مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 1094

(109)
جلسة 24 من أبريل سنة 1965

برئاسة السيد/ الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة/ الأساتذة محمد يوسف شلبى وعادل عزيز وعبد الستار عبد الباقى آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 1267 لسنة 7 القضائية

( أ ) مخالفة مالية - دعوى تأديبية - سقوط - احالة الموظف الى المعاش فى 15 من يناير سنة 1954 - لا تحول دون محاكمته تأديبيا عن مخالفة مالية منسوبة اليه - أساس ذلك من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 - لا يؤثر فى الأمر أن الحادث موضوع الاتهام قد حدث سنة 1949 طالما أن الدعوى التأديبية لم تسقط بمضى الخمس سنوات المنصوص عليها بالمادة 20 من المرسوم بقانون سالف الذكر.
(ب) مخالفة ادارية - مخالفة مالية - دعوى تأديبية - سقوط - نظام عام - القانون رقم 73 لسنة 1957 - تسويته بين المخالفات المالية والمخالفات الادارية فى جواز اقامة الدعوى التأديبية على الموظف الذى ترك الخدمة - سريان أحكامه بأثر حال ومباشر على ما وقع من مخالفات لم تسقط بمضى المدة حتى تاريخ نفاذه - أساس ذلك أنه من قوانين النظام العام.
(جـ) لائحة مالية - دفتر اذن الصرف - حظر تسليم الموظف المنوط به سحب اذون الصرف أكثر من دفترين منها - يعنى به الدفاتر ذات المائة اذن أو الخمسين اذن - أساس ذلك من المادة 457 من اللائحة المالية.
(د) أمر ادارى - الغاؤه - الغاء الأمر الادارى - يكون بأمر ادارى آخر بنفس أداة الأمر الأول.
1 - انه وقد ثبت أن التهمة المنسوبة الى الطاعن هى من قبيل المخالفات المالية، فانه يجوز محاكمته عنها تأديبيا بعد احالته الى المعاش طالما أنه قد أحيل الى المعاش فى 15 من يناير سنة 1954 وذلك بالتطبيق لنص المادة 21 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 سالف الذكر التى تنص على أنه "تجوز اقامة الدعوى التأديبية على الموظف الذى يكون قد ترك الخدمة لأى سبب كان.." على أن يحكم عليه بالعقوبات المنصوص عليها بهذه المادة.. ولا يؤثر فى ذلك أن الحادث موضوع الاتهام قد حدث فى سنة 1949 طالما أن الدعوى التأديبية لم تسقط بمضى الخمس سنوات المنصوص عليها بالمادة 20 من المرسوم بقانون المذكور لانقطاع هذه المدة باجراءات التحقيق وعدم مضى خمس سنوات على آخر اجراء من اجراءاته.
2 - ان القانون رقم 73 لسنة 1957 قد سوى بين المخالفات المالية والمخالفات الادارية فى جواز اقامة الدعوى التأديبية عنها على الموظف الذى ترك الخدمة، اذ أنه قد أضاف مادتين الى القانون رقم 210 لسنة 1951 هما المادة 102 مكرر ونصها "لا تسقط الدعوى التأديبية بالنسبة الى الموظفين طول مدة وجودهم فى الخدمة وتسقط بمضى خمس سنوات من تاريخ تركهم الخدمة لأى سبب كان.. وتنقطع هذه المدة باجراءات التحقيق والاتهام أو المحاكمة وتسرى المدة من جديد ابتداء من آخر اجراء".. والمادة 102 مكررا ثانيا ونصها "تجوز اقامة الدعوى التأديبية عن المخالفات المالية والادارية على الموظف الذى يكون قد ترك الخدمة لأى سبب كان وفى هذه الحالة يجوز الحكم عليه باحدى العقوبات الآتية:
(1) الحرمان من المعاش مدة لا تزيد على ثلاثة شهور.
(2) الحرمان من المعاش كله أو بعضه من تاريخ الحكم.
(3) ... ... ... ... ... ... ... ...".
ولما كان هذا القانون - كما جرى به قضاء هذه المحكمة - من قوانين النظام العام وقد نشر بالجريدة الرسمية فى 4 من شهر أبريل سنة 1957 فان أحكامه نسرى بأثر حال ومباشر على ما وقع من مخالفات لم تسقط بمضى الخمس سنوات المنصوص عليها بالمادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 آنف الذكر.. ولما كانت المخالفات المنسوبة الى الطاعن سواء كانت مخالفات مالية أو ادارية لم يكن قد مضى على آخر اجراء فيها فى 4 من أبريل سنة 1957 - تاريخ نشر القانون المذكور - خمس سنوات.. ومن ثم فان الدعوى التأديبية لم يسقط الحق فى اقامتها وبالتالى يكون الحكم المطعون فيه - اذ قضى برفض الدفع بعدم جواز محاكمة الطاعن تأديبيا - قد أصاب الحق فى قضائه هذا.
3 - يبين من الاطلاع على اللائحة المالية أن المادة 457 منها تنص على ان اذن الصرف "مجموع فى دفاتر يحتوى الواحد منها على خمسين أو مائة اذن مرقومة بأرقام مسلسلة مطبوعة أيضا على قسيمة (كعب) كل اذن" والمادة 460 منها تنص على أنه "لا يجوز أن يكون فى عهدة الموظف المنوط به سحب أذون الصرف أكثر من دفتر واحد احتياطى علاوة على كل دفتر يجرى العمل به" ويستفاد من هذين النصين أن الدفاتر التى لا يجوز تسليم أكثر من دفترين منها انما هى الدفاتر المنصوص عليها بالمادة 457 سالفة الذكر أى ذات المائة اذن أو الخمسين اذن.. ولما كان الثابت من الأوراق أن الدفاتر التى كانت ترد للطاعن لتوزيعها على المحررين كان يحتوى كل منها على مائة اذن وكان الطاعن يقسم كل منها الى أربعة دفاتر يحوى كل منها 25 اذنا وهى ما كانت تسلم للمحررين (تراجع ض 21 من تحقيق النيابة العامة) فاذا كان الثابت كذلك أنه سلم يوم 15 من ديسمبر سنة 1949 السيد/ جوده عبد الله مرسى ثمانية دفاتر والسيد/ عريان مينا أربعة دفاتر علاوة على دفترين كانا باقيين طرفه.. وحوى كل منها على 25 اذنا فانه فى واقع الأمر يكون قد سلم الأول دفترين والثانى دفترا ونصف فقط ومن ثم فانه بذلك لا يكون قد خالف نص المادة 460 سالفة الذكر ويكون الحكم المطعون فيه - اذ قضى بثبوت هذه المخالفة قبل الطاعن - قد جانب الصواب فى هذا الشأن.
4 - ان الأمر الادارى لا يلغيه الا أمر ادارى آخر بنفس أداة الأمر الأول وهى الكتابة.


اجراءات الطعن

فى يوم 20 من مايو سنة 1961 أودع السيد/ توفيق حنا سكرتارية هذه المحكمة صحيفة طعن قيد بجدولها برقم 1267 لسنة 7 قضائية فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارتى الأشغال والحربية بتاريخ 3 من أبريل سنة 1961 فى الدعوى التأديبية رقم 47 للسنة الثانية القضائية المقامة من: النيابة الادارية ضد السيد/ توفيق حنا - الطاعن وآخرين والقاضى برفض الطعن المبدى من المتهمين الأول والسادس - الطاعن - بعدم جواز محاكمتهما تأديبيا وبجوازها وبمجازاة الطاعن بحرمانه من ربع معاشه... وقد طلب الطاعن. - للأسباب الواردة بصحيفة الطعن - احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا لتقضى بقبوله شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم بقبول الدفع بعدم جواز محاكمة الطاعن تأديبيا واحتياطيا وفى الموضوع ببراءته مما نسب اليه مع الزام المطعون ضدها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماه عن الدرجتين.. وقد أعلنت صحيفة الطعن الى النيابة الادارية فى 7 من يونيه سنة 1961 وقد عقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بتقرير بالرأى القانونى مسببا انتتهت فيه الى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزام الطاعن المصروفات.. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أى من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 31 من أكتوبر سنة 1964 وأخطر بها ذوو الشأن فى 5 من ذات الشهر.. وبجلسة 7 من نوفمبر سنة 1964 قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا حيث عين لنظره جلسة 30 من يناير سنة 1965 وأخطر بها ذوو الشأن فى 11 من ذات الشهر ومنها لجلسة 27 من مارس سنة 1965 لمرض محامى الطاعن.
وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن وقررت اصدار الحكم بجلسة اليوم مع الترخيص فى تقديم مذكرات لمن يشاء الى ما قبل الجلسة بأسبوعين فقدمت النيابة الادارية مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه فيما قضى به مع الزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - فى ان النيابة الادارية أقامت الدعوى التأديبية رقم 47 لسنة 2 قضائية ضد الطاعن السيد/ توفيق حنا وآخرين بتقرير اتهام ومذكرة ملحقة به أودعتها سكرتيرية المحكمة التأديبية لوزارتى الأشغال والحربية فى 16 من يونية سنة 1960 ثم أودعت خمسة حوافظ أرفقت بها أوراق التحقيقات الجنائية والادارية وملفات خدمة بعض المتهمين.. وقد نسبت الى المتهمين بتقرير الاتهام انهم فى خلال عام 1949.. بمصلحة المساحة التابعة لوزارة الاشغال وبوزارة الخزانة لم يراعوا الدقة فى أداء العمل المنوط بهم وخرجوا على مقتضى الواجب بأن أهملوا فى أعمال وظائفهم أهمالا تسبب عنه انتزاع اذن الصرف (9 ع. ح) رقم 346500 واستعماله مع الاخطار (59 ع ح) رقم 174490 فى اختلاس 587 جنيه و975 مليم من خزينة وزارة المالية وأبلغت نيابة جنوب القاهرة حيث قيد الموضوع جناية تحت رقم 888 لسنة 1956 وصدر قرارها بتاريخ 27 من فبراير سنة 1956 بعدم وجود وجه لاقامة الدعوى الجنائية لعدم معرفة الفاعل واحالة الأوراق للجهة الادارية لمساءلة المتهمين المذكورين اداريا.. وذكرت النيابة الادارية فى مذكرتها الملحقة بتقرير الاتهام أن ادارة حسابات مصلحة المساحة اكتشفت فى 17 من فبراير سنة 1949 انتزاع اذن الصرف المنوه عنه واستعماله مع الاخطار المشار اليه فى اختلاس المبلغ المذكور فأخبرت الجهات المختصة كما تشكلت لجنة ادارية لبحث الموضوع أوضحت فى تقريرها أنه فى 15 من ديسمبر سنة 1949 قام توفيق حنا رئيس الوحدة الحسابية بمصلحة المساحة - الطاعن - بتوزيع أربعة من دفاتر أذون الصرف (9 ع. ح) على محرريها كما أعطى عريان مينا - أحد المتهمين - ستة دفاتر رغم صدور أمر السيد مدير الحسابات باستبعاده من تحرير الاذون وبرغم أن الأمر المذكور قد حدد الكمية بأربعة دفاتر لكل محرر واحد واثبات تاريخ التوزيع فى السجل المعد لذلك فاحتج عريان على تسليمه ستة دفاتر بدلا من أربعة وعلى طلب توقيعه فى سجل التوزيع فرد رئيس الوحدة بأن الدفترين الزائدين كانا يخصانه من يوم سابق.. فاضطر عريان الى تسلم الدفاتر الستة والتوقيع تحت ضغط وكيل الحسابات وخشية أن يشكوه رئيس الوحدة الى السيد المدير.. وقد استطاع عريان تحرير الدفاتر الأربعة الأولى مع الاخطارات الخاصة بها. ولما كان السيد رئيس الوحدة - الطاعن - قد غادر مكتبه فى الساعة الثانية عشرة ظهر ذلك اليوم بدون اذن من رئيسه فقد اضطر عريان الى ترك الدفترين الباقيين بدون تحرير على مكتب رئيس الوحدة لوضعهما بالخزانة غير أنه ثبت أن هذا الأخير قد انقطع عن عمله من 17 من ديسمبر سنة 1949 وطلب توقيع الكشف الطبى عليه فقام عريان بتحرير الدفترين الباقين فى صبيحة اليوم المذكور.. وعندما وصل الى مستند الصرف الأخير (وهو الاستمارة (50ع. ح) وكانت عن تعويض نزع ملكية باسم محمد حسين على هشه على خزينة سرس الليان لم يعثر على اذن الصرف الأخير لتحريره من واقع مستند الصرف المذكور ويعرض الدفتر على صليب مقار - رئيس الوحدة الحسابية بالنيابة نظرا لتغيب رئيسها وهو الطاعن - وجد آثارا لنزع الاذن وكعبه من الدفتر ولما أخطرت ادارة الحسابات واكتشفت أن اذن الصرف المفقود بمبلغ 587 جنيه و975 مليم باسم حسن حسن الزمر فى حين أن المقابل لهذا الاذن بدفتر الحوالات هو مبلغ جنيه و262 مليما باسم محمد حسن هشه على خزينة سرس الليان فتبين لها أن الموضوع تحول من فقد اذن صرف الى حادث اختلاس فابلغت النيابة العامة والجهات المختصة كما شكلت لجنة لبحث.. الموضوع.. وقد تبين لهذه اللجنة أن الاذن المذكور صرف بتاريخ 17 من ديسمبر سنة 1949 واستعمل معه الاخطار (59ع. ح) رقم 174490 وأن الاذن والاخطار كتبا بخط وأن التوقيعات الثابتة عليهما مزورة.. كما عثرت اللجنة - أثناء فحص الخزينة - عهدة الطاعن - على نماذج لتوقيعات الثلاثة من الموظفين المرخص لهم بالتوقيع على الاذون والشيكات. وقد رجحت اللجنة - للأسباب المبينة بتقريرها أن يكون الفاعل فى جريمة التزوير والاختلاس من بين موظفى الوحدة الحسابية.. وبعرض الاذن والاخطار المزورين على خبير خطوط المصلحة رفع تقريرا أثبت فيه ميله الى الاعتقاد بأن الفاعل هو الطاعن.. ثم أوضحت النيابة الادارية فى مذكرتها الأسباب التى سهلت وقوع الحادث حسبما وردت فى تقرير تلك اللجنة ومن هذه الأسباب أن الطاعن تراخى فى المحافظة على عهدته فلم يكن يكتفى بتسليم محرر الاذون دفتر واحدا وآخر احتياطيا على أن يسلم اليه غيرهما بعد تحريرهما كما تقضى بذلك التعليمات ولكنه كان يسلم المحرر أكثر من دفترين فى اليوم الواحد دفعة واحدة بل انه سلم أحد المحررين المدعو جوده عبد الله مرسى يوم 15 من ديسمبر سنة 1949 ثمانية دفاتر مما دعا الفاعل الى استغلال مثل هذا العدد لدى المحرر الواحد فعمد الى سرقة الاذن الاخير من الدفتر الاخير الخاص بعريان مينا - احد المتهمين - مطمئنا الى تعذر اكتشاف السرقة قبل الصرف.. كما أنه خالف الأمر الصادر باستبعاد هذا الموظف من تحرير اذون الصرف.. وأنه لو نفذ هذه التعليمات لما استطاع هذا الاخير مبارحة مكتبه قبل تحرير الدفاتر المسلمة اليه ولاستطاع اكشاف سرقة الاذن محل التزوير قبل صرفه.. كما ان الطاعن كان يترك عهدته لغيره من الموظفين دون ان يثبت انتقال العهدة رسميا لمن يحل محله... وكان كذلك يسمح باشتراك أكثر من محرر واحد فى تحرير دفتر اذن الصرف الواحد دون أن يثبت انتقال الدفتر من موظف الى آخر على ظهر أول كعب لم يستعمل الاذن الخاص به فى الأحوال الجائز فيها هذا الاجراء فضلا عن انه كان يترك اذون الصرف على مكتبه فى نهاية ساعات العمل دون وضعها فى الخزانة المعدة لذلك، كما حصل فى يوم 15 من ديسمبر سنة 1949 بالنسبة للدفترين الباقين بدون تحرير من عريان مينا الذى ثبت أن الاذن المزور هو آخر اذن فيهما.. كما أنه كان يرسل دفتر أذون الصرف الى مطبعة المصلحة لتقسيمه دون ان يباشر ذلك بنفسه بل وبدون تحرير محضر مما قد يعرض هذه العهدة للضياع أثناء التقسيم. ولم يكلف نفسه مؤونة التحقق من صحة عدد أذون الدفتر الواحد اكتفاء منه بأن المطبعة تقسم الدفتر الى أربعة أقسام علما بأن المطبعة كثيرا ما كانت تخطئ فى عدد كل دفتر دون أن يكتشف هذا الخطأ. فضلا عن انه كان يكتفى بالتوقيع على أصل الاخطار دون صورته مما جعل الرقابة على هذه الدفاتر منعدمة الأمر الذى دعا الى عدم الكشف عن الاخطار المنزوع والمستعمل فى الاختلاس.. كما ثبت أيضا من تقرير اللجنة أن الطاعن قام بصنع ختمين للمساحة والمدير العام على حسابه الخاص دون علم المصلحة واستعملهما فى ختم أذون الصرف المسحوبة من المصلحة وكذلك الاذن.. المزور.. كما أنه كان يغادر مكتبه قبل موعد الانصراف وانه ادعى المرض يوم 17 من ديسمبر سنة 1949 فى الوقت الذى ادعى فيه انه كان بتفتيش المساحة بشبين الكوم.. وكان يؤخر تحرير اذون الصرف (9ع. ح) عدة أيام بعد قيدها بدفتر (54ع. ح) وعدم مراعاته سحب اذون الصرف حسب ترتيب أرقامها المسلسلة اذ ثبت ان بعض الاذون اللاحقة سبقت الاذون السابقة عليها كما انه كان يهمل فى التبليغ عن بعض المستندات المفقودة.. ولما أخطرت النيابة العامة بالحادث قامت بالتحقيق وانتهت الى أن الخطوات التى مرت بها الأوراق موضوع التحقيق قد تولتها أيد سهلت ارتكاب الجريمة رغم تعدد خطوات الصرف وتشابك أفرعها مما يدل على أن هناك شبكه منتظمة الاطراف تجد لها سندا فى مراحل ارتكاب الجريمة وأنه وأن كان التحقيق قد تضمن ظلا من الشك قبل توفيق حنا - الطاعن - الا انه يبرر مؤاخذته اداريا واعتبار ما بدر منه من قبيل المآخذ الادارية شأنه فى ذلك شأن الموظفين الآخرين.. وانه نظرا لان التحقيقات والتحريات لم تسفر عن معرفة الفاعل فقد قيدت الحادث جناية ضد مجهول ومن ثم صدر فى 27 من فبراير سنة 1956 قرارا بالأوجه لاقامة الدعوى الجنائية مع احالة الأوراق للجهة الادارية لمحاكمة المتهمين اداريا.. ولذلك فقد أحيلت الأوراق للنيابة الادارية التى قامت بالتحقيق فى القضية رقم 35 لسنة 1955 (مساحة) وانتهت الى احالتهم الى المحكمة التأديبية وفقا للمادة 102 (مكرر ثانيا) من قانون نظام موظفى الدولة رقم 210 لسنة 1951 والمرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 الخاص بانشاء مجلس تأديبى للمخالفات المالية نظرا لأن بعض الموظفين الذين تشملهم المسئولية قد أحيل الى المعاش.. وقد حددت النيابة الادارية فى مذكرتها سالفة الذكر مسئولية كل متهم فى الاهمال الذى تسبب عنه الحادث موضوع الاتهام.. وقد نسبت الى الطاعن ارتكابه المخالفات التى أشارت اليها اللجنة فى تقريرها - والسابق بيانها - وأضافت اليها أنه أهمل فى الاشراف على مرؤسيه كأن يسمح لبعضهم بتحرير اذون الصرف بعيدا عن رقابته وانه لم يعمل على نقل عهدته عند قيامه بالاجازة.. وأمام المحكمة التأديبية قدم الطاعن مذكرة دفع فيها بعدم جواز محاكمته قانونا على أساس أن الحادث قد وقع فى سنة 1949 وأنه قد أحيل الى المعاش فى 15 من يناير سنة 1954 فانقطعت صلته بالوظيفة العامة... اما عن الموضوع فقد طلب الطاعن الحكم ببراءته بمقولة أنه لا نصيب من الصحة للاتهامات التى وجهتها النيابة الادارية اليه على الرغم من بعدها عن الواقعة موضوع المحاكمة وهى استعمال واختلاس قيمة أذن الصرف (9 ع. ح) رقم 346500 ثم تولى الرد على كل تهمة من التهم التى وجهتها اليه النيابة الادارية على الوجه الآتى:
أولا - عما نسب اليه من انه أهمل فى المحافظة على عهدته وأهمل فى الاشراف على مرءوسيه - رد على ذلك بأنه من غير المعقول أن يقوم برقابة مرءوسيه أثناء تحرير أذون الصرف مع أن عددهم بين العشرة والثلاثين موظفا موزعين فى غرف متعددة فضلا عن كثرة ما يقومون باستخراجه من أذون الصرف.
ثانيا - عما نسب اليه من انه خالف الأوامر الصادرة من رئيسه باستبعاد عريان مينا من تحرير الاذون وانه خالف المادة 460 من اللائحة المالية بتسليمه أكثر من دفترين للمحرر فى اليوم دفعة واحدة.. رد على ذلك بأن الحقيقة أن.. الدفاتر التى كان يتداولها مع مرءوسيه هى عبارة ربع 1/ 4 دفتر وذلك لأن دفتر الاذونات يتكون من مائة أذن وقد جرى العمل على تقسيمه الى أربعة دفاتر يحتوى كل منها على 25 أذنا وبذا تكون الستة دفاتر المسلمة الى عريان مينا عبارة عن دفتر ونصف من الدفاتر التى عنتها اللائحة المالية وبهذا لا تكون هناك أية مخالفة للائحة المذكورة.
ثالثا - ورد على الادعاء - بأنه لم يوقع على صور الاخطارات - بأن هذا لا يحدث فى سائر المصالح الحكومية منذ عشرات السنين.
رابعا - ورد على الادعاء - بانه لم يعمل على نقل عهدته الى من يحل محله - بأن وكيل الوحدة قد أقر بسلامة العهدة وباستلامه لها منه كاملة.
خامسا - أما عن واقعة قيامه بصنع خاتمين باسم المصلحة والمدير العام فقال أن هذه الواقعة - فضلا عن أنها تمت بتاريخ سابق على وقوع الحادث - فان هذه الاختام كانت موجودة ومستعملة من قبل ثم بليت فطلب من ادارة المخازن ابدالها دون جدوى مما اضطره الى صنع بدلها وأن عبارة الختمين عبارة عامة مقصود منها تسهيل العمل ليقوم الموظف بختم هذه الكمية بدلا من كتابتها بخط يده على كل اذن.
سادسا - ورد على التهمة - الخاصة بمغادرته مكتبه قبل موعد الانصراف - بأنها لا نصيب لها من الصحة لأنه قام بالتوقيع على كشف الانصراف يوم 15 من ديسمبر سنة 1949 بعد أن سلم عهدته لزميله.
سابعا - أما عن التهمة - الخاصة بأنه كان يؤخر تحرير أذونات الصرف (9 ع. ح) عدة أيام بعد قيدها بدفتر 4 جـ ع. ح. وعدم مراعاة تحريرها حسب ترتيب أرقامها وانه كان يهمل التبليغ عن بعض المستندات المفقودة فقد رد الطاعن على ذلك بانه ليس من اختصاصه تحرير تلك الادون بل عليه مراجعتها فقط وعملية التحرير يقوم بها غيره.. وانه لو صحت هذه الواقعة لكانت المصلحة نفسها هى المسئولة عنها حيث أصدرت تعليماتها بعودة بعض الموظفين للعمل بعد الظهر فترتب على ذلك أن نشط القيد فى دفاتر (54 ع. ح) فى حين كانت الأيدى العاملة التى تقوم بتحرير أذون الصرف (9 ع. ح) قليلة مما ترتب عليه أن سبق القيد فى الدفاتر تحرير الاذونات وقد تلافت المصلحة ذلك بتعبئة جميع موظفى الحسابات للقيام بتحرير أذون الصرف.. وختم الطاعن مذكرته بأنه مما يؤكد براءته أنه صدر فى 7 من ديسمبر سنة 1949 أمر بالعمل فى غير أوقات العمل الرسمية لبعض الموظفين ولم يكن هو منهم فكان يسلم عهدته عند الانصراف الى وكيله السيد/ صليب مقار وقد أقر هذا الوكيل بأنه تسلم مفتاح الخزانة الموجود بها أذون الصرف والشيكات والاخطارات كما أقر بسلامة العهدة والمعروف أن الاذن فقد بعد موعد الانصراف يوم 15 من ديسمبر سنة 1949.. وفى 3 من أبريل سنة 1961 قضت المحكمة التأديبية برفض الدفع المبدى من المتهمين الأول والسادس (الطاعن) بعدم جواز محاكمتهما تأديبيا وبجوازها وبحرمان الطاعن من ربع معاشه كما قضت بمعاقبة بعض المتهمين الآخرين بعقوبات أخرى وبراءة البعض الآخر.. واستندت المحكمة فى قضائها برفض الدفع الى أن الثابت من قرار الاتهام أن ما أسند للمتهمين هو خروجهما على مقتضى الواجب بأن أهملا فى أعمال وظيفتهما أهمالا تسبب عنه انتزاع أذن الصرف واستعماله مع الاخطار فى اختلاس المبلغ المنوه عنه وهذا الاهمال الذى أرتكبه المتهمان لم يستحدثه لا القانون رقم 210 لسنة 1951 ولا المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 اذ قد أشير فى الأوامر العالية والدكريتات التى صدرت بشأن الموظفين قبل هذين القانونين الى ضرورة مجازاة الموظفين الذين يقصرون فى تأدية واجباتهم بعد أن ينظر فيما يبديه الموظف كتابة أو شفاهة لتبرئة نفسه.. وهى الدكريتو الصادر فى 10 من أبريل سنة 1883 الخاص بلائحة تسوية حالة المستخدمين الملكيين والدكريتو الصادر فى 24 من ديسمبر سنة 1888 بتشكيل محكمة تأديبية عليا.. كما أن اللائحة المالية للميزانية والحسابات أوجبت أتباع اجراءات خاصة بشأن أذون الصرف عند تحريرها أو صرفها من الخزائن الحكومية ونصت على مجازاة من يخالفها أو يهمل فى اتباعها تأديبيا فضلا عن تحمله أية مسئولية مادية تنجم عن ذلك.. وفوق هذا فان الثابت من الاوراق أن المتهمين قد أحيلا الى المعاش بعد سريان أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 والمرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952.. المشار اليهما وتأسيسا على ذلك تكون محاكمة المتهمين المذكورين صحيحة وقانونية.. وأقامت قضاءها بمجازاة الطاعن بحرمانه من ربع معاشه على أن اللائحة المالية للميزانية والحسابات قد وضعت أحكاما دقيقة بشأن أذون الصرف من حيث استلامها وحفظها وتداولها وتحريرها وصرف قيمتها وقيدها بالدفاتر الحسابية وغير ذلك من أحكام نظرا لما لهذه الاذون من أهمية خاصة ونتائج خطيرة تمس مالية الدولة مساسا مباشرا.. وبعد أن استعرضت المحكمة مواد اللائحة المذكورة فى هذا الشأن ذكرت أنه باستعراض واقعات الدعوى على القواعد المنصوص عليها بهذه المواد يبين أن المتهم السادس (الطاعن) بصفته رئيس وحدة أذون الصرف بادارة حسابات مصلحة المساحة فى ذلك الوقت والمسئول الاصلى عن عهدة دفاتر أذن الصرف (نموذج رقم 9 ع. ح.) ودفاتر الاخطارات (نموذج رقم 59 ع. ح.) لم يكن ليأبه باتباع أحكام تلك اللائحة عند تداول دفاتر أذون الصرف بين موظفى الوحدة خصوصا ما تعلق منها باثبات استلام الدفاتر كاملا من مستلمها وعدم جواز استلام أكثر من دفترين وضرورة حفظهما فى خزانة والعناية بالمحافظة عليها اذ الثابت أنها كانت تسلم للموظفين تسليما أجماليا على سركى ومع ذلك فلم يمسك هذا السركى الا من فبراير سنة 1949. وكان بعض الموظفين لا يوقعون عليه بالاستلام ثم أهمل هذا كله فى يونية سنة 1949 حتى ديسمبر من ذات السنة قبيل وقوع الحادث بيوم أو يومين.
كما أن هذه الدفاتر كانت تترك على المكاتب أو توضع فى الادراج وقد أقر المتهم بأنه كان يسحبها من أدراج الموظفين، هذا الى أن دفاتر الاخطارات كانت تترك على المكاتب باقراره واقرار وكيله المتهم السابع صليب مقار واقرار المتهم الثانى عريان مينا رغم ما لهذه الدفاتر من أهمية كبرى أذ أنها المتممة لاذون الصرف حتى باتت عهدة هذه الدفاتر سائبة وأصبحت أموال الدولة عرضة للنهب والسلب وهو ما أنتهى اليه فعلا هذا الاهمال الجسيم الذى تواترت نصوص اللائحة على منعه.. وانه مما يلقى الظل كثيفا على سلوك الطاعن انه على الرغم من ان مدير الحسابات أصدر فى 14 من ديسمبر سنة 1949 أمرا بتحديد أسماء الموظفين الذين يقومون بتحرير أذون الصرف بالوحدة وذلك ليخرج من عدادهم السيد/ عريان مينا، على الرغم من ذلك فانه سلم اليه أربعة دفاتر جديدة فى 15 من ديسمبر سنة 1949 علاوة على دفترين كانا موجودين معه من قبل يعلم بهما الطاعن فأصبح طرف عريان مينا ستة دفاتر يجب انهاء تحريرها فى يوم 15 من ديسمبر سنة 1949 وهو ما يستحيل على هذا الموظف أنجازه اذ انه ناء بتحرير أربعة دفاتر مما يقطع بعلم الطاعن بأنه لا بد وأن يترك السيد عريان فضلة من هذه الدفاتر ولا بد أن يكون من هذه الفضلة دفتر الاذون المبتدئ برقم 346476 والمنتهى برقم 346500 حيث أن هذا الدفتر هو آخر سلسلة الدفاتر الستة المسلمة الى السيد/ عريان وكان الاذن المسروق المزور المختلسة قيمته هو آخر اذون تلك الدفاتر الست ومع ذلك فان الطاعن لم يصبر حتى ميعاد الانصراف فى يوم 15 من ديسمبر سنة 1949 بل خرج الساعة الثانية عشرة دون اذن من رئيسة وتضاربت أقواله فى دواعى هذا الانصراف فتارة ادعى بأنه ذهب الى مديرية الجيزة وتارة أخرى أنه سافر الى شبين الكوم وأنه استأذن فى السفر فى اليوم المذكور ثم أعقب ذلك بطلب أجازة مرضية أمتدت الى عشرين يوما وفوق ذلك فقد وجد طرفه 108 نموذجا لتوقيع (ابراهيم على)، 120 نموذجا لتوقيع (عبد المنعم المقدم) وهما التوقيعان المزوران بالاذن ولم يبد تعليلا معقولا لوجودهما طرفه.. يضاف الى ذلك أن الاذن المزور كان مختوما وان الطاعن كان قد أبدل ختمى الوحدة بختمين جديدين على نفقته دون أن تطلب منه المصلحة ذلك ودون أن يبلغها بهذا التبديل واحتفظ بالختمين الاولين كل هذا قاطع على أن مرتكب الحادث على علم بدقائق أعمال الحسابات بالمصلحة ويلقى بظل كثيف على سلوك الطاعن بصدد هذا الحادث وهو فى القليل يدل على أهمال جسيم من جانبه فى أعمال خطيرة من الاعمال المالية التى لها أثر بعيد فى المساس مباشرة بمالية الدولة فيتعين مساءلته ومعاقبته بالجزاء الذى يتفق مع خطورة ما قارفه من مخالفات.. وبصحيفة أودعت سكرتارية المحكمة الادارية العليا فى 30 من مايو سنة 1961 طعن المحكوم ضده فى الحكم المذكور طالبا قبول طعنه شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم بقبول الدفع بعدم جواز محاكمته تأديبيا واحتياطيا وفى الموضوع ببراءته مما نسب اليه مع الحكم بالزام المطعون ضدها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.. وبنى الطاعن طعنه بالنسبة للدفع بأن الحكم المطعون فيه قد قضى بادانته عن مخالفات ادارية لا يجوز محاكمة الموظف عنها بعد تركه الخدمة لانقطاع صلته بالوظيفة وانه لا يجوز الاستناد فى شأنها الى حكم المادة 21 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 لأن هذا المرسوم قد جاء مقصورا على المخالفات المالية دون المخالفات الادارية فلم يكن من الجائز محاكمة الموظف عنها بعد تركه الخدمة حتى صدور القانون رقم 73 لسنة 1957 الخاص بالمخالفات الادارية وهو يسرى بأثر مباشر من وقت صدوره دون أن يكون له أثر رجعى.. وبنى طعنه بالنسبة للموضوع على سببين:
الأول: أن الحكم أخطأ فى ادانته فيما نسب اليه من اتهام غير متوافر الأركان والعناصر لأن شخصا آخر هو المسئول عن تلك التهمة وقال فى بيان ذلك ان المتهم الثانى (عريان مينا) كان قد تسلم أذونات الصرف التى كان من بينها الاذن المختلس وقد أقر باستلامه لها تامة وكاملة.. فيكون هو المسئول وحده دون سواه عن تلك الدفاتر وعما يفقد منها كما أن الثابت أيضا أن الاذن قد فقد بعد ظهر يوم الخميس 15 من ديسمبر سنة 1949 بعد مغادرة الطاعن المصلحة فى الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم المذكور بعد أن قام بتسليم عهدته الى وكيل الوحدة (صليب مقار) الذى أقر بأنه تسلم مفتاح الخزانة كما تسلم العهدة منه سليمة كاملة.. أما السبب الثانى فحاصله أن الحكم المطعون فيه قد أدان الطاعن عن مخالفات لم يتضمنها قرار الاتهام وانه وان كان من حق المحكمة التأديبية أن تعدل وصف التهمة المنسوبة للطاعن غير أن من واجبها أن تعلمه بذلك ليكون على بينة من أمره. فضلا عن أن الحكم قد قام على مخالفات ادارية بحتة بعيدة كل البعد عن موضوع الاتهام الأصلى على خلاف القاعدة المقررة من أن الاتهام يجب أن يكون محددا ومنصبا على ارتكاب الفعل موضوع المحاكمة.. عير أن الحكم المطعون فيه قام على المخالفات الادارية المنسوبة للطاعن والتى مؤداها أنه أهمل اهمالا ادى الى وقوع الاختلاس فى حين أن جميع تلك المخالفات الادارية الأخرى لم تؤد الى الاختلاس الذى تم نتيجة لفقد اذن الصرف واستعماله مع الاخطار الخاص به والثابت بالأوراق أن السيد/ عريان مينا هو الذى استلم ذلك الاذن وانه استلمه استلاما قانونيا صحيحا وليس استلاما على خلاف الأوامر الصادرة من رئيس الطاعن باستبعاد الموظف المذكور من تحرير أذون الصرف ذلك أن مدير الحسابات - باعترافه فى تحقيقات النيابة العامة - كان قد أصدر أمرا باستمرار الموظف المذكور فى العمل بوحدة الصرف مؤقتا وذلك لغياب أحد محررى أذون الصرف وهو السيد/ محمد اسماعيل.. وأنه طالما أن السيد/ عريان المذكور قد قام بتحرير تلك الدفاتر فان واجبه الأول أن يقوم بتحريرها بالدقة والأمانة وبذلك تكون مسئوليته عنها مسئولية كاملة دون الطاعن الذى ان جاز القول بمساءلته فتكون عن مخالفات ادارية بحتة لم تؤد الى وقوع الحادث وبذا يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ بادانته تأسيسا على تلك المخالفات الادارية البعيدة عن الفعل موضوع المحاكمة وذلك لعدم توجيهها اليه صراحة ليكون على بينه من أمرها ومعرفة مداها وحدودها.. وقد عقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بتقرير بالرأى القانونى مسببا انتهت فيه الى أنها ترى قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزام الطاعن المصروفات.. واستندت فى ذلك الى أن المحكمة التأديبية قد أصابت حينما قضت برفض الدفع بعدم جواز المحاكمة واستخلصت ادانة الطاعن فيما اسند اليه استخلاصا سائغا ومقبولا ومن ثم فلا محل للتعقيب على الحكم المذكور وانه مما يؤيد ويعزز قضاء المحكمة فيما يتعلق برفض الدفع أن مبدأ المسئولية التأديبية كان قائما قبل صدور القانون رقم 210 لسنة 1951 وأن المشرع قبل المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 لم يكن يميز بين المخالفات المالية والمخالفات الادارية.. وبالنسبة للموضوع فانه يؤيد هذا الاستخلاص السائغ ما كشفت عنه التحقيقات من خروج الطاعن الشديد على أحكام اللائحة المالية للميزانية والحسابات على النحو الذى فصله الحكم المطعون فيه وأن خروج الطاعن على هذه الأحكام كان سببا مباشرا فى التلاعب باذن الصرف المختلسة قيمته.. كما قررت الهيئة أن المحكمة لم تقم بتعديل التهمة - كما ذهب الطاعن - بل حاكمته عن الاهمال المنسوب اليه واستدلت على ثبوت هذا الاهمال باقتراف الطاعن عديدا من المخالفات كانت فى مجموعها سببا مباشرا لتسهيل التلاعب فى أذون الصرف. ثم قدمت النيابة الادارية مذكرة ردت فيها على الدفع بعدم جواز المحاكمة بأن هذا الدفع مردود بما نصت عليه المادتان 20، 21 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 حيث نصت المادة 20 على سقوط الدعوى التأديبية بمضى خمس سنوات من تاريخ وقوع المخالفة ونصت المادة 21 على جواز اقامة الدعوى التأديبية على الموظف الذى يكون قد ترك الخدمة.. وأن الثابت من الأوراق أن الدعوى التأديبية لم تسقط بمضى المدة المذكورة لأن التحقيق قد قطع مدة السقوط.. وانه فضلا عن ذلك فقد صدر القانون رقم 73 لسنة 1957 قبل احالة المتهمين - ومنهم الطاعن - الى المحاكمة التأديبية.. وقد سوى هذا القانون بين المخالفات المالية والادارية اذ أنه أضاف الى القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة مادتين برقم 102 مكرر، 102 مكرر ثانيا..
وبعد أن أوردت النيابة نص هاتين المادتين قالت ان هذا القانون من قوانين النظام العام فيسرى بأثر حال ومباشر على ما وقع من مخالفات لم تسقط بمضى الخمس سنوات المنصوص عليها بالمادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 آنف الذكر طبقا لما جرت عليه أحكام المحكمة الادارية العليا.. أما بالنسبة للموضوع فقد سردت النيابة الادارية المخالفات المنسوبة للطاعن والتى تسببت فى وقوع الحادث وقالت ان التهمة المنسوبة اليه والتى جوزى من أجلها هى اهماله الجسيم فى أداء مقتضيات الوظيفة ومخالفته لأحكام اللائحة المالية للميزانية والحسابات مما ترتب عليه وقوع جريمتى التزوير والاختلاس وليس منسوبا اليه المساعدة فى ارتكابها والا لتولت محاكمته محكمة الجنايات.. وانتهت النيابة الى طلب رفض الطعن والزام الطاعن بالمصروفات وأتعاب المحاماة.
ومن حيث أنه عن الدفع بعدم جواز محاكمة الطاعن تأديبيا فانه يبنى هذا الدفع على أنه ترك خدمة الحكومة بالاحالة الى المعاش فى 15 من يناير سنة 1954 ومن ثم فلا تجوز محاكمته تأديبيا عن مخالفات وقعت قبل احالته الى المعاش لانقطاع صلته بالوظيفة العامة.
ومن حيث أنه يبين بادئ ذى بدء أن المخالفات المنسوبة الى الطاعن انما هى مخالفات مالية وليست مخالفات ادارية وذلك طبقا لأحكام المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 بانشاء مجلس تأديبى لمحاكمة الموظفين المسئولين عن المخالفات المالية حيث عددت المادة 4 منه المخالفات المالية ومنها ما نص عليه البند (رابعا) وهو "مخالفة أحكام لائحة المخازن والمشتريات وعلى وجه العموم القواعد والأحكام المالية" والبند (خامسا) وهو "كل اهمال أو تقصير يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للدولة... أو المساس بمصلحة من مصالحها المالية أو يكون من شأنه أن يؤدى الى ذلك.. والثابت من الأوراق أن الاهمال المنسوب الى الطاعن هو مخالفته للقواعد والأحكام المالية المنصوص عليها باللائحة المالية للميزانية والحسابات فضلا عن أنه قد ورد بقرار الاتهام أنه قد تسبب عن ذلك الاهمال انتزاع اذن صرف واستعماله مع الاخطار فى اختلاس مبلغ 587 جنيها و975 مليما من خزينة وزارة المالية وفى ذلك، بلا شك ما يمس مصالح الدولة المالية.
ومن حيث أنه: وقد ثبت أن التهمة المنسوبة الى الطاعن هى من قبيل المخالفات المالية، فانه تجوز محاكمته عنها تأديبيا بعد احالته الى المعاش طالما أنه قد أحيل الى المعاش فى 15 من يناير سنة 1954 وذلك بالتطبيق لنص المادة 21 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 سالف الذكر التى تنص على أنه "تجوز اقامة الدعوى التأديبية على الموظف الذى يكون قد ترك الخدمة لأى سبب كان.." على أن يحكم عليه بالعقوبات المنصوص عليها بهذه المادة.. ولا يؤثر فى ذلك أن الحادث موضوع الاتهام قد حدث فى سنة 1949 طالما أن الدعوى التأديبية لم تسقط بمضى الخمس سنوات المنصوص عليها بالمادة 20 من المرسوم بقانون المذكور لانقطاع هذه المدة باجراءات التحقيق وعدم مضى خمس سنوات على أى اجراء من اجراءاته.
اذ الثابت من الأوراق أن النيابة العامة قد أخطرت بالحادث فى 28 من يناير سنة 1950 فتولت التحقيق ثم رأت مساءلة المتهمين اداريا فأحيلت الأوراق الى النيابة الادارية التى تولت التحقيق وأتمته فى 26 من مارس سنة 1955 وأحالت الأوراق الى ديوان المحاسبات لمحاكمة المتهمين طبقا لأحكام المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 سالف الذكر لأن التهم الموجهة اليهم تعتبر من قبيل المخالفات المالية.. وفى 24 من يناير سنة 1959 رأت.. مصلحة المساحة - بعد موافقة ديوان المحاسبات - احالة المتهمين للمحاكمة التأديبية ووافقت النيابة الادارية على ذلك فى 12 من يونيه سنة 1960 ثم أودعت أوراق الدعوى سكرتارية المحكمة التأديبية فى 16 من ذات الشهر - على ما سبق بيانة.. وفضلا عن ذلك فقد صدر، قبل احالة المتهمين الى المحكمة التأديبية القانون رقم 73 لسنة 1957 وقد نشر بالجريدة الرسمية فى 4 من أبريل سنة 1957.. وهذا القانون قد سوى بين المخالفات المالية والمخالفات الادارية فى جواز اقامة الدعوى التأديبية عنها على الموظف الذى ترك الخدمة.. اذ أنه قد أضاف مادتين الى القانون رقم 210 لسنة 1951 هما: المادة 102 مكرر ونصها "لا تسقط الدعوى التأديبية بالنسبة الى الموظفين طل مدة وجودهم فى الخدمة وتسقط بمضى خمس سنوات من تاريخ تركهم الخدمة لأى سبب كان.. وتنقطع هذه المدة باجراءات التحقيق والاتهام أو المحاكمة وتسرى المدة من جديد ابتداء من آخر اجراء ".. والمادة 103 مكرر ثانيا ونصها "تجوز اقامة الدعوى التأديبية عن المخالفات المالية والادارية على الموظف الذى يكون قد ترك الخدمة لأى سبب كان وفى هذه الحالة يجوز الحكم عليه باحدى العقوبات الآتية:
(1) الحرمان من المعاش مدة لا تزيد على 3 شهور.
(2) الحرمان من المعاش كله أو بعضه من تاريخ الحكم".
(3)..........
ولما كان هذا القانون - كما جرى به قضاء هذه المحكمة - من قوانين النظام العام وقد نشر بالجريدة الرسمية فى 4 من أبريل سنة 1957 فان أحكامه تسرى بأثر حال ومباشر على ما وقع من مخالفات لم تسقط بمضى الخمس سنوات المنصوص عليها بالمادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 آنف الذكر.. ولما كانت المخالفات المنسوبة الى الطاعن سواء أكانت مخالفات مالية أو ادارية لم يكن قد مضى على آخر اجراء فيها حتى 4 من أبريل سنة 1957 - تاريخ نشر القانون المذكور - خمس سنوات.. ومن ثم فان الدعوى التأديبية لم يسقط الحق فى اقامتها وبالتالى يكون الحكم المطعون فيه - اذ قضى برفض الدفع بعدم جواز محاكمة الطاعن تأديبيا - قد أصاب الحق فى قضائه هذا.
ومن حيث انه عن الموضوع فان التهمة التى حوكم الطاعن من أجلها - حسبما وردت فى قرار الاتهام - هى أنه أهمل فى أعمال وظيفته اهمالا تسبب عنه انتزاع أذن صرف واستعماله فى اختلاس مبلغ من الخزينة العامة.. وقد دللت النيابة الادارية على هذا الاهمال بايراد بعض مخالفات أرتكبها الطاعن أثناء تأديته أعمال وظيفته بوصفه رئيسا لوحدة الحسابات وكانت أذون الصرف - التى انتزع أحدها - عهدة لديه وقد سهلت هذه المخالفات وقوع حادث الاختلاس.. وأوردت النيابة الادارية هذه المخالفات فى مذكرتها المرفقة مع قرارات الاتهام - على التفصيل السابق بيانه آنفا.. وقد أدانت المحكمة التأديبية الطاعن فى التهمة الواردة بقرار الاتهام ودللت على ثبوتها بأن الطاعن قد ارتكب بعض المخالفات التى سهلت ارتكاب الجريمة حيث قالت - بعد أن استعرضت بعض نصوص اللائحة المالية للميزانية والحسابات بأن الطاعن لم يأبه لاتباع أحكام هذه اللائحة عند تداول دفاتر أذون الصرف بين موظفى الوحدة التى يرأسها وذلك بارتكابه المخالفات الآتية:
(1) عدم اثباته استلام كل دفتر كاملا من مستلمه فكان يسلم الدفاتر للموظفين تسليما اجماليا وكان بعض الموظفين لا يوقعون بالاستلام مخالفا بذلك أحكام المادة 274 من تلك اللائحة.
(2) تسليمه أكثر من دفترين لمحرر واحد مخالفا الفقرة الأولى من المادة 460 من اللائحة.
(3) عدم حفظ الدفاتر فى خزانة مخالفا فقرة أخرى من تلك المادة.
(4) خالف أمر السيد مدير الحسابات الصادر فى 14 من ديسمبر سنة 1949 بتحديد أسماء الموظفين الذين يقومون بتحرير أذون الصرف بالوحدة وذلك ليخرج من عدادهم السيد/ عريان مينا.
(5) خروجه قبل الميعاد الرسمى يوم 15 من ديسمبر سنة 1949 دون اذن.
(6) وجد طرفه عدة نماذج لتوقيع "على ابراهيم"، "عبد المنعم المقدم" وهما التوقيعان المزوران.
(7) أبدل خاتمى الوحدة بخاتمين جديدين على نفقته دون أن تطلب منه المصلحة ذلك ودون أن يبلغها.
ومعظم هذه المخالفات - قد وردت فى مذكرة النيابة الادارية المرفقة بقرار الاتهام.. ويبين من الاطلاع على أوراق التحقيق أن الطاعن لم يبد دفاعا مقبولا ينفى به عن نفسه ارتكاب هذه المخالفات فيما عدا المخالفتين الثانية والرابعة.. وقد استخلص الحكم المطعون فيه ما انتهى اليه من ثبوت ما عدا المخالفتين المذكورتين استخلاصا سائغا ومقبولا من عيون الأوراق.. ومن ثم يكون الحكم المذكور قد أصاب الحق فى قضائه بثبوت المخالفات المنسوبة الى الطاعن فيما عدا المخالفتين المنوه عنهما.. ولا يعيبه فى هذا الشأن أنه أشار الى بعض مخالفات لم ترد صراحة ضمن المخالفات التى أوردتها النيابة الادارية فى مذكرتها المرفقة بقرار الاتهام ذلك أن المحكمة قد أشارت الى تلك المخالفات لتدلل بها على ثبوت التهمة المسندة الى الطاعن بقرار الاتهام بارتكابه عدة مخالفات مالية وادارية كشفت عنها أوراق التحقيق وكلها تتصل بمخالفة الطاعن للتعليمات ولأحكام اللائحة المالية. اذ أن اهماله فى هذا الصدد وعدم تمسكه بهذه الأحكام كان من أسباب الحادث، فالمنسوب الى الطاعن هو الاهمال فى عمله الذى أدى الى التلاعب والاختلاس وعناصر هذا الاهمال تستمد من مخالفته للائحة المنوه عنها وأوامر الرؤساء.. والمحكمة، بايرادها هذه المخالفات، لم تقم بتعديل وصف التهمة - كما يزعم الطاعن بصحيفة طعنه - بل حاكمته على الاهمال المنسوب اليه واستدلت على ثبوت هذا الاهمال باقتراف الطاعن عديدا من المخالفات كانت فى مجموعها سببا لتسهيل التلاعب فى أذون الصرف.
ومن حيث أنه عن المخالفة الثانية الخاصة بتسليم الطاعن أكثر من دفترين من دفاتر أذون الصرف لمحرر واحد مخالفا بذلك الفقرة الأولى من المادة 460 من اللائحة المالية فقد قرر الطاعن فى دفاعه أنه لم يخالف أحكام هذه الفقرة لأن الدفاتر التى كان يتداولها مع محررى أذون الصرف هى عبارة عن ربع 1/ 4 دفتر لأن دفتر الاذونات يتكون من مائة اذن.
ومن حيث أنه يبين من الاطلاع على اللائحة المالية أن المادة 457 منها تنص على أن اذن الصرف "مجموع فى دفاتر يحتوى الواحد منها على خمسين أو مائة اذن مرقومه بأرقام مسلسلة مطبوعه أيضا على قسيمة (كعب) كل اذن" والمادة 460 منها تنص على أنه "لا يجوز أن يكون فى عهدة الموظف المنوط به سحب أذون الصرف أكثر من دفتر واحد احتياطى علاوة على كل دفتر يجرى العمل به "ويستفاد من هذين النصين أن الدفاتر التى لا يجوز تسليم أكثر من دفترين منها انما هى الدفاتر المنصوص عليها بالمادة 457 سالفة الذكر أى ذات المائة اذن أو الخمسين اذن.. ولما كان الثابت من الأوراق أن الدفاتر التى كانت ترد للطاعن لتوزيعها على المحررين كان يحتوى كل منها على مائة اذن وكان الطاعن يقسم كل منها الى أربعة دفاتر يحوى كل منها 25 اذنا وهى ما كانت تسلم للمحررين (تراجع ص 21 من تحقيق النيابة العامة) فاذا كان الثابت كذلك أنه سلم يوم 15 من ديسمبر سنة 1949 السيد/ جوده عبد الله مرسى ثمانية دفاتر والسيد/ عريان مينا أربعة دفاتر علاوة على دفترين كانا باقيين طرفه.. ويحوى كل منها على 25 اذنا فانه فى واقع الأمر يكون قد سلم الأول دفترين والثانى دفترا ونصف فقط ومن ثم فانه بذلك لا يكون قد خالف نص المادة 460 سالفة الذكر ويكون الحكم المطعون فيه - اذ قضى بثبوت هذه المخالفة قبل الطاعن - قد جانب الصواب فى هذا الشأن.
ومن حيث انه عن المخالفة الرابعة التى قضى الحكم بثبوتها قبل الطاعن - وهى الخاصة بمخالفته أمر السيد مدير الحسابات الصادر فى 14 من ديسمبر سنة 1949 والمستفاد منه استبعاد السيد/ عريان مينا من تحرير أذون الصرف - فقد قرر الطاعن فى صحيفة طعنه أن المدير المذكور قد أمر باستمرار الموظف المذكور فى العمل بوحدة الصرف بصفة مؤقتة نظرا لغياب أحد محررى أذون الصرف.
ومن حيث انه لا يبين من الأوراق أن السيد/ مدير الحسابات قد أصدر أمرا بالغاء الأمر الصادر فى 14 من ديسمبر سنة 1949 أو تعديله بصفة مؤقتة فكان على الطاعن أن ينفذ هذا الأمر باستبعاد عريان مينا من استلام أذون الصرف ولا حجة فى القول بأن هذا المدير قد رأى شفويا ارجاء تنفيذ الأمر المذكور لسبب أو لآخر ذلك لأنه فضلا عن ان هذا الرأى لا أثر له فى الأوراق فالأمر الادارى لا يلغيه الا أمر ادارى آخر بنفس أداة الأمر الأول وهى الكتابه.
ومن حيث انه لا حجة فيما أورده الطاعن فى دفاعه وردده فى صحيفة طعنه - من أن السيد/ عريان مينا قد تسلم أذون الصرف التى كان من بينها الاذن المختلس وأقر باستلامه لها فيكون هو المسئول وحده عن فقد ذلك الاذن - لا حجة فى ذلك لأن التهمة المنسوبة الى الطاعن والتى أدانته المحكمة التأديبية فيها ليست مسئوليته عن فقد الاذن المنوه عنه بل انها قد أدانته عن اهماله فى أداء أعمال وظيفته وأخصها التزام احكام اللائحة المالية وأوامر الرؤساء.. وعلى ذلك فان مسئولية السيد/ عريان مينا عن فقد الاذن لا شأن لها بمسئولية الطاعن التى تتركز - حسبما سبق - على عدم تمسكه بتلك الأحكام والأوامر وعدم مراقبة مرؤوسيه فى تنفيذها.
ومن حيث انه لما تقدم جميعه يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فى قضائه بثبوت جميع المخالفات المنسوبة الى الطاعن فيما عدا المخالفة الثانية سالفة الذكر.. ولما كان الحكم المذكور قد قضى بمجازاة الطاعن بحرمانه من ربع معاشه على أساس ثبوت كافة المخالفات المنسوبة اليه ومن ثم يتعين الغاؤه فى هذا الشق من قضائه والقضاء بالجزاء المناسب عن المخالفات التى ثبتت بيقين ضد الطاعن واستبعاد المخالفة التى لم تثبت ضده وترى المحكمة لذلك الاكتفاء بمجازاة الطاعن بحرمانه من معاشه لمدة شهر واحد مع الزامه بمصروفات الطعن جميعها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه، فيما قضى به من مجازاة الطاعن بحرمانه من ربع معاشه والاكتفاء بمجازاته بحرمانه من معاشه لمدة شهر واحد، وألزمت الطاعن المصروفات.