مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 1015

(101)
جلسة 4 من أبريل 1965

برياسة السيد الأستاذ الدكتور/ محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الأساتذة/ عبد الفتاح بيومى نصار وعلى محسن مصطفى وحسنين رفعت حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

القضية رقم 1417 لسنة 7 القضائية

( أ ) موظف - مرتب - حبس احتياطى - المادة 96 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة - خضوع صرف المرتب عن فترة الحبس الاحتياطى لسلطة وكيل الوزارة التقديرية - رفضه صرف المرتب بالرغم من صدور حكم جنائى بالبراءة من التهمة - صحيح - أساس ذلك - مثال.
(ب) انقطاع موظف عن العمل بحجة المرض - عدم وجود الموظف بمنزله عند زيارة الطبيب له يؤيد قرينة الانقطاع بغير عذر - سقوط حقه فى المرتب عن هذه الفترة - أساس ذلك - مثال.
1 - أن حرمان المدعى من راتبه عن مدة حبسه احتياطيا انما كان بناء على قرار وكيل الوزارة وهو أمر يدخل فى اختصاص وكيل الوزارة وفقا لحكم المادة 96 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التى تنص على أن "كل موظف يحبس حبسا احتياطيا أو تنفيذا لحكم جنائى يوقف بقوة القانون عن عمله مدة حبسه ويوقف صرف مرتبه وبعد انتهاء مدة الحبس يقرر وكيل الوزارة ما يتبع فى شأن صرف مرتبه بحسب الأحوال" والحكمة ظاهرة فى ترك تقدير صرف المرتب لوكيل الوزارة فى كل حالة على حدتها وبظروفها على مقتضى الاعتبارات الخاصة بها. ولما كان وكيل الوزارة قد انتهى الى عدم الموافقة على صرف مرتب المدعى عن فترة وقفه عن العمل وذلك لأسباب قدرها بما له من سلطة التقدير فى ضوء الصالح العام وكان لهذه الأسباب أساسها الصحيح الثابت فى الأوراق وهى تؤدى الى النتيجة التى انتهى اليها وكيل الوزارة من رفض طلب صرف مرتبه عن مدة الوقف وهو لم ينحرف فى ذلك بسلطته ولم ينطو قراره على أية شائبة من اساءة استعمال السلطة، فان قراره يكون والحالة هذه قد صدر مطابقا للقانون ولا يجوز بعد ذلك مراجعة الادارة فى وزنها لمناسبات القرار وملاءمات اصداره مما يدخل فى صميم اختصاصها وتقديرها ما دام هذا التقدير مستخلصا استخلاصا سائغا من الوقائع التى قام عليها قرارها، ذلك أنه ليس من حق القضاء الادارى أن يستأنف بالموازنة والترجيح فيما قام لدى جهة الادارة من اعتبارات قدرت على مقتضاها ملاءمة اصدار القرار ما دام هذا التقدير قد استخلص استخلاصا سائغا من الوقائع الثابتة فى الأوراق والا كان فى ذلك مصادرة للادارة على تقديرها وغل ليدها عن مباشرة وظيفتها فى الحدود الطبيعية التى تقتضيها هذه الوظيفة وما تستلزمه من حرية فى وزن مناسبات القرارات التى تصدرها بصرف مرتبه عن فترة الحبس الاحتياطى سالفة الذكر، ولا حجة فيما ساقه الطعن - من أنه بصدور الحكم ببراءة الطاعن من التهمة المسندة اليه يتحقق الشرط الذى يتوقف عليه صدور قرار وكيل الوزارة بصرف المرتب عن مدة الوقف - لا حجة فى ذلك لأن صرف المرتب انما يخضع لسلطة وكيل الوزارة التقديرية بالحدود والأوضاع السابق ايضاحها ولا يعلق صرف هذا المرتب على شرط بل يكون البت فى أمر صرف المرتب أو عدم صرفه فى ضوء ملابسات كل حالة وظروفها، والحكم الجنائى الصادر بالبراءة قد لا يستتبع حتما براءة الموظف من الناحية الادارية.
2 - أن انقطاع المدعى عن عمله بعذر المرض لم يقم عليه أى دليل من عيون الأوراق اذ الثابت أنه طلب احالته الى الكشف الطبى فقامت المدرسة بتحويله الى الادارة الصحية، وبانتقال الطبيب المختص الى مسكنه لم يجده فيه وتعذر لذلك الكشف الطبى عليه حتى يمكن تقرير ما اذا كان قد طرأ عليه حقا طارئ المرض الذى يعوقه عن مباشرة وظيفته أو لم يطرأ عليه ذلك، وما هى الاجازة اللازمة للعلاج. ولما كان من المقرر أن الأجر مقابل العمل والأصل المؤصل أن يخصص الموظف وقته وجهده لأداء واجبات وظيفته والا ينقطع عن مباشرة مهامها الا اذا استحصل مقدما على أجازة بذلك سواء كانت هذه الاجازة اعتيادية أم مرضية. ولما كان المدعى لم يؤد عملا خلال فترة غيابه ولم يرخص له فى الانقطاع عن العمل خلالها ثم لم يضع نفسه تحت تصرف الادارة الصحية ليسقط قرينة الانقطاع بغير عذر، المستفادة من تخلفه فانه لذلك لا يستحق مرتبه عن تلك الفترة.


اجراءات الطعن

بتاريخ 6 يوليه سنة 1961 أودع السيد/ فخرى مكارى سيف عريضة طعن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بجلسة 8 مايو سنة 1961 فى الدعوى رقم 600 لسنة 12 قضائية المرفوعة من السيد/ فخرى مكارى سيف ضد وزارة التربية والتعليم القاضى بأحقية المدعى فى صرف مرتبه عن المدة من 28/ 9/ 1954 حتى 12/ 10/ 1954 ورفض ما عدا ذلك من الطلبات مع الزام الحكومة بالمصروفات المناسبة. وطلب السيد الطاعن للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من رفض طلبه صرف راتبه عن المدة من سبتمبر سنة 1953 حتى نهاية ديسمبر سنة 1954 وبأحقيته فى صرف راتبه عن تلك الفترة مع الزام الحكومة بالمصروفات وأتعاب المحاماه عن الدرجتين. وقد أعلن الطعن الى الحكومة. وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 18/ 4/ 1964 وأخطرت الحكومة والمدعى بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت المحكمة احالة الدعوى الى المحكمة الادارية العليا وحددت لذلك جلسة 7/ 2/ 1965 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوما لسماعه من ملاحظات ذوى الشأن على الوجه المبين بالمحضر قررت ارجاء النطق بالحكم الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يتبين من أوراق الطعن فى أن المدعى أقام دعواه طالبا الحكم له بالغاء قرار الوزارة السلبى بالامتناع عن صرف مرتبه عن المدة من أول سبتمبر سنة 1953 الى آخر ديسمبر سنة 1954 مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال فى بيان ذلك أنه كان يعمل مدرسا بمدرسة معلمات بنها حين وجهت اليه النيابة العامة تهمة الشيوعية فى الجناية رقم 13 عسكرية سنة 1953 الى أن أفرج عنه مؤقتا فى 24 من يونية سنة 1954 فتقدم بطلب اعادته الى الخدمة وصرف راتبه عن مدة الوقف لحبسه احتياطيا فصدر القرار رقم 3270 فى 2 من سبتمبر سنة 1954 من الادارة العامة للشئون القانونية والتحقيقات بالوزارة، ترتب عليه أن قامت المنطقة التعليمية باعادته الى الخدمة وصرف مرتبه عن مدة الايقاف حتى يفصل فى الجناية العسكرية المتهم فيها. وقد تسلم عمله بالفعل فى 28 من سبتمبر سنة 1954 وظل قائما به حتى يوم 12 أكتوبر سنة 1954 حين انقطع عنه لمرض ألم به وعاقه عن أدائه حتى 3 من ديسمبر سنة 1954 وبعد ذلك صدر قرار باعتقاله وظل حبيس الاعتقال من 4 ديسمبر سنة 1954 حتى آخر ديسمبر سنة 1954 حين صدر حكم من محكمة الجنايات ببراءته مما نسب اليه ولما تم شفاؤه عاد الى عمله فى 5 يناير سنة 1955 وذكر المدعى أنه لم يصرف مرتبه عن المدة من أول سبتمبر سنة 1953 حتى آخر ديسمبر سنة 1954 مع أن الوزارة بقرارها رقم 3270 فى 2 سبتمبر سنة 1954 - على أثر الافراج المؤقت عنه - أعادته الى العمل مع أرجاء البت فى أمر المرتب عن مدة ايقافه لحبسه احتياطيا الى أن يتم الفصل فى الجناية وعندما صدر الحكم ببراءته مما نسب اليه تقدم الى الوزارة بطلب صرف مرتبه عن المدة المشار اليها فأجابته بأنه لا يستحق مرتبا عنها لأنه لم يؤد عملا فيها فأقام دعواه مستندا الى أن الثابت أنه على أثر الافراج المؤقت عنه تظلم الى الوزارة لاعادته الى عمله وبعد أن أستوفت الوزارة الأوراق المطلوبة منه أبلغته المنطقة التعليمية بالكتاب رقم 2721 بتاريخ 6 من أكتوبر سنة 1954 بقرار مضمونه ارجاء البت فى أمر مرتبه مدة الايقاف لحين الفصل فى قضية الجناية العسكرية المتهم فيها وأنه من ثم فان أمر مرتبه عن مدة الايقاف متوقف على نتيجة الحكم الصادر فى الجناية فاذا ما صدر الحكم ببراءته مما ينسب اليه فيها أصبح مستحقا لمرتبه عن مدة الوقف المذكورة وأنه لا يقبل من الجهة الادارية بعد ذلك أن تمتنع عن الصرف بحجة أنه لم يؤد عملا فى هذه الفترة وأضاف المدعى أنه يستحق مرتبه عن المدة التى قضاها بالمعتقل لأنه لا يجوز أن يحرم من هذا المرتب بسبب خارج عن ارادته وأجابت الوزارة على الدعوى بمذكرة أشارت فيها الى أنه صدر قرار من مجلس قيادة الثورة فى 2 مايو سنة 1956 بفصل المدعى من الخدمة وتصدق على هذا القرار من مجلس الوزراء فى 2/ 5/ 1956 وأنه بتاريخ 11 نوفمبر سنة 1957 قررت الوزارة عدم صرف راتبه عن المدة من 1/ 9/ 1953 حتى 31/ 12/ 54 استنادا الى أنه لم يؤد عملا خلال هذه الفترة حيث أن الأجر مقابل العمل كما أن لوكيل الوزارة أن يقرر ما يتبع بشأن راتبه عن مدة الايقاف كما يتراءى له حسب الاحوال عملا بنص المادة 96 من القانون 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة وأنه فيما يتعلق بما ذكره المدعى من أن المنطقة أصدرت أمرا باعادته الى العمل وعلقت أمر البت فى أمر ماهيته عن هذه المدة حتى الفصل فى القضية فليس ذلك معناه أن ماهيته عن هذه المدة تصبح حقا له اذا صدر الحكم ببراءته اذ أن أمر هذه الماهية متروك لتقدير وكيل الوزارة حسب الأحوال عملا بالمادة 96 وقد رأى وكيل الوزارة حرمانه من مرتبه عن هذه المدة وليست الوزارة ملزمة بتسبيب قرارها الصادر بذلك. أما عن صرف مرتب المدعى عن المدة التى قضاها بالمعتقل بعد صدور حكم ببراءته فقد أبدت الوزارة أن الصرف قد تم بناء على التعليمات الصادرة من الوزارة بصرف ماهيات المعتقلين بصفة عامة من 1/ 1/ 1955 وليس بسبب براءته مما نسب اليه ثم ردت الوزارة على ما أثاره المدعى بشأن أحقية الموظف المعتقل لمرتبه قياسا على أحقيته فى علاواته وترقياته بأن هذا القياس لا سند له من القانون فقد يستحق العلاوة أو الترقية ويصدر قرار بها ولكنها لا تصرف استتباعا لماهية الموظف من حيث الصرف أو الايقاف وأما فيما يختص بأن حبس المدعى كان لسبب خارج عن ارادته وانه أتضح أن الحبس لم يكن له أساس سليم فان حبسه كان بناء على صدور قرار باتهامه فى قضية شيوعية وصدر أمر عسكرى بذلك لأسباب متعلقة بالأمن العام حسبما جاء بتقرير المباحث العامة بوزارة الداخلية وانه قد ترتب على ذلك صدور قرار مجلس قيادة الثورة بفصله من الخدمة وصدق مجلس الوزراء على هذا الفصل ومن ثم فصدور هذا القرار يؤيد عدم صلاحيته للبقاء فى الخدمة ويؤيد وجهة نظر الوزارة فى حرمانه من مرتبه عن مدة الايقاف وبجلسة 8 من مايو سنة 1961 حكمت محكمة القضاء الادارى بأحقية المدعى فى صرف مرتبه عن المدة من 28/ 9/ 1954 الى 12/ 10/ 1954 ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات مع الزام الحكومة بالمصروفات المناسبة وأقامت المحكمة قضاءها على أن المدة التى يطالب المدعى بمرتبه عنها من أول سبتمبر سنة 1953 الى آخر ديسمبر سنة 1954 لم يكن وضع المدعى فيها واحدا فالفترة من أول سبتمبر سنة 1953 حتى 27 سبتمبر سنة 1954 كان فيها المدعى محبوسا حبسا احتياطيا وأن من حق وكيل الوزارة تقرير ما يتبع فى شأن صرف المرتب عملا بالمادة 96 من قانون موظفى الدولة فاذا ما رأى حرمانه من صرف مرتبه عن هذه الفترة فلا رقابة للقضاء الادارى على ذلك القرار طالما لم يشبه سوء استعمال السلطة وأنه فى الفترة من 28/ 9/ 1954 الى 12/ 10/ 1954 كان المدعى قائما بعمله ولم يكن موقوفا عنه لا بقرار ادارى ولا بقوة القانون فهو يستحق أن يصرف مرتبه عن هذه الفترة وانه فى الفترة من 13/ 10/ 1954 الى 3/ 12/ 1954 كان المدعى منقطعا عن عمله دون ترخيص سابق بذلك - وفى 20/ 10/ 1954 طلب احالته الى الكشف الطبى فقامت المدرسة باحالته الى الادارة الصحية فى 23/ 10/ 1954 وانتقل الطبيب المختص الى منزله ولكنه لم يجده ولم يتسن لذلك اعتبار هذه الفترة أجازة مرضية وعلى ذلك فالمدعى لم يؤد عملا خلال هذه الفترة ولم يرخص له بالانقطاع عن العمل خلالها فلا يستحق أن يصرف مرتبه عنها - أما الفترة الأخيرة وهى من 4/ 12/ 1954 الى 31/ 12/ 1954 فقد كان المدعى معتقلا خلالها ولما كان الاعتقال من قبيل الاجراءات الوقائية شأنه فى ذلك شأن الحبس الاحتياطى ويأخذ حكمه من ناحية سلطة وكيل الوزارة فى تقرير ما يتبع فى شأن صرف مرتب الموظف عن تلك الفترة على النحو الوارد بالمادة 96 من قانون موظفى الدولة ومن ثم فان السيد وكيل الوزارة وقد انتهى الى حرمان المدعى من مرتبه عن هذه الفترة يكون قد تصرف فى حدود سلطاته المخولة له قانونا ولا يجوز تعييب قراره الا بسوء استعمال السلطة وهو أمر لم يقم أى دليل عليه.
ومن حيث ان الطعن يقوم على أنه بعد أن تم الافراج عن المدعى فى 24 يونية سنة 1954 من الحبس الاحتياطى تقدم بطلب اعادته للخدمة وصرف مرتبه عن مدة الوقف بسبب هذا الحبس الاحتياطى فصدر القرار رقم 3270 فى 2 سبتمبر سنة 1954 من الادارة العامة للشئون القانونية باعادته للخدمة وصرف مرتبه من تاريخ تلك الاعادة مع ارجاء البت فى أمر صرف راتبه عن مدة الوقف حتى يفصل فى الجناية العسكرية المتهم فيها وأن الجهة الادارية بهذا تكون قد أفصحت عن رأيها صراحة بأنها سوف تبت فى موضوع مرتبه عن المدة من أول حبسه احتياطيا فى تلك الجناية حتى تسلمه العمل حسبما يبين من الحكم فى تلك الجناية فاذا جاء الحكم فيها قاضيا ببراءته مما نسب اليه وتحقق بذلك الشرط الذى أوقف صرف الراتب بسببه وهو الفصل فى الجناية كان واجبا على الجهة الادارية أن تقوم بصرف الراتب عن تلك الفترة طبقا لما جاء بقرارها وتلتزم بذلك حدود ما قالت به فى قرارها 327 المؤرخ فى 2 سبتمبر سنة 1954 آنف الذكر من وقف صرف الراتب حتى يفصل فى الجناية. وانه كان فى استطاعة الجهة الادارية أن تصدر قرارها بصرف الراتب أو عدم صرفه دون أن تبدى أى سبب من الأسباب ويكون قرارها صحيحا من الناحية القانونية اذ ليس هناك ما يلزمها قانونا بأن تصدر قرارها مسببا. أما وقد أصدرت القرار واستندت فى اصداره الى سبب معين فقد أصبحت ملزمة باحترام هذا السبب والوقوف عنده وأصبح من حق القضاء اذا ما عرض عليه أمر هذا القرار الادارى أن يراقب مشروعية الأسباب الذى ذكرتها الادارة. ونعى الطعن على الحكم أنه لم يقدر الظرف القهرى الطارئ الذى منع الطاعن عن أداء عمله خلال فترتى حبسه واعتقاله. أما عن الفترة من 14 أكتوبر سنة 1954 الى 3 ديسمبر سنة 1954 والتى كان المدعى مريضا خلالها فانه حقيقة لم يكن بمنزله يوم أن زاره الطبيب للكشف عليه وأنه كان قد توجه لطبيبه للعلاج وكان يجب على الوزارة أن تكلف مندوبها لزيارته بعد ذلك مرة أخرى ويكون ذلك بعد اخطاره باليوم الذى سوف يزوره فيه وهذا لم يحدث. وانتهى الطعن الى أن الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب ووجب الحكم بالغائه.
ومن حيث أنه بان لهذه المحكمة من استظهار ملف خدمة المدعى وأوراق الدعوى أنه قبض عليه وحبس احتياطيا بتاريخ أول سبتمبر سنة 1954 على ذمة الجناية رقم 21 عسكرية الوايلى سنة 1954 المقيدة برقم 13 عسكرية عليا سنة 1954 لأنه مع آخرين فى المدة من أول يناير سنة 1951 حتى يوم 10 أغسطس سنة 1953 أداروا ونظموا فى الجمهورية المصرية جمعية ترمى الى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات ثم أفرج عنه افراجا مؤقتا فى 24 يونية سنة 1954 فتقدم بطلب اعادته الى الخدمة وصرف راتبه من مدة الوقف لحبسه احتياطيا فأصدرت الوزارة قرارا بتاريخ 18 من سبتمبر سنة 1954 باعادته الى الخدمة وبصرف راتبه من تاريخ اعادته للعمل مع ارجاء البت فى أمر ماهيته عن مدة الايقاف حتى يفصل فى قضية النيابة العسكرية وقد تسلم الطاعن عمله فى 28/ 9/ 1954 ثم انقطع عن العمل من 13/ 10/ 1954. وبتاريخ 20/ 10/ 1954 وصل كتاب الى المدرسة من المدعى يطلب فيه احالته الى الكشف الطبى لمرضه فقامت المدرسة باحالته الى الادارة الصحية بشبرا بتاريخ 23/ 10/ 1954 وأفاد الطبيب الكشاف بأنه توجه اليه بمنزله للكشف عليه ولم يجده فأصدرت الوزارة القرار رقم 12481 بتاريخ 13/ 12/ 1954 بايقافه عن العمل من تاريخ انقطاعه عن العمل وايقاف صرف راتبه أيضا من هذا التاريخ ثم أرسلت ادارة المباحث العامة لوزارة الداخلية كتابا للمدرسة بتاريخ 4/ 12/ 1954 يفيد أنه صدر أمر عسكرى باعتقال المدعى لأسباب تتعلق بالأمن العام ولكنه لم يضبط فى ذلك التاريخ وكان ما زال منقطعا عن العمل حتى عاد اليه فى 5/ 1/ 1955 ثم انقطع ثانيا من 11/ 1/ 1955 ثم صدر قرار نقله لمدرسة بنى سويف وكتب بايقافه اعتبارا من 16/ 2/ 1955 واعتقل بعد ذلك ثم فصل من الخدمة - اعتبارا من 2/ 5/ 1956 بناء على قرار مجلس قيادة الثورة المصدق عليه من مجلس الوزراء وبتاريخ 11/ 11/ 1957 صدر قرار من وكيل الوزارة بعدم صرف المرتب عن المدة من 1/ 9/ 1953 حتى 31/ 12/ 1954.
ومن حيث إنه يبين مما سلف أيضاحه أن حرمان المدعى من راتبه عن مدة حبسه حبسا احتياطيا (وهى الفترة من أول سبتمبر سنة 1953 حتى تاريخ الافراج عنه افراجا مؤقتا فى 24 يونيو سنة 1954) انما كان بناء على قرار وكيل الوزارة (الصادر فى 11/ 11/ 1957) وهو أمر يدخل فى اختصاص وكيل الوزارة وفقا لحكم المادة 96 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التى تنص على أن "كل موظف يحبس حبسا احتياطيا أو تنفيذا لحكم جنائى يوقف بقوة القانون عن عمله مدة حبسه وبوقف صرف مرتبه وبعد انتهاء مدة الحبس يقرر وكيل الوزارة ما يتبع فى شأن صرف مرتبه بحسب الأحوال" والحكمة ظاهرة فى ترك تقدير صرف المرتب لوكيل الوزارة فى كل حالة على حدتها وبظروفها على مقتضى الاعتبارات الخاصة بها. ولما كان وكيل الوزارة قد انتهى الى عدم الموافقة على صرف مرتب المدعى عن فترة وقفه عن العمل وذلك لاسباب قدرها بما له من سلطة التقدير فى ضوء الصالح العام ولهذه الاسباب أساسها الصحيح الثابت فى الأوراق وهى تؤدى الى النتيجة التى انتهى اليها وكيل الوزارة من رفض طلب صرف مرتبه عن مدة الوقف ولم ينحرف فى ذلك بسلطته ولم ينطو قراره على أية شائبة من اساءة استعمال السلطة فان قراره يكون والحالة هذه قد صدر مطابقا للقانون ولا يجوز بعد ذلك مراجعة الادارة فى وزنها لمناسبات القرار وملاءمات اصداره مما يدخل فى صميم اختصاصها وتقديرها ما دام هذا التقدير مستخلصا استخلاصا سائغا من الوقائع التى قام عليها قرارها، ذلك أنه ليس من حق القضاء الادارى أن يستأنف بالموازنة والترجيح فيما قام لدى جهة الادارة من اعتبارات قدرت على مقتضاها ملاءمة اصدار القرار ما دام هذا التقدير قد استخلص سائغا من الوقائع الثابته فى الأوراق والا كان فى ذلك مصادرة للادارة على تقديرها وغل ليدها عن مباشرة وظيفتها فى الحدود الطبيعية التى تقتضيها هذه الوظيفة وما تستلزمه من حرية فى وزن مناسبات القرارات التى تصدرها ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحقيقة فيما قضى به من عدم استحقاق المدعى بصرف مرتبه عن فترة الحبس الاحتياطى سالفة الذكر. ولا حجة فيما ساقه الطعن - من أنه بصدور الحكم ببراءة الطاعن من التهمة المسندة اليه يتحقق الشرط الذى يتوقف عليه صدور قرار وكيل الوزارة لصرف المرتب عن مدة الوقف - لا حجة فى ذلك لان صرف المرتب انما يخضع لسلطة وكيل الوزارة التقديرية بالحدود والاوضاع السابق ايضاحها ولا يعلق صرف هذا المرتب على شرط بل يكون البت فى أمر صرف المرتب أو عدم صرفه فى ضوء ملابسات كل حالة وظروفها والحكم الجنائى الصادر بالبراءة قد لا يستتبع حتما براءة الموظف من الناحية الادارية وهو ما انتهى اليه أمر المدعى بصدور قرار مجلس قيادة الثورة - بفصله من الخدمة - وصدق عليه مجلس الوزراء فى 2 من مايو سنة 1956. واعتبارا بهذه الملابسات، صدر بعد ذلك قرار وكيل الوزارة فى 11/ 11/ 1957 بحرمانه من مرتبه عن مدة الحبس الاحتياطى.
ومن حيث أنه بالنسبة الى الفترة من 24 يونيو سنة 1954 تاريخ الافراج المؤقت عن المدعى حتى تاريخ تسلمه العمل فى 28/ 9/ 1954 فالثابت أنه لم يكن ثمت أى مانع قانونى يحول دون مباشرة المدعى لعمله فعلا كما لم يثبت أن الادارة امتنعت عن تمكينه من مباشرة عمله بعد الافراج عنه بل لقد أجابته الى ذلك عندما طلب اليها اعادته للعمل وصرف راتبه من تاريخ استلامه وكان عليه باعتبار كون رابطة التوظف ما زالت قائمة لم تنفصم وزال عنه سبب منعه من العمل بالافراج عنه أن يبادر الى طلب تسلم عمله دون انتظار ما قد تسفر عنه دراسة الوزارة لحالته ما دام لم يبلغ بصدور قرار جديد بالوقف يحول بينه وبين مباشرة مهام وظيفته بعد الافراج عنه كما أن الادارة لم تتخذ حياله أى موقف يحول دون استلامه لعمله وتمكينه منه بل الذى يستفاد من الأوراق أن المدعى اكتفى بأن تقدم بطلب اعادته للعمل ولم يستعجل الادارة الرد على هذا الطلب بل أنه تباطأ مستأنيا حتى أنه لم يتسلم عمله الا بعد عشرة أيام من صدور قرار الوزارة باعادته للعمل ثم عاودته شهوة الانقطاع عن العمل من جديد عقب استلامه العمل ببضعة أيام وقد تم ذلك فى 13/ 10/ 1954 بذريعة المرض. ومن ثم لا يكون المدعى قد أدى أى عمل خلال تلك الفترة يستحق عنه أجرا كما أنه لم يمنع عن أداء عمله لا بفعل الادارة ولا لسبب لا دخل لارادته فيه. وانما يستحق راتبه عن الفترة من 28/ 9/ 1954 الى 12/ 10/ 1954. لانه كان قائما بعمله خلال هذه الفترة ولم يكن موقوفا عن عمله لا بقرار ادارى ولا بقوة القانون ويكون الحكم المطعون فيه اصاب الحق فى قضائه بالنسبة لهذه الفترة للأسباب التى قام عليها والتى تأخذ بها هذه المحكمة.
ومن حيث ان انقطاع المدعى عن عمله (خلال الفترة من 13/ 10/ 1954 الى 3/ 13/ 1954) بعذر المرض لم يقم عليه أى دليل من عيون الأوراق اذ الثابت أنه تقدم (يوم 20/ 10/ 1954) بطلب احالته الى الكشف الطبى فقامت المدرسة بتحويله الى الادارة الصحية (بتاريخ 23/ 10/ 1954)، وبانتقال الطبيب المختص الى مسكنه لم يجده فيه وتعذر لذلك الكشف الطبى عليه حتى يمكن تقرير ما اذا كان قد طرأ عليه حقا طارئ المرض الذى يعوقه عن مباشرة وظيفته أو لم يطرأ عليه ذلك وما هى الاجازة اللازمة لذلك. ولما كان من المقرر أن الاجر مقابل العمل والاصل المؤصل ان يخصص الموظف وقته وجهده لاداء واجبات وظيفته والا ينقطع عن مباشرة مهامها الا اذا استحصل مقدما على اجازة بذلك سواء اكانت هذه الاجازة اعتيادية أم مرضية. ولما كان المدعى لم يؤد عملا خلال هذه الفترة ولم يرخص له فى الانقطاع عن العمل خلالها ثم لم يضع نفسه تحت تصرف الادارة الصحية ليسقط قرينة الانقطاع بغير عذر المستفادة من تخلفه فانه لذلك لا يستحق مرتبه عن تلك الفترة ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به فى هذا الخصوص.
ومن حيث انه عن الفترة من 4/ 12/ 1954 الى 31/ 12/ 1954 فانه وان كان صدر أمر عسكرى باعتقال المدعى لأسباب تتعلق بالأمن العام كما جاء بكتاب ادارة المباحث العامة بوزارة الداخلية بتاريخ 4/ 12/ 1954 الا أن المدعى لم يعتقل فعلا خلال هذه الفترة وانما كان منقطعا عن العمل بدون اذن وبدون علة ظاهرة حتى عاد الى العمل فى 5/ 1/ 1955 ثم انقطع من جديد فى 11/ 1/ 1955 ثم ضبط بعد ذلك واعتقل اعتبارا من 16/ 2/ 1955 تنفيذا للامر العسكرى الصادر باعتقاله وعلى ذلك فقد ثبت أن المدعى لم يكن ممنوعا من العمل بسبب الاعتقال وانما كان منقطعا عن العمل بلا عذر قانونى ومن ثم فلا يستحق اجرا عن هذه المدة لعدم تأدية أى عمل وتعتبر تلك المدة من ثم امتدادا لمدة انقطاعه عن عمله بغير عذر منذ 13/ 10/ 1954 بحيث يسرى عليها حكمها.
ومن حيث أنه لكل ما تقدم يكون الطعن قد قام على غير اساس سليم من القانون متعينا رفضه.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت المدعى بالمصروفات.