذا المذهب واعتبرت خدمة المطعون ضده منتهية بصدور الحكم المذكور عليه تكون قد أهدرت حجية هذا الحكم وخالفت أحكام القانون الخاصة بايقاف التنفيذ الشامل لجميع الآثار الجنائية.


اجراءات الطعن

فى يوم 25 من يناير سنة 1964 أودع السيد محامى ادارة قضايا الحكومة بصفته نائبا عن السيد وزير المواصلات والسيد مدير عام مصلحة الطرق والكبارى سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن قيد بجدولها برقم 320 لسنة 10 قضائية فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية لوزارة المواصلات والسكك الحديدية فى 25 من نوفمبر سنة 1963 فى الدعوى رقم 308 لسنة 10 قضائية المقامة من السيد/ أحمد عبد الكريم سالم ضد السيد وزير المواصلات والسيد المدير العام لمصلحة الطرق والكبارى والقاضى بقبول الدعوى شكلا وبالغاء القرار رقم 490 الصادر فى 16 من أكتوبر سنة 1962 من مفتش الطرق والكبارى فيما تضمنه من فصل المدعى من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار والزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة... وطلب الطاعن - للاسباب المبينة بصحيفة الطعن - أحالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا لتقضى بقبوله شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع الزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد أعلنت صحيفة الطعن للمطعون ضده فى 22 من يناير سنة 1964. وقد قرر عند اعلانه، أن صحة اسمه محمد عبد الكريم سالم. وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا فى الطعن انتهت فيه الى انها ترى قبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى والزام المطعون ضده المصروفات. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أى من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 27 من يونية سنة 1964 وأخطر بها ذوو الشأن فى 30 من مايو سنة 1964. وقد قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا "الدائرة الأولى" التى عينت لنظره أمامها جلسة 5 من ديسمبر سنة 1964 وأخطر بها ذوو الشأن فى 26 من أكتوبر سنة 1964 وفيها قرر المطعون ضده أن صحة اسمه محمد عبد الكريم وليس أحمد عبد الكريم وتداول الطعن بالجلسات حتى جلسة 20 من مارس سنة 1965 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن قررت أصدار الحكم بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل فى أن المدعى/ أحمد عبد الكريم سالم أقام الدعوى رقم 308 لسنة 10 قضائية ضد السيد وزير المواصلات والسيد المدير العام لمصلحة الطرق والكبارى بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة الادارية لوزارة المواصلات والسكك الحديدية فى 10 من فبراير سنة 1963 ذكر فيها أنه التحق فى عام 1939 بمصلحة الطرق والكبارى بالفيوم بوظيفة عامل ورقى الى وظيفة رئيس عمال عام 1948. وفى سنة 1960 اتهمته النيابة العمومية فى الجناية رقم 4075 لسنة 1960 أبشواى - والتى قيدت برقم 808 لسنة 1960 كلى الفيوم - لاحرازه سلاحا بدون ترخيص. وبجلسة 19 من سبتمبر سنة 1962 قضت محكمة جنايات الفيوم بحبسه ثلاثة شهور وغرامة ثلاثة جنيهات مع ايقاف تنفيذ العقوبتين لمدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم صدور الحكم على أن يكون الايقاف شاملا لجميع الآثار الجنائية المترتبة على هذا الحكم ومصادرة السلاح والذخيرة المضبوطة. وفى 8 من أكتوبر سنة 1962 صدر قرار ادارى بايقافه عن العمل ثم فى 16 من ذات الشهر صدر قرار آخر رقم 490 بفصله من الخدمة فتظلم منه وقد أخطر فى 26 من ديسمبر سنة 1962 برفض تظلمه فرفع هذه الدعوى طالبا الحكم بالغاء قرار فصله واعادته الى عمله مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام المدعى عليهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وينعى على القرار المطعون فيه أنه صدر بلا سبب قانونى يبرر صدوره واتسم بالتعسف لان جريمة احراز السلاح ليست من الجرائم المخلة بالذمة والشرف فضلا عن أن المحكمة قد قضت بايقاف تنفيذ العقوبة وجميع الآثار الجنائية المترتبة عليها وبذلك فقد انصرفت ارادتها الى عدم المساس بمركز المدعى الوظيفى. وبجلسة التحضير الذى عقدها السيد مفوض الدولة فى 21 من أبريل سنة 1963 قرر المدعى أن صحة اسمه محمد عبد الكريم سالم وليس أحمد عبد الكريم كما جاء بصحيفة الدعوى وطلب تصحيح اسمه على هذا الأساس. وقد ردت مصلحة الطرق والكبارى على الدعوى بأن المدعى/ محمد عبد الكريم سالم - قبض عليه فى 28 من أكتوبر سنة 1960 بتهمة احراز سلاح بدون ترخيص فأوقف عن العمل اعتبارا من اليوم التالى ثم أفرج عنه بضمان مالى. وقد أفادت نيابة مركز أبشواى بأنه ليس لديها مانع من اعادته الى عمله الى أن يتم التصرف نهائيا فى القضية وبناء عليه وافقت المصلحة على اعادته للعمل. وبجلسة 19 من سبتمبر سنة 1962 حكم بحبسه لمدة ثلاثة شهور وتغريمه ثلاثة جنيهات وايقاف تنفيذ العقوبتين لمدة ثلاث سنوات على أن يكون الايقاف شاملا لجميع الآثار الجنائية المترتبة على هذا الحكم. ثم أضافت المصلحة أنه لما كان هذا الحكم قد صدر من محكمة الجنايات فانه يتعين انهاء خدمة المذكور بالتطبيق لأحكام القانون وأرفقت المصلحة بردها شهادة رسمية من القلم الجنائى الكلى بنيابة الفيوم مبينا بها منطوق الحكم المشار اليه. وقد قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهت فيه الى أنها ترى الحكم بقبول الدعوى شكلا ورفضها موضوعا والزام المدعى المصروفات واستندت فى ذلك الى أن التعليمات المالية رقم 8 الصادرة فى سنة 1922 تقضى بفصل العامل اذا ثبت ادانته فى جرم موجب للفصل، وأنه يجب تحديد مدلول هذا الجرم فى ضوء ما ورد بالفقرة 8 من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التى نصت على الفصل فى حالة الحكم على الموظف فى جناية أو فى جريمة مخلة بالشرف، وطالما انه قد حكم على المدعى فى جناية فيكون قرار الفصل قد صدر سليما مطابقا لحكم القانون ولا يغير من ذلك أن المحكمة قد قضت بايقاف الآثار الجنائية المترتبة على الحكم لأن الفصل الادارى من الوظيفة ليست من هذه الآثار.
وبجلسة 25 من نوفمبر سنة 1963 قضت المحكمة الادارية بقبول الدعوى شكلا وبالغاء القرار رقم 490 الصادر فى 16 من أكتوبر سنة 1962 من مفتش الطرق والكبارى فيما تضمنه من فصل المدعى من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت قضاءها على وجوب تطبيق التعليمات المالية رقم 8 واستبعاد تطبيق الفقرة 8 من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وقالت أن هذه التعليمات وان كانت قد أشارت الى الجرم الموجب للفصل الا انها لم تحدده تحديدا مانعا جامعا غير انه يستفاد منها ان المشرع ترك تحديد المقصود بهذا الجرم أو نوعه لتفسير الادارة فى حدود الصالح العام فى ضوء القواعد العامة السارية فى شأن مختلف أنواع العاملين فى الحكومة وأن المحكمة ترى - فى نطاق ما تقدم أن الجرم الموجب للفصل يجب أن يكون جريمة من الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة سواء أكانت جناية أو جنحة. وأن المشرع قد نحا هذا النحو بالنسبة للائحة العاملين فى الشركات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 3546 لسنة 1962.. وأن الجريمة التى أسندت الى المدعى والتى حكم فيها بالحبس وأن كانت تعتبر من الجنايات "احراز سلاح بدون ترخيص" الا أنها لا ترقى الى درجة الجريمة المخلة بالشرف الموجبة للفصل لأنها لا تدل على انحراف فى الطبع يؤثر فى المصلحة العامة بقدر ما تدل على اعتناق المدعى لعادة مرذولة فى الريف المصرى تقوم على حيازة أسلحة نارية دون ترخيص فضلا عن ضآلة الضرر الذى نتج عنها والذى استشعرته محكمة الجنايات فحكمت بعقوبة الجنحة مع وقف التنفيذ. وأنه لما كان القرار المطعون فيه قد صدر مستندا الى الحكم على المدعى فى هذه الجناية - وهى لا تعتبر من الجرائم الموجبة للفصل فقد كان يتعين قبل توقيع العقوبة المتقدمة عرض الأمر على اللجنة الفنية المختصة ثم يصدر قرار الفصل من وكيل الوزارة على أساس أن الفصل تأديبى وليس بقوة القانون. ولما كان القرار المطعون فيه قد صدر دون أخذ رأى هذه اللجنة ولم يصدر من وكيل الوزارة المختص فانه يكون قد جانب الصواب ويتعين لذلك الغاؤه. وقد طعنت الحكومة فى هذا الحكم بصحيفة أودعتها سكرتيرية هذه المحكمة فى 25 من يناير سنة 1964 واستندت فى طعنها الى أن الحكم المطعون فيه - وقد قضى بأن الجرم الموجب للفصل فى نطاق تطبيق المادة 5 من التعليمات المالية رقم 8 الصادرة فى أول يولية سنة 1913 يجب أن يكون جريمة من الجرائم المخلة بالشرف سواء أكانت جناية أم جنحة - قد انطوى على خطأ فى تطبيق القانون وتأويله وذلك لأن النص الذى طبقه الحكم جاء عاما ومن ثم يجب تفسيره فى ضوء القواعد العامة السارية فى شأن مختلف أنواع العاملين فى الحكومة وهى القواعد التى قررها القانون رقم 210 لسنة 1951 فى الفقرة 8 من المادة 107 وهى التى تقرر انتهاء خدمة الموظف بسبب الحكم عليه فى جناية أو جريمة مخلة بالشرف. ولا يصح القياس - كما ذهبت المحكمة فى حكمها المطعون فيه - على لائحة العاملين بالشركات لأن الأمر متعلق بعمال الحكومة. ولما كان المطعون ضده قد حكم عليه فى جناية ويعتبر هذا الحكم من قبيل الادانة الموجبة لترتيب الفصل بقوة القانون طبقا للتعليمات المالية سالفة الذكر ولا يحول دون نفاذ حكم هذه التعليمات أمر المحكمة الجنائية بوقف تنفيذ العقوبة وقفا شاملا. ومن ثم يكون قرار فصله قرارا صحيحا ويكون الحكم المطعون فيه اذ قضى بالغاء هذا القرار، على غير أساس سليم من القانون جديرا بالالغاء. وطلبت الحكومة لذلك الغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع الزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماه. وقد عقبت هيئة مفوضى الدولة على هذا الطعن بتقرير بالرأى القانونى مسببا انتهت فيه الى أنها ترى قبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى والزام المطعون ضده المصروفات واستندت فى ذلك الى نفس الأسباب التى استندت اليها الحكومة فى الطعن وردت على ما قررته المحكمة - من أن القرار لم يصدر من وكيل الوزارة بعد أخذ رأى اللجنة الفنية - ردت على ذلك بأن القرار الصادر بفصل المطعون ضده لا يعدو أن يكون مجرد اجراء تنفيذى لحكم المادة الخامسة من تعليمات المالية سالفة الذكر ومن ثم فان العلة من عرض الأمر على تلك اللجنة - عند فصل العامل بسبب تأديبى - تكون منتفية لسقوط الحكمة القائمة عليها وعدم الجدوى من العرض فى هذه الحالة ومن ثم فلا يعيب القرار صدوره من الرئيس المختص مباشرة دون عرض الأمر على اللجنة..
ومن حيث أنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن المطعون ضده محمد عبد الكريم سالم قدم الى محكمة جنايات الفيوم متهما فى الجناية رقم 4075 لسنة 1960 أبشواى (808 كلى سنة 1960 الفيوم) لأنه "فى يوم 28 من أكتوبر سنة 1960 بدائرة مركز أبشواى محافظة الفيوم (1) حاز سلاحا ناريا (بندقية خرطوش غير مخشخنة الماسورة) بدون ترخيص، (2) حاز طلقة نارية مما يستعمل فى الأسلحة النارية دون أن يكون مرخصا له فى حيازتها". وبجلسة 19 من سبتمبر سنة 1962 قضت المحكمة حضوريا بحبس المتهم مع الشغل ثلاثة أشهر وتغريمه ثلاثة جنيهات وايقاف العقوبتين لمدة ثلاث أشهر من يوم الحكم على أن يكون الايقاف شاملا لجميع الآثار الجنائية المترتبة على هذا الحكم وبمصادرة السلاح والذخيرة المضبوطين. واستنادا الى هذا الحكم أصدر السيد مفتش الطرق والكبارى بأسيوط فى 16 من أكتوبر سنة 1960 قرارا بفصل المطعون ضده من الخدمة.
ومن حيث أن المطعون ضده كان يشغل وظيفة رئيس عمال بمصلحة الطرق والكبارى ممن ينطبق عليهم كادر العمال الذى كان معمولا به حينذاك.
ومن حيث أن المادة 5 من تعليمات المالية رقم 8 - وهى التى تكمل أحكام كادر العمال تنص على أن "عامل اليومية المتهم بجرم موجب للرفت يصير ايقافه مؤقتا عن العمل فى كل حالة. واذا اتضح بعد التحقيق أن العامل برئ تصرف له أجرته عن كل مدة الايقاف، واذا تبينت ادانته يرفت من تاريخ الايقاف المؤقت". ولما كانت هذه التعليمات لم تحدد مدلول عبارة الجرم الموجب للفصل فانه يتعين الرجوع الى أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة الذى كان ساريا حينذاك - لتحديد هذا المدلول باعتبار أن هذا القانون هو القانون العام المنظم لقواعد التوظف وكافة شئون موظفى الدولة.
وتنص المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أن "تنتهى خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة لأحد الأسباب الآتية:
(1)........
(2)........
(3) الحكم عليه فى جناية أو جريمة مخلة بالشرف".
وعلى ذلك فانه يعد من قبيل الجرم الموجب للفصل فى مفهوم التعليمات المالية المشار اليها الحكم على العامل فى جناية ولا يشترط أن تكون الجناية مخلة بالشرف لأن لفظ الجناية ورد فى الفقرة 8 من المادة المنوه عنها مطلقا.
ومن حيث أن المطعون ضده وأن كان قد حكم عليه فى جناية مما يوجب عزله الا أن المحكمة قد قضت بوقف تنفيذ العقوبة وعلى أن يكون الايقاف شاملا لجميع الآثار الجنائية المترتبة على هذا الحكم. وعلى ذلك فان النقطة القانونية مثار النزاع هى ما اذا كان أمر المحكمة بوقف تنفيذ العقوبة، على أن يكون الايقاف شاملا لجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم، يمنع جهة الادارة من انهاء خدمة المحكوم ضده بالتطبيق للفقرة 8 من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 أم لا.
ومن حيث أن كلا من قانون العقوبات وقانون نظام الموظفين رقم 210 لسنة 1951 قد عالج آثار الأحكام التى تصدر بالادانة فى جريمة من جرائم القانون العام على رابطة التوظف. فنص قانون العقوبات على العزل كعقوبة تبعية لكل حكم بعقوبة جناية فى الفقرة الأولى من المادة 25 وكعقوبة تكميلية وجوبية أو جوازية يتعين لتنفيذها أن ينص عليها فى الحكم وذلك فى حالة الحكم بالحبس فى بعض الجنايات والجنح المحددة فى القانون. والعزل وفقا لهذه الأحكام دائم اذا كان عقوبة تبعية ومؤقت اذا كان عقوبة تكميلية. أما العزل المنصوص عليه فى الفقرة 8 من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 فهو عزل دائم أيا كانت العقوبة المحكوم بها فى جناية أو فى جنحة مخلة بالشرف. ولئن كان العزل وفقا لأحكام هذا النص الأخير أوسع مدى مما نص عليه قانون العقوبات الا أنه لا محل للفصل بين المجالين الجنائى والادارى مادام العزل - على أى حال - لا يخرج عن كونه أثرا لصدور حكم جنائى بالادانة، وتحقق هذا الأثر - وفقا لأحكام قانون الموظفين رقم 210 لسنة 1951 فى بعض الأحوال التى لا يتحقق فيها وفقا لأحكام قانون العقوبات - ليس من شأنه أن يغير من طبيعته، وذلك أن العقوبات التى تطبق على المحكوم عليه جنائيا - وأن كان الأصل أن يكون منصوصا عليها فى قانون العقوبات - إلا أن هذا القانون لا يشملها كلها بل أن بعضها قد ورد النص عليه فى قوانين أخرى. فاذا كان القانون رقم 210 لسنة 1951 قد قضى بانتهاء خدمة الموظف المحكوم عليه فى جناية أو فى جريمة مخلة بالشرف، أيا كانت العقوبة المحكوم بها عليه، فانه يكون بهذا الاطلاق والتعميم قد أضاف الى الحالات التى يقع فيها العزل وفقا لقانون العقوبات حالات أخرى. على أن ذلك لا يؤثر على طبيعة العزل اذ أنه يقع فى جميع الأحوال كأثر للحكم الجنائى الصادر بالادانة. أى أن العزل الذى يقع بحكم الفقرة 8 من المادة 107 من قانون الموظفين لا يخرج فى الواقع عن كونه عقوبة تبعية أوردها القانون المذكور.
ومن حيث أن قانون العقوبات ينص فى المادة 55 منه على أنه "يجوز للمحكمة عند الحكم فى جناية أو جنحة بالغرامة أو الحبس مدة لا تزيد على سنة أن تأمر فى نفس الحكم بايقاف العقوبة اذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التى ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بانه لن يعود الى مخالفة القانون ويجب أن تبين فى الحكم أسباب الايقاف ويجوز أن يجعل الايقاف شاملا لأية عقوبة تبعية ولجميع الآثار الجنائية".. وجعل وقف التنفيذ شاملا للعقوبات التبعية أو للآثار الجنائية التى تترتب على الحكم انما هو مبدأ جديد استحدثه قانون العقوبات عند تعديله فى سنة 1937 وقد جاء فى المذكرة الايضاحية بيانا له ما يأتى: "يجوز جعل الايقاف شاملا لأية عقوبة تبعية كمراقبة البوليس والحرمان من حق الانتخاب. كما يجوز أن يشمل جميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم كاعتبار الحكم سابقة فى العود. ولم يكن هذا جائزا فى قانون سنة 1904 وقد اقتبسه المشرع من القوانين الحديثة. أما عن سلطة المحكمة فمتى توافرت الشروط السابق بيانها فيجوز للقاضى أن يأمر بايقاف التنفيذ أى أن الايقاف اختيارى متروك لتقدير القاضى فله أن يأمر به بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسه كما أن له أن يرفضه ومتى أمر بالايقاف تعين عليه أن يذكر أسباب ذلك فى الحكم.
ومن حيث أنه اذا أمر الحكم الجنائى بأن يكون ايقاف التنفيذ شاملا لجميع الآثار الجنائية انصرف هذا الامر الى جميع العقوبات التبعية وغيرها من الآثار الجنائية التى تترتب على الحكم المذكور سواء ورد النص عليها فى قانون العقوبات أو فى غيره من القوانين اذ أن طبيعتها جميعا واحدة ولو تعددت التشريعات التى تنص عليها ما دام أنها كلها من آثار الحكم الجنائى. يؤكد هذا النظر ما ورد فى المذكرة الايضاحية لقانون العقوبات من جواز أن يكون ايقاف التنفيذ شاملا (للحرمان من حق الانتخاب) باعتباره عقوبة تبعية. مع أن هذا (الحرمان) لم يرد النص عليه فى هذا القانون. بل كان عند صدوره فى سنة 1937 منصوصا عليه فى تشريع آخر - هو المرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1935 الخاص بالانتخابات والذى حل محله القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية.
ومن حيث أن محكمة جنايات الفيوم عندما قضت فى حكمها الصادر فى 19 من سبتمبر سنة 1962 - بحبس المطعون ضده ثلاثة أشهر مع الشغل وتغريمه ثلاثة جنيهات - أمرت بايقاف تنفيذ العقوبة على أن يكون الايقاف شاملا لجميع الآثار الجنائية المترتبة على هذا الحكم وعلى ذلك فانها قد استهدفت بحكمها المقترن بايقاف التنفيذ الشامل لجميع الآثار الجنائية المحافظة على مركز المطعون فيه الوظيفى وعدم الاضرار بمستقبله. وكان مؤدى احترام حجية هذا الحكم ابقاء المطعون ضده فى وظيفته وعدم اعمال حكم الفقرة 8 من المادة 107 من قانون الموظفين رقم 210 لسنة 1951 فى حقه باعتبار أن انهاء الخدمة وفقا لحكم هذه الفقرة من الآثار الجنائية التى أوقف الحكم تنفيذها.
واذ ذهبت الجهة الادارية غير هذا المذهب واعتبرت خدمة المطعون ضده منتهية بصدور الحكم المذكور عليه، تكون قد أهدرت حجية هذا الحكم وخالفت أحكام القانون الخاصة بايقاف التنفيذ الشامل لجميع الآثار الجنائية.
وبالتالى يكون القرار الصادر فى 16 من أكتوبر سنة 1960 - بفصل المطعون ضده من الخدمة استنادا الى الحكم المذكور - قد صدر مخالفا للقانون ويكون الحكم المطعون فيه اذ قضى بالغاء القرار المذكور قد صادف الحق فى قضائه وذلك لغير الاسباب التى استند اليها ويكون طعن الجهة الادارية على هذا الحكم فى غير محله حقيقا بالرفض مع الزامها المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا، والزمت الوزارة الطاعنة المصروفات..


بهذا المبدأ قضت المحكمة بنفس الجلسة فى القضية رقم 635 لسنة 9 القضائية.