مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 1239

(117)
جلسة 8 من مايو سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد شلبى يوسف وعادل عزيز وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 1487 لسنة 7 القضائية

ا - نيابة ادارية - موظف - تأديب - المادة 12 من القانون رقم 117 لسنة 1958 باعادة تنظيم النيابة الادارية - الميعاد المنصوص عليه بها والذى أوجب المشرع فيه على الجهة الادارية أن تصدر قرارها بالحفظ أو بتوقيع الجزاء - ميعاد تنظيمى من قبيل المواعيد المقررة لحسن سير العمل - المشرع لم يقصد حرمان الادارة من سلطتها بعد انقضاء هذا الميعاد - اعادة الأوراق الى النيابة الادارية لمباشرة الدعوى التأديبية - لم يحدد لها المشرع ميعادا معينا.
ب - مبانى - مخالفة - تنظيم - موظف - تأديب - القانون رقم 259 لسنة 1956 - النص بمادته الأولى على أنه لا يجوز الحكم بازالة أو تصحيح أو هدم الاعمال التى تمت بالمخالفة للقوانين التى أوردتها حتى يوم 9 من مارس سنة 1956 - لا يعنى الغاء هذه المخالفات أو جعل البناء بدون ترخيص عملا مباحا - لا يعفى مهندس التنظيم من تحرير محضر المخالفة - الخطاب فى القانون انما وجه الى القاضى على النحو الظاهر جليا من عبارة النص - واجب مهندس التنظيم - العمل على تنفيذ قوانين البناء - ليس له أن يقيم من نفسه قاضيا ليحكم بتقادم المخالفة أو عدم تقادمها.
جـ - مبانى - تنظيم - موظف - تأديب - قانون المبانى رقم 93 لسنة 1948 - اتخاذ اجراءات جنائية عن أى مخالفة لأحكامه أو للوائح المنفذة له - وقف الاعمال موضوع المخالفة بالطريق الادارى - من حق السلطة القائمة على أعمال التنظيم فى هذه الحالة - تقاعس الطاعن بوصفه من القائمين على أعمال التنظيم من أن يشير فى محضره الى اقامة المبانى المخالفة حتى تتخذ بشأنها الاجراءات الجنائية ثم يعمل بالتالى على وقف الأعمال بالطريق الادارى - يستوجب مساءلته تأديبيا.
د - تأديب - مشروعية - سلطة الجهات التأديبية ومن بينها المحاكم التأديبية فى تقدير خطورة الذنب الادارى وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها فى ذلك - مناط مشروعيتها ألا يشوب استعمالها غلو - من صور هذا الغلو أن ينطوى الجزاء على مفارقة صارخة.
1 - نصت المادة 12 من القانون رقم 117 لسنة 1958 باعادة تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية أنه "اذا رأت النيابة الادارية حفظ الأوراق أو أن المخالفة لا تستوجب توقيع جزاء أشد من الخصم من المرتب مدة لا تجاوز 15 يوما تحيل أوراق التحقيق الى الوزير أو من يندب من وكلاء الوزراء أو الرئيس المختص" وعلى الجهة الادارية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ ابلاغها نتيجة التحقيق أن تصدر قرارا بالحفظ أو توقيع الجزاء".
"فاذا رأت الجهة الادارية تقديم الموظف الى المحاكمة أعادت الأوراق الى النيابة الادارية لمباشرة الدعوى أمام المحكمة التأديبية المختصة".
"ويجب على الجهة الادارية أن تخطر النيابة الادارية بنتيجة تصرفها فى الأوراق خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ صدور قرار الجهة الادارية".
كما نصت المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أنه "لوكيل الوزارة أو الوكيل المساعد أو لرئيس المصلحة كل فى دائرة اختصاصه توقيع عقوبتى الانذار والخصم من المرتب مدة لا تجاوز 45 يوما فى السنة الواحدة بحيث لا تزيد مدة العقوبة الواحدة عن 15 يوما. وذلك بعد سماع أقوال الموظف وتحقيق دفاعه ويكون قراره فى ذلك مسببا".
"وللوزير سلطة توقيع العقوبات المشار اليها فى الفقرة الأولى. كما يكون له سلطة الغاء القرار الصادر من وكيل الوزارة أو الوكيل المساعد أو رئيس المصلحة أو تعديل العقوبة بتشديدها أو خفضها وذلك خلال شهر من تاريخ اصدار القرار. وله اذا ما ألغى القرار احالة الموظف الى مجلس التأديب خلال هذا الميعاد".
ومن حيث أن المحكمة ترى بادئ ذى بدء أن الميعاد الذى نص عليه فى المادة 12 من القانون رقم 117 لسنة 1958 - والذى أوجب المشرع فيه على الجهة الادارية أن تصدر فى خلاله قرارها بالحفظ أو بتوقيع الجزاء انما هو ميعاد تنظيمى من قبل المواعيد المقررة لحسن سير العمل، دون أن يكون المشرع قد قصد الى حرمان الادارة من استعمال سلطتها بالنسبة للموظف المنسوب اليه الاتهام بحفظ هذا الاتهام أو بمجازاته بعد انقضاء هذا الميعاد وفضلا عن هذا فان المشرع قد نص فى الفقرة الثالثة من المادة المذكورة على أنه "اذا رأت الجهة الادارية تقديم الموظف الى المحاكمة التأديبية أعادت الأوراق الى النيابة الادارية لمباشرة الدعوى أمام المحكمة التأديبية المختصة" دون أن يحدد ميعادا معينا يجب عليها فى خلاله أن تعيد الأوراق للنيابة الادارية أو تصدر فى خلاله ايضا قرارها باحالة الموظف الى المحاكمة التأديبية.
2 - أنه عن قول الطاعن بأن هذه المبانى تنسحب عليها أحكام القانون رقم 259 لسنة 1956 - الذى نص فى مادته الأولى على أنه "لا يجوز الحكم بازالة أو تصحيح أو هدم الاعمال التى تمت بالمخالفة للقوانين التى أوردتها حتى يوم 9 من مارس سنة 1956" ومن ثم فانه لم يتخذ ضد المالك اجراء فى شأن هذه المبانى - فقد ردت المحكمة فى حكمها المطعون فيه على ذلك بأن القانون المشار اليه لم يتضمن اعفاء المخالفين لاحكام قوانين البناء من جميع العقوبات المنصوص عليها بها بل جاء مقصورا على اعفائهم من عقوبة ازالة أو تصحيح أو هدم الاعمال بالنسبة للابنية والاعمال المخالفة ومن ثم لم يرفع عن مهندس التنظيم الواجب الذى تفرضه قوانين البناء من تحرير محضر واتخاذ الاجراءات اللازمة لوقف الاعمال المخالفة اداريا - على ما سبق بيانه - وقد أصابت المحكمة فى ذلك وجه الحق لان القانون المذكور لم يلغ المخالفة ولم يجعل البناء بدون ترخيص عملا مباحا وبالتالى لم يعف مهندس التنظيم من تحرير المحضر خاصة وان الخطاب فى القانون المذكور موجه الى القاضى على النحو الظاهر جليا من عبارة النص. ومن ثم فقد كان يتعين على الطاعن أن يشير فى محضره الى وجود هذه المبانى وأنها أقيمت بدون ترخيص بالمخالفة لأحكام قانون المبانى. ولا يعفيه من ذلك قوله - أن المخالفة تتقادم بمضى سنة والثابت أن هذه المبانى قد أقيمت فى سنة 1956 وكان قد مضى وقت تحرير محضريه المشار اليهما أكثر من سنة - ذلك لان واجب الطاعن، بوصفه مهندسا للتنظيم أن يعمل على تنفيذ قوانين البناء فاذا أخل أحد بهذه القوانين فعليه أن يبادر فورا بتحرير محضر بذلك يرسله الى الجهات المختصة لاقامة الدعوى الجنائية ضده وليس له أن يقيم من نفسه قاضيا ليحكم بتقادم المخالفة أو بعدم تقادمها.
3 - أن قانون المبانى رقم 93 لسنة 1948 - الذى كان ساريا وقت ارتكاب المخالفة - ينص فى المادة 19 منه على أنه "اذا اتخذت اجراءات جنائية عن مخالفة لاحكام هذا القانون أو اللوائح المنفذة له كان للسلطة القائمة على أعمال التنظيم الحق فى وقف الاعمال موضوع المخالفة بالطريق الادارى" ومن ثم كان يتعين على الطاعن بوصفه من القائمين على أعمال التنظيم، أن يشير فى محضره المنوه عنه الى اقامة تلك المبانى حتى تتخذ بشأنها الاجراءات الجنائية ثم يعمل بالتالى على وقف الاعمال بالطريق الادارى طبقا لصريح نص هذه المادة فان كان لم يفعل فيكون قد أخل بواجبات وظيفته متعينا مساءلته عن ذلك.
4 - أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه ولئن كانت للسلطات التأديبية - ومن بينها المحاكم التأديبية - سلطة تقدير خطورة الذنب الادارى وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها فى ذلك. الا أن مناط مشروعية هذه السلطة، شأنها كشأن أى سلطة تقديرية أخرى، ألا يشوب استعمالها غلو. ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة مع الهدف الذى تغياه القانون من التأديب وهذا الهدف هو بوجه عام تأمين سير المرافق العامة ولا يتحقق هذا التأمين اذا انطوى الجزاء على مفارقة صارخة.


اجراءات الطعن

فى يوم 17 من يونيه سنة 1961 أودع السيد مصطفى راشد سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن قيد بجداولها تحت رقم 1487 لسنة 7 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة موظفى وزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف بجلسة 30 من مايو سنة 1961 فى الدعويين التأديبيتين رقمى 67، 68 لسنة 2 القضائية المقامتين من النيابة الادارية ضد السيد/ مصطفى محمد راشد (الطاعن) وآخرين والقاضى بمجازاة الطاعن بخفض درجته الى الدرجة الخامسة بأول مربوطها وحرمانه من مرتبه عن مدة وقفه عن العمل اعتبارا من 5 نوفمبر سنة 1957 الى 28 من يناير سنة 1958 وذلك بصفة نهائية. وقد طلب الطاعن - للأسباب الواردة بصحيفة طعنه - قبول هذا الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه بجميع مشتملاته وبراءة الطاعن مع الزام المطعون ضدها بالمصروفات وأتعاب المحاماة. وقد أعلنت صحيفة الطعن للنيابة الادارية فى 20 من يوليه سنة 1961 وقد عقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بتقرير بالرأى القانونى مسببا انتهت فيه الى أنها ترى قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزام الطاعن المصروفات. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أى من ذوى الشأن مذكرة بملاحظاته عين لنظر أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14 من نوفمبر سنة 1964 وأخطر بها ذوى الشأن فى 24 من أكتوبر سنة 1964 وقد قررت الدائرة احالته الى المحكمة الادارية العليا حيث عين لنظره جلسة 13 من فبراير سنة 1965 وأخطر بها ذوو الشأن فى 21 من يناير سنة 1965، وتداول الطعن بالجلسات حيث قدم الطاعن - مذكرة تناول فيها شرح أسباب الطعن وعقب على ما جاء بتقرير هيئة مفوضى الدولة وانتهى الى التصميم على طلباته. كما قدمت النيابة الادارية مذكرة فى هذا الطعن والطعون أرقام 501 و1462 و1518 و1519 لسنة 7 القضائية طلبت فيها رفض هذه الطعون والزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماه.. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن قررت اصدار الحكم بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق هذا الطعن والطعن رقم 1462 لسنة 7 القضائية المحدد للحكم فيه جلسة اليوم - فى أنه فى 2 من نوفمبر سنة 1957 انهار المنزل رقم 11 بشارع المسلمانى بمنيل الروضة قسم مصر القديمة بمحافظة القاهرة على من فيه من السكان فأصدر السيد مدير عام بلدية القاهرة فى اليوم التالى مباشرة أمرا اداريا بتأليف لجنة من السادة مدير عام ادارة المنشآت والمبانى ومكتب التخطيط ومكتب المبانى بهذه البلدية يتم بها بحث أسباب أنهيار المنزل المذكور من الناحية الفنية وبيان مسئولية مهندس التنظيم فى هذا الخصوص. وقد أدت اللجنة مهمتها وقدمت تقريرا فى 5 من نوفمبر سنة 1957 فصلت فيه ما أرتأته من أسباب فنية لانهيار المنزل. كما قدمت فى التاريخ ذاته مذكرة بالمخالفات التى ارتكبها مهندسو التنظيم الذين عاصروا ذلك المنزل منذ تشييده حتى انهياره وحصرتها فى السادة عبد المنعم حسن درويش وعبد العزيز على حسن ومصطفى محمد راشد (الطاعن) ومحمد عبد الرحمن الغندور ومصطفى كمال عبد السلام مهندسين ببلدية القاهرة وفى السيد/ يوسف عبد النبى حماد مهندس التنظيم بهذه البلدية سابقا. وفى نفس التاريخ أصدر السيد مدير عام البلدية قرارا بوقف المهندسين الخمسة الأول عن عملهم اعتبارا من ذلك التاريخ وبابلاع النيابة الادارية لاجراء التحقيق. وقد أجرت هذه النيابة تحقيقا خلصت منه الى عدم مسئولية مهندس التنظيم عن حادث أنهيار المنزل. وان أسباب الانهيار تتركز فى ضعف المبانى وزيادة الاهمال ببناء أدوار عليا بدون ترخيص الأمر الذى يسأل عنه المالك دون غيره طبقا لقانون تنظيم المبانى. ورأت النيابة فى الوقت ذاته مساءلة السادة محمد حافظ على وعلى مصطفى كامل وعبد المنعم حسن درويش ومحمد أحمد الفندى وعبد العزيز على حسن ويوسف عبد النبى حماد وحموده على القاضى والسيد ابراهيم حسن كمال المهندسين والسيد/ أحمد أحمد راشد (الطاعن) ومصطفى كمال عبد السلام ووديع سليمان بربرى وعبد الهادى معربة وحسين العسكرى. وبعرض الأوراق على السيد وزير الشئون البلدية والقروية بالنيابة أشار فى 11 من فبراير سنة 1958 باعادة بحث الأمر بالنسبة للمهندس مصطفى محمد راشد (الطاعن) اذ البادى من التحقيق أنه قد حاول أخفاء الحقيقة حال تحرير محضرى المخالفات رقمى 290 لسنة 1956 و37 لسنة 1957 وذلك بعدم اثبات قيام المالك ببناء مبنى بالمنور الأمر الذى يثير الشك والريبة فى تصرفاته ويتعين معه ليس النظر فى أمره اداريا فحسب بل ابلاغ النيابة العامة الأمر، بمراعاة أن الواقعة على هذا النحو تتضمن تزويرا فى أوراق رسمية.
ولذلك فقد أصدرت البلدية القرار رقم 534 لسنة 1958 باحالة المهندسين الثمانية الأول الى مجلس التأديب المختص لمحاكمتهم عن التهم المنسوبة اليهم بالقرار المذكور. كما قامت بابلاغ النيابة العامة بما هو منسوب الى المهندس مصطفى محمد راشد (الطاعن).. ونظرا لصدور القانون رقم 117 لسنة 1958 باعادة تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية المختصة بمحاكمة موظفى وزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف وقيدت بجدولها تحت رقم 67 لسنة 2 القضائية.. وفى نفس الوقت قامت النيابة العامة بالتحقيق مع السيد المهندس مصطفى راشد (الطاعن) فيما نسبته اليه البلدية وخلصت من تحقيقها بمذكرتها المؤرخة فى 24/ 11/ 1958 الى أنها ترى ارسال الأوراق الى الجهة الادارية المختصة التى يتبعها المهندس المذكور لمحاكمته تأديبيا فيما نسب اليه ولذلك فقد أقامت النيابة الادارية ضده الدعوى التأديبية أمام نفس المحكمة التأديبية حيث قيدت بجدولها برقم 68 لسنة 2 القضائية عن التهمة التى نسبتها اليه بقرار الاحالة وهى: "انه فى خلال عامى 1956، 1957 أخل أخلالا جسيما بواجبات وظيفته عند معاينته عمارة العنانى رقم 11 بشارع المسلمانى بالمنيل اذ حرر مخالفات للمالك ولم يبين بها كافة الأبنية التى أضافها المذكور الى جهتى عمارته بالمخالفة للقانون وذلك رغم وجود شكاوى بهذا المعنى سابقة على اجراء المعاينة وقد ترتب على اخلال هذا المالك بقوانين لبناء واهمال المتهم المتقدم فى عمله أن انهارت العمارة على من بها من السكان وراحت أرواح ضحية هذا الحادث". وبجلسة 5 من أبريل سنة 1960 قررت المحكمة المذكورة ضم الدعوى رقم 68 لسنة 2 القضائية الى الدعوى رقم 67 لسنة 2 القضائية للارتباط وليصدر فيها حكم واحد. وقد قدمت النيابة الادارية عدة حوافظ مستندات أرفقت بها الملفات الخاصة بتقسيم أرض وقف القاضى عثمان الخيرى بالمنيل وبالمخالفات والتقارير المتعلقة به وملفات التأديب وملفات خدمة الموظفين المتهمين وبيان بحالة كل منهم الوظيفية - كما قدمت سجلات الرخص فى المدة من سنة 1950 الى سنة 1952. ويتحصل دفاع الطاعن فى أنه حين مر فى 20 من نوفمبر سنة 1956 على المنزل المشار اليه تبين أن مالكه قد أجرى دون ترخيص فتحات بالدور الأرضى وتعديل بالدور الخامس فوق الأرضى بأن أضاف بلكونات وجعلها أبراجا فحرر له فى ذلك التاريخ محضر مخالفة برقم 290 لسنة 1956 طلب فيها الحكم على المالك بالغرامة والازالة. وعندما تلقى شكاية تضمنت أن المالك المذكور قد أقام جلسة مبانى بمنور المنزل فقد بادر الى المعاينة فى 13 من مارس سنة 1957 فتبين له أن المالك أنشأ دون ترخيص حجرة فى منور العمارة قال أنها لاستعمال البواب كما لاحظ وجود مبنى داخل منور العمارة (الملحق) مكونا من ثلاثة أدوار ومشغولا بالسكان ومن ثم حرر للمالك محضر مخالفة برقم 37 لسنة 1957 عن بنائه تلك الحجرة أما عن المبنى الاخر فان الثابت من كشوف جرد العوايد سنة 1952 أنه أقيم خلال عام 1951 ومن ثم تنسحب عليه أحكام القانون رقم 259 لسنة 1956 الذى نص فى مادته الأولى على أنه" لا يجوز الحكم بازالة أو تصليح أو هدم الأعمال التى تمت بالمخالفة للقوانين حتى يوم 9 من مارس سنة 1956". وترتيبا على ذلك لم يتخذ ضد المالك اجراء فى شأن هذا المبنى بيد أنه حين تبين أثناء مروره فى 3 من يونيه سنة 1957 - أن المالك قد أقام فوقه ثلاثة طوابق جديدة دون ترخيص فحرر له محضر مخالفة برقم 97 لسنة 1957 عن المبنى جميعه. وفى أوائل أغسطس سنة 1957 ترك العمل بمنطقة المنيل وانتهى الطاعن من ذلك الى أنه قد أدى أعمال وظيفته كمهندس تنظيم على أكمل وجه ومن ثم لم يقصر فى شىء الأمر الذى تكون معه المخالفة المسندة اليه منهارة مما يحق له معه طلب الحكم ببراءته منها. وبعد أن ناقشت المحكمة التأديبية المتهمين وبعض الشهود فى أقوالهم الواردة بتحقيقات النيابة الادارية قضت بجلسة 30 من مايو سنة 1960 بمجازاة الطاعن بخفض درجته الى الدرجة الخامسة بأول مربوطها وحرمانه من مرتبه عن مدة وقفه عن العمل اعتبارا من 5 من نوفمبر سنة 1958 وذلك بصفة نهائية. وأقامت قضاءها على أن الطاعن عندما حرر محضرى المخالفتين رقمى 290 لسنة 1956، 37 لسنة 1957 فى 20 من نوفمبر سنة 1956 و13 من مارس سنة 1957 على التوالى - قد أغفل الاشارة الى المبنى الذى أقامه المالك فى فناء المنزل المنهار وذلك على الرغم من أن الأوراق واقرار الطاعن - سواء فى التحقيقات التى أجريت أو فى مذكرته - أنه قد أبلغ فى 17 من نوفمبر سنة 1956 أن المالك قد أقام المبنى المشار اليه دون ترخيص وأنه كان قائما حال تحريره كل من المحضرين سالفى الذكر وأنه، فضلا عن ذلك لم يتخذ ما يفرضه القانون رقم 656 لسنة 1954 فى شأن تنظيم المبانى الذى كان ساريا حينذاك من اجراءات لوقف الأعمال التى أجراها المالك فى المنزل المذكور على خلاف الأحكام المنصوص عليها فى هذا القانون مكتفيا بتحرير محاضر المخالفات السالف بيانها. وأنه قد بان من مطالعة التقرير الذى أعدته اللجنة الفنية عن أسباب انهيار المنزل والمؤرخ فى 5 من نوفمبر سنة 1957 أنه كان من نتيجة المخالفة التى أقدم عليها المالك باجراء تعديل فى فتحات الحوائط بالدور الأرضى الحاملة للمنزل وعمل تعديل بالدور الخامس فوق الأرض وذلك باضافة البلكونات وجعلها أبراجا (وهى المخالفة محل المحضر رقم 290 لسنة 1956 سالف الذكر) تقليل مسطحات المبانى الحاملة للمنزل وبالتالى زيادة الاجهادات عليها وزيادة الأحمال التى أدت بدورها الى زيادة الاجهادات مرة ثانية الأمر الذى كان من أهم أسباب انهيار المنزل وأنه لذلك تكون المخالفة المسندة الى الطاعن ثابتة فى حقه ثبوتا كافيا مما يتعين مساءلته عنها.. وردت المحكمة على ما ذكره الطاعن - من أن القانون رقم 259 لسنة 1956 قد نص على عدم جواز الحكم بازالة أو تصليح أو هدم الأعمال التى تمت بالمخالفة للقوانين التى أوردتها حتى يوم 9 من مارس سنة 1956 ومن ثم فانه لم يتخذ ضد المالك اجراء فى شأن المبنى الذى أقامه المالك فى الفناء الداخلى - ردت على ذلك بأن القانون المشار اليه لم يتضمن اعفاء المخالفين لأحكام القوانين 51، 52 لسنة 1940، 93 لسنة 1948 من جميع العقوبات المنصوص عليها فى هذه القوانين بل جاء مقصورا على اعفائهم من عقوبة ازالة أو تصحيح أو هدم الأعمال بالنسبة للأبنية والأعمال المخالفة ومن ثم فانه لم يرفع عن مهندس التنظيم الواجب الذى تفرضه قوانين البناء من تحرير محضر بما تتكشف له من مخالفات واتخاذ الاجراءات اللازمة لوقف الأعمال المخالفة اداريا اذا اقتضى الأمر ذلك. وأقامت قضاءها بالنسبة لما قضت به من حرمان الطاعن من مرتبه عن مدة وقفه أنه قد استبان لها أن الوقف قد قام على دواعيه ومبرراته التى تسوغه قانونا وأنها رأت - وقد ثبت لها أن الطاعن قد قارف المخالفة المنسوبة اليه - حرمانه من مرتبه عن هذه المدة وذلك اعمالا لحكم المادة العاشرة من القانون رقم 117 لسنة 1958 باعادة تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية. بصحيفة أودعت سكرتيرية هذه المحكمة فى 17 من يولية سنة 1961 طعن الطاعن فى هذا الحكم وبنى طعنه على الأسباب الآتية:
السبب الأول: مخالفة الحكم للاجراءات المنصوص عليها فى القانون رقم 117 لسنة 1958 وقال الطاعن فى بيانه ذلك أن الحكم خالف المادة 12 من القانون المذكور لأن الثابت من الأوراق أن النيابة الادارية رأت عدم قيام وجه لمساءلة الطاعن وذلك بقرارها الصادر فى 19 من نوفمبر سنة 1957 ووافق الرئيس العام للنيابة الادارية على ذلك فى 6 من يناير سنة 1958. وفى 28 من ذات الشهر صدر قرار مدير عام البلدية رقم 76 بالموافقة على الحفظ - وهو قرار نهائى بفوات الميعاد المقرر للسيد الوزير فى المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 للاعتراف عليه وهو شهر من تاريخ صدور القرار - وفى 11 من فبراير سنة 1958 عاد السيد المدير العام وأصدر قرارا باحالة الطاعن الى النيابة العامة الادارية. وبالرغم من مضى سنتين كاملتين على موافقة الجهة الادارية على قرار الحفظ الصادر من النيابة الادارية عادت هذه النيابة فى 10 من يناير سنة 1960 وأحالت الطاعن الى المحاكمة بنفس التهمة التى سبق لها اصدار قرارها بعدم ادانته وأنه لذلك يكون قرار الاحالة باطلا لصدور قرار نهائى لعدم المسئولية التأديبية مضت عليه المواعيد القانونية وبالتالى تكون الدعوى التأديبية غير مقبولة لسقوط مواعيد الطعن فى قرار الحفظ.
والسبب الثانى: هو مخالفة الحكم للقانون رقم 259 لسنة 1956 بشأن المبانى. وقال الطاعن فى بيان ذلك أنه عمل مهندسا للتنظيم بمنطقة المنيل خلال المدة من أكتوبر سنة 1952 حتى آخر أغسطس سنة 1957 والثابت أن المالك أقام أربعة طوابق بدون ترخيص قبل 15 من نوفمبر سنة 1950 ثم أضاف ثلاثة أخرى خلال عام 1952 وأقام فى العام ذاته مبنى مكونا من ثلاثة طوابق فى الفناء الداخلى للمنزل - أى قبل أن يتولى مهام وظيفته فى المنطقة وهذه المبانى تنسحب عليها أحكام القانون المشار اليه الذى ينص على أنه لا يجوز الحكم بازالة أو تصليح أو هدم الأعمال التى تمت بالمخالفة للقوانين حتى يوم 9 من مارس سنة 1956 والثابت أيضا انه حرر ثلاثة محاضر أرقام 290 لسنة 1956، 37، 97 لسنة 1957 عن المبانى التى أقيمت بعد صدور ذلك القانون وأن مصلحة التنظيم أرسلت الى قسم شرطة مصر القديمة بناء على هذه المخالفات - اشارة تليفونية بوقف الأعمال الجديدة.. ومن ثم يكون قد لبى نداء الواجب الوظيفى ولم يخالفه.. وأنه لا محل لما ذهب اليه الحكم - من أنه كان عليه ان يطلب فى محضره الحكم بالغرامة دون الازالة أو الهدم - ذلك لأن المخالفة تتقادم بمضى سنة من تاريخ ارتكابها والثابت أن.. المخالفة المنسوبة الى الطاعن اغفالها عن مبان أقيمت وتنفذت فى عام 1952..
والسبب الثالث: هو التناقض فى أسباب الحكم اذ بينما يقرر أن المبانى التى لم يحرر عنها الطاعن محضر مخالفة قد تمت ونفذت جميعها قبل انتهاء سنة 1952، فأنه يذكر أنه كان على مهندس التنظيم عند معاينته للعقار فى سنة 1956 اتخاذ الاجراء اللازم لوقف الأعمال المختلفة اداريا.. وطلب الطاعن لهذه الأسباب قبول طعنه شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه بجميع مشتملاته وبراءته مع الزام المطعون ضدها بالمصروفات وأتعاب المحاماة.
وقد عقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بتقرير بالرأى القانونى مسببا انتهت فيه الى أنها ترى قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزام الطاعن المصروفات.. وردت على السبب الأول من أسباب الطعن بأن قرار عام بلدية القاهرة رقم 76 الصادر فى 28 من يناير سنة 1958 انما كان قاصرا على رفع الايقاف عن الطاعن فهو على هذا النحو لا يمكن أن يحمل على أنه قرار بحفظ الاتهام.. على أنه لو حمل على هذا المعنى فان الثابت أن السيد الوزير قد اعترض عليه فى 11 من فبراير سنة 1958 أى بعد أربعة عشر يوما من صدوره ومن ثم فان قرار البلدية سالف الذكر ليس من شأنه أن يرتب للطاعن مركزا ذاتيا من مقتضاه عدم جواز محاكمته تأديبيا.. وردت على باقى الأسباب بأنه لا وجه للتحدى بالقانون رقم 259 لسنة 1956 لأنه كان يتعين على الطاعن أن يحرر للمالك محضرا لقيامه بالبناء دون ترخيص فور استلامه العمل فى نوفمبر سنة 1952. وللعلة ذاتها فانه لا يقبل من الطاعن القول أن المخالفة سقطت بالتقادم لأنه وقت نقله الى منطقة المنيل لم يكن قد مضى سنة على بناء المنزل.. وقد قدم الطاعن مذكرة ردد فيها ما جاء بصحيفة الطعن وعقب على تقرير هيئة مفوضى الدولة فقال بأنه لا يغير مما جاء بصحيفة الطعن خاصا ببطلان الاحالة الى المحكمة التأديبية أن الأوراق عرضت على السيد الوزير فى 11 من فبراير سنة 1958 أى خلال الثلاثين يوما المنصوص عليها فى المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 فأشار بأحالة الأوراق الى النيابة العامة.. ذلك لأن مثل هذا الأمر لا يعد اعتراضا على التصرف الادارى فى المخالفة الادارية لاختلاف المسئولية الادارية عن المسئولية الجنائية.. بل كان يتعين اصدار قرار بالغاء قرار الحفظ وبالاحالة الى المحكمة التأديبية.. ولأنه بفرض أن ما اشار به السيد الوزير يعد بمثابة اعتراض على قرار الحفظ فان الاحالة الى النيابة العامة لا تعد بمثابة احالة الى المحكمة التأديبية.. وأنه لو فرض أيضا ان الميعاد الوارد بالمادة 85 بادية الذكر هو ميعاد تنظيمى وأنه يكفى أن يعترض السيد الوزير على قرار الحفظ وله بعد ذلك ان يصدر القرار الذى يراه فانه لا شك أن القرار الذى يصدر بعد اتمام الاستيفاءات يتعين أن يصدر من السيد الوزير.. ولما كان قرار الاحالة الأخير قد صدر من السيد سكرتير عام البلدية فتكون الاحالة لذلك باطلة. وبعد أن ردد الطاعن ما جاء بصحيفة الطعن ختم مذكرته بأنه لما كان الثابت من ظروف الحال وملابساته أن ظروف العمل وكثرته واتساع رقعة المنطقة لم تمكن الطاعن من كشف المخالفة خلال الأشهر القليلة الباقية من مدة سقوطها لذلك فان المخالفة - بفرض ثبوتها فى حقه - لا تتناسب البته مع الجزاء المقضى به من المحكمة التأديبية يؤكد ذلك أن النيابة الادارية والجهة التى يتبعها قد خلصتا الى الحفظ بل ان النيابة العامة لم تر فى مسلكه ما ينم عن وجود اتصال بينه وبين المالك بل رأت أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد اهمال بسيط مما يقع عادة بحسن نية ويكفى فيه مجرد الايلام الادارى البسيط.. الى جانب أن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 46 لسنة 1964 قد ألغى عقوبتى خفض الدرجة وخفض المرتب مما أضحى لا محل للعقوبة المقضى بها.. وقد قدمت النيابة الادارية مذكرة فى هذا الطعن والطعون رقم 1501، 1462، 1518، 1519 لسنة 7 القضائية المحدد للحكم فيها جميعا جلسة اليوم ردت فيها على دفاع الطاعن الخاص بما نصت عليه المادة الأولى من القانون رقم 259 لسنة 1956 بأن هذا الدفاع لا يكون صحيحا الا اذا كان القانون المذكور قد ألغى المخالفة وأعفى مهندس التنظيم لذلك من تحرير محضر أما وأن الخطاب موجه الى القاضى على نحو ظاهر من عبارة النص فضلا عن أن النص المذكور وأن أوقف أعمال التصحيح والازالة الا أنه أبقى على حكم الغرامة ولذلك فان دفاع الطاعن لا يقوم على أساس.. وقالت عن موضوع المخالفة المنسوبة الى الطاعن أنه قد فتح احدى عينيه عن بعض المخالفات وأغض العين الأخرى عن مخالفة ثابتة بغير حق ومما لا شك فيه أن هذا السلوك قد شارك بشكل مباشر فى هذا الحادث الأليم ويرتبط به كل الارتباط لأنه أسهم فى تحلل المالك من كل اعتبار الأمر الذى أدى الى ضياع الأرواح.
ومن حيث أنه عن السبب الأول من أسباب الطعن - وهو بطلان قرار احالة الطاعن الى المحاكمة التأديبية الصادر فى 10 من يناير سنة 1960 لسقوط مواعيد الطعن فى قرار الحفظ الصادر من النيابة الادارية فى 6 من يناير سنة 1958 والذى اعتمده السيد مدير عام البلدية بقراره رقم 76 الصادر فى 28 من ذات الشهر - فقد استند الطاعن فى ذلك الى نص المادة 12 من القانون رقم 117 لسنة 1958 باعادة تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية والمادة 85 من قانون نظام موظفى الدولة رقم 210 لسنة 1951 الذى كان ساريا حينذاك.
ومن حيث أن المادة 12 من القانون رقم 117 لسنة 1958
باعادة تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية قد نصت على أنه "اذا رأت النيابة الادارية حفظ الأوراق أو أن المخالفة لا تستوجب توقيع جزاء أشد من الخصم من المرتب مدة لا تجاوز 15 يوما تحيل أوراق التحقيق الى الوزير أو من يندب من وكلاء الوزارة أو الرئيس المختص وعلى الجهة الادارية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ ابلاغها نتيجة التحقيق أن تصدر قرارا بالحفظ أو توقيع الجزاء.
"فاذا رأت الجهة الادارية تقديم الموظف الى المحاكمة أعادت الأوراق الى النيابة الادارية لمباشرة الدعوى أمام المحكمة التأديبية المختصة".
"ويجب على الجهة الادارية أن تخطر النيابة الادارية بنتيجة تصرفها فى الأوراق خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ صدور قرار الجهة الادارية".
كما نصت المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أنه "لوكيل الوزارة أو الوكيل المساعد أو لرئيس المصلحة كل فى دائرة اختصاصه توقيع عقوبتى الانذار والخصم من المرتب مدة لا تجاوز 45 يوما فى السنة الواحدة بحيث لا تزيد مدة العقوبة الواحدة عن 15 يوما. وذلك بعد سماع أقوال الموظف وتحقيق دفاعه ويكون قراره فى ذلك مسببا".
"وللوزير سلطة توقيع العقوبات المشار اليها فى الفقرة الأولى. كما يكون له سلطة الغاء القرار الصادر من وكيل الوزارة أو الوكيل المساعد أو رئيس المصلحة أو تعديل العقوبة بتشديدها أو خفضها وذلك خلال شهر من تاريخ اصدار القرار، وله اذا ما ألغى القرار احالة الموظف الى مجلس التأديب خلال هذا الميعاد".
ومن حيث ان المحكمة ترى بادئ ذى بدء أن الميعاد - الذى نص عليه فى المادة 12 من القانون رقم 117 لسنة 1958 - والذى أوجب المشرع فيه على الجهة الادارية أن تصدر فى خلاله قرارها بالحفظ أو بتوقيع الجزاء - انما هو ميعاد تنظيمى من قبيل المواعيد المقررة لحسن سير العمل، دون أن يكون المشرع قد قصد الى حرمان الادارة من استعمال سلطتها بالنسبة للموظف المنسوب اليه الاتهام بحفظ هذا الاتهام أو بمجازاته بعد انقضاء هذا الميعاد.. وفضلا عن هذا فان المشرع قد نص فى الفقرة الثالثة من المادة المذكورة على أنه اذا رأت الجهة الادارية تقديم الموظف الى المحاكمة التأديبية أعادت الأوراق الى النيابة الادارية لمباشرة الدعوى أمام المحكمة التأديبية المختصة دون أن يحدد ميعادا معينا يجب عليها فى خلاله أن تعيد الأوراق للنيابة الادارية أو تصدر فى خلاله أيضا قرارها باحالة الموظف الى المحاكمة التأديبية.
ومن حيث انه يبين من الاطلاع على الأوراق أن النيابة الادارية رأت أولا حفظ الاتهام بالنسبة الى الطاعن. وفى 11 من يناير سنة 1958 أرسلت الأوراق الى بلدية القاهرة فأصدر السيد مدير عام تلك البلدية فى 28 من ذات الشهر قراره رقم 76 بالغاء القرار رقم 1049 لسنة 1957 فيما تضمنه من ايقاف الطاعن عن العمل.. وبعرض الأوراق على السيد وزير الشئون البلدية والقروية بالنيابة أشار فى 11 من فبراير سنة 1958 باعادة بحث الأمر بالنسبة للاتهام الموجه الى الطاعن لأن ما ارتكبه الطاعن يثير الشك والريبة فى تصرفاته مما يتعين معه ليس النظر فى أمره اداريا فحسب بل ابلاغ النيابة العامة.. وعلى ذلك وتطبيقا للفقرة الثالثة من المادة 12 سالفة الذكر فان الجهة الادارية لا تتقيد، فى هذه الحالة، بميعاد معين لاعادة الاوراق للنيابة الادارية لمحاكمة الموظف تأديبيا اذا ما تبين، بعد اعادة البحث، صحة ذلك الاتهام مما يستوجب محاكمته تأديبيا.. ولا محل لما يقول به الطاعن - من أن السيد مدير عام البلدية قد اعتمد قرار الحفظ فأصبح نهائيا - ذلك لأن السيد الوزير - على ما سلف بيانه - قد اعترض على قرار السيد المدير العام بعد أربعة عشر يوما من تاريخ صدوره، أى فى ميعاد الثلاثين يوما المنصوص عليه بالمادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بادية الذكر..
ومن ثم فان قرار السيد مدير عام البلدية ليس من شأنه أن يرتب للطاعن مركزا ذاتيا من مقتضاه عدم جواز محاكمة الطاعن تأديبيا.
ومن حيث انه لا حجة فيما ذهب اليه الطاعن فى مذكرته الأخيرة - من انه كان يتعين على السيد الوزير أن يلغى قرار الحفظ ويحيل الطاعن الى المحاكمة التأديبية لا الى النيابة العامة - لا حجة فى ذلك أولا لأن السيد الوزير لم يأمر باحالة الطاعن الى النيابة العامة وانما رأى اعادة البحث لما رآه من أن تصرفاته تثير الشك والريبة وذلك للنظر فى محاكمته اما اداريا أو جنائيا حسبما يسفر عنه اعادة البحث وفضلا عن ذلك فان الأمر طبقا لصريح نص المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 جوازى للسيد الوزير فى حالة الغائه قرار الحفظ فله أن يحيله للمحاكمة التأديبية فورا وله تمهيدا لذلك أن يستوفى التحقيق أو يحيل الموظف الى النيابة العامة ان رأى أنه قد يكون فى الأمر جريمة أو الى المحاكمة التأديبية ان كان الفعل لا يعدو أن يكون مخالفة ادارية.
ومن حيث انه لا حجة كذلك فيما ذكره الطاعن فى مذكرته المنوه عنها - بأنه كان يتعين صدور قرار الاحالة الى المحاكمة التأديبية من السيد الوزير بعد اذ رأى الغاء قرار الحفظ - لا حجة فى ذلك لأن الثابت من الأوراق أن الجهة الادارية، تنفيذا لما أشار به السيد الوزير، رات احالة الطاعن الى النيابة العامة فرأت هذه النيابة محاكمته اداريا فاذا كان سكرتير عام البلدية هو الذى أحال الأوراق للنيابة الادارية لمحاكمة الطاعن تأديبيا فانما هو فعل ذلك تنفيذا لما أشار به السيد الوزير الذى رأى النظر فى أمر الطاعن اداريا أو جنائيا حسبما يسفر عنه البحث الذى رأى الوزير اجراءه.
ومن حيث انه عن أسباب الطعن الموضوعية فان التهمة المنسوبة الى الطاعن أنه "فى خلال عامى 1956 و1957 أخل اخلالا جسيما بواجبات وظيفته عند معاينته عمارة العنانى.. اذ حرر محاضر مخالفات للمالك ولم يبين بها كافة الأبنية التى أضافها المذكور الى مبنى عمارته بالمخالفة للقانون. هذا بالرغم من وجود شكاوى بهذا المعنى سابقة على اجراء المعاينة، ومع ذلك لم يشر الى حقيقة حال العمارة بالكامل..".
ومن حيث انه يبين من الاطلاع على أوراق محضر المخالفة رقم 290 لسنة 1956 أنه بتاريخ 17 من نوفمبر سنة 1956 أبلغ السيد/ محمد أحمد حسين الموظف بوزارة الزراعة أن مالك العمارة المنوه عنها أقام داخلها مبانى بدون ترخيص، وشكا من ان هذه المبانى تضر بالجيران وتحجب النور فكلف الطاعن بالمعاينة واتخاذ ما يلزم فى هذا الشأن، وبعد أن قام بالمعاينة حرر محضره المذكور أثبت فيه أن المالك "تجارى على عمل فتحات بالدور الأرضى وتعديل بالدور الخامس فوق الأرض بأن أضاف البلكونات وجعلها أبراجا" مخالفا بذلك أحكام قانون المبانى.. كما يبين من الاطلاع على أوراق محضر المخالفة رقم 37 لسنة 1957 ان الطاعن حرره فى 13 من مارس سنة 1957 للمالك لأنه "تجارى على بناء غرفة بمنور المنزل بدون حصول على رخصة بناء من المصلحة مخالفا بذلك قانون المبانى.. ومن هذا يبين أن الطاعن قد أغفل الاشارة الى المبنى الذى أقامه ذلك المالك، بدون ترخيص، فى الفناء الداخلى للعمارة والمكون من ثلاثة طوابق بالرغم من أن الشاكى قد أشار اليه فى شكواه سالفة الذكر وقد أقر الطاعن بذلك، وبأن هذا المبنى كان قائما حال تحريره المحضرين المذكورين، ومن ثم تكون التهمة المنسوبة اليه ثابتة فى حقه ويتعين مساءلته عنها.
ومن حيث انه عن قول الطاعن بأن هذه المبانى تنسحب عليها أحكام القانون رقم 259 لسنة 1956 - الذى نص فى مادته الأولى على أنه "لا يجوز الحكم بازالة أو تصحيح أو هدم الأعمال التى تمت بالمخالفة للقوانين التى أوردتها حتى يوم 9 من مارس سنة 1956" ومن ثم فانه لم يتخذ ضد المالك اجراء فى شأن هذه المبانى - فقد ردت المحكمة فى حكمها المطعون فيه على ذلك بأن القانون المشار اليه لم يتضمن اعفاء المخالفين لأحكام قوانين البناء من جميع العقوبات المنصوص عليها بها بل، جاء مقصورا على اعفائهم من عقوبة ازالة أو تصحيح أو هدم الأعمال بالنسب للأبنية والأعمال المخالفة، ومن ثم لم يرفع عن مهندس التنظيم الواجب الذى تفرضه قوانين البناء من تحرير محضر، واتخاذ الاجراءات اللازمة لوقف الاعمال المخالفة اداريا - على ما سبق بيانه - وقد أصابت المحكمة فى ذلك وجه الحق لأن القانون المذكور لم يلغ المخالفة ولم يجعل البناء بدون ترخيص عملا مباحا، وبالتالى لم يعف مهندس التنظيم من تحرير المحضر خاصة وان الخطاب فى القانون المذكور موجه الى القاضى على النحو الظاهر جليا من عبارة النص.. ومن ثم فقد كان يتعين على الطاعن أن يشير فى محضره الى وجود هذه المبانى وانها أقيمت بدون ترخيص بالمخالفة لأحكام قانون المبانى.. ولا يعفيه من ذلك قوله - ان المخالفة تتقادم بمضى سنة والثابت أن هذه المبانى قد أقيمت فى سنة 1952 وكان قد مضى وقت تحرير محضريه المشار اليهما أكثر من سنة - ذلك لأن واجب الطاعن، بوصفه مهندسا للتنظيم أن يعمل على تنفيذ قوانين البناء، فاذا أخل أحد بهذه القوانين فعليه أن يبادر فورا بتحرير محضر بذلك يرسله الى الجهات المختصة لاقامة الدعوى الجنائية ضده وليس له أن يقيم من نفسه قاضيا ليحكم بتقادم المخالفة أو بعدم تقادمها.
وفضلا عن ذلك فان قانون المبانى رقم 93 لسنة 1948 - الذى كان ساريا وقت ارتكاب المخالفة - ينص فى المادة 19 منه على أنه "اذا اتخذت اجراءات جنائية عن مخالفة لأحكام هذا القانون أو اللوائح المنفذة له كان للسلطة القائمة على أعمال التنظيم الحق فى وقف الأعمال موضوع المخالفة بالطريق الادارى" ومن ثم كان يتعين على الطاعن، بوصفه من القائمين على أعمال التنظيم، ان يشير فى محضره المنوه عنه الى اقامة تلك المبانى حتى تتخذ بشأنها الاجراءات الجنائية ثم يعمل بالتالى على وقف الأعمال بالطريق الادارى طبقا لصريح نص هذه المادة، فان كان لم يفعل فيكون قد أخل بواجبات وظيفته متعينا مساءلته عن ذلك..
أما القول بأن اقامة المبنى كانت فى سنة 1952 وكان قد مضى عليه وقت تحرير المحضر أكثر من سنة. فان هذا القول مردود بأن الطاعن نفسه هو المسئول عن ذلك لأنه - وقد تعين بالمنطقة الواقع بها هذا المبنى فى نوفمبر سنة 1951 ولم تكن قد مضت السنة التى تتقادم فيها المخالفة - فكان يتعين عليه أن يحرر ضده محضر المخالفة فى الوقت المناسب والقاعدة أن الشخص لا يفيد من أعماله.
ومن حيث انه لا صحة لما ذهب اليه الطاعن فى صحيفة طعنه من وجود تناقض فى أسباب الحكم المطعون فيه - بقوله انه بينما تقرر المحكمة فى حكمها المشار اليه بأن المبانى التى أغفل الطاعن الاشارة اليها فى محضريه المنوه عنهما قد أقيمت فى سنة 1952 فانها تذكر انه كان على الطاعن عند معاينته العقار فى سنة 1956 أن يتخذ ما يلزم لوقف الأعمال المخالفة - لا صحة فى ذلك لأن الثابت من الأوراق أن المالك وان كان قد أقام ثلاثة طوابق فى فناء العمارة فى سنة 1952 الا أنه عاد بعد ذلك وأقام ثلاثة طوابق أخرى فوقها مما دعا نفس الطاعن الى أن يحرر محضرا ثالثا فى سنة 1957 برقم 97 لسنة 1957 - على ما أقر به الطاعن فى دفاعه - فلو أن الطاعن قد أشار فى محضريه الأولين، موضوع الاتهام، الى الثلاثة طوابق الأولى وأبلغ الجهات الادارية لعملت على وقفه عن اقامة الثلاثة طوابق الأخرى وبالتالى فليس ثمة تناقض فى أسباب الحكم المطعون فيه.
ومن حيث انه لما تقدم تكون المخالفة المنسوبة الى الطاعن ثابتة قبله ويكون الحكم المطعون فيه - اذ قضى بمساءلته عنها قد أصاب الحق فى قضائه بذلك.
ومن حيث ان المحكمة التأديبية قد قضت فى حكمها المذكور، بمجازاة الطاعن عن هذه المخالفة بخفض درجته الى الدرجة الخامسة بأول مربوطها.. وهذا الجزاء من أشد الجزاءات التى كانت توقع على الموظفين بالتطبيق لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 - الذى كان ساريا حينئذ - اذ أنه يسبق مباشرة جزاء الفصل - فضلا عن أنها قد قررت حرمانه من مرتبه مدة وقفه عن العمل اعتبارا من 5 من نوفمبر سنة 1957 الى 28 من يناير سنة 1958 بصفة نهائية.
ومن حيث ان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه ولئن كانت للسلطات التأديبية - ومن بينها المحاكم التأديبية - سلطة تقدير خطورة الذنب الادارى وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها فى ذلك. الا أن مناط مشروعية هذه السلطة، شأنها كشأن أية سلطة تقديرية أخرى، الا يشوب استعمالها غلو. ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة مع الهدف الذى تغياه القانون من التأديب وهذا الهدف هو بوجه عام تأمين سير المرافق العامة ولا يتحقق هذا التأمين اذا انطوى الجزاء على مفارقة صارخة. وعلى هذا الأساس يعتبر استعمال سلطة تقدير الجزاء فى هذه الصورة مشوبا بالغلو فيخرج التقدير من نطاق المشروعية الى نطاق عدم المشروعية ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة.. ولما كانت المخالفة التى ثبتت ضد الطاعن ليست يسيره نظرا لخطورة ما ترتب عليها الا أنه يبين من الاطلاع على مذكرة النيابة العامة المؤرخة فى 24 من نوفمبر سنة 1958 - والتى رأت فيها مجازاة الطاعن اداريا - ان هذه النيابة قد رأت ان ما اقترفه المذكور لا يعد تزويرا معاقبا عليه.. كما انه ليس فى تحقيقات النيابة العامة ولا فى تحقيقات النيابة الادارية ما يدل على اتصاله بالمالك أو تواطئه معه على أى وجه فضلا عن أن الطاعن عندما علم بأن المالك قد أقام ثلاثة طوابق أخرى فوق الثلاثة الأولى التى أقامها فى الفناء الداخلى للعمارة قد حرر ضده محضرا ثالثا هو المحضر رقم 97 لسنة 1957 وان كان تحرير هذا المحضر الأخير لا يمنع من مساءلة الطاعن عن اغفاله الاشارة الى الثلاثة طوابق الأولى فى محضريه رقمى 290 لسنة 1956، 37 لسنة 1957 - على ما سبق بيانه - الا أنه يكون مبررا لتخفيف الجزاء عن المخالفة التى ارتكبها.. وترى المحكمة لهذه الظروف مجتمعة الاكتفاء بمجازاة الطاعن بوقفه عن العمل بغير مرتب لمدة شهرين وتأييد الحكم المطعون فيه فى قضائه بحرمان الطاعن من مرتبه عن مدة وقفه عن العمل بصفة نهائية مع الزام الطاعن بمصروفات الطعنين جميعها لان ساحته لم تبرأ.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن بخفض درجته لى الدرجة الخامسة بأول مربوطها والاكتفاء بمجازاته بوقفه عن العمل لمدة شهرين بغير مرتب، وبتأييد الحكم المطعون فيه فيما عدا ذلك، والزمت الطاعن بالمصروفات.