مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 1199

(115)
جلسة أول مايو 1965

برئاسة السيد الاستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل المجلس وعضوية السادة الأساتذة محمد شلبى يوسف وعادل عزيز زخارى وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 1344 لسنة 8 القضائية

( ا ) جنسية - حكم - حجية الشىء المحكوم فيه - قانون الجنسية المصرية لسنة 1929 - الأخذ فيه بمبدأ الحجية النسبية فيما يتعلق بالأحكام الصادرة بشأن الجنسية - تغير هذه القاعدة منذ العمل بقانون الجنسية رقم 160 لسنة 1950 - الأحكام التى تصدر فى مسائل الجنسية حجة على الكافة وينشر منطوقها فى الجريدة الرسمية.
(ب) جنسية - حكم - حجية الشىء المحكوم فيه - مجال تطبيق الحجية المطلقة بشأن أحكام الجنسية مشروط بوحدة المحل ووحدة السبب وأن يكون طرفا الرابطة وهما الفرد والدولة ممثلين فى الخصومة - اثارة النزاع فى الجنسية لدى القضاء العادى فى صورة مسألة أولية يتوقف على الفصل فيها، الفصل فى الدعوى المرفوعة لديه فى حدود ولايته - حكم المحكمة فى موضوع الدعوى والذى عولت فيه على الوقائع التى تتعلق بالجنسية لا يعتبر حكما فى الجنسية - الحكم ببراءة المطعون عليه جنائيا من تهمة دخول البلاد بغير جواز صحيح تقتصر حجيته على الدعوى الجنائية - لا تتعداها الى المسألة الأولية التى تمس الجنسية.
(جـ) جنسية - اثبات - المادة 22 من قانون الجنسية المصرية لسنة 1929 - النص فيها على أن يعتبر مصريا كل شخص يسكن الأراضى المصرية وأن يعامل بهذه الصفة الى أن يثبت جنسيته على الوجه الصحيح - لا يكسب الجنسية المصرية - محض قرينة شرعت فى هذا القانون وحده لحماية مصر من سوء استعمال نظام الامتيازات الأجنبية - قرينة سلبية دون أن تعتبر سندا فى الاثبات أو من قبيل القرائن المقررة لمصلحة من يدعى الجنسية المصرية - الغاء حكم هذه المادة بقانون الجنسية رقم 160 لسنة 1950.
(د) جنسية - اثبات - عبء الاثبات فى مسائل الجنسية - على من يدعى انه يتمتع بجنسية الجمهورية العربية المتحدة أو بدفع أنه غير داخل فيها.
(هـ) جنسية - اثبات - المستخرج الرسمى الذى استصدره المطعون عليه من دفاتر مواليد صحة قسم الزيتون - النص فيه على أن تاريخ القيد فى الدفتر هو 19 من نوفمبر سنة 1957 وأن تاريخ الميلاد هو 12/ 1/ 1912 وأن محله عزبة الأباصيرى - ليس دليلا على جنسيته المصرية ولا يفيد فى اثباتها.
1 - الأصل هو أن الحكم الصادر من القضاء بالفصل فى منازعة ما يتضمن قرينة على انه يعبر عن الحقيقة، وهذه القرينة لا تقبل الدليل العكسى، فلا يجوز للمحكمة التى أصدرت الحكم، كما لا يجوز لغيرها من المحاكم أن تعيد النظر فيما قضى به الحكم الا اذا كان ذلك بطريقة من طرق الطعن التى نص عليها القانون، وفى المواعيد التى حددها وهذا هو ما يعبر عنه بمبدأ حجية الشئ المحكوم فيه. والأصل أيضا هو أن الحكم القضائى لا يتمتع الا بحجية نسبية، بمعنى أن هذه الحجية لا تسرى الا فى مواجهة أطراف النزاع الذى صدر بشأنه الحكم. وقد استقر القضاء والفقه فى البلاد فى ظل أول قانون للجنسية المصرية سنة 1929 على الأخذ بمبدأ الحجية النسبية فيما يتعلق بالأحكام الصادرة بشأن الجنسية. ويترتب على ذلك عدم الاعتراف للحكم الصادر فى منازعة تتعلق بجنسية شخص معين بأى أثر فى غير المنازعة التى تم الفصل فيها. ولا شك أن ذلك يتعارض مع طبيعة رابطة الجنسية التى تفيد انتماء الشخص الى الجماعة الوطنية بصفة نهائية، وليس من المقبول اعتبار شخص ما وطنيا وأجنبيا فى وقت ما. وقد تنبه المشرع المصرى الى أن الجنسية صفة قانونية تلصق بالشخص بحكم القانون، ولا تقبل التغيير باختلاف المنازعة التى تثور بشأنها، لذلك قرر وجوب سريان الأحكام التى تصدر بشأن الجنسية فى مواجهة الكافة أى جعلها تتمتع بحجية مطلقة تكفل عدم التعرض من جديد لما جاء بها. فنص فى المادة 24 من القانون رقم 160 لسنة 1950 على أن جميع الأحكام التى تصدر فى مسائل الجنسية تعتبر حجة على الكافة وينشر منطوقها فى الجريدة الرسمية ثم أعاد تشريع الجنسية المصرية رقم 391 لسنة 1956 النص على هذا الحكم ثم نقله عند تشريع الجمهورية العربية المتحدة رقم 82 لسنة 1958 فى المادة 33 منه.
2 - ان مجال تطبيق الحجية المطلقة بشأن أحكام الجنسية هو أن الحكم القضائى علاقة قانونية لها أطرافها، ومحلها، وسببها. واذا كان من شأن تمتع الحكم بحجية مطلقة عدم انصراف أثره الى الأطراف فحسب كما تقضى القاعدة العامة، بل سريان هذا الأثر فى مواجهة الكافة فان هذا الأثر يظل مع ذلك دائما مشروطا بوحدة المحل ووحدة السبب. كما أن التسليم للحكم الصادر فى الجنسية بالحجية المطلقة يستلزم أن يكون طرفا الرابطة، وهما الفرد والدولة، ممثلين فى الخصومة. وفى مصر يكون تمثيل الدولة بواسطة جهة الادارة المنوط بها تنفيذ قانون الجنسية تنفيذا اداريا والمقصود بذلك وزارة الداخلية لأن هذه الجهة هى التى تستطيع تزويد المحكمة بالعناصر التى قد لا يطرحها الأفراد أمامها. ولا صعوبة الآن بعد العمل بقانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 والذى قضت المادة الثامنة منه باختصاص القضاء الادارى دون غيره بالفصل فى دعاوى الجنسية. على أن الأمر جد مختلف اذا ما ثار النزاع عن الجنسية لدى القضاء العادى (أمام محكمة مدنية أو محكمة جنائية) فى صورة مسألة أولية يتوقف عليها الفصل فى الدعوى المرفوعة لديه فى حدود ولايته. فاذا ما فصلت المحكمة فى الدعوى بحالتها أى على أساس ما يثبت فيها من وقائع بما فى ذلك الوقائع التى تتعلق بالجنسية فلا يعتبر حكم المحكمة فى موضوع الدعوى والذى عولت فيه على الوقائع التى تتعلق بالجنسية متضمنا الحكم فى الجنسية.
واذا كان ذلك، فان حكم محكمة جنح الزيتون الصادر ببراءة المطعون عليه من تهمة دخوله البلاد المصرية بغير جواز صحيح لم يقطع فى جنسية ابراهيم أبو ودان. فحجية هذا الحكم الجنائى مقصورة على الدعوى الجنائية ولا يمكن أن تتعداها الى المسألة الأولية التى تمس الجنسية المصرية أو السعودية.
3 - لا محل للارتكاز على المادة 22 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 (كل شخص يسكن الأراضى المصرية يعتبر مصريا، ويعامل بهذه الصفة الى أن تثبت جنسيته على الوجه الصحيح. على أنه ليس له أن يباشر الحقوق السياسية فى مصر الا اذا ثبتت جنسيته المصرية). فهذه المادة لا تكسب الجنسية المصرية لأحد وكل ما فى الأمر أنها كانت فى عهد قيام الامتيازات الأجنبية المنصرم، بمثابة، قرينة شرعت فى ذلك القانون وحده لحماية الدولة المصرية من سوء استعمال نظام تلك الامتيازات. وجاءت ترديدا للمادة 24 من مشروع قانون الجنسية الأول لسنة 1926 وهى مستمدة أصلا من المادة التاسعة من قانون الجنسية العثمانى. وقد زالت المادة 22 من تشريعات الجنسية المصرية المتعاقبة بزوال تلك الامتيازات وكان القصد منها تقرير قرينة بسيطة استلزمتها الحالة الناشئة عن تلك الأوضاع بالنسبة الى قطان مصر ممن لم تثبت جنسيتهم الأجنبية حتى لا يدعى الجنسية الأجنبية من كان يريد الهروب من التكاليف العامة وقوانين البلاد وقضاء المحاكم الوطنية استنادا الى القواعد التى كان يقررها نظام الامتيازات. فهى قرينة احتياطية مؤقتة بسبب الغرض الذى شرعت من أجله وهو افتراض الدولة الجنسية المصرية للساكنين بها الذين لم تثبت جنسيتهم الأجنبية أو المصرية كما أنها من جهة أخرى قرينة سلبية لأنها لا تمنح فى مواجهة الأفراد جنسية مصرية حقيقية لمن يدعى أنه مصرى، اذ لا مناص عندئذ من أن يثبت المدعى الجنسية المصرية وذلك من غير أن تعتبر تلك القرينة سندا فى الاثبات ودون أن تعتبر من قبيل القرائن المقررة لمصلحة من يدعى تمتعه بالجنسية المصرية. وقد جاء بالمذكرة الايضاحية للقانون رقم 160 لسنة 1950: جعل القانون عبء الاثبات فى مسائل الجنسية المصرية على من يدعى أنه يتمتع بالجنسية المصرية أو يدفع بأنه غير داخل فيها، وبذلك استغنى عن المادة 22 من قانون سنة 1929 التى لم يكن يقصد منها سوى تقرير حالة افتراضية للجنسية المصرية. وترتيبا على ذلك لا يفيد المطعون عليه شيئا من أن الحكم الجنائى الصادر ببراءته قد تعرض فى أسبابه الى نص المادة 22 من قانون سنة 1929 فهذا النص كان قد ألغى منذ صدور قانون الجنسية رقم 160 لسنة 1950 الصادر فى 13 من سبتمبر 1950 ولا محل البتة لتطبيقه.
4 - القاعدة هى أن على من يدعى بطريق الدعوى أو الدفع أن له جنسية معينة أن يثبت ادعاءه (المواد 25 من قانون سنة 1950 و29 من قانون سنة 1956 و24 من قانون سنة 1958) فيقع عبء الاثبات فى مسائل الجنسية على من يدعى أنه يتمتع بجنسية الجمهورية العربية المتحدة أو يدفع بأنه غير داخل فيها.
5 - ان المستخرج الرسمى الذى استصدره المطعون عليه من بلدية القاهرة - الادارة الصحية فى 15/ 7/ 1961 من دفاتر مواليد صحة قسم الزيتون والذى يشتمل على بيانات مستمدة من الدفتر جزء أول بأن تاريخ القيد هو 19 من نوفمبر 1957 وأن تاريخ الميلاد هو 12/ 1/ 1912 وأن محل الميلاد هو عزبة الأباصيرى وأن اسم المولود ابراهيم وأن نوعه ذكر وديانته مسلم، هذا المستخرج الرسمى لا يمكن أن يكون دليلا على جنسية المطعون عليه المصرية، ولا يفيد فى اثبات الجنسية المصرية. ومن الاطلاع على هذا المستند (المستخرج الرسمى) يبين أنه مطبوع فى صلبه العبارة الآتية (مسلم بدون مسئولية الحكومة لدى أى انسان فيما يتعلق بالبيانات الواردة فيه، وبحقوق الغير). واذا صح ما يزعمه المطعون عليه من أنه مولود فى مصر منذ سنة 1912 فكيف أن تاريخ القيد لم يجر الا فى 29 من نوفمبر 1957 وانه قيد بناء على قرار اللجنة المشكلة بالوزارة فى 30 من أكتوبر سنة 1957.


اجراءات الطعن

فى 4 من يوليو سنة 1962 أودع السيد محامى الحكومة سكرتارية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1344 لسنة 8 القضائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى - هيئة منازعات الأفراد والهيئات - بجلسة 8 من مايو سنة 1962 فى الدعوى رقم (53) لسنة 12 القضائية المقامة من: ابراهيم عبد الويفى الشهير بأبو ودان ضد مصلحة الجوازات والجنسية، ووزارة الداخلية والذى قضى: (بالغاء قرار ادارة الجوازات والجنسية بوزارة الداخلية فى 8 من أكتوبر سنة 1957 بابعاد المدعى من البلاد وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسة جنيهات مقابل الأتعاب). وطلب السيد محامى الحكومة للأسباب التى استند اليها فى تقرير طعنه: (الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع الزام المطعون عليه المصروفات). وقد أعلن هذا الطعن الى المطعون عليه فى 14 من يوليو سنة 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 12 من ديسمبر سنة 1964 وفيها طلب الحاضر عن المطعون عليه رفض الطعن على أساس أن الوقائع تتلخص فى أنه وردت لتحريات الحكومة أن موكله سعودى الجنسية وأنه من مواليد الحجاز وأنه دخل مصر مع والده ولم يعرف ما اذا كان قد دخل البلاد بجواز سفر أم لا. وأنه قد أبعد عن البلاد نظرا لأنه من الخطرين لاتجاره بالمواد المخدرة. وقال ان الحكم المطعون فيه مفصل وأن جنسية المطعون عليه قد تقررت بحكم نهائى لأن موكله كان قد قدم الى محكمة الجنح بتهمة انه أجنبى دخل البلاد خلسة فقضت محكمة الجنح ببراءته من هذه التهمة مؤسسة حكمها على أنه مصرى الجنسية لما فى الأوراق من الأدلة والأسانيد من أنه يتمتع بالجنسية المصرية وهذا الحكم له حجية قاطعة فى اثبات أن المطعون عليه مصرى تطبيقا لقاعدة حجية الحكم الجنائى. وقدم المطعون عليه مستخرجا رسميا من دفتر قيد المواليد ثابت منه أنه من مواليد عزبة الأباصيرى، وتذكرة انتخاب مذكور بها أنه مصرى، وجواز سفر مصرى، ورخصة بفتح محل بقالة، وطلبا منه مقدما الى مصلحة الجوازات والجنسية للحصول على جواز سفر مصرى للسفر الى فلسطين وسوريا مؤشرا عليه بأن يصرف له جواز سفر مصرى، وشهادة من شيخ الأعراب بأن المذكور ولد فى مصر وأن والده وأمه مدفونان بأرض مصر وأن السفارة السعودية فى مصر ذكرت بأنه ليس من رعايا المملكة العربية السعودية وأن جميع أفراد أسرته من المصريين فلا يعقل أن يكون هو وحده غير مصرى. وقال الحاضر عن الحكومة أن المطعون عليه هو سعودى الجنسية دخل الأراضى المصرية خلسة، وأقام بوجه غير شرعى فعاش فى صحراء عين شمس وقام بتهريب المخدرات وقد أقر المطعون عليه أنه من مواليد بلدة (الظباء) بالحجاز وانه حضر الى مصر وأقام بها منذ زمن بعيد وأيد هذه الأقوال عمدة العبايدة كما أيدته حكومة المملكة العربية السعودية.
وأضافت الحكومة أن الحجية التى ينسبها الحكم المطعون فيه الى الحكم الجنائى فى هذا الصدد مقصورة على ما ذكره الحكم الجنائى من عدم اطمئنانه الى ما ورد بالمحضر المذكور فى خصوصية واقعة دخول المتهم الأراضى المصرية بعد نفاذ القانون رقم (49) لسنة 1940 ولم يبحث الحكم المطعون فيه الجنسية لأنها خارجة عن نطاقه وانه بنى أسباب البراءة من التهمة التى كانت موجهة اليه على أنه لم يثبت دخول المطعون عليه الأراضى المصرية بعد صدور القانون رقم (49) لسنة 1940 وطلبت الحكومة من دائرة فحص الطعون احالة هذا الطعن الى المحكمة الادارية العليا لالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى. ثم قررت الدائرة الاحالة أمام هذه المحكمة بجلسة 13 من مارس سنة 1965 وفيها قال الحاضر عن الحكومة ان المطعون عليه صدر قرار بابعاده عن البلاد حين تبين انه سعودى الجنسية وأنه يرأس عصابة اتجار بالمخدرات ويتخذ من صحراء عين شمس وكرا لنشاطه. وأنه جاء الى مصر خلسة وأقام بوجه غير مشروع وأنه تقدم بقرائن للتشكيك فى جنسيته السعودية ليخلص الى أنه مصرى الجنسية وبالتالى لا يجوز ابعاده وفقا لأحكام الدستور. وأن المستخرج الرسمى الذى قدمه بدلا من شهادة ميلاده يحتوى على بيانات مستقاة منه هو وليست من أوراق رسمية لأنه تقدم على أنه من سواقط القيد. وفضلا عن ذلك فليس هناك ما يثبت أن والده قد ولد فى مصر. أما اشتغاله بالبقالة فهذا لا يدل على شئ فى أمر الجنسية وجواز السفر المصرى لا يعتد به فى شأن هذه الجنسية التى لا سند لها من القانون. فاذا أضفنا الى ذلك أنه سبق أن اعترف أمام سلطات البوليس أنه من مواليد بلدة (الظباء) بالحجاز وأنه حضر الى مصر من زمن بعيد وأقام بصحراء عين شمس وأيده فى ذلك عمدة العبايدة ومن بعده حكومة المملكة العربية السعودية ففى ذلك كله ما يهدم الزعم بأنه مصرى الجنسية. وقال الحاضر عن المطعون عليه أمام هذه المحكمة العليا ان موكله أحد أفراد قبيلة عربية نزحت الى مصر منذ زمن بعيد وأنه يباشر نشاطه التجارى فى البقالة والزراعة ولكن الأقدار السيئة شاءت أن تجمعه بضباط مباحث قسم شرطة الزيتون فتحامل عليه وحرر ضده محضرا أثبت فيه أنه لا يتمتع بجنسية الجمهورية العربية المتحدة وعند ما أحيل الى محكمة الجنح بتهمة التشرد ودخول البلاد خلسة قضت محكمة الجنح ببراءته بعد اذ ثبت أمامها أنه صاحب محل بقالة فهو ليس بمتشرد وانه لم يثبت لديها أنه دخل البلاد المصرية بعد شهر يونيو سنة 1940 ورغم ذلك قبض البوليس عليه وبعث به الى مكتب الشئون العربية.
وقد أجاب الحاضر عن المطعون عليه على سؤال المحكمة عن السند القانونى الذى يقوم عليه دفاعه من أنه مصرى الجنسية فأجاب بأن المطعون عليه ولد من أبوين مصريين وقد ماتا ودفنا فى مصر ورخصت المحكمة فى تقديم مذكرات ومستندات لمن يشاء ورخصت فى الاطلاع وقررت حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم (53) لسنة 12 القضائية أمام محكمة القضاء الادارى - هيئة منازعات الأفراد والهيئات - بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة فى 15 من أكتوبر سنة 1957 طالبا الحكم:
أولا: وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الادارى الصادر من مدير الجوازات والجنسية بترحيله خارج البلاد.
ثانيا: وفى الموضوع بالغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام وزارة الداخلية بالمصروفات والأتعاب.
وقال المدعى بيانا لدعواه أن ضابط مباحث قسم الزيتون ناصبه العداء، فدأب منذ سنة 1952 على ملاحقته بالاتهامات الباطلة اذ اتهمه أولا بأنه فى يوم 10 من مايو سنة 1952 وجد فى حالة تشرد، وقيد له المحضر رقم (1282) لسنة 1952 جنح الزيتون وفى هذه التهمة حكم ببراءته. ثم حرر له الضابط المذكور محضرا آخر قيد برقم (1263) لسنة 1952 جنح الزيتون بدعوى أن المدعى - ابراهيم عيد الويفى الشهير (بأبو ودان) هو اعرابى من بلاد الحجاز، دخل البلاد المصرية بدون جواز يبيح له ذلك. وقد أثبت الضابط على لسان المدعى فى المحضر المذكور أنه من مواليد الحجاز، وأنه ولده ببلدة (الظباء) بالحجاز رغم أن المدعى قرر فى صدر المحضر أنه مزارع مولود بصحراء سيناء وسكنه عين شمس قسم الزيتون. وقد قضى فى الجنحة رقم 1263 لسنة 1952 قسم الزيتون ببراءة المدعى، وقد جاء بالحكم الجنائى القاضى ببراءته أن المتهم أنكر الزعم بأنه حجازى الأصل، مقررا، أنه مصرى، وأنه ظل طوال حياته مقيما بمصر. وبما أن الأصل أن كل من يوجد على أرض مصر فهو مصرى الى أن يثبت العكس، ومن ثم فعلى النيابة العامة أثبات العكس كما أن الحكم الجنائى المذكور قال ان المحكمة لا تطمئن الى ما ورد بالمحضر الذى حرره ضابط مباحث قسم الزيتون، وهذا الحكم الجنائى له حجية على الكافة. وقد ظل المدعى بعد أن قضى ببراءته فى سنة 1952 يباشر أعماله دون أن يخشى شيئا حتى فوجئ فى 8 من أكتوبر سنة 1957 بالقبض عليه لصدور قرار بترحيله الى الأقطار الحجازية - ويقول المدعى أن الأوراق حافلة بالأدلة والأسانيد على أنه مصرى الجنسية ومن ثم يكون ابعاده باطلا بحكم القانون والدستور الذى يحرم ابعاد مصرى عن هذه الديار. وقدم المدعى حافظة بالمستندات الآتية:
(1) شهادة تفيد ميلاده بعزبة الأباصيرى فى 12/ 1/ 1912.
(2) تذكرة انتخاب تفيد أنه مواطن مصرى له حق الانتخاب.
(3) بطاقة تحقيق شخصية مذكورة فيها أنه مصرى.
(4) جواز سفر مصرى استخرجه المدعى بمناسبة سفره الى الحجاز لأداء فريضة الحج.
(5) رخصة فتح محل بقالة بعين شمس.
(6) طلب مقدم منه الى مصلحة الجوازات والجنسية بأن يصرف له جواز سفر مصرى ومؤشر على الطلب بأن يصرف له الجواز.
(7) شهادات من مشايخ العربان بأن المدعى ولد فى مصر وان أباه وأمه مدفونان بمصر.
(8) أقوال السفارة السعودية فى مصر بأن المدعى غير سعودى وليس له دوسيه وغير مقيد بها.
وأضاف المدعى انه الى جانب هذا كله يوجد دليلان قاطعان أولهما أن جميع أفراد عائلته مصريون، وثانيهما ان هناك حكما صدر من محكمة الجنح يقرر مصرية المدعى، ولهذا الحكم حجية فى اثبات أن المدعى مصرى وذلك تطبيقا لقاعدة حجية الحكم الجنائى على الكافة، وانتهى المدعى الى طلب الحكم أولا: بوقف تنفيذ قرار ابعاده وثانيا: بالغاء القرار المطعون فيه.
وقد ردت وزارة الداخلية على هذه الدعوى فقالت ان المدعى دخل الأراضى المصرية خلسة، وأقام بها بلا وجه شرعى، وقد ثبت من تحريات البوليس سنة 1952 أنه سعودى الجنسية وأنه هرب من بلده وأقام بصحراء عين شمس وألف عصابة خطيرة برئاسته لتهريب المخدرات الى هذه الديار وقد حرر المحضر رقم (23) أحوال الزيتون فى 19/ 5/ 1952 وأقر المدعى فيه بأنه من مواليد بلدة الظباء بالحجاز وأنه حضر الى مصر وأقام بها منذ زمن بعيد كما شهد بالمحضر المذكور الشيخ عبد العزيز أبو طويله عمدة قبيلة العبايدة، والشيخ اسماعيل محمدى عمدة كفر فاروق بأن المدعى من الحجاز وقد حضر هاربا وأقام بالصحراء واشتغل بتجارة وتهريب المخدرات وأعد لنفسه أعوانا يساعدونه على ذلك - مستند رقم 19 من الملف - وفى 21/ 5/ 1952 طلبت ادارة مكافحة المخدرات ترحيل المذكور وعائلته الى بلدهم لأنه واخوته من العربان المشتغلين بتهريب المخدرات وأن له كثيرا من الأعوان يقومون بتنفيذ أوامره بخصوص اخفاء المخدرات بالصحراء مما يجعل ضبطه عسيرا. وقد ضبطت جهة الادارة بعض المخدرات وثبت من التحريات أن المضبوطات تخص المدعى وأسرته كما ضبط قسم شرطة الزيتون كلا من (عيد سالم السيف) و(محمد سلامة السيف) وهم من أقرباء المدعى فى الدعوى رقم (18) جنح مخدرات الزيتون وذلك فى 26/ 4/ 1952 وضبط فيها (463ر9) كيلو جرام حشيش، 182ر3 كيلو جرام من الأفيون - المستند كتاب ادارة مكافحة المخدرات فى 21/ 5/ 1952، رقم (20) ملف - وفى 22/ 5/ 1952 قدم المدعى الى ادارة الجوازات والجنسية شكوى يقرر فيها أنه مصرى ويلتمس اطلاق سراحه - المستند رقم 22 ملف - وبناء على ذلك قامت ادارة الجوازات والجنسية بالاتصال بالجهات المختصة للوقوف على حقيقة جنسية المدعى. وأخيراً فى 16/ 4/ 1955 ورد خطاب من قنصل مصر العام فى جدة يتضمن أن السلطات السعودية المختصة أفادت بأن المذكور هو فعلا من مواليد بلدة (الظباء) بالمملكة العربية السعودية، وبذلك تطابقت التحريات الرسمية مع أقوال المتهم فى محضر البوليس السالف الاشارة اليه - كتاب قنصل مصر العام بجدة فى 16/ 4/ 1955 مرفق بالملف. ثم اتصلت ادارة الجوازات والجنسية بالسفارة السعودية لاستخراج جواز سفر سعودى للمدعى فوافقت السفارة على ذلك بكتابها المؤرخ 27/ 4/ 1957 - مرفق بالملف أن تحقيق السلطات السعودية المختصة أثبت سعودية هذا المدعى - وطلبت الاتصال فى هذا الشأن بالقنصلية السعودية. فقامت ادارة الجوازات والجنسية باستخراج جواز سفر سعودى للمدعى وقامت فعلا بترحيله اداريا الى بلدته (الظباء) يوم 16/ 10/ 1957 حيث أنه ليس له أية اقامة شرعية فى البلاد المصرية وأن فى وجوده خطرا على أمن هذه البلاد. ثم استطردت الحكومة تقول ان المادة (22) من المرسوم بقانون رقم (19) لسنة 1929 هى التى دفعت ادارة الجوازات الى أن تمنح المدعى جواز سفر لمجرد الحج الى أن ثبتت لها جنسيته السعودية فبادرت الى ترحيله الى بلاده. وقالت أن عبء الاثبات فى مسائل الجنسية يقع على من يدعى أنه يتمتع بالجنسية المصرية. ولا عبرة فى ذلك بما قدمه المدعى من بطاقة التموين لأنها تمنح للمصريين والأجانب على السواء، ولا تقوم رخصة محل البقالة أو بطاقة مصلحة العمل دليلا على ثبوت الجنسية المصرية لصاحبها اذ أن البيانات الواردة فى مثل تلك البطاقات تدون بناء على طلب أصحابها وحتى بطاقة الانتخاب ذاتها ليست معدة لاثبات الجنسية المصرية بل ولا حتى استعمال الحق الدستورى المخول بمقتضاها قاطع فى ثبوت الجنسية المذكورة لحاملها. وأضافت الحكومة أن المستندات المقدمة من المدعى خليقة بالاهمال فمن بينها اقراران مؤرخان 21/ 5/ 1952، الأول من شيخ قبيلة الحويطات بأن المدعى مولود ومقيم بمصر، والثانى من شيخ ناحية كفر أبو صوير بأن والدى المدعى مدفونان بمقابر الناحية ومع ذلك فان المدعى قد كذب بنفسه ما جاء فى هذين الاقرارين. أما دفاع المدعى واستناده الى الحكم الجنائى الصادر ببراءته فى الجنحة رقم (1263) لسنة 1952 الزيتون فقد جاء فيه أن القانون رقم (49) لسنة 1940 قد نشر فى 13/ 6/ 19640 ولم يكن هناك من القوانين قبل صدور هذا القانون ما يعاقب على مثل التهمة الموجهة الى المتهم بدخول الأراضى المصرية خلسة وبدون ترخيص أو جواز سفر الأمر الذى يترتب عليه أنه كان يجب أساسا لتوجيه مثل هذا الاتهام الى المتهم المذكور أن يثبت دخوله الأراضى المصرية بعد نفاذ القانون المذكور، وذلك على فرض ثبوت أنه أجنبى. وبما أن النيابة العامة لم تقدم دليلا على أن المتهم قد دخل الأراضى المصرية بعد نفاذ القانون سالف الذكر فقد صدر الحكم ببراءة المدعى ومع أن حكم البراءة الجنائى لم يتعرض لجنسية المدعى فقد بنى على أن المنسوب اليه هو فعل لا يعاقب عليه القانون لأنه وقع قبل نفاذ أحكامه ومن ثم فلا يمكن أن يكون لمثل هذا الحكم الجنائى قوة الشىء المحكوم به أعمالا لصريح نص الفقرة الأخيرة من المادة (456) من قانون الاجراءات الجنائية. ومن ثم لا يكون المدعى مصريا وانما هو سعودى الجنسية وأضافت الحكومة الى دفاعها أن اقامة الأجنبى فى مصر أيا كانت صفتها سواء أكانت خاصة أم عادية أم مؤقتة فانها عبارة عن مركز قانونى لا ينشأ من تلقاء نفسه وانما لابد لنشوئه من صدور قرار ادارى بشأنه، فان لم يوجد مثل هذا القرار كان للدولة بحكم مالها من سيادة على اقليمها الحق فى اتخاذ ما تراه لازما من الاجراءات للمحافظة على كيانها وأمنها فى الداخل والخارج وأن توجب عليه مغادرة البلاد بلا قيد ولا شرط، ولو لم يكن هنالك سبب يدل على خطورته. وقد دخل المدعى البلاد المصرية خلسة وأقام بها دون ترخيص له بالاقامة، ثم ثبت لادارة مكافحة المخدرات أنه يشتغل بتهريب وتجارة المخدرات. ولا حجاج فى ذلك بالحكم الصادر ببراءة المدعى فى جنحة الاشتباه رقم (1282) لسنة 1952 الزيتون، لأنه لا يحوز قوة الشىء المقضى به الا فى حدود انتفاء تهمة الاشتباه وحدها، ولا يمنع اشتغال المدعى بتجارة وتهريب المخدرات اتخاذه أيضا وسيلة ظاهرة للتعيش المشروع يتستر بها على عمله الأصلى ومن أجل ذلك بادرت جهة الادارة الى ترحيله الى بلده وصدر القرار بابعاده ممن يملك ذلك الابعاد.
فالقرار قد صدر وفقا لأحكام القانون وخلا من اساءة استعمال السلطة، فدعوى الالغاء جديرة بالرفض. أما عن طلب المدعى وقف تنفيذ قرار ابعاده فليس فى ترحيله نتائج مما قد يتعذر تداركها فالطلب خليق بالرفض.
وبجلسة 28 من أكتوبر سنة 1958 أصدرت محكمة القضاء الادارى - هيئة منازعات الافراد والهيئات - حكمها فى طلب وقف التنفيذ وقضت برفضه. مستندة فى ذلك الى ما قدمه المدعى من أدلة على أنه مصرى الجنسية، ينقضه ويشكك فيه ما ثبت على لسانه ولسان الشهود فى محضرى الجنحة رقم (1282) لسنة 1952 ورقم (1263) لسنة 1952 قسم الزيتون من انه من مواليد الحجاز، وما أثبتته تحريات الحكومة السعودية من أنه سعودى الجنسية ومن مواليد بلدة (الظباء) بالحجاز وترى المحكمة لذلك، وبحسب الظاهر من الأوراق ان طلب وقف التنفيذ لا يستند الى أساس سليم، ويتعين لذلك رفضه.
وبجلسة 8 من مايو سنة 1962 حكمت محكمة القضاء الادارى بالغاء قرار ادارة الجوازات والجنسية بوزارة الدخلية فى 8 أكتوبر سنة 1957 بابعاد المدعى من البلاد، وألزمت الحكومة المصروفات وبمقابل الأتعاب. وأقامت تلك المحكمة قضاءها هذا على ما جاء بحيثيات حكمها من مبررات مفادها ان المدعى ينتمى بأصله الى قبيلة (الحويطات) وهى احدى قبائل العربان الرحل التى استوطنت البلاد منذ زمن بعيد، وأنه وأبويه وأخوته وأولاد عمومته مولودون بها، ومحل اقامتهم ومعيشتهم عزبة الاباصيرى وأن الأوراق المقدمة من المدعى تفيد أنه ولد بها فى 12 من يناير سنة 1912 ولما بلغ أشده عمل فى خفارة أرض وقف الاباصيرى منذ عام 1928 ثم اشتغل بالتجارة وافتتح محلا للبقالة فى شارع ترعة التوفيقية، وثابت فى رخصة ذلك المحل أنه تابع للحكومة المحلية، كما أنه صرف له فى عام 1947 جواز سفر مصرى لاداء فريضة الحج، كما أن القنصلية السعودية أفادت بأنه غير مقيد بسجلاتها. وبالنسبة الى ما جاء على لسان المدعى فى المحضر رقم (23) لسنة 1952 المقيد برقم (1263) لسنة 1953 جنح الزيتون من أنه ولد فى (الظباء) بالحجاز فقد رأت محكمة القضاء الادارى اهدار هذا الاقرار ركونا الى الحكم الصادر فى القضية المذكورة من محكمة جنح الزيتون ببراءته من تهمة دخول البلاد خلسة حيث لم يثبت لديها أنه دخل البلاد بعد شهر يونيو سنة 1940 تاريخ نفاذ القانون رقم (49) لسنة 1940 الخاص بتنظيم دخول الاجانب والهجرة الى مصر.
وبتقرير مودع سكرتارية هذه المحكمة العليا فى 4 من يوليه سنة 1962 طعنت ادارة قضايا الحكومة فى الحكم الصادر بالغاء قرار الابعاد وقالت أن هذا الحكم قد خالف القانون ووجه ذلك:
(1) أن المطعون عليه قد أقر فى المحضر رقم (23) أحوال مؤرخ 10/ 5/ 1952 بأنه سعودى ومن مواليد بلدة (ظباء) بالحجاز وأنه حضر الى مصر خلسة وأقام بها من زمن بعيد دون ترخيص. وقد أيد هذا الاقرار عمدة العبابدة، وعمدة كفر فاروق، كما أيدته حكومة المملكة العربية السعودية اذ طلبت وزارة الداخلية الى القنصل العام المصرى فى جدة الاتصال بالسلطات السعودية لمعرفة حقيقة جنسية المطعون عليه وجاء الرد الرسمى من تلك البلاد بأنه سعودى الجنسية وأنه من مواليد (الظباء).
ولا يقدح فى ذلك ما أفادت به السفارة السعودية بالقاهرة من أن المذكور غير مقيد بسجلاتها. ومعروف أن هذه السجلات غير مختصة باثبات الجنسية. كما لا يغير من الأمر شيئا عدول المطعون عليه عن اقراره الثابت بورقة رسمية والذى يظل رغم ذلك حجة عليه ما دام أنه لم يطعن عليه بالتزوير.
(2) وكذلك أخطأ الحكم المطعون فيه حين أقام قضاءه على أن محكمة الجنح قضت ببراءته فى الجنحة رقم (1262) لسنة 1952 الخاصة باتهامه بأنه دخل البلاد خلسة، وبدون سفر. ذلك أن هذا الحكم الجنائى وان كان قد انبنى على ما فهمته محكمة القضاء الادارى من أن المذكور هو مصرى الجنسية الا أن هذا الحكم الجنائى لا يجوز أية حجية فى مسألة ثبوت الجنسية المصرية للمطعون عليه، لأن الأحكام القضائية التى تحوز قوة الأمر المقضى فى الجنسية بصفة مطلقة يجب أن تصدر من الجهة القضائية التى أسند اليها القانون الفصل فى هذه الخصوصية فى دعوى تكون فى مواجهة من يعتبره القانون ممثلا للدولة فى هذا الشأن.
(3) وفات الحكم المطعون فيه أن ما قدمه المطعون عليه لاثبات أنه مصرى الجنسية لا يصلح دليلا له فى هذا الشأن ذلك أن شهادة الميلاد التى قدمها، وهى ليست الا مستخرجا رسميا بدلا من شهادة الميلاد صنع خصيصا بسبب طلب استخراج بطاقة شخصية لساقطى القيد طبقا للقانون رقم (18) لسنة 1955 والتى لم يكن لساقطى القيد أى غرض سوى الحصول على البطاقة الشخصية. وهذا المستخرج الرسمى لا يفيد الا أن المذكور ولد فى مصر سنة 1912 وهو على هذا النحو لا يثبت الجنسية للمطعون عليه عن طريق حق الدم لأنه لا يفيد أن والده مصرى الجنسية. أما ما تحدث عنه الحكم المطعون فيه من أن المدعى كان قد صرف له جواز سفر مصرى وأنه جاء فى رخصة المحل التجارى الذى افتتحه أنه مصرى الجنسية، فكل ذلك لا يفيد أنه مصرى الجنسية، لأن الجنسية لا تثبت بالقرائن. هذا الى أن جهة الادارة عندما صرفت للمطعون عليه جواز سفر لأداء فريضة الحج كانت بسبيل التحرى عن حقيقة جنسيته.
(4) ولا وجه لما ذهب اليه الحكم المطعون فيه من أن المطعون عليه وقد ولد فى مصر، ويقيم بها فانه يعتبر مصريا بالاستناد الى نص المادة (22) من قانون الجنسية الصادر سنة 1929. فالواقع أن المشرع انما قصد بذلك وضع قرينة تساعد وزير الداخلية ثم جهة القضاء على الفصل فى مسائل الجنسية، ولكنها قرينة قوامها مجرد الافتراض فتسقط بثبوت العكس، وهو ثبوت الجنسية الأجنبية على وجه قانونى ظاهر. وفى الطعن الراهن فان الثابت أن المطعون عليه سعودى الجنسية. وخلص تقرير طعن ادارة قضايا الحكومة الى طلب الحكم بقبول هذا الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع الزام المدعى المصروفات ثم قدمت هيئة مفوضى الدولة لدى المحكمة الادارية العليا تقريرا بالرأى القانونى فى الطعن انتهت فيه الى ما تراه من قبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى. وأخيرا عادت ادارة قضايا الحكومة فقدمت مذكرة مستفيضة بدفاعها عن وزارة الداخلية وادارة الهجرة والجوازات والجنسية خلصت فيه الى تأييد طلباتها فى تقرير طعنها وحاصلها القضاء بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون عليه. وقدمت الحكومة ملف وزارة الداخلية - ادارة الهجرة والجوازات والجنسية رقم (5593/ 110) باسم ابراهيم عيد الويفى الشهير بأبو ودان.
ومن حيث أنه قد بان من استقراء ملف نيابة الزيتون بشأن الجنحتين رقمى (1282) جنح تشرد سنة 1952 و(1263) لسنة 1952 لدخوله الأراضى المصرية بدون ترخيص. وقد حرر المحضر الاول فى 17/ 5/ 1952 وجاء فيه أن تحريات مباحث القسم منذ خمس سنوات قد قامت على أن جميع كميات المخدرات التى ترد لمدينة القاهرة انما ترد عن طريق ابراهيم عيد الويفى وشهرته أبو ودان. وهو اعرابى يقيم بصحراء عين شمس ويؤلف عصابة خطيرة تحت رئاسته وتقوم بتهريب المخدرات بلبيس ومديرية الشرقية ثم يتولى هو توزيعها وبيعها لتجار الجملة والقطاعى بمدينة القاهرة وضواحيها. وقد قام مكتب مكافحة المخدرات بمراقبة هذا الشخص لضبطه ولكنه لشدة حيطته وسكناه بالصحراء فانه يدفن المخدرات بالرمال الواسعة ولم يمكن ضبطه وكثيرا ما ضبط القسم الأشخاص الذين يحملون له المخدرات لنقلها لمدينة القاهرة لحسابه وكان آخر من ضبط (عيد سالم السيفى، ومحمد سلامة السيفى) وهما من أقاربه ومعهما كمية كبيرة من الحشيش والأفيون وتحرر عن ذلك المحضر رقم (18) جنح مخدرات القسم سنة 1952 وقد أحيلا الى نيابة المخدرات. وقد كلف المخبرين بضبط أبو ودان من الصحراء كما كلفت المباحث بالتحرى عنه. وعند القبض على المطعون عليه أدلى بأقواله فى المحضر الأول وجاء فيه أنه من مواليد صحراء العريش التابعة لمحافظة سيناء وأنه حضر منها منذ زمن ويشتغل فلاحا. ولما سئل عمدة قبيلة العبايدة، وشيخ عزبة النخل قررا أنه من الحجاز وأنه حضر منذ مدة وأقام بالصحراء، واتخذ تجارة المخدرات حرفة له. ثم حرر له قسم الزيتون محضرا رقم (1263) لسنة 1952 فى 19 من مايو سنة 1952 بتهمة دخوله الأراضى المصرية بدون أن يحمل جواز سفر صحيح أو وثيقة شبيهة تقوم مقامه. وعندما سئل المطعون عليه فى محضر هذه الجنحة قرر أولا أن عمره (37) سنة وأنه مزارع مولود بصحراء سيناء ويسكن عين شمس قسم الزيتون: ثم عاد فقرر ثانية أنه من مواليد بلدة الظباء بالحجاز وقال انه حضر مع والده ولا يعرف ان كان والده يحمل جواز سفر أم لا. وقال أن والده توفى من زمن. ولما مثل هذا المتهم أمام محكمة الجنح دفع تهمة الدخول الى الأراضى المصرية بدون جواز سفر، عن نفسه بأنه مصرى. كما قرر عمدة كفر فاروق، وشيخ البلد أنه يقطن كفر فاروق منذ زمن بعيد وقالا انهما لا يعرفان أصل بلده وجاء فى أسباب الحكم الجنائى الصادر ببراءة المطعون عليه: "بما أن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية على المتهم بوصف أنه:
(1) دخل الأراضى المصرية دون أن يحمل جواز سفر صحيح أو وثيقة شبيهة تقوم مقامه.
(2) وبصفته أجنبيا لم يقدم اقرارا متضمنا البيانات المعينة بقرار وزير الداخلية طبقا للاوضاع المقررة. وطلبت النيابة عقابه بمقتضى القانون رقم (49) لسنة 1940 وقرار وزير الداخلية الصادر فى 8/ 7/ 1940 وقد حكمت محكمة الجنح بقبول المعارضة شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المعارض فيه وبراءة المتهم بلا مصاريف جنائية. وقد أقامت محكمة الجنح حكمها بالبراءة على أنه "لم يثبت أن المتهم - المطعون عليه قد دخل الأراضى المصرية على افتراض أنه أجنبى بعد نفاذ القانون رقم (49) لسنة 1940 الذى صدر فى يونيه سنة 1940 ونشر فى 13 منه ولم يكن هناك من القوانين قبل صدور هذا القانون ما يعاقب على مثل التهم الموجهة الى المتهم الأمر الذى يترتب عليه أنه كان يجب أساسا لتوجيه مثل هذه التهم الى المتهم أن يثبت دخوله الأراضى المصرية بعد يفاذ القانون سالف الذكر وذلك على فرض ثبوت أنه أجنبى. وبما أن النيابة العامة لم تقدم من الأدلة على أن المتهم قد دخل الاراضى المصرية بعد نفاذ هذا القانون رقم (49) لسنة 1940 سوى ما ثبت من تحريات البوليس من أن المتهم اعرابى ومن الحجاز وأنه هرب من بلده وأقام بصحراء عين شمس".. ثم تطرق الحكم الجنائى الى اثبات أن الأصل هو أن كل من يوجد على أرض مصر فهو مصرى الى أن يثبت العكس وأن النيابة العامة لم تقدم من الأدلة على صحة الاتهام المسند الى المتهم سوى ما جاء بمحضر البوليس وأضافت المحكمة الجنائية الى أنها لا تطمئن الى ما ورد بالمحضر المذكور الأمر الذى ترى معه تلك المحكمة أن الاتهام لا يستند إلى أساس سليم مما يتعين معه الحكم ببراءة المتهم بلا مصاريف جنائية".
ومن حيث أن الأصل هو أن الحكم الصادر من القضاء بالفصل فى منازعة ما يتضمن قرينة على أنه يعبر عن الحقيقة، وهذه القرينة لا تقبل الدليل العكسى، فلا يجوز للمحكمة التى أصدرت الحكم، كما لا يجوز لغيرها من المحاكم أن تعيد النظر فيما قضى به الحكم الا اذا كان ذلك بطريقة من طرق الطعن التى نص عليها القانون، وفى المواعيد التى حددها، وهذا هو ما يعبر عنه بمبدأ حجية الشئ المحكوم فيه. والأصل أيضا هو أن الحكم القضائى لا يتمتع الا بحجية نسبية، بمعنى أن هذه الحجية لا تسرى الا فى مواجهة أطراف النزاع الذى صدر بشأنه الحكم.
وقد استقر القضاء والفقه فى البلاد فى ظل أول قانون للجنسية المصرية سنة 1929 على الأخذ بمبدأ الحجية النسبية فيما يتعلق بالاحكام الصادرة بشأن الجنسية. ويترتب على ذلك عدم الاعتراف للحكم الصادر فى منازعة تتعلق بجنسية شخص معين بأى أثر فى غير المنازعة التى تم الفصل فيها. ولا شك أن ذلك يتعارض مع طبيعة رابطة الجنسية التى تفيد انتماء الشخص الى الجماعة الوطنية بصفة نهائية، وليس من المقبول اعتبار شخص ما وطنيا وأجنبيا فى وقت ما. وقد تنبه المشرع المصرى الى أن الجنسية صفة قانونية تلصق بالشخص بحكم القانون، ولا تقبل التغيير باختلاف المنازعة التى تثور بشأنها لذلك قرر وجوب سريان الأحكام التى تصدر بشأن الجنسية فى مواجهة الكافة أى جعلها تتمتع بحجية مطلقة تكفل عدم التعرض من جديد لما جاء بها. فنص المادة (24) من القانون رقم (160) لسنة 1950 على أن جميع الأحكام التى تصدر فى مسائل الجنسية تعتبر حجة على الكافة وينشر منطوقها فى الجريدة الرسمية. ثم أعاد تشريع الجنسية المصرية رقم (391) لسنة 1956 النص على هذا الحكم ثم نقله عند تشريع الجمهورية العربية المتحدة رقم (82) لسنة 1958 فى المادة (33) منه. وغنى عن القول أن مجال تطبيق الحجية المطلقة بشأن أحكام الجنسية هو أن الحكم القضائى علاقة قانونية لها أطرافها، ومحلها، وسببها. واذا كان من شأن تمتع الحكم بحجية مطلقة عدم انصراف أثره الى الأطراف فحسب كما تقضى القاعدة العامة، بل سريان هذا الأثر فى مواجهة الكافة فان هذا الأثر يظل مع ذلك دائما مشروطا بوحدة المحل ووحدة السبب. كما أن التسليم للحكم الصادر فى الجنسية بالحجية المطلقة يستلزم أن يكون (طرفا) الرابطة، وهما الفرد والدولة، ممثلين فى الخصومة. وفى مصر يكون تمثيل الدولة بواسطة جهة الادارة المنوط بها تنفيذ قانون الجنسية تنفيذا اداريا والمقصود من ذلك وزارة الداخلية لأن هذه الجهة هى التى تستطيع تزويد المحكمة بالعناصر التى قد لا يطرحها الأفراد أمامها. ولا صعوبة الا بعد العمل بقانون مجلس الدولة رقم (55) لسنة 1959 والذى قضت المادة الثامنة منه باختصاص القضاء الادارى دون غيره بالفصل فى دعاوى الجنسية. على أن الأمر جد مختلف اذا ما ثار النزاع فى الجنسية لدى القضاء العادى (أمام محكمة مدنية أو محكمة جنائية) فى صورة مسألة أولية يتوقف على الفصل فيها فى الدعوى المرفوعة لديه فى حدود ولايته. فاذا ما فصلت المحكمة فى الدعوى بحالتها أى على أساس ما يثبت فيها من وقائع بما فى ذلك الوقائع التى تتعلق بالجنسية فلا يعتبر حكم المحكمة فى موضوع الدعوى والذى عولت فيه على الوقائع التى تتعلق بالجنسية متضمنا الحكم فى الجنسية. واذا كان ذلك كذلك، فان حكم محكمة جنح الزيتون الصادر ببراءة المطعون عليه من تهمة دخوله البلاد المصرية بغير جواز صحيح لم يقطع فى جنسية ابراهيم أبو ودان. فحجية هذا الحكم الجنائى قاصرة على الدعوى الجنائية ولا يمكن أن تتعداها تلك الحجية الى المسألة الأولية التى تمس الجنسية المصرية أو السعودية. ولا محل للارتكاز على المادة (22) من المرسوم رقم (19) لسنة 1929 (كل شخص يسكن الأراضى المصرية يعتبر مصريا، ويعامل بهذه الصفة الى أن تثبت جنسيته على الوجه الصحيح. على أنه ليس له أن يباشر الحقوق السياسية فى مصر الا اذا أثبت جنسيته المصرية فهذه المادة لا تكتسب الجنسية المصرية لأحد وكل ما فى أمرها أنها كانت فى عهد قيام الامتيازات الأجنبية المنصرم، بمثابة قرينة شرعت فى ذلك القانون وحده لحماية الدولة المصرية من سوء استعمال نظام تلك الامتيازات. وجاءت ترديدا للمادة (24) من مشروع الجنسية الأول لسنة 1926 وهى مستمدة أصلا من المادة التاسعة من قانون الجنسية العثمانى. وقد زالت المادة (22) من تشريعات الجنسية المصرية المتعاقبة بزوال تلك الامتيازات وكان القصد منها تقرير قرينة بسيطة استلزمتها الحالة الناشئة عن تلك الأوضاع بالنسبة الى قطان مصر ممن لم تثبت جنسيتهم الأجنبية حتى لا يدعى الجنسية الاجنبية من كان يريد الهروب من التكاليف العامة وقوانين البلاد وقضاء المحاكم الوطنية استنادا الى القواعد التى كان يقررها نظام الأمتيازات. فهى قرينة احتياطية مؤقتة بسبب الغرض الذى شرعت من أجله وهو افتراض الدولة الجنسية المصرية للساكنين بها الذين لم تثبت جنسيتهم الأجنبية أو المصرية كما أنها من جهة أخرى قرينة سلبية لأنها لا تمنح فى مواجهة الأفراد جنسية مصرية حقيقية لمن يدعى أنه مصرى اذ لا مناص عندئذ من أن يثبت المدعى الجنسية المصرية وذلك من غير أن تعتبر تلك القرينة سندا فى الاثبات ودون أن تعتبر من قبيل القرائن المقررة لمصلحة من يدعى تمتعه بالجنسية المصرية. وقد جاء بالمذكرة الايضاحية للقانون رقم (160) لسنة 1950: جعل القانون عبء الاثبات فى مسائل الجنسية المصرية على من يدعى أنه يتمتع بالجنسية المصرية أو يدفع بأنه غير داخل فيها، وبذلك استغنى عن المادة (22) من قانون سنة 1929 التى لم يكن يقصد منها سوى تقرير حالة افتراضه للجنسية المصرية. وترتيبا على ذلك لا يفيد المطعون عليه شيئا من أن الحكم الجنائى الصادر ببراءته قد تعرض فى أسبابه الى نص المادة (22) من قانون سنة 1929 فهذا النص كان قد ألغى منذ صدور قانون الجنسية رقم (160) لسنة 1950 الصادر فى 13 من سبتمبر سنة 1950 ولا محل البتة لتطبيقه.
ومن حيث أن القاعدة هى أن على من يدعى بطريق الدعوى أو الدفع أن له جنسية معينة أن يثبت ادعائه (المواد (25) من قانون سنة 1950 و(29) من قانون سنة 1956 و(34) من قانون سنة 1958) فيقع عبء الاثبات فى مسائل الجنسية على من يدعى أنه يتمتع بجنسية الجمهورية العربية المتحدة أو يدفع بأنه غير داخل فيها. والمطعون عليه لم يفلح فى اقامة الدليل على ما يدعيه. ولا تغنيه شيئا فى تلك الأوراق التى قدمها من بطاقات شخصية أو تموين أو ترخيص بفتح محل للبقالة. وحتى ذلك المستخرج الرسمى الذى استصدره المطعون عليه من بلدية القاهرة - الادارة الصحية فى 15/ 7/ 1961 من دفاتر مواليد صحة قسم الزيتون والذى يشتمل على بيانات مستمدة من الدفتر جزء أول بأن تاريخ القيد هو 19 من نوفمبر سنة 1957 وأن تاريخ الميلاد هو 12/ 1/ 1912 وأن محل الميلاد هو عزبة الأباصيرى وأن اسم المولود ابراهيم وأن نوعه ذكر وديانته مسلم، هذا المستخرج الرسمى لا يمكن أن يكون دليلا على جنسية المطعون عليه المصرية، ولا يفيد فى اثبات الجنسية المصرية. وبالاطلاع على هذا المستند (المستخرج الرسمى) يبين أنه مطبوع فى صلبه العبارة الآتية: (مسلم بدون مسئولية الحكومة لدى أى انسان فيما يتعلق بالبيانات الواردة فيه، وحقوق الغير). واذا صح ما يزعمه المطعون عليه من أنه مولود فى مصر منذ سنة 1912 فكيف أن تاريخ القيد لم يجر الا فى 29 من نوفمبر سنة 1957 وأنه قيد بناء على قرار اللجنة المشكلة بالوزارة فى 30 من أكتوبر سنة 1957. أن الدخول فى الجنسية المصرية ينبغى أن يقوم على احدى الطرق المنصوص عليها فى القانون سواء أكانت جنسية أصلية (حق الدم أو حق الاقليم) أم جنسية مكتسبة كالزواج والتجنس أو أن تكون الجنسية المصرية ثابتة له بمقتضى الأحكام الوقتيه المنصوص عليها فى قانون سنة 1929 وترددت فى القوانين اللاحقة. ولا يغنى المطعون عليه القول بأنه ولد فى مصر سنة 1912 وأن والده كان موجودا فى مصر عاش ومات ودفن فيها. كل ذلك قول لا دليل عليه ولا سند له من أحكام قوانين الجنسية التى تنظم علاقة الفرد بالدولة وتشده اليها بأقدس وأوثق الصلات.
ومن حيث ان الثابت من الأوراق والمستندات أن المطعون عليه ولد فى الحجاز واذن فلا يعد مصريا بحق الدم. كما أنه لا يفيد من حكم الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم (160) لسنة 1950 لأنه لم يكن متوطنا فى الأراضى المصرية قبل أول يناير سنة 1948 كما أنه لا يفيد من حكم الفقرة الثانية لأنه وان كان رعية عثمانية وفقا لحكم الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من القانون رقم (391) لسنة 1956 الا أنه غير مولود فى الأراضى المصرية من أبوين مقيمين فيها كما أنه يفيد من حكم الفقرة الرابعة من تلك المادة لأنه غير مولود فى الأراضى المصرية ولم يقم الدليل على ذلك، وهو لا يعد مصريا وفقا لحكم الفقرة الخامسة من المادة الثانية المشار اليها لانه لم يكن يقيم عادة فى الأراضى المصرية فى 5/ 11/ 1914، ذلك أنه، وقد جاء على لسانه أنه حضر الى مصر فى سنة 1914 فان ذلك ينفى عنه الاقامة المعتادة المستمرة فى نوفمبر سنة 1914 لأن شرط الاقامة المعتادة يقتضى أن يكون قد أقام فى التاريخ المشار اليه مدة طويلة من الزمن على أرض مصر تكفى للقول بأنه قد استقر بها. كما أنه لا يفيد من حكمى الفقرتين الأخيرتين من تلك المادة لأنه لم يتقدم بطلب الى السيد وزير الداخلية باعتباره داخلا فى الجنسية المصرية وترتيبا على ما تقدم يكون قرار الابعاد المطعون فيه سليما ومطابقا لأحكام القانون، واذ ذهب الحكم المطعون فيه الى غير ذلك فانه يكون يكون خليقا بالالغاء.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعى المصروفات.