مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 1348

(123)
جلسة 15 من مايو 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور ضياء الدين وكيل مجلس الدولة. وعضوية السادة الأساتذة، محمد شلبى يوسف وعادل عزيز زخارى وعبد الستار عبد الباقى آدم وأبو الوفا زهدى محمد المستشارين.

القضية رقم 480 لسنة 10 القضائية

أ - موظف - علاقة الموظف برئيسه - أساسها التزام حدود الأدب واللياقة وحسن السلوك - لا تثريب على الموظف فى ابداء رأيه صراحة أمام رئيسه ما دام لم يجانب ما تقتضيه وظيفته من تحفظ ووقار حتى ولو كان رأيه مخالفا لرأى رئيسه - هذا الحق مشروط بأن لا يفوت الموظف ما تقتضيه طاعة الرؤساء واحترامهم بالقدر الذى يجب أن يسود بين الرئيس والمرؤوس.
ب - موظف - طاعة الموظف لرئيسه - شكوى - لا يجوز للموظف أن يتخذ الشكوى ذريعة للتطاول على رئيسه بما لا يليق أو لتحديه والتمرد عليه، والتشهير به والا استحق أن يوقع عليه الجزاء المناسب - تقدير ذلك فى كل حالة على حدة على أساس الظروف والملابسات التى تحيط بكل حالة.
جـ - موظف - محاكمة تأديبية - جزاء - ملاءمة - للسلطة التأديبية ومن بينها المحاكم التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الادارى وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها فى ذلك - شرط ذلك - الا يشوب استعمال هذه السلطة غلو - مثال - عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الادارى وبين نوع الجزاء ومقداره.
1 - لا تثريب على الموظف ان كان معتدا بنفسه، واثقا من سلامة نظره، شجاعا فى إبداء رأيه، صريحا فى ذلك أمام رئيسه، لا يداور ولا يرائى، ما دام هو لم يجانب ما تقتضيه وظيفته من تحفظ ووقار، وما تستوجبه علاقته برئيسة من التزام حدود الأدب واللياقة وحسن السلوك. ذلك أن الصراحة فى ابداء الرأى بما فيه وجه المصلحة العامة مطلوبة وخصوصا فى الدولة الاشتراكية، حتى لا تضيع تلك المصلحة العامة فى تلافيف المصانعة والرياء وتتلاشى بعوامل الجبن والاستخذاء. كما لا يضير الموظف أن تكون له وجهة نظر معينة فى المسألة التى يدافع عنها، ويجتهد فى اقناع رئيسه للاخذ بها ما دام يفعل ذلك بحسن نية فى سبيل المصلحة العامة. ولا جناح عليه أن يختلف مع رئيسه فى وجهات النظر اذ الحقيقة دائما هى وليدة اختلاف الراى لا يجليها الاقرع الحجة بالحجة ومناقشة البرهان بالبرهان. وانما ليس معنى ذلك كله أن يفوت الموظف ما تقتضيه طاعة الرؤساء واحترامهم بالقدر الذى يجب أن يسود بين الرئيس والمرؤوس. فطاعة الرؤساء واحترامهم واجب يضمن للسلطة الرئاسية فاعليتها ونفاذها. فالسلطة الرئاسية يمارسها رؤساء لهم من أقدميتهم فى الخدمة ما يجعلهم أكثر ادراكا للعمل وحاجاته وبالتالى أكثر قدرة ودراية على مواجهته وحل مشاكله. والرئيس هو المسئول أولا وأخيرا عن سير العمل فى الوحدة التى يرأسها أو يشرف عليها فالطاعة والاحترام فى هذا المجال أمران تمليانهما طبائع الأمور ما دامت هى طاعة قليل الخبرة لمن أكثر منه خبرة وتمرسا. وما دام هو احترام الصغير للكبير.
2 - فلا يسوغ للموظف أن يتخذ من الشكوى ذريعة للتطاول على رئيسة بما لا يليق أو لتحديه والتمرد عليه أو التشهير به. ويستحق الموظف الجزاء المناسب اذا هو وجه الى رئيسه عبارات قاذعة حتى لو ثبتت صحة ما تضمنته مثل تلك العبارات. ومن المسلم أن واجب الاحترام لا يخضع لضوابط معينة لذلك يكون الحكم على مدى اخلال الموظف به هو فى ضوء الظروف والملابسات التى تحيط بكل حالة. ولعدم الاحترام صور متعددة لا تقتصر على التعدى أو التفوه بعبارات قاسية أو جارحة أو التشهير به فى كتب وشكاوى طائشة على النحو الذى نسبته النيابة الادارية للطاعنة واستخلصته المحكمة التأديبية من الأوراق استخلاصا سائغا وسليما من أوراق هذا الطعن، وتقرها عليه هذه المحكمة.
3 - انه ولئن كانت للسلطات التأديبية، ومن بينها المحاكم التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الادارى وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها فى ذلك، الا أن مناط مشروعية هذه السلطة الا يشوب استعمالها غلو. ومن صور هذا الغلو عدم الملائمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الادارى وبين نوع الجزاء ومقداره. ولا يتأتى تأمين المرافق العامة اذا انطوى الجزاء على مفارقة صارخة. فركوب متن الشطط فى القسوة يؤدى الى احجام عمال المرافق العامة عن حمل المسئولية خشية التعرض لهذه القسوة فى الشدة. وعلى هذا الاساس يعتبر استعمال سلطة تقدير الجزاء فى هذه الصورة مشوبا بالغلو، فيخرج التقدير من نطاق المشروعية الى نطاق عدم المشروعية ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة التى رأت فى وقائع الحكم التأديبى المطعون فيه ومن ملابسات الطعن الراهن والظروف التى أحاطت بالطاعنة ومن كان حولها من العاملين بمدرسة منشاة بطاش الابتدائية أن درجة خطورة الذنب الادارى الذى لا شك انها وقعت فيه، لا تتناسب مع جزاء عزلها من الوظيفة التى كانت تقوم باعبائها فى ظروف لا تحسد عليها. ومن أجل ذلك تكتفى هذه المحكمة العليا بمجازاة الطاعنة لما صدر منها وثبت فى حقها، بالوقف عن العمل بغير مرتب لمدة ثلاثة أشهر ففى ذلك ما يكفى جزاء على ما تردت فيه ودرسا لما ينبغى أن تكون عليه القائمة برسالة تعليم النشئ من أبناء هذه الجمهورية. ذلك هو الهدف الذى توخاه القانون من نظام تأديب العاملين وهو تأمين انتظام المرافق العامة وفى مقدمتها مرفق التعليم.


اجراءات الطعن

فى 20 من فبراير سنة 1964 أودع السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة بناء على طلب من السيدة/ صفية أمين حامد المغربى فى 30 من يناير سنة 1964، سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (480) لسنة 10 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والثقافة بجلسة 23 من ديسمبر سنة 1963 فى الدعوى التأديبية رقم (38) لسنة 5 القضائية المقامة من النيابة الادارية ضد السيدة طالبة الطعن، وهى ناظرة مدرسة منشاة بطاش الابتدائية سابقا، وتعمل حاليا مدرسة بمدرسة المنصورة الابتدائية من الدرجة السابعة، والذى قضى: (بعزل السيدة صفية ناظرة مدرسة من الدرجة السابعة من الوظيفة مع حفظ حقها فى المعاش أو المكافأة) وطلب السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة للاسباب التى استند اليها فى تقرير طعنه والتى استمدها من طلب السيد المحكوم بعزلها اقامة هذا الطعن نزولا على حكم المادة (32) من القانون رقم (117) لسنة 1958 وحاصل هذه الاسباب أن الحكم المطعون فيه لم يناقش دفاع الطاعنة بل اطرحه جانبا. وطلب السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة، بناء على طلب صاحبة الشأن من المحكمة الادارية العليا قبول هذا الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه. وقد أرفقت الطاعنة صورة من المذكرة التى كانت قد تقدمت بها الى المحكمة التأديبية وطلبت فيها الحكم ببراءتها من المخالفات المسندة اليها. وقد أعلن هذا الطعن الى النيابة الادارية فى 23 من فبراير سنة 1964 والى الخصم فى 2 من مارس سنة 1964 وعين لنظره أمام دائرة فحص المطعون جلسة 13 من يونية سنة 1964 وفيها لم تحضر الطاعنة وحضر السيد محامى الحكومة وطلب من الدائرة الاحالة لتقول المحكمة العليا كلمتها فى الحكم بعزل الطاعنة. فقررت الدائرة احالة الطعن للمرافعة بجلسة 5 من ديسمبر سنة 1964 ثم جرى تداول الطعن بجلسات لاحقة وفى 13 من مارس سنة 1965 قررت المحكمة اعادة الطعن الى المرافعة بجلسة 20 من مارس سنة 1965 لمناقشة طرفى الخصومة فى بعض نقاطها ثم قررت المحكمة ارجاء النطق بالحكم الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق، وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى أن النيابة الادارية أقامت الدعوى التأديبية أمام المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم ضد السيدة/ صفية أمين حامد المغربى ناظرة مدرسة منشأة بطاش الابتدائية سابقا، وتعمل حاليا مدرسة بمدرسة المنصورة الابتدائية من الدرجة السابعة، وذلك بتقرير اتهام مؤرخ 5 من مارس سنة 1963 جاء فيه انها خلال أعوام (1960/ 1961، 1961/ 1962، بدائرة منطقة التربية والتعليم بالمنصورة، وبوصفها ناظرة لمدرسة ابتدائية تتبع تلك المنطقة، خالفت ما يجب أن يكون عليه مربى النشئ من حميد الصفات، والبعد عن مواطن الشبهات، وعدم الانحراف عن مقتضيات الوظيفة العامة وذلك بأن ارتكبت المخالفات الآتية:
(1) حرضت مدرسات مدرسة منشأة بطاش على تقديم شكاوى غير صحيحة.
(2) قدمت شكاوى ضد بعض موظفى منطقة التربية والتعليم ثبت عدم صحتها.
(3) اصطحبت مدرسات المدرسة الى تفتيش السنبلاوين يوم 23/ 12/ 1961 دون مبرر مما أدى الى تعطيل الدراسة بالمدرسة.
(4) حرمت التلميذة - ست النسا محمد سلامة - من الحضور الى المدرسة رغم قيدها بالصف الخامس، والحقتها فى خدمتها بمنزلها.
(5) تقدمت بشكاوى للجهات الرئاسية تضمنت عبارات فيها تطاول على رؤسائها متجاوزة بذلك حدود حقها فى الشكوى. وبناء عليه تكون السيدة المذكورة قد ارتكبت المخالفة الادارية المنصوص عليها فى المادة (83) من القانون رقم (210) لسنة 1951، وتطلب النيابة الادارية من السيد رئيس المحكمة تحديد أقرب جلسة لمحاكمة السيدة صفية طبقا للمادة سالفة الذكر والمادتين (14، 31) من القانون رقم (117) لسنة 1958 وأرفقت النيابة الادارية بالمنصورة مذكرة تفصيلية فى القضيتين رقمى (20، 114) لسنة 1962 المنصورة شرحا للوقائع التى انطوى عليها تقرير الاتهام - وقد نظرت الدعوى التأديبية أمام المحكمة التأديبية لموظفى وزارة التربية والتعليم بجلسة 3 من ابريل سنة 1963 ومنها لجلسة 15/ 5/ 1963 للاستعداد ثم لجلسة 12/ 6/ 1963 وفيها قررت المحكمة التأجيل لجلسة أول يولية سنة 1963 لتقدم النيابة الادارية ذات طلب الاستقالة المقدم من السيدة صفية ثم لجلسة 28 من أكتوبر سنة 1963 وفيها أثبت الحاضر عن المتهمة أنه طالما أن طلب الاستقالة المقدم من موكلته لم يقبل من الجهة الادارية المختصة فان موكلته - صفية أمين حامد المغربى - تقرر العدول عن الاستقالة وترغب فى الرجوع فيها، وطلب حجز الدعوى للحكم مع الترخيص فى مذكرات. فقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم بجلسة 23 من ديسمبر سنة 1963 وفيها حكمت المحكمة (بعزل السيدة صفية أمين حامد المغربى ناظرة مدرسة من الدرجة السابعة من الوظيفة مع حفظ حقها فى المعاش أو المكافأة). وقد أقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للمخالفتين الأولى والثانية على أساس ما شهدت به المدرسات فريال محمود الخميسى، ورضا عبد الله السمرى، وزينب القرنى عويس، وهدى محمد زين الدين، من أن المتهمة حرضتهن على تقديم شكاوى كيدية ضد السيدين الشربينى سرحان، وعطية سليمان، كما أنها اصطحبتهن الى مكتب تفتيش السنبلاوين يوم 23/ 12/ 1961 أثناء الدراسة وأضافت المدرسة فريال أن المتهمة أرغمتها على كتابة شكوى ضد الفراشة شفيقة هلال، وقد خلصت المحكمة من شهادة هؤلاء، ومن أن المتهمة لم تدفع بما يشكك فى صحة شهادة المذكورات، خلصت الى ثبوت المخالفتين الأولى والثانية. وكذلك أقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للمخالفتين الثالثة والخامسة على أساس ما ثبت لها من أن المتهمة صفية قدمت شكاوى ضد السيد/ عبد العزيز نور مدير التعليم الابتدائى بالمنطقة نسبت اليه أمورا لو ثبت صحتها لتعرض للجزاء. كما أنها قدمت العديد من الشكاوى ضد رؤسائها بالمنطقة، فيها تعريض وتطاول عليهم، وقد ثبت عدم صحة هذه الوقائع. ثم أقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للمخالفة الرابعة على أساس ما شهد به المفتش الادارى السيد/ على عوض من أن التلميذة (ست النسا محمد سلامة) مقيدة بسجلات مدرسة منشأة بطاش مركز السنبلاوين فى عام (1960/ 1961) بالسنة الرابعة، وفى عام (1961/ 1962) بالسنة الخامسة وقد اتضح أن هذا القيد صورى بعد أن قرر والد التلميذة بأن المتهمة أخذت ابنته المذكورة لتعمل خادمة عندها بالمنصورة، وقد تأيد ذلك من أقوال التلميذة ست النسا بذاتها.. والمتهمة هى المكلفة بقيد التلميذات فى سجلات المدرسة وثبت أن قيد اسم التلميذة ست النسا كان صوريا لأنها كانت تعمل خادمة بمنزل السيدة صفية بالمنصورة وهذا تصرف معيب حرم التلميذة المذكورة من التعليم على خلاف ما تقرره قوانين الدولة من أن التعليم اجبارى لمن هن فى مثل سن الخادمة ست النسا. ثم استطرد الحكم المطعون فيه قائلا انه متى بان ذلك كله وثبت كله فى حق المتهمة ثبوتا كافيا فانه يدمغها بسوء المسلك والبعد عن الخلق القويم لتجردها من كل الصفات الحميدة بميولها للمشاغبة والاخلال بواجب احترام الرؤساء واطاعة أمرهم ما دامت فى حدود القانون والتعليمات فالمتهمة بذلك قد فقدت عناصر الصلاحية لأنها ابتغاء تحقيق مصلحة خاصة حرمت مواطنة من التعليم. ولا يختلف اثنان فى أن حرمان المواطنة - ست النسا - من التعليم هو جرم فى حق الوطن لا يغتفر وأن الجزاء الوفاق لما أقدمت عليه المتهمة من أفعال تدمغها بسوء السلوك، هو عزلها من وظيفتها ليكون فى ذلك ردع كاف لضعاف النفوس الذين يفضلون أية مصلحة خاصة تافهة على كل مصلحة عامة وهو ما يجردهم من الوطنية الحقة. على أن تلك المحكمة - التأديبية - ترى الاحتفاظ للمتهمة بحقها فى المعاش أو المكافأة حتى لا يتحمل أفراد أسرتها مغبة سوء تصرفها ومجازاتها بذلك يقع تحت طائلة حكم المادة (31) من القانون رقم (117) لسنة 1958 وأن المحكمة ترى لزاما عليها التبصير بأنه ما كان يجوز للمدرسات أن يشاطرن المتهمة الرأى فى تقديم شكاوى بعيدة عن الحقيقة. سيما وأن طائفة المعلمين هم أحق الناس بالتحلى بالصدق فى القول والاخلاص فى العمل. ذلك الى جانب ما كشف عنه التحقيق من أن هناك أفعالا كان يتعين اتخاذ اجراء حاسم بشأنها فور وقوعها لما فى التسويف من قلقلة للأوضاع. ولا خلاف فى أن عدم أخذ الأمور بالحزم والشدة له أثر سئ فى سير العمل مع ان حسن أدائه يتصل بالنظام العام ولذلك حكمت المحكمة بعزل المتهمة من الوظيفة مع حفظ حقها فى المعاش أو المكافأة.
وفى 30 من يناير سنة 1964 طلبت السيدة المحكوم بعزلها ان تطعن هيئة مفوضى الدولة فى الحكم التأديبى تأسيسا على أنه لم يناقش دفاع المتهمة بل أنه أطرحه جانبا وقضى بادانتها أخذا بما جاء بمذكرة النيابة الادارية. فقامت هيئة المفوضين بايداع تقرير الطعن فى 20 من فبراير سنة 1964 موقعا عليه من السيد رئيس الهيئة، بالتطبيق لحكم المادة (32) من قانون النيابة الادارية لسنة 1958 وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين قبول هذا الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه. وأحال تقرير الطعن الى دفاع السيدة الطاعنة الوارد بمذكرتها المقدمة الى دائرة فحص الطعون بجلسة 13/ 6/ 1964. وحاصل دفاع السيدة الطاعنة أنها تعمل فى خدمة وزارة التربية والتعليم من مدة طويلة لم يحدث خلالها أن نسب اليها خطأ أو اتهام بل كانت طوال مدة خدمتها مثالا حيا للمربية المثالية خلقا وكفاءة. ومصداقا لذلك عينت ناظرة لمدرسة منشأة بطاش الابتدائية اعتبارا من 15 من نوفمبر سنة 1960 بعد أن تقرر "تأنيث" المدرسة ثم فوجئت الطاعنة بحضور السيد/ عطية سليمان خلف الى المدرسة ومعه خطاب مؤرخ 17 من نوفمبر سنة 1960 بالغاء ندبه بمدرسة كفر الأمير وعودته الى مدرسة منشأة بطاش اعتبارا من 21 من نوفمبر سنة 1960 وبيده خطاب آخر بنفس التاريخ بنقل مدرستين من المدرسة، وهذان الخطابان موقع عليهما من السيد/ عبد العزيز نور، المدير المساعد للتعليم الابتدائى دون أن يكون على الخطابين سالفى الذكر أرقام تصدير مما يقطع بأنهما أعطيا للمدرس المذكور من المدير المساعد خارج المنطقة وبعيدا عن مجال العمل. ولما كان فى ذلك ما يخالف ما استقر عليه الرأى من تأنيث المدرسة فقد اعترضت الطاعنة صفية أمين حامد المغربى لدى السيد/ عبد العزيز نور، ولكنها فوجئت فى 3/ 12/ 1960 بزيارة سيادته للمدرسة وأخبرها بأنها يجب أن تقبل هذا الوضع دون مناقشة. ثم قالت الطاعنة أن المدرس عطية سليمان خلف أثار بالاتحاد مع زميله المدرس فهيم رزق شعبان الشغب بالمدرسة، واستهترا بكل المقومات التى يجب أن يتحلى بها رجل التعليم. وبلغ من تصرف عطية سليمان خلف انه كان يدخل الى سكن مدرسات الداخلية ليلا، وكان يستولى على الاستجوابات من درج مكتب الناظرة ويعطيها لأصحابها. وتقول الطاعنة أنه اتضح لها أن هناك حلف مكون ضدها فى المدرسة من السادة (عطية سليمان خلف، وفهيم رزق شعبان) وهما المدرسان الرجال بالمدرسة يؤازرهما فى ذلك فراش المدرسة وزوجته. والقصد من هذا التكتل هو اكراه الطاعنة الى أن تطلب النقل من المدرسة توطئة لتعيين السيد عطية سليمان خلف ناظرا للمدرسة بعد نقلها الى جهة أخرى. وكان ذلك يجرى بعلم السيد مدير عام التعليم الابتدائى (عبد العزيز نور، الذى كان يعطف على (عطية سليمان) ويسعى لتعيينه ناظرا مقابل أن يقوم عطية سليمان بالسعى لدى أحد أقربائه لنقل ابن المدير العام من قسم النيابة الادارية بدمياط الى قسم النيابة الادارية بالمنصورة. وفى سبيل ذلك اعتدى المدرس شعبان على الطاعنة أثناء استجوابها له لانقطاعه عن العمل بدون اذن مدة خمسة عشر يوما، وهددها بالقتل والاجهاض، وهى حامل، واضطرت ازاء ذلك أن تبقى بالتفتيش بالسنبلاوين مدة خمسة عشر يوما بأمر السيد المفتش بالقسم حتى تتخذ المنطقة التعليمية اجراء حاسما. فلما لم تتخذ المنطقة أى اجراء اضطرت الطاعنة الى ابلاغ النيابة العامة التى أجرت تحقيقا فى الموضوع وطلبت النظر فى أمر المدرس شعبان اداريا، وأبلغت المنطقة بصورة من هذا التحقيق. وأمام ما ارتأته النيابة العامة قامت المنطقة بارسال مفتش التحقيقات بها (متولى الفضالى) لاجراء التحقيق الادارى اللازم، وقد أجرى سيادته التحقيق وطلب احالة الموضوع الى النيابة الادارية لاستكماله ولكن المنطقة تقاعست عن ارسال الأوراق الى النيابة الادارية. ومن قبيل التحدى الذى كان يصدر من السيد عطية سليمان خلف أنه أثبت بنفسه فى دفتر رسمى بالمدرسة أنه هو ناظر المدرسة. وأنه ازاء ما ثبت من اعتداء الفراش وزوجته الفراشة على حرمة المدرسة وعلى الطاعنة صفية باعتبارها ناظرة قرر السيد مدير الشئون الادارية والمالية بالمنطقة نقلهما. وعند النقل أقر أمام الناظرة وأمام المدرسات أنهما كانا يعملان ضد الناظرة لحساب المدرس (عطية سليمان خلف) بناء على أمر السيد مدير التعليم الابتدائى (عبد العزيز نور). وقد دونت الطاعنة هذه الاعترافات فى حينها وطلبت الى المدرسات التوقيع عليها كشاهدات على ما حدث وأرسلت المكتوب الى السيد/ مدير عام المنطقة وكذلك أرسلت صورة من كل ذلك الى السيد محافظ الدقهلية. وقالت الطاعنة أنه من قبيل النكاية التى تدبر ضدها أن تقدم المدرس شعبان بشكوى ضد زوج الطاعنة وهو صراف بالجمعية فقامت النيابة الادارية بتحقيقها وشهد ضد زوج الطاعنة كل من عطية سليمان وفراش المدرسة. ثم ثبت عدم صحة هذه الشكوى وأوصت النيابة الادارية بنقل المدرس فهيم شعبان من المدرسة حتى يستقيم العمل بها ولكنه لم ينقل منها. ثم توالت شكاوى الطاعنة، وتأزمت الأمور من تصرفات عطية سليمان وفهيم شعبان دون أن تتدخل السلطات المختصة لايقاف الاعتداءات المتكررة مما دفع الطاعنة الى الالتجاء من جديد الى النيابة الادارية، لذلك أرسلت الشكاوى والتحقيقات العديدة وكان يحبسها مفتش التحقيقات (السيد/ سرحان) مجاملة لرئيسه عبد العزيز نور. وقد قابلت الطاعنة السيد/ رئيس النيابة الادارية وشرحت له موضوع شكاويها فطلب منها كتابة ارسال مدرستين للادلاء بشهادتيهما. وفى هذا ليوم اعتدى المدرس شعبان على الطاعنة فى الفصل أمام التلميذات، وجرى وراءها فى فناء المدرسة محاولا ضربها واجهاضها كما حاول الاعتداء على المدرستين السابقتين بالمدرسة، واضطرت المدرستان والناظرة - الطاعنة - الى التوجه الى مقر النيابة الادارية بالمنصورة حيث أدلين بأقوالهن عن هذا الاعتداء أمام السيد رئيس النيابة الادارية، وشهد بهذا الاعتداء ثلاث تلميذات من فصل المدرس المذكور (شعبان) وفى نفس اليوم توجهت الطاعنة والمدرسات الى السيد المحافظ والى السيد رئيس مجلس مدينة المنصورة فأمرهن بالتوجه الى السيد رئيس مدينة السنبلاوين لاتخاذ اجراء حازم حماية لهن. فقمن جميعا بارسال تلغراف الى المنطقة لاعلامها بالأمر. وفى اليوم التالى توجهن الى السنبلاوين بناء على توصية رئيس مجلس مدينة المنصورة وقابلن السيد رئيس مجلس المدينة أولا ثم توجهن بعد ذلك الى التفتيش الذى طلب منهن العودة الى المدرسة فعدن اليها. ثم بعد ذلك استدعين جميعا الى السنبلاوين حيث كان ينتظرهن فى التفتيش السيد/ سرحان مفتش التحقيقات وشرع فى أخذ أقوال المدرسات اللاتى كن يخرجن من عنده باكيات، واللاتى تقدمن بشكاوى فى اليوم التالى ضد المحقق الشربينى سرحان فيها أنه هددهن بالتشريد والنقل الى أماكن بعيدة وأجبرهن على التوقيع على أقوال لم يدلين بها، وقد رفعت هذه الشكاوى الى السيد محافظ الدقهلية والسيد رئيس النيابة الادارية والسيد مدير عام المنطقة. ثم قامت المنطقة بعد ذلك بنقل جميع هيئة التدريس من المدرسات بمدرسة منشأة بطاش الابتدائية وانزال الناظرة - الطاعنة - الى وظيفة مدرسة بعد أن عينت ناظرة لكفاءتها. وتضيف الطاعنة بأن تلك جملة الوقائع التى سببت تحقيق النيابة الادارية فى القضيتين (20، 114) لسنة 1962 وكلها تبرز على حد قولها ما نالها من اضطهاد وعسف. ثم تناولت الطاعنة الرد على أسباب الاتهام فقالت ان المخالفات المنسوبة اليها خمس:
الأولى: أنها حرضت مدرسات المدرسة على تقديم شكاوى غير صحيحة. ودفاعها عن ذلك أن الشكاوى التى تقدمن بها المدرسات وقامت النيابة الادارية بتناولها فى التحقيق (20، 114) لسنة 1962 هى شكواهن ضد السيد المحقق الشربينى سرحان وقد قررت الآنسة فريال فى التحقيق أن السيد الشربينى (لم يهددنى بالنقل الى أسوان وانما قال لى كيف تتعدين على المنطقة وتذهبين الى النيابة الادارية) ومعلوم أن الشكوى الى النيابة الادارية هى حق مشروع لكل مواطن. وقررت الآنسة رضا السمرى: (احنا كتبنا هذه الشكوى بناء على طلب السيدة الناظرة عندما قال لى السيد سرحان لماذا تذهبين الى النيابة الادارية دون المنطقة فأجبرتنا الناظرة على كتابة هذه الشكوى وقال لى لما تروحوا أسوان ابقو خلو النيابة الادارية تنفعكم). ومعنى ذلك أن السيد المحقق كان يتجه فى التحقيق اتجاها معينا. وكذلك ما جاء فى أقوال المدرسة زينب القرنى فيها اعتراف صريح بأن التهديد قد وقع وان الشكوى وقعت من المدرسات عن ارادة حرة.
والثانية - شكواهن ضد الفراشة شفيقة هلال. فقد قررت الآنسة فريال (لو أن الفراشة شفيقة هلال يوسف كانت أحيانا تضايقنا وقد حدث فى أحد الأيام أن قامت باستبدال ملابسها وعند عودتها للحجرة فزعنا منها). وقررت المدرسة رضا السمرى (الفراشة شفيقة فى هذه الليلة قامت باستبدال ملابسها وعند عودتها الى الحجرة التى تنام فيها لم تكن نتوقع قدومها ففزعنا منها.). وجاء فى دفاع الطاعنة أن ما سردته من أقوال المدرسات فى هذا الصدد كفيل بأن يبصر عدالة المحكمة لأن كل ما جاء فى الشكوى ضد الفراشة شفيقة هلال صحيح وأن الشكوى قدمت من المدرسات عن ارادتهن الحرة وللناظرة الطاعنة الحق، بما لها من الاشراف على المدرسة من جميع النواحى أن تتخذ الاجراءات اللازمة حيال ما يقع فى المدرسة من مخالفات.
والثالثة: عن شكوى المدرسات بالتلغراف يوم 22/ 11/ 1962 ففى هذا اليوم المدرسات كن مع الناظرة بالمنصورة وأدلين بأقوالهن أمام السيد رئيس النيابة الادارية بذاته. كما توجهن للشكوى لدى سيادة المحافظ ولدى السيد رئيس مجلس المدينة كما توجهن الى السنبلاوين بناء على توجيه السيد رئيس مجلس مدينة المنصورة. فكيف يقال بعد ذلك انهن لم يوقعن على هذا التلغراف أو انهن لسن المرسلات له. - صورة هذا التلغراف موجودة بين مستندات ملف هذا الطعن.
والرابعة: عن الشكاوى التى تقدمت بها المدرسات. فى ذلك قررت الآنسة فريال الخميسى: (بأن فهيم رزق شعبان المدرس قفز فعلا من فراندة المدرسة) وأنه قفز من نافذة المدرسة الى خارجها للحاق بالديزل. وشهدت المدرسات فريال محمود الخميسى، ورضا عبد الله السمرى، وزينب محمد القرنى، ونعيمه علد الوهاب على الوقائع الآتية:
(1) اعتداء المدرس شعبان على السيدة الناظرة صفية يوم 12/ 9/ 1961.
(2) قفز المدرس المذكور من الفراندة واعتدائه على التلاميذ أثناء القائهم النشيد ووصفه للمدرسات بالميوعة.
(3) خطف المدرس عطيه خلف لاستجواب زينب القرنى.
(4) حضور عطيه خلف الى الداخلية فى المساء.
(5) تعدى الفراشة شفيقة هلال زوجة الفراش نصر الدين أبو زيد وتهديدها لهن واعتدائها عليهن بالسب وبألفاظ جارحة.
وخلصت الطاعنة من دفاعها الى أنها أرادت أن توضح لعدالة المحكمة تلك الحالة التى كانت عليها مدرسة منشأة بطاش الابتدائية والظروف التى عاشت فيها الطاعنة بوصفها ناظرة لتلك المدرسة فقد كابدت عدوانا على النظام وعلى القيم الأخلاقية من شرب للقهوة والسجاير داخل الفصول أمام التلاميذ الصغار، الى البصق على المدرسات والقفز من الشبابيك والفراندة واعتداء بالسب على التلاميذ الى دخول الرجال ليلا سكن المدرسات الى اختطاف أوراق الاستجوابات الى الامتناع عن التوقيع على جدول الحصص الى اعتداء الفراشة على المدرسات ومخاطبتهن بألفاظ يندى لها الجبين. وجاء فى دفاع الطاعنة عن الاتهام الرابع بأنها حرمت التلميذة ست النسا محمد سلامة من الحضور الى المدرسة رغم قيدها بالصف الخامس، وألحقتها بخدمتها فى منزلها. فقالت فى ذلك انه اتهام منتزع انتزاعا من الأوراق. اذ افترض أن الطاعنة أكرهت التلميذة ست النسا على ترك الدراسة والعمل بمنزلها بالمنصورة، وهذا لم يثبت بالتحقيق، ولم يتناوله التحقيق أصلا. وقد قرر والد التلميذة المذكورة أنها منقطعة عن الدراسة منذ سنتين وأنها ألحقت بخدمة زوج الناظرة منذ سنة. ومعنى ذلك أن ست النسا لم تكن منتظمة فى الدراسة عند التحاقها بخدمة زوج المتهمة، واذا ثبت ذلك فانه لا يكون لدى الطاعنة علم بأن ست النسا تلميذة فى مدرسة منشاة بطاش الابتدائية. وفضلا عن ذلك فان (ست النسا) قد ألحقت بخدمة الناظرة - الطاعنة - باسم (سيده) وليست باسم (ست النسا). وتقرر الطاعنة أن هذا الاتهام نتيجة تدبير واختلاق ضد الناظرة للانتقام منها والتشفى بالحاق الأذى بها من خصومها فى المدرسة وحرام أن تنتهى النيابة الادارية الى القول بأن الناظرة أكرهت التلميذة ست النسا على ترك الدروس بالمدرسة لتعمل خادمة بمنزل الناظرة - وخلصت الطاعنة الى طلب القضاء بالغاء الحكم التأديبى الذى قضى بعزلها من الوظيفة مع حفظ حقها فى المكافأة.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه قد صدر فى 23 من ديسمبر سنة 1963 وقد طلبت المحكوم بعزلها فى 30 من يناير سنة 1964 من السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة الطعن فى هذا الحكم. وتم ايداع التقرير به فى 20 من فبراير سنة 1964 ومن ثم يكون الطعن الراهن مقبولا شكلا.
ومن حيث ان وقائع الدعوى التأديبية تتلخص فى أنه خلال عام (1960/ 1961) قررت المنطقة التعليمية "تأنيث" مدرسة منشأة بطاش الابتدائية المشتركة، وتم اختيار الطاعنة صفيه أمين حامد المغربى لتتولى هى ادارة المدرسة المذكورة.
حدث بعد ذلك مباشرة وبمجرد أن تولت الطاعنة ادارة المدرسة أن دب الشقاق بين العاملين فيها وانقسموا الى فريقين:
الأول: يتكون من الناظرة الطاعنة ومعها باقى المدرسات - هيئة التأنيث.
والثانى: يتكون من المدرس فهيم رزق محمد شعبان، وزميله عطيه سليمان خلف والخادم نصر الدين أبو زيد وزوجته الخادمة شفيقة هلال يوسف.
وكان هم كل فريق أن يقدم الشكاوى ضد الفريق الآخر الى المنطقة التعليمية والجهات المسئولة ظنا من كل فريق أن الفوز مكفول لصاحب العدد الأكبر من الشكاوى الى أوسع مجال من مختلف الجهات مختصة كانت أم لا شأن لها بالنزاع ما دامت الغلبة فى ظن كل فريق هى لعالى الصياح. ومحصل ما جاء بهذه الشكاوى أن الطاعنة نسبت الى المدرس شعبان أنه اعتدى عليها بالسب وحاول ضربها مما قد يؤدى الى اجهاضها وهى حامل، كما نسبت اليه أنه قفز من نافذة المدرسة يوم 31/ 3/ 1961 أثناء طابور الصباح وأنه ثار بين التلاميذ ووصف مدرسات المدرسة بالميوعة. وأسندت الطاعنة الى المدرس عطيه سليمان انه استولى على استجواب خاص باحدى المدرسات وقام بتسليمها اياه، فضلا عن تواجده بمسكن المدرسات فى مساء يوم من أيام الصيف. وكذلك أسندت الطاعنة الى الخادم نصر الدين أبو زيد أنه أحضر نجله الى المدرسة يتولى بدلا عن أبيه أعمال النظافة وان الخادم نفسه امتنع عن الادلاء بأقواله فى تحقيق أجرته الطاعنة بوصفها ناظرة المدرسة. ونسبت الطاعنة الى الخادمة شفيقة هلال أنها رفضت المبيت مع المدرسات ولما أجبرها التفتيش على ذلك اعتدت عليهن بعبارات جارحة ورفضت قضاء حاجاتهن من الناحية، كما أحضرت طفليها للمبيت مع المدرسات مما كان سببا فى اقلاق راحتهن. وكذلك قامت المدرسات بتقديم بعض الشكاوى الخاصة بتهديدهن فى التحقيق الذى أجرته المنطقة والتأثير عليهن لابداء أقوال فى اتجاه معين - أما الفريق الآخر الخصم للناظرة الطاعنة فقد وجه بدوره اليها عدة مخالفات أخصها تكليف الطاعنة لخادم وخادمة المدرسة بقضاء بعض مصالح الناظرة وزوجها طرف الناحية، وكذلك سماحها لزوجها بالحضور الى سكن المدرسات وتكليفها المدرسات بأعمال خاصة وتحريضها المدرسات على الشهادة ضد المدرسين ومحاولة زوج الناظرة الاعتداء على المدرس شعبان يوم 1/ 9/ 1961 وكذلك أرسل المدرس شعبان برقية الى المنطقة يوم 22/ 11/ 1961 ذكر فيها أن الناظرة عطلت الدراسة فى ذلك اليوم وقد تولت المنطقة التعليمية التحقيق الابتدائى فى بعض هذه الشكاوى ثم رفع الموضوع الى السيد/ مدير عام المنطقة الذى رأى فى 16/ 12/ 1961 احالة الأوراق الى النيابة الادارية لاجراء تحقيق شامل كما قرر سيادته نقل جميع هيئة التدريس من مدرسة منشاة بطاش الابتدائية الى جهات أخرى. وجاء فى تحقيق النيابة الادارية أنه بسماع أقوال التلميذة (ست النسا) قررت أنها تعمل خادمة لدى الطاعنة، وانها كانت تلميذة بالمدرسة وأن الذى أحضرها هو ابن الفراشة شفيقة هلال ويدعى رمزى. وذكرت ست النسا أن الطاعنة صفيه أمين حامد المغربى كانت تعلم بأنها - ست النسا - تلميذة بالمدرسة -. وبسؤال والد ست النسا وهو محمد سلامة قرر أن ابنته تعمل خادمة لدى الطاعنة مقابل جنيه واحد فى الشهر وقال أن الفراشة شفيقة هلال هى التى قدمتها الى الناظرة. هذا وبمناسبة تقديم الطاعنة عدة شكاوى الى الجهات الرئاسية وصفت فيها القائمين بالعمل بمنطقة التعليم بالرجعية والمحسوبية والفساد، أحيلت هذه الشكوى الى النيابة الادارية لتحقيقها، وقيد الموضوع برقم (114) لسنة 1962 وبسؤال السيد/ عبد العزيز نور مدير التعليم الابتدائى قرر أن ما جاء بالشكاوى لم يحدث أصلا. وبسؤال الطاعنة الشاكية قررت وأكدت أنها تتهم السيد المذكور بالمحاباة وباحتضان المدرس عطيه خلف وزميله شعبان، وانه كان يعمل على تعطيل التحقيق الادارى مساعدة منه للمدرسين عطية وشعبان.
ومن حيث أن هذه المحكمة العليا تحرص بادئ ذى بدئ على التنبيه الى أنه:
لا تثريب على الموظف ان كان معتدا بنفسه، واثقا من سلامة نظره، شجاعا فى ابداء رأيه، صريحا فى ذلك أمام رئيسه، لا يداور ولا يرائى، ما دام هو لم يجانب ما تقتضيه وظيفته من تحفظ ووقار، وما تستوجبه علاقته برئيسه من التزام حدود الأدب واللياقة وحسن السلوك. ذلك أن الصراحة فى ابداء الرأى بما فيه وجه المصلحة العامة مطلوبة وخصوصا فى الدولة الاشتراكية، حتى لا تضيع تلك المصلحة العامة فى تلافيف المصانعة والرياء وتتلاشى بعوامل الجبن والاستخذاء. كما لا يضير الموظف أن تكون له وجهة نظر معينة فى المسألة التى يدافع عنها. ويجتهد فى اقناع رئيسه للاخذ بها ما دام يفعل ذلك بحسن نية فى سبيل المصلحة العامة. ولا جناح عليه أن يختلف مع رئيسه فى وجهات النظر اذ الحقيقة دائما هى وليدة اختلاف الرأى لا يجليها الا قرع الحجة بالحجة ومناقشة البرهان بالبرهان. وانما ليس معنى ذلك كله أن يفوت الموظف ما تقتضيه طاعة الرؤساء واحترامهم بالقدر الذى يجب أن يسود بين الرئيس والمرؤوس. فطاعة الرؤساء واحترامهم واجب يضمن للسلطة الرئاسية فاعليتها ونفاذها. فالسلطة الرئاسية يمارسها رؤساء لهم من أقدميتهم فى الخدمة ما يجعلهم أكثر ادراكا للعمل وحاجاته وبالتالى أكثر قدرة ودراية على مواجهته وحل مشاكله. والرئيس هو المسئول أولا وأخيرا عن سير العمل فى الوحدة التى يرأسها أو يشرف عليها.
فالطاعة والاحترام فى هذا المجال أمران تمليانهما طبائع الأمور ما دامت هى طاعة قليل الخبرة لمن هو أكثر خبرة وقدرة منه. وما دام هو احترام الصغير للكبير فلا يسوغ للموظف أن يتخذ من الشكوى ذريعة للتطاول على رئيسه بما لا يليق أو لتحديه والتمرد عليه أو التشهير به. ويستحق الموظف الجزاء المناسب اذا هو وجه الى رئيسه عبارات قاسية حتى لو ثبتت صحة ما تضمنته مثل تلك العبارات. ومن المسلم أن واجب الاحترام لا يخضع لضوابط معينة لذلك يكون الحكم على مدى اخلال الموظف به هو فى ضوء الظروف والملابسات التى تحيط بكل حالة. ولعدم الاحترام صور متعددة لا تقتصر على التعدى أو التفوه بعبارات قاسية أو جارحة أو التشهير به فى كتب وشكاوى طائشه على النحو الذى نسبته النيابة الادارية للطاعنة واستخلصته المحكمة التأديبية من الأوراق استخلاصا سائغا وسليما من أوراق هذا الطعن، وتقرها عليه هذه المحكمة.
ومن حيث انه ولئن كانت للسلطات التأديبية، ومن بينها المحاكم التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الادارى وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها فى ذلك، الا أن مناط مشروعية هذه السلطة ألا يشوب استعمالها غلو. ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الادارى وبين نوع الجزاء ومقداره. ولا يتأتى تأمين المرافق العامة اذا انطوى الجزاء على مفارقة صارخة. فركوب متن الشطط فى القسوة يؤدى الى احجام عمال المرافق العامة عن حمل المسئولية خشية التعرض لهذه القسوة فى الشدة. وعلى هذا الأساس يعتبر استعمال سلطة تقدير الجزاء فى هذه الصورة مشوبا بالغلو، فيخرج التقدير من نطاق المشروعية الى نطاق عدم المشروعية ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة التى رأت فى وقائع الحكم التأديبى المطعون فيه ومن ملابسات الطعن الراهن والظروف التى أحاطت بالطاعنة ومن كان حولها من العاملين بمدرسة منشأة بطاش الابتدائية ان درجة خطورة الذنب الادارى الذى لا شك أنها وقعت فيه، لا تتناسب مع جزاء عزلها من الوظيفة من الوظيفة التى كانت تقوم بأعبائها فى ظروف لا تحسد عليها. ومن أجل ذلك تكتفى هذه المحكمة العليا بمجازاة الطاعنة لما صدر منها وثبت فى حقها، بالوقف عن العمل بغير مرتب لمدة ثلاثة أشهر ففى ذلك ما يكفى جزاء على ما تردت فيه ودرسا لما ينبغى أن تكون عليه القائمة برسالة تعليم النشئ من أبناء هذه الجمهورية. ذلك هو الهدف الذى توخاه القانون من نظام تأديب العاملين وهو تأمين انتظام المرافق العامة وفى مقدمتها مرفق التعليم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبمجازاة الطاعنة صفية أمين حامد المغربى بالوقف عن العمل بغير مرتب لمدة ثلاثة أشهر.