مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 979

(98)
جلسة 3 من أبريل سنة 1965

برياسة السيد/ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة/ محمد شلبى يوسف وعادل عزيز وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 853 لسنة 7 القضائية

تأديب - دعوى تأديبية - سقوط - مخالفة مالية - ميعاد الخمسة عشر يوما الذى يتعين على الجهة الادارية أن تخطر النيابة الادارية خلاله بنتيجة تصرفها فى الأوراق - ميعاد تنظيمى لا يترتب على تجاوزه، سقوط الحق فى رفع الدعوى التأديبية - مقصور على المخالفات العامة دون المخالفات المالية - اخطار ديوان المحاسبة بالقرارات الصادرة من الجهة الادارية فى شأن المخالفات المالية - لم يحدد له ميعاد.
أن الميعاد الذى نصت عليه المادة 12 من القانون رقم 117 لسنة 1958 باعادة تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية التى أوجبت على الجهة الادارية أن تخطر النيابة الادارية بنتيجة تصرفها فى الأوراق خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ صدور قرارها.. هذا الميعاد أنما هو ميعاد تنظيمى لا يترتب على تجاوزه سقوط الحق فى رفع الدعوى التأديبية اذ المقصود به هو حث الجهة الادارية على التصرف فى الأوراق بالسرعة التى تقتضيها المصلحة العامة فى التأديب - وفضلا عن ذلك فان نص هذه المادة قد ورد فى خصوص المخالفات العامة لا المخالفات المالية التى تحكمها المادة 13 من القانون المذكور.. ولما كانت المخالفة المنسوبة الى الطاعن هى مخالفة مالية لأنها تمس مالية الدولة، كما ورد بقرار الاحالة، فانه يحكمها نص المادة المذكورة الذى جرى على أن "يخطر رئيس ديوان المحاسبة بالقرارات الصادرة من الجهة الادارية فى شأن المخالفات المالية والمشار اليها فى المادة السابقة ولرئيس الديوان خلال خمسة عشر يوما من تاريخ اخطاره بالقرار أن يطلب تقديم الموظف الى المحاكمة التأديبية وعلى النيابة الادارية فى هذه الحالة مباشرة الدعوى التأديبية خلال الخمسة عشر يوما التالية" وهذا النص لم يحدد ميعادا للجهة الادارية لاخطار ديوان المحاسبة.


اجراءات الطعن

فى يوم 19 من فبراير سنة 1961 أودع السيد/ لبيب برسوم عبد السيد المراجع بمكتب بريد شبرا سابقا ووكيل مكتب بريد الأفضل بشبرا حاليا - سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن قيد بجداولها برقم 853 لسنة 7 قضائية فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لموظفى وزارة المواصلات بجلسة 22 من ديسمبر سنة 1960 فى الدعوى التأديبية المقيدة بالمحكمة المذكورة برقم 48 لسنة 1 قضائية وبسجل النيابة الادارية برقم 447 د لسنة 1959 والقاضى بخصم عشرة أيام من راتب الطاعن. وقد طلب الطاعن - للاسباب الواردة بصحيفة طعنه - قبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاته بخصم عشرة أيام من راتبه والحكم ببراءته مما هو منسوب اليه مع الزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.. وقد أعلنت صحيفة الطعن الى النيابة الادارية فى 28 من فبراير سنة 1961. وعقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بمذكرة بالرأى القانونى مسببا انتهت فيها الى أنها ترى قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزام الطاعن بالمصروفات.. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أى من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 11 من أبريل سنة 1964 وأخطر بها ذوو الشأن فى 8 من مارس سنة 1964 وفيها قررت الدائرة التأجيل لجلسة 23 مايو سنة 1964 لضم الدفتر 18 ت والتعليمات الخاصة بمراجعة عملية تسجيل الخطابات وبعد أن تدوول الطعن بالجلسات وقدم الطاعن نسخة من التعليمات العمومية عن الأشغال البريدية الجزء الأول (فى المراسلات) قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا حيث عين لنظره جلسة 16 من يناير سنة 1965 وأخطر بها ذوو الشأن فى 22 من ديسمبر سنة 1964 وفيها قررت المحكمة التأجيل لجلسة 27 من فبراير سنة 1965 وكلفت سكرتيرية المحكمة باخطار السيد مدير عام هيئة البريد لندب أحد المفتشين بالهيئة للحضور فى الجلسة المذكورة لمناقشته فى بعض نقاط الدعوى مع تقديم صورة من التعليمات الخاصة بتسجيل الخطابات المسجلة. وبهذه الجلسة حضر السيد عبد الحميد أحمد الفوال المفتش بالادارة العامة لهيئة البريد وقدم الملف رقم 530 (شبرا مصر) ثم ناقشته المحكمة على التفصيل المبين بالمحضر وقررت أصدار الحكم بجلسة اليوم ورخصت فى تقديم مذكرات ومستندات لمن يشاء الى ما قبل الجلسة بأسبوعين فقدم الطاعن مذكرة فى 17 من مارس سنة 1965 وقدمت النيابة الادارية مذكرة فى 20 من ذات الشهر.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد أستوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - فى أن النيابة الادارية قد أودعت فى 11 من يونية سنة 1959 سكرتيرية المحكمة التأديبية لموظفى وزارة المواصلات تقرير اتهام ضد الطاعن وموظفين آخرين نسبت اليه فيه أنه بوصفه مراجعا بمكتب بريد حدائق شبرا أغفل اتخاذ أى اجراء بشأن واقعة نزع صفحات من الدفتر 18 ث الخاص بتسليم المراسلات المسجلة الى المصالح والمدارس بالرغم من علمه بها وما تتسم به من خطورة، الأمر الذى سهل للفاعل تكرار فعلته هذه الى جانب اهماله فى الاشراف على أعمال مرؤوسيه اذ لم يتنبه الى عدم قيام مستخدمى التسجيل بالتوقيع بالدفتر المذكور الى جوار توقيعات مندوبى المصالح والمدارس واغفالهم ختم بعض الصفحات مما يؤدى اليه من مساس بأموال الدولة.. وأرفقت بتقرير الاتهام مذكرة المراقبة القضائية بديوان المحاسبة المؤرخة فى أول يونية سنة 1959.. وقد جاء بهذه المذكرة أنه قدمت شكوى من ناظرة مدرسة مسرة الابتدائية للبنات بأن مرتبها عن شهر أغسطس سنة 1954 كان قد استخرج به اذن صرف أرسل للمدرسة بطريق البريد بيد أنه لم يصل اليها وصرف لغيرها. وشكوى أخرى من أحد مدرسى مدرسة مسرة الابتدائية للبنين بأنه قد استخرج بالمكافأة المستحقة له عن أعماله بامتحان التوجيهية اذن صرف أرسل للمدرسة ولكنه لم يصله وصرف لغيره فقامت النيابة الادارية بوزارة التربية والتعليم وبهيئة البريد بالتحقيق فى الموضوع واقترحت مجازاة بعض الموظفين وقد قرر السيد مدير عام هيئة البريد توقيع بعض الجزاءات على بعض موظفى الهيئة كما قرر السيد وكيل وزارة التربية والتعليم توقيع جزاءات أخرى على بعض موظفى الوزارة.. ثم أحيلت الأوراق الى ديوان المحاسبة فى 18 من مايو سنة 1959 تطبيقا لحكم المادة 13 من القانون رقم 117 لسنة 1958 فقامت المراقبة القضائية به بفحص الموضوع وتبين لها أن بعض الجزاءات الموقعة لا تتناسب مع جسامة الاهمال وأن هيئة البريد تغاضت عن مؤاخذة كل من السيد/ خليل مجد الله وكيل مكتب بريد حدائق شبرا والسيد/ لبيب برسوم مراجع عملية التسجيل بالمكتب المذكور (الطاعن) بالرغم من ثبوت مسئوليتهما اذ الثابت أن أولهما بالرغم من علمه بواقعة نزع صفحات من الدفتر 18 ث الخاص بتسليم المراسلات المسجلة الى مندوبى المصالح والمدارس قد أغفل اتخاذ أى اجراء بصددها ولم يبلغ الهيئة الأمر الذى سهل لمرتكب هذه الجريمة العودة الى ارتكاب نفس الفعل، هذا الى جانب اهماله فى الاشراف على أعمال مرؤسيه.. كما أن الثانى - بوصفة مراجعا - وقع فى نفس المخالفات المسندة الى الأول. وانتهت المراقبة الى طلب احالة الأوراق الى النيابة الادارية لتتولى اقامة الدعوى التأديبية ضد السادة شفيق نصر الله وصابر شعبان سند ومحمد سيد سيد أحمد وعبد الرحيم أحمد موسى وخليل مجد الله ولبيت برسوم (الطاعن).. فقدمتهم النيابة الادارية للمحاكمة التأديبية أمام المحكمة التأديبية لموظفى وزارة المواصلات فى الدعوى رقم 48 لسنة 1 قضائية بالتهم الواردة بتقرير الاتهام المنوه عنه.. وقد قدم المتهمون الستة مذكرة بدفاعهم مؤرخة فى 12 من أبريل سنة 1960 وقد جاء بها بالنسبة للطاعن أن المراجع المسئول عن الحادثة هو السيد/ عوض عفيفى تاج الدين وقد جازته هيئة البريد بخصم يوم من راتبه ولم يقدم للمحاكمة ومن ثم فلا محل لمسئولية الطاعن ما دام أنه لم يقم بعمل المراجع فى ذلك اليوم..
وبجلسة 22 من ديسمبر سنة 1960 قضت المحكمة التأديبية:
أولا - بخصم خمسة عشر يوما من راتب شفيق نصر الله.
ثانيا - خصم خمسة أيام من راتب كل من صابر شعبان سند ومحمد سيد أحمد وعبد الرحيم أحمد موسى.
ثالثا - خصم عشرة أيام من راتب لبيب برسوم عبد السيد (الطاعن).
رابعا - براءة خليل مجد الله مما نسب اليه.
وأقامت المحكمة قضاءها - بخصم عشرة أيام من راتب الطاعن السيد/ لبيب برسوم عبد السيد - على تبرئته من التهمة الأولى المسندة اليه، وهى علمه بتمزيق بعض صفحات من الدفتر 18 ث وعدم اتخاذه أى اجراء فى هذا الشأن، وادانته فى التهمة الثانية الخاصة باهماله فى الاشراف على أعمال مرءوسيه مستندة فى ذلك الى أنه حتى مع التسليم بأنه لم يكن مسئولا عن مراجعة أعمال المتهمين الثلاثة فى يوم معين اذ كان المسئول عنها فى ذلك اليوم السيد/ عوض عفيفى تاج الدين - فانه كان مكلفا بهذه المراجعة ويتعين لذلك ادانته فى هذه التهمة لأن الاهمال ومخالفة التعليمات الثابتة فى شأن هذا الدفتر بالنسبة للمتهمين الثانى والثالث والرابع كان اهمالا مستمرا ومخالفة مستمرة ولو أن المتهم السادس (الطاعن) قام بالمراجعة الفعلية فى يوم من الأيام لتعين عليه أن يكشف هذا الاهمال وهذه المخالفة ولقام بارشاد هؤلاء المستخدمين الى ما يجب عليهم عمله فى شأن هذا الدفتر ولكنه لم يقم بالمراجعة المفروضة عليه فاستمروا فى اهمالهم لا يشعرون به ولا يشعر به أحد حتى وقعت الواقعة وظهر الاهمال فاعترفوا به معللين موقفهم بأنهم يجهلون التعليمات.. ورأت المحكمة أخذ هذا المتهم بالشدة لأنه - وان كانت قد رأت تخفيف الجزاء عن المتهمين الثلاثة المذكورين لحداثة عهدهم بالخدمة ووجود مراجع مسئول عن أعمالهم يشاهد اهمالهم البالغ الخطورة ولا يتحرك لتنبيههم - فان ذلك يكون داعيا لتخفيف الجزاء عنهم بقدر ما هو داع لتشديد العقاب على هذا المراجع.. وقد طعن المتهم المذكور فى هذا الحكم بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة الادارية العليا فى 19 من فبراير سنة 1961 طالبا الحكم بقبول طعنه شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاته بخصم عشرة أيام من راتبه والحكم ببراءته مما هو منسوب اليه مع الزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماه.. وبنى طعنه على سببين أولهما سقوط الدعوى لعدم رفعها فى الميعاد والثانى انعدام السبب لمساءلته وخطأ الحكم فى تحصيل فهم الواقع فى الدعوى.. وقال - فى بيان السبب الأول - أن الثابت من الأوراق أن الهيئة العامة للبريد أصدرت قرارا فى 17 من فبراير سنة 1959 قضى بمعاقبة خمسة من موظفيها ولم يتم اخطار ديوان المحاسبة بارسال الأوراق اليه الا فى 18 من مايو سنة 1959 وأحيلت الأوراق الى النيابة الادارية فى أول يونيه سنة 1959 أى بعد أكثر من ثلاثة شهور على خلاف ما تقضى به المادة 12 من القانون رقم 117 لسنة 1958 التى توجب على الجهة الادارية أن تخطر النيابة الادارية بنتيجة تصرفها فى الأوراق خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ صدور قرار الجهة الادارية. وقال الطاعن فى بيان السبب الثانى من أسباب الطعن أن اختصاصه - طبقا لنظام العمل وتعليمات الهيئة - ينحصر فى احصاء مجموع الخطابات المسجلة التى وردت من مختلف الجهات ومن واقع الاستمارات رقم 4 ث المرفقة مع الخطابات وقت ورودها ومطابقة هذا المجموع على اجمالى البيانات المقيدة فى دفاتر الوارد 18 ث وغيره فاذا اتضح أن مجموع الخطابات الواردة يطابق الاجمالى حسب البيان بالدفتر 18 ث كانت العملية صحيحة وقد ثبت قيامه بذلك فعلا على الوجه الأكمل ومن ثم فلا وجه لمساءلته عن اهمال مراجعة أعمال مستخدمى التسجيل فى الدفتر 18 ث لأنه فى عهدتهم وهم المسئولون عن تركه بين أيدى مندوبى المدارس والمصالح وهم كذلك الذين أغفلوا التوقيع بجانب توقيعات المندوبين ولم يقوموا بختم بعض صفحات الدفتر وهو عمل روتينى لا أهمية له ما دام التاريخ مكتوبا باليد - وقد كانت اللائحة تعاقب عليه بغرامة خمسة مليمات رفعت فى اللائحة الجديدة الى 200 مليم فمن غير المعقول أن يعاقب عليها مستخدمو التسجيل بخصم خمسة أيام ويعاقب هو (أى الطاعن) بصفته مراجعا بخصم عشرة أيام.. ثم أضاف الطاعن قائلا أن الحكم المطعون فيه قد خلط بين عمليتين مختلفتين هما عملية الاشراف والتوجيه وعملية المراجعة.. وكذلك لأن العملية الأولى من اختصاص رئيس العمل وهو وكيل المكتب وهو الموظف الذى قضى الحكم المطعون فيه ببراءته. أما العملية الثانية وهى المراجعة فمن اختصاصه هو وتنحصر كما سبق القول فى التحقق من أن جميع الخطابات المسجلة التى وردت للمكتب قد تم قيدها بالدفاتر المخصصة لها فى نفس اليوم.. وقد عقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بمذكرة بالرأى القانونى مسببا انتهت فيها الى أنها ترى قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزام الطاعن بالمصروفات.. واستندت فى ذلك الى أن المطاعن الموجهة الى الحكم المطعون فيه فى غير محلها.. وقالت فى بيان ذلك أن الوجه الأول من الطعن المتعلق بسقوط الدعوى لعدم رفعها فى الميعاد تطبيقا لأحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 فان هذا الدفع فى غير محله لأن حق الاعتراض فى الاجل المقرر بالمادة 13 من القانون المذكور معقود لديوان المحاسبة وليس لجهة الادارة.. والواقع أن هذا الديوان قد اعترض على القرار فى الموعد المقرر كما أقامت النيابة الادارية الدعوى التأديبية فى الموعد المرسوم.. أما عن الوجه الثانى الخاص بالموضوع فان مسئولية الطاعن ثابتة من التحقيقات لأن اختصاص المراجعة المسند اليه لا يقف عند عملية شكلية احصائية.. وانما واجب المراجعة تقتضيه التنبيه لواقعة نزع الصفحات من الدفتر 18 ث والكشف عن اهمال الموظفين التوقيع بجانب توقيعات المندوبين وأغفال ختم بعض الصفحات بخاتم المكتب وهذا من صميم أعمال المراجعة المكلف بها الطاعن.. وبجلسة 27 من فبراير سنة 1965 ناقشت المحكمة السيد/ عبد الحميد أحمد الفوال المفتش بالادارة العامة لهيئة البريد الذى ندبه السيد مدير عام الهيئة لهذا الغرض فى اختصاصات الطاعن ومسئوليته فى مراجعة أعمال مرءوسيه وعلى الأخص مراجعة الدفتر 18 ث فقرر أن من اختصاص المراجع بالنسبة لهذا الدفتر مراجعة المراسلات الواردة التى يقيد كل نوع منها على حده ومطابقة عدد كل نوع والتحقيق من أن الاجماليات تعطى أجمالى القيمة الواردة وأنه يقوم بهذه المراجعة يوميا ولا يقوم بعد ذلك بالمراجعة عن الأيام السابقة. كما قرر أنه غير مطلوب من مستخدم التسجيل أن يوقع بجانب مندوب المصلحة فى الدفتر (18 ث) لأن هذا المندوب معروف له ويحمل توكيلا وواجبه ملاحظته فقط والتحقق من توقيعه.. ثم قدم الطاعن مذكرة أحال فيها الى ما جاء بصحيفة الطعن وأضاف اليه أن أقوال مفتش البريد الذى أوفدته الهيئة وناقشته المحكمة تؤيد دفاعه جملة وتفصيلا.. وقال فى بيان ذلك أن الخطابات المسجلة ترد للمكتب داخل كيس مغلق ومعها الاستمارة (4 ث) مقيدا عليها بيان تفصيلى لهذه الخطابات.. وبعد فتح هذه الخطابات وختمها تقيد فى الدفاتر المخصصة لكل منها من أصل وصورة - ومن هذه الدفاتر الدفتر (18 ث) الذى يستعمل عادة للبنوك والمصالح والمدارس - ثم يسلم الأصل ومعه الخطابات المقيدة به لمندوبى تلك الجهات عند حضورهم للمكتب بعد قيامهم بالتوقيع أمام المستخدم المختص على الصورة.. وفى نهاية العمل يوميا يقوم المستخدم المذكور بعمل احصاء للخطابات الواردة.. ثم يقوم مراجع المكتب فى نهاية اليوم بمراجعة أعمال التسجيل وذلك بجمع الخطابات الواردة بالأكياس والمقيدة بالاستمارة (4 ث) وبيان توزيع قيدها اجماليا فى الدفاتر ومطابقة هذا البيان على العملية الاحصائية التى قام برصدها المستخدم بالدفاتر ثم يقوم فى نفس الوقت بمراجعة هذه البيانات على دفتر الاحصاء اليومى المبين به اجمالى الوارد وبيان القيد فى كل دفتر ويوقع المراجع قرين هذا البيان يوميا اقرارا منه أن كافة الاحصائيات صحيحة.. ثم أضاف الطاعن أن السيد المفتش قرر أنه لا أهمية لتوقيع مستخدم التسجيل بجانب توقيع مندوب الجهة صاحبة الخطاب كما قرار أن عملية التسجيل تتم عادة قبل أن يتسلم المندوب الخطابات الخاصة به وكثيرا ما يتم الاستلام فى اليوم التالى لورودها للمكتب.. وأن الثابت من أوراق الطعن أن مندوب المدرسة هو الذى تسلم المراسلات موضوع التحقيق ووقع باستلامها فعلا أمام مستخدم التسجيل بمكتب بريد شبرا ولم يدع أحد مطلقا أن الذى تسلم الخطابات كان شخصا آخر.. أما اختلاس قيمة اذونات البريد التى كانت داخل بعض الخطابات فقد تم بواسطة المندوب نفسه الذى اختلس الاذونات وصرف قيمتها من مكتب بريد آخر هو مكتب بريد حدائق شبرا منتحلا شخصية أصحابها.. وقال الطاعن بالنسبة لعدم ختم بعض صفحات الدفتر 18 ث عند التسليم أنه لا أهمية له ما دام التاريخ مكتوبا باليد والدليل على ذلك أن الدفتر 18 ث ذا الحجم الصغير لا يوجد به مكان مخصص للختم كما فى الدفتر ذى الحجم الكبير وأن عدم الختم حتى فى الأحوال الضرورية يعتبر مخالفة تافهة وفوق ذلك فان المراجعة تتم دائما فى يوم وصول المراسلة بينما ختم الاستلام لا يكون الا عند حضور المندوب للاستلام وهو غالبا لا يكون الا فى اليوم التالى.. وانتهى الطاعن من ذلك الى أنه برئ مما نسب اليه وأن ادانته قامت على سوء فهم لاختصاصه وعملية المراجعة.. وختم مذكرته بأن الطاعن كان دائما طوال مدة خدمته - التى جاوزت الأربعين عاما - قائما بعمله المرهق المضنى على أكمل وجه ولم يسبق توقيع جزاء عليه وطلب لذلك الحكم بالغاء الحكم المطعون فيه وبراءته مما هو منسوب اليه.. وقد قدمت النيابة الادارية مذكرة ردت فيها على الدفع بسقوط الحق فى رفع الدعوى التأديبية بأن الميعاد المنصوص عليه بالمادة 12 من القانون رقم 117 لسنة 1958 انما هو ميعاد تنظيمى يقصد به حث الجهة على التصرف فى الأوراق.. وهو على غرار الميعاد المنصوص عليه فى المادة 13 من ذات القانون.. فضلا عن أن المخالفة المسندة الى الطاعن هى مخالفة مالية لا ادارية يحكمها نص المادة 13 والذى لم يحدد ميعادا للجهة الادارية لاخطار ديوان المحاسبة ولذلك فان استشهاد الطاعن بنص المادة 12 يكون فى غير محله.. أما بالنسبة لموضوع الطعن فقد قالت النيابة أن المحكمة استدعت أحد مفتشى البريد وسألته فأدلى بالاجابات التى طلبتها المحكمة فقرر بوضوح أن من أعمال المراجع الاشراف على أعمال مرءوسيه ومراجعة كافة أعمالهم ومنها الدفتر (18 ث) ويكفى هذا القدر من الاجابة ليتضح أن الحكم المطعون فيه لم يحد عن جادة الصواب اذ انتهى الى ادانة الطاعن وطلبت النيابة الادارية لذلك الحكم برفض الطعن والزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماه.
ومن حيث أنه عن السبب الأول من أسباب الطعن الخاص بسقوط الدعوى التأديبية لعدم رفعها فى الميعاد بمقولة أن المادة 12 من القانون رقم 117 لسنة 1958 باعادة تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية قد أوجبت على الجهة الادارية أن تخطر النيابة الادارية بنتيجة تصرفها فى الأوراق خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ صدور قرارها.. والثابت أن النيابة لم تخطر الا بعد أكثر من ثلاثة أشهر - فانه فضلا عن أن هذا الميعاد المنصوص عليه فى تلك المادة انما هو ميعاد تنظيمى لا يترتب على تجاوزه سقوط الحق فى رفع الدعوى التأديبية وانما المقصود به هو حث الجهة الادارية على التصرف فى الأوراق بالسرعة التى تقتضيها المصلحة العامة فى التأديب - فضلا عن ذلك فان نص هذه المادة قد ورد فى خصوص المخالفات العامة لا المخالفات المالية التى تحكمها المادة 13 من القانون المذكور.. ولما كانت المخالفة المنسوبة الى الطاعن هى مخالفة مالية لأنها تمس مالية الدولة، كما ورد بقرار الاحالة، فانه يحكمها نص المادة المذكورة الذى جرى على أن "يخطر رئيس ديوان المحاسبة بالقرارات الصادرة من الجهة الادارية فى شأن المخالفات المالية والمشار اليها فى المادة السابقة ولرئيس الديوان خلال خمسة عشر يوما من تاريخ اخطاره بالقرار أن يطلب تقديم الموظف الى المحاكمة التأديبية وعلى النيابة الادارية فى هذه الحالة مباشرة الدعوى التأديبية خلال الخمسة عشر يوما التالية" وهذا النص لم يحدد ميعادا للجهة الادارية لاخطار ديوان المحاسبة. كما أن الثابت من الأوراق أن ديوان المحاسبة قد أخطر فى 18 من مايو سنة 1959 وقد طلب محاكمة الطاعن تأديبيا فى أول يونيه سنة 1959 - أى فى خلال الميعاد المنصوص عليه بتلك المادة.. وبذلك ينهار السبب الأول من أسباب الطعن.
ومن حيث أن عن السبب الثانى من أسباب الطعن وهو الخاص بموضوع الاتهام فان الثابت من قرار الاتهام أن النيابة الادارية قد وجهت للطاعن تهمتين: الأولى انه أغفل اتخاذ أى اجراء بشأن واقعة نزع صفحات من الدفتر (18 ث) الخاص بتسليم المراسلات المسجلة الى المصالح والمدارس بالرغم من علمه بذلك وبما يتسم به من خطورة، الأمر الذى سهل للفاعل تكرار فعلته.. الثانية: أنه أهمل فى الاشراف على أعمال مرؤوسيه اذ لم يتنبه الى عدم قيام مستخدمى التسجيل بالتوقيع بالدفتر الى جوار توقيعات مندوبى المصالح والمدارس وأغفالهم ختم الصفحات.. وقد برأته المحكمة التأديبية بحكمها المطعون فيه من التهمة الأولى وادانته فى التهمة الثانية ولم تطعن النيابة الادارية فى هذا الحكم. وبذلك يكون الطعن مقصورا على التهمة الثانية التى أدين فيها الطاعن.
ومن حيث أنه عن هذه التهمة الثانية فانها من جزءين:
الأول: أن الطاعن، بوصفه رئيسا لمستخدمى التسجيل ومن واجبه مراجعة أعمالهم، لم يتنبه الى عدم قيامهم بالتوقيع بالدفتر (والمقصود هو الدفتر 18 ث الخاص بالمصالح والمدارس) الى جوار توقيعات مندوبى تلك المصالح والمدارس..
والجزء الثانى: أن الطاعن، بصفته السابقة، لم يتنبه الى اغفال مستخدمى التسجيل ختم صفحات ذلك الدفتر.
ومن حيث أنه عن الجزء الأول من التهمة المذكورة فان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة 27 من فبراير سنة 1965 التى تم بها مناقشة السيد مفتش هيئة البريد الذى ندبه السيد مدير عام تلك الهيئة أنه قرر أنه "غير مطلوب من مستخدم التسجيل أن يوقع بجانب مندوب المصلحة على الدفتر (18 ث) لأنه معروف له ويحمل توكيلا والواجب على مستخدم التسجيل هو ملاحظته فقط والتحقق من توقيعه".. وعلى ذلك، ومتى ثبت أن مستخدمى التسجيل لا يوقعون بجانب مندوبى المصلحة فانه لا وجه لمساءلة الطاعن، بصفته باديه الذكر، بأنه لم يتنبه الى عدم قيام هؤلاء المستخدمين بالتوقيع بجوار أولئك المندوبين.. وبذلك ينهار الجزء الأول من التهمة المنوه عنها.. فاذا كانت المحكمة التأديبية - فى حكمها المطعون فيه - قد أدانت الطاعن عن هذا الجزء فانها تكون قد استخلصت ذلك استخلاصا غير سائغ مما يعيب حكمها فى هذا الشأن.. ويتعين لذلك الغاؤه فى هذا الشق من قضائه والقضاء بتبرئة الطاعن من الجزء الأول من التهمة التى أدانته فيها المحكمة التأديبية.
ومن حيث انه عن الجزء الثانى من هذه التهمة - وهو أن الطاعن لم يتنبه الى اغفال مستخدمى التسجيل عدم ختم الدفتر المنوه عنه - فان الثابت من أوراق الطعن من الصفحات المقدمة من الطاعن من الدفتر 18 ث محل الاتهام أنه يتحتم على مستخدم التسجيل أن يختم الدفتر (18 ث) ختمين أحدهما فى أعلى الدفتر عند ورود الخطابات وقيدها بهذا الدفتر والثانى فى أسفله عند تسليم هذه الخطابات الى مندوب المصلحة فاذا أغفل ذلك كان مخالفا للتعليمات.. ولما كان الثابت من مناقشة مفتش هيئة البريد أنه يتعين على الطاعن - بوصفه مراجعا بمكتب البريد ورئيسا لمستخدم التسجيل - أن يراجع فى نهاية العمل يوميا عدد الخطابات التى ترد للمكتب مقيدة على الاستمارة (4 ث) ويتحقق من قيدها جميعا بالدفاتر المعدة ومنها الدفتر (18 ث) الخاص بالمصالح والمدارس والبنوك ويراجع ذلك على دفتر الاحصاء اليومى المبين به اجمالى الوارد. وليس عليه أن يراجع هذه الدفاتر عن الأيام السابقة.. فاذا كان مستخدم التسجيل قد أغفل ختم الدفتر (18 ث) موضوع الدعوى التأديبية من أعلى عند ورود الخطابات وقيدها به فانه يكون قد خالف التعليمات وكان يتعين على الطاعن أن يتنبه الى هذه المخالفة ويطلب الى مستخدم التسجيل القيام بما أغفله من اجراء هذا الختم.. فان كان الطاعن لم يفعل فانه يكون قد أخل بواجبات وظيفته مما يتعين معه مساءلته عن ذلك.. أما ختم الدفتر المذكور من أسفل عند تسليم هذه الخطابات لمندوب المصلحة فان الثابت أن التسليم يتم فى اليوم التالى لورود الخطابات بعد قيام المراجع بعملية المراجعة المنوه عنها كما قرر الطاعن أن الختم عند التسليم لا أهمية له ما دام التاريخ مكتوبا باليد واستند فى ذلك الى أن الدفتر (18 ث) ذا الحجم الصغير لا يوجد به مكان مخصص للختم كما فى الدفتر ذى الحجم الكبير. وقد بان للمحكمة من الاطلاع على أحدى صفحات الدفترين المقدمين من الطاعن صحة ما ذهب اليه.. ومن ثم فانه لا وجه لمساءلته عن أنه لا يتنبه الى أغفال مستخدمى التسجيل ختم الدفتر (18 ث) المنوه عنه من أسفل عن تسليم الخطابات المقيدة به خاصة وأنه ليس من عمله باعتباره مراجعا مراجعة الدفتر المذكور عن العمل به فى الأيام السابقة على ورود الخطابات وقيدها به - على ما قرره مفتش هيئة البريد عند مناقشته.
ومن حيث أنه لما تقدم يكون الثابت قبل الطاعن أنه لم يتنبه الى أغفال مستخدمى التسجيل ختم الدفتر المنوه عنه من أعلى عند ورود الخطابات وقيدها بذلك الدفتر ويتعين مساءلته عن ذلك التقصير فقط وتبرئته مما عدا ذلك من الاتهام الموجه اليه فى التهمة الثانية من التهمتين المنسوبتين اليه بقرار الاحالة. فاذا كانت المحكمة التأديبية بحكمها المطعون فيه قد أدانته عن هذه التهمة بأكملها وقضت بمجازاته عنها بخصم عشرة أيام من راتبه فانها تكون قد جانبت الصواب ويتعين لذلك القضاء بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بالجزاء المناسب عما ثبت قبل الطاعن من هذه التهمة وترى المحكمة الاكتفاء بمجازاته عن ذلك بالانذار مع الزام هيئة البريد بمصروفات الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبمجازاة لبيب برسوم عبد السيد بالانذار وألزمت هيئة البريد المصروفات.