مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 1219

(116)
جلسة 8 من مايو 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل المجلس وعضوية السادة الاساتذة محمد شلبى يوسف وعادل عزيز زخارى وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 1462 لسنة 7 القضائية

أ - مبان - تقسيم أراض - مخالفة - عقوبة - محضر المخالفة المحرر تطبيقا لقانون تقسيم الأراضى رقم 52 لسنة 1940 - لا يغنى عن تحرير محضر آخر تنفيذا لقانون تنظيم المبانى رقم 51 لسنة 1940 - لكل من القانونين مجال سريانه الذى شرع له - سبب المخالفة فى كل منهما مختلف - ادعاء الطاعن أن العقوبة المنصوص عليها بقانون تقسيم الأراضى هى الاشد - غير صحيح - الأمر فى ذلك من شأن القضاء ولا يغنى عن وجوب تحرير محضر المخالفة.
ب - قانون - مخالفة - عرف - اطراد العمل على مخالفة القانون - لا يسبغ الشرعية على هذه المخالفة - تظل رغم ذلك انحرافا ينبغى تقويمه - لا يجوز أن يخالف العرف نصا آمرا - النصوص الادارية جميعها قواعد آمرة - لا يسوغ أن ينشأ عرف على خلافها.
جـ - موظف - تأديب - اختلاف الرأى الذى لا يحاسب عنه الموظف تأديبيا - يكون فى المسائل الفنية التى تحتمل أكثر من رأى - ليس من ذلك المخالفة الواضحة لنصوص القانون الصريحة - لا اجتهاد مع صريح النص.
د - موظف - تأديب - مسئولية - اشتراك المرؤسين مع الرئيس فى ارتكاب مخالفة لأحكام القوانين - مسئوليتهما التأديبية معا عنها - اعفاء الموظف من العقوبة استنادا الى أمر رئيسه - لا يترتب الا اذا ثبت أن ارتكابه المخالفة كان تنفيذا لأمر كتابى صادر اليه من هذا الرئيس بالرغم من تنبيهه كتابة الى المخالفة.
1 - انه عن قول الطاعن - بأن ما أشار به فى 8 من مارس سنة 1950 من الاكتفاء بالمحضر الذى حرره قسم تقسيم الأراضى هو الأجزاء السليم طبقا للمادة 32 من قانون العقوبات لأن العقوبة المنصوص عليها بقانون تقسيم الأراضى رقم 52 لسنة 1940 هى العقوبة الأشد فقد ردت المحكمة على ذلك بحكمها المطعون فيه بأنه كان يتعين على الطاعن أن يتمسك بما أشار به فى أول مارس سنة 1950 من تحرير محضر آخر تنفيذا لقانون تنظيم المبانى رقم 51 لسنة 1940 وعدم الاكتفاء بالمحضر الأول الذى حرره قسم تقسيم الاراضى بالتطبيق لقانون تقسيم الاراضى لان كلا من القانونين يسرى فى مجاله الذى شرع له. وهذا الذى قالته المحكمة صحيح قانونا. وذلك لأن لكل من القانونين مجال تطبيقه فضلا عن أن سبب المخالفة فى كل منهما مختلف. فمخالفة قانون تقسيم الأراضى سببها قيام المالك بالبناء قبل قيام مالك التقسيم بدفع تكاليف المرافق العامة بالمخالفة للمادة 14 من القانون المذكور، أما مخالفة قانون تنظيم المبانى فسببها قيامه بالبناء قبل الحصول على ترخيص سابق بالبناء بالمخالفة لحكم المادة الأولى من القانون المذكور. ولا صحة لما ذهب اليه الطاعن - من أن العقوبة المنصوص عليها بقانون تقسيم الأراضى هى الأشد - ذلك لأن العقوبة المنصوص عليها بهذا القانون عن قيام المالك بالبناء قبل دفع تكاليف المرافق العامة هى الغرامة فقط طبقا للمادة 20 منه سالفة الذكر اذ لم تنص هذه المادة على اصلاح الاعمال المخالفة أو هدمها فى حالة مخالفة المادة 14 من القانون المذكور والغرامة أيضا هى العقوبة المنصوص عليها فى قانون تنظيم المبانى رقم 51 لسنة 1940 عن قيام المالك بالبناء قبل الحصول على ترخيص سابق بالبناء. وفضلا عن ذلك فالطاعن قد أشار فى 8 من مارس سنة 1950 بالاكتفاء بالمحضر الذى حرره قسم تقسيم الأراضى. وفى هذا الوقت كان قد صدر القانون رقم 93 لسنة 1948 - الخاص بتنظيم المبانى وعمل به اعتبارا من تاريخ نشره فى أول يوليو سنة 1948 وهو يسرى بأثر حال ومباشر على ما أقامه المالك المذكور من بناء مخالفا لاحكام القانون وقد نصت المادة 18 منه على معاقبة من يبنى بدون ترخيص بالمخالفة لحكم المادة الاولى منه فضلا عن القرار بتصحيح أو استكمال أو هدم الاعمال المخالفة بينما لم ينص قانون تقسيم الأراضى الا على الغرامة فقط - على ما سبق بيانه - وعلى ذلك تكون العقوبة الأشد هى العقوبة المنصوص عليها فى قانون تنظيم المبانى لا تلك المنصوص عليها بقانون تقسيم الأراضى كما زعم الطاعن على ان توقيع العقوبة الاشد أمر من شأن القضاء فهو الذى يحكم بها فكان على الطاعن أن يشير بتحرير محضر مخالفة أخرى لمخالفة المالك للمادة الأولى من قانون تنظيم المبانى بجانب محضر المخالفة المحرر له عن مخالفته المادة 14 من قانون تقسيم الاراضى ويترك الامر للقضاء بالعقوبة التى يراها طبقا للقانون خاصة وأن احدى العقوبتين كما قالت الحكومة بحق - قد تنقضى لسبب أو لآخر دون أن تنقضى العقوبة الأخرى.
2 - ان اطراد العمل على مخالفة القانون - بفرض حدوثه لا يسبغ الشرعية على هذه المخالفة، كما قالت هيئة المفوضين بحق، بل تظل رغم ذلك انحرافا ينبغى تقويمه. كما أن المسلم به أن العرف - وان جاز أن يعدل أو يغير من القواعد القانونية المفسرة أو المكملة لارادة الطرفين - فانه لا يجوز أن يخالف نصا آمرا. وللنصوص الادارية جميعها قواعد آمرة لا يستساغ أن ينشأ عرف على خلافها والقول بغير ذلك يجعل اطراد الاهمال فى مجال الوظيفة العامة عرفا يحول دون مجازاة من ارتكبوه. وهذه نتيجة ظاهرة الفساد.
3 - لا محل لما ذهب اليه الطاعن من أن ابداء الرأى لا يؤدى الى مساءلة الموظف تأديبيا - ذلك لأن القول بالاكتفاء بتحرير محضر مخالفة واحد فى حالة مالك ذلك المنزل الذى خالف القانونين معا، على الوجه السابق بيانه. ليس خلافا فى مسألة فنية مما لا يؤاخذ عنه الموظف تأديبيا بل هو مخالفة واضحة لنصوص القانون الصريحة. والقاعدة أنه لا اجتهاد مع صراحة النص. أما اختلاف الرأى الذى لا يحاسب عنه الموظف فيكون فى المسائل الفنية التى تحتمل أكثر من رأى وتختلف فيها وجهات النظر أما لغموض النص الذى يحكمها أو لعدم وجود نص أصلا.
4 - أما ما ذهب اليه الطاعن - من أن رئيسه قد اعتمد الرأى الذى ابداه وبذلك أصبح الرئيس هو المسئول وحده عن هذا الرأى طبقا للمادة 94 مكررا من القانون رقم 210 لسنة 1951 - فقد ردت المحكمة على ذلك بحكمها المطعون فيه بأنه لا يقبل منه الاستناد الى نص هذه المادة لأن الاعفاء من المسئولية فى حكم هذا النص مناطه أن يكون اتيان الموظف المخالفة قد وقع تنفيذا لأمر كتابى صادر اليه من رئيسه بالرغم من تنبيهه كتابة الى المخالفة وذلك ما لم يتوافر فى هذا الخصوص اذ لم يقم دليل من الأوراق على أن المتهم كان فى ارتكابه المخالفة المسندة اليه منفذا أمرا كتابيا صدر اليه من رئيسه رغم تنبيهه هذا الأخير إلى المخالفة بل الثابت هو ما سلف بيانه من أن المتهم قد ارتأى الرأى الذى يسأل عنه بعد أن اقتنع بصحته وأقر بسلامته ومن ثم حرر بنفسه التأشيرة المؤرخة فى 8 من مارس سنة 1950 المتقدمة تعبيرا عن ذلك ثم وافقه عليها المتهم الأول بوصفه مديرا للأعمال. وهذا الذى رأته المحكمة صحيح فى القانون حيث نصت هذه المادة على أنه لا يعفى الموظف من العقوبة استنادا الى أمر رئيسه الا اذا أثبت أن ارتكابه المخالفة كان تنفيذا لأمر كتابى صادر اليه من هذا الرئيس بالرغم من تنبيهه كتابة الى المخالفة وفى هذه الحالة تكون المسئولية على مصدر الأمر ومن ثم كان يتعين على الطاعن أن يصر على ما أشار به فى أول مارس سنة 1950 من وجوب تحرير محضر مخالفة آخر ويحرر هذا كتابة فاذا أصر الرئيس رغم ذلك على الاكتفاء بالمحضر الذى حرره قسم تقسيم الاراضى وأشر بذلك فانه فى هذه الحالة يتحمل هذا الرئيس مسئولية ما أشار به ولكن الثابت من الاوراق أن الطاعن هو الذى حرر بنفسه هذه الاشارة ثم عرضها على رئيسه (السيد مدير الأعمال) فوقع عليها بجواره بما يفيد الموافقة على هذه الاشارة.. وغنى عن البيان أنه اذا اشترك المرؤوس مع الرئيس فى ارتكاب مخالفة لأحكام القوانين كانا مسئولين معا عن هذه المخالفة.


اجراءات الطعن

فى يوم 13 من يوليو سنة 1961 أودع السيد المهندس عبد المنعم حسن درويش سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن قيد بجدولها تحت رقم 1462 لسنة 7 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة موظفى وزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف بجلسة 30 من مايو سنة 1961 فى الدعوتين التأديبيتين رقمى 67، 68 لسنة 2 القضائية المقامتين من النيابة الادارية ضد الطاعن وآخرين والقاضى بمجازاة الطاعن المهندس عبد المنعم حسن درويش الموظف ببلدية القاهرة بالخصم من مرتبه لمدة عشرين يوما. وقد طلب الطاعن - للاسباب الواردة بصحيفة الطعن - قبول طعنه شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه ببراءة الطاعن مما أسند اليهم مع ما يترتب على ذلك من آثار مع الزام المطعون ضده بالمصروفات والأتعاب. وقد أعلنت صحيفة الطعن للنيابة الادارية فى 20 من يوليو سنة 1961. وعقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بتقرير بالرأى القانونى مسببا انتهت فيه الى أنها ترى قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزام الطاعن بالمصروفات. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة - دون أن يقدم أى من الطرفين مذكرة بملاحظاته على الطعن - عين لنظره أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14 من نوفمبر سنة 1964 وأخطر بها ذوو الشأن فى 24 من أكتوبر سنة 1964. وفيما قررت الدائرة احالته - مع الطعون ارقام 1487، 1501، 1518، 1519 لسنة 7 القضائية - الى المحكمة الادارية العليا حيث عين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 13 من فبراير سنة 1965 وأخطر بها ذوو الشأن فى 21 من يناير سنة 1965. وتداول الطعن بالجلسات حيث قدم الطاعن المذكرة صمم فيها على ما جاء بصحيفة الطعن ثم قدمت النيابة الادارية مذكرة فى هذا الطعن والطعون أرقام 1501، 1518، 1519، 1487 لسنة 7 القضائية طلبت فيها الحكم برفض هذه الطعون جميعها والزام الطاعنين المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن قرر اصدار الحكم بجلسة اليوم ورخصت فى تقديم مذكرات لمن يشاء الى ما قبل الجلسة بأسبوعين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - فى انه فى 2 من نوفمبر سنة 1957 انهار المنزل رقم 11 بشارع المسلمانى بمنيل الروضة قسم مصر القديمة على من فيه من السكان فأصدر السيد مدير عام بلدية القاهرة فى اليوم التالى أمرا اداريا بتأليف لجنة - من السيد مدير عام ادارة التخطيط والمبانى ومفتش تخطيط المدينة ومفتش المبانى بالبلدية - نيط بها بحث أسباب انهيار المنزل المذكور من الناحية الفنية وبيان مسئولية مهندس التنظيم فى هذا الخصوص. وقد أدت اللجنة مهمتها وقدمت تقريرا فى 5 من نوفمبر سنة 1957 فصلت فيه ما ارتأته من أسباب فنية لانهيار المنزل. كما قدمت فى التاريخ ذاته مذكرة أبانت فيها ما ارتكبه مهندسو التنظيم الذين عاصرو ذلك المنزل منذ تشييده حتى انهياره من مخالفات ادارية وحصرتها فى المهندسين عبد المنعم حسن درويش "الطاعن" وعبد العزيز على حسن ومصطفى محمد راشد ومحمد عبد الرحمن الفندى ومصطفى كمال عبد السلام المهندسين ببلدية القاهرة وفى السيد يوسف عبد النبى حماد مهندس التنظيم بالبلدية سابقا.. وفى نفس التاريخ أصدر السيد مدير عام البلدية قرارا بوقف المهندسين الخمسة الأول عن العمل اعتبارا من ذلك التاريخ وبابلاغ النيابة الادارية لاجراء التحقيق. وقد أجرت هذه النيابة تحقيقا خلصت منه الى عدم مسئولية مهندس التنظيم عن حادث انهيار المنزل وأن أسباب الانهيار تتركز فى ضعف المبانى وزيادة الاحمال ببناء أدوار عليا بدون ترخيص الأمر الذى يسأل عنه المالك دون غيره طبقا لقانون تنظيم المبانى. ورأت النيابة فى الوقت ذاته مساءلة السادة محمد حافظ على وعلى مصطفى كامل وعبد المنعم حسن درويش (الطاعن) ومحمد أحمد الفندى وعبد العزيز على حسن ويوسف عبد النبى حماد وحموده على القاضى والسيد أبراهيم حسن كمال المهندسين. والسيد/ أحمد أحمد حسن الكاتب بالتنظيم. كما رأت حفظ التحقيق بالنسبة الى المهندسين مصطفى محمد راشد ومصطفى كمال عبد السلام ووديع سليمان بريرى وعبد الهادى معربه وحسين العسكرى. وبعرض الأوراق على السيد وزير الشئون البلدية والقروية بالنيابة أشار باعادة بحث الامر بالنسبة للمهندس مصطفى محمد راشد. ولذلك فقد أصدرت البلدية القرار رقم 534 لسنة 1958 باحالة المهندسين الثمانية الاول - ومن بينهم الطاعن - الى مجلس التأديب المختص لمحاكمتهم عن التهم المنسوبة اليهم بالقرار المذكور ونسبت الى الطاعن (السيد عبد المنعم حسن درويش) انه أشار بعدم تحرير محضر مخالفة ضد مالك المنزل المذكور عن اقامته البناء بدون ترخيص بالمخالفة لأحكام قانون المبانى الذى كان ساريا فى ذلك الحين اكتفاء بالمحضر رقم 332 لسنة 1948 - 1949 الذى حرر ضده لقيامه بالبناء بالمخالفة لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 فى شأن تقسيم الأراضى. ولما كانت كل مخالفة من المخالفتين سالفتى الذكر يحكمها قانون خاص كان يتعين تنفيذ أحكام كل من القانونين فى شأن تصرفات المالك. وفى الوقت ذاته قامت البلدية بابلاغ النيابة العامة عما هو منسوب الى المهندس مصطفى محمد راشد. ونظرا لصدور القانون رقم 117 لسنة 1958 باعادة تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية فقد أحيلت الدعوى التأديبية سالفة الذكر الى المحكمة الادارية المختصة بمحاكمة موظفى وزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والاوقاف وقيدت بجدولها تحت رقم 67 لسنة 2 القضائية. ولما كانت النيابة العامة قد رأت محاكمة المهندس مصطفى محمد راشد تأديبيا عما هو منسوب اليه فقد أقامت النيابة الادارية ضد الدعوى التأديبية أمام تلك المحكمة حيث قيدت تحت رقم 68 لسنة 2 قضائية لمحاكمته عن المتهم المنسوبة اليه بقرار الاحالة. وبجلسة 5 من أبريل سنة 1960 قررت المحكمة المذكورة ضم الدعوى رقم 68 لسنة 2 قضائية الى الدعوى رقم 67 لسنة 2 القضائية للارتباط وليصدر فيها حكم واحد. وقد قدمت النيابة الادارية عدة حوافظ مستندات أرفقت بها الملفات الخاصة بتقسيم أرض وقف القاضى عثمان الخيرى بمنيل الروضة وبالعمارة المنهارة والمخالفات والتقارير الخاصة بها وملفات التأديب وملفات خدمة الموظفين المتهمين وبيان بحالة كل منهم. كما قدمت سجلات الرخص فى المدة من سنة 1950 الى سنة 1952. ثم قدم الطاعن مذكرة بدفاعه فى التهمة المنسوبة اليه قال فيها - بعد أن سرد وقائع الموضوع - أن مصلحة التنظيم مقسمة الى قسمين: قسم تقسيم الأراضى ويشرف على الاجراءات الخاصة بالقانون رقم 52 لسنة 1940 وقسم التنظيم ويشرف على الاجراءات الخاصة بقانون تنظيم المبانى رقم 51 لسنة 1941.. وأن العادة والتعليمات جرت على أن طلب الترخيص بالبناء - فى أراضى يسرى عليها قانون التقسيم - يقدم الى قسم التنظيم وهذا يحولها الى قسم تقسيم الأراضى لابداء الرأى فى الطلب قبل صرف الرخصة فاذا وافق على الترخيص تعاد الأوراق الى قسم التنظيم الذى يبدأ بعد ذلك فحص الطلب فيما يختص بقانون تنظيم المبانى فاذا ما وجده مستوفيا الشروط صرف الترخيص. ولما كانت هذه الاجراءات طويلة فقد تعجل صاحب العمارة المنهارة فلم ينتظر الرخصة وشرع فى البناء فى الفترة التى كان ملف الترخيص ينتقل بين قسمى التقسيم والتنظيم. ثم قرر الطاعن فى مذكرته أنه كان يعمل أولا فى قسم التقسيم من سنة 1946 حتى آخر فبراير سنة 1948 ولذلك فقد درس مشروع تقسيم أرض وقف القاضى عثمان الخيرى المشتمل على أرض المنزل. ولما نقل الى قسم التنظيم فى أول مارس سنة 1948 لاحظ أثناء مروره أن المالك شرع فى حفر الأساسات فكان من رأيه أن يحرر له مخالفة الا أنه عندما عرض الأمر على السيد المهندس عبد الهادى معربة مدير الأعمال رأى هذا الأخير تحويل الملف الى قسم تقسيم الأراضى لتحرير مخالفة له وقام هذا القسم بتحرير محضر له فى 2 من أبريل سنة 1948 وبعد ذلك أهمل الملف ولم يعرض عليه الا فى 22 من فبراير سنة 1950 بمعرفة المهندس يوسف حماد (أحد المتهمين) فطلب منه مراجعة المبانى فأفاد بأن المبانى قانونية ولكن المالك لم يدفع قيمة المرافق العامة فرأى هو (أى الطاعن باشارته المؤرخة أول مارس سنة 1950 أن يحرر محضر مخالفة للمالك لبنائه قبل الحصول على الرخصة ولكن المهندس يوسف حماد لم ينفذ هذه الاشارة وأعاد عرض الملف على السيد مدير الأعمال على كامل (أحد المتهمين) الذى أشر فى 8 من ذات الشهر بالاكتفاء بمحضر المخالفة المحرر بمعرفة قسم تقسيم الأراضى مخالفا بذلك رأى الطاعن ولم يكن أمامه الا أن يوقع بجوار رئيسه مدير الأعمال المذكور لأن هذا الرئيس هو المسئول بعد ذلك. ثم ناقش الطاعن أقوال السيد المهندس مصطفى فهمى شوقى مدير عام التخطيط والمبانى أمام النيابة الادارية فقال ان الغرض من هذه الأقوال ابعاد الشبهة عن نفسه والقائها على المهندسين مرءوسيه (ومنهم الطاعن). ثم ناقش شهادة السيد المهندس حسين العسكرى أمام النيابة الادارية فقال انها هى الأخرى لابعاد المسئولية عن نفسه لأنه كان مدير الأعمال بقسم مصر القديمة فى أغسطس سنة 1950 وعرض عليه الملف فكان رأيه فى 10 من الشهر المذكور بأن هذا الموضوع من اختصاص قسم تقسيم الأراضى ولكنه أنكر هذا الرأى وقرر انه لم يكن يعنى بذلك أن هذه المخالفة تغنى عن تحرير محضر مخالفة آخر لمخالفة المالك لقانون التنظيم. ثم عرض الطاعن لأقوال السيد المهندس حسن رمزى فقال أنها وضعت الأمور فى نصابها حيث قرر انه لا مسئولية على الاطلاق على الطاعن اذ أنه فى حالة العمارة المنهارة كانت المخالفة لقانون تقسيم الأراضى دون قانون تنظيم المبانى وفى هذه الحالة يكتفى بمحضر المخالفة الذى يقوم به قسم التقسيم. ثم أورد الطاعن نص المادة 94 مكرر من القانون رقم 210 لسنة 1951 وقال أنه طبقا لهذا النص لا يكون عليه أية مسئولية لأنه رأى أولا فى أول مارس سنة 1950 تحرير محضر مخالفة للمالك الا أن السيد مدير الأعمال على كامل لم يوافق على ذلك ورأى الاكتفاء بمحضر المخالفة الذى حرره قسم تقسيم الأراضى وكذلك السيد مدير الأعمال حسين العسكرى لم يوافق على رأيه وأعاد تحويل الملف الى قسم التقسيم للاختصاص فى 10 من أغسطس سنة 1950 وانه ما كان يملك قوة تجبر الرؤساء على اتباع رأيه. ثم ذكر الطاعن أن الاشارة المؤرخة فى 8 من مارس سنة 1950 موضوع الاتهام اشارة برأى سليم لأن الجريمة المنسوبة الى المالك هى اقامة مبانى بدون ترخيص مخالفا بذلك قانون تنظيم المبانى وقانون تقسيم الأراضى والعمل المنسوب اليه واحد والعقوبة واحدة فى كلا القانونين وهى القرار والازالة فلو فرض وتحرر للمالك محضر مخالفة آخر لمخالفته قانون التنظيم فان القضيتين تضمان فى المحكمة ويحكم فيهما بعقوبة واحدة طبقا للمادة 32 من قانون العقوبات وفضلا عن ذلك فان ابداء الرأى ليس جريمة. وانتهى الى طلب الحكم ببراءته من التهمة المنسوبة اليه. وقدم حافظة بمستنداته أرفق بها خريطة تقسيم الأرض المنوه عنها وصورة من قرار انهاء خدمة السيد المهندس مصطفى فهمى شوقى مدير عام ادارة التخطيط والمبانى. وبجلسة 17 من يناير سنة 1961 ناقشت المحكمة التأديبية السيد المهندس حسن رمزى فقرر أن جميع الاجراءات التى أتبعت سليمة ولا مسئولية على أحد من المهندسين. ثم ناقشت السيد المهندس شفيق حامد الصدر وكيل الوزارة حيث قرر انه حتى وان كان البناء مطابقا للاشتراطات الفنية وانما بنى بدون ترخيص فكان ينبغى عمل محضر مخالفة لقانون المبانى بالاضافة للمخالفة التى حررت بالتطبيق لقانون تقسيم الأراضى وقد عقب السيد المهندس حسن رمزى على أقوال المهندس شفيق الصدر بأنه هذا هو المتبع فعلا خلال سنة 1954 وما بعدها أما قبل ذلك فكان يكتفى بتحرير محضر مخالفة واحد. ثم ناقشت المحكمة السيد المهندس حسين العسكرى فأيد أقوال المهندس الصدر من وجوب عمل محضرين لا محضر واحد. وبجلسة 30 من مايو سنة 1960 قضت المحكمة التأديبية بمجازاة الطاعن بالخصم من مرتبه لمدة عشرين يوما مع حرمانه من مرتبه عن مدة وقفه عن العمل اعتبارا من 5 من نوفمبر سنة 1957 الى 28 من يناير سنة 1958. وأقامت المحكمة قضاءها - بعد أن استعرضت نصوص القانون رقم 51 لسنة 1940 فى شأن تنظيم المبانى الذى كان ساريا وقت اقامة المالك للعمارة المنهارة - على أن المالك المذكور حين شرع فى البناء ثم أتمه بغير ترخيص سابق من السلطة القائمة على أعمال التنظيم قد خالف بذلك حكم المادة الأولى من القانون المنوه عنه ومن ثم أتى فعلا يوجب عقابه اعمالا لحكم المادة الثامنة عشرة من هذا القانون وذلك بغض النظر عن ان اقامة البناء على قطعة الأرض المشار اليها فى ذاته يكون من ناحية أخرى مخالفة لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 الخاص بتقسيم الاراضى من حيث أن قطعة الارض التى أقيم عليها البناء تقع فى تقسيم أراضى وقف القاضى عثمان الخيرى بمنيل الروضة التى قدمت عنه وزارة الأوقاف مشروعا له وان البناء قد أقيم قبل أداء تكاليف توصيل المرافق العامة الى هذه القطعة الأمر الذى يخالف ما تقضى به المادتان 13، 14 من قانون تقسيم الأراضى رقم 52 لسنة 1940، وانه لما كان من أهم واجبات الطاعن وزملائه من مهندسى التنظيم السهر على تنفيذ أحكام قوانين البناء السارية واللوائح والقرارات المنفذة لها ورقابة تنفيذ القرارات الصادرة من السلطة القائمة على أعمال التنظيم فى شأن رخص البناء والسعى جاهدين الى ضبط ما عساه أن يقع من مخالفات لأحكام تلك القوانين أو خروج على ما نصت عليه القرارات المنفذة لها وتحرير المحاضر اللازمة واتخاذ ما يلزم من اجراءات لوقف هذه المخالفات وتصحيح الأوضاع وفقا للقانون. ومن ثم فقد كان يتعين على مهندس التنظيم عندما شرع المالك فى البناء بغير ترخيص مخالفا المادة الأولى من قانون التنظيم أن يبادر الى ضبط هذه المخالفة وان يسعى الى اتخاذ ما يراه لازما من اجراءات فى هذا السبيل كتحرير المحضر الذى يثبت المخالفة ووقفها بالطريق الادارى اذ اقتضى الأمر ذلك. ولا يعفيه من أداء واجبه على هذا النحو ان ما أتاه المالك يكون فى الوقت ذاته مخالفة لأحكام قانون تقسيم الأراضى رقم 52 لسنة 1940 وان المهندس المنوط به الاشراف على تنفيذ هذا القانون الأخير قد حرر له محضرا بهذه المخالفة لأن كلا من القانونين يسرى فى مجاله الذى شرع له. ثم ذكرت المحكمة أن المهندسين الدكتور شفيق الصدر ومصطفى شوقى وحسين العسكرى قد شهدوا بما يؤيد هذا النظر وانها لا تعول على ما شهد به المهندس حسن رمزى - من ان العمل قد جرى على أنه اذا ما أقيم بناء بدون ترخيص بالمخالفة لقانون تنظيم المبانى وكان فى الوقت ذاته منطويا على مخالفة لقانون تقسيم الأراضى فيكتفى بتحرير المحضر الذى يحرر له عن مخالفة هذا القانون الأخير - لا يعول على ذلك نظرا لأن هذا الشاهد قد أسهم فى أعمال اللجنة التى نيط بها بحث أسباب انهيار العمارة المذكورة وصادق على التقرير الذى أعدته والذى انتهت فيه الى مساءلة المتهمين من المخالفات المسندة اليهم فى قرار الاحالة الأمر الذى ينافى ما شهد به. كما ان هذا الذى شهد به لا يجد له سندا فى تعليمات مكتوبة وليس فى الأوراق ما ينهض دليلا على صحته. وانه لما كان الثابت ان الطاعن قد علم بأن المالك قد أقام بناء دون ترخيص من السلطة القائمة على أعمال التنظيم وان قسم تقسيم الأراضى قد حرر له محضرا عن مخالفته أحكام قانون التقسيم فقط ورغم ذلك أشار فى 8 من مارس سنة 1950 بالاكتفاء بتحرير هذا المحضر فى الوقت الذى كان ينبغى فيه - أعمالا للمبادئ التى قررتها المحكمة - تحرير محضر ضد المالك لمخالفته لقانون تنظيم المبانى رقم 51 لسنة 1940 وبذلك تكون المخالفة المسندة اليه قد استوفت أدلة ثبوتها الأمر الذى يرتب مساءلته عنها وانه لا يجديه ما ساقه فى مذكرته من أنه أشار فى أول مارس سنة 1950 - بأن يحرر محضر مخالفة ضد المالك لبنائه قبل الحصول على الرخصة فى أرض ينطبق عليها قانون التقسيم - ذلك لأن الثابت من الأوراق انه لم يقف عند هذا الرأى ولم يعض عليه بالنواجذ باعتبار انه الرأى الذى يتفق فى عقيدته مع أحكام القانون بل لم يلبث ان هجره وعدل عنه واعتنق رأيا مخالفا فى 8 من مارس سنة 1950 عندما أعيد عرض الأمر عليه وليس له أن يفيد من رأى عدل عنه قبل نفاذه. كما لا يقبل منه الاستناد الى نص المادة 94 مكرر من القانون رقم 210 لسنة 1951 لأن الاعفاء من المسئولية فى حكم هذا النص مناطه أن يكون اتيان الموظف المخالفة قد وقع تنفيذا لأمر كتابى صادر اليه من رئيسه بالرغم من تنبيهه كتابة الى المخالفة وذلك لم يتوافر اذ لم يقم دليل من الأوراق على أن الطاعن كان فى ارتكابه المخالفة المسندة اليه منفذا أمرا كتابيا صدر اليه من رئيسه رغم تنبيهه هذا الأخير الى المخالفة بل الثابت أن الطاعن قد ارتأى الرأى الذى يسأل عنه بعد أن اقتنع بصحته وأقر سلامته ومن ثم حرر بنفسه التأشيرة المؤرخة فى 8 من مارس سنة 1950 المتقدمة تعبيرا عن ذلك ثم وافقه المتهم الأول بوصفه مديرا للأعمال وقد طعن الطاعن فى هذا الحكم بصحيفة أودعت سكرتارية هذه المحكمة فى 13 من يوليو سنة 1961 طالبا الغاء الحكم المطعون فيه والقضاء ببراءته. واستند فى ذلك الى أن المحكمة التأديبية قد خالفت القانون اذ أدانته لأنه لم يعض بالنواجذ على الرأى الأول الذى أبداه فى أول مارس سنة 1950 وعدل عنه الى الرأى الثانى المؤرخ فى 8 من مارس سنة 1950، وقال الطاعن فى بيان ذلك ان البناء الذى أقامه المالك يكون لجريمتين الأولى مخالفة قانون التقسيم والثانية مخالفة قانون التنظيم وكان عليه وعلى رئيسه المتهم الأول - طبقا للمادة 32 من قانون العقوبات - أن يبحثا عن العقوبة الأشد فى أى مخالفتين ولما كانت العقوبة المنصوص عليها فى المادة 20 من قانون التقسيم أشد من العقوبة المقررة فى المادة 18 من قانون تنظيم المبانى فيكون رأى الطاعن ورئيسه المؤرخ فى 8 من مارس سنة 1950 هو الرأى الصحيح المطابق للقانون وقد أيده السيد المهندس حسن رمزى الذى كان مشرفا على تنفيذ قانون التقسيم فما كان للمحكمة أن تهدر أقواله وتعتمد على شهادة المهندسين الآخرين فى حين انهم لم يعملوا فى قسم تقسيم الأراضى وانه فضلا عن ذلك فان الموظف حر فى أن يبدى رأيه بحسب ما يعتقد فاذا ما وافق رئيسه على هذا الرأى واعتمده أصبح الرئيس وحده هو المسئول عنه طبقا للمادة 94 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وقد عقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بتقرير بالرأى القانونى مسببا انتهت فيه الى انها ترى قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزام الطاعن المصروفات.
واستند فى ذلك الى نفس الأسباب التى استند اليها الحكم المطعون فيه. وردت على ما استندت اليه الطاعن فى صحيفة طعنه بأنه ولئن كان قانون العقوبات ينص فى الفقرة الأولى من المادة 32 على أن الفعل الواحد اذا كون جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التى عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها - الا أن ذلك لا يعنى اعفاء من بيدهم الأمر من قيد هذه الجرائم جميعها ضد المتهم واحالة الأمر الى القضاء الذى له وحده أعمال ذلك النص الذى يتعلق بالعقاب لا بقيام الجريمة، ثم ذكرت هيئة المفوضين انه فى يوم 27 من يونيو سنة 1948 صدر القانون رقم 93 لسنة 1948 بشأن تنظيم المبانى ونص على معاقبة من يقم بالبناء بدون ترخيص بعقوبات أخرى غير الغرامة وهى العقوبة التى قررها قانون تقسيم الأراضى رقم 52 لسنة 1940 كجزاء على مخالفة أحكامه. وانه لما كان القانون رقم 93 لسنة 1948 يسرى بأثر حال ومباشر على ما تم من مبانى العمارة بعد صدوره ومن ثم فان الجريمة التى عقوبتها أشد فى الحالة المعروضة هى قيام مالك العمارة بالبناء دون الحصول على ترخيص بذلك بعد صدور القانون المذكور وبالتالى فان تحرير محضر له لقيامه بالبناء فى أرض خاضعة لقانون التقسيم للمخالفة لأحكامه لا يغنى عن تحرير محضر لمخالفته قانون تنظيم المبانى. وفى 20 من فبراير سنة 1965 قدم الطاعن مذكرة صمم فيها على ما جاء بعريضة الطعن وأضاف اليه أنه كان يعمل بادارة تقسيم الأراضى ونقل منه الى التنظيم فى أول مارس سنة 1948، وكان عند عرض الملف عليه فى سنة 1950 يشغل وظيفة مساعد مدير أعمال وهى وظيفة رئاسية بالنسبة لمهندس المنطقة وهو كذلك لا يحرر محاضر مخالفات بل الذى يحررها هو المهندس. وأنه أشر فى أول مارس سنة 1950 بتحرير محضر للمالك لبنائه قبل الحصول على الترخيص فأعاد المهندس عرض الملف عليه وقرر انه عاين المبانى فوجدها قانونية فتداول هو ورئيسه مدير الأعمال المهندس على كامل (المتهم الأول) الذى انتهى بصفته رئيسا للطاعن الى التأشيرة المؤرخة فى 8 من مارس سنة 1950 بالاكتفاء بالمحضر الذى حرر بمعرفة قسم تقسيم الأراضى وذلك لأنه كان أمام أمرين اما أن يحرر محضر مخالفة طبقا لقانون تنظيم المبانى وعقوبته الغرامة فقط ولا يوجد فيه ازالة لأن المبانى قانونية كما قال مهندس التنظيم.. واما أن يحرر محضر مخالفة طبقا لقانون تقسيم الأراضى وعقوبته الغرامة واصلاح الأعمال المخالفة ان كان ذلك ممكنا والا يهدم العقار ولذلك فان اختيار الرئيس للأمر الثانى هو الاجراء الصحيح.. وانه حتى لو لم تكن المبانى قانونية فالعقوبة الأشد هى المنصوص عليها فى قانون تقسيم الأراضى. وختم مذكرته بأنه لم يخطئ حيث أشر على الأوراق التاشيرة الصحيحة المطابقة للقانون كما أنه مهندس أمين عمل بالحكومة حوالى ثلاثين سنة ولم يوجه اليه خلالها أى لوم. ثم قدمت النيابة الادارية مذكرة فى هذا الطعن والطعون أرقام 1501، 1518، 1519، 1487 لسنة 7 قضائية طالبت فيها رفض هذه الطعون جميعها مع الزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. واستندت فى ذلك الى نفس الأسباب التى استند اليها الحكم المطعون فيه وأضافت اليها انه كان يتعين على الطاعن أن يشير بتحرير محضر آخر لمخالفة المالك لقانون تنظيم المبانى بخلاف المحضر الذى حرر له لمخالفته لقانون تقسيم الأراضى وترك الأمر للقضاء وللفصل فيه على النحو الذى يراه وانه اذا كان القانون يوجب توقيع العقوبة الأشد فقد تسقط احدى المخالفتين بالتقادم وتبقى المخالفة الثانية قائمة وكذلك فقد لا تثبت احداهما فى حق المتهم وتبقى الأخرى ثابتة.
ومن حيث أنه يبين من الاطلاع على الأوراق أنه فى يوم 15 من يوليو سنة 1944 قدم السيد امام أحمد العنانى الى السيد مهندس تنظيم مصر القديمة بمحافظة القاهرة طلبا التمس فيه الترخيص له فى بناء عمارة على قطعة الأرض الفضاء رقم 26 من تقسيم أراضى وقف عثمان القاضى الخيرى والتى اشتراها من وزارة الأوقاف. وبعد اجراء المعاينة رخص له فى البناء طبقا للرسم المعتمد وفقا للقانون رقم 51 لسنة 1940 الخاص بتنظيم المبانى، الذى كان ساريا حينذاك وكان ذلك فى 29 من أغسطس سنة 1944 برقم 156 وسلمت له الرخصة فى 23 من أكتوبر سنة 1944. ثم استبان للسلطة القائمة على أعمال التنظيم أن هذه الرخصة قد صدرت على خلاف أحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 الخاص بتقسيم الأراضى ولذلك أخطرت المالك فى 2 من أبريل سنة 1947 بأن الرخصة المشار اليها قد ألغيت لمرور سنة على صدورها دون أن يشرع فى البناء. وفى نهاية عام 1947 عاد المالك وقدم طلبا جديدا للترخيص له فى البناء. وفى 26 من يناير سنة 1948 أخطر بأنه لن يرخص له قبل استيفاء صاحب التقسيم لطلب الاعتماد. وفى 3 من مارس سنة 1948 لاحظ تفتيش التنظيم أن المالك قد شرع فى البناء فأبلغ ذلك الى قسم تقسيم الأراضى الذى حرر له فى 20 من أبريل سنة 1948 محضر مخالفة لشروعه فى البناء على قطعة الأرض المملوكة له قبل أداء ما يخصها من تكاليف تنفيذ المرافق العامة مخالفا بذلك أحكام قانون تقسيم الأراضى رقم 52 لسنة 1940. وبتاريخ 29 من يناير سنة 1950 طلب تقسيم الأراضى الى تفتيش التنظيم بيان ما اذا قد حرر للمالك محضرا لمخالفته قانون تنظيم المبانى رقم 51 لسنة 1940 وبعرض الأمر على الطاعن المهندس عبد المنعم حسن درويش - وكان حينذاك رئيسا لهندسة مصر القديمة أشار بمراجعة المبانى لبيان ما اذا كانت قانونية وكذلك مراجعة المساحة المتروكة. فحرر مهندس التنظيم مذكرة قال فيها ان المبانى مقامة وفقا لأحكام قانون المبانى. وبعرض هذه المذكرة على الطاعن أشر فى أول مارس سنة 1950 بالآتى:
حضرة المحترم مهندس مصر القديمة
"يحرر محضر مخالفة لبنائه قبل الحصول على الرخص فى أرض ينطبق عليها قانون تقسيم الأراضى". فقرر المهندس فى 6 من ذات الشهر بأن المبانى لا تخالف الرسومات والرخصة المنصرفة اليه فى 29 من أغسطس سنة 1944. وعند ذلك عاد الطاعن فأشر فى 8 من مارس سنة 1950 بالآتى:
حضرة المحترم مدير أعمال المبانى
"رجاء الاطلاع على ما جاء بعاليه ونرى انه يكتفى بمحضر المخالفة الذى حرر بمعرفة قسم تقسيم الأراضى" وقد وافقه على ذلك السيد مدير الأعمال المهندس على مصطفى كامل (أحد المتهمين) بتوقيعه على هذه الاشارة بجانب توقيع الطاعن.
ان المادة الأولى من القانون رقم 51 لسنة 1940 الخاص بتنظيم المبانى - الذى كان ساريا وقت تقديم المالك لطلب الترخيص الذى قدمه فى أواخر عام 1947 - قد نصت على أنه "لا يجوز لأحد أن ينشئ بناء على حافة طريق عام أو خاص أو فى داخل الأرض أو ان يوسعه أو يعليه أو يعدل فيه الا بعد الحصول على رخصة بالبناء من السلطة القائمة على أعمال التنظيم، وهذا عدا الرخص الواجبة بمقتضى الأمر العالى الصادر بتاريخ 26 أغسطس سنة 1889 الشامل لأحكام التنظيم". ونصت المادة 18 منه على أن كل مخالفة لأحكام هذا القانون يعاقب عليها بغرامة من مائة قرش الى ألف قرش. وكل مخالفة لأحكام المواد من 3 الى 10 يجب الحكم فيها فضلا عن الغرامة بتصحيح أو هدم الأعمال المخالفة لأحكام تلك المواد. ونصت المادة 19 على أنه "اذا اتخذت اجراءات جنائية عن مخالفة لأحكام هذا القانون جاز للسلطة القائمة على أعمال التنظيم ايقاف الأعمال موضوع المخالفة فورا بالطريق الادارى". ثم صدر القانون رقم 93 لسنة 1948 بشأن تنظيم المبانى وعمل به من تاريخ نشره فى أول يوليو سنة 1948 ونصت المادة الأولى منه نصا مماثلا لنص المادة الأولى من القانون الاول رقم 51 لسنة 1940 - أما المادة 18 منه فنصت على أن "كل مخالفة لأحكام هذا القانون أو اللائحة التنفيذية يعاقب عليها بغرامة من مائة قرش الى ألف قرش ويجب الحكم فيها فضلا عن الغرامة بتصحيح أو استكمال أو هدم الأعمال المخالفة حسب الأحوال" ونصت المادة 19 على نص مماثل لنص المادة 19 من القانون رقم 51 لسنة 1940 المنوه عنه. أما القانون رقم 52 لسنة 1940 الخاص بتقسيم الأراضى المعدة للبناء فقد نصت المادة 2 منه على أن "للسلطة المختصة أن تلزم المقسم أن يزود الأراضى المقسمة بمياه الشرب والانارة وتصريف المياه والمواد القذرة". ونصت المادة 14 على أنه "لا يجوز اقامة أى مبنى على قطعة أرض قبل اتمام الأعمال المشار اليها فى المادة 12 ما لم يدفع المقسم أو المشترى أو المستأجر أو المنتفع بالحكر الى السلطة القائمة على أعمال التنظيم نصيب تلك القطعة فى تكاليف الأعمال المذكورة" ثم نصت المادة 20 على أن "يعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون بغرامة من مائة قرش الى ألف قرش ويجب فى أحوال المخالفة لأحكام المواد 2، 3، 4، 6، 12، 13 أن يأمر الحكم الصادر بالعقوبة باصلاح الأعمال موضوع المخالفة أو هدمها"... ونصت المادة 21 على نص مماثل لنص المادة 19 من القانونين رقمى 51، 52 لسنة 1940 المنوه عنهما.
ومن حيث ان الثابت من الأوراق - حسب ما تقدم - أن مالك المنزل المنهار قد أقام البناء على قطعة الأرض التابعة لتقسيم وقف القاضى عثمان الخيرى قبل قيام مالك التقسيم بدفع نصيب تلك القطعة فى تكاليف المرافق العامة مخالفا بذلك المادة 14 من قانون تقسيم الأراضى رقم 52 لسنة 1940 وكذلك قبل الحصول على ترخيص سابق بالبناء مخالفا بذلك المادة الأولى من القانونين رقمى 51 لسنة 1940، 93 لسنة 1948 الخاصين بتنظيم المبانى. ولما كان الثابت كذلك أن قسم تقسيم الأراضى قد حرر للمالك المذكور محضر مخالفة عن قيامه بالبناء قبل دفع تكاليف المرافق تنفيذا لقانون تقسيم الأراضى فقد كان يتعين على مهندس التنظيم، بصفته القائم على أعمال التنظيم ومنوطا به تنفيذ قوانين تنظيم المبانى، أن يقوم بتحرير محضر مخالفة أخرى للمالك المذكور لقيامه بالبناء قبل الحصول على ترخيص سابق بالبناء بالمخالفة للمادة الأولى من قانون تنظيم المبانى. ولما كان الطاعن، بصفته رئيسا لهندسة تنظيم قسم مصر القديمة التابع لها ذلك المنزل قد أشر فى أول مارس سنة 1950 بتكليف مهندس التنظيم بتحرير محضر مخالفة للمالك لقيامه بالبناء بدون ترخيص تنفيذا للمادة الأولى سالفة الذكر. الا أنه عدل عن هذه الاشارة المتفقة وأحكام القانون فعاد وأشر فى 8 من ذات الشهر بالاكتفاء بالمحضر الذى حرره قسم تقسيم الأراضى تنفيذا لقانون بتقسيم الأراضى. ومن ثم فانه يكون قد أشار باجراء فيه مخالفة صريحة لنص المادة الأولى من قانون تنظيم المبانى وبالتالى يكون قد أهمل فى أداء واجبات وظيفته، بوصفه من القائمين على تنفيذ تلك القوانين، وهى التهمة الموجهة اليه بقرار الاتهام. ومن ثم يكون الحكم المطعون - اذ ادانه فى هذه التهمة - قد صادف الصواب فى قضائه. ولا يغير من ذلك أن السيد مهندس التنظيم قد قرر أن المبانى التى أقامها المالك المخالف قانونية أى لا تخالف الرسومات المقدمة منه التى تتفق وأحكام القانون. ذلك لأن المخالفة المنسوبة الى الطاعن أنه لم يشر بتحرير محضر للمالك لمخالفته المادة الأولى من قانون تنظيم المبانى ونص هذه المادة يحرم البناء بدون ترخيص سابق على البناء بصرف النظر عما اذا كان هذا البناء مطابقا للقانون أم غير مطابق له. وقد أيد هذا النظر السيد المهندس الدكتور شفيق الصدر فى أقواله فقد قرر "أن محضر المخالفة واجب ولو كان البناء مطابقا للاشتراطات الفنية"
ومن حيث انه عن قول الطاعن - بأن ما أشار به فى 8 من مارس سنة 1950 من بالاكتفاء بالمحضر الذى حرره قسم تقسيم الأراضى هو الاجراء السليم طبقا للمادة 32 من قانون العقوبات لأن العقوبة المنصوص عليها بقانون تقسيم الأراضى رقم 52 لسنة 1940 هى العقوبة الاشد - فقد ردت المحكمة على ذلك بحكمها المطعون فيه بأنه كان يتعين على الطاعن أن يتمسك بما أشار به فى أول مارس سنة 1950 من تحرير محضر آخر تنفيذا لقانون تنظيم المبانى رقم 51 لسنة 1940 وعدم الاكتفاء بالمحضر الأول الذى حرره قسم تقسيم الأراضى بالتطبيق لقانون تقسيم الأراضى لأن كلا من القانونين يسرى فى مجاله الذى شرع له. وهذا الذى قالته المحكمة صحيح قانونا. وذلك لأن لكل من القانونين مجال تطبيقه فضلا عن أن أسباب المخالفة فى كل منهما مختلف فمخالفة قانون تقسيم الأراضى سببها قيام المالك بالبناء قبل قيام مالك التقسيم بدفع تكاليف المرافق العامة بالمخالفة للمادة 14 من القانون المذكور. أما مخالفة قانون تنظيم المبانى فسببها قيامه بالبناء قبل الحصول على ترخيص سابق بالبناء بالمخالفة لحكم المادة الأولى من القانون المذكور. ولا صحة لما ذهب اليه الطاعن - من أن العقوبة المنصوص عليها بقانون تقسيم الأراضى هى الأشد - ذلك لان العقوبة المنصوص عليها بهذا القانون عن قيام المالك بالبناء قبل دفع تكاليف المرافق العامة هى الغرامة فقط طبقا للمادة 20 منه سالفة الذكر اذ لم تنص هذه المادة على اصلاح الأعمال المخالفة أو هدمها فى حالة مخالفة المادة 14 من القانون المذكور. والغرامة أيضا هى العقوبة المنصوص عليها فى قانون تنظيم المبانى رقم 51 لسنة 1940 عن قيام المالك بالبناء قبل الحصول على ترخيص سابق بالبناء. وفضلا عن ذلك فان الطاعن قد أشار فى 8 من مارس سنة 1950 بالاكتفاء بالمحضر الذى حرره قسم تقسيم الأراضى. وفى هذا الوقت كان قد صدر القانون رقم 93 لسنة 1948 الخاص بتنظيم المبانى وعمل به اعتبارا من تاريخ نشره فى أول يوليو سنة 1948 وهو يسرى بأثر حال ومباشر على ما أقامه المالك المذكور من بناء مخالفا لأحكام هذا القانون وقد نصت المادة 18 منه على معاقبة من يبنى بدون ترخيص بالمخالفة لحكم المادة الأولى منه فضلا عن القرار بتصحيح أو استكمال أو هدم الأعمال المخالفة بينما لم ينص قانون تقسيم الأراضى الا على الغرامة فقط - على ما سبق بيانه - وعلى ذلك تكون العقوبة الأشد هى العقوبة المنصوص عليها فى قانون تنظيم المبانى لا تلك المنصوص عليها بقانون تقسيم الأراضى كما زعم الطاعن. على أن توقيع العقوبة الأشد أمر من شأن القضاء فهو الذى يحكم بها فكان على الطاعن أن يشير بتحرير محضر مخالفة أخرى لمخالفة المالك للمادة الأولى من قانون تنظيم المبانى بجانب محضر المخالفة المحرر له عن مخالفته المادة 14 من قانون تقسيم الأراضى ويترك الأمر للقضاء بالعقوبة التى يراها طبقا للقانون خاصة وأن احدى العقوبتين - كما قالت الحكومة بحق قد تنقضى لسبب أو لاخر دون أن تنقض العقوبة الأخرى.
ولكل ذلك تنهار الحجة التى استند اليها الطاعن فى القول بالاكتفاء بمحضر المخالفة الذى حرره قسم تقسيم الأراضى.
ومن حيث انه لا حجة فيما ذكره الطاعن - من أن العمل قد اضطرد على ما شهد به السيد المهندس حسن رمزى، على الاكتفاء بمحضر المخالفة الذى يحرره قسم تقسيم الاراضى - ذلك لان الثابت من تحقيقات النيابة الادارية ومحضر المناقشة بجلسة المحكمة التأديبية المنعقدة فى 17 من يناير سنة 1961 ان كلا من السادة المهندسين الدكتور شفيق الصدر، وكيل وزارة الشئون البلدية والقروية المركزى حينذاك، ومصطفى شوقى، مدير ادارة التخطيط والمبانى بالبلدية، وحسين العسكرى المهندس بها شهدوا بما يتعارض مع شهادة المهندس رمزى حيث قرروا جميعا بعدم الاكتفاء بالمحضر الذى حرره قسم تقسيم الاراضى مما حدا بالمحكمة التأديبية الى عدم التعويل على شهادة المهندس حسن رمزى لهذا السبب ولأنه قد أسهم فى أعمال اللجنة التى يناط بها بحث أسباب انهيار المنزل المذكور وصادق على التقرير الذى اعدته وانتهت فيه الى مساءلة المتهمين ومن بينهم الطاعن - عن المخالفات المسندة اليهم فى قرار الاحالة الامر الذى ينافى ما شهد به. وفضلا عن ذلك فان اطراد العمل على مخالفة القانون - بفرض حدوثه، لا يسبغ الشرعية على هذه المخالفة، كما قالت هيئة المفوضين بحق، بل تظل رغم ذلك انحرافا ينبغى تقويمه. كما أن المسلم به ان العرف - وان جاز أن يعدل أو يغير من القواعد القانونية المفسرة أو المكملة لارادة الطرفين - فانه لا يجوز أن يخالف نصا آمرا. والنصوص الادارية جميعها قواعد آمرة لا يستساغ أن ينشأ عرف على خلافها والقول بغير ذلك يجعل اضطراد الاهمال فى مجال الوظيفة العامة عرفا يحول دون مجازاة من أرتكبوه. وهذه النتيجة ظاهرة الفساد. كما أنه لا محل لما ذهب اليه الطاعن من أن ابداء الرأى لا يؤدى الى مساءلة الموظف تأديبيا - ذلك لأن القول بالاكتفاء بتحرير محضر مخالفة واحدة فى حالة مالك ذلك المنزل الذى خالف القانونين معا، على الوجه السابق بيانه، ليس خلافا فى مسألة فنية مما لا يؤاخذ عنه الموظف تأديبيا بل مخالفة واضحة لنصوص القانون الصريحة. والقاعدة انه لا اجتهاد مع صراحة النص. أما اختلاف الرأى الذى لا يحاسب عنه الموظف فيكون فى المسائل الفنية التى تحتمل أكثر من رأى وتختلف فيها وجهات النظر لغموض النص الذى يحكمها أو لعدم وجود نص أصلا.
ومن حيث انه عما ذهب اليه الطاعن - من أن رئيسه قد اعتمد الرأى الذى أبداه وبذلك أصبح الرئيس هو المسئول وحده عن هذا الرأى طبقا للمادة 94 مكرر من القانون رقم 210 لسنة 1951 - فقد ردت المحكمة على ذلك بحكمها المطعون فيه بأنه لا يقبل منه الاستناد الى نص هذه المادة لان الاعفاء من المسئولية فى حكم هذا النص مناطة أن يكون اتيان الموظف المخالفة قد وقع تنفيذا لأمر كتابى صادر اليه من رئيسه بالرغم من تنبيهه كتابة الى المخالفة وذلك ما لم يتوافر فى هذا الخصوص اذا لم يقم دليل من الأوراق على أن المتهم كان فى ارتكابه المخالفة المسندة اليه منفذا أمرا كتابيا صدر اليه من رئيسه رغم تنبيهه هذا الأخير الى المخالفة بل الثابت هو ما سلف بيانه من أن المتهم قد ارتأى الرأى الذى يسأل عنه بعد أن اقتنع بصحته وأقر بسلامته ومن ثم حرر بنفسه التأشيرة المؤرخة فى 8 من مارس سنة 1950 المتقدمة تعبيرا عن ذلك ووافقه عيها المتهم بوصفه مديرا للأعمال. وهذا الذى ارتأته المحكمة صحيح فى القانون حيث نصت هذه المادة على انه لا يعفى الموظف من العقوبة استنادا الى أمر رئيسه الا اذا أثبت أن ارتكابه المخالفة كان تنفيذا لأمر كتابى صادر اليه من هذا الرئيس بالرغم من تنبيهه كتابة الى المخالفة وفى هذه الحالة تكون المسئولية على مصدر الأمر ومن ثم كان يتعين على الطاعن أن يصر على ما أشار به فى أول مارس سنة 1950 من وجوب تحرير محضر مخالفة آخر ويحرر هذا كتابة فاذا أصر الرئيس رغم ذلك على الاكتفاء بالمحضر الذى حرره قسم تقسيم الأراضى وأشر بذلك فانه فى هذه الحالة يتحمل هذا الرئيس مسئولية ما أشار به. ولكن الثابت من الأوراق أن الطاعن هو الذى حرر بنفسه هذه الاشارة ثم عرض على رئيسه (السيد مدير الأعمال) فوقع عليها بجواره بما يفيد لموافقة على هذه الاشارة. وغنى عن البيان أنه اذا اشترك المرءوس مع الرئيس فى ارتكاب مخالفة لأحكام القوانين كانا مسئولين معا عن هذه المخالفة.
ومن حيث ان المحكمة التأديبية قد قضت بمساءلة الطاعن عن التهمة المسندة اليه بقرار الاحالة ومجازاته عنها بالخصم من مرتبه لمدة عشرين يوما مع حرمانه من مرتبه عن مدة وقفه عن العمل اعتبارا من 5 من نوفمبر سنة 1957 الى 28 من يناير سنة 1958 وذلك بصفة نهائية.
ومن حيث ان قضاء هذه المحكمة قد جرى على انه ولئن كانت السلطات التأديبية - ومن بينها المحاكم التأديبية - سلطة تقدير خطورة الذنب الادارى، وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها فى ذلك. الا ان مناط مشروعية هذه السلطة - شأنها كشأن اية سلطة تقديرية أخرى - الا يشوب استعمالها غلو. ومن صورة هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الادارى وبين نوع الجزاء ومقداره ففى هذه الصورة تتعارض نتائج عدم الملاءمة الظاهرة مع الهدف الذى تغياه القانون من التأديب وهذا الهدف هو بوجه عام تأمين سير المرافق العامة ولا يتحقق هذا التأمين اذا انطوى الجزاء على مقاومة صارخة. وعلى هذا الأساس يعتبر استعمال سلطة تقدير الجزاء فى هذه الصورة مشوبا بالغلو فيخرج التقدير من نطاق المشروعية الى نطاق عدم المشروعية ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة. ولما كان الثابت ان الطاعن قد أشار فى أول مارس سنة 1950 بتحرير محضر مخالفة للمالك لبنائه قبل حصوله على ترخيص سابق بالمخالفة لقانون تنظيم المبانى ثم عاد وعدل عن هذه الاشارة واشار فى 8 من ذات الشهر بالاكتفاء بالمحضر الذى حرره قسم الأراضى. ويقول الطاعن أن سبب عدوله راجع الى أنه قد تداول مع رئيسه (السيد مدير الأعمال) واقنعة هذا الأخير بالاكتفاء بالمحضر السابق فأشر تلك الاشارة الجديدة ووافقة عليها ذلك الرئيس. ولما كانت موافقة رئيسه - وان كانت لا ترفع عنه المسئولية، على ما سبق بيانه، الا أنها بلا شك تكون مبررا لتخفيف الجزاء عن الطاعن ولذلك ترى المحكمة الاكتفاء بمجازاته بالخصم من مرتبه لمدة عشرة أيام مع حرمانه من مرتبه عن مدة وقفه عن العمل وذلك بصفة نهائية مع الزامه المصروفات جميعها لأن ساحته لم تبرأ.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن بالخصم من راتبه لمدة عشرين يوما والاكتفاء بالخصم عشرة أيام، وبتأييد الحكم المطعون فيه فيما عدا ذلك وألزمت الطاعن بالمصروفات.