مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 320

جلسة 22 فبراير سنة 1934

برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك المستشار وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

(166)
القضية رقم 51 سنة 3 القضائية

( أ ) خبير. تحقيق الخطوط. إجراء المضاهاة بحضور القاضى وكاتب المحكمة. مخالفته لا تستوجب البطلان. متى تبطل الحكم؟ (المادة 267 مرافعات)
(ب) تزوير. حق المحكمة فى الحكم بردّ وبطلان ورقة غير مطعون فيها بالتزوير. حقها فى الاستعانة بأهل الخبرة عند الشك. (المادة 292 مرافعات)
1 - إن الشارع لم يرتب البطلان على عدم قيام الخبير بمأمورية المضاهاة فى حضور القاضى المعين للتحقيق وكاتب المحكمة عملا بالمادة 267 من قانون المرافعات، فمجرّد مخالفة نص هذه المادة لا يستوجب حتما بطلان الإجراءات، وبالتالى بطلان الحكم الذى بنى عليها. وإنما الذى تجب ملاحظته هو معرفة ما إذا كانت هذه المخالفة كان من شأنها الإخلال بحق دفاع أحد الطرفين أم لا، فاذا ما تحقق الإخلال وجب نقض الحكم على هذا الأساس، وإلا فلا ينقض.
2 - إن المادة 292 من قانون المرافعات قد أجازت للمحكمة "أن تحكم بردّ أو بطلان أى ورقة يتحقق لها أنها مزوّرة ولو لم تقدّم إليها دعوى بتزوير تلك الورقة". وما دام ذلك جائزا للمحكمة فيجوز لها من باب أولى - فى حالة تشككها فى صحة الورقة المتمسك بها - أن تستعين برأى خبير فنى حتى يتسنى لها الحكم على بينة وتتمكن من تحقيق العدالة بين الناس، لأن المادة صريحة خالية من كل قيد وشرط، وقد خوّل القانون للمحاكم حق تطبيقها فى أية حالة كانت عليها الدعوى، سواء أحصل طعن بالتزوير أم لم يحصل، وسواء أنجحت دعوى التزوير أم لم تنجح.


الوقائع

وقائع الدعوى حسب البيان الوارد فى الحكم المطعون فيه وما هو واضح من الأوراق والمذكرات المقدّمة لهذه المحكمة تتلخص فيما يأتى:
رفع حسن عبد الرحيم الخولى دعوى أمام محكمة أسيوط الابتدائية الأهلية بمقتضى عريضة مؤرّخة فى 21 يناير سنة 1929 يطلب الحكم فيها بالزام عبد العال نوير نوير عباس بأن يدفع له مبلغ 1500 جنيه استنادا إلى ثلاث كمبيلات: الأولى تاريخها 10 أكتوبر سنة 1927 وقيمتها 500 جنيه، والثانية تاريخها 27 فبراير سنة 1928 وقيمتها 400 جنيه، والثالثة تاريخها 20 أبريل سنة 1928 وقيمتها 600 جنيه. فقدّم عبد العال نوير المذكور بلاغا للنيابة فى اليوم الثانى لرفع الدعوى جاء فيه أن حقيقة المبالغ المستحقة عليه هى 50 قرشا و40 قرشا و60 قرشا وأن الأوراق التى وقع عليها كانت بهذه المبالغ. ثم جرى التحقيق فى هذا البلاغ بتاريخ 26 يناير سنة 1929 وصمم المبلغ على شكواه وقال بأنه لا يعرف كيف حصل التزوير ويحتمل أن يكون بواسطة التغيير فى الكتابة. وقال المشكو فى حقه بأن الكمبيالات صحيحة وإنه أودعها فى الدعوى المدنية. وسئل كاتب الكمبيالات سالمان محمد سالمان فقال بأنه المحرّر لها وكاتب قيمتها بالقروش ويذكر أن قيمتها كانت 40 قرشا و50 قرشا و60 قرشا على وجه التقريب. وبعد ذلك عند نظر الدعوى المدنية أمام محكمة أوّل درجة طعن عبد العال نوير نوير عباس فى هذه الكمبيالات بالتزوير وارتكن فى طعنه هذا على ثلاثة أدلة، أهمها أن الإمضاء ليست إمضاءه، وطلب الحكم بردّ وبطلان الثلاث الكمبيالات. وقد قضت المحكمة المذكورة برفض دعوى التزوير ارتكانا على ما تبين لها من المضاهاة التى أجرتها ومن إقرار عبد العال نفسه فى بلاغه للنيابة من أن الإمضاء صحيحة وليست مزوّرة. فاستأنف هذا الحكم وبنى استئنافه على أن محكمة أوّل درجة لم تستعن فى إجراء المضاهاة بخبير فنى. فقرّرت محكمة الاستئناف بندب محمد أفندى على سعودى الخبير لفحص الإمضاء الموقع بها على الكمبيالات الثلاث لمعرفة إن كانت صحيحة أم مقلدة. وقد قدّم الخبير تقريره وأثبت فيه أن الإمضاءات الثلاث صحيحة، وأثبت فى نهاية التقرير العبارة الآتية:
"إن جميع ما فصلته فى هذه التقرير قاصر على الإمضاءات والكلمات المطعون فيها فى الكمبيالات الثلاث، ولكنى أثناء الفحص وجدت فى الأرقام والأسطر الأولى من كل كمبيالة من الكمبيالات الثلاث ما ينبغى أن يكون محل بحث".
فرأت المحكمة تنويرا للدعوى وتطبيقا للمادة 292 من قانون المرافعات أن تعيد القضية للخبير عينه لبحث الكمبيالات الثلاث وبيان ما إذا كانت تحرّرت فى الأصل بخمسين وأربعين وستين قرشا ثم زيدت إلى المبالغ المطالب بها الآن أم لا وأصدرت بذلك حكما تمهيديا فى 13 مايو سنة 1931. وبعد أن باشر الخبير مأموريته وقدّم تقريره قضت بتاريخ 18 فبراير سنة 1933 اعتمادا على هذا التقرير الأخير بالغاء الحكم المستأنف وبردّ وبطلان الثلاث الكمبيالات وذلك فيما يزيد عن 50 قرشا و40 قرشا و60 قرشا بالتوالى مع إلزام حسن عبد الرحيم الخولى بالمصاريف وبمبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
أعلن هذا الحكم لحسن عبد الرحيم الخولى فى 7 مايو سنة 1933 فطعن فيه بطريق النقض فى 5 يونيه سنة 1933 وأعلن تقرير الطعن للمدّعى عليه فى 20 يونيه سنة 1933، وقدّمت المذكرات فى الميعاد القانونى وقدّمت النيابة مذكرتها فى 17 ديسمبر سنة 1933.
وبجلسة يوم الخميس الموافق 25 يناير سنة 1934 المحدّدة لنظر هذا الطعن سمع على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم تأجل النطق بالحكم لجلسة 8 فبراير سنة 1934 ومنها لجلسة اليوم لعدم إتمام المداولة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن بنى على ثلاثة أوجه: (الأوّل) أن حكم محكمة الاستئناف بنى على تقرير الخبير بدون أية إشارة للمطاعن التى وجهت إليه فهو يعتبر غير مسبب، وبالتالى باطلا طبقا لنص المادة 103 من قانون المرافعات. (الثانى) أن إجراءات الخبير وقعت باطلة لمخالفتها لنص المادة 267 من نفس القانون. (الثالث) أن ندب محكمة الاستئناف لنفس الخبير - بعد أن قدّم تقريره - لتحقيق دليل جديد لم يتمسك به الخصم ولم يقدّم لها بالطريق القانونى مبطل لإجراءاتها التى بنت عليها الحكم.
عن الوجه الأوّل:
حيث إن هذا الوجه يتحصل فى أن محكمة الاستئناف بنت حكمها على تقرير الخبير بأن أصل المبلغ قروش وحصل تغيير القروش إلى جنيهات، وكل ما ورد فى أسباب الحكم تأييدا لتقرير الخبير هى العبارة الآتية: "وحيث إن المحكمة ترى الأخذ بتقرير الخبير للأدلة التى قدّمها على حصول الإضافة والتحشير والإعادة على بعض الأرقام" فهو يعتبر والحالة هذه غير مسبب لأنه لا يمكن أن يظهر من هذه الأسباب العامة الأسباب المقنعة التى حملت محكمة الاستئناف على الأخذ بهذا التقرير وإلغاء الحكم المستأنف.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه تبين أن محكمة الاستئناف، بعد أن استعرضت العناصر الواقعية للدعوى حسب البيان المتقدّم، تناولت كل كمبيالة على حدة وذكرت ما أوضحه تقرير الخبير بشأنها وأشارت إلى أحوال التغيير فيها ومواضع هذا التغيير بدقة وتفصيل، ثم دللت على اقتناعها بما جاء فى هذا التقرير باستظهارها ما حدث فى إحدى الكمبيالات وهى المؤرّخة فى 10 أكتوبر سنة 1927 من حيث ذكر المبلغ تارة بالقروش وأخرى بالجنيهات بلا موجب، وأخيرا ردّت على دفاع الطاعن وهو الخاص بتضارب المطعون ضدّه فى بيان كيفية التزوير وأثر هذا التضارب فى الحق المطالب به.
وحيث إن تسبيب الحكم كما هو واضح من هذا البيان صحيح لا شائبة فيه وكاف لا قصور به. ولذا يتعين رفض هذا الوجه.
عن الوجه الثانى:
حيث إن مبنى هذا الوجه أن إجراءات عملية الخبير تطبيقا للمادة (267) من قانون المرافعات يجب حصولها أمام القاضى وكاتب المحكمة، وأن عدم مراعاة ذلك مبطل للإجراءات والحكم الذى بنى عليها. والثابت من أوراق القضية والوقائع الواضحة فى الحكم المطعون فيه أن الخبير فى هذه القضية لم يقم بعمله بحضور المستشار المنتدب. لذا يكون الحكم باطلا ويتعين نقضه.
وحيث إن المشرع عند وضع القانون أشار إلى الأحوال التى يجب فيها مراعاة الشروط المنصوص عليها وإلا كان الإجراء باطلا، والحالة المنصوص عليها فى المادة (267) من قانون المرافعات لم تكن من ضمنها. لذا لا يمكن القول بأن مجرّد مخالفة نص هذه المادة يستوجب حتما بطلان الإجراءات والحكم الذى بنى عليها، وإنما ما تجب ملاحظته هو معرفة ما إذا كانت هذه المخالفة كان من شأنها الإخلال بحق دفاع أحد الطرفين أم لا، فاذا ما تحقق هذا الإخلال وجب نقض الحكم على هذا الأساس.
وحيث إنه ثبت من وقائع الحكم المطعون فيه ومن صور محاضر الجلسات التى تداولت بها هذه الدعوى والمقدّمة لهذه المحكمة أن التقرير الثانى للخبير قدّم لقلم الكتاب بمقتضى محضر إيداع مؤرّخ فى 25 يناير سنة 1932 وتحدّد لنظر الدعوى جلسة 14 فبراير سنة 1932 ثم تأجلت لجلسة 13 مارس بناء على طلب الطاعن ليقدّم تقريرا ردّا على تقرير الخبير، ومنها لجلسة 5 مايو بناء على طلبه حتى يتم التحقيق الجنائى الذى شرع فيه ضدّ الخبير بسبب تقريره فى هذه القضية، ومنها لثانى جلسة بعد الإجازات (26 أكتوبر) لأن التحقيقات لم يحصل ضمها، ومنها لجلسة 5 نوفمبر وأخيرا لجلسة 3 يناير سنة 1933 حيث صمم كل طرف على طلباته وقدّم مذكرة بأقواله.
وحيث إنه ظاهر مما تقدّم أن الطاعن تمتع بحقه فى الدفاع على أكمل وجه ولم ترفض المحكمة له طلبا لتحضير هذا الدفاع بالكيفية التى تقتضيها مصلحته؛ على أن الطاعن كان حاضرا وقت صدور إذن القاضى للخبير باستلام الأوراق ولم يبد أى اعتراض فكان سكوته دليلا على موافقته على ذلك. لذا يتعين رفض هذا الوجه أيضا.
عن الوجه الثالث:
وحيث إن محصل هذا الوجه أن محكمة الاستئناف - بعد أن قدّم الخبير تقريره وأثبت فيه أن الإمضاء الموقع بها على الثلاث الكمبيالات المطعون فيها بالتزوير هى صحيحة - أعادت له المأمورية وكلفته بتحقيق دليل جديد لم يتمسك به الخصم ولم يقدّم لها بالطريق القانونى. لذا تكون قد خالفت القاعدة القانونية التى تحظر على المحكمة أن تستنتج أدلة جديدة لم يقدّمها الخصم، ولا أن تفحص أدلة خلاف الأدلة التى أعلنها مدّعى التزوير فتكون إجراءاتها باطلة. ولذا يتعين نقض الحكم الذى بنى على هذه الإجراءات.
وحيث إن المادة (292) من قانون المرافعات قد أجازت للمحكمة "أن تحكم بردّ أو بطلان ورقة تحقق لها أنها مزوّرة ولو لم تقدّم إليها دعوى بتزوير تلك الورقة". فاذا جاز للمحكمة ذلك جاز لها من باب أولى، فى حالة تشككها فى صحة الورقة المتمسك بها، أن تستعين برأى خبير فنى حتى يتسنى لها الحكم على بينة وتتمكن من تحقيق العدالة بين الناس. لأن المادة صريحة خالية من كل قيد وشرط، وقد خوّل القانون للمحاكم حق تطبيقها فى أية حالة كانت عليها الدعوى سواء حصل طعن بالتزوير أو لم يحصل، وسواء نجحت دعوى التزوير أو فشلت. والذى يفهم من الحكم التمهيدى الصادر فى 13 مايو سنة 1931 أن المحكمة بعد أن اقتنعت بصحة الإمضاء حكمت فيها ضمنا برفضها فى الحدود التى قدّمت بها ثم أخذت بحقها المخوّل لها فى المادة (292) من قانون المرافعات وأمرت بما أمرت. على أن الطاعن لم يعترض على توجيه الدعوى فى هذا السبيل وكان لديه الوقت الكافى لهذا الاعتراض، لأن هذا التوجيه حصل بمقتضى الحكم التمهيدى الصادر فى 13 مايو سنة 1931 واستمرّت الدعوى فى جلسات المحكمة، بعد أن قدّم الخبير تقريره، ما يقرب من السنة فليس له الآن الحق فى إثارة هذا الموضوع. لذا يكون هذا الوجه متعين الرفض على أى حال.