مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 474

جلسة 21 يونيه سنة 1934

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: زكى برزى بك وأحمد أمين بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.

(201)
القضية رقم 44 سنة 3 القضائية

أجنبى. حق الإبعاد. تقدير مدّة الحبس اللازمة لتنفيذ قرار الإبعاد. خضوعه لرقابة محكمة النقض. (المادتان 5 و7 من الدستور)
إنه إذا كان للحكومة حق إبعاد الأجانب غير المعروفى الجنسية أو المعروفيها، بعد اتخاذ ما يلزم لذلك من الإجراءات، فانه ما لا شك فيه أن لها الحق - لإمكان تنفيذ قرار الإبعاد - فى أن تقبض على الشخص المقرّر وإبعاده وحبسه إلى وقت تنفيذ الإبعاد فعلا. ولكن مما لا شك فيه أيضا أن ليس للحكومة - تحت ستار ضرورات التنفيذ - أن تقبض على الشخص وتبقيه بالحبس زمنا طويلا لا تقتضيه تلك الضرورة، بل ينبغى ألا يكون هذا الحبس إلا قبيل التنفيذ بزمن معقول، وعلى محكمة الموضوع أن تبين فى كل حالة ما إذا كانت مدّة الحبس لتنفيذ قرار الإبعاد زادت على الحدّ اللائق المعقول أم لا، وأن تقضى بالتعويض المناسب كلما قدّرت أن هذه المدّة قد زادت على ذلك الحدّ. ولمحكمة النقض على كل حال مراقبة محكمة الموضوع فى هذا.


الوقائع

وقائع الدعوى، حسب الحكم المطعون فيه ومن المستندات والمذكرات المقدّمة لهذه المحكمة، تتلخص فيما يأتى:
رفع أحمد على نور الدين اليعقوبى أمام محكمة اسكندرية الكلية هذه الدعوى التى تقيدت بجدولها تحت نمرة 196 سنة 1926 ضدّ حسنين أفندى عيسوى الصول بسجن كوم الدكة وعبد اللطيف أفندى أحمد باعتباره مأمور القسم محرّم بك ووزارة الداخلية ومحافظة إسكندرية. وقد قال فى عريضتها الافتتاحية إنه قصد الديار المصرية لزيارة ذويه وأقاربه، وإنه ما وطأت قدماه الثغر الإسكندرى إلا وألقى القبض عليه فى يوم الأحد 10 أغسطس سنة 1924 وزج فى السجن بتهمة التآمر على إحداث ثورة فى البلاد المصرية بعد أن فتش البوليس منزله تفتيشا دقيقا ولم يعثر فيه على شئ واستجوبته النيابة، وقد لبث فى السجن 70 يوما إلى أن أطلق سراحه فى 19 أكتوبر سنة 1924 دون أن يعرف سبب القبض عليه وحرمانه من حريته كل هذه المدّة الطويلة، وطلب الحكم بالزام المعلن إليهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 30000 جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف والأتعاب.
دفعت وزارة الداخلية هذه الدعوى بثلاثة دفوع فرعية: (الأوّل) عدم اختصاص المحاكم الأهلية بالفصل فيها لأن المدّعى غير مصرى. (الثانى) عدم اختصاص المحاكم عموما بنظرها لأن ما حصل من الحكومة يدخل ضمن أعمال السيادة الخارجة عن رقابة السلطة القضائية. (الثالث) عدم اختصاص محكمة إسكندرية الأهلية بنظرها لأن الدعوى موجهة ضدّ الحكومة، وأنه لم يدخل باقى المدّعى عليهم فيها إلا بقصد تغيير الاختصاص.
وبتاريخ 2 ديسمبر سنة 1926 قضت محكمة إسكندرية الابتدائية برفض الدفوع الفرعية الثلاثة وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى وأمرت بالتكلم فى الموضوع، ثم قضت بتاريخ 13 يناير سنة 1927 فيما يتعلق بالموضوع بالزام وزارة الداخلية بأن تدفع للمدّعى مبلغ 150 جنيها على سبيل التعويض مع المصاريف المناسبة و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
استأنفت الوزارة هذين الحكمين أمام محكمة استئناف مصر الأهلية بالاستئناف رقم 598 سنة 44 قضائية، وتمسكت من باب أصلى بالدفوع الثلاثة المتقدّمة، ومن باب الاحتياط طلبت إيقاف النظر فى هذا الاستئناف إلى أن يثبت المستأنف ضدّه أنه مصرى أو سودانى، ومن باب الاحتياط الكلى رفض الدعوى. ومحكمة الاستئناف قضت بتاريخ 21 ديسمبر سنة 1927 بايقاف النظر فى هذا الاستئناف حتى يثبت المستأنف عليه أنه مصرى. فعجله المستأنف عليه لجلسة 12 نوفمبر سنة 1930، وفيها قرّرت المحكمة بإعادته للإيقاف حتى يستحضر المستأنف عليه شهادة رسمية من حكومة السودان بأنه سودانى، وأخيرا عجلته وزارة الداخلية، فطلب المستأنف عليه بجلسة المرافعة الفصل فيه بالحالة التى هو عليها، فقضت محكمة الاستئناف بتاريخ 22 فبراير سنة 1933 بتأييد الحكمين المستأنفين وبالزام الوزارة بالمصاريف ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وقد أعلن هذا الحكم لوزارة الداخلية فى 11 أبريل سنة 1933 فطعنت فيه بطريق النقض فى 11 مايو سنة 1933، وأعلن تقرير الطعن للمطعون ضدّه فى 15 من الشهر المذكور، وقدّم طرفا الخصومة مذكراتهم الكتابية فى الميعاد القانونى، وقدّمت النيابة مذكرتها فى 24 مايو سنة 1934.
وبجلسة يوم الخميس 14 يونيه سنة 1934 المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت المحكمة الدعوى بما هو مدوّن بمحضر الجلسة. ثم تأجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن بنى على أربعة أوجه:
الأوّل - أن محكمة الموضوع خالفت القانون عند ما وصفت جنسية المدّعى عليه فى الطعن بأنها سودانية، فقد اعتمدت فى إثبات هذه الجنسية على أدلة غير مقبولة قانونا فى إثبات الجنسية.
الثانى - أن محكمة الموضوع وإن أقرّت وجهة نظر الحكومة فى اعتبار نفى الأجانب غير المرغوب فيهم من أعمال السيادة التى لا تدخل فى رقابة القضاء، إلا أنها قرّرت أن الحبس، ولو كان عملا لازما لتنفيذ أمر النفى، لا يعتبر من أعمال السيادة بالتبعية، وفى هذا مخالفة للقانون موجبة لنقض الحكم.
الثالث - أن محكمة الموضوع لم تفرّق بين الرعوية المصرية التى هى شرط فى اختصاص قضاء البلاد وبين الجنسية المصرية التى هى شرط فى تحريم النفى طبقا للدستور، وفى هذا قصور فى الأسباب وغموض فيها موجب لنقض الحكم.
الرابع - أن وزارة الداخلية قدّمت للمحكمة دفعا بأن المطعون ضدّه هو الذى ألبس دفاعه فى الجنسية ألوانا عدّة، وهذا ما حمل الحكومة على عملها، ولكن المحكمة قد أغفلت هذا الدفع، وفى هذا بطلان جوهرى فى الحكم لعدم تسبيبه.
وحيث إن الثابت واقعيا فى هذه الدعوى أن جهة الإدارة قبضت على أحمد على نور الدين اليعقوبى المطعون ضدّه وقدّمته للنيابة العامة بتهمة جنائية فظل زمنا محبوسا على ذمة التحقيق ثم أفرجت النيابة عنه (لعدم ثبوت التهمة عليه كما يظهر)، لكن جهة الإدارة - إذ قدّرت أنه من الأشخاص الذين لا يؤمن جانبهم على الأمن العام، وأن من الواجب إبعاده عن الديار المصرية، وأن إبعاده جائز لكونه غير مصرى بحسب رأيها - قد استبقته فى السجن زيادة عن خمسين يوما، وفى هذه الأثناء كانت تطلب إلى قناصل بلاد أجنبية مختلفة أن تقبل ترحيله إليها، فكان أولئك القناصل يرفضون الاعتراف بتبعيته لجنسية بلادهم ويأبون إعطاء إجازة سفر له.
وحيث إنه يظهر من الحكم المطعون فيه أنه لا يأبه كثيرا لمسألة كون المطعون ضدّه مصريا أو سودانيا أو تركيا أو غير ذلك، بل الأساس الذى رتب عليه التعويض هو عدم إمكان حبس أى شخص ولو بعلة أنه أجنبى مقرّر إبعاده، لأن الحبس فى ذاته مناف للحرّية الشخصية التى يتمتع بها كافة القاطنين بالديار من الأجانب والوطنيين والتى لا يجوز المساس بها إلا فى حدود القانون، ولا يوجد قانون يبيح حبس الأجانب المقرّر إبعادهم إلى حين تنفيذ الإبعاد.
وحيث إنه متى كان الأمر كذلك وكان اختصاص المحكمة الأهلية ثابتا بالنسبة لكل شخص حتى ولو لم يكن مصريا ولا سودانيا، بل كان مجهول النسبة أم مجحودها من قبل الدولة التابع هو لها، فلا فائدة من بحث شئ من الأوجه التى وردت فى تقرير الطعن إلا ما كان منها متعلقا بكون حبس الأجنبى المقرّر إبعاده حقا للحكومة أم أنه ليس من حقوقها.
وحيث إنه إذا كان للحكومة حق إبعاد الأجانب الغير المعروفى الجنسية أو المعروفيها بعد اتخاذ ما يلزم لذلك من الإجراءات فانه مما لا شك فيه أن لها الحق، لإمكان تنفيذ قرار الإبعاد، فى أن تقبض على الشخص المقرّر إبعاده وتحبسه إلى وقت تنفيذ الإبعاد فعلا. ولكن مما لا شك فيه أيضا أن ليس للحكومة، تحت ستار ضرورات التنفيذ، أن تقبض على الشخص وتبقيه فى الحبس زمنا طويلا لا تقتضيه تلك الضرورة، بل ينبغى أن لا يكون هذا الحبس إلا قبيل التنفيذ بزمن معقول؛ وعلى محكمة الموضوع أن تبين فى كل حالة ما إذا كانت مدّة الحبس لتنفيذ قرار الإبعاد زادت عن الحدّ اللائق المعقول أم لا، وأن تقضى بالتعويض المناسب كلما قدّرت أن هذه المدّة قد زادت عن ذلك الحدّ. ولمحكمة النقض على كل حال مراقبة محكمة الموضوع فى ذلك.
وحيث إن الحكومة استبقت المطعون ضدّه من 27 أغسطس سنة 1924 تاريخ الإفراج عنه بمعرفة النيابة العامة إلى 19 أكتوبر سنة 1924 أى ثلاثة وخمسين يوما، فحتى لو صرف النظر عما ذكره الحكم الابتدائى من الأسباب التى أخذت بها محكمة الاستئناف والتى حاصلها أن الحكومة غير محقة فى زعمها بأنها إنما حبست هذا الرجل استعدادا لإبعاده لكونه خطرا على الأمن العام - حتى بصرف النظر عن هذا، وبالتسليم بما تقوله الحكومة من أن الأمر بابعاده قد صدر فعلا من وزارة الداخلية فى 25 أغسطس سنة 1924 وأن حبسه إنما كان استعدادا لهذا الإبعاد، فانه غير ظاهر، لا من الحكم المطعون فيه ولا من غيره من الأوراق المقدّمة لهذه المحكمة، ما يفيد أنه كانت هناك ضرورة تقضى بحبس المطعون ضدّه كل هذه المدّة تنفيذا لأمر الإبعاد، وأن حبسه كان فى حدود تلك الضرورة. وما دام شئ من ذلك لم يثبت فالحبس يكون أيضا قد وقع خطأ ويكون لا غبار على الحكم المطعون فيه إذ قضى بالتعويض.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض الطعن.