أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
الجزء الأول - السنة 28 - صـ 474

جلسة 17 من فبراير سنة 1977

المؤلفة من السيد المستشار نائب رئيس المحكمة الدكتور محمد محمد حسنين وعضوية السادة المستشارين/ عز الدين الحسينى وعثمان الزينى ومحمدى الخولى وإبراهيم فودة.

(90)
الطعن رقم 142 لسنة 43 القضائية

(1) إثبات. هبة "الهبة المستترة".
إقرار - الدائن - بتحقيقات شكوى إدارية بأن الدين فى حقيقته تبرع. لا يجعل الهبة مكشوفة ما دامت عبارات السند لا تكشف عن الهبة. خطأ الحكم فى تكييف العقد الساتر لها. لا أثر له.
(2) حكم "حجية الحكم". نقض. هبة.
أسباب الحكم الخارجية عن نطاق الدعوى وغير لازمة للفصل فيها. لا تجوز حجية الشئ المقضى به. النعى عليها منتج. مثال بشأن هبة.
1 - إذ كان إقرار الموهوب له فى تحقيقات الشكوى الإدارية، بأن المبلغ الثابت بسند الدين فى حقيقته تبرع، لا يجعل الهبة مكشوفة ما دامت عبارات السند بذاتها لا تكشف عن الهبة، وكان لا يؤثر فى صحة الهبة خطأ الحكم فى تكييف العقد السائر بأنه وديعة لا عارية استهلاك، لأن القانون لا يشترط أن يتم أى من هذين العقدين فى شكل معين، فإن النعى على الحكم المطعون فيه يكون على غير أساس.
2 - إذ كان الواقع أن المطعون عليه أقام الدعوى ضد الطاعن بطلب المبلغ الموهوب وأن الطاعن لم يطلب من محكمة الموضوع الترخيص له فى الرجوع فى الهبة، ولم يتناقش الطرفان فى هذه المسألة، فإن ما جاء بأسباب الحكم من عدم جواز الرجوع فى الهبة يكون خارجا عن نطاق الدعوى غير لازم للفصل فيها، ومن ثم لا يحوز حجية الشئ المقضى به ويكون النعى على الحكم - بإنه قضى بما لم بطلبه الخصوم - غير منتج ولا جدوى منه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستسار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المطعون عليه - بصفته رئيسا للجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة - استصدر أمرا بالزام الطاعن بأن يؤدى له مبلغ 700 جنيه استنادا إلى إقرار مؤرخ 28/ 5/ 1955 تعهد بموجبه الطاعن بأن يدفع المبلغ المذكور أمانة تحت الطلب إلى ........ رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية التى اندمجت فى الجمعية التى يمثلها المطعون عليه، تظلم الطاعن من هذا الأمر بالدعوى رقم 4475 سنة 1969 مدنى كلى القاهرة طالبا الغاءه تأسيسا على أن الإقرار فى حقيقته وعد بإنجاز ما كان قد تعهد به خاله المرحوم ....... من التبرع لبناء مسجد، وهو ما يعتبر مجرد وعد بهبه لم يتم بالقبض ولم تفرغ فى ورقة رسمية فلا تصح الهبة وتعتبر باطلة، ولا تعد هبة مستترة بعد أن ظهرت نية التبرع وكشفتها التحقيقات فى الشكوى رقم 965 سنة 1955 إدارى سوهاج، وفى 20/ 4/ 1970 قضت المحكمة بتأييد أمر الأداء، فاستأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 2618 سنة 78 ق القاهرة وفى 23/ 12/ 1972 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب، ينعى الطاعن بالأربعة الأولى منها على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والخطأ فى تكييف سند الدعوى والقصور فى التسبيب، وفى بيان ذلك يقول إن الحكم ذهب فى تفسير إقراره المؤرخ 28/ 5/ 1955 إلى أنه هبة تمت تحت ستار عقد وديعه، واستند فى ذلك إلى أقوال الطاعن وأقوال سلف المطعون عليه الصادر إليه الإقرار فى تحقيقات الشكوى الإدارية رقم 965 سنة 1955 سوهاج، فى حين أن الثابت من تلك الأقوال أن النية المشتركة للطرفين قد اتجهت إلى مجرد الوعد بالهبة، وهو ما لا ينعقد إلا إذا كان بورقة رسمية. وبفرض أن الاقرار قد انطوى على عقد هبة فإنه وقد دلت أقوال الموهوب له فى تلك الشكوى على الحقيقة، فإن الهبة تعتبر مكشوفة وليست مستترة وراء عقد آخر وتكون باطله لعدم إتمامها بورقة رسمية. كذلك أخطأ الحكم إذ كيف العقد الساتر بأنه وديعة مع أنه عقد عارية استهلاك لأن موضوعه مبلغ من النقود. هذا إلى قصور الحكم إذ أغفل الرد على ما تمسك به الطاعن أمام محكمة الموضوع من أن السند المطالب بقيمته لا يتضمن الزامه بدفع المبلغ الوارد به من ماله الخاص وأن الواعد الحقيقى بالتبرع هو خاله المرحوم ......... الذى لم يثبت أنه ترك تحت يد الطاعن المبلغ الذى وعد بدفعه.
وحيث إن النعى برمته مردود، ذلك أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة فى تفسير العقود واستظهار نية طرفيها مستعينة فى ذلك بجميع ظروف الدعوى وملابساتها متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة، وإذ يبين من الحكم المطعون فيه أنه قضى بأن الإقرار المؤرخ 28/ 5/ 1955 الصادر من الطاعن هو هبه تامة من ماله الخاص واستند فى ذلك إلى قوله إن "المحكمة تستبين من إقرار المرحوم ...... بتحقيقات تلك الشكوى - وهو الذى صدر له السند موضوع الدعوى - أن التصرف الثابت بالسند فى حقيقته تبرع الهبة وهى هبة تامة وليست مجرد وعد بالهبة لأنه يتضمن التزام المستأنف الواهب بحق شخصى رتبه فى ذمته وهو تصرف فورى وبات فقد قرر صاحب السند أن المستأنف التزام بأن يدفع له ما كان قد تعهد المرحوم ......... ببذله من مال لمشرع إنشاء المسجد الذى تقوم الجمعية التى يمثلها ببنائه، ووصف ذلك الالتزام بأنه دين شخصى عليه ولا يرتبط بسواه كما أقر المستأنف نفسه فى تحقيق تلك الشكوى أن السند المحرر عليه لصالح المذكور بدين شخصى عليه تبرعا منه ونفاذا لما كان قريبه قد وعد به ومن ثم فإن ما يقول به المستأنف من أن التصرف وعد بالهبة غير سديد" ولما كان هذا الذى أورده الحكم وأقام عليه قضاءه له أصله الثابت بالأوراق ويؤدى إلى النتيجة التى انتهى اليها، وكان إقرار الموهوب إليه فى تحقيقات الشكوى الإدارية رقم 965 لسنة 1955 سوهاج بأن المبلغ الثابت بسند الدين فى حقيقته تبرع، لا يجعل الهبة مكشوفة ما دامت عبارات السند بذاتها لا تكشف عن الهبة، وكان لا يؤثر فى صحة الهبة خطأ الحكم - لو صح - فى تكييف العقد السائر بأنه وديعة لا عارية استهلاك، لأن القانون لا يشترط أن يتم أى من هذين العقدين فى شكل معين، لما كان ذلك فإن النعى على الحكم المطعون فيه بجميع هذه الأسباب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه القضاء بما لم يطلبه الخصوم، ذلك أنه قضى بأسبابه بعدم جواز رجوع الطاعن فى الهبة، وهو ما لم يطلب الخصوم من المحكمة الفصل فيه.
وحيث إنه لما كان الواقع أن المطعون عليه أقام الدعوى ضد الطاعن بطلب المبلغ الموهوب، وأن الطاعن لم يطلب من محكمة الموضوع الترخيص له فى الرجوع فى الهبة ولم يناقش الطرفان فى هذه المسألة، فإن ما جاء بأسباب الحكم من عدم جواز الرجوع فى الهبة، يكون خارجا عن نطاق الدعوى غير لازم للفصل فيها، ومن ثم لا يحوز حجية الشئ المقضى به، ويكون النعى على الحكم بهذا السبب غير منتج ولا جدوى منه.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.