أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
الجزء الأول - السنة 28 - صـ 936


جلسة 6 من أبريل سنة 1977

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ الدكتور عبد الرحمن عياد، ومحمد الباجورى؛ وصلاح نصار؛ وأحمد صلاح الدين وهدان.

(160)
الطعن رقم 555 لسنة 43 القضائية

(1) استئناف "الأحكام غير الجائز استئنافها". حكم.
الأحكام الصادرة أثناء سير الدعوى ولا تنتهى بها الخصومة كلها. عدم جواز الطعن فيها استقلالا. الاستثناء. حالاته. م 212 مرافعات.
(2) إيجار "إيجار الأماكن". استئناف. حكم.
استئناف الحكم الذى قضى بتخفيض الاجرة مع ندب خبير لتقدير الفروق المستحقة للمستأجر. القضاء بعدم جوازه. صحيح. لا يغير من ذلك استئناف الحكم الصادر برد الفروق وضم كلا الاستئنافين والفصل فيهما بحكم واحد.
(3) حكم "الطعن فى الحكم". استئناف. نظام عام.
قابلية الأحكام للطعن فيها من عدمه. تعلقه بالنظام العام.
(4) قانون "تفسير".
حكمة التشريع. عدم جواز اللجوء إليها مع صراحة النص.
(5) نقض "أسباب الطعن". نظام عام.
التمسك لأول مرة أمام محكمة النقض بالأسباب المتعلقة بالنظام العام. شرطه.
(6) إيجار "إيجار الأماكن". استئناف. حكم.
استئناف الحكم المنهى للخصومة. أثره. اعتبار الأحكام السابق صدورها فى القضية مستأنفة. شرطة. ألا تكون قد قبلت صراحة. وجوب قصر أثر الاستئناف بالنسبة لما رفع عنه فقط. مثال بشأن الحكم بتخفيض الأجرة والحكم برد الفروق.
(7، 8) إيجار "إيجار الأماكن". دعوى. أمر الأداء.
(7) طلب المستأجر استرداد فروق الأجرة المصاحب لطلب التخفيض. سبيل المطالبة به. الطريق العادى لرفع الدعوى دون سلوك طريق أمر الأداء. علة ذلك.
(8) دعوى المستأجر باسترداد ما دفع زائدا عن الأجرة القانونية. جواز رفعها تبعا لدعوى تخفيض الأجرة أو بدعوى مستقلة. جواز رفعها بعد انتهاء العلاقة الايجارية.
(9، 10) التزام. إيجار. ايجار الأماكن.
(9) المقاصة القضائية. شروطها. وجوب طلبها بدعوى أصلية أو بطلب عارض. لا يجوز طلبها لأول مرة فى الاستئناف. مثال فى إيجار.
(10) المقاصة القانونية. شروطها. وقوعها بقوة القانون. جواز التمسك بها لأول مرة فى الاستئناف. مثال فى إيجار.
1 - المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن مفاد المادة 212 من قانون المرافعات أن المشرع وضع قاعدة عامة مقتضاها أن الأحكام التى تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهى بها الخصومة كلها لا يجوز الطعن فيها إلا مع الحكم المنهى للخصومة، سواء كانت تلك الأحكام قطعية أم متعلقة بالإثبات، ولم يستثن من ذلك إلا الأحكام التى بينها بيان حصر وهى الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى والقابلة للتنفيذ الجبرى وإن رائده فى ذلك - على ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية - هو الرغبة فى منع تقطيع أوصال القضية الواحدة وتوزيعها بين مختلف المحاكم وما يترتب على ذلك أحيانا من تعويق الفصل فى موضوع الدعوى وما يستتبع ذلك حتما من زيادة نفقات التقاضى.
2 - إذ كان البين من الأوراق أن الدعوى أقيمت أمام محكمة أول درجة بطلب تحديد أجرة عين النزاع ورد الفروق المترتبة على هذا التحديد، وكان الحكم الصادر بتاريخ 30/ 1/ 1971 قد اقتصر على الشق الخاص بتحديد الأجرة دون الشق المتعلق برد الفروق التى ناط بتقديرها أحد الخبراء وكان هذا الحكم قطعيا غير مشمول بالنفاذ المعجل ويخرج عن نطاق الأحكام القابلة للتنفيذ الجبرى، وكان الحكم المنهى للخصومة لم يصدر إلا فى تاريخ لاحق، فإن الطعن فيه على استقلال يكون غير جائز وفقا لنص المادة 212 مرافعات لما كان ذلك وكان قرار المحكمة بضم الاستئنافين ليصدر فيهما حكم واحد ليس من شأنه أن يدمجهما فى استئناف واحد بحيث يفقد كل منهما استقلاله ولا يؤثر على مركز الخصوم فى كل منهما طالما أن الطلبات فى إحداهما ليست هى ذات الطلبات فى الآخر. فلا يجوز القول بأن قرار محكمة الاستئناف يضم الاستئنافين جعل للاستئناف المقضى بعدم جوازه جائزا بعد أن كان قبل قرار الضم غير جائز، وإذ ساير الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعى عليه بمخالفة القانون يكون على غير أساس.
3 - قابلية الأحكام للطعن فيها أو عدم قابليتها مسألة متعلقة بالنظام العام تقضى بها المحكمة من تلقاء نفسها.
4 - إذ كان نص المادة 212 مرافعات واضحا فلا يسوغ اللجوء فى تفسيره لحكمة التشريع، لأن هذه الحكمة لا يمكن تطبيقها باعتبارها ليست نصا يطبق، وإنما هى مجرد وسيلة يهتدى بها فى تفسير النص حال غموضه.
5 - إنه وإن كان يجوز التمسك أمام محكمة النقض لأول مرة بأى سبب من الأسباب القانونية المتعلقة بالنظام العام، إلا أنه لما كان ما أضافه الطاعن بالجلسة منصب على ما جاء بحكم محكمة أول درجة، وكان الحكم المطعون فيه لم يعرض لموضوع تخفيض الأجرة محل النعى، وإنما قضى بعدم جواز الاستئناف فإن النعى يكون واردا على غير محل.
6 - إذ كان مفاد المادتين 229/ 1، 232 من قانون المرافعات مرتبطتين أنه تعتبر مستأنفه مع استئناف الحكم المنهى للخصومة جميع الأحكام الصادرة قبله، غير أن ذلك مشروط بألا تكون هذه الأحكام قد قبلت ممن استأنفها صراحه وأن يقتصر نظر الاستئناف على الحدود التى يقررها الأثر الناقل للاستئناف، فلا يطرح على المحكمة الاستئنافية إلا ما رفع عنه الاستئناف فقط، ولا يجوز لها أن تتعرض للفصل فى أمر غير مطروح عليها. لما كان ذلك وكان البين من صحيفة الاستئناف أنها جاءت قاصرة على قضاء محكمة أول درجة الصادر بتاريخ 27/ 12/ 1971 فيما يتعلق برد فروق الأجرة، ولم تعرض على الاطلاق لموضوع تحديد الأجرة ولا لأوجه المنازعة المتعلقة به، وكان طلب الطاعن إيقاف الفصل فى هذا الاستئناف حتى يتم الفصل فى استئنافه الآخر عن حكم تحديد الأجرة لا يفيد تعرضا لهذا الموضوع الأخير، بل يعنى على العكس تسليمه باستقلال كل من الاستئنافين عن الآخر موضوعا وسببا، فإنه يمتنع بهذه المثابة على محكمة الاستئناف النظر فى موضوع تحديد الأجرة عند الفصل فى الاستئناف المقصور على فروق الإيجار.
7 - مفاد نص الفقرة الأولى من المادة 201 من قانون المرافعات، أنه يشترط لسلوك طريق استصدار أمر الآداء أن يكون الدين المطالب به مبلغا من النقود ثابتا بالكتابة ومعين المقدار حال الآداء، ومقتضى ذلك أن يكون الدين ثابتا بورقة عليها توقيع المدين، ويبين منها أو من أوراق أخرى موقع عليها منه أن الدين حال الأداء ومعين المقدار، فإن لم يكن الدين معين المقدار فى ورقة من هذا القبيل أو لم يكن ما يطالب به الدائن دينا من النقود معينا مقداره، فإن سبيل الدائن إلى المطالبة به يكون هو طريق العادى لرفع الدعاوى ولا يجوز له فى هذه الحالة أن يلجأ إلى طريق استصدار أمر الأداء، لأنه استثناء من القواعد العامة فى رفع الدعاوى لا يجوز التوسع فيه، ولا يكون طريقا إلزاميا عند المطالبة بالحق إبتداء، ولما كانت فروق الأجرة التى طالب بها المطعون عليه لم تثبت فى ورقة تحمل توقيع الطاعن ولم يتعين مقدارها أو تصبح حالة الأداء إلا عند صدور الحكم على ضوء تقرير اهل الخبرة بتخفيض أجرة شقة النزاع وكان البين من الأوراق أن مطلوب المطعون عليه بمدعاه لم يكن قاصرا على المطالبة بالفروق بل صاحب تحديد الأجرة، فإن استلزام اتباع طريق استصدار الأمر بالأداء بالنسبة للفروق يقوم على غير سند قانونى.
8 - لا تثريب على المدعى إن هو جمع فى دعوى واحدة بين طلبين يقوم أحدهما على الآخر ويعتبر نتيجة لازمة له، ولما كانت الدعوى بطلب استرداد ما دفع زائدا عن الأجرة القانونية مترتبة على طلب التخفيض فانه يجوز رفعها مستقلة بدعوى مبتدأة أو بالتبع لدعوى تخفيض الأجرة، كما يصح رفعها ولو بعد انتهاء العلاقة الايجارية.
9 - إذ كان البين من الأوراق أن هناك خلافا بين طرفى التداعى حول أجرة الجراج وأن الخبير المنتدب لم يعرض لها ولم يحدد قدرها تاركا الأمر للجنة تقدير القيمة الإيجارية المختصة، وكان الحكم الصادر بالتخفيض قد اكتفى بتحديد الأجرة القانونية لشقة النزاع دون الجاراج وكانت هذه الأجرة ليست معلومة المقدار ولا خالية من النزاع، فلا على الحكم إن هو ذهب فى خصوصها إلى أنه إزاء مقاصة قضائية لا يجوز إبداؤها إلا بدعوى أصلية أو يطلب عارض ولا تقبل إثارتها لأول مرة فى مرحلة الاستئناف.
10 - المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن المقاصة القانونية على ما تقضى به المادة 362 من القانون المدنى تستلزم فى الدين أن يكون خاليا من النزاع محققا لا شك فى ثبوته فى ذمة المدين، وأن يكون معلوم المقدار، ولا بد من اجتماع الشرطين اعتبارا بأن المقاصة تتضمن معنى الوفاء الاجبارى، لا يجبر المدين على دفع دين متنازع فيه أو غير معلوم مقداره، وكان التمسك بالمقاصة القانونية يصح إذا توافرت شرائطها فى أية حالة تكون عليها الدعوى، وكان دين الأجرة عن المدة من 1/ 6/ 1971 حتى آخر مارس سنة 1973 قد حدد بوجه نهائى بالحكم الصادر فى 30/ 1/ 1971 بعد أن قضى بعدم جواز استئنافه، وكان يتعين على محكمة الموضوع إذا ما ثبت أن المطعون عليه لم يوف بالأجرة أن توقع بالمقاصة القانونية وهو ما يصح التمسك به لأول مرة أمام محكمة الاستئناف وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر المقاصة قضائية فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 88 سنة 1968 مدنى أمام محكمة الجيزة الابتدائية بطلب الحكم بتخفيض أجرة الشقة المستأجرة إلى مبلغ 12 جنيها و423 مليما شهريا وبرد مبلغ 393 جنيه و733 مليم فروق أجرة سددت دون وجه حق فى الفترة من 1/ 9/ 1965 حتى يناير سنة 1968 وقال شرحا لها أنه استأجر من الطاعن الدور الأول من الفيلا الكائنة بشارع...... بموجب عقد مؤرخ 22/ 8/ 1965 بأجرة شهرية قدرها 25 جنيها، وإذ تبين له أن حقيقة الأجرة الاتفاقية طبقا لايصال صادر من الطاعن إلى مستأجر سابق فى شهر يناير سنة 1962 كانت مبلغ 22 جنيها و500 مليما شهريا تخفض طبقا للقوانين أرقام 168 سنة 1961 و169 سنة 1961، 7 سنة 1965 إلى مبلغ 12 جنيها و423 مليما فقد أقام دعواه. بتاريخ 15/ 4/ 1968 حكمت المحكمة بندب مكتب الخبراء لبيان تاريخ انشاء الشقة وإعدادها للسكنى وقيمتها الايجارية وقتئذ أو أجرة المثل مع تحديد أجرتها القانونية واحتساب ما قد يكون مستحقا للمطعون عليه من فروق. وبعد أن قدم الخبير تقريره عادت فحكمت فى 20/ 4/ 1970 باعادة المأمورية للخبير لبيان أجرة المثل لشقة النزاع فى شهر نوفمبر سنة 1961، ثم حكمت فى 30/ 1/ 1971 (أولا) بالعدول عن الحكم التمهيدى الصادر فى 20/ 4/ 1970 (ثانيا) باعتبار الأجرة القانونية لشقة النزاع فى تاريخ التعاقد مبلغ 12 جنيها و247 مليما بخلاف أجرة الجراج (ثالثا) باعادة المأمورية إلى الخبير لتقدير الفروق المستحقة للمطعون عليه فى ذمة الطاعن حتى تاريخ إيداع تقريره. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستناف رقم 1294 لسنة 88 ق القاهرة طالبا إلغاءه ورفض الدعوى - واستمرت المحكمة الابتدائية فى نظر الدعوى، وأثر تقديم الخبير تقريره حكمت فى 27/ 12/ 1972 بإلزام الطاعن بأن يؤدى للمطعون عليه مبلغ 833 ج و850 م قيمة الفروق المستحقة من أول أكتوبر سنة 1965 حتى أخر مارس سنة 1971 بخلاف أجرة الجراج. استأنف الطاعن هذا الحكم الأخير بالاستئناف رقم 562 لسنة 89 ق القاهرة طالبا الغاء والقضاء اصليا بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان واحتياطيا بوقف الدعوى حتى يفصل فى الاستئناف الأول. وبعدم ضم الاستئنافين حكمت بحكمة الاستئناف بتاريخ 29/ 3/ 1973 (أولا) فى الاستئناف رقم 1294 لسنة 88 ق بعدم جوازه، (ثانيا) فى الاستئناف رقم 562 لسنة 89 ق بتعديل الحكم المستأنف وقصر فروق الأجرة على مبلغ 615 جنيها و895 مليما طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم، وعرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة فرأته جديرا بالنظر وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بنى على خمسة أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفى بيان يقول إن الحكم أسس قضاءه بعدم جواز الاستئناف رقم 1294 لسنة 88 ق المرفوع من الطاعن عن حكم محكمة أول درجة الصادر بتاريخ 30/ 1/ 1971 والخاص بتحديد الاجرة استنادا إلى أن هذا الحكم صدر أثناء سير الدعوى ولم تنته به الخصومة أمامها، وأن الحكم المنهى للخصومة لم يصدر إلا بتاريخ 27/ 12/ 1971، وأنه بالتالى لا يجوز استئنافه على استقلال عملا بالمادة 212 من قانون المرافعات، فى حين أن الحكمة التى توخاها المشرع بهذا النص هى عدم تقطيع أوصال القضية وقد تحققت هذه الخشية بما قررته محكمة الاستئناف من ضم الاستئناف رقم 562 سنة 89 ق المرفوع عن الحكم الختامى إلى الاستئناف المقضى بعدم جوازه، فيكون قد تحقق جمع شمل القضية فى صعيد واحد وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون. وأضاف الطاعن بالجلسة أن حكم محكمة أول درجة المؤرخ 30/ 1/ 1971 اعتمد فى قضائه بتخفيض الأجرة على صورة فوتوغرافية لعقد إيجار وإيصال بالأجرة نسب صدوره من الطاعن لمستأجر سابق، وإذ صدر حكم نهائى بتاريخ 21/ 1/ 1975 فى الدعوى رقم 5943 سنة 1971 مدنى جنوب القاهرة التى أقامها الطاعن وخاصم فيها المطعون عليه والمستأجر السابق، قضى باعتبار أصل هذا الإيصال وذلك العقد غير موجودين، وهو حكم حائز لقوة الأمر المقضى بين الطاعن والمطعون عليه ويحق له التمسك بحجيته أمام محكمة النقض باعتباره من النظام العام عملا بالمادة 253 من قانون المرافعات حتى ولو تتضمنه صحيفة الطعن.
وحيث إن النعى غير سديد، ذلك أن المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن مفاد المادة 212 من قانون المرافعات أن المشروع وضع قاعدة عامة مقتضاها أن الأحكام التى تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهى بها الخصومة كلها لا يجوز الطعن فيها إلا مع الطعن فى الحكم المهنى للخصومة، سواء كانت تلك الأحكام قطعية أم متعلقة بالإثبات، ولم يستثن من ذلك إلا الأحكام التى بينها بيان حصر وهى الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى والقابلة للتنفيذ الجبرى، وأن رائده فى ذلك - على ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية - هو الرغبة فى منع تقطيع القضية الواحدة وتوزيعها بين مختلف المحاكم، وما يترتب على ذلك أحيانا من تعويق الفصل فى موضوع الدعوى وما يستتبع ذلك حتما من زيادة نفقات التقاضى، لما كان البين من الأوراق أن الدعوى أقيمت أمام محكمة أول درجة بطلب تحديد أجرة عين النزاع ورد الفروق المترتبة على هذا التحديد، وكان الحكم الصادر بتاريخ 30/ 1/ 1971 اقتصر على القضاء فى الشق الخاص بتحديد الأجرة دون الشق المتعلق برد الفروق التى ناط بتقريرها أحد الخبراء، وكان هذا الحكم قطعيا غير مشمول بالنفاذ المعجل ويخرج عن نطاق الأحكام القابلة للتنفيذ الجبرى، وكان الحكم المنهى للخصومة لم يصدر إلا فى تاريخ لاحق، فإن الطعن فيه على استقلال يكون غير جائز وفقا لنص المادة المشار إليها. لما كان ذلك وكانت قابلية الأحكام للطعن فيها أو عدم قابليتها مسألة متعلقة بالنظام العام تقضى بها المحكمة من تلقاء نفسها، وكان نص المادة 212 واضحا فلا يسوغ اللجوء فى تفسيره لحكمة التشريع، لأن هذه الحكمة لا يمكن تطبيقها باعتبارها ليست نصا يطبق، وإنما هى مجرد وسيلة يهتدى بها فى تقرير النص حال غموضه، وكان قرار المحكمة بضم الاستئنافين ليصدر فيها حكم واحد ليس من شأنه أم يدمجهما فى استئناف واحد بحيث يفقد كل منهما استقلاله، ولا يؤثر على مركز الخصوم فى كل منهما طالما أن الطلبات فى أحدهما ليست هى ذات الطلبات فى الآخر، فلا يجوز القول بأن قرار محكمة الاستئناف بضم الاستئنافين جعل الاستئناف المقضى بعدم جوازه جائزا بعد أن كان قبل قرار الضم غير جائز، وإذ ساير الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعى عليه بمخالفة القانون يكون على غير أساس. لما كان ما تقدم فإنه وإن كان يجوز التمسك أمام محكمة النقض لأول مرة بأى سبب من الأسباب القانونية المتعلقة بالنظام العام، إلا أنه لما كان ما أضافه الطاعن بالجلسة ينصب على ما جاء بحكم محكمة أول درجة وكان الحكم المطعون فيه لم يعرض لموضوع تخفيض الأجرة محل النعى، وإنما قضى بعدم جواز الاستئناف فإن النعى يكون واردا على غير محل، وبالتالى غير مقبول.
وحيث إن حاصل النعى بالسبب الثانى خطأ الحكم المطعون فيه فى تطبيق القانون، وفى بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم لم يتعرض فى قضائه لتحديد الأجرة على سند من القول بأن الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التى كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف من قضاء محكمة الدرجة الأولى، وأن الاستئناف رقم 562 سنة 89 ق انصب على الحكم الصادر برد الفروق، فى حين أن مفاد نص المادة 26 من قانون المرافعات أن استئناف الحكم المنهى للخصومة يستتبع حتما استئناف جميع الأحكام التى سبق صدورها فى القضية ما لم تكن قد قبلت صراحة، فيمتد هذا الاستئناف إلى الحكم المتعلق بتحديد الأجرة، خاصة وأن الطاعن لم يقبله بدليل استئنافه إياه على استقلال، لا يغير من ذلك ما تقضى به المادة 232 من ذات القانون لأن الطاعن تمسك فى دفاعه أمام محكمة الموضوع بوقف الفصل فى طلب رد الفروق لحين الفصل نهائيا فى شأن تحديد الاجرة مما مؤداه وجوب أن تقضى المحكمة الاستئنافية فى موضوع التخفيض بداءة ثم تتعرض لطلب الفروق، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث إن النعى فى غير محله، وذلك أنه لما كان مفاد المادتين 229/ 1، 232 من قانون المرافعات مرتبطتين أنه تعتبر مستأنفة، مع استئناف الحكم المنهى للخصومة جميع الأحكام الصادرة قبله، غير أن ذلك مشروط بألا تكون هذه الأحكام قد قبلت ممن استأنفها صراحة، وبأن يقتصر نظر الاستئناف على الحدود التى يقررها الأثر الناقل للاستئناف فلا يطرح على المحكمة الاستئنافية إلا ما رفع عنه الاستئناف فقط، ولا يجوز لها أن تتعرض للفصل فى أمر غير مطروح عليها. لما كان ذلك وكان البين من صحيفة الاستئناف رقم 562 لسنة 89 ق أنها جاءت قاصرة على قضاء محكمة أول درجة الصادر بتاريخ 27/ 12/ 1971 فيما يتعلق برد فروق الأجرة، ولم تعرض على الإطلاق لموضوع تحديد الأجرة ولا لأوجه المنازعة المتعلقة به. وكان طلب الطاعن إيقاف الفصل فى هذا الاستئناف حتى يتم الفصل فى استئنافه الآخر عن حكم تحديد الأجرة لا يفيد تعرضا لهذا الموضوع الأخير، بل يعنى على العكس تسليمه باستقلال كل من الاستئنافين عن الآخر موضوعا وسببا، فإنه يمتنع بهذه المثابة على محكمة الاستئناف النظر فى موضوع تحديد الأجرة عند الفصل فى الاستئناف المقصور على فروق الإيجار، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعى عليه بالخطأ فى تطبيق القانون يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الثالث والرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب، وفى بيان ذلك يقول إن طلب رد الفروق غير مقبول من وجهين (أولهما) أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأنه بعد صدور الحكم بالتخفيض أصبحت المطالبة بفرق الإيجار وقد توافرت فيها شرائط تطبيق المادة 201 من قانون المرافعات بحيث كان يتعين استصدار أمر أداء، ونفى الحكم توافر هذه الشروط، فى حين أن فرق الإيجار يستند إلى ورقة عليها توقيع المدين وهى الإيصالات التى استلم الطاعن بموجبها الأجرة، وبصدور حكم التخفيض أصبح مبلغ الفروق معين المقدار (الثانى) أن طلب تخفيض الأجرة ورد الفروق وإن كانا قد أبديا فى دعوى واحدة إلا أن كلا منهما يعتبر طلبا أصليا بما لا يجوز معه الفصل فى ثانيهما إلا بعد صيرورة الحكم فى أولهما نهائيا، وإذ ذهب الحكم إلى أن طلب هذه الفروق هو طلب تابع لطلب التخفيض ويجوز إبداؤهما معا دون انتظار الفصل نهائيا فى صدد تخفيض الأجرة فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث إن النعى مردود فى وجهه الأول بأن النص فى الفقرة الاولى من المادة 201 من قانون المرافعات على أنه "استثناء من القواعد العامة فى رفع الدعاوى ابتداء تتبع الأحكام الواردة فى المواد التالية إذا كان حق الدائن ثابتا بالكتابة وحال الأداء وكان كل ما يطالب به دينا من النقود معين المقدار أو منقولا معينا بنوعه ومقداره.." يدل على أنه يشترط لسلوك طريق استصدار أمر الأداء أن يكون الدين المطالب به مبلغا من النقود ثابتا بالكتابة ومعين المقدار حال الأداء، ومقتضى ذلك أن يكون ثابتا بورقة عليها توقيع المدين، ويبين منها أومن أوراق أخرى موقع عليها منه أن الدين حال الأداء ومعين المقدار، فان لم يكن الدين معين المقدار فى ورقة من هذا القبيل أو لم يكن كل ما يطالب به الدائن دينا من النقود معينا مقداره، فان سبيل الدائن إلى المطالبة به يكون هو الطريق العادى لرفع الدعاوى ولا يجوز له فى هذه الحالة أن يلجأ إلى طريق استصدار أمر الأداء، لأنه استثناء من القواعد العامة فى رفع الدعاوى لا يجوز التوسع فيه، ولا يكون طريقا إلزاميا عند المطالبة بالحق ابتداء. ولما كانت فروق الأجرة التى طالب بها المطعون عليه لم تثبت فى ورقة تحمل توقيع الطاعن ولم يتعين مقدارها أو تصبح حالة الأداء إلا بعد صدور الحكم على ضوء تقرير أهل الخبرة بتخفيض أجرة شقة النزاع. وكان البين من الأوراق أن مطلوب المطعون عليه بمدعاه لم يكن قاصرا على المطالبة بالفروق بل صاحبه طلب تحديد الأجره، فان استلزام إتباع طريق استصدار الأمر بالأداء بالنسبة للفروق يقوم على غير سند قانونى، والنعى مردود فى وجهه الثانى بأنه لما كان لا تثريب على المدعى إن هو جمع فى دعوى واحدة بين طلبين يقوم أحدهما على الآخر ويعتبر نتيجة لازمة له، ولما كانت الدعوى بطلب استرداد ما دفع زائدا عن الأجرة القانونية مترتبة على طلب التخفيض فإنه يجوز رفعها مستقلة بدعوى مبتدأة أو بالتبع لدعوى تخفيض الاجرة، كما يصح رفعها ولو بعد انتهاء العلاقة الإيجارية، وإذ التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر فان النعى يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون، وفى بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بوجوب استنزال ما لم يسدده المطعون عليه من أجرة شقة النزاع عن الفترة من 1/ 2/ 1970 حتى آخر يناير سنة 1973 ومن أجره الجراج عن الفترة من 1/ 1/ 1966 حتى آخر يناير سنة 1973 من فروق الأجرة المحكوم بها للمطعون عليه وذهب الحكم إلى أن هذه المطالبة تتضمن مقاصة قضائيه لا تكون إلا بدعوى أصلية أو فى صورة طلب عارض ولا يجوز إبداؤها لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، فى حين أن المقاصة المبداه قانونية وليست قضائية ويجوز إبداؤها لأول مرة فى الاستئناف باعتبارها وسيلة دفاع، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث إنه لما كان البين من الأوراق أن هناك خلافا بين طرفى التداعى حول أجرة الجراج، وأن الخبير المنتدب لم يعرض لها ولم يحدد قدرها تاركا الأمر للجنة تقدير القيمة الإيجارية المختصة، وكان الحكم الصادر بالتخفيض قد اكتفى بتحديد الأجرة القانونية لشقة النزاع دون الجراج، وكانت هذه الأجرة ليست معلومة المقدار ولا خالية من النزاع، فلا على الحكم إن هو ذهب فى خصوصها إلى أنه إزاء مقاصة قضائية لا يجوز إبداؤها إلا بدعوى أصلية أو بطلب عارض ولا تقبل إثارتها لأول مرة فى مرحلة الاستئناف. لما كان ذلك وكان الثابت من الحكم المطعون فيه انه اختصم من الفروق المقضى بها ما استحق فى الفترة من 1/ 2/ 1970 حتى آخر مايو سنة 1971، فان النعى فى هذا الشق يكون غير وارد. لما كان ما تقدم وكان المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن المقاصة القانونية على ما تقضى به المادة 362 من القانون المدنى تستلزم فى الدين أن يكون خاليا من النزاع محققا لا شك فى ثبوته فى ذمة المدين وأن يكون معلوم المقدار، ولا بد من اجتماع الشرطين اعتبارا بأن المقاصة تتضمن معنى الوفاء الإجبارى، لا يجبر المدين على دفع دين متنازع فيه أو غير معلوم مقداره، وكان التمسك بالمقاصة القانونية يصح إذا توافرت شرائطها فى أية حال تكون عليها الدعوى، وكان دين الأجرة عن المدة من 1/ 6/ 1971 حتى آخر مارس سنة 1973 قد حدد بوجه نهائى بالحكم الصادر فى 30/ 1/ 1971 بعد أن قضى بعدم جواز استئنافه وكان يتعين على محكمة الموضوع إذا ما ثبت أن المطعون عليه لم يوف الأجرة إن توقع المقاصة القانونية، وهو ما يصح التمسك به لأول مرة أمام محكمة الاستئناف وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر المقاصة قضائية فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون مما يستوجب نقضه فى هذا الخصوص وحده.