مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 277

جلسة 7 ديسمبر سنة 1933

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

(148)
القضية رقم 16 سنة 3 القضائية

طريق. عدم تملك أحد الأفراد له. ملك عام. (المادة 9 مدنى)
إن الفقرة الأولى من المادة التاسعة من القانون المدنى صريحة فى اعتبار الطرق - بوصف أنها طرق مهما كانت حالتها ومهما كان موقعها ومبلغ العناية بها - هى من الأملاك العامة بشرط واحد هو ألا تكون ملكا لبعض أفراد الناس. فاذا ما اعتبرت الحكومة جزءا من أرض طريقا وطرح الأمر على المحكمة، وجب على المحكمة أن تقصر بحثها على معرفة ما إذا كان لهذا الجزء مالك أم أنه لا مالك له. ففى الحالة الأولى لا يمكن اعتباره من الأملاك العمومية إلا إذا أثبتت الحكومة أنها تملكه أو أنها قامت بجميع الإجراءات التى يفرضها عليها قانون نزع الملكية للمنفعة العامة. وأما فى الحالة الثانية فيجب اعتباره من أملاكها العمومية التى لا يجوز تملكها بوضع اليد مهما طالت مدّته. والفقرة الحادية عشرة من المادة المذكورة إذ جاء بها "وعلى وجه العموم كافة الأموال الأميرية المنقولة أو الثابتة المخصصة لمنفعة عمومية بالفعل أو بمقتضى قانون أو أمر" لا تتعارض عبارتها هذه مع عبارة الفقرة الأولى منها، فان غرض الشارع من تلك العبارة إنما هو ملافاة ما عساه يكون قد فاته ذكره من أنواع الأملاك العمومية، وما جاء بها لا ينصب على الأملاك التى ذكرت صراحة فى الفقرات السابقة، وبخاصة على الأملاك التى عدّها من الأملاك العامة، لاعتبارها طرقا.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى حسب البيان الوارد فى الحكم المطعون فيه وما هو واضح من الأوراق والمذكرات المقدّمة لهذه المحكمة فى أنه بمقتضى حجة شرعية صادرة من محكمة الفيوم الشرعية بتاريخ 8 أبريل سنة 1886 باعت الحكومة المصرية إلى سيف النصر بك طنطاوى 13306 أذرع مربعة على خمس مسايح حدّدتها من بعض جهاتها بطرق لم يشملها البيع، وأن المشترى المذكور اغتصب هذه الطرق وأقام على بعض منها بناء، فرفع مجلس محلى سنورس عليه هذه الدعوى أمام محكمة بنى سويف الابتدائية الأهلية طلب فيها الحكم بتثبيت ملكيته إلى 832 مترا مربعا وإزالة المبانى المقامة عليها فى ظرف ثمانية أيام من تاريخ النطق بالحكم وإلا تجرى الحكومة إزالتها بمصاريف ترجع بها عليه مع المصاريف والأتعاب والنفاذ. وقد دخل أبو زيد بك طنطاوى خصما ثالثا فيها منضما فى طلباته إلى المجلس المحلى. وأنه فى أثناء نظر الدعوى عدّل المجلس طلباته إلى 1138 مترا مربعا و14 سنتيمترا ورفع سيف النصر بك طنطاوى دعوى فرعية عليه وعلى الخصم الثالث طلب فيها الحكم بالزامهما متضامنين بمبلغ خمسين جنيها مصريا على سبيل التعويض. وأنه بتاريخ 22 نوفمبر سنة 1927 قضت محكمة بنى سويف لمجلس محلى سنورس بطلباته عدا النفاذ ورفضت الدعوى الفرعية. فاستأنف سيف النصر بك طنطاوى هذا الحكم بتاريخ أوّل سبتمبر سنة 1928 بالاستئناف رقم 1130 سنة 45 قضائية. ومحكمة الاستئناف، بعد أن ندبت خبيرا لأداء الأعمال المبينة بأسباب حكمها الصادر فى 12 ديسمبر سنة 1929 وبعد أن باشر هذا الأخير مأموريته وقدّم تقريره، قضت بتاريخ 2 يونيه سنة 1932 بالغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى المجلس المحلى والخصم الثالث مع إلزامهما بالمصاريف ومبلغ 500 قرش صاغ مقابل أتعاب المحاماة.
فطعن المجلس فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام بمقتضى تقرير حرر بقلم كتاب هذه المحكمة فى 6 فبراير سنة 1933 وأعلن إلى سيف النصر بك طنطاوى فى 12 منه، وقدّم كل منهما مذكراته ومستنداته فى المواعيد المقرّرة، وقدّمت النيابة مذكرتها فى 24 أبريل سنة 1933.
وبجلسة يوم الخميس 18 مايو سنة 1933 المحدّدة لنظر هذه القضية قرّرت المحكمة تكليف طرفى الخصومة والنيابة تقديم مذكرة تكميلية لبحث الفقرة الأولى من المادة التاسعة من القانون المدنى مع ملاحظة الفقرة الحادية عشرة، وما القصد منهما، وتطبيقهما على موضوع الدعوى، وأجلت القضية لجلسة 15 يونيه سنة 1933.
وبالجلسة المذكورة وبجلسة 16 نوفمبر سنة 1933 سمعت المحكمة دفاع كل من طرفى الخصومة على الوجه المبين بمحضر الجلسة. وأصرت النيابة على ما جاء بمذكرتها ثم أجل النطق بالحكم لجلسة يوم الخميس 30 نوفمبر سنة 1933 ومنها لجلسة 7 ديسمبر سنة 1933 لعدم إتمام المداولة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على أوراق القضية والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الوجهين الأوّل والثانى من أوجه الطعن يتحصلان فى أن محكمة الاستئناف أخطأت فى تطبيق القانون عند ما اعتبرت المساحات المتنازع عليها من الأملاك الخاصة لا العامة، وعند ما افترضت أن الأموال العامة تتحوّل إلى خاصة بمجرّد الترك، وأن زوال هذه الصفة عنها قد يكون بفعل الغصب.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه تبين أن أساسه قول المحكمة "إن مجرّد ورود الطرق فى حجة مشترى المستأنف من الحكومة لا يدل فى ذاته على تخصيص هذه الطرق للمنفعة العامة، بل يجب أن تكون هذه الطرق قد خصصت بالفعل للمنفعة العامة بمرور الأهالى منها، وأن يستمرّ هذا التخصيص بعد شراء المستأنف، فاذا ما أهملت الحكومة هذه الطرق ولم تستعمل للمرور ولم تلاحظها ولم تمنع تعدّى الغير عليها زالت عنها الصفة العامة وأصبحت من الأملاك الخاصة التى يجوز تملكها بمضى المدّة". وقد استندت فى قولها هذا إلى ما جاء بالفقرة الحادية عشرة من المادة التاسعة والمادة العاشرة من القانون المدنى.
وحيث إن قيام الحكم على هذا الأساس يدل دلالة واضحة على أن محكمة الاستئناف قد سارت فيه متأثرة بأقوال الشراح وأحكام المحاكم فى فرنسا فى موضوع المنافع العمومية. ولما كان نظام القانون الفرنسى فى هذا الموضوع يختلف كليا عن نظام القانون المدنى الأهلى كان الأساس خاطئا ووجب تقويمه.
صدّر المشرع الفرنسى المادة 538 من القانون المدنى بعبارة "الطرق والشوارع والحارات التى على نفقة الحكومة (A la charge de l’état) فكانت هذه العبارة مدعاة للتفسير والتأويل فى قضاء المحاكم وشرح الفقهاء. وقد أجمعوا فى النهاية على أنه لا يكفى لاعتبار طريق من أملاك الحكومة العمومية مجرّد تقرير الحكومة أنه طريق، بل يجب أن يكون هذا الطريق مخصصا لمنفعة الجمهور، وأن يكون مطروقا بصفة عامة ومستمرّة، وأن يكون موضع ملاحظة الحكومة وعنايتها من حيث التعبيد والإنارة وغرس الأشجار وخلافه وإلا اعتبر أنه ليست له صفة الأملاك العامة وجاز تملكه بوضع اليد عليه المدّة المكسبة للملكية. وقد جرى قضاء المحاكم المختلطة على هذه القاعدة لأن نصوص قانونها المدنى المعمول به جاءت فى هذا الموضوع مقتضبة. ولما كان هذا القانون مقتبسا أصلا من القانون الفرنسى كان من الطبيعى أن يرجع إلى أقوال الشرح وأحكام المحاكم فى فرنسا عند النقض والإبرام.
أما المشرع المصرى فقد كان أمامه، وقت وضع القانون المدنى الأهلى، القانون الفرنسى الذى اقتبس كثيرا من أحكامه، وكذلك القانون المختلط، فتفادى الغموض والقصور اللذين لاحظهما، وأفرد للأملاك العامة موادّ خاصة أتى فيها ببيان شامل كامل للأموال المخصصة للمنفعة العامة لا يمكن أن تكون محلا للبس أو إبهام. فانه بعد أن صدّر المادة التاسعة من القانون المدنى بنص قاطع فى حصانة الأموال العامة بأن قرّر صراحة بأنه "لا يجوز تملكها بوضع يد الغير عليها المدّة المستطيلة، ولا يجوز حجزها ولا بيعها إنما للحكومة دون غيرها التصرف فيها بمقتضى قانون أو أمر" عدد الأملاك الأميرية التى تسرى عليها هذه الأحكام فى إحدى عشرة فقرة تناولت كل منها نوعا من أنواع المنافع مستقلا ومنفصلا عما سبقه وما لحقه من الأنواع. فجاء فى الفقرة الأولى منها:
"الطرق والشوارع والقناطر والحوارى التى ليست ملكا لبعض أفراد الناس" ثم خشى أن يكون قد فاته ذكر نوع من الأنواع فختم الفقرة الحادية عشرة بقوله:
"وعلى وجه العموم كافة الأموال الميرية المنقولة أو الثابتة المخصصة لمنفعة عمومية بالفعل أو بمقتضى قانون أو أمر". فالفقرة الأولى من هذه المادة صريحة فى اعتبار الطرق، مهما كانت حالتها وموقعها ومبلغ العناية بها، من أملاك الحكومة العمومية بشرط واحد هو أن لا تكون ملكا لبعض أفراد الناس. فاذا ما اعتبرت الحكومة جزءا من أملاكها طريقا، وطرح الأمر على المحكمة وجب عليها قصر البحث على معرفة ما إذا كان للطريق مالك أم أنه لا مالك له. ففى الحالة الأولى لا يمكن اعتباره من أملاك الحكومة العمومية إلا إذا أثبتت الحكومة أنها تملكته أو أنها قامت بجميع الإجراءات التى يفرضها عليها قانون نزع الملكية للمنفعة العامة. وأما فى الحالة الثانية فيجب اعتباره من أملاكها العمومية التى لا يجوز تملكها بوضع اليد مهما طالت مدّته.
أما الفقرة الحادية عشرة فلا تتعارض عبارتها مع عبارة هذه الفقرة، لأن غرض الشارع من إضافتها إنما هو ملافاة ما عساه يكون قد فاته ذكره خاصا بالمنافع العمومية، فما جاء فيها من قول المشرع "المخصصة لمنفعة عمومية بالفعل أو بمقتضى قانون أو أمر" لا ينصب على جميع ما ذكر صراحة فى الفقرات السابقة.
وحيث إنه يتضح مما تقدّم أن القانون المدنى الأهلى قد أطلق النص الخاص بالطرق من كل قيد ومن كل شرط إلا عدم ملكية الأفراد لها، فليس ثمت شرط الصرف على الطرق بمعرفة الحكومة - كما جاء فى القانون الفرنسى- من الشروط التى يمنع الإخلال بها من اعتبار هذه الطرق من المنافع العمومية ولا تحتاج إلى أوامر إدارية أخرى غير اعتبارها متروكة للتطرّق.
وحيث إنه متى كانت هذه الطرق معتبرة من أملاك الحكومة العمومية فلا يمكن زوال هذه الصفة عنها إلا بمقتضى قانون أو أمر كما نص على ذلك فى صدر المادة 9 من القانون المدنى.
وحيث إن محكمة الاستئناف بحكمها المطعون فيه وبالقواعد التى استندت إليها فيه قد أخطأت فى تطبيق القانون. ولذا يكون الوجهان الأوّلان من أوجه الطعن مقبولين ويكون الحكم المطعون فيه معيبا ويتعين نقضه.
وحيث إنه والحالة هذه لا ترى المحكمة محلا لبحث باقى أوجه الطعن.
وحيث إن الدعوى صالحة للحكم فى موضوعها.
وحيث إنه ثبت مما تقدّم بيانه أن الحكومة المصرية باعت إلى سيف النصر بك طنطاوى خمس مسائح حدّدتها من بعض جهاتها بطرق لم يشملها البيع، وأن سيف النصر بك طنطاوى لم يحترم هذه الطرق، بل اغتصبها وأقام على بعض منها مبانى لا تزال قائمة. لذا رفع عليه مجلس محلى سنورس هذه الدعوى.
وحيث إن سيف النصر بك طنطاوى لم ينازع الحكومة فى قولها بأن هذه الطرق كانت من ضمن أملاكها الخصوصية قبل إنشائها، بل يزعم أنه وضع اليد عليها من بعد شراء الأراضى التى تحدّ بها وقد اكتسب ملكيتها.
وحيث إنه، مع عدم منازعته الحكومة فى إنشاء هذه الطرق ووجودها وقت الشراء، لا يمكنه أن يدّعى ملكيتها بوضع اليد مهما طالت مدّته لأن هذه الطرق قد أصبحت من أملاك الحكومة العمومية التى لا يجوز تملكها بمضى المدّة طبقا لأحكام المادة 9 من القانون المدنى الأهلى.
وحيث إن طلبات الحكومة وإن كانت قاصرة على تثبيت الملكية إلا أن ظروف الدعوى وملابساتها تدل دلالة واضحة على الغرض منها وهو تبعية هذه الطرق للمنفعة العامة.
وحيث لذلك يكون الحكم المستأنف فى محله ويتعين تأييده.