مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 1283

(119)
جلسة 8 من مايو 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد شلبى يوسف وعادل عزيز وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 168 لسنة 9 القضائية

( أ ) قومسيون طبى - قضاء ادارى - قرار هيئة القومسيون الطبى العام بأن حالة المطعون عليه لا تتطلب السفر للعلاج بالخارج - تسبيبه تسبيبا فنيا دقيقا - ناحية فنية تستقل بتقديرها هيئة القومسيون الطبى العام - لا تمتد اليها رقابة محكمة القضاء الادارى.
(ب) دستور - حريات عامة - حرية التنقل - من الحقوق التى كفلها الدستور - نطاقها - يتحدد بالمجال الاقليمى للدولة - حرية سفر المواطن الى خارج الجمهورية - يخرج عن دائرة الحقوق التى كفلها الدستور - ترخص جهة الادارة فيها منحا أو منعا فى حدود القواعد واللوائح التنظيمية التى تضعها بمراعاة طابعى العمومية واللاتحكمية.
(جـ) قومسيون طبى - سفر للخارج - مهمة القومسيون الطبى فى شأن طلب السفر للعلاج بالخارج - لا تقتصر على مجرد التثبت من قيام المرض - تنطو على القول الفصل بأن المرض قائم بالفعل وأن علاجه مستعص فى ربوع البلاد وأن له على الراجح علاجا فى خارجها مأمولا فيه - أساس ذلك قرار مجلس الوزراء الصادر فى 6 من يونيه سنة 1956 وتعليمات وزارة الداخلية رقم 120 لسنة 1962 بقواعد سفر المواطنين الى الخارج.
(د) قومسيون طبى - قضاء ادارى - مناقشة تفاصيل تقرير القومسيون الطبى العام - غير جائز لمحكمة القضاء الادارى طالما أنه استخلص قراره استخلاصا سائغا مقبولا.
(هـ) سفر للخارج - سلطة تقديرية - الترخيص أو عدم الترخيص فى السفر الى خارج البلاد سواء أكان بقصد العلاج أو غيره - من الأمور المتروكة لتقدير الادارة حسبما تراه متفقا مع الصالح العام.
1 - اذا كان الثابت من الأوراق حقا أن المدعى مريض بخلع الكتفين ويعانى من حالة صرع تشتد وتزيد، حسبما جاء بحق فى أسباب الحكم المطعون فيه فانه لم يثبت بالأوراق أن حالة المريض تتطلب علاجا سريعا فى الخارج عسى أن يشفيه. وهذا هو ما أخطأ فى استخلاصه من الأوراق الحكم المطعون فيه بعد اذ ثبت على نحو ما تقدم أن القومسيون الطبى العام واللجنة الطبية المختصة فيه قطعت برأيها لأكثر من أربع مرات، وبعد أن أشركت معها فى الفحص بعض السادة من الأطباء المتخصصين فى مستشفيات هامة أخرى، قطعت بأن حالة المطعون عليه لا تتطلب السفر للعلاج بالخارج. وقد جاء قرارها المطعون فيه مسببا تسبيبا فنيا دقيقا. وتلك ناحية فنية تستقل بتقديرها الجهة الادارية المختصة، وهى هيئة القومسيون الطبى العام بلا معقب عليها ولا تمتد اليها رقابة محكمة القضاء الادارى. فان هى فعلت ذلك فان حكمها المطعون فيه يكون قد خالف القانون.
2 - ان الحكم المطعون فيه قد جانبه الصواب أيضا فيما ذهب اليه من تأويل لبعض الحقوق والحريات العامة التى كفلها الدستور. فجاء فى أسبابه "أن حق الأفراد فى السفر من الحقوق المتعلقة بالحريات العامة التى كفلها الدستور، فلا يجوز تقييدها ومصادرتها الا فى الحدود التى رسمها القانون والقواعد التنظيمية العامة التى تقررها الدولة فى حدود هذه القوانين، وان كانت قد صدرت بعض هذه القواعد التى تنظم السفر الى الخارج الا أنه يبين منها أنها لم تمنع السفر للعلاج، فكان ذلك تسليما بحق الأفراد فى الحياة وحقهم فى العلاج فى الخارج ما داموا قادرين عليه".
صحيح أن الحرية الفردية هى الحق فى عمل كل ما من شأنه ألا يضر بحقوق الآخرين، ومباشرة الحقوق الطبيعية لكل فرد ليس لها من حدود الا تلك التى تكفل تمتع أفراد الجماعة الآخرين بنفس هذه الحقوق، انما يجب ألا تقرر حدود الحقوق الطبيعية الا بالقانون. ولكن الحرية ليست مطلقة بل هى مقيدة بعدم أضرار الشخص بغيره، ولهذا وجب تنظيمها على نحو يكفل منع الاسراف فيها أو اساءة استعمالها. وكل ما فى أمر هذه القيود أن تكون الحدود التى يقتضيها هذا التنظيم عامة، وليست تحكمية. ومعنى عموميتها هذه أن توضع القيود للجميع بناء على قوانين أو لوائح تنتظم كل الأفراد دون تفريق أو تمييز، وبذلك تحدد حرية الفرد للابقاء عليها، وتقيد لتصان من العبث والفوضى. وبغير ذلك لا يستقيم حال الشعب، ويصير اطلاق الحرية معول هدم لها. فى ذلك خطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: (أيها الناس، لا تكونو مثل قوم كانوا فى سفينة وأقبل أحدهم موضوعه بخرقه، فنظر اليه أصحابه فمنعوه. فقال. هو موضعى ولى أن أحكم فيه، فان أخذوا على يده سلم وسلموا، وان تركوه هلك وهلكوا أيضا معه) على أن هذا التنظيم الذى يرد على الحرية الفردية قد يتخذ صبغة وقائية بمعنى أنه لا يصح للفرد استعمال حريته الا بعد اذن خاص من الدولة مثل الترخيص بالسفر الى خارج البلاد (قيد وارد على الحرية الشخصية فى الذهاب والاياب والسفر) وقد يأخذ تنظيم الحرية الفردية صبغة علاجية أو جزائية فى صورة عقوبات أو جزاءات (جنائية أو مدنية) على الاسراف فى الحريات الفردية اسرافا تترتب عليه أضرار بمصالح الدولة أو بالأفراد الآخرين من أبناء الشعب. والدستير الديمقراطية ترسى قواعد الحرية وأصولها وتترك للقوانين العادية من تشريعات ولوائح التنظيمات أو الحدود الضرورية لهذه الحرية تفاديا لحظر اطلاقها وخشية انطلاقها.
وقد كثرت فى دستور سنة 1923 الملغى النصوص التى ناطت بالتشريع العادى مهمة تنظيم الحرية وتحديدها وقد أدى استغلال هذه الرخصة فى الواقع من الأمر إلى المساس بأصل الحق، وتضييق الخناق عليه. ولذلك حرص الدستور الجمهورى الصادر فى يناير سنة 1956 والمعمول به من يونيو سنة 1956 على الحد من تلك الرخصة. فأرسى قواعد الحقوق والواجبات العامة فى الباب الثالث منه ونص فى المادة (31) منه على: (المصريون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة). وتقضى المادة (39) منه بأنه (لا يجوز أن تحظر على مصرى الاقامة فى جهته، ولا يلزم الاقامة فى مكان معين، الا فى الأحوال المبينة فى القانون). وجاء فى المادة (13) فقرة أولى من وثيقة الاعلان العالمى لحقوق الانسان أن (لكل فرد حرية التنقل واختيار محل اقامته داخل الدولة). فالدستور كفل للمواطن حرية التنقل ذهابا وايابا داخل أقاليم الجمهورية العربية المتحدة. ويتحدد نطاق هذا الحق الدستورى بالمجال الاقليمى للدولة، وهو الحد الطبيعى لمباشرة الدولة لسلطاتها الدستورية على الأفراد المقيمين فيها، وفى هذه الدائرة يباشر الأفراد حقوقهم وواجباتهم العامة التى يحميها الدستور. وبذلك تخرج حرية سفر المواطن الى خارج أقاليم هذه الجمهورية عن دائرة الحقوق التى كلفها الدستور، وتبقى خاضعة لترخيص جهة الادارة منحا أو منعا فى حدود القواعد واللوائح التنظيمية التى تضعها مراعية فيها طابعى (العمومية، واللاتحكمية) ثم على جهة الادارة أن تلتزم أحكام قواعدها التنظيمية هذه.
3 - أن مفاد القواعد والأحكام التى وافق عليها مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة فى 6 من يونية سنة 1956 وتعليمات وزارة الداخلية رقم 120 لسنة 1962 بقواعد سفر المواطنين الى الخارج أن سياسة الحكومة تهدف الى تنظيم السفر الى الخارج حرصا على "قوى البلاد الانتاجية" و"نشر الرخاء فى ربوع الوطن العزيز (وتوطيد أمن البلاد فى الداخل والخارج) والحرص فى انفاق حصيلة البلاد من النقد الأجنبى". وتحقيقا لهذه الأهداف القومية العليا رأت الحكومة فى شأن طائفة الراغبين من المواطنين فى السفر لغرض العلاج، رأت - وحسنا ما فعلت - عرض حالاتهم على هيئة القومسيون الطبى العام، وهو الجهاز الادارى الرسمى المختص، لتقرير الحالة المرضية فى كل مرة لكل طالب وهو يمكن علاج الحالة داخل البلاد، وهل لا مناص من السفر لتحقق العلاج، أم أن الحالة المرضية مما لا يجدى فيها سفر أو بقاء وعندئذ يتعين رفض الترخيص بسفر لن يبرئ من علة أو يشفى سقما، فمهمة القومسيون الطبى العام فى هذا الشأن، وحسبما حددتها له اللوائح والقوانين، لا تقتصر، حسبما ذهب خطأ الحكم المطعون فيه، على مجرد التثبت من قيام المرض فى حالة طلب الترخيص بالسفر، بل أكثر من ذلك وأهم، مهمته تنطوى على القول الفصل بأن المرض قائم بالفعل، وأن علاجه مستعص فى ربوع هذه البلاد، وأن له على الراجح علاجا فى خارجها ان لم يكون مؤكدا فلا أقل من أن يكون مأمولا فيه. أن لجان القومسيون الطبى العام تختص وحدها بتقدير حالات السفر الى الخارج للعلاج، وهذه اللجان تضم ولا شك نخبة ممتازة من أطبائنا كل فى فرع تخصصه، وهى الجهة الوحيدة القادرة على تقدير مدى حاجة المريض الى السفر للخارج من عدمه.
4 - ما كان يجوز للحكم المطعون فيه أن يناقش تفاصيل تقرير القومسيون الطبى العام طالما أنه استخلص قراره استخلاصا سائغا مقبولا مما هو ثابت من وقائع الحالة المعروضة عليه.
5 - ان الترخيص أو عدم الترخيص فى السفر الى خارج البلاد، سواء أكان بقصد العلاج أو غيره لهو من الأمور المتروكة لتقدير الادارة حسبما تراه هى متفقا مع الصالح العام.


اجراءات الطعن

فى 26 من يناير سنة 1966 أودع السيد محامى الحكومة سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (168) لسنة 9 القضائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى - هيئة منازعات الافراد والهيئات - بجلسة 27 من نوفمبر سنة 1962 فى الدعوى رقم (262) لسنة 15 القضائية المقامة من أديب غالى متى ضد، (1) وزير الصحة. (2) مدير عام القومسيونات. (3) وزير الداخلية. (4) مدير ادارة الجوازات، والذى قضى (بالغاء القرار الادارى الصادر من ادارة الجوازات بوزارة الداخلية بعدم التصريح للمدعى بالسفر الى الخارج للعلاج، وألزمت الحكومة المصروفات ومقابل الاتعاب). وطلب السيد محامى الحكومة للأسباب التى أسند اليها فى تقرير طعنه (قبول هذا الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى والزام المطعون عليه المصروفات ومقابل الأتعاب) وقد أعلن هذا الطعن الى المطعون عليه فى 11 من فبراير سنة 1963 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 26 من ديسمبر سنة 1964 حيث حضر المطعون عليه شخصيا وبصحبته محاميه وقدم حافظة بمستنداته وطلب رفض الطعن، كما حضر عن الحكومة محاميها وطلب الاحالة. ثم قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا للمرافعة بجلسة 27 من مارس سنة 1965 وفيها قال الحاضر عن المطعون عليه أن هذا الاخير سافر الى الخارج مرتين للعلاج، وقد نصحه أحد الاطباء الايطاليين بالعودة الى ايطاليا مرة أخرى لاجراء العملية وقالت الحكومة أن المطعون عليه يستطيع علاج حالته بالقاهرة ولا داعى للسفر الى الخارج ذلك ما قرره الاطباء الرسميون الذين بحثوا حالته. وانتهت الحكومة الى طلب الغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى. ثم قررت المحكمة ارجاء النطق بالحكم الى جلسة اليوم ورخصت فى تقديم مذكرات ومستندات لمن يشاء الى ما قبل الجلسة بأسبوعين - فأودعت الحكومة فى 29 من ابريل مذكرة تأييدا لتقرير طعنها، وقدم المطعون عليه فى ذات التاريخ حافظة بها شهادة صادرة من مستشفى بايطاليا تثبت دخول المطعون عليه فيها للعلاج مؤرخة 12/ 9/ 1956 وشهادتان أخريان من أطباء لاثبات أنه لا يزال مريضا، ومع الحافظة مذكرة موجزة تفيد طلب الحكم بتأييد الحكم المطعون فيه ورفض طعن الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 262 لسنة 15 القضائية أمام محكمة القضاء الادارى - هيئة منازعات الأفراد والهيئات - ضد السيد وزير الصحة، ومدير عام القومسيونات الطبية بالقاهرة، ووزير الداخلية، ومدير ادارة الجوازات بصحيفة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة فى 21 من ديسمبر سنة 1960 طلب فيها الحكم بالغاء القرار الادارى الصادر فى 25 من أكتوبر سنة 1960 برفض التصريح له بالسفر الى الخارج للعلاج، مع الزام المدعى عليهم بصفتهم بالمصاريف ومقابل الأتعاب. وقال المطعون عليه شرحا لدعواه أنه أصيب بمرض الصرع وخلع متكرر بالكتفين، الامر الذى تقدم بسببه فى 23 من أكتوبر سنة 1960 الى السيد مدير عام القومسيونات الطبية لتوقيع الكشف الطبى عليه، والتصريح له بالسفر الى الخارج للعلاج من هذه الأمراض، وذلك حسبما أشار عليه الاطباء الاخصائيين بالقاهرة. وكان المطعون عليه قد سبق توقيع الكشف الطبى عليه عام 1955 وتقرر له السفر الى ألمانيا الغربية وايطاليا فسافر فعلا وأجريت له عملية جراحية فى (بولينا) فى كتفه الايسر، وفى عام 1956 صرح له بالسفر ثانية بناء على توصيات الاطباء الاخصائيين لخلع المسمار الطبى الموضوع له فى الكتف الايسر للمطعون عليه واجراء عملية بالكتف الايمن، وقد سافر الى الخارج، ولكن الاخصائيين أشاروا عليه بأن يؤجل اجراء العملية التى كانت ستجرى له وقتئذ. ويضيف المطعون عليه قائلا ان السيد مدير عام القومسيونات الطبية بعد أن أوقع الكشف الطبى عليه فى 23/ 10/ 1960، أصدر قراره فى 25/ 10/ 1960 برفض التصريح له بالسفر الى الخارج رغم توصيات الاطباء الاخصائيين بالقاهرة بضرورة سفره الى الخارج للعلاج، ويقول المطعون عليه أن هذا القرار صدر مشوبا بعيب اساءة استعمال السلطة الأمر الذى يوجب الغاءه. وفى 18/ 10/ 1961 أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه جاء فيها أنه ثابت بالمستندات (1، 3، 4) فى حافظة الحكومة المقدمة فى 27 من سبتمبر سنة 1961 بان ادارة القومسيونات الطبية قد سمحت فى عام 1956 بسفره الى الخارج للعلاج من مرض الصرع الذى يعانيه، ومن مرض الخلع المتكرر بالكتفين وان ما تنعاه ادارة القومسيون على المطعون عليه من أنه سافر الى الخارج فى عام 1956 ولم يباشر علاج نفسه مردود عليه بانه قد سافر فعلا لكى يتم علاجه ولكن الطبيب المعالج رأى أن حالته الصحية كانت متعبة خاصة وأن المدعى أجرى عملية فى عام 1955 بالخارج بالكتف الايسر، وهو وضع مسمار بهذا الكتف. وأضاف المطعون عليه قائلا ان قرارات القومسيون الطبى متناقضة، وذلك حسبما هو ثابت بالمستندين رقمى 9، 10 من حافظة الحكومة المقدمة فى 27/ 9/ 1961 من أن القومسيون قد قرر بأن الكتف الأيمن لا يوجد به أثر التئام جراحى، وحركاته طبيعية، وهذا يخالف الثابت فى قرارات القومسيون الطبى من أن المدعى يعانى من مرض استرخاء مفصلى بالكتف الأيمن (مستند رقم 3) ثم ذكر المطعون عليه أنه من المحتم على المريض بمرض خلع الكتف أن تجرى له عملية وضع مسمار بالكتف لاعادته الى وضعه الطبيعى. وانه ثابت من قرارات القومسيون الطبى، ومن الشهادات المقدمة من المدعى بانه يعانى من مرض الصرع، وقد سمح له عندما صرح له بالسفر عام 1955 بان يعالج نفسه من هذا المرض، ويقول المطعون عليه أن النقود التى صرح له بتحويلها للخارج لم تكف عملية وضع المسمار فى كتفه واجراء التحاليل المطلوبة. وتساءل عن السبب الذى من أجله رفضت ادارة القومسيونات الطبية طلب سفره الى الخارج - مع أنها صرحت له بالسفر فى سنتى (1955 - 1956) وقال هل استجد من الأطباء بعد عام 1956 من تخصص فى علاج مرض الصرع وخلع الكتفين. واذا كان هنالك أطباء أخصائيون فلم لم تتذكر ادارة القومسيون الطبى القرار الذى صدر للسيد أبو رجيلة بالتصريح له بالسفر الى الخارج لوضع مسمار بمفصل قدمه، وهى حالة تشابه تماما حالة المطعون عليه ونشرت على صفحات الجرائد. وأضاف صاحب الدعوى أن سلوكه لا شائبة فيه الامر الذى لا يخشى منه عند ما يصرح له بالسفر الى خارج البلاد وصمم على طلباته الواردة فى صحيفة دعواه.
وفى 29 من أكتوبر سنة 1961 تقدمت الجهة الادارية بمذكرة بدفاعها جاء فيها أن المدعى - المطعون عليه تقدم فى أول أغسطس سنة 1956 للجنة الطبية المختصة بالقومسيون الطبى العام للتصريح له بالسفر الى الخارج وأنه يشكو من صرع منذ 21 سنة فتقرر سفره للعلاج فى الخارج، ولاجراء عملية رد خلع بالكتف الايمن. وفى 27 من أبريل سنة 1958 تقدم المدعى للجنة الطبية المذكورة طالبا السفر الى الخارج للعلاج من الصرع. وبالكشف عليه اتضح أنه عاد من الخارج دون اجراء العملية التى سافر من أجلها عام 1956 وقد قررت اللجنة أن حالته الصحية لا تتطلب السفر للعلاج بالخارج.
وفى 28 من سبتمبر سنة 1958 تقدم المدعى مرة أخرى للجنة السالفة الذكر طالبا السفر لنفس السبب المذكور، وبعد أن أطلعت اللجنة على تذاكر العلاج المقدمة منه، ومنها تذكرة الدكتور يوسف برادة سنة 1958 اتضح منها أن الجهاز العصبى سليم وأنه عولج للصرع فقررت اللجنة أن حالته الصحية لا تتطلب السفر للعلاج بالخارج وفى 19/ 6/ 1960 عاد المدعى وتقدم للجنة الطبية طالبا السفر الى ايطاليا لرفع المسمار الجراحى من الكتف الايسر، واجراء عملية تثبيت الكتف الايمن لتكرار الخلع به، وقد وقع الكشف الطبى عليه بواسطة اللجنة باشتراك الدكتور لطيف حكيم اخصائى جراحة العظام بمستشفى المنيرة وقد أورد الدكتور المذكور ان عملية رفع المسمار الجراحى من الكتف الايسر، ولو أنه لا داعى لاجرائها الا أنه يمكن اجراؤها فى داخل هذه الجمهورية، كما انه يمكن اجراء عملية منع تكرار الخلع بالكتف الايمن محليا على كل حال، ولذلك تقرر ان حالته لا تتطلب السفر للعلاج بالخارج وفى وفى 25 أكتوبر سنة 1960 تقدم المدعى للجنة مرة أخرى طالبا السفر للعلاج بالخارج فى ايطاليا عند الجراح الذى سبق أن أجرى له عملية الكتف الايسر سنة 1955 وذلك لرفع المسمار الجراحى واجراء عملية لتثبيت الكتف الايمن، وهى ذات الاسباب التى تقدم بها فى 19/ 6/ 1960 وتقرر ان حالته لا تستدعى السفر للعلاج بالخارج، ومع ذلك فقد قامت اللجنة بتوقيع الكشف عليه بالاشتراك مع الدكتور عز الدين موسى - اخصائى جراحة العظام بمستشفى أحمد ماهر، وتقرر أن حالته لا تتطلب السفر للعلاج بالخارج، كل هذا، وقد اتضح تقرير الأشعة المؤرخ فى 3/ 3/ 1954 أنه لا توجد تغيرات غير طبيعية بالجمجمة كما أن الرسم الكهربائى للمخ المؤرخ 7/ 9/ 1958 والمقدم من المدعى يفيد وجود تغييرات كهربائية غير طبيعية (صرعية) وقالت الحكومة أنه يبين من كل ما سلف أن اللجنة الطبية بالقومسيون الطبى العام كانت حريصة على أن يكون تقريرها لحالة المدعى بعيدا عن كل مظنه. وأنه رغم ان قرارها نهائى، ولا يلزمها القانون الاستعانة بأى من الاخصائيين من غير أعضائها الا أنها رأت نظرا لتكرار تقدم المدعى اليها بطلب التصريح له بالسفر للعلاج بالخارج، أن تستعين بكبار الاخصائيين فى جراحة العظام فاشركت معها فى 19/ 6/ 1960 السيد الدكتور لطيف حكيم اخصائى جراحة العظام بمستشفى المنيرة الذى اورى ان جراحة رفع المسمار الجراحى من الكتف الأيسر، وكذلك جراحة تثبيت الكتف الأيمن هما من الجراحات التى يمكن اجراؤها داخل هذه البلاد. كما أشركت معها فى 15/ 10/ 1960 السيد الدكتور عز الدين موسى اخصائى العظام بمستشفى أحمد ماهر فجاء قراره مطابقا لقرار سابقه، ولذلك تقرر ان حالة المدعى لا تتطلب السفر للعلاج بالخارج. هذا الى انه وقد ثبت من مذكرة الدكتور يوسف برادة اخصائى الامراض العصبية المعالج للمدعى أن المذكور عولج لديه للصرع، وان الجهاز العصبى المركزى سليم ما يؤيد قول الحكومة بان قرار اللجنة المطعون فيه قد صدر سليما وغير مشوب باساءة استعمال السلطة، بل على العكس من ذلك فان اللجنة كانت فيه حريصة كل الحرص على توفير كافة الضمانات للمدعى باشراك اثنين من كبار الاخصائيين فى جراحة العظام معها فى بحث حالة المدعى، ولكل ما سبق يكون القرار المطعون فيه قائما على سببه المستمد من اصول ثابتة فى الاوراق، وصدر ممن يملك اصداره وفقا لاحكام القانون وتكون دعوى المدعى متعينة الرفض - ثم قدم السيد مفوض الدولة أمام محكمة القضاء الادارى تقريره بالراى القانونى الذى انتهى فيه الى طلب رفض الدعوى مع الزام رافعها المصروفات تأسيسا على أن رقابة المحكمة على قرار القومسيون الطبى العام، فى شأن تقرير حالة راغبى السفر الى الخارج لغرض العلاج. انما هى رقابة قانونية لا تمتد الى تقدير حالة المدعى المرضية ومن ثم تكون دعوى المدعى واجبة الرفض.
وبجلسة 27 من نوفمبر سنة 1962 حكمت محكمة القضاء الادارى - هيئة منازعات الأفراد والهيئات - بالغاء القرار الادارى الصادر من ادارة الجوازات بوزارة الداخلية بعدم التصريح للمدعى بالسفر الى الخارج للعلاج، وألزمت الحكومة المصروفات ومقابل الأتعاب - وأقامت قضاءها هذا على أن المدعى يعانى منذ زمن طويل من مرض الصرع، ومن خلع فى كتفه، وبعد علاج طويل لم يثمر سافر الى الخارج للعلاج فى سنة 1955 بناء على مشورة أطبائه المعالجين له، وأجريت له عملية جراحية فى ايطاليا بكتفه الأيسر وذلك بوضع مسمار فيها. وفى عام 1956 طلب السفر الى الخارج لاتمام علاجه فيما عرض على القومسيون الطبى العام فقرر أن حالته الصحية تتطلب السفر للعلاج فى الخارج وكان ذلك بجلسة أول أغسطس سنة 1956 وورد فى أوراق هذه الجلسة ما يفيد أن المدعى قدم تذاكر علاج من أخصائيين فى الأمراض العصبية منذ عام 1950 تفيد علاج الصرع، وأنه يشكو من وجود خلع مزدوج بالكتفين، وقرر أنهم رغبوا فى اجراء عملية للكتف الأيمن ولكنه كان فى "جبس" فلم يتيسر اجراؤها وأثبت الفحص الطبى وجود أثر التئام لتداخل جراحى لخلع بالكتف اليسرى من الأمام واسترخاء بمفصل الكتف الأيمن، وتصرح للمدعى بالسفر الى الخارج على أساس هذا التقرير الطبى وسافر المدعى فعلا، ولكنه لم يتمكن من اتمام علاجه لسوء حالته الصحية.. وبعد أن استعرض الحكم المطعون فيه الوقائع التى سلفت الاشارة اليها، التى استخلصها من أوراق الدعوى، قرر فى أسبابه أن حق الأفراد فى السفر الى الخارج هو من الحقوق المتعلقة بالحريات العامة التى كفلها الدستور، ولا يجوز تغييرها ومصادرتها الا فى الحدود التى رسمتها القوانين والقواعد التنظيمية العامة التى تقررها الدولة فى حدود هذه القوانين. ولئن كانت قد صدرت بعض هذه القواعد التى تنظم السفر الى الخارج الا أنه يبين منها أنها لم تمنع السفر للعلاج. وأنه اذا أصدرت جهة الادارة بعد ذلك تعليمات من مقتضاها التثبت من مرض طالبى السفر للعلاج، ورأت عرضهم على القومسيون الطبى العام لهذا الغرض فانه يجب ان يراعى فى هذه التعليمات أنها واردة على حقوق عامة فلا يتوسع فيها. وأنه لما كانت هذه الحالة المرضية للمدعى ثابتة من الأوراق بدليل أن القومسيون الطبى العام أثبتها، وأثبت أنها تستدعى السفر للعلاج بالخارج فى سنة 1956 حيث تصرح له بالسفر فعلا فى ذلك العام، وأنه متى ثبت ذلك فانه لا يسوغ للقومسيون الطبى العام أن يقرر أن هذه الأمراض بذاتها لا تستدعى السفر للخارج، وانه وان كان قراره بالنسبة لحالة الخلع بالكتفين قائما على أساس أن يمكن خلع المسمار وتثبيت الكتف الأيمن بجراحات تجرى بنجاح فى الجمهورية الا أن قراره بالنسبة لحالة الصرع لا يخرج عن فرضين:
الأول: أنه يمكن علاج حالة الصرع فى الداخل، وهذا فرض مستحيل لأن الثابت من الأوراق أن علاجه الطويل، والكشوف الطبية المختلفة قد قطعت بأن الحالة تزداد سوءا على التفصيل السابق فى الوقائع.
والثانى: أن حالة المدعى أصبحت مستعصية، ولا يفيد فيها العلاج، لا فى الداخل ولا فى الخارج، وهو المستفاد من شهادة الاخصائيين الذين استعان بهم القومسيون الطبى فى سنتى 1959، 1960 وعندئذ يكون قرار القومسيون قد جانبه الصواب لانه ليس من مهمته اغلاق ابواب الأمل فى الشفاء، واهدار آدمية المريض ما دام قادرا على علاج نفسه فى الخارج. وهكذا أنتهت محكمة القضاء الادارى الى أن القرار المطعون فيه قد صدر مخالفا للقانون وتعين القضاء بالغائه.
ومن حيث أن طعن الحكومة يقوم على أن:
(1) مذكرة وزارة الداخلية التى أقرها مجلس الوزراء فى 6/ 6/ 1956 تشترط لسفر المواطن للعلاج بالخارج موافقة القومسيون الطبى العام. دليل ذلك أنها تضمنت عدم جواز تحويل أية مبالغ على ذمة العلاج بالخارج الا بعد الحصول على موافقة القومسيون الطبى العام.
(2) العبرة من القيد المتقدم ليس هو التأكد من مرض طالب السفر فحسب بل استحالة وجود العلاج له داخل هذه الجمهورية.
(3) أن الهدف من ذلك هو توفير النقد الأجنبى لصالح الأنتاج، وهو يعتبر من مصالح الدولة العليا والتى هى أسمى من مصالح الأفراد وأولى بالرعاية فى ظل النظام الاشتراكى.
(4) أن ما ذهب اليه الحكم المطعون فيه من أن تقرير القومسيون الطبى لا يخرج عن أحد فرضين لا ثالث لهما، انما هو فى الواقع من الأمر استخلاص غير سائغ، فقد أثبت الحكم، وهو يستعرض وقائع الدعوى أن الدكتور منير وهبه أخصائى الأمراض العصبية الذى ناظر الحالة، وفحص الرسومات قال ان مثل هذه الحالة الصرعية المنتشرة لا تصلح لاجراء جراحة، حيث انه لا يمكن تحديد البؤرة، وانه بالاتصال بالدكتور يحيى طاهر بعيادته فى 23/ 4/ 1959 أفاد بأنه لا يوجد علاج جراحى لمثل هذه الحالة حيث ان الصرع منتشر وأنما يمكن علاج الحالة بالعقاقير الطبية - وان كان يصعب استيراد بعض هذه العقاقير آنذاك وبعرض الحالة على الدكتور جنينة وافق على رأى الأخصائيين بالقومسيون. ذلك هو ما أثبته الحكم المطعون فيه. فاذا كانت حالة المطعون عليه الصرعية، قد أثارت كل هذا الجدل فما كان يسوغ لمحكمة القضاء الادارى أن تجعل من نفسها هيئة فنية عليا فتفاضل بين الرأيين وترجع أحدهما على الآخر. وخلص تقرير طعن الحكومة الى أن قرار وزير الداخلية بعدم التصريح للمطعون عليه بالسفر بناء على رأى القومسيون الطبى العام، يكون قد صدر مطابقا لحكم القانون وطلبت الحكومة القضاء بالغاء الحكم المطعون فيه ويرفض الدعوى - ثم أودعت هيئة مفوضى الدولة لدى المحكمة الادارية العليا تقريرا برأيها القانونى فى هذا الطعن انتهت فيه الى ما تراه من الحكم بقبوله شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى مع الزام المطعون عليه المصروفات، لأن القرار الصادر بعدم الترخيص للمطعون عليه فى السفر الى خارج البلاد بناء على تقارير القومسيون الطبى العام قد بنى على أسباب صحيحة تبرره فلا مطعن عليه قانونا.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه جانبه الصواب فيما ذهبت اليه من أن:
"الثابت من الأوراق أن المدعى مريض بخلع الكتفين، ويعانى من حالة صرع تشتد وتزيد، وتتطلب علاجا سريعا فى الخارج عسى أن يشفيه". فقد بان لهذه المحكمة العليا من استقراء الاوراق ان المطعون عليه:
(1) كان قد تقدم للجنة الطبية بالقومسيون الطبى العام فى أول أغسطس سنة 1956 لتصريح له بالسفر الى الخارج للعلاج لأنه يشكو من مرض الصرع منذ تسعة عشر عاما، وبعد الكشف عليه طبيا أمام القومسيون تقرر سفره للخارج للعلاج من مرض هذا الصرع وكذلك لاجراء عملية رد خلع بالكتف الأيمن وبالفعل سافر المريض للخارج ولكنه عاد دون اجراء عملية رد الخلع التى كانت السبب فى التصريح له بالسفر الى الخارج لعلاجها. - المستند رقم 112 ملف ادارة الجوازات والجنسية قسم تأشيرات الخروج.
(2) ثم عاد المطعون عليه فتقدم ثانية فى 25/ 4/ 1958 الى اللجنة الطبية المذكورة طالبا السفر من جديد الى الخارج للعلاج من الصرع، وبالكشف عليه لدى القومسيون اتضح انه كان قد عاد من الخارج دون اجراء العملية التى سافر من أجلها سنة 1956 وصدر قرار القومسيون فى 27/ 4/ 1958 بأن (حالته الصحية لا تتطلب السفر للعلاج بالخارج) وجاء هذا القرار مسببا تسبيبا طبيا فنيا طويلا (مستند رقم (8) ملف 540 من ادارة الجوازات).
(3) بتاريخ 28 من سبتمبر سنة 1958 تقدم المطعون عليه للمرة الثالثة للجنة الطبية سالفة الذكر طالبا السفر للخارج لذات السبب المتقدم، وبعد ان فحصت.. اللجنة تذاكر العلاج المقدمة منه وجدت بينها تذكرة علاج من الدكتور يوسف برادة مؤرخة عام 1958 وفيها أن الجهاز العصبى للسيد أديب غالى متى - المطعون عليه - سليم وان المذكور يعالج للصرع، وبعد الكشف عليه أمام القومسيون تقرر (أن حالته الصحية لا تتطلب السفر للعلاج بالخارج) وجاء هذا القرار فى أعقاب تسبيب فنى طويل.
(4) وبتاريخ 15 من يونيه سنة 1960 تقدم المذكور بطلب رابع جديد الى اللجنة الطبية لتوافق على سفره للخارج لرفع المسمار الجراحى من كتفه الايسر واجراء عملية تثبيت الكتف الايمن لتكرار الخلع به، فأجرت اللجنة لطبية الكشف على طالب السفر بحضور الدكتور لطيف حكيم أخصائى جراحة العظام، وقد دعته اللجنة ليشترك معها فى الفحص زيادة من جانبها فى الحرص على تقصى الحقيقة الفنية، فكتب هذا الاخصائى فى طلب التقرير الرسمى ما يأتى: (أن عملية تكرار الخلع بالكتف الايمن يمكن اجراؤها بالجمهورية العربية المتحدة بنتائج جيدة، كما أن رفع المسمار - ولو أن لا داعى صحيا لرفعه - فانه يمكن اجراء ذلك محليا بهذه الجمهورية) وبناء عليه أصدرت اللجنة الطبية قرارها الرابع فى هذا الشأن وسببته طويلا ثم قررت (ان حالة الطالب الصحية لا تتطلب السفر للعلاج بالخارج). - مستند 32 من ملف الجوازات.
(5) ولكن المطعون عليه عاد للمرة الخامسة فقدم طلبا فى 23/ 10/ 1960 بالسفر للخارج للعلاج من مرض الصرع، ولتثبيت كتفه الايمن، ورفع المسمار الجراحى السابق وضعه بالكتف الايسر. فقامت اللجنة الطبية باجراء الكشف الطبى عليه واشركت معها طبيبا اخصائيا آخر هو الدكتور عز الدين موسى اخصائى العظام بمستشفى أحمد ماهر زيادة منه فى الاطمئنان، وتوفيرا للمريض من ضمان وانتهى هذا الطبيب الأخصائى مع اللجنة بأن حالة الطالب (لا تتطلب السفر للعلاج بالخارج) وجاء القرار مسببا تسبيبا فنيا طبيا دقيقا. وترتيبا على ذلك رفضت ادارة الجوازات طلبه، فرفع المطعون عليه الدعوى رقم 262 لسنة 15 القضائية يطلب الغاء القرار الصادر برفض التصريح له بالسفر للخارج للعلاج. فاذا كان الثابت من الاوراق حقا ان المدعى مريض بخلع الكتفين ويعانى من حالة صرع تشتد وتزيد، حسبما جاء بحق فى أسباب الحكم المطعون فيه فانه لم يثبت بالأوراق أن حالة المريض تتطلب علاجا سريعا فى الخارج عسى ان يشفيه. وهذا هو ما اخطأ فى استخلاصه من الأوراق الحكم المطعون فيه بعد ان ثبت على نحو ما تقدم ان القومسيون الطبى العام واللجنة الطبية المختصة قد قطعت برأيها فيه لأكثر من أربع مرات وبعد ان أشركت معها فى الفحص بعض السادة من الأطباء المتخصصين فى مستشفيات هامة اخرى، قطعت بأن حالة المطعون عليه لا تتطلب السفر للعلاج بالخارج. وقد جاء قرارها المطعون فيه مسببا تسبيبا فنيا دقيقا. وتلك ناحية فنية تستقل بتقديرها الجهة الادارية المختصة وهى هيئة القومسيون الطبى العام بلا معقب عليها ولا تمتد اليها رقابة محكمة القضاء الادارى. فان هى فعلت ذلك فان حكمها المطعون فيه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه قد جانبه الصواب أيضا فيما ذهب اليه من تأويل لبعض الحقوق والحريات العامة التى كفلها الدستور. فجاء فى أسبابه "ان حق الأفراد فى السفر من الحقوق المتعلقة بالحريات العامة التى كفلها الدستور، فلا يجوز تقييدها ومصادرتها الا فى الحدود التى رسمها القانون والقواعد التنظيمية العامة التى تقررها الدولة فى حدود هذه القوانين. وان كانت قد صدرت بعض هذه القواعد التى تنظم السفر الى الخارج الا انه يبين منها أنها لم تمنع السفر للعلاج فكان ذلك تسليما بحق الأفراد فى الحياة وحقهم فى العلاج فى الخارج ما داموا قادرين عليه" صحيح أن الحرية الفردية هى الحق فى عمل كل ما من شأنه الا يضر بحقوق الآخرين، ومباشرة الحقوق الطبيعية لكل فرد ليس لها من حدود الا تلك التى تكفل تمتع أفراد لجماعة الآخرين بنفس هذه الحقوق انما يجب الا تقرر حدود الحقوق الطبيعية الا بالقانون ولكن الحرية ليست مطلقة بل هى مقيدة بعدم اضرار الشخص بغيره، ولهذا وجب تنظيمها على نحو ما يكفل منع الاسراف فيها أو اساءة استعمالها. وكل ما فى أمر هذه القيود، أن تكون الحدود التى يقتضيها هذا التنظيم عامة، وليست تحكمية. ومعنى عموميتها هذه أن توضع القيود للجميع بناء على قوانين أو لوائح تنتظم كل الأفراد دون تفريق أو تمييز، وذلك تحدد حرية الفرد للابقاء عليها، وتقيد لتصان من العبث والفوضى. وبغير ذلك لا يستقيم حال الشعب، ويصير اطلاق الحرية معول هدم لها. فى ذلك خطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: (أيها الناس. لا تكونوا مثل قوم كانوا فى سفينة فأقبل أحدهم على موضعه يخرقه، فنظر اليه أصحابه فمنعوه. فقال. هو موضعى ولى أن أحكم فيه، فان أخذوا على يده سلم وسلموا، وان تركوه هلك وهلكوا أيضا معه) على أن هذا التنظيم الذى يرد على الحرية الفردية قد يتخذ صبغة وقائية بمعنى أنه لا يصح للفرد استعمال حريته الا بعد اذن خاص من الدولة مثل الترخيص بالسفر الى خارج البلاد (قيد وارد على الحرية الشخصية فى الذهاب والاياب والسفر) وقد يأخذ تنظيم الحرية الفردية صبغة علاجية أو جزائية فى صورة عقوبات أو جزاءات (جنائية أو مدنية) على الاسراف فى الحريات الفردية اسرافا تترتب عليه أضرار بمصالح الدولة أو بالأفراد الآخرين من أبناء الشعب. والدساتير الديمقراطية ترسى قواعد الحرية وأصولها وتترك للقوانين العادية من تشريعات ولوائح التنظيمات أو الحدود الضرورية لهذه الحرية تفاديا لحظر اطلاقها وخشية انطلاقها. وقد كثرت فى دستور سنة 1923 الملغى النصوص التى ناطت بالتشريع العادى مهمة تنظيم الحرية أو تحديدها وقد أدى استغلال هذه الرخصة فى الواقع من الأمر الى المساس بأصل الحق، وتضييق الخناق عليه، ولذلك حرص الدستور الجمهورى الصادر فى يناير سنة 1956 والمعمول به من يونيه سنة 1956 على الحد من تلك الرخصة. فأرسى قواعد الحقوق والواجبات العامة فى الباب الثالث منه ونص فى المادة 31 منه على: (المصريون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة لا تتميز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة). وتقضى المادة 39 منه بأنه (لا يجوز أن تحظر على مصرى الاقامة فى جهته ولا ان يلزم الاقامة فى مكان معين، الا فى الأحوال المبينة فى القانون). وجاء فى المادة 13 فقرة أولى من وثيقة الاعلان العالمى لحقوق الانسان أن (لكل فرد حرية التنقل واختيار محل اقامته داخل الدولة) فالدستور كفل للمواطن حرية التنقل ذهابا وايابا داخل أقاليم الجمهورية العربية المتحدة. ويتحدد نطاق هذا الحق الدستورى بالمجال الاقليمى للدولة، وهو الحد الطبيعى لمباشرة الدولة لسلطاتها الدستورية على الأفراد المقيمين فيها، وفى هذه الدائرة يباشر الأفراد حقوقهم وواجباتهم العامة التى يحميها الدستور. وبذلك تخرج حرية سفر المواطن الى خارج أقاليم هذه الجمهورية عن دائرة الحقوق التى كفلها الدستور، وتبقى خاضعه لترخص جهة الادارة منحا أو منعا فى حدود القواعد واللوائح التنظيمية التى تضعها مراعية فيها طابعى (العمومية، واللاتحكمية) ثم على جهة الادارة أن تلتزم أحكام قواعدها التنظيمية هذه. والثابت من استقراء أوراق هذا الطعن أن مجلس الوزراء قد وافق بجلسته المنعقدة فى 6 من يونيه سنة 1956 - اى قبل صدور القرار المطعون فيه فى الطعن الراهن - على مذكرة تقدم اليه بها السيد وزير الداخلية بشأن تنظيم السفر للخارج وجاء بهذه المذكرة ما يأتى: (تهدف سياسة الحكومة الى العناية بقوى البلاد الانتاجية، والعمل على تنميتها فقد سارت فى تنفيذ المشروعات الانتاجية المختلفة غير وانية بغية الوصول فى أقرب وقت الى هدفها الأكبر، وهو نشر الرخاء بين ربوع الوطن العزيز، هذا فضلا عما تعنى به من توطيد أمن البلاد فى الداخل والخارج. ولتحقيق هذه الغاية يقتضى الامر الحرص فى انفاق الاموال فى الخارج وتوفيرها لمواجهة تكاليف مشروعاتها المختلفة التى لها الصدارة فى التنفيذ ومن المشاهد انه كلما حل الصيف عمد كثير من الناس الى السفر الى الخارج والاصطياف فى ربوع المصايف الأجنبية ينفقون فيه أموالا غير قليلة تستهويهم فى ذلك وسائل الدعاية التى تتبعها بعض الدول والتسهيلات المختلفة التى تمنحها الى زائريها من السائحين حتى تجذبهم اليها لما فى ذلك من نفع يعود عليها من وراء ما ينفقون من نقد اجنبى فيها. لذلك وتنظيما لقواعد السفر والتحويلات الى الخارج يراعى ما يأتى:
(1) على المسافرين الى الخارج ان يتقدموا الى ادارة الجوازات للحصول على اجازة بالسفر، وذلك قبل أن يطلبوا تحويل أية مبلغ الى الخارج لمواجهة تكاليف رحلاتهم.
(2) على المصارف أن تجرى تحويل المبالغ المقررة للمسافرين لزيارة بلادهم فى الخارج الى البلاد التابعين اليها طبقا للتعليمات السارية للتحويل الى هذه البلاد.
(3) لا يجوز تحويل أية مبالغ على ذمة العلاج الا بعد الحصول على موافقة القومسيون الطبى العام.
(4) على المسافرين من رجال الأعمال أن يضمنوا طلباتهم البيانات الآتية:
( أ ) جنسية الطالب وصناعته.
(ب) الغرض من السفر ومدته.
(جـ) بيان عما اذا كان مقدم الطلب ممثلا لشركة أو بيت تجارى مع توضيح نشاط أعمال هذه الشركة أو البيت التجارى - هذا وتصدر أجازة فى الحالات الآتية:
(1) المسافرين من المقيمين الأجانب الى البلاد التابعين لها.
(2) المسافرين الى البلاد العربية.
(3) موظفى الدولة الذين يؤدون أعمال وظائفهم أو يندبون لمهام رسمية فى الخارج.
(4) أعضاء البعثات العلمية، والطلبة الذين يتلقون العلم فى الخارج، وكذلك الموظفين الذين يوفدون لمتابعة دراسات معينة فى الخارج، وذلك بترخيص من السلطات الحكومية المختصة.
(5) المسافرين الى الأقطار الحجازية لتأدية فريضة الحج، وكذلك المسافرين الى بيت المقدس للتقديس.
(6) من يندب بموافقة الحكومة لحضور المؤتمرات الدولية.
(7) موظفى جامعة الدول العربية، وأعضاء البعثات الدولية الموفدين فى مهام رسمية الى الخارج.
(8) المسافرين من الأفراد لتولى وظائفهم فى الخارج.
(9) المسافرين بغرض العلاج.
(10) المسافرين من رجال الأعمال.
ثم أصدرت بعد ذلك وزارة الداخلية التعليمات العامة رقم 120 لسنة 1962 - بقواعد سفر المواطنين الى الخارج وذلك فى 26/ 11/ 1962 وجاء فى البند 11 من هذه التعليمات العامة ما يتعلق بالسفر للعلاج. فقال هذا البند: يصرح به:
( أ ) بمقتضى قرار جمهورى.
(ب) أو بقرار من اللجنة الطبية بالقاهرة أو أحد فروعها (بالنقد).
(جـ) أو بقرار من السيد نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أو السيد وزير الحربية لأفراد القوات المسلحة (بدون نقد).
(د) يجوز الترخيص لسفر مرافق واحد فى الحالتين الأولى والثانية ويشترط أن يكون المرافق هو الطبيب المعالج أو الزوج المريض أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة من غير الفنيين. فاذا كان المرافق من الفنيين تعين أن يكون قريبا للمريض من الدرجة الأولى....".
ان مفاد هذه القواعد والأحكام أن سياسة الحكومة تهدف الى تنظيم السفر الى الخارج حرصا على "قوى البلاد الانتاجية" و"نشر الرخاء فى ربوع الوطن العزيز". و(توطيد أمن البلاد فى الداخل والخارج). "والحرص فى انفاق حصيلة البلاد من النقد الأجنبى". وتحقيقا لهذه الأهداف القومية العليا رأت الحكومة فى شأن طائفة الراغبين من المواطنين فى السفر لغرض العلاج، رأت، وحسنا ما فعلت، عرض حالاتهم على هيئة القومسيون الطبى العام، وهو الجهاز الادارى الرسمى المختص، لتقرير الحالة المرضية فى كل مرة لكل طالب، وهو يمكن علاج الحالة داخل البلاد، وهل لا مناص من السفر لتحقيق العلاج، أم ان الحالة المرضية مما لا يجدى فيها سفر أو بقاء، وعندئذ يتعين رفض الترخيص بسفر لن يبرئ من علة أو يشفى سقما، فمهمة القومسيون الطبى العام فى هذا الشأن، وحسبما حددتها اللوائح والقوانين، لا تقتصر، حسبما ذهب خطأ الحكم المطعون فيه، على مجرد التثبيت من قيام المرض فى حالة طالب الترخيص بالسفر، بل أكثر من ذلك وأهم، مهمته تنطوى على القول الفصل بأن المرض قائم بالفعل، وأن علاجه مستعص فى ربوع هذه البلاد، وان له على الراجح علاجا فى خارجها ان لم يكن مؤكدا فلا أقل من أن يكون مأمولا فيه. أن لجان القومسيون الطبى العام تختص وحدها بتقدير حالات السفر الى الخارج للعلاج، وهذه اللجان تضم ولا شك نخبة ممتازة من أطبائنا كل فى فرع تخصصه، وهى الجهة الوحيدة القادرة على تقدير مدى حاجة المريض الى السفر للخارج من عدمه. وثابت من الأوراق أن القومسيون الطبى العام بنى تقريره فى حالة المطعون عليه، بعد ان اشرك معه - زيادة من جانبه فى ادخال الطمأنينة على نفس المريض وحرصا على توفير اكبر قسط من الضمانات للطالب - بعض المتخصصين المتعمقين فى الأمراض العصبية، فأفاد الدكتور منير وهبه الذى ناظر الحالة وفحص الرسومات أن مثل حالة المطعون عليه الصرعية المنتشرة لا تصلح لاجراء جراحه. حيث انه لا يمكن تحديد البؤره السببية وكذلك أفاد الدكتور يحيى طاهر بأنه لا يوجد علاج جراحى لمثل هذه الحالة حيث ان الصرع منتشر، وانما يمكن علاج جراحى لمثل هذه الحالة بالعقاقير الطبية وان كان يصعب استيراد بعضها الآن ثم انه بعرض الحالة على الدكتور جنينة وافق على رأى الاخصائيين بالقومسيون. وكذلك أشرك القومسيون معه فى حالة جراحة العظام كلا من الدكتورين عز الدين موسى، ولطيف حكيم. فما كان يجوز للحكم المطعون فيه أن يناقش تفاصيل تقرير القومسيون الطبى العام طالما أنه استخلص قراره استخلاصا سائغا مقبولا مما هو ثابت من وقائع الحالة المعروضة عليه. والحق أن تاريخنا القديم والوسيط فى هذا المجال الفنى بالمشاركة البناءة فى الحضارة الانسانية التى وصلت فى كثير من الأحيان الى مركز الريادة ولقد أثبتت أبحاث العلماء والمؤرخين مدى الأصالة والقدرة التى توصل اليها قدماء المصريين فى وسائل تشخيص وعلاج الأمراض مما يعتبر بحق تقدما كبيرا بالنسبة لزمانهم. وبنماء الحضارة العربية وانتشارها احتل الطب العربى مكانته الخلاقة حتى أن رسالات العلماء العرب ظلت المرجع العالمى الأساسى لمدة أربعة قرون.
وبانتشار النهضة العلمية فى العصر الحديث بادرت مصر فى مجال الطب بالذات الى الأخذ بأساليبها فأنشئت أول مدرسة للطب فى أوائل القرن الماضى لتخريج الأطباء اللازمين طبقا للمستويات العلمية السائدة فى ذلك الوقت، وكان من نتائج هذه النهضة أن أصبح فى بلادنا فى العشرينيات من هذا القرن أطباء اكفاء على المستوى العالمى مثل المرحومين على ابراهيم، وعبد العزيز اسماعيل، والدكتورين نجيب محفوظ وسليمان عزمى.
ومع اطراد التقدم العلمى لم يتخلف الأطباء المصريون عن الأخذ بأسباب هذا التقدم، وتملك هذه الجمهورية اليوم ذخيرة وافرة من الأطباء الأكفاء فى أغلب فروع التخصص الحديث لا تقل كفاءتهم الفردية فى أغلب الأحيان عن المستوى العالمى. أن الطب المصرى جديد بالثقة فيه، والنزعه الشديدة فى طلب الترخيص بالسفر الى الخارج من أجل الاستشفاء وخاصة من أبناء هذه البلاد فيها اهدار لأقدارنا وتنزيل من حقيقة أمرنا، فضلا عما فيها من تخلف للدولة الاشتراكية المسرعة الخطى فى تقدمها نحو الأمام.
ومن حيث انه فضلا عما سلف فقد فات الحكم المطعون فيه، ما سبق أن قضت به هذه المحكمة العليا فى العديد من الطعون المماثلة من أن الترخيص أو عدم الترخيص فى السفر الى خارج البلاد، سواء أكان بقصد العلاج أو غيره لهو من الأمور المتروكة لتقدير الادارة حسبما تراه هى متفقا مع الصالح العام.
ولقد أقر المطعون عليه أن جهة الادارة لم تتوان فى الترخيص له بالسفر الى أوربا - ايطاليا والمانيا - للعلاج فى السنتين المتعاقبتين (1955، 1956) عندما قرر القومسيون الطبى العام أن حالته تحتاج الى السفر فمنحته جهة الادارة الترخيص اللازم فى كل مرة وسافر فعلا بقصد العلاج ولكن الذى يبدو من اقرار المطعون عليه ومن أقوال الأطباء فى الأوراق انه أضاع تلك الفرصة فى أوربا وفوت على نفسه انجاز علاجه فى أسرع وقت، وثبت فعلا انه لم يجر العملية الجراحية التى طلب الترخيص بالسفر خصيصا من أجلها. فلا تثريب على جهة الادارة التى سبق أن راعته أكثر من مرة، اذا هى رفضت الترخيص له بالسفر فى عام 1960 بعد اذ قدرت اللجنة الطبية المختصة أن حالته لا تتطلب سفره للعلاج، ولم يتغير هذا التقدير منذ عام 1958 الى سنة 1960 - والمطعون عليه يعلم أن مثل هذه الرحلات الى الخارج تقتضى أن تعد الدولة ومقدما ما تستلزمه كل سفره من نقد أجنبى وعملة صعبة ازدادت حاجة مرافق الدولة اليها فى وقت صارت هى فيه عزيزة المنال. ومنذ عام 1956 والتضامن الاجتماعى هو اساس المجتمع المصرى والدولة تعمل على أن تيسر للمواطنين جميعا مستوى لائقا من المعيشة أساسه تهيئة الغذاء والمسكن والخدمات الصحية. فليس ثمة شك بعد الذى تقدم، فى أن القرار المطعون فيه برفض الترخيص بالسفر الى الخارج للعلاج، قد صدر فى حدود أحكام اللوائح والقوانين نصا وروحا، مستهدفا تحقيق المصلحة العامة وحدها وفى أبرز وأجل صورها.
واذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهبا مغايرا حق عليه الالغاء.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، والزمت المدعى المصروفات.