مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 1174

(114)
جلسة أول مايو 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ محمد شلبى يوسف وعادل عزيز زخارى وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 1749 لسنة 7 القضائية

( أ ) موظف - تأديب - وقف - مرتب - القانون رقم 73 لسنة 1957 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 - القاعدة قبل نفاذه هى حرمان الموظف الموقوف عن العمل من مرتبه طوال مدة الوقف والاستثناء صرف المرتب كله أو بعضه حسبما يقرره مجلس التأديب - القاعدة فى ظل هذا القانون أن صرف المرتب أو الحرمان منه منوط بقرار يصدر فى هذا الشأن من السلطة التأديبية المختصة - اغفال مجلس التأديب العالى فى حكمه بالبراءة تقرير ما يتبع فى شأن المرتب عن مدة الوقف من شأنه بقاء المركز القانونى بالنسبة لهذا المرتب معلقا - جواز عرض أمر هذا المرتب على مجلس التأديب مرة أخرى لتقرير ما يتبع.
(ب) موظف - تأديب - وقف - مرتب - مجلس التأديب - اختصاص مجلس التأديب وفق المادة 95 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بتقرير ما يتبع فى شأن المرتب عن مدة الوقف - وجوب أن تتبع فى الفصل فى مصير هذا المرتب ذات الاجراءات التى تتبع فى الفصل فى الدعوى التأديبية - وجود أن تتخذ الاجراءات اللازمة للبت فيه فى مواجهة الموظف المحال الى المحاكمة التأديبية وأن يمكن من الدفاع عن نفسه - اغفال هذه الضمانات الجوهرية - يرتب البطلان.
(جـ) موظف - تأديب - وقف - مرتب - قانون نظام العاملين المدنيين رقم 46 لسنة 1964 - تبرئة العامل الموقوف عن العمل أو حفظ التحقيق معه أو مجازاته بعقوبة الانذار - صرف ما يكون قد أوقف صرفه من مرتبه.
(د) قانون - أثر مباشر - موظف - علاقة الموظف بالحكومة علاقة تنظيمية - التنظيم الجديد يسرى على الموظف بأثر حال من تاريخ العمل به - لا يسرى بأثر رجعى بما من شأنه اهدار المراكز القانونية الذاتية التى تكون قد تحققت نتيجة لتطبيق التنظيم القديم على حالة الموظف الا بنص خاص فى قانون يرتب الأثر الرجعى - القانون رقم 46 لسنة 1964 بنظام العاملين المدنيين - سريان حكمه بأثر مباشر فى شأن مرتب الموظف الموقوف ما دام لم يتحقق للموظف مركز ذاتى فى ذلك وفقا لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951.
(هـ) موظف - وقف - قرار منعدم - عدم عرض أمر استمرار وقف المدعى عن عمله فور انقضاء ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القرار به على مجلس التأديب - ليس من شأنه أن يؤدى الى انعدام هذا القرار أو اعتباره كأن لم يكن - ليس ثمة نص يرتب هذا الأثر.
1 - انه وان كان يبين من استعراض التشريعات المختلفة السابقة على العمل بالقانون رقم 73 لسنة 1957 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 والتى تحدثت عن الوقف عن العمل والاثار المترتبة عليه أنها قررت قاعدة عامة هى حرمان الموظف الموقوف من مرتبه طوال مدة الوقف وجعلت الاستثناء هو صرفه كله أو بعضه حسبما يقرر مجلس التأديب - الا انه منذ العمل بهذا القانون أصبح حرمان الموظف المحال الى المحاكمة التأديبية من مرتبه مدة وقفه أو صرف هذا المرتب اليه منوطا بصدور قرار فى هذا الشأن من السلطة التأديبية المختصة بالحرمان أو الصرف فان لم يصدر مثل هذا القرار ظل المركز القانونى بالنسبة الى هذا المرتب معلقا حتى يصدر قرار فى شأنه.
لذلك فان مجلس التأديب العالى اذ أغفل فى قراره الصادر بجلسة 30 من ديسمبر 1958 ببراءة المدعى من التهمة المسندة اليه - تقرير ما يتبع فى شأن مرتبه عن مدة الوقف فانه لا يترتب على هذا الاغفال حرمان المدعى من هذا المرتب بل يظل مركزه القانونى فى هذا الشأن معلقا كما أنه ليس من شأن هذا الاغفال ان يستنفد مجلس التأديب ولايته بالنسبة الى المرتب المذكور بل يجوز عرض أمر هذا المرتب عليه لتقرير ما يتبع فى شأنه تأسيسا على انه اغفل الفصل فى أمر اوجب عليه القانون الفصل فيه.
2 - ان المادة 95 من القانون رقم 210 لسنة 1951 قد عقدت الاختصاص لمجلس التأديب بتقرير ما يتبع فى شأن المرتب عن مدة الوقف مقترنا بالفصل فى الدعوى التأديبية، ومقتضى ذلك أن يتضمن القرار الصادر فى موضوع تلك الدعوى بيان ما يتبع فى شأن المرتب المذكور فان أغفل القرار بيان ذلك تعين أن تتبع فى الفصل فى مصير هذا المرتب ذات الاجراءات التى تتبع فى الفصل فى الدعوى التأديبية. ذلك ان الحرمان من المرتب عن مدة الوقف وان لم يعتبر جزاء تأديبيا الا أنه ينطوى على معنى الجزاء الأمر الذى يتعين معه ان تتخذ الاجراءات الخاصة بالبت فيه فى مواجهة الموظف المحال الى المحاكمة التأديبية وان يمكن من الدفاع عن نفسه ويترتب على اغفال هذه الضمانات الجوهرية بطلان القرار الصادر بالحرمان من المرتب.
3 - ان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن علاقة الموظف بالحكومة هى علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح ومركز الموظف هو مركز قانونى عام يجوز تعديله وفقا لمقتضيات المصلحة العامة ومرد ذلك الى أن الموظفين هم عمال المرافق العامة وبهذه المثابة يجب أن يخضع نظامهم القانونى للتعديل والتغيير وفقا لممقتضيات المصلحة العامة ويتفرع عن ذلك أن التنظيم الجديد يسرى على الموظف بأثر حال من تاريخ العمل به ولكنه لا يسرى بأثر رجعى بما من شأنه اهدار المراكز القانونية الذاتية التى تكون قد تحققت نتيجة لتطبيق التنظيم القديم على حالة الموظف الا بنص خاص فى قانون يقرر الأثر الرجعى.
ومن حيث انه بالغاء القرار الصادر من مجلس التأديب العالى فى 27 من يونيو 1959 بحرمان المدعى من مرتبه عن مدة وقفه يعتبر هذا القرار كأنه لم يصدر ويعتبر المدعى بالنسبة الى المرتب فى مركز قانونى عام لعدم تحقق مركز ذاتى له فى شأنه وفقا لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 حتى الغى هذا القانون - ولا شك فى خضوع هذا المركز القانونى العام لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 الذى يسرى عليه بأثر مباشر - ولما كان المدعى قد برئ من التهمة المسندة اليه فانه وفقا لأحكام المادة 64 من هذا القانون الاخير اصبح يستمد حقه فى مرتبه عن مدة وقفة من القانون مباشرة وبذلك انحسم مركزه المعلق فى شأن هذا المرتب بحكم القانون مما يتعين معه اجابته الى طلبه الخاص بالحكم له بأحقيته فى صرف مرتبه عن مدة وقفه.
4 - ان عدم عرض أمر استمرار وقف المدعى عن عمله فور انقضاء ثلاثة اشهر من تاريخ صدور القرار به على مجلس التأديب - ليس من شأنه ان يؤدى الى انعدام هذا القرار أو اعتباره كأن لم يكن لعدم وجود نص يرتب هذا الأثر. ولما كان مجلس التأديب العادى قد قرر بجلسته المنعقدة فى 13 من مارس 1957 اعتبار مدة خدمة المدعى منتهية من تاريخ الحكم عليه فى الجنحة رقم 7856 لسنة 1954 وهو تاريخ سابق على تاريخ وقفه فلم يكن هناك محل مع صدور هذا القرار لان ينظر المجلس المذكور فى استمرار وقفه ونظرا الى أن المدعى قد استأنف هذا القرار الذى لا يخرج عن كونه قرار عزل يرتد أثره الى تاريخ الحكم المذكور فانه يعتبر موقوفا عن عمله بقوة القانون وفقا لحكم الفقرة الاخيرة من المادة 84 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 والتى تقضى بأنه يترتب على الحكم بالعزل من الوظيفة من المجلس التأديبى وقف الموظف حتما رغم طعنه بالاستئناف.


اجراءات الطعن

بتاريخ 25 من سبتمبر سنة 1961 أودع الاستاذ أحمد رجائى العشماوى المحامى بالنيابة عن السيد/ زكرى عازر قلدس، قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والارشاد القومى بجلسة 2 من أغسطس سنة 1961 فى الدعوى رقم 405 لسنة 7 القضائية المقامة من الطاعن ضد وزارة التربية والتعليم والقاضى بقبول الدعوى شكلا ورفضها موضوعا والزام المدعى المصروفات وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبوله شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء: أولا - بالغاء قرار مجلس التأديب العالى الصادر فى 27 من يونيو سنة 1959 فيما قضى به من حرمان الطاعن من راتبه عن مدة الايقاف وأحقيته فى صرف هذا المرتب فى المدة من 22 من أكتوبر سنة 1956 الى أول يناير سنة 1959 وما يترتب على ذلك من كافة الآثار مع الزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماه عن الدرجتين.
ثانيا - الزام المطعون ضده بصفته بأن يدفع الطاعن مبلغ قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت وذلك عن الاضرار المادية والادبية التى أصابته نتيجة لصدور قرار مجلس التأديب العالى فى 27 من يونيو سنة 1959 القاضى بحرمانه من مرتبه عن مدة الايقاف وما سبق هذا القرار من قرارات صادرة من وزارة التربية والتعليم فى 28 من سبتمبر سنة 1956 بايقافه عن العمل والقرارين الصادرين فى 13 من مارس سنة 1957 و5 من فبراير سنة 1958 القاضيين بعزله دون سند من القانون مع الزام المدعى عليه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد أعلن هذا الطعن الى الوزارة فى أول أكتوبر سنة 1961 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 26 من ديسمبر سنة 1964 وأعلن الطرفان بموعد هذه الجلسة فى 7 من ديسمبر سنة 1964 وقررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 20 من مارس سنة 1965 وأعلن الطرفان فى 28 من فبراير سنة 1965 بموعد هذه الجلسة وبعد أن سمعت المحكمة أيضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت أرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل فى انه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الادارية لوزارة التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والارشاد القومى فى 13 من مارس سنة 1960 أقام السيد/ زكرى عازر قلدس، الدعوى رقم 405 لسنة 7 القضائية ضد السيد وزير التربية والتعليم طالبا الحكم بالغاء قرار مجلس التأديب العالى الصادر بتاريخ 27 من يونية سنة 1959 فيما تضمنه من حرمانه من راتبه عن مدة الايقاف التى بدأت فى 22 من أكتوبر سنة 1956 وانتهت فى أول يناير سنة 1959 وأحقيته فى صرف راتبه عن المدة المذكورة وقال شرحا لدعواه أنه أحيل فى 15 من ديسمبر سنة 1956 الى المحاكمة التأديبية بالقرار رقم 1144 لسنة 1956 على أثر الحكم عليه بغرامة قدرها مائتا قرش فى القضية رقم 7856 لسنة 1954 جنح روض الفرج التى كان متهما فيها بأنه أمر البنك الأهلى بعدم صرف شيك كان قد حرره لأحمد أحمد حسن الديب كجزء من ثمن عقار اشتراه منه بمقتضى عقد بيع تضمن حق المشترى فى فسخه والغائه واصدار الأمر الى البنك بعدم صرف الشيك المذكور وبالرغم من مجانبة هذا الحكم للصواب فانه لم يستطع استئنافه لعدم بلوغ المحكوم به نصاب الاستئناف وعلى أثر هذا الحكم رأت الوزارة أحالته الى المحاكمة التأديبية وقررت وقفه عن العمل فى 22 من أكتوبر سنة 1956 ولم تصرف اليه راتبه حتى أعيد الى العمل فى أول يناير سنة 1959 بعد صدور قرار مجلس التأديب العالى فى 30 من ديسمبر سنة 1958 الذى قضى بالغاء قرار مجلس التأديب العادى وبراءته مما كان منسوبا اليه من أعتبار الجريمة التى حوكم من أجلها من الجرائم المخلة بالشرف - وذكر المدعى أنه عندما صدر قرار مجلس التأديب العالى لم يتضمن النص على حرمانه من بعض أو كل مرتبه عن مدة ايقافه عن العمل وانه منذ عودته الى العمل فى 2 من يناير سنة 1959 لم يتوان عن المطالبة بصرف متجمد راتبه عن مدة ايقافه عن العمل فأخذت الوزارة فى بحث هذا الطلب ثم عرضت الأمر على السيد رئيس مجلس التأديب العالى الذى قرر براءته فأشر بأن المجلس بصدور قراره استنفد ولايته فى هذا الشأن ولا يجوز عرض الأمر عليه مرة أخرى ومضى المدعى يقول انه ظل يستعجل الوزارة فى صرف راتبه المتأخر حتى فوجئ فى 10 من سبتمبر سنة 1959 بخطاب تسلمه عن طريق المدرسة التى يعمل بها، متضمنا أن مجلس التأديب العالى قرر بجلسة 27 من يونيو سنة 1959 حرمانه من المرتب عن مدة الايقاف وذكر ان هذا القرار صدر دون أخطاره وفى غيبته فلم تسمع أقواله كما صدر من هيئة أخرى مستندا الى القول بأن الموظف بارتكابه الافعال المسندة اليه قد تسبب فى ايقافه عن العمل هذه الفترة الطويلة وأن ما ارتكبه من أفعال كان موجبا للايقاف الى أن يبت نهائيا فى التهم المسندة اليه - وعقب المدعى على ذلك بقوله أن ما استند اليه المجلس فى قراره المشار اليه غير صحيح لأنه لم يرتكب جريمة مخلة بالشرف وهذا ما قرره مجلس التأديب العالى عندما قضى بالبراءة فلم يكن هناك ما يوجب وقفه ولم يكن هناك ما يخشى عليه من استمراره فى عمله وأضاف المدعى أنه عندما علم بالقرار الصادر بحرمانه من مرتبه تظلم منه فى 15 من سبتمبر سنة 1959 وتقدم فى أول أكتوبر سنة 1959 بطلب لاعفائه من رسوم الدعوى ولكن هذا الطلب رفض فى 9 من فبراير سنة 1960.
وقد أجابت الوزارة على الدعوى بمذكرة قالت فيها أن المشرع قد ناط بمجلس التأديب سلطة البت فى أمر صرف مرتب الموظف الموقوف عن العمل وذلك بصفة مؤقتة قبل الفصل فى الموضوع وبصفة نهائية عند البت فى التهمة المحاكم من أجلها. وأن مجلس التأديب العالى قد أغفل فى قراره الصادر فى 30 من ديسمبر سنة 1958 ما يتبع فى شأن مرتب المدعى عن الفترة التى أوقف فيها عن العمل - ولذلك عرض أمر صرف هذا المرتب على المجلس فأصدر قراره فى 27 من يونيو سنة 1959 بحرمانه منه استنادا الى أن الموظف بارتكابه الأفعال المنسوبة اليه يكون قد تسبب فى ايقافه عن العمل هذه الفترة الطويلة وان براءته مما أسند اليه لم تكن لعدم ارتكابه الافعال موضوع الاتهام - فيكون القرار المطعون فيه صادرا ممن يملك سلطة اصداره طبقا للمادة 95 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - ولا يغير ذلك ما يتعلل به المدعى من أن مجلس التأديب العال قد استنفد ولايته باصداره قرار براءته فى 30 من ديسمبر سنة 1958 ذلك أن ولايته قد استنفدت فقط بالنسبة لموضوع الاتهام أما بالنسبة لصرف المرتب فلم يكن المجلس قد قال كلمته فيه بعد - وأضافت الوزارة أن ايقاف المدعى عن العمل يجد سببه القانونى فى التهمة المسندة اليه والتى ثبتت أدانته فيها بموجب حكم جنائى نهائى وقد باشر مجلس التأديب الابتدائى التحقيق معه فيكون ايقافه عن العمل قد صدر صحيحا لصالح التحقيق ولا وجه للتحدى بأن الايقاف قد وقع باطلا لأن المدعى أوقف عن العمل من 22 من أكتوبر سنة 1956 حتى أول يناير سنة 1959 دون أن يعرض أمره على مجلس التأديب لمد الايقاف بعد ثلاثة أشهر من بدايته اذ ليس فى النصوص ما يرتب مثل هذا الجزاء.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا برأيها انتهت فيه الى أنها ترى الحكم:
أولا: بقبول الدعوى شكلا.
وثانيا: بالغاء قرار مجلس التأديب العالى الصادر فى 27 من يونيو سنة 1959 فيما تضمنه من حرمان المدعى من راتبه عن مدة الايقاف طوال المدة من 22 من أكتوبر سنة 1956 حتى أول يناير سنة 1959 وأحقيته فى قيمة مرتبه عن هذه المدة وما يترتب على ذلك من آثار والزام الوزارة بالمصروفات.
وتقدم المدعى بعدة مذكرات بدفاعه قال فيها أنه علم بالقرار المطعون فيه فى 10 من سبتمبر سنة 1959 بالخطاب الذى أرسلته الوزارة اليه عن طريق المدرسة التى يعمل بها وهو يتضمن أن مجلس التأديب العالى كان قد اصدر فى غيبته قرارا بحرمانه من المرتب عن مدة الايقاف فتظلم من هذا القرار فى 15 من سبتمبر سنة 1959 ثم تقدم فى أول أكتوبر سنة 1959 بطلب لاعفائه من رسوم الدعوى وتقرر رفض هذا الطلب فى 9 من فبراير سنة 1960 فأقام دعواه فى 13 من مارس سنة 1960 فتكون الدعوى مقبولة شكلا وذكر أنه يهدف بدعواه الى الحكم له بصرف مرتبه عن مدة الايقاف بعد أن قضى ببراءته وأن استحقاقه للمرتب عن تلك المدة اما أن يكون نتيجة حتمية لالغاء القرار الصادر من مجلس التأديب العالى موضوع طلب الالغاء واما ان يكون على أساس كون هذا الطلب منازعة فى مرتب واما على أساس تعويض ما أصابه من ضرر بسبب اتخاذ اجراء باطل حياله هو وقفه بلا مبرر واستمرار هذا الوقف دون عرض الأمر على مجلس التأديب - وذكر بالنسبة للأساس الأول أن قرار مجلس التأديب العالى الصادر بحرمانه من مرتبه عن مدة الايقاف معيب من حيث الشكل والاختصاص والموضوع اذ صدر من هيئة لا تملك اصداره كما صدر مخالفا للمادة 94 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التى تعطى الحق للموظف فى أن يحضر جلسة المحاكمة وأن يدافع عن نفسه وأن يوكل عنه محاميا ومن حيث الاختصاص فانه بعد ان قضى مجلس التأديب العالى بالبراءة يكون قد استنفد ولايته واختصاصه - ولا يعدو أن يكون صرف المرتب له بعد ذلك عن مدة الايقاف تنفيذا لمقتضى القرار الصادر بالبراءة ومن حيث الموضوع فان براءته تجعل سبب الايقاف منعدما - وذكر عن الاساس الثانى انه لما كان قد قضى ببراءته فانه يتعين كنتيجة حتمية لقرار البراءة ان يصرف له مرتبه عن مدة الايقاف وذكر عن الاساس الثالث انه يستحق تعويضا عما أصابه من ضرر بسبب خطأ الوزارة فى ايقافه عن العمل بلا مبرر واستمرار ايقافه أكثر من ثلاثة أشهر دون عرض الامر على مجلس التأديب ذلك أن الايقاف لا يكون الا اذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك وقد صدر القرار بايقافه بعد الحكم عليه فى جريمة اعطاء شيك بلا رصيد بغرامة قدرها مائتا قرش فلم يكن ثمة تحقيق يبرر الايقاف - وفصل المدعى فى بعض مذكراته الاضرار المادية والادبية التى يدعى انها لحقت به بسبب ايقافه عن العمل وذلك أنه يقدر ما يستحقه من تعويض عن هذه الاضرار بملغ 1720 جنيها وانه يكتفى حاليا بتعويض مؤقت قدره قرش واحد وأضاف طلب الحكم بهذا التعويض الى طلباته الاخرى.
وعقبت الوزارة على دفاع المدعى بمذكرة تكميلية قالت فيها أن قرار مجلس التأديب العالى المطعون فيه قرار سليم لان جلسة هذا المجلس المنعقدة فى 27 من يونية سنة 1959 لم تكن لمحاكمته تأديبيا بل للنظر فى صرف مرتبه عن مدة الايقاف أعمالا للسلطة المخوله للمجلس بمقتضى المادة 95 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وهى مسألة تكشف عنها الأوراق سواء أخطر المدعى بالجلسة أم لم يخطر فعدم اخطاره لا يبطل القرار من حيث الشكل - وقرار المجلس سليم لأن المدعى تسبب فى الحالة الجنائية التى أوقف من أجلها وهى اصدار شيك بدون رصيد واذا كان مجلس التأديب العالى قد برأه باعتبار ان الجريمة الجنائية التى أدين من أجلها غير ماسة بالشرف فان ذلك لا يبرئه من انه ارتكب الافعال المنسوبة اليه - وأضافت الوزارة أن البراءة لا تعنى بحكم اللزوم صرف المرتب بل لمجلس التأديب ان يقرر عند الفصل فى الدعوى التأديبية سواء بالبراءة أو الادانة ما يتبع بشأن صرف مرتب الموظف الموقوف عن العمل - كما ان المدعى لا يستحق تعويضا عن ايقافه لان ايقافه كان تطبيقا سليما لحكم المادة 95 من القانون رقم 210 لسنة 1951.
وبجلسة 2 من أغسطس سنة 1961 قضت المحكمة الادارية بقبول الدعوى شكلا وبرفضها موضوعا وأقامت قضاءها بالنسبة الى الشكل على أن قرار مجلس التأديب العالى المطعون فيه قد صدر فى 27 من يونيه سنة 1959 وليس فى الأوراق ما يفيد أن المدعى علم به قبل أول سبتمبر سنة 1959 وقد تقدم بطلب اعفائه من رسوم هذه الدعوى فى أول أكتوبر سنة 1959 وتقرر رفض هذا الطلب فى 9 من فبراير سنة 1960 فأقام الدعوى فى 13 من مارس سنة 1960 فتكون مرفوعة فى الميعاد القانونى ومقبولة شكلا - وبعد ان استعرضت المحكمة الوقائع أشارت الى نص المادتين 95 من القانون رقم 210 لسنة 1951 و52 من اللائحة التنفيذية للقانون المذكور وذكرت انه يستفاد من هذين النصين ان السلطة التى تملك وقف الموظف عن عمله هى وكيل الوزارة ورئيس المصلحة كل فى دائرة اختصاصه على الا تزيد مدة الوقف على ثلاثة أشهر فاذا امتدت مدة الوقف الى ثلاثة أشهر دون أن ينتهى التحقيق تعين عرض الأوراق فى نهاية تلك المدة على مجلس التأديب للنظر فى استمرار الوقف فاذا لم يعرض على المجلس هذا الأمر ولم يصدر قرار بمد الوقف تعين عودة الموظف الى عمله فى اليوم التالى لانقضاء الثلاثة أشهر المذكورة، وانه يستفاد أيضا من هذين النصين أن الموظف الذى يعود الى عمله لعدم صدور قرار مجلس التأديب بمد وقفه يصرف اليه مرتبه ابتداء من تاريخ عودته الى العمل اما مرتبه عن المدة السابقة على تاريخ عودته الى العمل فلا يصرف اليه ويظل موقوفا صرفه ما لم يقرر مجلس التأديب صرفه اليه كله أو بعضه فاذا عمد الموظف الى عدم العودة الى عمله بعد انقضاء الثلاثة أشهر المذكورة فانه يكون قد تسبب بفعله فى امتداد وقفه عن العمل واستمرار جميع الآثار المترتبة على هذا الوقف، كما أنه من مقتضى هذين النصين أن مجلس التأديب يملك مد قرار الايقاف الصادر من وكيل الوزارة ورئيس المصلحة ولو جاء قرار المجلس بالمد تاليا لانقضاء الثلاثة أشهر التى لا يجوز ان تزيد مدة الوقف عليها الا بقرار من مجلس التأديب، وان قرار وقف المدعى عن العمل قد صدر فى بادئ الامر من الجهة الادارية فى 22 من أكتوبر سنة 1956 وانتهت مدة الثلاثة أشهر فى 21 من يناير سنة 1957 ولم يعد المدعى الى عمله فى اليوم التالى واستمر كذلك حتى أصدر مجلس التأديب العالى قراره فى 13 من مارس سنة 1957 وطعن فى هذا القرار أمام مجلس التأديب العالى الذى أصدر قراره فى 19 من نوفمبر سنة 1957 بقبول الدفع ببطلان قرار مجلس التأديب العالى واعادة القضية اليه للفصل فيها من جديد مع ايقاف المدعى عن عمله وجاء فى أسباب هذا القرار أن المجلس يرى أن يكون ايقاف المدعى عن العمل اعتبارا من تاريخ صدوره كما يرى عدم صرف مرتبه عن مدة الايقاف السابقة الى أن يفصل فى الدعوى - وذكرت المحكمة أنه لذلك يكون وقف المدعى عن العمل قد استمر بعد الثلاثة أشهر صحيحا ومنتجا لآثاره خاصة وأن مجلس التأديب العالى قد أقر وقفه عن المدة السابقة كما ان قرار هذا المجلس يوقفه اعتبارا من 19 من نوفمبر سنة 1957 صحيح ومنتج لآثاره القانونية وصادر ممن يملك اصداره، وتضمنت أسباب الحكم أن قرار مجلس التأديب العالى الصادر فى 27 من يونيه سنة 1959 بحرمان المدعى من مرتبه عن مدة الايقاف قرار باطل وعديم الاثر لانعدام ولاية المجلس فى شأنه بعد أن فصل فى موضوع الدعوى التأديبيه بقراره الصادر فى 30 من ديسمبر سنة 1958، وانه يستفاد من اغفال المجلس فى هذا القرار الفصل فيما يتبع فى شأن مرتب المدعى عن مدة الايقاف اقراره الأصل الذى أوردته القاعدة القانونية المقررة فى هذا الشأن وهو حرمان المدعى من مرتبه عن مدة ايقافه عن العمل ورفض صرفه اليه كله أو بعضه ولا يقدح فى ذلك ان المجلس قد أصدر قراره فى موضوع الدعوى التأديبية بالبراءة لأنه ليس فى النصوص القانونية ما يفيد التلازم الموضوعى بين العقوبة أو البراءة فى موضوع الاتهام فى الدعوى التأديبية وبين تقرير ما يتبع فى شأن صرف مرتب الموظف عن مدة الايقاف - كما أن المدعى رغم براءته من المخالفة الادارية قد ارتكب الأفعال التى أدت بالمحكمة الجنائية الى ادانته مرتين والحكم عليه فى كل مرة بالغرامة احداهما فى تهمة اتلافه عمدا عقد بيع مملوك لآخر والثانية فى تهمة اعطاء شيك بسوء نية لآخر ثم اصدار الأمر للبنك المسحوب عليه بعدم الصرف وهى أفعال تجرح المدعى وتنال من سمعته فلا تعارض بين صدور قرار مجلس التأديب العالى ببراءة المدعى فى المحاكمة التأديبية وبين حرمانه من مرتبه عن مدة الايقاف ومن ثم يكون المدعى غير محق فى طلب مرتبه عن مدة الايقاف - ولما كان ايقاف المدعى اجراءا صحيحا منتجا لآثاره القانونية وكان امتناع الوزارة عن صرف مرتبه خلال فترة الايقاف يستند الى أصول قانونية سليمة فانها لا تكون بذلك قد خالفت القانون أو ارتكبت خطأ موجبا للتعويض فانه يتعين رفض طلب المدعى الخاص بالزام الوزارة بأن تدفع له قرشا واحدا على سبيل التعويض المؤقت.
ومن حيث أن الطعن يقوم على الأسباب الآتية:
أولا: أن المحكمة الادارية قد أخطأت فى تفسير القانون وتطبيقه فيما يتعلق بوقف المدعى عن المدة من 22 أكتوبر سنة 1956 حتى 28 من نوفمبر سنة 1957 تاريخ اليوم السابق على صدور قرار مجلس التأديب العالى، اذ ليس أدل على انعدام شرعية قرار الايقاف من أن المفهوم من قرار المجلس المذكور الذى نص على بطلان قرار مجلس التأديب العادى واعادة القضية اليه من جديد هو أن مجلس التأديب العالى قد قضى بالايقاف لا كعقوبة وانما كاجراء احتياطى يجب اتخاذه حتى يتم الفصل فى الدعوى اما بالادانة واما بالبراءة فان كانت الادانة فيكون القرار بالايقاف حتى يتم الفصل فى الدعوى على أساس أن ذلك قد صادف محله كاجراء احتياطى وان كان بالبراءة فانه سيترتب على ذلك بحكم اللزوم صرف مرتبه وذلك لأن هذا المجلس لم يبت فى الدعوى وانما أعادها لمجلس التأديب العادى لاعادة المحاكمة فليس هناك حكم صادر بالايقاف حتى يقال أن هذا هو أساس شرعية وقف المدعى هذه المدة - أما عن قول الحكم المطعون فيه انه كان واجبا على المدعى أن يتوجه الى العمل فور انقضاء الثلاثة أشهر التى أوقف خلالها بناء على قرار وكيل الوزارة والا كان مسئولا عن ذلك فمردود بأن المدعى كان قد أخطر خلال هذه الثلاثة أشهر باحالته الى مجلس التأديب وكان هذا المجلس يملك مد الايقاف أو رفعه فلم يكن ثمة مندوحة وقد أخطر بتحديد جلسة أمام مجلس التأديب من أن ينتظر قراره فى شأن ايقافه.
ثانيا: ان الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى استناده على نص المادة 95 من قانون التوظف لحرمان المدعى من مرتبه عن فترة الايقاف الحاصلة من 19 من نوفمبر سنة 1957 حتى أول يناير سنة 1959 - اذ فسرت المحكمة الادارية نصوص قانون التوظف على غير ما أراد لها المشرع من مدلول لأن هذه النصوص لم تقل قط أن الأصل هو حرمان الموظف من راتبه رغم صدور حكم ببراءته من مجلس التأديب - والمستفاد من حكم المادة 95 أن حكم البراءة هو تقرير بصرف المرتب - كما أن الحرمان من المرتب عقوبة لابد وأن يصدر بها قرار من مجلس التأديب وفقا للمادة 85 من قانون التوظف - ويتعين أن يكون هذا القرار مسببا وفقا لنص المادة 91 من ذلك القانون وبالرجوع الى قرار مجلس التأديب العالى الصادر بالبراءة يبين أنه لم يتضمن أسبابا للحرمان من المرتب الذى افترض الحكم المطعون فيه توقيعه على المدعى.
ومن حيث أن هيئة مفوضى الدولة قدمت تقريرا برأيها انتهت فيه الى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع برفضه مع الزام رافعه المصروفات وذلك تأسيسا على أن الثابت من الوقائع أن مجلس التأديب الاستئنافى قرر بجلسة 19 من نوفمبر سنة 1957 حرمان المدعى من راتبه عن مدة الايقاف السابقة على صدوره حتى يفصل فى الدعوى بمعنى أن هذا المجلس بجلسة 30 من ديسمبر سنة 1958 كان معروضا عليه موضوع الصرف أو الحرمان عن المدة التى تلت 19 من نوفمبر سنة 1957 ومن ثم يعتبر سكوته تبنيا للأصل العام من الحرمان مع الوقف والا لأفصح عن العكس لو اتجهت نيته الى هذا وقد تأكد ذلك بتأشير رئيس المجلس عندما عرض عليه الموضوع ليقرر جلسة توطئة لاصدار قرار تكميلى أن المجلس استنفد ولايته فى هذا الموضوع تأسيسا على ان المجلس وقد سكت عن البت صراحة فى الموضوع فى الوقت الذى كان تحت نظره فان هذا يعنى تبنيه للأصل العام وهو الحرمان طول مدة الوقف ومع هذا لم تكتف الادارة ورفعت الأمر مرة أخرى الى المجلس لاصدار قرار تكميلى وأجيبت الى طلبها وأصدر المجلس قراره التكميلى مؤكدا ما اتجهت اليه نية المجلس الاستئنافى فى المرة الأولى - والحرمان عن مدة الوقف مسألة تقديرية لجهة الادارة أو المجلس كل بحسب اختصاصه لا تعقيب عليها من جانب المحكمة طالما خلت من الاساءة أو الانحراف فيكون طلب المدعى صرف مرتبه عن مدة وقفه مفتقرا الى ما يدعمه من القانون متعين الرفض.
وتقدمت الوزارة بمذكرة بدفاعها أشارت فيها الى المادة 95 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والمادة 10 من قانون النيابة الادارية رقم 117 لسنة 1958 وذكرت أنه يخلص من أحكامها أن مسألة الحرمان من المرتب أثناء مدة الوقف مسألة تقديرية للمحكمة التأديبية تفصل فيها دون معقب عليها من جانب القضاء الادارى طالما خلت من الاساءة أو الانحراف - وقالت انه وان كان مجلس التأديب العالى بقراره الصادر بالبراءة فى 30 من ديسمبر سنة 1958 قد استنفد ولايته بالنسبة الى موضوع الاتهام الا انه لم يكن قد قال كلمته بعد فى أمر صرف المرتب أثناء مدة الايقاف وكان سكوته كافيا فى حد ذاته للتدليل على انه قرار بالحرمان استنادا الى الأصل العام وهو الحرمان ولكن الأمر رفع مرة أخرى لاستجلاء نيته بوضوح وللافصاح عما سكت عنه فأصدر قراره التكميلى مؤكدا ما اتجهت اليه نيته فى قراره الأول اذ قرر صراحة حرمان المدعى من المرتب خلال مدة وقفه عن العمل - وقد تضمن قرار المجلس الاستئنافى فى 19 من نوفمبر سنة 1957 اجازة الاجراءات السابقة على صدوره وانه يبين من الوقائع أن المدعى أوقف عن العمل بقرار من الوزارة لمدة تقل عن ثلاثة أشهر من 22 من أكتوبر حتى 15 من ديسمبر سنة 1956 تاريخ احالته الى مجلس التأديب الابتدائى ثم أحيل الى المحاكمة التأديبية خلال هذه الفترة فقضى مجلس التأديب الابتدائى فى 13 من مارس سنة 1957 بفصله من الخدمة نهائيا ولما استأنف المدعى هذا القرار قضى فى 19 من نوفمبر سنة 1957 بايقافه عن العمل مع حرمانه من المرتب فظل موقوفا تنفيذا لهذا القرار الى أن قضى مجلس التأديب الابتدائى من جديد فى 5 من فبراير سنة 1958 بانتهاء مدة خدمته وظل هذا القرار الأخير نافذا الى أن ألغاه قرار مجلس التأديب الاستئنافى الصادر فى 13 من ديسمبر سنة 1958 وتنفيذا له أعيد المدعى الى الخدمة فى 2 من يناير سنة 1959 وانتهت الوزارة الى طلب الحكم برفض الدعوى والزام المدعى المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وتقدم المدعى بمذكرة أضاف فيها الى ما ورد بتقرير الطعن أن الحكم المطعون فيه استند الى أن الأصل العام هو حرمان الموظف الموقوف من راتبه عن مدة الوقف - وذكر انه بالاضافة الى فساد هذا النظر فان هذا الأصل قد تغير بمدلول نص المادة العاشرة من القانون رقم 117 لسنة 1958 الخاص باعادة تنظيم النيابة الادارية الذى صدر القرار المطعون فيه وحكم البراءة فى ظله اذ أتى هذا النص بجديد هو صرف المرتب كله أو بعضه بصفة مؤقته وتعليق البت النهائى فى الصرف أو الحرمان الى أن يقرر مجلس التأديب بقرار صريح ما يتبع فى شأن المرتب حرمانا أو صرفا فلم يعد هناك محل للقول بأن سكوت مجلس التأديب يعتبر رجوعا الى الأصل وهو الحرمان بل أصبح من الواجب على مجلس التأديب أن يقضى بالحرمان أو الصرف فان لم يقرر شيئا فى هذا الشأن وجب صرف المرتب لأن عدم الصرف حرمان يتعين أن يكون بنص أو قرار صريح - وأشار المدعى الى أن الحكم قد أصبح نهائيا وحائزا لقوة الشىء المقضى بالنسبة للقرار الذى أصدره مجلس التأديب فى 27 من يونيه سنة 1959 من انه باطل ومعدوم الأثر ولم تطعن الجهة الادارية فى هذا الحكم - وذكر أن القانون رقم 46 لسنة 1964 الخاص بنظام العاملين قد أوجب فى حالة الحكم بالبراءة صرف المرتب كاملا الى الموظف الموقوف وان هذا النص الجديد يتعين تطبيقه على حالته لسببين: الأول - أن الروابط والأحكام التى يخضع لها الموظف بالنسبة لعلاقته بالحكومة هى أحكام لائحية فما يستجد منها يطبق عليه ويتعين أن يستفيد من هذه الأحكام العامة ما دامت تطبق عليه القواعد التى قد تسئ الى مركزه.
والثانى - انه فى نطاق الجزاءات يعتبر قانون العقوبات هو القانون العام الذى يضع الخطوط العريضة والقواعد العامة التى تطبق من حيث العقوبة ما لم يرد نص فى القوانين المتفرعة منه والحرمان عقوبة ادارية يطبق فى شأنها القانون الاصلح للمتهم - ثم تحدث المدعى عن التعويض المؤقت فذكر أن أساسه هو ما أصابه من ضرر بخطأ جهة الادارة فخطأ جهة الادارة هو ايقافه بلا مبرر وعدم تجديد هذا الايقاف الباطل بعد فوات الأشهر الثلاثة من الجهة المختصة ثم اصرار جهة الادارة على عدم صرف المرتب اليه رغم صدور حكم ببراءته - والضرر هو حرمانه من راتبه زهاء ثلاث سنوات تعرض فيها للفاقة والعوز والاستدانة والى بيع نصيب له فى منزل بثمن بخس وفقده مدخراته ليواجه ظروف الحياة الصعبة وما أصابه من ضرر معنوى يتمثل فيما عاناه من آلام نفسية.
ومن حيث انه بالرجوع الى الأوراق يبين انه قدمت شكاوى ضد المدعى أحالتها منطقة القاهرة الشمالية الى النيابة الادارية وبعد أن حققت فى موضوعها أعدت فى 11 من أغسطس سنة 1956 مذكرة انتهت فيها الى أن ما اقترفه من اعطائه بسوء نية شيكا لأحمد حسن الديب بمبلغ مائة جنيه على البنك الأهلى المصرى واصداره الأمر للمسحوب عليه بعدم الدفع وهو أمر تنطبق عليه أحكام المادتين 336 و337 من قانون العقوبات يعد نصبا وهى جريمة مخلة بالشرف والأمانة وتستوجب حتما انهاء خدمة الموظف المذكور - كما اقترف عدة جرائم أخرى وصفت قانونا بأنها جرائم نصب واحتيال وصدرت فى بعضها أحكام بالادانة - وانها لذلك ترى احالته على مجلس تأديب لاقرار مبدأ انهاء مدة خدمته والنظر فى الأمور الأخرى المنسوبة اليه على الوجه المبين تفصيلا بالأوراق - ومؤشر على هذه المذكرة فى 27 من سبتمبر سنة 1956 بما يفيد ايقاف المدعى مع ايقاف صرف مرتبه وعرض أمره على مجلس التأديب المختص.
وفى 15 من ديسمبر سنة 1956 صدر القرار رقم 1144 من وكيل الوزارة باحالته الى مجلس التأديب لمحاكمته على ما يأتى:
1 - بيعه مالا مملوكا للغير على أنه ماله الخاص وذلك بأن باع ليهودا ابراهيم فرج السرجانى وأخيه يوسف قطعتى أرض بالمعادى ونصف منزل اتضح أنها جميعا غير مملوكة له وكذلك بيعه لهما عقارات أخرى مبادلة فى مقابل منزل لهما بشيرا ثم تمزيقه كمبيالة صورية ليوهمها ببراءة ذمتهما ثم فاجأهما بعد ذلك برفع دعوى بقيمة هذه الكمبيالة الحقيقية وقد ترتب على ذلك قيام القضايا المدنية والجنائية بينه وبينهما وقد فصل فى بعضها وما زال البعض مطروحا أمام القضاء.
2 - اتهامه فى بعض القضايا بالنصب والاحتيال على بعض الناس وابتزاز أموالهم بالباطل ومن أمثلة ذلك.
( أ ) القضية رقم 7856 لسنة 1954 جنح روض الفرج وتتلخص فى انه أعطى بسوء نية شيكا للمدعو أحمد أحمد حسن الديب بمبلغ مائة جنيه على البنك الأهلى المصرى وأمر المسحوب عليه (البنك) بعدم الدفع وحكم عليه بمبلغ 200 قرش كغرامة.
(ب) القضية رقم 10379 لسنة 1954 جنح روض الفرج وتتلخص فى أنه أتلف عمدا سندا تسبب عن اتلافه ضرر للغير وهو عقد بيع مملوك لمحمود كامل أحمد الديب وحكم عليه بغرامة 100 قرش.
(جـ) القضية رقم 4477 لسنة 1954 جنح روض الفرج وتتلخص فى أنه هو وأخاه وآخر قد توصلوا بطريق النصب والاحتيال الى الاستيلاء على مبلغ 400 جنيه من المدعو محمد فريد صفوت بأن أوهمه بأنه وأخاه يملكان قطعة أرض ليست ملكا لهما وليس لهما حق التصرف فيها.
(د) القضية رقم 1714 جنح الجمالية لسنة 1954 وهى جنحة مباشرة موضوعها أن المتهم قد توصل الى الاستيلاء على مبلغ 254 جنيها من بعض الناس وذلك بطريق النصب والاحتيال أيضا وكان محددا لها جلسة 6 من يونيه سنة 1956 ومؤجله لجلسة 3 من أكتوبر سنة 1956.
ثانيا - اتخاذه قطعة أرض بالمعادى وسيلة لابتزاز أموال من يوقعه الحظ السيئ فى يده فمرة يبيعها لهذا ومرة لذاك وهكذا ثم يتفرع من ذلك قضايا جنائية ومدنية تأخذ سيرها أمام المحاكم وتستغرق منه وقتا ومجهودا كبيرين يصرفانه عن أداء واجبه كمدرس ويباعدان بينه وبين أن يتفرغ لأداء عمله كمرب للنشئ وقد وصفه القضاء فى أكثر من قضية بالنصب والاحتيال. وبعد أن أشار قرار الاحالة الى حكم الفقرة الثامنة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - تضمن أن المدعى قد اقترف عدة جرائم وصفت بأنها جرائم نصب واحتيال وصدرت فى بعضها أحكام الادانة وان هذا من شأنه وجوب ابعاده عن محيط التعليم كلية وان تستأصل شأفته حتى يكون عبرة لغيره من ضعاف النفوس الذين يتعيشون على اصطياد السذج والبسطاء لأكل أموالهم بالباطل ووجوب فصله بقوة القانون تطبيقا للمادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951.
وبجلسة 13 من مارس سنة 1957 قرر مجلس التأديب الابتدائى لموظفى الوزارة اعتبار مدة خدمة المتهم منتهية وحرمانه من حقه فى المكافأة وذلك تأسيسا على أنه قد صدر ضده حكم فى جريمة هى فى حقيقتها شيك بدون رصيد وذلك لأن امره المسحوب عليه بالامتناع عن الصرف يعد مماثلا لاعدام الرصيد وهى جريمة من جرائم النصب والاحتيال المخلة بالشرف والاعتبار فى القضية رقم 7856 لسنة 1954 جنح روض الفرج وانه لذلك تكون المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 واجبة الانطباق عليه فتعتبر خدمته منتهية من تاريخ الحكم عليه فى هذه الجريمة - كما جاء بأسباب قرار مجلس التأديب (أن المتهم قد ارتكب الجرائم الواردة فى قرار الاتهام وهى جرائم قاطعة فى عدم اعتباره لحرمة التعليم وكرامة الوظيفة وفى التدليل على انصرافه الى عدة معاملات مدنية وانشغاله باتهامه فى عدة جرائم فصل فى بعضها ولا تزال الأخرى مطروحة على القضاء ليقول كلمته فيها وبغشه فى هذه المعاملات المدنية من بيع أراضى لا يملكها وما الى ذلك ولم تبلغ الوزارة من هذه القضايا سوى ست وهذا قد شغله عن واجبه فى التدريس لا محالة وبالتالى فهو لم يخدم الدولة بأداء واجبه).
وفى 6 من أبريل سنة 1957 استأنف المدعى القرار المذكور - وبجلسة 19 من نوفمبر سنة 1957 أصدر مجلس التأديب العالى قراره فى هذا الاستئناف (بقبول الدفع ببطلان القرار الابتدائى المستأنف واعادة القضية الى مجلس التأديب العادى مع ايقاف المتهم عن عمله). وجاء بأسباب هذا القرار أنه قد بان لهيئة المجلس أن أحد أعضاء هيئة مجلس التأديب العادى التى سمعت المرافعة وحجزت القضية للحكم لم يحضر المداولة كما جاء بالاسباب أيضا ان المجلس يرى (ايقاف المتهم عن عمله اعتبارا من اليوم واحالته الى مجلس التأديب العادى لاعادة محاكمته وانه ترتب على تنفيذ القانون رقم 73 لسنة 1957 المعدل لاحكام قانون التوظف ايقاف الموظف عن العمل الذى صدر ضده قرار ابتدائى بالفصل وان المجلس يرى عدم صرف المرتب للمتهم عن مدة الايقاف السابقة حتى يفصل فى الدعوى).
وأعيد عرض الدعوى التأديبية على مجلس التأديب العادى فقرر بجلسة 5 من فبراير سنة 1958 اعتبار مدة خدمة المدعى منتهية من 5 من مايو سنة 1955 تاريخ الحكم ضده فى القضية رقم 7856 لسنة 1954 وتضمنت أسباب هذا القرار تبرئة المدعى من تهمة تصرفه بالبيع والمبادلة فى عقارات لا يملكها الى الشاكين ومن تهمة النصب والاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل - كما تضمنت أن الحكم الصادر ضده فى القضية رقم 10379 لسنة 1954 بتغريمه مائة قرش لاتلاف عقد بيع عقار مملوك لآخر لا يعتبر صادرا فى جريمة مخلة بالشرف فلا أثر له على المدعى من الناحية الادارية - أما الحكم فى القضية رقم 7856 لسنة 1954 جنح روض الفرج فقد صدر فيما اتهم به المدعى من أنه بتاريخ 31 من مايو سنة 1954 بدائرة قسم روض الفرج أعطى بسوء نية شيكا لاحمد حسن الديب بمبلغ مائة جنيه على البنك الاهلى المصرى فرع سليمان باشا وأمر المسحوب عليه بعدم الدفع وحكمت المحكمة فى 5 من مايو سنة 1955 بتغريمه مائة قرش بلا مصاريف جنائية واعتبار المدعى بالحق المدنى تاركا لدعواه المدنية والزمته بمصاريفها وأن هذه الجريمة تعتبر من الجرائم المخلة بالشرف وانه لما كان انهاء الخدمة هنا يقع بقوة القانون فلا ضير من أن يقرر المجلس حكم القانون فى هذا بعد ما تبين له تحقق أسبابه المؤدية اليه وهو صدور حكم نهائى فى جريمة من الجرائم المخلة بالشرف وان التهمة الثالثة والأخيرة تكرر اتهاما سبق توجيهه للمدعى وهو فى هذه المرة غير محدد ولم يورد وقائع بعينها حتى يمكن التحقق منها وأنه لذلك فان المجلس يرفضه وانه ازاء ادانة المدعى فى جريمة تعتبر من الجرائم المخلة بالشرف على الوجه السابق بيانه فانه يتعين على المجلس التقرير بحكم قانون التوظف مادة 107 فقرة 8 - ثم أصدر مجلس التأديب العادى بعد ذلك فى 12 من مارس سنة 1958 قرارا تكميليا بحفظ حق المدعى فى المعاش والمكافأة.
واستأنف المدعى قرار مجلس التأديب العادى باعتبار مدة خدمته منتهية من 5 من مايو سنة 1955 فى 27 من مارس سنة 1958.
وبجلسة 30 من ديسمبر سنة 1958 أصدر مجلس التأديب العالى قراره (بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بالغاء القرار المستأنف وبراءة المتهم من التهمة المسندة اليه) - وتضمنت أسباب هذا القرار أن القرار المستأنف لم يدن المتهم الا عن جزء من التهمة الثانية وهو اتهامه بالنصب والاحتيال وابتزاز أموال الناس بالباطل استنادا الى الحكم الصادر فى القضية رقم 7856 لسنة 1954 جنح روض الفرج على أساس أنه أعطى شيكا بسوء نية لاحمد حسن الديب بمبلغ مائة جنيه على البنك الأهلى المصرى وأمر المسحوب عليه بعدم الدفع وقد حكم عليه بمبلغ مائة قرش غرامة واستنادا الى أن هذه الجريمة من الجرائم المخلة بالشرف والتى يترتب على الادانة فيها انهاء خدمة الموظف طبقا للمادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وأسس المجلس العالى قضاءه بالبراءة على أن هذه الجريمة فى ذاتها لا تدخل فى نطاق الجرائم المخلة بالشرف حتى ولو الحقت بباب النصب وخيانة الامانة لاختلاف طبيعتها عنها فليست كل جريمة فى هذا الباب تعتبر جريمة مخلة بالشرف لمجرد اندراجها أو النص عليها فى هذا الباب وانما يتعين البحث فى طبيعة كل منها وأنه نتيجة لذلك فان توقيع العقوبة على المتهم من محكمة الجنح فى جريمة شيك أوقف صرفه لا تدخل فى نطاق الجريمة المخلة بالشرف وتأييدا لذلك فان المتهم لم يكن بحاجة الى ان يقدم الى المحاكمة التأديبية وانما يكفى ايقاع حكم القانون عليه بفصله.
وفى 26 من يناير سنة 1959 تقدم المدعى بطلب الى مدير منطقة القاهرة الوسطى التعليمية طالبا صرف مرتبه عن مدة الايقاف كما تقدم فى 28 من يناير سنة 1959 الى رئيس مجلس التأديب العالى طالبا التقرير باستحقاقه لمرتبه كاملا عن مدة وقفه حتى تاريخ تسلمه العمل أى من 22 أكتوبر سنة 1956 حتى اول يناير سنة 1959 وقد أشر رئيس المجلس على هذا الطلب بعرضه على الجهة المختصة بالتنفيذ وطلب مدير التفتيش من مدير الشئون القانونية بكتابه المؤرخ 9 من فبراير سنة 1959 عرض الموضوع على مجلس التأديب العالى لاصدار قراره فيه طبقا لنص المادة 5 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ولكن رئيس المجلس أشر على هذا الكتاب بما نصه (المجلس استنفد سلطته بأصدار الحكم ولا يجوز اعادة العرض عليه والأمر المطلوب أخذ الرأى فيه أمر تنفيذ الحكم لا يختص به مجلس التأديب).
وفى 27 من يونيه سنة 1959 انعقد مجلس التأديب العالى لموظفى الوزارة للنظر فى أمر مرتب المدعى عن مدة الايقاف من 22 أكتوبر سنة 1956 حتى أول يناير سنة 1959 وعرض عليه الطلب المقدم منه فى هذا الشأن فقرر حرمانه من المرتب عن مدة الايقاف، وتضمنت أسباب هذا القرار عدم تعرض المجلس فى قراره السابق لصرف المرتب عن مدة الايقاف وسكوته عن ذلك انما هو تأييد للمبدأ العام من حرمان الموظف عن مدة الايقاف والا كان قد نص على ذلك صراحة فى قراره المذكور وأن المجلس يرى حرمانه من المرتب فى هذه الفترة استنادا الى المادة 95 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الى جانب ان المدعى بارتكابه الافعال المسندة اليه قد تسبب فى ايقافه عن العمل هذه الفترة الطويلة وأن براءته مما اسند اليه لم تكن لعدم ارتكابه الافعال موضوع الاتهام وان ما ارتكبه من أفعال كان موجبا للايقاف الى أن يبت نهائيا فى التهم المسندة اليه.
ومن حيث ان المدعى قد أسس طعنه على القرار المذكور على أنه صدر دون أن يخطر بالجلسة التى حددت لنظر الطلب ودون أن يسمع دفاعه كما أنه صدر من هيئة أخرى غير التى قررت براءته وأنه لم يرتكب جريمة مخلة بالشرف ولم يكن هناك ما يوجب ايقافه أو ما يخشى عليه من استمراره فى عمله.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه وان كان قد ذهب فى أسبابه الى أن القرار المطعون فيه باطل ومنعدم الأثر الا أنه رفض دعوى المدعى تأسيسا على أن اغفال مجلس التأديب العالى فى قراره الصادر ببراءته فى 30 من ديسمبر سنة 1958 الفصل فى أمر مرتبه عن مدة الوقف يعتبر اقرارا من جانبه للاصل العام وهو الحرمان من المرتب عن مدة الوقف وأنه لا تلازم بين العقوبة أو البراءة وبين صرف المرتب وأن المدعى قد ارتكب أفعالا حكم من أجلها عليه بالغرامة مرتين فيكون امتناع الوزارة عن صرف مرتبه عن مدة الايقاف على أساس سليم.
ومن حيث ان المادة 95 من القانون رقم 210 لسنة 1951 قبل تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957 الذى عمل به منذ 4 من أبريل سنة 1957 تاريخ نشره فى الجريدة الرسمية كانت تنص على أن (لوكيل الوزارة أو رئيس المصلحة كل فى دائرة اختصاصه أن يوقف الموظف عن عمله احتياطيا اذا أقتضت مصلحة التحقيق معه ذلك ولا يجوز أن تزيد مدة الوقف عن ثلاثة أشهر الا بقرار من مجلس التأديب ويترتب على وقف الموظف عن عمله وقف صرف مرتبه ابتداء من اليوم الذى أوقف فيه ما لم يقرر مجلس التأديب صرف المرتب كله أو بعضه) ثم أصبح نصها بعد التعديل: - (للوزير ولوكيل الوزارة أو رئيس المصلحة كل فى دائرة اختصاصه أن يوقف الموظف عن عمله احتياطيا اذا أقتضت مصلحة التحقيق معه ذلك ولا يجوز أن تزيد مدة الوقف عن ثلاثة أشهر الا بقرار من مجلس التأديب ويترتب على وقف الموظف عن عمله وقف صرف مرتبه ابتداء من اليوم الذى أوقف فيه ما لم يقرر مجلس التأديب صرفه كله أو بعضه بصفة مؤقتة الى أن يقرر عند الفصل فى الدعوى التأديبية ما يتبع فى شأن المرتب عن مدة الوقف سواء بحرمان الموظف منه أو بصرفه اليه كله أو بعضه) وجاء بالمذكرة الايضاحية للقانون رقم 73 لسنة 1957 تبيانا لهذا التعديل أنه (رؤى أن يضاف الى المادة 95 حكم جديد يقضى بأن مجلس التأديب يقرر عند الفصل فى الدعوى التأديبية ما يتبع نهائيا فى شأن مرتب الموظف الموقوف عن عمله مدة الوقف سواء بحرمانه منه أو بصرفه اليه كله أو بعضه) - وقد أورد القانون رقم 117 لسنة 1958 باعادة تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية حكما مماثلا فى شأن الوقف عن العمل الذى يتم بناء على طلب النيابة الادارية اذ نص فى الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة على أن (يترتب على وقف الموظف عن عمله وقف صرف مرتبه ابتداء من اليوم الذى أوقف فيه ما لم تقرر المحكمة صرف المرتب كله أو بعضه بصفة مؤقتة الى أن تقرر عند الفصل فى الدعوى التأديبية ما يتبع فى شأن المرتب عن مدة الوقف سواء بحرمان الموظف منه أو بصرفه اليه كله أو بعضه).
ومن حيث أنه كان يبين من استعراض التشريعات المختلفة السابقة على العمل بالقانون رقم 73 لسنة 1957 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 والتى تحدثت عن الوقف عن العمل والآثار المترتبة عليه أنها قررت قاعدة عامة هى حرمان الموظف الموقوف من مرتبه طوال مدة الوقف وجعلت الاستثناء هو صرفه كله أو بعضه حسبما يقرر مجلس التأديب - الا أنه منذ العمل بهذا القانون أصبح حرمان الموظف المحال الى المحاكمة التأديبية مدة وقفه أو صرف هذا المرتب اليه منوطا بصدور قرار فى هذا الشأن من السلطة التأديبية المختصة بالحرمان أو الصرف فان لم يصدر مثل هذا القرار ظل المركز القانونى بالنسبة الى هذا المرتب معلقا حتى يصدر قرار فى شأنه.
لذلك فان مجلس التأديب العالى اذ أغفل فى قراره الصادر بجلسة 30 من ديسمبر سنة 1958 ببراءة المدعى من التهمة المسندة اليه تقرير ما يتبع فى شأن مرتبه عن مدة الوقف فانه لا يترتب على هذا الاغفال حرمان المدعى من هذا المرتب بل يظل مركزه القانونى فى هذا الشأن معلقا كما أنه ليس من شأن هذا الاغفال ان يستنفذ مجلس التأديب ولايته بالنسبة الى المرتب المذكور بل يجوز عرض أمر هذا المرتب عليه لتقرير ما يتبع فى شأنه تأسيسا على أنه أغفل الفصل فى أمر أوجب عليه القانون الفصل فيه.
ومن حيث ان المادة 95 من القانون رقم 210 لسنة 1951 قد عقدت الاختصاص لمجلس التأديب بتقرير ما يتبع فى شأن المرتب عن مدة الوقف مقترنا بالفصل فى الدعوى التأديبية ومقتضى ذلك ان يتضمن القرار الصادر فى موضوع تلك الدعوى بيان ما يتبع فى شأن المرتب المذكور فان أغفل القرار بيان ذلك تعين ان تتبع فى الفصل فى مصير هذا المرتب ذات الاجراءات التى تتبع فى الفصل فى الدعوى التأديبية. ذلك ان الحرمان من المرتب عن مدة الوقف وان لم يعتبر جزاء تأديبيا الا أنه ينطوى على معنى الجزاء الامر الذى يتعين معه ان تتخذ الاجراءات الخاصة بالبت فيه فى مواجهة الموظف المحال الى المحاكمة التأديبية وأن يمكن من الدفاع عن نفسه ويترتب على أغفال هذه الضمانات الجوهرية بطلان القرار الصادر بالحرمان من المرتب.
ومن حيث ان مجلس التأديب العالى بعد أن قرر بجلسته المنعقدة فى 30 من ديسمبر سنة 1958 براءة المدعى عن التهمة المسندة اليه عرض عليه أمر مرتبه عن مدة الوقف من 22 من أكتوبر سنة 1956 حتى أول يناير سنة 1959 وذلك دون أن يخطر المدعى بموعد الجلسة التى حددت لتقرير ما يتبع فى شأن هذا المرتب ودون أن يمكن من ابداء دفاعه ويترتب على ذلك بطلان القرار الصادر من هذا المجلس بجلسة 27 من يونيه سنة 1959 بحرمان المدعى من مرتبه عن مدة الوقف الأمر الذى يتعين معه الحكم بالغاء هذا القرار.
ومن حيث أن مجرد الغاء القرار المذكور لم يكن ليترتب عليه - فى ظل القانون رقم 210 لسنة 1951 استحقاق المدعى لمرتبه عن مدة وقفه عن العمل بل كان مركزه القانونى فى هذا الشأن يعتبر معلقا حتى يصدر فى شأن هذا المرتب قرار سليم من السلطة التأديبية المختصة.
ومن حيث أنه منذ أول يوليه سنة 1964 عمل بقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 46 لسنة 1946 الذى عالج فى المادة 64 منه أحكام الوقف عن العمل وتضمنت هذه المادة النص على انه (اذا برئ العامل أو حفظ التحقيق أو عوقب بعقوبة الانذار صرف اليه ما يكون قد أوقف صرفه من مرتبه) ويتعين للفصل فى طلب المدعى صرف مرتبه عن مدة وقفه بحث ما اذا كان هذا الحكم المستحدث يسرى على مركزه المعلق فى شأن هذا المرتب بعد أن ثبت بطلان القرار الصادر بحرمانه منه أو يظل هذا المركز خاضعا لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951.
ومن حيث ان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن علاقة الموظف بالحكومة هى علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح ومركز الموظف هو مركز قانونى عام يجوز تعديله وفقا لمقتضيات المصلحة العامة ومرد ذلك الى أن الموظفين هم عمال المرافق العامة وبهذه المثابة يجب أن يخضع نظامهم القانونى للتعديل والتغيير وفقا لمقتضيات المصلحة العامة ويتفرع عن ذلك أن التنظيم الجديد يسرى على الموظف بأثر حال من تاريخ العمل به ولكنه لا يسرى بأثر رجعى بما من شأنه اهدار المراكز القانونية الذاتية التى تكون قد تحققت نتيجة لتطبيق التنظيم القديم على حالة الموظف الا بنص خاص فى قانون يقرر الأثر الرجعى.
ومن حيث انه بالغاء القرار الصادر من مجلس التأديب العالى فى 27 من يونيه سنة 1959 بحرمان المدعى من مرتبه عن مدة وقفه يعتبر هذا القرار كأن لم يصدر ويعتبر المدعى بالنسبة الى هذا المرتب فى مركز قانونى عام لعدم تحقق مركز ذاتى له فى شأنه وفقا لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 حتى الغى هذا القانون - ولا شك فى خضوع هذا المركز القانونى العام لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 الذى يسرى عليه بأثر مباشر - ولما كان المدعى قد برئ من التهمة المسندة اليه وفقا لأحكام المادة 64 من هذا القانون الأخير فقد أصبح يستمد حقه فى مرتبه عن مدة وقفه من القانون مباشرة وبذلك انحسم مركزه المعلق فى شأن هذا المرتب بحكم القانون مما يتعين معه اجابته الى طلبه الخاص بالحكم له بأحقيته فى صرف مرتبه عن مدة وقفه.
ومن حيث أن المدعى لم يقتصر على طلب الحكم بالغاء القرار الصادر بحرمانه من مرتبه عن مدة وقفه وبأحقيته فى صرف هذا المرتب بل يطلب أيضا الحكم له بتعويض مؤقت عما لحق به من أضرار مادية وأدبية ويؤسس هذا الطلب على أن الوزارة قد أخطأت اذ أوقفته عن العمل رغم أنه لم يكن هناك تحقيق يقتضى ذلك واستطالت مدة هذا الوقف الباطل وزادت على ثلاثة أشهر دون عرض الأمر على مجلس التأديب ولم يصرف له مرتبه رغم صدور الحكم ببراءته.
ومن حيث ان المستفاد من الأوراق أن المدعى أوقف عن العمل فى 23 من أكتوبر سنة 1956 بعد أن وجهت اليه النيابة الادارية تهما خطيرة تمس الأمانة والشرف هى ذات التهم التى تضمنها القرار رقم 1144 الصادر فى 15 من ديسمبر سنة 1956 باحالته الى مجلس التأديب لمحاكمته عنها وقد سبقت الاشارة اليها - ولقد كان توجيه تلك التهم اليه أمرا يدعو الى الاحتياط والتصون للعمل الموكول اليه بتجريده منه وكف يده عنه حتى يكشف مجلس التأديب عن حقيقة سلوكه ما دام قد أحيل الى المحاكمة فعلا عن تلك التهم وعلى هذا الأساس يكون وقفه قد صادف محله واستند الى ما يبرره.
ومن حيث ان عدم عرض أمر استمرار وقف المدعى عن عمله فور انقضاء ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القرار به على مجلس التأديب - ليس من شأنه أن يؤدى الى انعدام هذا القرار أو اعتباره كأن لم يكن لعدم وجود نص يرتب هذا الأثر.
ومن حيث أن مجلس التأديب العادى قد قرر بجلسته المنعقدة فى 13 من مارس سنة 1957 اعتبار مدة خدمة المدعى منتهية من تاريخ الحكم عليه فى الجنحة رقم 7856 لسنة 1954 وهو تاريخ سابق على تاريخ وقفه فلم يكن هناك محل بعد صدور هذا القرار لأن ينظر المجلس المذكور فى استمرار وقفه - ونظرا الى أن المدعى قد استأنف هذا القرار الذى لا يخرج عن كونه قرار عزل يرتد أثره الى تاريخ الحكم المذكور فانه يعتبر موقوفا عن عمله بقوة القانون وفقا لحكم الفقرة الأخيرة من المادة 84 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 والتى تقضى بأنه (يترتب على الحكم بالعزل من الوظيفة من المجلس التأديبى وقف الموظف حتما رغم طعنه بالاستئناف).
ومن حيث انه وان كان مجلس التأديب العالى بقراره الصادر فى 19 من نوفمبر سنة 1957 قد الغى قرار مجلس التأديب العادى الصادر فى 13 من مارس سنة 1957 الا أنه قرر فى ذات الوقت وقف المدعى عن عمله منذ 19 من نوفمبر سنة 1957 واحالته الى مجلس التأديب العادى لاعادة محاكمته مع عدم صرف مرتبه عن مدة الوقف السابقة حتى يفصل فى الدعوى - وقد قرر مجلس التأديب العادى بجلسته المنعقدة فى 5 من فبراير سنة 1958 اعتبار مدة خدمة المدعى منتهية من 5 من مايو سنة 1955 تاريخ الحكم عليه فى القضية رقم 7856 لسنة 1954 وترتب على صدور هذا القرار وطعن المدعى عليه بالاستئناف استمرار وقفه بقوة القانون وفقا لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 84 السابق الاشارة اليها حتى صدر قرار مجلس التأديب العالى فى 30 من ديسمبر سنة 1958 ببراءته من التهمة المسندة اليه فأعيد الى عمله فى 2 من يناير سنة 1959.
ومن حيث انه يبين مما تقدم أن وقف المدعى عن عمله قد بدا سليما فى 22 من أكتوبر سنة 1956 وانه ان كان قد استطال حتى صدر قرار مجلس التأديب العالى ببراءته فان ذلك كان بسبب القرارين اللذين صدرا من مجلس التأديب العادى فى 13 من مارس سنة 1957 و5 من فبراير سنة 1958 بأعتبار مدة خدمته منتهية من 5 من مايو سنة 1955 وطعنه عليهما بالاستئناف فليس فيما صدر من الوزارة فى شأن وقف المدعى خطأ يترتب عليه مسئوليتها عن التعويض كما انه لم يكن هناك خطأ فى عدم قيامها بصرف مرتبه عن مدة الوقف بمجرد صدور قرار مجلس التأديب الاستئنافى فى 30 من ديسمبر سنة 1958 ببراءته - ذلك ان هذا القرار لم يكن ليترتب عليه وفقا لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 استحقاقه لمرتبه عن مدة وقفه بل كان يتعين لصرف هذا المرتب له أو حرمانه منه صدور قرار فى هذا الشأن من مجلس التأديب المختص وفقا لحكم المادة 95 من القانون المذكور ولولا الغاء هذا القانون واستحداث القانون رقم 46 لسنة 1964 حكما جديدا فى شأن المرتب عن مدة الوقف فى حالة البراءة لظل أمر استحقاق المدعى لمرتبه عن مدة الوقف أو حرمانه منه بعد الغاء القرار الصادر فى هذا الشأن من مجلس التأديب العالى فى 27 من يونيه سنة 1959 خاضعا لتقدير السلطة التأديبية المختصة وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن قرار السلطة التأديبية سليم طالما كان متفقا مع مبدأ المشروعية وغير متسم باساءة استعمال السلطة بمعنى أن السلطة التقديرية المذكورة لا تخضع عناصر التقدير فيها للرقابة القضائية.
ومن حيث انه لذلك يكون طلب المدعى الحكم له بتعويض مؤقت غير قائم على أساس سليم.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب فيما تضمنه من رفض طلب المدعى الغاء القرار الصادر فى 27 من يونيه سنة 1959 من مجلس التأديب العالى بحرمانه من مرتبه عن مدة وقفه وطلبه الخاص بأحقيته فى صرف مرتبه عن المدة المذكورة كما أنه أصاب الحق فيما انتهى اليه من رفض طلب المدعى الحكم له بتعويض مؤقت الأمر الذى يتعين معه الغاء الحكم المذكور فيما تضمنه من رفض الطلبين الأولين والحكم بالغاء القرار الصادر من مجلس التأديب العالى فى 27 من يونيه سنة 1959 بحرمان المدعى من مرتبه عن مدة وقفه عن العمل وبأحقيته فى صرف مرتبه عن هذه المدة وبالزام الوزارة بالمصروفات الخاصة بهذين الطلبين وبرفض طلب التعويض مع الزام المدعى مصروفاته.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه، وبالغاء القرار الصادر من مجلس التأديب العالى بحرمان المدعى من مرتبه عن مدة وقفه، وبأحقيته فى صرف مرتبه عن هذه المدة، وألزمت الوزارة المصروفات الخاصة بهذين الطلبين ورفضت طلب التعويض وألزمت المدعى بمصروفاته.