مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 1428

(129)
جلسة 22 من مايو 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور ضياء الدين صالح - وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد شلبى يوسف وعادل عزيز وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 144 لسنة 10 القضائية

( أ ) موظف - جزاء تأديبى - فصل من الخدمة - وجوب أن يكون الجزاء التأديبى عادلا خاليا من الاسراف فى الشدة والامعان فى استعمال الرأفة - جزاء الفصل لا يلجأ اليه الا اذا كانت المخالفة خطيرة أو كانت حالة المخالف لا يرجى تحسنها وميئوسا منها.
(ب) قضاء ادارى - اختصاص - مشروعية - موظف - جزاء تأديبى - امعان الجزاء التأديبى فى الشدة يجذبه الى دائرة عدم المشروعية - للمحكمة أن تعمل سلطانها فى انزال الحكم الصحيح للقانون.
1 - ترى المحكمة فى تقرير الجزاء التأديبى الملائم أن يكون جزاء عادلا بأن يخلو من الاسراف فى الشدة والامعان فى استعمال الرأفة لأن كلا الأمرين ليس فيهما من خير على حسن سير المرافق ويجافيان المصلحة العامة وليس فى فصل عامل المرفق اصلاحه بل فيه الضرر المحقق له وقد يكون فيه الضرر على نفس المرفق بحرمانه من خدمات المطعون لصالحهما. بعد أن قضيا فيه تلك المدة الطويلة. وجزاء الفصل لا يلجأ اليه الا اذا كانت المخالفة خطيرة أو اذا كانت حالة المخالف لا ينتظر تحسنها وميئوسا منها فيتعين عندئذ الفصل ويكون جزاء وفاقا حتى يتخلص المرفق من هذا النوع من العاملين به ويحل محله من هو أكثر فائدة له.
2 - سبق لهذه المحكمة أن نعتت الجزاءات الممعنة فى الشدة بأنها تنجذب الى عدم المشروعية وأنه يحق لها أن تعمل سلطانها فى انزال الحكم الصحيح للقانون.


اجراءات الطعن

فى يوم الاربعاء الموافق 25/ 12/ 1963 أودع السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن عن الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لموظفى وزارة المواصلات بجلسة 19 من نوفمبر عام سنة 1963 القاضى بعزل كل من زكى عبد النبى السيد وعدلى عبد الرحيم محمد مع الاحتفاظ بما يستحق لكل منهما من معاش أو مكافأة، وطلب السيد الطاعن أولا الحكم بقبول الطعن شكلا والغاء الحكم المطعون فيه.
وبتاريخ 30/ 12/ 1963 أعلن الطعن وتعين لنظره جلسة 14/ 11/ 1964 أمام دائرة فحص الطعون وأخطر بها ذوو الشأن فى 21/ 10/ 1964 فقررت باحالته الى هذه الدائرة فعينت له جلسة 30/ 1/ 1965 وأخطر بها ذوو الشأن فى 16/ 10/ 1965 فنظرته وسمعت ما رأت سماعه من ملاحظات الطرفين ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن واقعات هذه المنازعة تخلص فى أن النيابة الادارية أودعت تقرير اتهام فى 29/ 4/ 1963 ضد المطعون لصالحهما وهما وقادا وابورات درجة رابعة بالهيئة العامة لسكك حديد مصر لانهما فى خلال سنة 1962 خرجا على مقتضى الواجب فى أداء وظيفتهما بأن ادعيا المرض واستلما من قسم وابورات بولاق الدكرور تقارير المرض الموضحة بالاوراق ولم يقدماها الى مستشفى الهيئة للكشف عليهما طبيا واصطنعا شهادات لياقة للعمل زعما أنها صادرة من المستشفى وعادا الى عملهما بعد أن حصلا على أجازة غير قانونية.
وبتاريخ 19 من نوفمبر سنة 1963 قضت تلك المحكمة على النحو السابق ذكره واقامت قضاءها على أنه ثبت لديها ان المطعون لصالحهما قد عمدا فى سبيل الانقطاع عن عملهما الى تسلم تقارير المرض من قسم وابورات بولاق الدكرور ولم يسلماها الى مستشفى الهيئة أو الادارة الطبية كالمتبع ثم اصطنعا شهادات اللياقة الطبية وزعما انها صادرة من الأطباء وعادا الى عملهما بمقتضاها، ثم ان المتهم الأول عمد الى ملء بيانات تقرير المرض 64427 على انه صادر من الطبيب وان المخالفة المسندة اليهما تأيدت بأقوال السيدين محمد عبد الله طاحون وعلى محمد أبو شنب الكاتبين بوابورات بولاق وبأقوال عبد المنعم بركات كاتب عيادة الجراحة بالمستشفى ورفعت سيدهم كاتب التفتيش الطبى ولبيب ابراهيم سليمان سكرتير المستشفى وأحمد عبد الحميد شلبى كاتب أول التفتيش الطبى وأن ما اصطنعاه من مستندات الاجازة يكون جريمة التزوير الأمر الذى يستوجب عدم صلاحيتهما طبقا لحكم المادة - 46 من القرار الجمهورى رقم 2190 لسنة 1959 بنظام الموظفين بهيئة السكك الحديدية.
ومن حيث ان هيئة مفوضى الدولة قدمت تقريرا برأيها فى المنازعة ذهبت فيه الى القول بأن الحكم المطعون فيه سليم فيما يتعلق بادانة الطاعنين فى الاتهام الموجه اليهما، أما فيما يتعلق بالجزاء ومقداره فان القدر المتيقن فى حقهما أنهما حصلا على اجازة غير قانونية بطريقة غير مشروعه وهذه مخالفة لا تبلغ درجة الخطورة التى تؤدى الى انزال عقوبة الفصل ومن ثم فان جزاء الفصل الذى قضى به الحكم المطعون فيه لا يتناسب مع الجرم المرتكب بل جاء مشوبا بالغلو الذى يخرجه عن دائرة المشروعية مما يتعين معه الغاء الحكم وايقاع الجزاء المناسب.
ومن حيث ان ادارة قضايا الحكومة قدمت مذكرة برأيها قالت فيها ان التهمة ثابتة قبل المتهمين من اعتراف المتهم الأول وأقوال من سئل فى التحقيق من المختصين اذ ذكر الأول فى اعترافه انه كان يحصل على شهادات اللياقة على بياض ويقوم بتكليف شخص لاثبات البيانات ويوقع عليها وثابتة أيضا قبل المتهم الثانى وان انكر لأن ماضيه غير مشرف اذ اتهم فى جريمتى تشرد واصدار شيك بدون رصيد، وكل هذا يؤدى الى عدم تمتعه بحسن السمعة، وأن الجزاء ليس فيه أى غلو، فضلا عن أن تقدير مدى خطورة السبب تستقل به السلطات التأديبية طبقا لما استقرت عليه أحكام هذه المحكمة وساقت هذه المذكرة الأحكام الصادرة فى الطعون الآتية: 178/ 7 و501/ 4 و159/ 1 و1696/ 2 و1723/ 2 و63/ 3 و21 945/ 4 القضائية واستطردت ذاكرة أنه ثبت أيضا أن المتهمين اصطنعا شهادات طبية مزورة وادعيا أنها صادرة من الطبيب المختص، كما استعملا هذه الشهادات بتقديمها للحصول على اجازات غير قانونية وللعودة الى العمل دون أن يوقع عليهما الطبيب المختص لتقدير لياقتهما للعمل وفى هذا خطورة على سير المرفق فضلا عما فيه من اقتراف جناية تزوير ومن ثم كان من اللازم أخذهما بالشدة حتى يكون فى عقابهما الزجر لهما والعبرة لغيرهما ممن تسول له نفسه التلاعب بالقوانين والعبث بالمرافق العامة التى تؤدى أعمالا خطيرة للجمهور وانتهت هذه المذكرة الى طلب الحكم برفض الطعن والزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة.
ومن حيث ان المتهمين قدما مذكرة بدفاعهما قالا فيها أن الطاعن الأول يعول أسرة كبيرة وأن فصله بعد عمله الطويل يعتبر بمثابة اعدام له لضياع مصدر رزقه ويتعدى ذلك الى أسرته التى لا عائل لها سواه ومراعاة لهذه الظروف الانسانية طلب هذا المتهم استعمال منتهى الرأفة وانه يكفيه ما لاقى من هوان بعد الفصل ووعد بالاستقامة فى العمل رغبة منه فى الحفاظ على مورد رزقه ورزق أسرته التى يعولها.
أما الطاعن الثانى فقد طلب الغاء الحكم وبراءته مما اسند اليه قائلا أن التحقيق أثبت أنه لم يتخذ أى اجراء من جانبه ولأنه لكى يكون مسئولا عن التقارير الطبية التى لم تثبت صحتها يجب أن يثبت بطريقة قاطعة أنه هو الذى قام بتزويرها وذلك لاحتمال أن يكون الموظف المنوط به حفظ التقارير قد فقدت منه التقارير الأصلية فقام بتحرير بدل فاقد لها وأودعه ملف خدمته حتى لا يقع تحت طائلة المسئولية الادارية ثم اختتم أقواله بطلب احتياطى هو استعمال الرأفة ان لم تقتنع المحكمة ببراءته.
ومن حيث انه فيما يختص بادانة الطاعنين فقد ساق الحكم المطعون فيه ومذكرة ادارة قضايا الحكومة العديد من الأدلة والقرائن على ذلك مما لا يقوم معها أى شك فى أنهما اقترفا ما أسند اليهما وان أنكر الطاعن الثانى، وان لم يثبت أنه هو الذى قام فعلا بتحرير البيانات المزورة فى التقارير والشهادات الطبية اذ القدر المتيقن فى حقه أنه شريك فى جريمة التزوير لأنه المستفيد الوحيد من هذه الجريمة ولكنه يعتبر فاعلا أصليا فى جريمة استعمال المحرر المزور. أما ما زعمه من احتمال أن يكون الموظف المسئول عن حفظها هو الذى اصطنعها بديلة للشهادات الصحيحة فمردود عليه بأن هذا الاحتمال يقوم اذا كانت هناك شهادات صحيحة ثم فقدت وفى هذه الحالة تكون ثابتة فى السجلات، أما التى نسبت لهذا المتهم عدا واحدة، فقد تبين أنها غير ثابتة فى السجلات، الأمر الذى يقطع بتزويرها بصفة أصلية وعدم عرضها على المختصين فى جميع مراحل اعدادها، واذ شهد هؤلاء بتزويرها ولأنها غير ثابتة فى السجلات المعدة لذلك فيكون كذلك ويكون هذا المتهم شريكا فى تزويرها وفاعلا أصليا فى استعمالها وفى ذلك ما يؤثمه ويجعله مستحقا للعقاب.
ومن حيث أن ما اقترفه المتهمان يقع تحت طائلة المواد الواردة فى قرار الاتهام السابق ذكره والقرار الوزارى رقم 108 الصادر فى 18/ 12/ 1960.
ومن حيث أنه بالنسبة الى تقدير الجزاء الملائم ترى المحكمة أن يكون جزاء عادلا بأن يخلو من الاسراف فى الشدة والامعان فى استعمال الرأفة لأن كلا الأمرين ليس فيهما من خير على حسن سير المرافق ويجافيان المصلحة العامة وليس فى فصل عامل المرفق اصلاحه بل فيه الضرر المحقق له وقد يكون فيه الضرر على ذات المرفق بحرمانه من خدمات المطعون لصالحهما بعد أن قضيا فيه تلك المدة الطويلة. وجزاء الفصل لا يلجأ اليه الا اذا كانت المخالفة خطيرة أو اذا كانت حالة المخالف لا ينتظر تحسنها وميئوسا منها فيتعين عندئذ الفصل ويكون جزاءا وفاقا حتى يتخلص المرفق من هذا النوع من العاملين به ويحل محله من هو أكثر فائدة له.
ومن حيث انه سبق لهذه المحكمة أن نعتت الجزاءات الممعنة فى الشدة بأنها تنجذب الى عدم المشروعية وانه يحق لها أن تعمل سلطانها فى انزال الحكم الصحيح للقانون ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه وقد أوقع بالمطعون لصالحهما الفصل قد تنكب وجه الصواب ويتعين الغاؤه، وترى أن الجزاء الملائم للاثم المقترف هو خفض راتب كل منهما بواقع جنيهين فى كل شهر.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه، وبمجازاة كل من زكى عبد النبى عبد النبى السيد، وعدلى عبد الرحيم محمد بخفض مرتبه جنيهين شهريا.