أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
الجزء الأول - السنة 28 - صـ 600

جلسة أول مارس سنة 1977

برئاسة السيد المستشار أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد صدقى العصار، وزكى الصاوى صالح، وجمال الدين عبد اللطيف، وعبد الحميد المرصفاوى.

(110)
الطعن رقم 580 لسنة 43 القضائية

(1، 2، 3) التزام "تنفيذ الإلتزام". بيع. حوادث طارئة. محكمة الموضوع.
(1) تطبيق حكم المادة 147/ 2 مدنى شأن الحوادث الطارئة. شرطه. تقدير كون الحادث الطارئ. عاما غير متوقع. من سلطة قاضى الموضوع ما دام أنه أقام قضاءه على أسباب مؤدية.
(2) تقدير مدى الإرهاق الذى أصاب المدين من جراء الحادث الطارئ. م 147/ 2 مدنى متروك لقاضى الموضوع. مناط الإرهاق. الاعتبارات الموضوعية للصفقة لا الظروف المتعلقة بالمدين.
(3) تطبيق المادة 147/ 2 مدنى بشأن الحوادث الطارئة. وجوب تحميل المدين الخسارة المألوفة التى يمكن توقعها عند التعاقد. تقسيم ما يزيد على ذلك من خسارة غير مألوفة؛ بالتساوى بين المتعاقدين. لا عبرة بالظروف الذاتية للمدين.
1 - تشترط الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدنى لإجابة المدين إلى طلب رد التزامه بسبب وقوع حوادث استثنائية عامة إلى الحد الذى يجعل تنفيذ هذا الالتزام غير مرهق له، أن تكون هذه الحوادث عامة غير متوقعة الحصول وقت التعاقد، والبحث فيما إذا كان الحادث غير عام وبما وسع الشخص العادى أن يتوقعه أو أنه من الحوادث العامة الطارئة الغير متوقعة هو مما يدخل فى نطاق سلطة قاضى الموضوع ما دام يقوم على اسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه، ولما كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر تخفيض المساحة التى تزرع قصبا - بالأطيان المبيعة - إلى 40% حادثا استثنائيا عاما من شأنه تخفيض الربع ويبرر تخفيض الثمن، وأقام قضاءه على أسباب سائغة تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها. فإن النعى يكون فى غير محله.
2 - إن تدخل القاضى لرد الإلتزام إلى الحد المعقول طبقا للمادة 147/ 2 من القانون المدنى رخصة من القانون يجب لاستعمالها تحقق شروط معينة أهمها شرط الإرهاق المهدد بخسارة فادحة، وتقدير مدى الإرهاق الذى أصاب المدين من جراء الحادث الطارئ هو مما يدخل فى السلطة التقديرية لقاضى الموضوع، ومناط هذا الإرهاق الاعتبارات الموضعية بالنسبة للصفقة ذاتها لا الظروف المتعلقة بشخص المدين، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استخلص توافر الإرهاق من ظروف الصفقة وملابساتها ومن أن ما طرأ على انخفاض القيمة الإيجارية للفدان بالاضافة إلى خفض المساحة التى تزرع قصبا وما ترتب على ذلك من هبوط الريع السنوى للأطيان المبيعة هو من قبيل الخسارة التى ترهق كاهل المشتريين ارهاقا يجاوز حد السعة، لما كان ذلك وكان ما أورده الحكم فى هذا الشأن سائغا ويدخل فى السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع فإن النعى عليه - بأن الخسارة التى لحقت بالمشتريين هى خسارة ضئيلة ومألوفة - يكون فى غير محله.
3 - مفاد نص الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدنى أنه متى توافرت الشروط التى يتطلبها القانون فى الحادث الطارئ فإن للقاضى سلطة تعديل العقد برد الالتزام الذى صار مرهقا إلى الحد المعقول، وهو حين يختار فى حدود سلطته التقديرية الطريق المناسب لمعالجة الموقف الذى يواجهه لا يرفع كل خسارة عن عائق المدين ويحملها للدائن وحده، لكنه يحد من فداحة هذه الخسارة التى ستصيب المدين ويصل بها إلى الحد المعقول بتحميل المدين الخساره المألوفة التى كان يمكن توقعها عادة وقت التعاقد، ويقسم ما يزيد على ذلك من خسارة غير مألوفه بين المتعاقدين بالسوية فيما بينهما باعتبار أن ذلك أقسط فى مراعاة الموازنة بين مصلحة كل منهما بغض النظر عن الظروف الذاتيه المدين، لأن المشرع - وعلى ما أفصحت عنه الأعمال التحضيرية للقانون - أضفى على نظرية الحوادث الطارئة صيغة مادية ولم يأخذ فيها بمعيار ذاتى أو شخصى، وإنما جعل معيارها موضوعيا.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل فى أن المطعون عليهم أقاموا الدعوى رقم 930 سنة 1955 مدنى القاهرة الابتدائية، وقالوا بيانا لها أنهم بموجب اتفاقات عرفية اشتروا من الشركة الطاعنة 426 فدان و6 قراريط و6 أسهم استبعد منها ثمانية أفدنه وكسور لإنشاء مصرف فأصبح المقدار الباقى 418 فدان وذلك مقابل ثمن قدره 113681 جنيها وفوائد مقدارها 32220 جنيها وكانت أسعار الأراضى الزراعية مرتفعة وقت الشراء كما كانوا يقومون باستئجار أراضى أخرى ويؤجرونها من باطنهم، ثم صدر القانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعى ومنع تأجير الأطيان الزراعية من الباطن وحدد أجرة الفدان بسبعة أمثال الضريبة، وحدد ملكية الأراضى الزراعية وجعل سعر الفدان سبعين مثلا للضريبة وقد ترتب على ذلك وعلى ارتفاع أجرة الرى الذى تقوم الشركة الطاعنة به وعلى انقاص مساحة الأرض التى تزرع قصبا وعلى تخفيض سعر قنطار القصب من 11.5 جنيها إلى 10.5 جنيها أن هبط ثمن الأرض الزراعية التى اشتروها من الشركة الطاعنة، وإذ جعلت هذه الظروف التزامهم مرهقا إلى حد العجز عن سداد باقى الثمن إذ بلغ ما سددوه من ثمن الصفقة 59820 جنيها وكانوا يقدرون ثمن الفدان الواحد بناء على هذه الظروف الطارئة بمبلغ 90 جنيها مما يكون معه مجموع ثمن الصفقة 38000 جنيها فقد أقاموا دعواهم بطلب رد مبلغ 21820 ج وحبس المطلوبات الباقية للشركة الطاعنة تحت أيديهم حتى يفصل فى الدعوى وتعديل الثمن إلى مبلغ 38000 جنيه وأثناء نظر الدعوى أضافوا طلب تخفيض سعر الفائدة على الثمن بجعله 5% فائدة بسيطة غير مركبة وبتاريخ 30/ 1/ 1956 قضت المحكمة بندب مكتب الخبراء الزراعيين بوزارة العدل لتقدير القيمة المعقولة لأرض النزاع بعد العمل بقانون الإصلاح الزراعى رقم 178 سنة 1952 وبيان الأسس التى أقام عليها تقديره وفحص حسابات الشركة الطاعنة للتعرف على مساحة الصفقة والثمن المبيعة به والآجال المحددة لدفع الأقساط ومدى ما استحق عل ذلك الثمن من فائدة ومقدار ما دفعه المطعون عليهم من ثمن أو من فائدة ومقدار الباقى عليهم من ذلك وشروط الوفاء به وليكشف عن مدى إرهاق المطعون عليهم إن كان يسبب تنفيذ العقد. وقد أورد هذا الحكم أن قانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952 هو مجال طبيعى لتطبيق نص المادة 147/ 2 من القانون المدنى، وأن معيار الارهاق فى مجال تطبيق هذه المادة هو معيار موضوعى يتعلق بالصفقة المعقودة وليس معيارا ذاتيا وإلى أن مدى إرهاق المطعون عليهم نتيجة الصفقة محل الدعوى والموازنة بين صالح كل من المشترى والبائع هو ما قد يكشف عنه خبير يؤدى المأمورية السالف بيانها. وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت المحكمة بتاريخ 30/ 12/ 1957 باعتبار سعر الفدان من الأطيان موضوع الدعوى المباعة من الطاعنة إلى المطعون عليهم مبلغ 490 جنيها و203 مليمات وباعتبار أن سعر الفائدة من المبالغ المتأخرة بذمة المطعون عليهم للطاعنة 6% سنويا بسيطة غير مركبة وبرفض طلب حق الحبس الذى يطالبون به وبندب مكتب الخبراء بوزارة العدل لبيان ثمن جميع الأطيان المبيعة من الطاعنة للمطعون عليهم على أساس أن ثمن الفدان من هذه الأطيان 490 جنيها و203 مليمات وبيان قيمة ما سدد من ثمن جميع الأطيان وقت التعاقد والباقى منه وقيمة الفوائد المستحقة للشركة على هذه المبالغ باعتبار أن سعر الفائدة 6% بسيطة غير مركبة مع خصم ما قد يكون قد دفع من المطعون عليهم أولا بأول من الفائدة ثم من رأس المال وتصفية الحساب بين طرفى الخصومه. استأنف الطاعنة الحكمين الصادرين بتاريخى 30/ 1/ 1956 و30/ 12/ 1957 بالاستئنافين رقمى 138 و574 سنة 75 القاهرة وبتاريخ 3/ 5/ 1960 وبعد أن قدم الخبير تقريره صدر حكم محكمة أول درجة برفض طلب المطعون عليهم الخاص برد مبلغ 21820 جنيها. قدم المطعون عليهم أثناء نظر الاستئنافين المقدمين من الطاعنة استئنافا مقابلا قيد برقم 801 سنة 78 ق وطلبوا فيه رد الالتزام إلى مبلغ 1032 وتقسيط الثمن على عشرين سنة بفائدة 3% وبحبس الثمن حتى يصفى الحساب بين الطرفين وبتاريخ 9/ 6/ 1965 قضت محكمة الاستئناف برفض الاستئنافين 138 و574 سنة 75 ق وتأييد الحكمين المستأنفين الصادر أولهما بتاريخ 30/ 1/ 56 وثانيهما بتاريخ 30/ 12/ 1957 وبرفض الاستئناف المقابل رقم 801 سنة 78 ق وتأبيد الأحكام المستأنفة الصادرة فى الدعوى رقم 1955 مدنى القاهرة الابتدائية طعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنها برقم 532 لسنة 35 ق. وبتاريخ 5/ 5/ 1970 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأسست قضاءها على أن الحكم لم يبين الأسباب التى استند إليها فى اعتبار تخفيض المساحة التى تزرع قصبا حادثا استثنائيا عاما يجيز للقضاء التدخل تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين لرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول كما أنه حمل الطاعنة مقدار النقص فى ثمن الأطيان جميعه دون أن يراعى الموازنة بين مصلحة الطرفين على ما تقضيه المادة 147/ 2 من القانون المدنى. وبعد تعجيل الاستئناف حكمت المحكمة بتاريخ 7/ 4/ 1973 فى الاستئنافين رقمى 138 و574 سنة 75 ق بتعديل الحكمين المستأنفين على أساس سعر الفدان فى الصفقة جميعها 224 جنيها و500 مليم وفى الاستئناف المقابل رقم 801 سنة 78 ق برفضه وتأييد الحكم المستأنف فى النطاق الوارد بأسباب هذا الحكم. طعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أيدت فيها الرأى برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه الدائرة فى غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون، من ثلاثة وجوه، الأول أن الحكم اعتبر صدور قانون الاصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952 حادثا استثنائيا عاما فى مدلول الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدنى ومع ذلك فقد اعتد فى تقدير الارهاق الذى أصاب المطعون عليهم بتخفيض المساحة التى كانت تزرع قصبا من أرض النزاع إلى 40%، فى حين أن ذلك لا شأن له بالقانون الإصلاح الزراعى ولا يعتبر ارهاقا يجوز تخفيفه تطبيقا لنظرية الظروف الطارئة.
وحيث إن النعى بهذا الوجه مردود، ذلك أنه لما كانت الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدنى تشترط لإجابة المدين إلى طلب رد التزامه بسبب وقوع حوادث استثنائية عامة إلى الحد الذى جعل تنفيذ هذا الالتزام غير مرهق له، أن تكون هذه الحوادث عامة وغير متوقعة الحصول وقت التعاقد وكان البحث فيما إذا كان الحادث غير عام وبما فى وسع الشخص العادى أن يتوقعه أو أنه من الحوادث العامة الطارئة الغير متوقعة هو مما يدخل فى نطاق سلطة قاضى الموضوع ما دام يقوم على أسباب تؤدى إلى ما انتهى اليه، وكان الحكم المطعون فيه إذ اعتبر تخفيض المساحة التى تزرع قصبا إلى 40% حادثا استثنائيا عاما من شأنه تخفيض الريع قد أورد فى ذلك قوله "أنه لا يخص المشترين - المطعون عليهم - وحدهم بل يخضع له جميع الزراع ويتعين عليهم أن يلتزموا به مكرهين وإلا فمصير محصولهم البوار وهو ما حدى الشركة البائعة - الطاعنة - إلى كتابة خطاب لهم تنهى إليهم معتذرة قرارها باعتباره خارجا عن إرادتها وأنه من إملاء شركة السكر التى تملك إصداره، وهو حادث غير متوقع عند التعاقد حتى ينبغى أن يدخله المشترون فى تقديرهم وحسابهم وهو بذلك طارئ، ولما كان يبين مما قرره الحكم أنه يستند فى هذا الشأن إلى قانون الإصلاح الزراعى وإنما اعتبر تخفيض المساحة التى تزرع قصبا فى ذاته استثناءا عاما يبرر تخفيض الثمن، وأقام قضاءه على أسباب سائغة تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها، لما كان ذلك فإن النعى بهذا الوجه يكون فى غير محله.
وحيث إن الوجه الثانى من أوجه النعى يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه قدر انخفاض القيمة الإيجارية للأطيان نتيجة صدور قانون الإصلاح الزراعى بنسبة 9% من ثمن الشراء واتخذه عنصرا لتخفيض ثمن هذه الأطيان، مع أن هذه الخسارة ضئيلة ولا يعتبر إرهاقا للمطعون عليهم بالمعنى الذى يتطلبه القانون فى الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدنى، ذلك أنه يشترط فى الإرهاق الذى يبرر تطبيق حكم الظروف الطارئة أن يكون من شأنه تهديد المدين بخسارة فادحة مما ينتج عنه أن الخسارة المألوفة فى التعامل لا تكفى لأعمال هذا الحكم.
وحيث إن النعى بهذا الوجه مردود، ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائى الصادر بتاريخ 30/ 5/ 1957 الذى أحال إليه الحكم المطعون فيه فى تقدير مدى الارهاق أنه عرض لتقدير الخبير المنتدب فى الدعوى وانتهى إلى أن تأثير عامل تخفيض القيمة الإيجارية بسب صدور قانون الإصلاح الزراعى هو ثمن تخفيض ثمن الأطيان المبيعة بنسبة 9% وأن تأثير عامل انخفاض مساحة الأرض التى تزرع مستقبلا من القصب هو تخفيض الثمن بنسبة 14.5% ومجموع ذلك 23.5% وخلص إلى أن هذا يعد إرهاقا يثقل كاهل المشترين، وهذا الذى قرره الحكم وأقام عليه قضاءه لا مخالفة فى للقانون، ذلك أن تدخل القاضى لرد الالتزام إلى الحد المعقول طبقا المادة 147/ 2 من القانون المدنى رخصة من القانون يجب لاستعمالها تحقق شروط معينة أهمها شرط الإرهاق المهدد بخسارة فادحة، وتقدير مدى الإرهاق الذى أصاب المدين من جراء الحادث الطارئ هو مما يدخل فى السلطة التقديرية لقاضى الموضوع ومناط هذا الارهاق الاعتبارات الموضوعية بالنسبة للصفة ذاتها لا الظروف المتعلقة بشخص المدين، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استخلص وعلى ما سلف البيان توافر الأرهاق من ظروف الصفقة وملابساتها ومن أن ما طرأ على انخفاض القيمة الأيجارية للفدان بالإضافة إلى خفض المساحة التى تزرع قصبا وما ترتب على ذلك من هبوط الريع السنوى للأطيان المبيعة هو من قبيل الخسارة التى ترهق كاهل المشترين إرهاقا يجاوز حد السعة، لما كان ذلك وكان ما أورده الحكم فى هذا الشأن سائغا ويدخل فى السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، فإن النعى عليه بهذا الوجه يكون فى غير محله.
وحيث إن حاصل النعى بالوجه الثالث أن مؤدى رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول هو أن يتحمل المدين وحده تبعة الخسارة المألوفة فى التعامل ثم يشترك مع الدائن على قدم المساواة فيما بينهما فيما جاوز ذلك من إرهاق، غير أن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أن توزيع الارهاق ليس من مقتضاه القسمة مناصفة بل يتعين مراعاة الجانب الأقوى والجانب الضعيف فى الصفقة وانتهى إلى توزيع الفرق فى ثمن الفدان وقدره 62 جنيها و500 مليم بين الطرفين بنسبة 1: 2 وحمل الطاعنة باعتبارها الجانب الأقوى بمبلغ 41 جنيها و500 مليم وحمل المطعون عليهم باعتبارهم الجانب الضعيف بمبلغ 21 جنيها بما فى ذلك الخسارة المألوفة وقدرها الثلث أى 7 جنيهات وهو ما يعيبه بالخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث أن هذا النعى بهذا الوجه صحيح، ذلك أنه لما كان مفاد نص الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدنى أنه متى توافرت الشروط التى يتطلبها القانون فى الحادث الطارئ، فان للقاضى سلطة تعديل العقد برد الألتزام الذى صار مرهقا إلى الحد المعقول، وهو حين يختار فى حدود سلطته التقديريه الطريق المناسب لمعالجة الموقف الذى يواجهه لا يرفع كل خسارة عن عاتق المدين ويحملها للدائن وحده، لكنه يحد من فداحة هذه الخسارة التى ستصيب المدين ويصل بها إلى الحد المعقول بتحميل المدين الخسارة المألوفة التى كان يمكن توقعها عادة وقت التعاقد ويقسم ما يزيد على ذلك من خسارة غير مألوفة بين المتعاقدين بالسوية فيما بينهما باعتبار أن ذلك أقسط فى مراعاة الموازنة بين مصلحة كل متهما بغض النظر عن الظروف الذاتية للمدين لأن المشرع - وعلى ما أفصحت عنه الأعمال التحضيرية للقانون - أضفى على نظرية الحوادث الطارئة صيغة مادية ولم يأخذ فيها بمعيار ذاتى أو شخصى وإنما جعل معيارها موضوعيا، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه فى هذا الخصوص على أن "إعادة التوازن ليس لازمها توزيع الارهاق مناصفة وتحميل كل طرف بنصف الإرهاق بل توزيع الأرهاق توزيعا عادلا،.. والتوزيع العادل ليس مقتضاه القسمة العددية منصفة وتراعى المحكمة فى ذلك الجانب الأقوى والجانب الأضعف فى الصفقة. وترى المحكمة أن الشركة - الطاعنة - تعتبر فى ذلك أقوى والمشترين لجزء من أراضيها - المطعون عليهم - هو الجانب الأضعف وعلى هدى ما تقدم ترى تحميل الفرق وقدره 266 - 203.490 = 62.500 يقسم بنسبة 1: 2 بين المشترين والشركة مع ملاحظة أن نسبة المشترين تتضمن ما يعتبر خسارة محتملة بنسبة الثلث منها أى يصبح سعر الفدان 203 جنيهات و500 مليما × 21 = 224 جنيها و500 مليم للفدان فى المتوسط تحتسب الصفقة على أساسه ويكون تقسيم الخسارة بنسبة 1/ 9 إرهاق محتمل و2/ 9 على المشترين و6/ 9 على الشركة أى 2 + 4 يتحمل بها المشترى، أما الباقى تتحمل به الشركة وهو 41.500، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خرج عن المعيار الموضوعى الذى اعتد به المشرع فى نظرية الظروف الطارئة واخل بالموازنة بين مصلحة الطرفين المتعاقدين على ما تقتضيه المادة 147/ 2 من القانون المدنى على ما سلف البيان بما يستوجب نقضه فى هذا الخصوص.
وحيث إن الطعن للمرة الثانية فإنه يتعين على المحكمة أن تحكم فى الموضوع.
وحيث إنه ولما تقدم، ولما كان الثابت إن الفرق بين ثمن الأطيان الميعة الذى عقدت به الصفقة وبين الثمن الذى قدرته محكمة أول درجة فى ظروف الإرهاق هو 62 جنيها و500 مليم (266 - 230 جنيها و90 مليما) وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى تقدير الخسارة المألوفة التى يتحمل بها المطعون عليهم بمبلغ 7 ج للفدان الواحد ولم يكن هذا التقدير محل نعى من الطاعنة فإن الباقى يكون 55 جنيها و500 مليم (62 - 7 جنيهات و500 مليم) وهو يمثل قيمة الخسارة غير المألوفة فى الصفقة والذى يتعين على المحكمة تقسيمه مناصفة بين الطرفين فيتحمل كل منهما مبلغ 27 جنيها و750 مليما، ومن ثم يتعين تعديل ثمن الفدان الواحد فى الصفقة جميعها إلى مبلغ 238 جنيها و250 مليما (203 جنيها و203 مليمات) + 7 ج + 27 جنيها و750 مليما) وهو ما تقضى المحكمة على أساسه.
وحيث إن كلا من الطرفين قد اخفق فى بعض طلباته فترى المحكمة أن يتحمل كل منهما نصف المصروفات عن الدرجتين عملا بنص المادتين 186، 240 من قانون المرافعات.