مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 990

(99)
جلسة 3 من أبريل سنة 1965

برياسة السيد الأستاذ/ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة. وعضوية السادة الأساتذة/ محمد شلبى يوسف وعادل عزيز وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 1596 لسنة 7 القضائية

( أ ) براءة اختراع - شروط منحها وفق القانون رقم 132 لسنة 1949 بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية: أن يكون هناك ابتكار أو اختراع وأن يكون الاختراع جديدا وأن يكون قابلا للاستغلال الصناعى.
(ب) محكمة ادارية عليا - دعوى الالغاء - سلطة محكمة القضاء الادارى أو المحاكم الادارية فى فهم الواقع أو الموضوع بدعوى الالغاء - ليست سلطة قطعية تقصر عنها سلطة المحكمة الادارية العليا.
(جـ) براءة اختراع - شرط الجدة فيها - قبول ادارة براءات الاختراع منح البراءة لطالبها - لا يؤخذ فى حد ذاته دليلا على توافر الجدة فى الاختراع موضوع البراءة - لا يحد من حرية القضاء الادارى فى مجال هذا البحث - أساس ذلك من القانون رقم 132 لسنة 1949 المعدل بالقانون رقم 650 لسنة 1955 والمذكرة الايضاحية لكل منهما واللائحة التنفيذية.
1 - نصت المادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية على ما يأتى "تمنح براءة اختراع وفقا لأحكام هذا القانون عن كل ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعى سواء أكان متعلقا بمنتجات صناعية جديدة أم بطرق أو وسائل صناعية مستحدثة أم بتطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية معروفة" ويتضح من هذا النص أنه يشترط لمنح براءة الاختراع أن يكون هناك ابتكار أو اختراع، وأن يكون هذا الاختراع جديدا، وأن يكون قابلا للاستغلال الصناعى، وفيما يتعلق بالشرط الأول فان المقصود بالاختراع هو تقديم شئ جديد للمجتمع أو أيجاد شئ لم يكن موجودا من قبل وقوامه أو مميزه أن يكون ثمرة فكرة ابتكارية أو نشاط ابتكارى يجاوز الفن الصناعى القائم، فلا يعد من قبيل المخترعات التنقيحات أو التحسينات التى لا تضيف جديدا الى الفن الصناعى القائم أو التعديلات الجزئية غير الجوهرية التى لا تغيب عن رجل الصناعة المتخصص فى حدود المعلومات الجارية، والتى هى وليدة المهارة الحرفية وحدها، ومثل هذه الصور تدخل فى نطاق الصناعة لا فى نطاق الاختراع، أما الشرط الثانى فهو أن يكون الاختراع جديدا بأن لا يكون سره قد ذاع قبل طلب البراءة عنه.
والحكمة من هذا الشرط أن ما خوله القانون لمالك البراءة من حق استئثارى مقصور عليه فى استغلال الاختراع ان هو الا مقابل لما أهداه للهيئة الاجتماعية من أسرار صناعية، فاذا لم تظفر منه بالجديد منها انتفى المقتضى لتخويله الاستئثار بالاستغلال ولحرمان غيره منه، على أن الشارع المصرى لم يشأ أن تكون هذه الجدة مطلقة، على غرار ما انتهجه الشارع الفرنسى الذى أخذ بمبدأ الجدة المطلقة فى الزمان وفى المكان بل قيد نطاقها ورسم ضوابطها بما نص عليه فى المادة الثالثة من القانون التى جرى نصها بما يلى: "لا يعتبر الاختراع جديدا كله أو جزء منه فى الحالتين الآتيتين:
( أ ) اذا كان فى الخمسين سنة السابقة لتاريخ تقديم طلب البراءة قد سبق استعمال الاختراع بصفة علنية فى مصر أو كان قد شهر عن وصفه أو عن رسمه فى نشرات أذيعت فى مصر وكان الوصف أو الرسم الذى نشر من الوضوح بحيث يكون فى امكان ذوى الخبرة استغلاله.
ب - اذا كان فى خلال الخمسين سنة السابقة على تاريخ تقديم طلب البراءة قد سبق أصدار براءة عن الاختراع أو عن جزء منه لغير المخترع أو لغير من آلت اليه حقوقه أو كان قد سبق للغير أن طلب براءة عن الاختراع ذاته أو عن جزء منه فى المدة المذكورة".
2 - ليس لمحكمة القضاء الادارى أو للمحاكم الادارية فى دعوى الالغاء سلطة قطعية فى فهم "الواقع" أو "الموضوع" تقصر عنها سلطة المحكمة الادارية العليا، والقياس فى هذا الشأن على نظام النقض المدنى هو قياس مع الفارق.
3 - ورد بالمذكرة الايضاحية للقانون رقم 650 لسنة 1955 المعدل لبعض أحكام القانون رقم 132 لسنة 1949 ما يأتى "ولما كان القانون قد صدر ولم يأخذ بنظام الفحص السابق سواء بالنسبة لبراءات الاختراع أو الرسوم والنماذج الصناعية للأسباب التى وردت فى مذكرته الايضاحية ومؤدى ذلك أن القانون لا يطالب الادارة المختصة بأن تتحقق من جدة الصنف المقدم للتسجيل..." كما جاء بالمذكرة الايضاحية لمشروع القانون رقم 132 لسنة 1949 ما يلى "وهناك نظامان رئيسيان فيما يتعلق ببراءات الاختراع: أحدهما النظام الفرنسى وهو يقوم على منح البراءة بمجرد الايداع دون فحص أو معارضة. والثانى النظام الانجليزى وهو يقوم على منح البراءة بعد الفحص الدقيق للتحقق من توافر العناصر الموضوعية التى يستلزمها القانون فى الاختراع مع فتح باب المعارضة... واذا كان من غير الملائم أن تأخذ مصر وهى فى أبان نهضتها الصناعية بالنظام الفرنسى الذى بدأت الدول تعدل عنه كما أنه ليس من الميسور عملا أن نبدأ بالأخذ بالنظام الانجليزى (وها هى ايطاليا بعد أن عدلت نظامها فى سنة 1934 من الايداع الى الفحص السابق لم تتمكن من تطبيق النظام الأخير جملة واضطرت الى تأجيل تنفيذه) اذا كان ذلك كذلك فقد رؤى اتباع طريق وسط. لهذا آثر المشروع أن يحتذى المشرع فى الأخذ بطريقة الايداع المقيد بشروط خاصة ولكنه زاد عليها فتح باب المعارضة للغير كما هو الشأن فى قوانين المجر ويوغسلافيا وجنوب أفريقيا وبذلك يمكن تحقيق بعض نتائج نظام الفحص الكامل وقد توخى المشروع أن يكون بالادارة الحكومية القائمة على التنفيذ لجنة تفصل فى المنازعات المتعلقة ببراءة الاختراع مع اجازة الطعن أحيانا فى قراراتها أمام القضاء. والنظام المقترح يؤدى الى تدريب الأداة الحكومية الجديدة وتكوين نواة من الفنيين تمكن فى المستقبل من الأخذ بالنظام الانجليزى المعتبر فى المجال الدولى نظاما نموذجيا" وواضح من عبارات هاتين المذكرتين الايضاحيتين ومن نصوص القانون رقم 132 لسنة 1949 ولائحته التنفيذية أن المشرع لم يأخذ فيما يتعلق بمنح براءات الاختراع بنظام "الفحص السابق" فلم يلق على عاتق الادارة المختصة بهذه البراءات واجب التثبت من أن طلب البراءة منصب على ابتكار جديد، وانما ناط بها فقط - فى المادة 18 من القانون - فحص طلب البراءة ومرفقاته للتحقق مما يأتى:
(1) أن الطلب المقدم وفقا لأحكام المادة 15 من القانون، وهى تقضى بأن يقدم الطلب الى ادارة البراءات من المخترع أو ممن آلت اليه حقوقه وفقا للائحة التنفيذية وبأنه لا يجوز أن يتضمن الطلب أكثر من اختراع واحد.
(2) أن الوصف والرسم يصوران الاختراع بكيفية تسمح لأرباب الصناعة بتنفيذه.
(3) أن العناصر المبتكرة التى يطلب صاحب الشأن حمايتها واردة فى الطلب بطريقة محددة وواضحة - فاذا توافرت هذه الشروط تعين طبقا للمادة 20 من القانون أن تقوم ادارة براءات الاختراع بالاعلان عن الطلب بالطريقة التى تحددها اللائحة التنفيذية تمكينا لذوى الشأن من المعارضة باخطار كتابى فى اصدار البراءة، وعلى مقتضى حكم المادة 28 من اللائحة التنفيذية فانه اذا لم تقدم معارضة فى اصدار البراءة أو قدمت وصدر قرار أو حكم برفضها وجب على ادارة البراءات استصدار قرار بمنحها، وبذلك لا يكون المشرع قد تطلب فى الموافقة على طلب البراءة أن يكون قد سبقها فحص توافر الشروط الموضوعية للاختراع، وفى ضوء ما تقدم فان قبول ادارة البراءات منح البراءة لطالبها لا يؤخذ فى حد ذاته حجة أو دليلا على توافر الجدة فى الاختراع موضوع البراءة ولا يحد بالتالى من حرية القضاء الادارى فى مجال هذا البحث.


اجراءات الطعن

فى يوم السبت الموافق 12 من أغسطس سنة 1961 أودع محامى السيد/ مير كورى ديمترى كليميس تقرير طعن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بجلسة 13 من يونيو سنة 1961 فى القضية رقم 1269 لسنة 13 القضائية المقامة من جورج. ن. خريستودولو ومحمد حسن مصطفى وشركاهم ضد الطاعن ووزير التجارة ومدير مراقبة براءات الاختراع، والقاضى بابطال براءة الاختراع رقم 1195 فئة 15 والصادر فى 8 من فبراير سنة 1958 من مصلحة الملكية الصناعية بوزارة التجارة باسم الطاعن ميرو كورى ديمترى كليميس والخاصة باختراع مادة حبر أسود للطباعة عموما ولطباعة الجرائد خصوصا مع الزام الطاعن بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش أتعاب محاماة، وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه الصادر من محكمة القضاء الادارى بتاريخ 13 من يونيو سنة 1961 فى القضية رقم 1269 سنة 63 قضائية والحكم برفض دعوى المطعون ضدها الأولى مع الزامها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين، وقد أعلن تقرير الطعن الى المطعون ضدها الأولى (شركة جورج. ن. خريستودولو ومحمد حسن مصطفى وشركاهم) فى 7 من ديسمبر سنة 1961 والى المطعون ضده الثانى (وزير الاقتصاد) فى 19 من أغسطس سنة 1961 والى المطعون ضده الثالث (مدير مراقبة براءات الاختراع) فى 2 من سبتمبر سنة 1961، وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 8/ 6/ 1963 وتأجل لجلسة 19/ 10/ 1963 وفيها قررت الدائرة أحالة الطعن على المحكمة الادارية العليا (دائرة أولى) حيث حدد لنظره جلسة 21/ 12/ 1963 وتدوول الطعن بالجلسات وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوما لسماعه من ايضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت أصدار الحكم بجلسة اليوم.


"المحكمة"

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع ايضاحات ذوى الشأن وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل فى أن الطاعن مير كورى ديمترى كليميس تقدم فى 28 من شهر مارس سنة 1954 بطلب براءة اختراع، وقبل طلبه فى 8 من فبراير سنة 1958 وصدرت البراءة برقم 1195 بتاريخ أول أغسطس سنة 1959، وهذا الاختراع خاص بمادة كيماوية لصناعة حبر أسود يستعمل للطباعة عموما وعلى الاخص لطباعة الجرائد، وذكر بالبراءة أن العناصر الجديدة موضوع الحماية هى:
(1) كل صناعة الحبر الاسود الذى مادته الاساسية الزيت المعدنى المستعمل أو الذى أعيد استصلاحه للاستعمال.
(2) كل صناعة الحبر الأسود الذى يكون اللون الاسود الداخل فى صناعته مأخوذا بطريقة خلطه مع الزيت بواسطة سحبه بصفة مستمرة مع مادة هبو الدخان.
وبالصحيفة المودعة سكرتيرية محكمة القضاء الادارى فى 2 من سبتمبر سنة 1959 أقامت المطعون ضدها الأولى (شركة جورج. ن. خريستو دولو ومحمد حسن مصطفى وشركاهم) الدعوى رقم 1269 لسنة 13 قضائية ضد الطاعن ووزير التجارة ومدير مراقبة براءات الاختراع طالبة الحكم بابطال براءة الاختراع المشار اليها مستندة فى دعواها، كما يستخلص من المذكرات المقدمة منها، الى أن موضوع البراءة المطعون عليها ليس جديدا وانما سبق استعماله بصفة علنية فى مصر خلال الخمسين سنة السابقة على صدور البراءة، وأول (فابريقة) مصرية لصناعة حبر الطباعة محمد حسن مصطفى وشركاه الداخلة فى شركة مصر الصناعية والتجارية محمد حسن وخريستو دولو وشركاهم شركة مصرية تأسست بالاسكندرية منذ سنة 1935 وكانت تصنع حبرا أسود لطباعة الجرائد منذ تاريخ تأسيسها مستعملة المواد الأولية التى يدعى المدعى عليه الأول (الطاعن) أنه اخترع استعمالها ببراءته ومنها الزيوت المعدنية المستعملة والمجددة وكانت تبيع هذا الحبر للجرائد والمطابع فضلا عن تصديره الى الخارج، كما أن هناك شركات أخرى قائمة منذ أمد بعيد وتصنع حبر طباعة الجرائد بنفس المواد الأولية المبينة ببراءة اختراع المدعى عليه الأول - وذكرت الشركة المدعية أيضا أن صناعة حبر الطباعة عموما تدخل فيها أساسا الزيوت المعدنية المستعملة والتى أعيد استصلاحها مع اضافة اللون الأسود الذى يطلق عليه هبو الدخان، والحبر الأسود الخاص بالطباعة معروف منذ اكتشاف البترول نفسه، ولقد تعرضت معظم الكتب العلمية الحديثة والقديمة الى هذه الصناعة بالشرح ومنها كتاب (Protective & Decoration Contings) الموجود بمكاتب الجمهورية العربية منذ تاريخ صدوره سنة 1943 والذى جاء بالصحيفة 630 منه أنه بعد فترة قصيرة من اكتشاف البترول فى بنسلفانيا سنة 1859 استعملت بعض أصنافه الغير نقية فى صناعة الحبر الأسود الخاص بطباعة الجرائد كما جاء بالصحيفة 633 منه أن الحبر الأسود الخاص بطباعة الجرائد يصنع من الزيوت المعدنية الرديئة (السوداء) وأسود الكربون، واذا وضع فى الاعتبار أن الزيوت المعدنية المستعملة عند استصلاحها تعود الى أصلها وتعادل الزيوت الجديدة تماما كما تدل على ذلك براءة الاختراع رقم 794 فئة رقم 3 باسم عبد الحليم محمود على والخاصة بطريقة لاعادة الزيوت الى أصلها وكما جاء فى كتاب (Lubrifiants de graissge et D, Usivage),

اذا وضع هذا فى الاعتبار فانه يبين أن براءة اختراع المدعى عليه الأول لم تأت بجديد هذا الى أن القول بأنه لو كانت طريقة صنع المواد حسب اختراع المدعى عليه مطابقة للطرق المعروفة لاعترضت ادارة براءات الاختراع ولما تم تسجيل اختراعه هذا القول مردود بأن القانون الخاص ببراءات الاختراع لم يأخذ بنظام الفحص السابق، وقد قدمت الشركة المدعية تدليلا منها على صحة ما ذهبت اليه صور بعض الصفحات من الكتب المشار اليها ومستندات عديدة، كما قدمت تقريرا من (ميلاد المراغى) انتهى فيه الى أنه يقرر بصفته كيمائيا وخبيرا فى الصناعات الكيمائية بأن بيان التركيب الوارد بالبراءة المطعون عليها ليس بحثا علميا أو صناعيا أو اكتشافا علميا وصناعيا وذلك لانعدام توافر عنصر الاختراع أو الاكتشاف العلمى أو الصناعى وعدم دقة المعلومات الكيميائية التى وردت به، هذا وقد طلبت الشركة المدعية فى مذكرتها رقم 13 دوسيه بملف محكمة القضاء الادارى الحكم أصليا بالغاء براءة اختراع المدعى عليه الأول واحتياطيا بندب خبير كيمائى أخصائى ليقدم تقريرا عما اذا كانت طريقة المدعى عليه المبينة ببراءة اختراعه قديمة ومعروفة فى مصر منذ تاريخ سابق أم هى حديثة.
ورد المدعى عليه الأول (الطاعن) على الدعوى بما يجمل فى أن مداد طباعة الجرائد كان يستورد من الخارج ولم يكن يصنع فى القطر المصرى لارتفاع تكلفته وقد لاحظ المدعى عليه أن صناعته بالمواد الأولية التى تستعمل فى الخارج أى بزيوت معدنية نظيفة يتكلف كثيرا، لذلك وجه اهتمامه الى ايجاد مادة أولية أخرى رخيصة حتى يتمكن من منافسة المداد المستورد من الخارج وبعد جهود طويلة وفق الى صنع مداد أساسه الزيت المعدنى المستعمل أو الذى أعيد استصلاحه للاستعمال وتقدم فورا فى مارس سنة 1954 بطلب لتسجيل اختراعه وأخذ منذ أوائل سنة 1955 يعد العدة لاستغلال اختراعه فأنشأ مصنعا لصناعته وبدأ يورد مداده للجرائد المحلية بسعر يقل كثيرا عن سعر المداد المستورد من الخارج ولما توصل جورج خريستو دولو، وهو صاحب مصنع لصنع المداد العادى فقط، الى معرفة سر الاختراع بادر بتأسيس شركة جديدة وبانشاء مصنع جديد بشارع الباب الأخضر بالاسكندرية مستغلا اختراعا لا يملكه ومخالفا بذلك أحكام القانون، وأن جميع تراكيب صناعة المداد المعروفة حتى اليوم عنصرها الاساسى هو الزيوت المعدنية النظيفة غير المستعملة مما يرتفع بالتكلفة الى ما فوق تكلفة المداد المستورد من الخارج أما الزيوت المعدنية المستعملة أو التى تم استصلاحها فلم تستعمل الا باختراع المدعى عليه وهو اختراع مبتكر لا يمت الى التراكيب المتعارف عليها بصلة حتى اليوم ويحقق وفرا هائلا فى التكلفة وقد تضمن كتاب (Inks Composition & Manufactories) الذى هو المرجع فى صنع المداد طرقا مختلفة لصنع المواد وجميع التراكيب المبينة به من التراكيب المتعارف عليها والتى أصبح للكافة حق صنعها وليس من بينها تركيب يعول فى صنع المداد على الزيت المستعمل أو المستصلح، وأن الشركة المدعية لم تكن تصنع فى وقت من الأوقات مداد طباعة الجرائد بل كانت تصنع فقط المداد العادى أو مداد الطباعة العادى الذى يختلف تماما عن مداد طباعة الجرائد وذلك فى مصنعها الكائن بشارع انسطاس رقم 17 ولم تبدأ فى صنع مداد طباعة الجرائد الا بعد اختراع المدعى عليه الذى استعملته بدون حق يدل على ذلك أنها لم تفتح مصنعها الجديد الخاص بصنع مداد طباعة الجرائد بشارع البحر الأخضر الا فى أواخر سنة 1956، والرخصة وشهادة تسجيل العلامة التجارية المقدمتان منها خاصتان بمواد الطباعة العادى ولا علاقة لهما بمداد طباعة الجرائد، وأنه لم يرد بالمؤلفات التى تقدمت بها الشركة المدعية ما يفيد جواز استعمال الزيوت المستصلحة وهو ما يعول عليه المدعى عليه والذى هو مميز اختراعه، وكل ما جاء بها أن الحبر الخاص بالجرائد يجب أن يكون سائلا جدا ومكونا من زيوت معدنية وهبو دخان أسود... الخ وكل هذا معروف ولا خلاف عليه، وأن ما تقدمت به الشركة المدعية من صور فوتوغرافية تقول أنها منقولة من دفاتر التشغيل الخاصة بها فهو من صنع يديها وما من شك فى أن مثل هذه الدفاتر لا يمكن اتخاذها حجة على المدعى عليه، وعرض المدعى عليه للطلب الاحتياطى بندب خبير، الذى تقدمت به الشركة المدعية طالبا من المحكمة اذا ما رأت ضرورة ندب خبير أن تنيط به أيضا التحرى عن تاريخ ابتداء المدعية فى صناعة مداد الجرائد.
وردت مراقبة براءات الاختراع بمصلحة التسجيل التجارى التابعة لوزارة الاقتصاد، على الدعوى بمذكرة خلصت فيها الى أنها قد راعت الاحكام المقررة فى القانون رقم 132 لسنة 1949 بالنسبة الى براءة الاختراع المطعون عليها مقررة فى الوقت ذاته أن جدة الاختراع أمرها متروك تقديره لهيئة المحكمة، كما تقدمت ادارة قضايا الحكومة بمذكرة أخرى تضمنت أن ادارة براءات الاختراع ليست مكلفة طبقا للقانون بأن تتثبت من أن الاختراع منصب على ابتكار جديد وأنه لا تثريب عليها اذا قررت منح البراءة لان أصدارها تم طبقا لنص المادة 28 من اللائحة التنفيذية للقانون التى أوجبت على ادارة البراءات أن تصدر قرارا بمنحها اذا لم تقدم معارضة فى أصدارها واذ كان المدعون لم يتقدموا باعتراض ما الى الجهة المختصة بالرغم من اعلان طلب البراءة ونشره فأن دعواهم تكون منهارة الأساس لأنها انصبت على طلب الغاء قرار ادارى قام صحيحا طبقا للقانون واستوفى شرائط مشروعيته وانتهت المذكرة الى طلب الحكم برفض الدعوى والزام المدعين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقدم مفوض الدولة تقريرا بالرأى القانونى فى الدعوى مسببا انتهى فيه الى أنه يرى الحكم برفضها بناء على أنه ليس فيما قدمته الشركة المدعية من مستندات وفواتير للتدليل على أن المؤسسة المملوكة لها كانت تشتغل منذ انشائها بصناعة حبر الطباعة وكانت تستورد الزيوت المستعملة ويوجد بمخازنها كميات كبيرة منها، ما يقوم دليلا على أن اختراع المدعى بخصائصه ونسب تركيبه وطريقة صنعه كان شائعا ومعلوما لديها من قبل، كذلك لا يكفى للتدليل على هذا المعنى البيان الذى تقدمت به الشركة المدعية والوارد فى أحد المراجع الخاصة بالمنتجات التى تدخل الزيوت المعدنية فى تركيبها اذ فضلا عن أن هذا البيان المجل قد اقتصر على الاشارة الى الزيوت الرديئة دون الزيوت المستعملة فانه قد ورد فى صورة مقتضبة ليست فيها أية اشارة الى خصائص التركيب ونسبة ووسيلة الصنع ومن ثم فانه لا يكفى بذاته لاذاعة الاختراع وتمكين ذوى الخبرة من استغلاله وبالتالى فانه لا يفقد الاختراع شرط الجدة.
وبجلسة 13 من يونية سنة 1961 أصدرت محكمة القضاء الادارى حكمها فى الدعوى قاضيا بابطال براءة الاختراع المطعون عليها مع الزام المدعى عليه الأول بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش أتعابا للمحاماه، وأقامت المحكمة قضاءها على أن العناصر الجديدة موضوع الحماية التى على أساسها منحت البراءة المطعون عليها لا تعد سواء من الناحية العلمية أو العملية عناصر جديدة يستساغ من أجلها منح براءة الاختراع كما انها كانت معروفة فى مصر خلال الخمسين سنة السابقة على منح هذه البراءة ذلك لأن الثابت علميا أن تكرير الزيوت هو الذى يعطى من جديد للزيوت المستعملة جميع المواصفات وكذلك القدرة التى كانت لها وأن قلة كثافة بعض الزيوت سببها وجود مواد غريبة بها وعندما يتم تكريرها بطريقة جديدة يحصل الزيت على درجة كثافة أكثر من التى كان عليها ومن ثم يكون صالحا للاستعمال فى الأغراض التى كان يستعمل فيها قبل استعماله، وأنه فضلا على أن اختراع المدعى ليس فيه جديد من الناحية العلمية فان الثابت من حافظة مستندات المدعين أنهم كانوا يقومون بصناعة حبر الطباعة وطباعة الجرائد ويقومون ببيع كميات منه لبعض الجرائد المصرية والأجنبية والمصانع والمؤسسات وبتصدير كميات أخرى الى الخارج كما توجد بمخازنهم كميات من الزيوت المعدنية لاستخدامها فى صناعة هذا الحبر.
وبالصحيفة المودعة سكرتيرية المحكمة فى 12 من أغسطس سنة 1961 طعن مير كورى ديمترى كليميس فى الحكم المشار اليه طالبا الحكم بالغائه وبرفض دعوى المطعون ضدها الأولى (شركة جورج. ن. خريستودولو ومحمد حسن مصطفى وشركاهم) مع الزامهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين، وأقام الطاعن طعنه على الأوجه الآتية:
(أولا) أن محكمة القضاء الادارى قد أخطأت فى تطبيق القانون عندما قررت أن عناصر براءة الاختراع موضوع الدعوى لا تعد سواء من الناحية العلمية أو العملية عناصر جديدة، ذلك أن مؤدى نص المادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 أنه لا يلزم لمنح براءة الاختراع أن يكون الابتكار جديدا جدة محضة بل يكفى أن يكون مقصورا على طرق ووسائل صناعية مستحدثة أو أن يكون تطبيقا جديدا لطرق أو وسائل صناعية معروفة، واذا كان صحيحا ما ذكرته محكمة القضاء الادارى فى حكمها من أن الثابت علميا أن تكرير الزيوت هو الذى يعطى من جديد للزيوت المستعملة جميع المواصفات وكذلك القدرة التى كانت لها فانه يكون حقيقة علمية مجردة لا تبيح اهدار حق الطاعن لأنه لم يدع أنه أول من قال بهذه الحقيقة العلمية المجردة وانما قرر أنه أول من استعمل فى صناعة حبر طباعة الجرائد الزيوت المعدنية غير النظيفة أو التى أعيد استصلاحها وهو الأمر الذى لم يكن معروفا ولا مطبقا فى مصر على الاطلاق، وهناك فرق كبير بين من يعلم العلم ويحمله على كتفيه فقط وبين من يستعمل هذا العلم ويطبقه تطبيقا عمليا يؤدى الى استحداث طرق ووسائل جديدة فى انتاج سلعة صناعية معروفة أو فى القليل الى تطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية معروفة.
(ثانيا) أن محكمة القضاء الادارى قد أخطأت فى تأويل المادة 3 من القانون رقم 132 لسنة 1949، ذلك أن أدعاء المطعون ضدها الأولى بأن الاختراع موضوع الدعوى كان معروفا ومعمولا به فى مصر خلال الخمسين سنة السابقة أنما هو ادعاء مرسل لا دليل عليه ولا يجديها ما قدمته من مستندات للتدليل على أن المؤسسة المملوكة لها كانت تشتغل منذ انشائها بصناعة الحبر لانها انما كانت تنتج الحبر العادى لا حبر طباعة الجرائد كما لا يجديها أن تقدم مستندات بأنها كانت تستورد الزيوت المستعملة ولا جدوى أيضا فيما ورد فى المراجع التى قدمتها من أن بعض أصناف الزيوت غير النقية تستعمل فى حبر الطباعة وأن هذا الحبر يصنع من الزيوت المعدنية الرديئة والكربون الاسود اذ ليس فى هذه العبارات المقتضبة ما يكشف سرا صناعيا كما أنها ليست من الوضوح بحيث تمكن ذوى الخبرة من استغلال الاختراع كما تشترط لذلك المادة 3 من القانون.
(ثالثا) أن محكمة القضاء الادارى لم تحقق دفاع الطاعن اذ أورد أنه تكفى المقارنة البسيطة بين التركيب الذى ابتكره وبين التركيبات الأخرى المألوفة فى صناعة حبر طباعة الجرائد ليتضح مدى الاختلاف بينهما وقد كان على المحكمة أن كانت فى شك من هذا الدفاع أن تندب خبيرا كيمائيا أخصائيا فى صناعة الحبر لتحقيق دفاعه وقد التمس الطاعن فى حالة ندب خبير أن يناط به أيضا التحقق من تاريخ ابتداء المطعون ضدها الأولى فى صناعة حبر طباعة الجرائد كما أورد فى دفاعه أنها عندما علمت بعناصر تركيب اختراعه افتتحت مصنعا جديدا بشارع الباب الأخضر بالاسكندرية فى أواخر سنة 1956 وهو خلاف مصنعها الأصلى للحبر العادى بشارع انسطاسى "17" وطلب التصريح له باستخراج شهادة بهذا المعنى ولكن محكمة القضاء الادارى لم تعن بتحقيق دفاعه مع انتاجه وجدواه.
وقد ردت المطعون ضدها الأولى على صحيفة الطعن بمذكرة جاء بها أن الطعن انصب عموما على الوقائع التى لا رقابة عليها من المحكمة الادارية العليا، وأنه فيما يتعلق بتحقيق دفاع الطاعن فان المحكمة قد اكتفت بما يضمه ملف الدعوى من مستندات وأسانيد هذا الى أن المطعون ضدها هى التى طلبت احتياطيا ندب خبير ولم يطلب الطاعن هذا الطلب.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى فى الطعن مسببا، وقد أصرت فيه على ما جاء بالتقرير المقدم لمحكمة القضاء الادارى على نحو ما سلف ايراده، ثم قدمت تقريرا تكميليا تضمن أن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن الأمر فى تقرير اعتبار ابتكار ما تطبيقا جديدا لطرق أو وسائل معروفة أم لا أنما يرجع الى تقدير الجهات الفنية المختصة وليس للقضاء الادارى أن يعقب عليها فى هذا الأمر الفنى الذى هو من صميم اختصاصها، وأن التقرير الفنى المتعلق بفحص طلب البراءة المطعون عليها قد جاء به أن الابتكار جديد وأنه ما كان لمحكمة القضاء الادارى أن تعقب عليه وتزن مدى جدية الابتكار من الناحية الفنية، وانتهت هيئة المفوضين الى أنها ترى الغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى.
ومن حيث أن المادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية قد نصت على ما يأتى "تمنح براءة اختراع وفقا لأحكام هذا القانون عن كل ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعى سواء أكان متعلقا بمنتجات صناعية جديدة أم بطرق أو وسائل صناعية مستحدثة أم بتطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية معروفة" ويتضح من هذا النص أنه يشترط لمنح براءة الاختراع أن يكون هناك ابتكار أو اختراع، وأن يكون هذا الاختراع جديدا، وأن يكون قابلا للاستغلال الصناعى. وفيما يتعلق بالشرط الأول فان المقصود بالاختراع هو تقديم شئ جديد للمجتمع أو أيجاد شئ لم يكن موجودا من قبل وقوامه أو مميزه أن يكون ثمرة فكرة ابتكارية أو نشاط ابتكارى يجاوز الفن الصناعى القائم، فلا يعد من قبيل المخترعات التنقيحات أو التحسينات التى لا تضيف جديدا الى الفن الصناعى القائم أو التعديلات الجزئية غير الجوهرية التى لا تغيب عن رجل الصناعة المتخصص فى حدود المعلومات الجارية، والتى هى وليدة المهارة الحرفية وحدها، ومثل هذه الصور تدخل فى نطاق الصناعة لا فى نطاق الاختراع، أما الشرط الثانى فهو أن يكون الاختراع جديدا بأن لا يكون سره قد ذاع قبل طلب البراءة عنه.
والحكمة من هذا الشرط أن ما خوله القانون لمالك البراءة من حق استئثارى مقصور عليه فى استغلال الاختراع أن هو الا مقابل لما أهداه للهيئة الاجتماعية من أسرار صناعية، فاذا لم تظفر منه بالجديد منها انتفى المقتضى لتخويله الاستئثار بالاستغلال ولحرمان غيره منه، على أن الشارع المصرى لم يشأ أن تكون هذه الجدة مطلقة، على غرار ما أنتهجه الشارع الفرنسى الذى أخذ بمبدأ الجدة المطلقة فى الزمان وفى المكان، بل قيد نطاقها ورسم ضوابطها بما نص عليه فى المادة الثالثة من القانون التى جرى نصها بما يلى: "لا يعتبر الاختراع جديدا كله أو جزء منه فى الحالتين الآتيتين:
(1) اذا كان فى الخمسين سنة السابقة لتاريخ تقديم طلب البراءة قد سبق استعمال الاختراع بصفة علنية فى مصر أو كان قد شهر عن وصفه أو عن رسمه فى نشرات أذيعت فى مصر وكان الوصف أو الرسم الذى نشر من الوضوح بحيث يكون فى امكان ذوى الخبرة استغلاله.
(2) اذا كان فى خلال الخمسين سنة السابقة على تاريخ تقديم طلب البراءة قد سبق اصدار براءة عن الاختراع أو عن جزء منه لغير المخترع أو لغير من آلت اليه حقوقه أو كان قد سبق للغير أن طلب براءة عن الاختراع ذاته أو عن جزء منه فى المدة المذكورة.
ومن حيث أنه يبقى بعد هذا بحث مدى توافر الشرطين المتقدمى الذكر فى براءة الاختراع المطعون عليها، ولا يقيد المحكمة فى هذا البحث ما ذهبت اليه المطعون ضدها الأولى فى ردها على أوجه الطعن من أن هذه الأوجه فيما أثارته فى هذا الخصوص قد انصبت على وقائع لا رقابة عليها من المحكمة الادارية العليا، ذلك ان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه ليس لمحكمة القضاء الادارى أو للمحاكم الادارية فى دعوى الالغاء سلطة قطعية فى فهم "الواقع" أو "الموضوع" تقصر عنها سلطة المحكمة الادارية العليا، والقياس فى هذا الشأن على نظام النقض المدنى هو قياس مع الفارق ذلك أن رقابة محكمة القضاء الادارى والمحاكم الادارية على القرارات الادارية هى رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وهذا بدوره هو عين "الموضوع" الذى ستتناوله المحكمة الادارية العليا عند مراقبتها القانونية لأحكام القضاء الادارى. فالنشاطان وأن اختلفا فى المرتبة الا أنهما متماثلان فى الطبيعة، اذ مردهما فى النهاية الى مبدأ المشروعية، تلك تسلطه على القرارات الادارية، وهذه تسلطه على هذه القرارات ثم على الأحكام - كما أنه لا حجة فيما ذهب اليه الطاعن أمام محكمة القضاء الادارى من أنه لو كانت طريقة صنع المداد حسب اختراعه مطابقة للطرق المعروفة لاعترضت ادارة براءات الاختراع ولما تم تسجيل اختراعه، ولا فيما ورد بالتقرير التكميلى لهيئة المفوضين من أنه ما كان لمحكمة القضاء الادارى أن تعقب على تقرير جهة الادارة الفنى المتضمن أن الابتكار.. جديد، لا حجة فى هذا أو ذاك، ذلك أنه ورد بالمذكرة الايضاحية للقانون رقم 650 لسنة 1955 المعدل لبعض أحكام القانون رقم 132 لسنة 1949 ما يأتى "ولما كان القانون قد صدر ولم يأخذ بنظام الفحص السابق سواء بالنسبة لبراءات الاختراع أو الرسوم والنماذج الصناعية للاسباب التى وردت فى مذكرته الايضاحية ومؤدى ذلك أن القانون لا يطالب الادارة المختصة بأن تتحقق من جدة الصنف المقدم للتسجيل..." كما جاء بالمذكرة الايضاحية لمشروع القانون رقم 132 لسنة 1949 ما يلى "وهناك نظامان رئيسيان فيما يتعلق ببراءات الاختراع: أحدهما النظام الفرنسى وهو يقوم على حرية منح البراءة بمجرد الايداع دون فحص أو معارضة. والثانى النظام الانجليزى وهو يقوم على منح البراءة بعد الفحص الدقيق للتحقق من توافر العناصر الموضوعية التى يستلزمها القانون فى الاختراع مع فتح باب المعارضة.... واذا كان من غير الملائم أن تأخذ مصر وهى فى ابان نهضتها الصناعية بالنظام الفرنسى الذى بدأت الدول تعدل عنه كما أنه ليس من الميسور عملا أن تبدأ بالأخذ بالنظام الانجليزى (وها هى ايطاليا بعد أن عدلت نظامها فى سنة 1934 من الايداع الى الفحص السابق لم تتمكن من تطبيق النظام الأخير جملة وأضطرت الى تأجيل تنفيذه) اذا كان ذلك كذلك فقد رؤى اتباع طريق وسط. لهذا آثر المشروع أن يحتذى المشرع فى الأخذ بطريقة الايداع المقيد بشروط خاصة ولكنه زاد عليها فتح باب المعارضة للغير كما هو الشأن فى قوانين المجر ويوغوسلافيا وجنوب أفريقيا وبذلك يمكن تحقيق بعض نتائج نظام الفحص الكامل وقد توخى المشروع أن يكون بالادارة الحكومية القائمة على التنفيذ لجنة تفصل فى المنازعات المتعلقة ببراءة الاختراع من اجازة الطعن أحيانا فى قراراتها أمام القضاء. والنظام المقترح يؤدى الى تدريب الأداة الحكومية الجديدة وتكون نواة من الفنيين تمكن فى المستقبل من الأخذ بالنظام الانجليزى المعتبر فى المجال الدولى نموذجيا "وواضح من عبارات هاتين المذكرتين الايضاحيتين ومن نصوص القانون رقم 132 لسنة 1949 ولائحته التنفيذية أن المشرع لم يأخذ فيما يتعلق بمنح براءة الاختراع بنظام "الفحص السابق" فلم يلق على عاتق الادارة المختصة بهذه البراءات واجب التثبت من أن طلب البراءة منصب على ابتكار جديد، وأنما ناط بها فقط - فى المادة 18 من القانون - فحص طلب البراءة - ومرفقاته للتحقق مما يأتى:
(1) أن الطلب مقدم وفقا لأحكام المادة 15 من القانون (وهى تقضى بأن يقدم الطلب الى ادارة البراءات من المخترع أو ممن آلت اليه حقوقه وفقا للائحة التنفيذية وبأنه لا يجوز أن يتضمن الطلب أكثر من اختراع واحد).
(2) أن الوصف والرسم يصوران الاختراع بكيفية تسمح لأرباب الصناعة بتنفيذه.
(3) أن العناصر المبتكرة التى يطلب صاحب الشأن حمايتها واردة فى الطلب بطريقة محددة واضحة - فاذا توافرت هذه الشروط تعين طبقا للمادة 20 من القانون أن تقوم ادارة براءات الاختراع بالاعلان عن الطلب بالطريقة التى تحددها اللائحة التنفيذية تمكينا لذوى الشأن من المعارضة باخطار كتابى فى اصدار البراءة، وعلى مقتضى حكم المادة 28 من اللائحة التنفيذية فانه اذا لم تقدم معارضة فى أصدار البراءة أو قدمت وصدر قرار أو حكم برفضها وجب على ادارة البراءات استصدار قرار بمنحها، وبذلك لا يكون المشرع قد تطلب فى الموافقة على طلب البراءة أن يكون قد سبقها فحص توافر الشروط الموضوعية للاختراع، وفى ضوء ما تقدم فأن قبول ادارة البراءات منح البراءة لطالبها لا يؤخذ فى حد ذاته حجة أو دليلا على توافر "الجدة" فى الاختراع موضوع البراءة ولا يحد بالتالى من حرية القضاء الادارى فى مجال هذا البحث، وهو ما قررته مراقبة براءات الاختراع صراحة فى مذكرتها اذ تقول "أما عن جدة الاختراع فأمر متروك تقديره لهيئة المحكمة".
ومن حيث أنه يبين من الأوراق أن الاختراع موضوع البراءة المطعون عليها قوامه أو خاصته المميزة التى يقوم عليها أساسا ادعاء الطاعن فى شأن الاختراع، هو أحلال الزيت المعدنى المستعمل أو الذى أعيد استصلاحه محل الزيت المعدنى الجديد أى غير المستعمل فى صناعة حبر الطباعة، ولا ترى المحكمة أن هذا يعد من قبيل الاختراع أو الابتكار الذى قصد القانون الى حمايته، ذلك أن الثابت علميا - كما قال بحق الحكم المطعون فيه وكما ورد فى كتاب الزيوت والشحومات المعدنية للتشحيم والتصنيع Labrifiants Degsaissage P. D. Usisag المقدمة بعض صفحاته الأولى (ص 192 و193 و194)، وهو ما لم يجحده الطاعن مقررا فى صحيفة طعنه أنه لم يدع أنه أول من قال بهذه الحقيقة العلمية المجردة - أن تكرير الزيوت هو الذى يعطى من جديد للزيوت المستعملة جميع المواصفات وكذلك القدرة على التزييت التى فقدتها بالاستعمال، وأن قلة كثافة بعض الزيوت سببها وجود مواد غريبة بها وعندما يتم التكرير بطريقة جيدة يحصل الزيت على درجة كثافة أكثر من التى كان عليها، وأن تكرير الزيوت المستعملة هو اعادتها الى حالتها الأصلية.
ومؤدى هذا أن الزيت المعدنى المستعمل يصبح بعد تكريره فى حكم الزيت المعدنى الجديد ومعادلا له، أى أنه يمكن أن يقوم مقامه ويحل محله، واذ كان الطاعن لا يدعى أنه هو الذى كشف عن هذه الحقيقة فى صناعة الزيوت أو كان له فضل ابتكارها بما يطوع له الاستئثار باستغلالها، وانما اقتصر دوره على استعمالها والانتفاع بها فى صناعة حبر الطباعة بأن استبدل بالزيت المعدنى الجديد ما يقوم مقامه أو ما فى حكمه من زيت معدنى مستعمل ومعاد استصلاحه، فأنه لا يكون قد ابتدع أو ابتكر ما يضيف جديدا الى الفن الصناعى القائم وما يعد اختراعا بالمعنى الذى تقررت حماية القانون من أجله اذ هو لم يدخل تغييرا على التركيب الكيمائى لحبر طباعة الجرائد، الذى أساس صناعته فعلا هو الزيت المعدنى كما سلم بذلك الطاعن فى مذكراته (منها المذكرة رقم 14 دوسيه محكمة القضاء الادارى)، وقد بقيت هذه المادة الأساسية وهى الزيت المعدنى على حالها، ويستوى أو ليس مما يعتد به بعد ذلك - فى مجال الادعاء بالابتكار والاختراع - أن يستعمل من هذا الزيت ما هو جديد، أو ما هو - وفقا لما وصل اليه الفن الصناعى - فى حكم الجديد أى الزيت المستعمل المجدد، أو حتى ما هو مستعمل وأقل كثافة من غير المستعمل.
ومن حيث أنه فضلا عما تقدم فان المستندات العديدة التى قدمتها المطعون ضدها أنه رخص لها من وزارة الداخلية فى سنة 1938 بادارة معمل حبر للطباعة وقد نشرت بجريدة البصير فى سنة 1937 عن ايداع علامة تجارية بها عبارة "أول مصنع مصرى لحبر الطباعة" وكانت تبيع منذ سنة 1940 "حبر أسود لآلات الروتاتيف" لبعض الجرائد والمطابع والهيئات كما قامت قبل 28 من مارس سنة 1954 - تاريخ تقديم طلب البراءة - بتصدير بعض كميات من ذلك الحبر الى الخارج، هذا الى أنه كانت توجد لديها فى سنوات 1940 و1941 و1942 كميات من الزيت المعدنى المستعمل أو المحروق، وقد اشترت كمية منه فى 9/ 1/ 1953 من الشركة الأهلية للزيوت والشحومات الصناعية، كما كانت الزيوت المعدنية المستعملة أو المحروقة ضمن مواد "تشغيل" الحبر الذى تصنعه فى تواريخ سابقة على تقديم طلب البراءة، وقد أخذت محكمة القضاء الادارى فى حكمها المطعون فيه بهذه المستندات مما مؤداه أن شرط "الجدة" غير متوافر فى الاختراع المطعون على براءته لأن المطعون ضدها الأولى كانت تستعمل قبل تقديم طلب هذه البراءة الزيت المعدنى المستعمل فى مصنعها لحبر الطباعة بما فيها طباعة الجرائد، وهو الخاصة المميزة التى يقوم عليها أساسا ادعاء الطاعن فى شأن اختراعه كما تقدم، وتقر هذه المحكمة محكمة القضاء الادارى على ما ارتأته.
ومن حيث أن ما ينعيه الطاعن على محكمة القضاء الادارى من أنها لم تعن بتحقيق دفاعه فى غير محله، ذلك أن طلب ندب خبير لم يتقدم به الطاعن وانما طلبت ذلك المطعون ضدها الأولى بصفة احتياطية فحسب، وفيما يتعلق بما جاء فى مذكرته لمحكمة القضاء الادارى من أنه على استعداد لتقديم الدليل على أن المطعون ضدها الأولى لم تفتتح مصنعها لحبر طباعة الجرائد الا فى أواخر سنة 1956 اذا صرحت المحكمة بتقديم شهادة بهذا المعنى من شركة المياه، فأنه فضلا عن أنه كان على الطاعن أن يتقدم بكافة ما لديه فان المحكمة لم تكن ملزمة باصدار قرار بالتصريح المشار اليه، ولا بندب خبير، ما دام أنها قد رأت أن ما احتوته أوراق الدعوى كاف لتكوين رأيها والفصل فى الدعوى.
ومن حيث أنه بناء على ما تقدم يكون الطعن على غير أساس سليم ويتعين لذلك رفضه مع الزام الطاعن بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا والزمت الطاعن المصروفات